المؤلّفين السابقين عليهم، وممّا ذكروه في مؤلّفاتهم الرجاليّة السابقة، والتي هي كثيرة في التُراث الشيعيّ، وما تلقّتهُ الطائفةُ بالقبول، واجمعتْ عليه من الاُصول، ولا ريبَ في تلقّي الخَلَف هذه المعلوماتِ الواردة في هذه الاُصول بالقبول والتسليم، وتداولها من دون مناقشةٍ في نقلهم اطمئناناً بمؤلّفيها وامانتهم في نقل المعلومات عن السابقين اُولئك الخُبراء الموثوقين لأنّ هذه الاُمور تعتمد على العلم، ولا مجال فيها للراي والاجتهاد ولا للقياس والظنّ وإن كان باب المقارنة والموازنة واسعاً كما هو ديدن المحقّقين والمدقّقين.لكنّ السيّد البُروجِرديّ اتّخذ منهجاً اَخر في استقاء المعلومات الرجاليّة، لم
يُسبَق إليه في ما عهدناه، ووضع لذلك اُسلوباً مبتكراً غير مصرح ٍ به من احدٍ من علماء الرجال، سواء من الخاصّة ام من العامّة؟ وهو ما اودعه في -الموسوعة الرجاليّة-.وقد بنى عمله هذا على ما اتّخذه لنفسه من المَنْهَج الرجاليّ في المعالجات
الحديثيّة، وطبّقه في الفقه.فلا بدّ قبل التعرّض لبيان اُسلوب عمله في الموسوعة، من بيان منهجه الرجاليّ الذي اعتمده.فهذه الدراسة تتكوّن من بابين:الأوّل:في بيان المنهج الرجاليّ عند السيّد وتطبيقاته.الثاني:في اُسلوب تاليف الموسوعة الرجاليّة.
الباب الأوّل
المنهج الرجاليّ عند السيّد البُروجِرديّ
1-المناهجُ الرجاليّة.2- مناهل المعرفة الرجاليّة.3- حجّية الخبر الواحد وشرائطها.4- تطبيق المنهج الرجاليّ المختار.اوّلاً:الترجيح الدلاليّ اعتماداً على الشهرة الفتوائيةثانياً:الترجيح الصدوريّ من غير جهة السند
ثالثاً:المعالجة السندية
5- خاتمة
الباب الأوّل
اوّلاً المناهج الرجاليّة
إنّ تحديد المناهج المتبنّاة لأصحاب العلوم لهُوَ من اهمِّ المبادىء التي يجب ان يتوفّر عليها طالب العلم، فيعرفها ليكون على بصيرةٍ من امر صاحب العلم ووجهة نظره، فيتمكّن من وضع رايه في موضعه المناسب، ويوجّه إليه البحث على مبناه ورأيه.ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى علم الرجال، فمن الضروري في ايِّ كتاب رجاليٍّ ان يُعرف منهجُ مؤلّفه ومبناه في المعالجة الرجاليّة حتّى يتمكّن من التعامل مع اعماله العلميّة في مجال الفقه والحديث والرجال.وليس بالإمكان فعلاً التفصيل عن المناهج الرجاليّة المختلفة التي اعتمدهاالرجاليّون، فقد افردنا لذلك بحثاً مفصّلاً نرجو ان نقدّمه بعد إكماله،والذي
يهمّنا-الاَن- معرفةُ المَنْهَج الذي تبنّاه السيّد البُروجِرديّ في المعالجة الرجاليّة، سعياً في الإحاطة بالفكر الرجاليّ عند السيّد، حتّى ندخل غمار موسوعته عن بصيرة، فنقول:يمتاز السيّد-بين اكثر الرجاليّين المتاخّرين- بتوفّر كلّ الإمكانات اللازمة
لديه، للتوغّل في علوم الشريعة من:-الفقه، والحديث، والاُصول، والرجال- كما اشرنا سابقاً إلى توقّف الإحاطة بعلوم الشريعة على هذه العلوم،
وقلنا ايضاً:إنّ علم الرجال إنّما يحتاج إليه اساساً للتوصّل إلى إحراز الحديث الشريف الذي هو اوسع اداةٍ لإبلاغ الشريعة، التي تدور حولها علوم الفقه واُصوله، فالحديث يعتبر المجال الأساسي لتطبيق الرجاليّ نظرياته الرجاليّة، والفقه يعتبر المجال الذي يستفيد فيه من نتائج ذلك التطبيق الرجاليّ باستخدام الأحاديث الصالحة رجاليّاً،
وبعبارة اُخري، الحديث هو:المادّة الخام، التي يجول فيها الرجاليّ بنظرياته ليستخرج الصالح للاستخدام الفقهيّ، والأدلّة على الأحكام الشَرعيّة.وامّا الاُصول فهو الذي يحدّد الشروط اللازمة في تكوين الصلاحية المذكورة، فيقرّر اصل حاجته إلى الحديث ومدى حجّيته، والمقدار المحتاج إليه منه، فهو يحدّد للرجالي النظرية الرجاليّة التي بها يختار من الحديث، الصالح للاستخدام في الفقه كي يستنبط منه الحكم الشرعي.وبهذا عرف مدى تداخل هذه العلوم، وارتباطها، وضرورتها لتكوين المجتهد
الكامل الاُهْبة والاستعداد، لخوض العمل العلمي الجادّ.وقليل اولئك الذين تتوفّر لهم هذه الإمكانيّة من العاملين في علوم الشريعة:فمن القدماء:نجد الشيخ الطوسي الذي:الّف في الاُصول كتاب -العدّة- و حدّد نظريته الرجاليّة من خلالها.والّف في الفقه كتباً عديدة متنوّعة الأغراض.والّف في الحديث كتابي -تهذيب الأحكام- و-الاستبصار- وهما اثنان من
الاُصول الأربعة الحديثيّة.والّف في الرجال اثنين من الاُصول الأربعة الرجاليّة(الرجال)و(الفهرست )
فكان الرجاليّ الأقدر على إعمال نظريته، وتطبيقها في الفقه.والحديث .ومن المتأخّرين، حظي العلاّمةُ الحلّي بتوفّر مثل ذلك له.وبين المعاصرين يبرز الإمام السيّد البُروجِرديّ بمثل ذلك:إذ كان له جُهْد اُصولي متميّز بالإبداع والدقّة والاعتماد على احدث النظريات، بشهادة كبار اساتذته، وعلماء الاُصول في عصره، مثل الاَخوند الخراساني صاحب الكفاية، الذي اعترف له بذلك، في إجازته بالاجتهاد المطلق سنة1328ه.(63).
63)طبع نصّهافي مقدّمة ترتيب اسانيد الكافي (ص 68- 69) وطبعت صورتها في مجلةحوزة(ص373).