وقد انتقل إلى طهران إماماً في بعض مساجدها، وانجب اولاداً هم السيّد محمد جواد والسيّد محمد رضا والسيّد محمد تقي
قدّس الله نفس السيّد الإمام البُروجِرديّ ، ورفع درجته والحقه با لأئمّة المعصومين، والشهداء والصالحين.والسلام عليه يوم وُلِدَ ويوم ماتَ ويوم يُبعث حيّاً.وآَخر دعواهم انّ الحمد لله ربّ العالمين-
المقدّمة
اهمّية علم الرجال في الثقافة الإسلاميّة وتنوّع اساليب التاليف فيه
اهميّة علم الرجال في الثقافة الإسلاميّة:إنّ الشريعة الإسلاميّة تعتمد في طرفٍ كبير من احكامها على التعبد والبلوغ،في الاُمور المفروضة من قِبل الله تعالى على العباد، على اساس المصالح والمفاسد التي علم بها وحدّدَها، توصّلاً إلى ما يُصلحهم وإبعاداً لهم عن الوقوع في ما يضرّهم، دنيوياً واُخرويّاً.ومساحة هذا الطرفُ التعبّديّ من الشريعة تسعُ جميع ما يسمّى بالعبادات، كمَاً
وكيفاً، وتسع اجزءاً من اُصول المعاملات والتصرفات البشريّة.وكذلك اُمور الغيب واخباره واَثاره من الوعد والوعيد وشؤون الاَخرة،
جزئيّاتها وتفاصيلها.وترك الإسلام مساحةً واسعة تشمل العقائد تعتمدُ على فكر الإنسان وقناعته،
وذوقه وجُهْده، بعد انْ بيّنَ له الحقَ من الباطل، والخيرَ من الشرّ، والرشدَ من الغيّ، وحدّدَ له النجدَيْن،
وتركه حُرّاً في كثيرٍ من التصرفات التي لا اثر لها مباشرة على المصالح المحدّدة، يعملُ فيها حسب رغبته ومشتهاهُ، وهي منطقة المباحات، مع وضع اُسسٍ اخلاقيّة واقية من الإفراط والتفريط، البعيدين عن المستوى المطلوب وفقاً للطبيعة العادلة.وفي خصوص التعبّديّات، يعتمدُ البُلوغُ على الطرق المقرّرة شرعاً والتي اهمّها -القراَنُ الكريم- واوسعها مساحةً هو -الحديث الشريف- الماخوذ بنقل الرواة عن مصادر التشريع وينابيعه وهي احاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وما قاله خلفاؤه الأئمّة المعصومون عليهم السلام .فالرواة إذن هم الوسائط البشريّة، التي تبلّغ التشريعات الإلهيّة إلينا، فمنهم
ناخذها، ونتعبّد بها، فلا بُدَ إذن من إحراز امانتهم في إبلاغها، حتّى نكونَ على ثقةٍ بكون ما اوصلوه إلينا حقّاً، ويحصل لنا الاطمئنان بانّ ما ابلغوه هو حكم الله.وقد تاسّسَ -علم الرجال- على هذا الأساس المهمّ، والضروريّ وهو منشأ
اهتمام علماء الشريعة بهذا العلم، لأهميّة ما يترتّب عليه من الهدف، وخطورة ما يُبنى عليه من النتيجة.ولقد تكاثفت الجهود المضنية لتحديد هذا العلم بحدود الدقّة والضبط والقوّة، وبُذلت حوله جهود كثيرة، منذ عصور الأئمّة، وحتّى عصرنا الحاضر، فكانت هناك مؤلّفات عظيمة في اسماءالرجال والرواة، تُعَد بالعشرات، إلاّ انّها لم تبق بصورتها المنفردة بل جُمعت وكوّنت منها مؤلّفات لاحقة حتّى تمثّلت اكثر الجهود القديمة في الاُصول الرجاليّة المتداولة، وهي:-رجال البَرْقيّ-، و-اختيار الكشيّ-، و -رسالة الزُراريّ-، و-رجال ابن الغَضائريّ-، و-رجال النجاشيّ-، و-فهرست الطوسيّ و رجاله-.وقد اصبحتْ هذه الكتبُ محوراً لعمل المتاخرين، بين اختصارٍ وتفصيل،
وشرح، وتعليق، وتقديم، وتاخير، كما وضعها الفقهاء نصب اعينهم، منها يمتارون ما يغنيهم، ومن نميرها ينهلون ما يرويهم.ومع انّ الأعمال المتاخّرة عن الاُصول الرجاليّة تلك كلّها ذات قيمة تراثية، إذ يحتوي كلّ منها على فوائد خاصّة، ولا يخلو واحد منها من عوائد ماسّة، اقلّها توسيع نطاق هذا العلم، والدلالة على اهمّيته في عصر كلّ مؤلّف.إلاّ انّ ما اُلّفَ من كتب الرجال في عصرنا الحاضر، يكاد المتميّز منه
يكون منحصراً في عددٍ قليل، والسببُ في ذلك انّ المتصدّين للتاليف لم يلتزموا بما يلزم لكلّ مؤلّف في ايّ فن من نصب الغرض المحدّد والمؤثر فيه امامَ عينه، إمّا بتجديد، او تسهيل، او تصحيح، او زيادة، او رفع نقصان، بل لا يُشاهَد في اكثر المؤلّفات المتاخّرة غيرُ التكرار المُمِلّ لما سبق، والإعادة من غير جديد إفادة، مع تكثير التصحيفات المشينة، او ذكر الاحتمالات البعيدة، ممّا يزيد الطالب مشقّةً وعناءً، ويورّطه في التزام الفرضيّات العقليّة المتناهية البُعد عن الواقع، فيعرقل مسيرة عمله ودراسته، وبحثه، ويكدّر صفأ ذهنه.ولا اقولُ هذا إلاّ رغبةً في ان يكون العمل المتأخر محتوياً على مزيّةٍ فائقة
تستدعي التصدّي للتاليف، واقلّ ذلك الجمع والتنظيم، كي يستغنيَ الطالبُ عن تداول المؤلّفات العديدة، وقد ادّت موسوعات متاخّرة هذا العمل المفيد.ومع هذا كلّه، فإنّ الأعمال بالنيّات ولكلّ امرىٍ ما نوى، ولكلّ كبدٍ حرّاءَ اجر.لكنّ من الأعمال النادرة التي برزتْ في عصرنا، والتي بُنيتْ على منهجٍ متين، وانطوتْ على هدف سامٍ، وهو تقريب المسافة على طالب هذا العلم، وتسريع إيصاله إلى الهدف المنشود، مع الفوائد الجديدة العديدة التي لم يسبق التنبيه عليها احد من السابقين، والتصويبات والتصحيحات الكثيرة لما وقع في التُراث الرجاليّ المتناقَل عن الأقدمين، سواءً في كتب الرجال، او اسانيد الروايات المثبتة في كتب الحديث، كلّ ذلك مدعوماً بالأدلّة المتينة المحكمة:هو ما قام به الإمامُ السيّد البُروجِرديّ من اعمال في -الموسوعة الرجاليّة-.ولإبراز ميّزات عمل السيّد في كتابه، يلزم ان نعرض الكتب الرجاليّة الاُصول
تلك، ونذكر بإيجاز ما ابتنت عليه من المنهج، فنقول :رجال البَرْقيّ:بُني على جمع اسماء اصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّةعليهم السلام الذين رووا عنهم الحديث، مركزاً على كونهم إماميّةً، دون غيرهم إلاّ مع التصريح، ويبتني كذلك على ذكرهم على الطبقات، وهو يحتوي على 1760 عنواناً حسب ترقيم نسختنا المحقّقة بما في ذلك الأسماء المكرّرة في الطبقات المتعددّة.وقد فصّلنا الحديث عنه في المقدّمة التي وضعناها امام نسختنا المحقّقة، والمقابلة بالنسخ المتوفّرة منه.ورجال الكشيّ:مبتنٍ على جمع ما ورد في حقّ الرواة من الرجال، في الأحاديث سواء المادحة ام القادحة، بهدف وضعها بكلّ حيادٍ امام الناظرين كي يتمكّنوا من المقارنة والاستنتاج، واختيار ما توصلهم إليه الطرق الصحيحة للانتخاب.وهذا العمل يعتبر مهمّاً وعظيماً في حدّ ذاته، ويدلّ على وَرَعٍ تامّ وشجاعة
فائقة، ونُشدانٍ للحقيقة بكلّ حيادٍ، إذ الغرضُ هو التوصل إلى الحقّ في شان الراوي دون التعتيم على حسناته او سيّئاته، بإظهار القدح فقط في الأعداء والمرغوب عنهم، وإظهار المدح فقط في الأولياء والمرغوب فيهم، بل المؤلّف إنّما ينقل بكلّ امانةٍ ما وصل إليه من مدحٍ او قدحٍ، في الراوي مهما كان انتماؤه المذهبيّ، على حدٍّ سواء، من دون اتّباع الهوى في الحكم لأحدٍ او عليه، حسب رغبات النفس.ولذلك فإنّ مؤلّف هذا الكتاب، وكذلك الذي اختار منه هذا الموجود، عمدا إلى إثبات ما وصل إليهم من نقول وحكايات حول الراوي.وليس معنى نقل القدح هو إثبات القدح وتحقّقه فعلاً ! او الالتزام به و قبوله واختياره اصلاً !
وإنّما الهدف الخروج من عهدة روايته، وحفاظاً عليه، إذ لولا جمعه ونقله لضاع الكثير من الأخبار التي تُوهم القدح وليست قادحةً، او هي قادحة فعلاً ولكن في نقلها وروايتها دفع لظنّ غفلة المؤلّف عنها، او اتّهامه بالغفلة او تعمّد الإخفاء لها، فتستدرك عليه.هذا مع الالتفات إلى ما في بعض المنقولات من المناقشة والبحث، ولو بحسب نظر المؤلّف الكشي او الشيخ الطوسي الذي اختار هذه النسخة .ومع انّ مثل هذا العمل يُعَدُّ في مثل ذلك العصر السحيق من علامات التحرُّر
من العصبيّة الطائفيّة، والبعد عن الانحياز إلى اهل المذهب المعيّن، فإنّ بعض المهوسين من ابناء الدعاوى و الأهواء في عصرنا الحاضر، حاولَ جهلاً منه بالمناهج الرجاليّة عند علماء الرجال الغضَّ من هذا الكتاب العظيم، بانّ فيه تدافُعاً بيّناً بين المنقولات
كما انّ بعض المغرضين من اعداء المذهب حاول استغلال ماجاء في الكتاب من الروايات التي ظاهرها القدح في الرواة، فجمعها، واعتبرها حقائق تدلّ بانفرادها على اعتراف المؤلّف بانّ الرواة اُولئك مجروحون، لورود القدح فيهم
ولم ينتبه هذا المغرور ولا ذلك الجاهل إلى اقتران هذه الروايات بما إلى جنبها ممّا يدلّ دلالةً واضحةً على المدح في اُولئك الرواة انفسهم، فتعارض تلك القوادح وتضادّها.مع جهل هذا وذاك، بانّ هناك طرقاً معروفةً للترجيح بين الروايات المتعارضة.وقد اضاف الثاني إلى جهله، انّه جَبُنَ عن الإعلان عن وجود الروايات
المادحة لاُولئك الرواة الذين نقل فيهم الروايات القادحة، بينما المؤلّف قد اثبتهما معاً، جنباً إلى جنب في كتابه.فليس في مثل عمل هذا الجاهل الذي الّف كتاباً باسم -رجال الشيعة في
الميزان- إلاّ الدلالة على اللؤم والحقد على العلم والحقّ.ورجال ابي غالِب الزُراريّ:فهو يعتمد على جمع اسماء مَن ينتمي إلى -اَل زُرارة بن اعين- من رجال
واعلام بما فيهم الرواة للحديث، وهم الأكثر، وشرح احوالهم، وبما انّه احتوى على معلوماتٍ هامّة عن رجال هذا البيت، الذي يُعَد من بيوت العلم في الشيعة، فإنّ هذا الكتاب يدخل في التصنيف العلميّ في كتب الرجال.وقد خصّصَ المؤلّف القسم الأخيرَ من كتابه لذكر -فهرست الكتب التي رواها
بطرقه إلى مؤلّفيها- وبهذا الاعتبار ايضاً يكون الكتاب من مهمّات كتب علم الرجال.وقد حقّقتُ هذا الكتاب، وفصّلتُ الحديث عنه، وعنْ مؤلّفه، وطبع سنة
-1411ه.في قُم(61).ورجال ابن الغضائريّ:المبنيّ اساساً على ذكر اسماء الضعفاء من الرواة، ومن غُمِزَ به، او بكتابه، او
روايته، من الرواة الشيعة، متبنّياً منهجاً علميّاً رصيناً، وهادفاً إلى تحديد الضعفاء واحاديثهم وتمييز مداخلاتهم في التُراث الحديثيّ.
(61) انتخب هذا العمل باعتباره افضل عمل في علم الرجال في مشروع -الكتاب السنويّ- في الجمهورية الإسلامية في إيران سنة 1411ه.