مدینة البامیاء (مجموعة قصصیة) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مدینة البامیاء (مجموعة قصصیة) - نسخه متنی

یوسف حطینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تحبّ أحمد عدوية؟ فاجأني بسؤاله، خفت أن أخبره بالحقيقة، فيتراجع عن نشر قصتي، وعن دعوته لي كي ألقيها في مبنى الجمعية، قلت له:

إنه مطربي المفضل.. هنأني على ذوقي وكافأني بفنجان من القهوة، قدمه رجل عجوز يشع الأسى من عينيه قائلاً:

تفضل يا أستاذ. كلمة أستاذ ولو من رجل عجوز في سن والدي أعجبتني، رددتها بيني وبين نفسي كثيراً، أحببت نغمتها الدافئة، وحين انتهيت من شرب القهوة، وانتشيت كما ينبغي لأي أستاذ أن ينتشي، استودعت الأستاذ عبد الرحيم فودعني بحرارة، أسلمت بعدها ساقيّ للباص المزدحم برائحة العرق والفقر والمازوت حتى وصلت إلى البيت. كنت لا أزال أرتدي الجوارب الممزقة، حين اضطجعت على السرير ورحت أتذكر ما قاله الأستاذ عبد الرحيم، لم أكن قد صدقت بعد أن رئيس الجمعية شخصياً يمكن أن يدعوني إلى أمسية، حيث يجتمع الناس المحترمون ويدخنون السيجار ويتحدثون بطلاقة. ولكن لماذا أظلم نفسي؟ إن قصتي تثير الحماس، مبنية بدقة، كما تعلّمت في الجامعة، وقد شرحت ذلك للأستاذ عبد الرحيم فاكتسى وجهه بالاشمئزاز. إن لغتي بسيطة، أي نعم، ولكنها جميلة لا أخطاء فيها، عناصر القصة متوفرة:

الزمان والمكان وحركة الأحداث والحبكة، وكل ما يخطر على بال النقاد الذين سيأتون. إذا ناقشوني سأحدثهم عن مآخذي على غسان كنفاني ويوسف إدريس وغي دو موباسان. عندها سيقتنعون أنني مثقف ممتاز. أهم شيء في كتابة القصص امتلاك الموهبة والمتابعة.. هكذا حدثت نفسي، عندما انتبهت إلى كوب الشاي البارد فوق الطاولة، لا شك أن أمي وضعته هنا، كيف لم أنتبه لها.. الحق معي فلدي ما يشغلني. سأحلق ذقني مرتين، مثلما فعل محمود درويش أيام شبابه، سأستعير من صديقي بذلة جميلة لأظهر كما ينبغي للقاص أن يكون.. الدعوة التي قرأتها في الجريدة، حيث بدا اسمي.. أنيقاً.. ساحراً، تؤكد أن كل شيء على ما يرام، سأطبع مئة بطاقة دعوة على حسابي، أو بالأدقّ على حساب صديقي صاحب البذلة، سأوزعها على النقاد والقاصين الذين أعرفهم. إذا لم تكفِ البطاقات سأتصل تلفونياً (من بيت صاحبي طبعاً) بمن تبقى، يجب أن يأتوا جميعاً، ويتعلموا كيف تكتب القصة القصيرة. لأول مرة أستيقظ قبل أمي. لبست بذلة صديقي، شددت ربطة العنق حتى كدت أختنق، أيقظت أمي، طلبت إليها أن تحضّر فطوراً يليق بي.. هرعت إلى المطبخ وعادت بما تيسّر من الشاي والزيتون والجبن. قالت:

تفضل يا أستاذ، لقد أقنعتها الليلة الماضية أنني أستاذ قد الدنيا، وقلت لها بكثير من الثقة أن رئيس الجمعية الأدبية شخصياً هو الذي أسبغ علي هذا اللقب الذي أستحقه عن جداره. حلقت ذقني مرة ثانية، وتأكدت من نعومة بشرتي بالنظر واللمس، لعل أحد الصحفيين يطلب إجراء مقابلة معي، وربما أظهر في التلفزيون، وأصبح مشهوراً أكثر من ذلك المطرب الذي اضطررت أن أحبه من أجل عيني الأستاذ عبد الرحيم، وعندها سأكتب في كل المجلات والصحف، حتى يجري الذهب الأخضر بين يديّ، وعندها أيضاً ستحبني آمنة التي لم تعد تطيق النظر إليّ منذ حَصَلَتْ على شهادة البكالوريا. ما زال الوقت مبكراً، يغيظني الملل، كان من الممكن أن أتسلى بتحضير حاجاتي:

البذلة وربطة العنق والحذاء والقصة التي سأقرؤها، ولكنني حضرت كل هذا يوم أمس، لماذا لا أفتح المذياع الصغير ربما تستطيع أغنية فيروزية في هذا الصباح أن تبدد قلقي وتريح أعصابي، راقتني الفكرة. قفزت إلى المذياع وأدرت المفتاح، ليأتي منه صوت صاحبنا فرحاً عالياً (حبة فوق.. حبة تحت). كانت الساعات مريرة، قضيتها بين الحذاء والقصة والمذياع وأمي، وما أن بلغت الساعة الخامسة حتى خرجت من البيت، قلت في نفسي:

سأتمشى إلى مبنى الجمعية، ولن يأخذ مني الطريق أكثر من ساعة. في الطريق الطويلة حافظت ما استطعت على نظافة حذائي.. اهتمامي بمن سألاقيهم لم يلهني عن مراقبة الفتيات الجميلات اللواتي سيعجبن بي.. سأتخذهن صديقات فيما بعد، وسأبقى مخلصاً لآمنة، حبي الأول والأخير. في حوالي السابعة والربع كنت أمام المبنى، ما زال الوقت مبكراً.. أدخل.. لا أدخل.. فكرت قليلاً، ثم وجدتني أصعد الدرج بسرعة عجيبة، كانت القاعة الواسعة خالية إلا من رجل عجوز، تجتمع في عينيه هموم الناس الذين أعرفهم، تقدم نحوي، وقال بأسى وهو يمد إلي مظروفاً مغلقاً:

تفضّل يا أستاذ، لقد ترك لك الأستاذ عبد الرحيم هذه البطاقة، إنه يحبك أكثر مني، فهو لم يرضَ أن يعطيني واحدة مثلها. طافت كلمة "أستاذ" التي قالها الرجل في

/ 21