مدینة البامیاء (مجموعة قصصیة) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مدینة البامیاء (مجموعة قصصیة) - نسخه متنی

یوسف حطینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

-فليذهبوا جميعاً إلى الجحيم. ولكن الذي أثار غرابتي ودهشتي أنه استقبل بشارتي ببرود، وراح ينقل لي اقتناعه بوجهة نظري، وتصميمه، أن يكون مثلي مسايراً ما استطاع، غير أنني أكدت له أنني إنسان آخر منذ هذه اللحظة. باختصار صار مثلي، وصرت مثله. قضينا ساعات طويلة حتى جنّ الليل، وكاد أن ينتصف، ولولا كلاب البلدية التي هرّتنا، لبقينا إلى الصباح:

كل منا يحاول أن يغير الآخر:

أن أجعله مقاتلاً حقيقياً مثلما أراد لي، وأن يجعلني مسايراً مثلما جئت هذا الصباح. اعترفنا بفشلنا، ثم رحنا، في طريق العودة، نتذكر جوعنا.. تمنى من كل قلبه أن تكون زوجته قد أعدت ملوخية من يديها اللتين تلفان بالحرير، لأن الملوخية كانت أكلته المفضلة، شاركته الأمنية، فالملوخية أكلتني المفضلة أيضاً. وفي طريق العودة تبادلنا النكات البذيئة التي اكتشفت أنه يحبها مثلي، وقد أدهشني أنه يحفظها جميعها، وأدهشني أكثر أننا نسكن قريبين من بعضنا، لذلك حين أخبرني أنه يسكن في برزة، قرب جامع إبراهيم الخليل، شعرت بالأنس في هذا الليل البهيم، وحين وصلنا قرب المسجد ودعته، وودعني، ولكننا سرنا في اتجاه واحد.

-أسكن في البناء رقم (20)

-معقول؟ إذاً نسكن في بناء واحد. دخلنا البناء، صعدنا الدرج متحاضرين، مثل أي صديقين حميمين، وحين وصلنا أمام منزلي تماماً صافحني، وأخرج المفتاح من جيبه، وفتح الباب ودخل.. لم أضيع لحظة واحدة.. دخلت خلفه، سار على رؤوس أصابعه حتى دخل غرفة النوم، ثار الدم في قلبي، ضربته، ولكنه لم يتأثر، وصار يتصرف كأنه لم يكن يراني أو يشعر بي. جلستُ تماماً قبالة زوجتي التي كانت تلبس، أو لا تلبس تقريباً، تفريعتها الحمراء، وتغمض عينيها نصف إغماضة، قال:

ها قد جئتُ يا حبيبتي، أتمنى أن تكوني قد استمتعت مع صديقاتك. قلت:

جهزي لي طعام العشاء، فأنا جائع. وكأنها لم تكن تسمعني، فتحت له ذراعيها، وراحت تضمه، وتشمه، بنشوة ظاهرة، بينما رحت أرقبهما بكثير من الحسد، وأطل برأسي بين وقت وآخر، حتى غلبني النعاس والبرد والقهر تحت السرير الذي كان سريري حتى أمد قريب. 14/1/2000 مدينة البامياء كانت المدينة تمتد حولي امتداداً ضبابياً:

لا شوارع ولا أشجار ولا عصافير، أتمشى فيها، أنظر حولي، أرى أهلها بلا رؤوس، تحيط بي أسئلة مبهمة. السماء مسقوفة بالغيوم الصلدة، لماذا تعشعش الغيوم في السماء؟ هل يكذب البصر أم المتنبئ الجوي الذي زعم أن الجو صيفي هذا اليوم. أفكر أن أهرب من الناس الذين لا رؤوس لهم، يحاصرني تفكيري، ألجأ إلى فسحة من الأمل، وسط فسحة من الذاكرة، ألجأ إلى النهر الرائع الذي (تروع حصاه حالية العذارى) أصل إليه يقفز بؤبؤا العينين من مكانيهما فزعين حينما لا يجدان في النهر إلا الطحالب والتماسيح التي قالت كتب الجغرافية عنها:

إنها لا تعيش في بلادنا. أرتعش، أشعر بالبرد الشديد، سامحك الله أيها المتنبئ الجوي.. أفكر في الذهاب إلى بيتي الذي لن تطاله يد التغيير ما دامت المفاتيح الفضية في جيبي. أعدو عبر الشوارع التي لا أرصفه لها، أتحاشى أن أنظر إلى الناس الذين لا رؤوس لهم، حتى أصل إلى البيت. أمام الباب كانت جارتنا أم حسين تقمّع البامياء تغدو بعد التقميع كأم حسين تماماً، لا رأس لها.. لا أستطيع أن أستمر بالنظر إلى مدينة البامياء التي فقدت شوارعها ورؤوس أهلها.. أخرج المفاتيح (الحديدية) من جيبي، أعالج صدأ القفل قليلاً، ثم أدلف دون أن أدري كم من الوقت مرّ بي، وأنا أعيش وسط هذه الصحراء. أنظر إلى الساعة فاكتشف أن العقارب قد غادرتها.. لا تهمني الساعة كثيراً، فالبدر

- وأن كان عابساً هذا المساء

- يدل على أن الليل قد هبط.. أحاول أن أقنع نفسي بالراحة، ولكنني متعب في الحقيقة، متعب جداً أحس صداعاً يكاد يفتك برأسي، ربما كان الجوع سبباً لهذا الألم.. كانت أمي تقول لي عندما كنت صغيراً:

كيف تشكو من ألم الصداع، ثم تخرج دون طعام؟ أصرخ بزوجتي فتأتي دون رأس أيضاً!! لقد أغلقت عليها الباب صباحاً مع رأسها!! لا شك أنها خرجت من البيت.. كان لديّ شعور منذ البداية أنها تخونني. أزدرد خيبتي، وعلى الرغم من أنني أعرف خيانتها لي، وأنني أكره المعرفة، أحاول أن أبتسم حتى لا تشعر بشيء:

أريد أن آكل يا حبيبتي فعصافير بطني تزقزق

/ 21