بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
عقيدة ، والأسلوب الحضاري الذي سلكه الإسلام في جذب الناس إليه يتمثّل في دعوته إليهم بالتي هي أحسن من خلال الكلمة الطيبة التي تفوح بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، وفتح أبواب الحوار الهادئ الموضوعي ، ونبذ اللجاج والعصبية ، وترك الاحتجاج بغير الدليل المقنع . وقد اضطرد هذا الأسلوب في القرآن والسنة كما نلحظه بوفرة في احتجاجات أهل البيت عليهم السلام مع المشركين ، والثنوية ، والدهرية ، والزنادقة ، وأهل الكتاب ، والصابئة ، وغيرهم من أصحاب الديانات والملل الأخرى. ومن منهج الإسلام إنه هيّأ مستلزمات الدخول إلى الإيمان، وبسطها بوضوح، وجعلها في متناول الجميع ثمّ ترك الناس وشأنهم في حرية الاختيار (* لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ *) ، وهذه هي سنّة الله تعالى في عباده ، إذ لم يشأ أن يخلق الإيمان فيهم خَلقاً كما خلق أجسادهم وركّب صورهم. ومن مبادئه أيضاً أنه رفض الانطلاق مع الحياة على أساس وحشي باستخدام أساليب التعسّف والارهاب التي لا تعترف بحرية الإنسان وأمان الشعوب ، لأنّ الإنسان من حيث المبدأ الإسلامي العامّ حرٌّ ومسؤول ، وأن أي تقييد له خارج إطار نظامه العامّ ، يُعد انتقاصاً لكرامته وقد رفع الله سبحانه من مقامه ، وأعزّه وسخر له ما في الأرض جميعاً. وأما الشعوب فإنّ الله خلق الناس شعوباً ليتعارفوا ، لا ليستذلَّ بعضهم رقاب بعض ، ولا ليسود جنس على آخر ، -------------------- *( 6 )* وبذلك فهو يرفض الحرب التي تثيرها عصبية الدين أو الجنس أو اللون أو اللغة ، ويرفضها بقصد الاكراه على الدخول في الإسلام ، أو بقصد جرّ المغانم والاستلاب وامتصاص ثروات الشعوب ، أو لأجل اكتساب الأمجاد الشخصية للملوك والقوّاد . وليس في الإسلام ما يُبيح المذابح الوحشية كما حصل في محاكم التفتيش في الأندلس ، والأحباش في الصومال وأرتيريا ، وفرنسا في الجزائر ، وبريطانيا في الهند وسائر مستعمراتها ، وروسيا في الشيشان ودول البلقان ، ويوغسلافيا في أقاليمها ، والصرب في البوسنة والهرسك وسراييفو ، والهند في كشمير ، وأمريكا في هيروشيما وناكازاكي وأفغانستان ، والصهيونية في كفر قاسم ، ودير ياسين ، وصبرا وشاتيلا ، وجنين ، وأغلب المدن الفلسطينية حالياً. إنّ دراسة وجهة نظر الإسلام في شيء ما ، لابدّ وأن ترتكز على الجوانب النظرية والتطبيقية فيه ، مع الفصل بين الفكر المنحرف والتصرّف المرفوض إسلامياً وإن انطلق من دائرته ، وبين الفكر الإسلامي الأصيل المتجسّد على ضوء مفاهيم القرآن الكريم ومدرسة أهل البيت عليهم السلام وفقهها الممتدّ إلى الوقت الراهن . ومن دون هذا الفصل ستُبنى نتائج الدراسة ـ سيما في عالم اليوم ـ على تلك التصرّفات الشاذّة من أمثال غزو الكويت ، وظهور الطالبان ، وجيش الصحابة ، وقاعدة ابن لادن ، وغيرها من تطرفات السلفية في تاريخها ، وتَوَهُّم أنها المعبّر الحقيقي عن الرؤية الإسلامية تجاه تلك المسائل ، فيساء ـ حينئذٍ ـ إلى سماحة الإسلام ، وطريقة انتشاره ، وأسباب حروبه ، وحقوق الأقليات الدينية فيه ونحوها . وبالتالي تحميله تبعة جهل تلك الحكومات وأعوانها عبر ما أفرزته سياساتها من انحراف ، وما تركته ممارساتها العملية من أخطاء متراكمة على الواقع المحسوس ، والإسلام بريء من كلّ هذا. وهكذا شأن كلّ دراسة في هذا الحقل لا تأخذ بعين الاعتبار الفصل المذكور ، ولا تدرك فرقاً بين الماس والخزف ، ولا تعرف من هو المعبّر الأمين عن المضمون الواقعي لرسالة التوحيد ، كما نلحظه في معظم الدراسات الغربية التي اتهمت الإسلام بغمطه حقوق الأقليات الدينية وبالقسوة والتعسف والارهاب ، وأرجعت عوامل انتشاره إلى القوّة والبطش والاكراه !! في حين إن السلم والأمان يحظيان بقسط وافر في أدبيات الإسلام ، وما كانت حروب العهد النبوي إلاّ وسيلة للحماية من الاعتداء ، والوقاية من التحديات المضادة التي قام بها أعداء الإسلام والمتربّصون به الدوائر عند بدء انطلاقته من الجزيرة. لقد رفض الإسلام اضطهاد أصحاب المعتقدات الدينية التي ارتضت العيش بسلام في داره ، فنظّم مبادئ العلاقات بينه وبين تلك الأقليات في المجتمع الإسلامي على أساس التوحيد ، وبذل لها من سماحته ، ورعايته ، وعدالته ما لم يوفّره نظام من الأنظمة التي عرفتها البشرية لمَن خالفهم في العقيدة