بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
تَعْمَلُونَ فلا يعظم رجاؤهم بالأعمال الصالحة حيث إنهم لا يشاهدون لأنفسهم عملاً ، ولا ينقص أملهم في رحمة الله إذا قصروا في الطاعة أو اكتسبوا زللا ، لأنهم غرقى في بحار الرضا بالأقدار ، متمسكون بحبل قضاء وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (68)القصص فإن الرضا بالقضاء واجب من حيث إرادته له ، ومذموم من حيث الكسب ، ما انفكت الجهة . وقد قال المصنف في بعض قصائده : ولا يَمْنَعْهُ ذنبٌ من رَجَاءٍ فإنَّ الله غَفارُ الذُّنوب وأما السالكون فإنما يناسبهم الفرح بصالح العمل ، وتقديم الخوف المستلزم لنقصان الرجاء عند وجود الزلل ، على حد قول الإمام الدردير : وغَلِّبِ الخوفَ على الرجاءِ وسِرْ لمولاك بلا تناءِ لا سيما في هذه الأزمنة التي رقت فيها الديانة ، وكثرت الجراءة على المعاصي ، وقلَّتْ فيه الأمانة . فإن الله تعالى جعل الأعمال الصالحة سبباً لرفع الدرجات بدار القرار ، والأعمال الطالحة موجبة للدرك الأسفل من النار ، قال تعالى : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) الليل وإنما بدأ المصنف بما يناسب مقام العارفين ، وإن كان مقتضى الترقي البداءة بمقام السالكين من الحث على حسن المتاب ، والتمسك بالأسباب الموصلة إلى الكريم التواب ، ليكون السالك حسن البداية التي بها تشرق النهاية . فمقصوده بهذه الحكمة تنشيط السالك المجد في الأعمال ، ورفع همته عن الاعتماد عليها ، واعتماده على محض فضل ذي العزة والجلال . كما أشار لذلك ابن الفارض بقوله : 2 التجريد المقبول . . ص 16 تمسَّكْ بأذيالِ الهوى واخلَعِ الحَيا وخلِّ سبيلَ النَّاسكينَ وإنْ جَلُّوا فإنه لم يُرِدْ الأمرَ بترك العبادة ، لأنه كان من أعظم العُبَّاد ، بل أراد عدم التعويل عليها ، والاعتماد على فضل الكريم الجواد . وفي الحديث : " لن يُدْخِلَ أحداً عملُهُ الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله . قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته " . وقد جُمع بين هذا الحديث و آية : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ النحل (32) بأن العمل لا يكون معتبراً إلا إذا كان مقبولاً ، وقبوله بمحض الفضل ، فصح أن دخول الجنة بمحض فضل الله، وأن العمل سبب ظاهري متوقَّف عليه . والله تعالى يوفقنا لما فيه رضاه . ( 2 ) إرادتُكَ التجريدَ مع إقامةِ الله إِيَّاكَ في الأسباب من الشَّهوة الخفيةِ ، وإرادتُكَ الأسبابَ مع إقامةِ الله إِيَّاكَ في التجريد انحطاطٌ عن الهِمَّةِ العَلَيَّةِ . يعني أن عزمك _ أيها المريد _ على التجرد ؛ أي لتخلص من الأسباب التي أقامك الله فيها ، كطلب الرزق الحلال ، والاشتغال بالعلم الظاهر ، من الشهوة الخفية . أما كونها من الشهوة فلعدم وقوفك مع مراد مولاك ، وأما كونها خفية ، فلكونك لم تقصد بذلك حظ نفسك في العاجل بل التقرّب بالتجرد لمن خلقك وسوَّاك فقد زينت لك النفس بالدسيسة الخفية الخروج عن الأسباب التي أقامك فيها العزيز الوهاب . 2 الأسباب والقضاء . . تنوع الواردات بتنوع الأعمال . . ص 17 وكذلك إرادتك الأسباب الشاغلة عن الله الكريم ، مع إقامته إياك في التجريد ، ورزقك من حيث لا تحتسب بفضله العميم ، انحطاطٌ عن الهمة العلية ؛ لأن ذلك رجوع من الحق إلى الخلق ، وهي رتبة دنية . فالزم _ أيها المريد _ ما رضيه لك العزيز الحميد . فإنَّ ما أدخلك الله فيه تولى إعانتك عليه ، وما دخلت فيه بنفسك وكلك إليه وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)الإسراء . فالمدخل الصدق أن تدخل فيه لا بنفسك ، والمخرج الصدق أن تخرج لا بنفسك بل بربك . وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) آل عمران .