بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الفلسطيني أن العام 2000 لن ينساه من خيره العميم، اجتهد في أن يحمل التفاؤل إلى نفوس زملائه، فشاطره بعضهم حماسته، في حين بقي الآخرون غارقين بنصيبهم من هموم الدنيا. عقرب الساعة يقذف الوقت نحو منتصف النهار، واثنتا عشرة ساعة تفصله عن الألفية الجديدة، وهؤلاء الذين لا يهتمون بحديثه يثيرون غرابته، لا يبدو عليهم القلق والتوتر، أما هو فقد كان كمن يجلس فوق بيضة، تدفعة المغامرة إلى أبي وهيب مراقب الدوام. -صدقني إنني مضطر يا أبا وهيب.. زوجتي مريضة. -بس يا أبا رسمي خروجك من الدائرة في هذا الوقت مسؤولية. بما يشبه الحنان يضع أبو رسمي يده على كتف أبي وهيب ويطمئنه بأنه مستعد لدفع ثمن سكوته:-سأعطيك خمسين ليرة . -مائة ليرة لا تنقص ليرة واحدة. -يا سيدي موافق.. بس الدفع بكرة. وافق مراقب الدوام ممتعضاً، بينما انسل أبو رسمي خارج الدائرة كقط مدرب رشيق. من أين يبدأ؟ ماذا تحتاج هذه الليلة؟ سيكتفي بالكاتو والتبولة والبزر، عله يستطيع أن يشتري بما يتبقى شيئاً ما لزوجته، يضفي على الليلة القادمة مزيداً من النشوة. كانت قوالب الكاتو من كل نوع تصطف جميلة منسقة، تغطيها الكريما والشوكولاته، وتتخذ شكلاً احتفالياً أدخل البهجة والخوف إلى قلبه.. صرف نظره عن القوالب الكبيرة حتى لا يخسر معظم النقود التي يحملها، واتجه إلى البائع العجول الذي يخاطب جميع الزبائن دفعة واحدة، ولكن هذا لم يعره التفاتاً، غير أن صاحبنا استطاع أخيراً أن يشير إلى أحد القوالب الصغيرة سائلاً عن ثمنها:-كل عام وأنت بخير -غال جداً. -كم هي نقودك؟ -حوالي 150. -إذن خذ قالب سادة بـ 200. ولم يكن الحال عند بائع الخضر أفضل بكثير، إذ أخذ خمسين ليرة ثمن كيلو غرام واحد من البندورة، وخمسة عشر ليرة ثمناً لضمة البقدونس، ومثلها لليمونة واحدة، وانطلق ليشتري بما تبقى ما تيسر من البزر والفستق، ولم يستطيع منظر ذلك المتسول الذي أنجبته الطريق فجأة أن ينال من فرحته ومن يقينه أن شيئاً ما سيتغير منذ هذه الليلة، وأن معجزة ما ستهبط على الفقراء والمتسولين والمبعدين عن أوطانهم، فتعيد البسمة إلى الشفاه والدفء إلى القلوب. على الرغم من أنه اضطر أن يسير بقية الطريق على قدميه، فقد كان يشعر بالزهو لأنه استطاع أن يكون رجلاً، وأن ينتمي بجدارة إلى روح هذا العصر، زوجته ستقدر له الاحتفال بهذه المناسبة الغالية، وستلبس أجمل أثوابها وأكثرها إثارة، فهي أيضاً تدرك ما تعنيه هذه الليلة المختلفة عن كلّ الليالي التي سبقتها. عاتَبَتْهُ لأنه لم يحضر طعاماً جاهزاً، فشعر بالامتعاض، ولكنه سرعان ما طرد امتعاضه، حتى لا يفسد المناسبة، وقد اضطر أن يطرد امتعاضه عدة مرات هذه الليلة حتى استطاع أن يجعلها هنيئة تماماً.. لقد شهد مع زوجته، وهما في الفراش، ولادة العام 2000، وأثبت لها بما لا يقبل الشك أنه رجل قوي، قادر على الانتماء للحضارة، لأنه يحمل في روحه إرادة التغيير التي يتطلبها الزمن الجديد.. لذلك طلب منها صباح اليوم التالي فنجان قهوة حلوة أفرغها في جوفه دفعة واحدة، وقبّل الخد الأسيل قبلة لذيذة، وانطلق إلى أصحابه بروح جديدة متفائلة يملؤها النشاط والغبطة. خطا خطوته الأولى خارج المنزل، وكصياد ماهر أمسك أبو مرزوق برقبته قائلاً:-كل عام وأنت بخير أستاذ أبا رسمي، 794 ليرة بالتمام والكمال.. برّئ ذمتك يا رجل. 31-1999 الرمادي "إلى نهاد سيريس" -أنا موافق على كل ما تقترحه، سيدي رئيس التحرير. أبيض كل ما حولي.. ها أنا ذا أمامك، أضع حول عيني نظارتي البيضاء، القميص الأبيض الذي أرتديه، يا سيدي، يثير في نفسي كثيراً من الحبور، أعشق صوت المطربة الحلبية (بهية البيضا) الذي لم أسمعه قط، ولكنني قرأت عنه في الروايات، أحببت شاعراً فلسطينياً مشهوراً، لا لأنني مولع بالشعر الحديث، بل لأنني سمعته مرّة يقول: