الفصل الثالث - وسیط فی أُصول الفقه جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وسیط فی أُصول الفقه - جلد 1

جعفر السبحانی التبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


( 187 )



الفصل الثالث


مفهوم الغاية


هل الغاية تدلّعلى ارتفاع الحكم عمّا بعد الغاية أو لا؟


المشهور انّ أداة الغاية تدلّ على ارتفاع الحكم عمّا بعدها، بل ربّما يقال بأنّ دلالتها على الارتفاع أشد من دلالة القضية الشرطية على ارتفاع الحكم عند ارتفاع شرطه.


نعم ذهب السيّد المرتضى والشيخ الطوسي إلى خلاف هذا القول واستُدلّ لقولهما بالآيات التالية:


1. (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْن) .(1)


2. قوله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُالأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَد).(2)


3. قوله: (وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَة).(3)


فإنّ لفظة «حتّى» الجارة في هذه الآيات تدلّ على أنّ الوظيفة تنتهي بالوصول إلى الغاية، أعني: تطهّر المرأة، أو تبين الخيط الأبيض، أو الإذعان بعدم طروء الفتنة.



1. البقرة:222.


2. البقرة:187.


3. البقرة:193.


( 188 )



والتحقيق أن يقال: إنّه لو كانت الغاية غاية للحكم فلا شكّ في الدلالة، كما في قوله: «كلّ شيء حلال حتّى تعلم انّه حرام» فانّ الغاية غاية للحكم بالحلية كما هي غاية للحكم بالطّهارة في قوله:«كلّ شيء طاهر حتى تعلم انّه قذر» فادّعاء التبادر في أمثال ذلك ممّا لا إشكال فيه .


وأمّا إذا كانت الغاية قيداً للموضوع ومحدِّداً له كما في قولك: «سر من البصرة إلى الكوفة» فإنّه بمنزلة أن يقال: السير من البصرة إلى الكوفة واجب، ومثله قوله سبحانه: (فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيدِيَكُمْ إِلى المَرافِق) (1) فانّه بمنزلة أن يقال: غسل الأيدي إلى المرافق واجب، فالظاهر عدم الدلالة على المفهوم، إذ غاية الأمر أنّ الموضوع المقيد محكوم بالحكم، وأمّا عدم الحكم على الموضوع عند انتفاء القيد، فلا يدلّعليه لعدم وضع لذلك، إلاّ إذا قلنا بدلالة كلّ قيد على المفهوم كمفهوم الوصف.


حكم نفس الغاية


ما ذكرناه راجع إلى حكم ما بعد الغاية، وأمّا الكلام في نفس الغاية فهل هي داخلة في حكم المغيّى أو خارجة عنه؟


فذهب المحقّق الخراساني والسيّد الإمام الخميني إلى خروجها أيضاً، ففي مثله قوله سبحانه: (فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيديكُمْ إِلى المَرافِق) ، فالواجب هو دون المرفق، وأمّا نفس المرفق فهو خارج عن وجوب الغسل، اللّهمّ إلاّ لأجل تحصيل اليقين بغسل ما دون المرفق واستدلّ عليه الرضي بأنّ الغاية حدّ الشيء وحدود الشيء خارجة عنه.


والأولى أن يستدلّ بالتبادر فانّ المتبادر من قوله: (تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوح فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر * سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطلَعِ الْفَجْر) (2) فانّ المتبادر هو



1. المائدة:6.


2. القدر:4ـ5.


( 189 )



خروج مطلع الفجر عن الحكم السابق الوارد في الآية كما هو الحال في قوله: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصّيام إِلى اللَّيل) فالليل خارج عن حكم المغيى.


ثمّ إنّ البحث عن دخول الغاية في حكم المغيى وعدمه محدّد بشرطين نوّهنا بهمافي الموجز أيضاً(1) وهما:


1. إذا كان هناك قدر مشترك أمكن تصويره تارة داخلاً في حكم المغيى، وأُخرى داخلاً في حكم ما بعد الغاية كالمرفق فإنّه يصلح أن يكون محكوماً بحكم المغيى(الأيدي) و حكم ما بعد الغاية (كالعضد) وأمّا إذا لم يكن كذلك، فلا موضوع للبحث كما إذا قال: اضربه إلى خمس ضربات، فالضربة السادسة من أفراد مابعد الغاية، والضربة الخامسة داخلة في أجزاء المغيّى حسب التبادر فليس هنا شيء آخر يبحث عن دخوله في حكم المغيى وعدمه.


2. انّالبحث مركز في «حتّى» الخافضة وأمّا «حتّى» العاطفة فلا شكّ في دخول الغاية في حكم المغيى كما في قولك: جاء الحجاج حتى المشاة . قال الشاعر:






  • ألقى الصحيفة كي يخفف رحله
    والـزاد حتـّى نعلــه ألقــاهــا



  • والـزاد حتـّى نعلــه ألقــاهــا
    والـزاد حتـّى نعلــه ألقــاهــا





مات الناس حتّى الأنبياء.


فخرجنا بالنتائج التالية:


أ: دلالة الجملة على خروج مابعد الغاية عن حكم المغيى إذا كانت قيداً للحكم.


ب: عدم دلالة الجملة على خروج الغاية عن حكم المغيى إذا كانت قيداً للموضوع.


ج: عدم دخول الغاية في حكم المغيّى.


إنّ البحث مركَّز في «حتّى» الخافضة لا العاطفة وإلاّ فلا شكّ في الدخول.



1. الموجز:94ـ 95.


( 190 )



الفصل الرابع


مفهوم اللقب


المراد من مفهوم اللقب ما يجعل أحد أركان الكلام و القيود الراجعة إليه كالفاعل والمفعول و المبتدأ والخبر والظروف الزمانية و المكانية، فذهب الدقّاق والصيرفي وأصحاب أحمد بن حنبل إلى ثبوت المفهوم، و المشهور إلى عدمه و استدلّ المشهور بأنّه لا دلالة لقولك زيد موجود على أنّه تعالى ليس بموجود، وقولك: «موسى رسول اللّه» لا يدلّ على أنّ محمّداً ليس رسول اللّه.


و منه يظهر عدم المفهوم في باب الوقف و النذر والعهد، فإذا قال: هذا وقف لأولادي أو نذر لطلبة البلدة المعيّنة، فلا شكّ أنّه لا يشمل الجيران و لا طلبة غير تلك البلدة، و لكن عدم الشمول لا من باب أنّ الجملة تدلّ على ذلك و إنّما هو لأجل قصور الإنشاء وعدم شموله لغيرموردهما فعدم الشمول من باب فقد الدال والدلالة، لا الدلالة على العدم .


والحاصل أنّ هنا حكماً واحداً شخصياً و هو مترتّب على موضوع و عدم شموله لموضوع آخر لا يسمّى مفهوماً.


تمّ الكلام في المقصد الثالث


( 191 )



المقصد الرابع


في العام وا لخاص


وفيه فصول:


الفصل الأوّل: في المخصص المتصل والمنفصل


الفصل الثاني: في أنّ التخصيص لا يوجب المجازية


الفصل الثالث: في أنّ العام حجّة في الباقي


الفصل الرابع: إجمال المخصِّص مفهوماً


الفصل الخامس: إجمال المخصِّص مصداقاً


الفصل السادس: التمسك بالعام قبل الفحص عن المخصّص


الفصل السابع: تعقيب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده


الفصل الثامن: تخصيص العام بالمفهوم الموافق والمخالف


الفصل التاسع: تخصيص الكتاب بالخبر الواحد


الفصل العاشر: دوران الأمر بين التخصيص والنسخ


خاتمة المطاف: الخطابات الشفاهية


( 192 )



( 193 )



تمهيد


وقبل الخوض في المقصود نقدّم أُموراً:


الأمر الأوّل: انّ العام من المفاهيم المشهورة الغنيّة عن التعريف، ويقابله الخاصّ. ومع ذلك فقد عُرّف بوجوه أوضحها: كون اللّفظ بحيث يشمل مفهومه لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه مفهوم الواحد، فلفظة العلماء عامّلكونها شاملة لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه مفهوم الواحد أعني: «العالم» ويقابله الخاص.


الأمر الثاني: انّالعام ينقسم إلى استغراقي ومجموعي وبدلي، وهل انقسامه إلى هذه الأقسام الثلاثة باعتبار ذات العام ولحاظه بوجوه مختلفة مع قطع النظر عن الحكم وكونه موضوعاً، أو أنّ هذا التقسيم باعتبار تعلّق الحكم عليه؟


ذهب المحقّق الخراساني إلى الثاني، قائلاً بأنّ الاختلاف باعتبار اختلاف كيفية تعلّق الأحكام به، وإلاّ فالعموم في الجميع بمعنى واحد، وهو شمول الحكم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه، غاية الأمر انّ تعلّق الحكم به تارة بنحو يكون كلّ فرد موضوعاً على حدة للحكم، وأُخرى بنحو يكون الجميع موضوعاً واحداً، بحيث لو أخلّ بإكرام واحد في «أكرم كلّفقيه» مثلاً لما امتثل أصلاً، بخلاف الصورة الأُولى فانّه أطاع وعصى، وثالثة بنحو يكون كلّ واحد موضوعاً على البدل بحيث لو أكرم واحداً منهم لما أطاع وامتثل كما يظهر لمن أمعن النظر وتأمّل.(1)



1. كفاية الأُصول: 1/332.


( 194 )



يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره إنّما يتمّ لولم يكن هناك ألفاظ موضوعة لخصوص هذه الأقسام الثلاثة ، وإلاّ يكون التقسيم بلحاظ ذاته، مثلاً انّ لفظ «الكل» و«التمام»و«الجميع» دال على العام الاستغراقي وانّكلّ فرد ملحوظ مستقلاً كما أنّ لفظ «المجموع» دال على العام المجموعي وأنّ الأفراد ملحوظة بنعت الاجتماع، كما أنّلفظ «أيّ» دالّ على العام البدلي وأنّ كلّ فرد من الأفراد ملحوظ على البدل مثل قوله تعالى: (قالَ يا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِيني بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُوني مُسْلِمين).(1)


وعلى ذلك فدلالة كلّ واحد من هذه الألفاظ على كيفية الموضوع، بنفسها، لا باعتبار تعلّق الحكم به.


الأمر الثالث: انّ الإطلاق ينقسم إلى الشمولي(الاستغراقي) والبدلي كانقسام العام إليهما، فالإطلاق في مثل قوله: (أَحلّ اللّه البيع) شمولي كما أنّه في قوله: «أكرم عالماً» بدلي والفرق انّ استفادة الشمولي والبدلي في العام بالدلالة اللّفظية الوضعية، وأمّا المطلق فإنّما هو بالقرائن الحافّة ومقدّمات الحكمة.


إذا عرفت ذلك يقع الكلام ضمن فصول:



1. النمل:38.


( 195 )



الفصل الأوّل


في المخصّص المتصل والمنفصل


إنّ تخصيص العام يتصوّر على وجهين:


الأوّل: أن يقترن المخصص بنفس العام في مقام الإلقاء كقولك: أكرم «العلماء العدول» فيسمّى مخصِّصاً متصلاً لاتّصاله بالعام في الكلام ويكون قرينة على عدم إرادة العموم .


الثاني: أن لا يقترن المخصص بالعام في نفس الكلام بل يأتي قبل العام أو بعد ورود العام فتكون قرينة على انّ المتكلّم أراد ما عدا الخاصّ، وكلّ من المخصِصَين حجّة وقرينة على المراد إلاّ أنّه إذا كان المخصّص متصلاً لا ينعقد للعام ظهور في العموم، بل ينعقد الظهور من بدء الأمر في الخصوص وأمّا إذا كان منفصلاً فبما انّه غير مقترن بالعام، ينعقد للعام ظهور في العموم وإذا وقف المخاطب على المخصص المنفصل وكان ظهوره أقوى من ظهور العام فهو لا يزاحم ظهور العام في عمومه لانعقاد الظهور له في العموم قبل العثور على المخصّص وإنّما يزاحم حجّيته في العموم، فإذا قال: أكرم العلماء ثمّ ورد بعد شهر وقبل وقت العمل لا تكرم فسّاق العلماء، فالكلام الثاني لا يزاحم ظهور الكلام الأوّل في العموم بعد انعقاده فيه.


نعم العثور على المخصص وكونه أقوى من العام يكون قرينة على


( 196 )



أنّ العموم ليس بمراد، وهذا ما يقال من أنّ المخصص المنفصل لا يزاحم ظهور العموم وإنّما يزاحم حجّيته في العموم .


وإن شئت قلت: إنّه إذا كان المخصص متصلاً لا ينعقد للعام ظهور إلاّفي الخصوص، وهذا بخلاف ما إذا كان المخصص منفصلاً فينعقد للكلام ظهور في العموم، والعثور على الخاص لا ينافي انعقاد ظهوره في العموم وإنّما يزاحم حجّيته فيه فيكون من باب تقديم الأظهر أو النصّعلى الظاهر.


( 197 )



الفصل الثاني


في أنّ التخصيص لا يوجب المجازية


كان المعروف بين الأُصوليّين هو انّ تخصيص العام يوجب المجازية أي استعمال العام في غير ما وضع له أعني الخصوص ـ لكن الحقّ كما عليه المتأخّرون ـ كونه حقيقة وإن خصِّص، سواءأ كان المخصص متصلاً أم منفصلاً.


أمّا المتّصل فلأنّ كلاً من لفظي الأمر ومتعلقه في قولك: «أكرم العلماء العدول» استعمل في نفس معناه فأطلق العلماء وأُريد منه كلّهم، كما أطلق العدول وأُريد منهم الموصوفون بالعدالة. فاللفظان مستعملان في معناهما وإن كان ظهور الكلام منعقداً في الخصوص، فالمورد من قبيل تعدد الدالّ والمدلول.


وأمّا المخصص المنفصل فلأنّ المتكلم يستعمل العام في معناه اللغوي بالإرادة الاستعمالية، فإذا كانت الإرادة الجدية مطابقة للإرادة الاستعمالية يَقتصر على العام ولا يكون أيّ حاجة للخاصّ، وأمّا إذا كانت الإرادة الجدية من حيث السعة مخالفة للإرادة الاستعمالية فيشير المتكلم إلى من لم تتعلّق به الإرادة الجدّية بالمخصص حتى يدل على أنّمتعلّق الإرادة الجدية أضيق من متعلّق الإرادة الاستعمالية.


فلا يكون العثور على المخصص أيضاً سبباً لاستعمال اللّفظ في غير ما وضع له.


( 198 )



وإن أردت مزيد توضيح فنقول: إنّ التخصيص بالمنفصل إنّما يوجب مجازية العام المخصَّص إذا استعمله المتكلّم في غير معناه العام من أوّل الأمر، كأن يريد بقوله: أكرم العلماء، «العلماء غيرَ الفساق» و لكنّه أمر غير معهود، فالمتكلّم يستعمله في نفس ما وضع له، بالإرادة الاستعمالية، أو قل بالإرادة التفهيمية.


ثمّ إنّه لو كان المراد بالإرادة الاستعمالية نفسَ المراد بالإرادة الجدية لسكت، و لم يعقبه بشيء، و أمّا إذا كان المراد بالإرادة الاستعمالية غير المراد بالإرادة الجدية من حيث السعة و الضيق لأشار إلى إخراج بعض ما ليس بمراد جداً، ويقول: لا تكرم فساق العلماء، و هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على ضيق الإرادة الجديّة من أوّل الأمر، وأمّا الإرادة الاستعمالية فتبقيعلى شموليتها للمراد الجدي وغيره، و هذا رائج في المحاورات العرفية والملاك في كون الاستعمال حقيقة أو مجازاً هي الإرادة الأُولى، والمفروض أنّ العام حسب تلك الإرادة مستعمل في نفس ما وضع له وإذا ورد التخصيص فإنّما يرد على ما هو المراد بالإرادة الجدية.


فخرجنا بهذه النتيجة: انّ العام المخصَّص سواء أكان التخصيص متصلاً أم منفصلاً، حقيقة وليس بمجاز، و يجمع كلا التخصيصين كونُ العام و الخاص من قبيل تعدّد الدال والمدلول.


سؤال: لماذا لا يستعمل المتكلّم العامَّ في الخاص من أوّل الأمر أي فيما هو متعلّق الإرادة الجدية، بل يستعمله منذ بدء الأمر في العموم ثمّ يشير بدليل ثان إلى التخصيص.


الجواب: إنّما يستعمله كذلك لضرب القاعدة و إعطاء الضابطة فيما إذا شكَّ المخاطبُ في خروج بعض الأفراد، حتى يتمسك بالعام إلى أن يثبت المخصص، وذلك لأنّ الأصل هو تطابق الإرادة الاستعمالية مع الجديّة إلاّ إذا قام الدليل على المخالفة.


( 199 )



وهذا لا يتم إلاّ باستعماله من أوّل الأمر في العموم بخلاف ما إذا استعمله في الخصوص و في غير معناه الحقيقي فلا يمكن للمخاطب التمسّك بعموم العام في موارد الشكّ، لأنّ للمعنى المجازي مراتب(1) مختلفة، ولا نعلم أيّمرتبة من تلك المراتب هي المرادة، فيصير الكلام مجملاً في صورة الشك.



1. وحيث يحتمل انّه استعمله في تمام الباقي كما يحتمل استعماله في بعض الباقي، و للبعض الباقي أصناف مختلفة، مثلاً العلماء غير القرّاء ، العلماء غير النحاة، العلماء غير الفقهاء، فالكل يعدّ من المجاز حيث إنّ اللّفظ فيها ليس بحقيقة فتعيين أحدها يحتاج إلى دليل.


( 200 )



الفصل الثالث


في أنّ العام حجّة في الباقي


قد خرجنا في الفصل السابق بنتيجتين:


الأُولى: انّالعام مستعمل في معناه، وانّ التّخصيص لا يوجب المجازية.


الثانية: انّ الأصل بين العقلاء هو تطابق الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدّيّة إلاّ إذا قام الدّليل على المخالفة في مورد التّخصيص.


ثمّ إذا شككنا في ورود التّخصيص على العام أو في ورود تخصيص زائد فمقتضى الأصلين هو حجّية العام في مدلوله، وذلك لأنّ مقتضى كون اللّفظ مستعملاً في معناه بالإرادة الاستعمالية وكونها مطابقة للجدّما لم يدلّدليل على خلافه، هو كون ما وقع تحت العام محكوماً بحكمه وانّه حجّة فيه ما لم يدلّ دليل قطعي على الخلاف.


( 201 )



الفصل الرابع


إجمال المخصِّص مفهوماً


كان البحث في الفصل السابق منصبّاً على حجية العام في الباقي بعد افتراض كون المخصص مبيَّناً لا إجمال فيه، و إنّما كان الشكّ في تخصيص زائد بمعنى احتمال أن يكون هناك تخصيص وراء التخصيص الأوّل، فقد قلنا بحجّية العام في الباقي مالم يثبت تخصيص آخر.


وأمّا البحث في هذا الفصل فهو فيما إذا كان المخصص مجملاً مفهوماً و صار إجماله سبباً للشك في بقاء مورد، تحت العام، أو داخلاً تحت الخاص، و على هذا فالفصلان مختلفان موضوعاً و محمولاً، و إن كانا يشتركان في تعلّق الشكّ ببقاء فرد أو عنوان تحت العام، لكن منشأ الشك في الفصل السابق، احتمال طروء تخصيص زائد على العام و في المقام وجود الإجمال في المخصِّص فالمسألتان متغايرتان.


ثمّ إنّ إجمال المخصص مفهوماً على قسمين: فتارة يكون مفهوم المخصص مردّداً بين الأقل و الأكثر، وأُخرى يكون مفهومه مردّداً بين المتباينين. و إليك توضيح القسمين بذكر بعض الأمثلة.


أمّا المخصص المردّد مفهومه بين الأقل و الأكثر، فإليك مثالين:


( 202 )



أ. إذا قال: كلّماء طاهر إلاّما تغيّر طعمُه أو لونُه أو رائحته، فإنّالمخصِّص مردّد بين كون المراد خصوص التغيّر الحسي، أو ما يعمّه و التغيّر التقديريّ، كما إذا مزج الماء الذي وقعت فيه النجاسة، بالطيب على فرض لولاه لظهر التغيّر بإحدى صوره الثلاث، فالمخصص (إلاّما تغير) مردّد بين الأقل و هو التغير الحسّي، و الأكثر و هو شموله له و للتقديري.


ب. إذا قال: أكرم العلماء إلاّالفسّاق و تردّد مفهوم الفاسق بين كونه خصوص مرتكب الكبيرة، أو الأعم منه و من مرتكب الصغيرة، فهو مردّد بين الأقل و هو مرتكب الكبيرة ، و الأكثر و هو مرتكب الكبيرة و الصغيرة.


وأمّا المخصص المردّد مفهومه بين المتباينين.


فكما إذا قال المولى: أكرم العالم إلاّ سعداً، و تردّد بين سعد بن زيد و سعد ابن بكر، فالإجمال في المفهوم صار سبباً لتردّد المخصّص بين المتباينين.


إذا وقفت على إجمال المفهوم بقسميه، فاعلم أنّ الصور المتصوّرة في المقام أربع. لأنّ المخصّص المجمل إمّا متصل أو منفصل و إجمال كلّ، إمّا لدورانه بين الأقل و الأكثر، أو بين المتباينين، و إليك أحكام الصور الأربع:


الصورة الأُولى: المخصص المتّصل الدائر مفهومه بين الأقل و الأكثر


إذا كان العام مقروناً من أوّل الأمر بمخصص مجمل مفهوماً مردّد أمره بين الأقل و الأكثر كما عرفت في المثالين، فلا شكّ في أمرين:


1. انّالخاص حجّة في الأقل ـ أعني: التغيّر الحسّي ـ و مرتكب الكبيرة و ليس العام حجّة فيهما بلا كلام.


2. انّ الخاص ليس حجّة في المصداق المشكوك، أي التغير التقديري و مرتكب الصغيرة.


( 203 )



إنّما الكلام في أمر ثالث، و هو هل العام حجّة في هذا الفرد المشكوك أو لا؟ والمسألة مبنية على سريان إجمال المخصص إلى العام فلا يكون حجّة فيه، و عدمه فيكون حجّة.


التحقيق انّه يسري، لأنّ المخصص المتّصل من قبيل القرائن المتصلة بالكلام، و ما هذا شأنه يوجب «عدم انعقاد ظهور للعام إلاّفيما عدا الخاص» فإذا كان الخاص مجملاً، سرى إجماله إلى العام، لأنّ ما عدا الخاص غير معلوم فلا يحتج بالعامّ في مورد الشكّ.


وإن شئت قلت: إنّالتخصيص بالمتصل أشبه شيء بالتقييد حيث يعود الموضوع مركباً من العام و عنوان «غير الفاسق» فلابدّ في الحكم بوجوب الإكرام (حكم العام) من إحراز كلا الجزأين، أعني: كونه عالماً و كونه غير فاسق، و الأوّل و إن كان محرزاً بالوجدان، و لكن الثاني (غير فاسق) غير محرز، لأنّه لو كان الفاسق موضوعاً لمرتكب الكبيرة، فالموضوع محرز، لأنّ مرتكب الصغيرة غير فاسق، و لو كان موضوعاً للأعم فهو فاسق، فلا ينطبق عليه عنوان العام المخصَّص(العالم غير الفاسق)، وبما انّه لم يحرز عندئذ الجزء الآخر(غير الفاسق)، فلا يصحّ التمسّك بالعام.


الصورة الثانية: المخصص المتّصل الدائر مفهومه بين المتباينين


إذا ورد العام منضماً إلى مخصص دائر مفهومه بين أمرين متباينين ليس بينهما قدر مشترك حتى يدور الأمر بين الأقل و الأكثر، كما إذا قال: أكرم العالم إلاّ سعداً، و كان مردّداً بين سعد بن زيد و سعد بن بكر، فلا يمكن التمسّك بالعام في واحد منهما للبيان السابق حيث إنّ العام حجّة فيما عدا الخاص، فيجب إحراز


( 204 )



كلا الجزأين : الأوّل: انّه (عالم) و الثاني انّه (ليس سعداً)، و بما أنّ سعداً مردّد مفهوماً بين الفردين، فلا يكون موضوع العام محرزاً بتمامه في أيّواحد من الفردين.


الصورة الثالثة: المخصص المنفصل الدائر مفهومه بين الأقلّ و الأكثر


إذا ورد العام مجرداًعن المخصص ثمّ لحقه مخصص منفصل دائر مفهومه بين الأقل و الأكثر، كما إذا قال: أكرم العلماء، و قال بعد فترة : لا تكرم فسّاق العلماء، فلا شكّ أنّ العام ليس بحجّة في مرتكب الكبيرة و يقع الكلام في كونه حجّة في مرتكب الصغيرة.


المشهور بين المحقّقين كونه حجّة في مورد الصغيرة، و يقع الكلام في بيان ما هو الفرق بين المتصل و المنفصل حيث إنّ إجمال المخصص المتصل يسري إلى العام عند دورانه بين الأقل و الأكثر و لا يسري إليه إجمال المخصص المنفصل إذا دار أمره بينهما، و إليك بيان الفرق:


إنّ اتصال المخصص يوجب عدم انعقاد ظهور للعام من أوّل الأمر إلاّفي العنوان المركب(العالم غير الفاسق)، فلا يكون هنا إلاّدليل واحد و له ظهور واحد.


وهذا بخلاف ما إذا كان المخصص منفصلاً، فإنّه ينعقد للعام ظهور في العموم، و يعمّ قوله: أكرم العلماء، مرتكبَ الصغيرة وا لكبيرة معاً في بدء الأمر و يكون حجّة فيهما.


ثمّ إذا لحقه المخصص المنفصل فهو لا يزاحم ظهوره، لأنّ ظهوره انعقد في العموم، و إنّما يزاحم حجّيته في العموم، لأنّ ظهور الخاص أقوى، و بما انّ المخصص المنفصل ليس حجّة إلاّ في مرتكب الكبيرة دون الصغيرة، بل كان فيها مشكوك الحجية فلا يزاحم حجيّة العام فيه فيتمسك بالعام الذي انعقد ظهوره


( 205 )



في العموم وكان حجّة فيه ما لم يكن هناك حجّة أُخرى والمفروض عدمها.


وبعبارة أُخرى: العام المنفصل عن المخصص ينعقد ظهوره في العموم، فيكون حجّة في وجوب إكرام العالم أعم من مرتكب الصغيرة أو الكبيرة، و هذا الظهور حجّة ما لم يكن هناك دليل أقوى، و المفروض أنّ الدليل الأقوى مجمل مردّد بين الأقل و الأكثر، فلا يكون حجّة في المشكوك أي الأكثر فلا ترفع اليد عن الحجّة السابقة إلاّ بمقدار ما ثبتت حجّية الخاصّ فيه، و ليس هو إلاّ مرتكب الكبيرة فيتمسك في مورد الصغيرة، بالعام.


هذا هو المعروف وهناك رأي آخر يطلب من دراسات عليا.


الصورة الرابعة: المخصص المنفصل الدائر مفهومه بين المتباينين


إذا ورد العام مجرداً عن المخصص، ثمّلحقه المخصص بعد فترة و لكن دار أمره بين متباينين، كما إذا قال: «أكرم العالم»، ثمّ قال بعد فترة: «لا تكرم سعداً» و كان سعد مردّداً مفهوماً بين «سعد بن زيد و سعد بن بكر» فالإجمال في المصداق وتردّده بين الشّخصين لأجل الإجمال في المفهوم بحيث لو أزيل الإجمال المفهومي لما كان هناك إجمال في المصداق ، فهل يكون العام حجّة في واحد منهما؟


التحقيق: انّه لا يكون العام حجّة بل يسري إجمال المخصص ـ و إن كان منفصلاً ـ إلى العام و وجه ذلك مع أنّه يشترك مع الصورة الثالثة في انفصال المخصص، و لكن يفارقه في شيء آخر، و هو انحلال العلم الإجمالي في الصورة الثالثة في مورد مرتكب الصغيرة فيكون الشكّ فيه شكاً بدوياً بخلاف المقام، فإنّ هنا علماً إجمالياً بحرمة أو عدم وجوب إكرام أحد العنوانين، و مع هذا العلم كيف يمكن التمسك بظهور العام ـ و إن انعقد ظهوره قبل لحوق المخصص المنفصل به في العموم ـ بل يسقط العام عن الحجية في كلّواحد منهما.


( 206 )



فخرجنا بالنتائج التالية:


1. يسري إجمال المخصص المتصل الدائر أمره بين الأقل والأكثر إلى العام.


2. يسري إجمال المخصص المتصل الدائر أمره بين المتباينين إلى العام.


3. يسري إجمال المخصص المنفصل الدائر أمره بين المتباينين إلى العام.(1)


4. لا يسري إجمال المخصص المنفصل الدائر أمره بين الأقل و الأكثر إلى العام.



1. هذه هي الصورة الرابعة قدّمناها في المقام لمساواة حكمها مع القسمين الأوّلين.


( 207 )



الفصل الخامس


إجمال المخصص مصداقاً


كان البحث في الفصل السابق فيما إذا شكّ في كون فرد داخلاً تحت العام أو الخاص وكان منشأ الشك إجمال المخصص مفهوماً وأمّا إذا كان المخصص مبيناً مفهوماً، لكن وقع الشكّ في بقاء فرد من أفراد ما ينطبق عليه العام تحته أو خروجه عنه ودخوله تحت المخصِّص، فمثلاً، قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» و هو عام يشمل اليد العادية و اليد الأمينة، ثمّ لحقه المخصص فأخرج اليد الأمينة.


ولو تلف مال تحت يد إنسان مردّدة مصداقاً بين كونها يدعادية أو يد أمانة، فالإجمال ليس في مفهوم العام و لا في مفهوم الخاص، وإنّما الإجمال في المصداق و الأمر الخارجي حيث إنّ كيفية اليد مردّدة بين كونها باقية تحت العام أو كونها خارجة عنه، فهل يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص، أو لا؟


ربما ينسب إلى القدماء صحّة التمسك و لذلك أفتوا في مثال اليد المشكوكة، بالضمان، و لكن الحقّ خلافه.


بيانه: انّ الخاص (اليد الأمينة) و إن لم يكن دليلاً في الفرد المشتبه، كما في المقام لتردّده بينها و بين غيرها، و لكنّه يوجب اختصاص حجيّة العام في غير


( 208 )



عنوان المخصص، فكأنّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: على اليد «إذا كانت عادية» ما أخذت حتى تؤدي، فالاحتجاج بالعام في مورد الشبهة مبني على إحراز كلا العنوانين:


أ. استيلاؤه على العين، و هو محرز بالوجدان.


ب. استيلاؤه على وجه العدوان وانّ اليد عادية، و هو مشكوك.


ومع الشكّ في صدق الجزء الثاني على المورد كيف يتمسك بالعام و يحكم بالضمان؟


وإلى ما ذكرنا يرجع قول العلماء: «إنّ الخاص و إن لم يكن حجّة في مورد المشتبه، لكنّه يجعل العام السابق حجّة في غير عنوان الخاص فيجب على المتمسك إحراز كلا العنوانين».(1)


وقد خرجنا بالنتيجة التالية:


وهي انّ العام ليس حجّة في الشبهة المصداقية للمخصص.


سؤال: إذا كان هذا هو مقتضى القاعدة، فلماذا أفتى المشهور بضمان اليد المشكوكة المردّدة بين كونها يد ضمان، أو يد أمانة مع أنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص؟


الجواب: انّالإفتاء بالضمان ليس من هذا الباب، بل لأجل ضابطة فقهية سارية في أمثالها و هي:


إذا كان طبع العمل مقتضياً للفساد و كانت الصحّة حالة طارئة، عليه فلا



1. ثمّ إنّ الصور المتصوّرة في المقام (إجمال المخصص مصداقاً) أربعة كإجماله مفهوماً، وذلك لأنّ المخصص المجمل مصداقاً إمّا أن يكون متصلاً، أو يكون منفصلاً وعلى كلّ تقدير، كل من الإجمالين تارة يكون على وجه التباين وأُخرى على نحو الأقل والأكثر وعلى كلّ تقدير فالعام ليس حجّة في الشبهة المصداقيّة للمخصّص مطلقاً. ولأجل الاختصار اكتفينا في هذا القسم بالإشارة. لاحظ المحصول: الجزء2.


( 209 )



تجري فيه أصالة الصحّة بل يحكم عليه بالفساد مالم يحرز مسوغ الصحّة. والتصرف في مال الغير يقتضي الضمان بطبعه، وعدم الضمان أمر طارئ استثنائي، فاللازم هو الأخذ بمقتضى طبيعة الموضوع إلى أن يثبت خلافه، وإليك نظائرها:


1. إذا باع غير الولي مال اليتيم و احتمل كون بيعه مقروناً بالمسوِّغ، فلا يحكم عليه بالصحّة إلاّ بالعلم و البيّنةعلى وجوده، لأنّ طبع العمل (بيع مال اليتيم) محكوم بالفساد، فهو محكوم بمقتضى الطبع إلى أن يعلم خلافه.


2. إذا باع المتولي، الوقف فلا يحكم عليه بالصحة إلاّبإحراز أحد المسوغات، لأنّ طبع بيع الوقف يقتضي الفساد و الصحّة أمر طارئ عليه، فيحكم بمقتضى الطبع إلى أن يعلم خلافه.


3. إذا تردّدت المرأة بين كونها ممّن يجوز النظر إليها وغيرها، فلا يجوز النظر إليها، لأنّ مقتضى طبع العمل في المقام هو حرمة النظر و جواز النظر أمر طارئ على مطلق المرأة، فيحكم بحرمة النظر إلى أن يعلم المسوّغ.


( 210 )



الفصل السادس


التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخصّص


نزل الوحي الإلهي على قلب سيّد المرسلين نجوماً على سبيل التدريج وقد بيّن سبحانه وجه ذلك بقوله: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَولا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرآنُ جُمْلَةً واحِدَة كَذلِكَ لنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرتيلاً)(1) فجعل تثبيت فؤاد النبي دليلاً على نزول القرآن تدريجاً.


ثمّ إنّ نزول القرآن نجوماً، صار سبباً لتدريجية التشريع القرآني، فربما نزل العام في فترة، والخاص في فترة أُخرى فلا يُحتج بالعام القرآني إلاّ بعد الفحص عن خاصّه فيه.


ونظيره السنّة النبويّة فقد كان التشريع فيها أمراً تدريجياً، فربما ورد العام في لسان النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في فترة، والخاص في فترة أُخرى، فلا يحتج بعموم السنة النبويّة إلاّ بعد الفحص عن مخصصه فيها.


ثمّ إنّ هناك أحكاماً كثيرة شُرّعَت لكن حال الأجل بين الرسول وإبلاغه للأُمّة لكنّه صلوات اللّه عليه جعلها مخزونة عند العترة الطاهرة وصفهم أعدالاً للقرآن الكريم وقال: «إنّي تاركٌ فيكُمُ الثقلين كتاب اللّه وعِترتي»، فقاموا ببيان الأحكام المخزونة: عمومها وخصوصها، مطلقها ومقيّدها في فترة تقرب من 250



1. الفرقان:32.


( 211 )



سنة، فجاء العام في لسان إمام والخاص في لسان إمام آخر أو روى الراوي العام من دون أن يروي الخاص وعكس الآخر، وبالتالي طرأ الفصل على المخصصات و المقيدات، وهذا هو السبب التّام لوجوب الفحص عن المخصص قبل العمل بالعام.


وليس هذا من خصيصة التشريع الإسلامي بل التشريع الوضعي(البشري) يتمتع بذلك أيضاً فربما يذكر العمومات و المطلقات في قائمة، والمخصصات والمقيدات في قائمة أُخرى وما ذلك إلاّ لكون التشريع أمراً غير دفعي.


نعم لا يجب الفحص عن المخصص المتصل، لأنّ سقوطه عن كلام الراوي على خلاف الأصل لأنّ سقوطه عمداً تنفيه وثاقة الراوي، وسهواً يخالفه الأصل العقلائي المجمع عليه.


ثمّ إنّ الفحص في المقام يغاير ماهية عن الفحص عن الدليل الاجتهادي عند العمل بالأُصول العملية فانّ الفحص هنا فحص عن متمم الحجّية، لأنّ موضع الأُصول العملية هو الشكّ في ظرف عدم البيان فما لم يتحقّق الفحص لا يحرز موضوع الأصل(عدم البيان) ولا يحصل المقتضي بخلاف المقام فانّه فحص عن الدليل الأقوى ظهوراً.


وأمّا مقدار الفحص فاللازم هو حصول الاطمئنان الشخصي على عدم المخصص، وهذا النوع من الاطمئنان حجّة عقلائيّة لم يردع عنها الشارع بل هو علم عرفي.


ثمّ إنّ القوم استدلّوا على وجوب الفحص بدلائل مختلفة أشرنا إليها في التعليقة.(1)



1. أ. عدم حصول الظن الشخصي بالتكليف قبل الفحص.


ب. وجود العلم الإجمالي بالمخصص وهو مانع عن التمسك بالعام.


( 212 )



الفصل السابع


تعقيب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده


إذا كان هناك عام يتعقّبه ضمير يرجع إلى بعض أفراده، فهل يوجب ذلك تخصيص العام أو لا؟ مثاله قوله سبحانه:(وَالمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُروء وَلا يَحلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ في أَرْحامِهنَّ إِنْكُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصلاحاً...) .(1)


فقد دلّ الدليل على أنّه ليس كلّ بعل أحقّ باسترجاع مطلّقته، و إنّما يستحق إذا كان الطلاق رجعياً لا بائناً، فيقع الكلام في أنّه يوجب ذلك، تخصيصَ العام و اختصاص التربص أيضاً (كالاسترجاع) للرجعيات، أو يبقى العام على عمومه سواء أكانت رجعية أم بائنة و يتصرف في الضمير فقط. وجهان:


توضيحه: انّهنا حكمين:


1. حكم العام، أعني قوله: (وَالمُطلَقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةُ قُروء)و ظاهره عموم حكم التربّص لعامة المطلّقات رجعيّة كانت أو بائنة.


2. حكم الضمير الراجع إلى العام، أعني: حقّ الرجوع في قوله: ««َ بُعُولَتهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِن) فقوله: ««أَحَقُّ) لا يشمل كل بعل بل البعض أي المطلِّق رجعياً.



1. البقرة:228.


( 213 )



فعندئذ يقع التنافر بين استعمال المرجع في العموم، واستعمال الضمير الراجع إليه في الخصوص فإنّ الأصل هو رجوع الضمير إلى نفس ما أُريد من المرجع لا إلى بعض ما أُريد منه فلابدّمن علاجه بإحدى الصور التالية:


أ. التصرّف في المرجع بإخراج البائنة عن حكمه، و ذلك لأجل أنّالحكم الحديث الثاني يرجع إلى بعض المطلقات، فيصير قرينة على أنّ الحكم الأوّل (التربص) به لبعض الأفراد، فيحصل التطابق بين المرجع و الضمير.


ب. التصرّف في الضمير بارتكاب الاستخدام فيه بعوده إلى خصوص المطلقة الرجعية، و إبقاء حكم العام على عمومه.


ج. عدم التصرّف في واحد من المرجع و الضمير، و التصرّف في الإسناد، و ذلك بإسناد الحكم(أحقّ بردّهنّ) المسند إلى البعض ( الرجعية) إلى الكل (مطلق المطلقة) توسعاً و تجوزاً ، فيكون مجازاً في الإسناد، بلا تصرف في المرجع ولا في الضمير.


وهناك وجه رابع، و هو عدم الحاجة إلى التصرف مطلقاً، و ذلك لأنّه يمكن أن يقال إنّالحكمين باقيان على عمومهما.


1. فالمطلقات كلهنّ يتربصن بلا استثناء ، والإرادة الاستعمالية فيها مطابقة للجدية.


2. و بعولتهن مطلقاً رجعياً كان الطلاق أو بائناً أحقّبردهنّ بلا استثناء لكن بالإرادة الاستعمالية، و أمّا الإرادة الجدية فقد تعلّقت بخصوص الرجعية، و ذلك بشهادة الدليل القطعي على خروج بعض الأصناف ـ كما إذا كان الطلاق بائناً ـ عنه .


و تظهر صحّة ما ذكرنا ممّا تقدّم في الفصل الثاني من هذا المقصد (عدم


( 214 )



استلزام التخصيص المجاز في العام) فالعلم بتخصيص الحكم الثاني بالمطلّقة رجعيّة لا يستلزم استعمال الضمير في بعض ما يراد من العام حتى يدور الأمر بين أحد المجازات، بل من الجائز أن يستعمل الضمير في المعنى العام أيضاً غاية الأمر علمنا بدليل خارجي اختصاص الحكم بالرجعية.وأقصى ما يلزم من ذلك تخصيص الإرادة الجدية في جانب الضمير لا الاستعمالية كما هو الضابطة في كلّتخصيص.

/ 9