الأسانيد من كونها مجرّد -الةٍ- للتوصّل إلى المتون وجعلها -موضوعا- مستقلا
للبحث والتحقيق.وبما قامَ به من التجريد والترتيب والتقريب والتنبيه، قطعَ الأعذار المذكورة
للاعراض عن هذا المنبع الغزير، بل بعثَ الهِمَمَ على اعتماد الأسانيد والعناية بها كأداةٍ مامونةٍ لحل المشاكل الرجاليّة.
ثالثا الهدفُ التربويّ السامي
والجملةُ الأخيرة من كلامه المنقول يكشفُ عن هدفٍ تربوي سامٍ استهدفهالسيّد في عمله، يتمثّلُ في هبة القدرة لطلاّب العلم على النظر في ادوات العلم وادلّته، واستنباط النتائج المحكمة منها.كما كشفَ برجائه العميق عن توقعه النفسيّ في ازدهار اساليب الابتكار
والتعمق والتفكير في علم الرجال، وانتشار معرفته واتّساع رقعة تطبيقه.إنَّ هذا الهدفَ، وهذا الرجاءَ، وهما يَبْرزان من اعماق هذا العملاق في علوم
الدين والشريعة، لهما من اقوى الدوافع للطلاب المحصّلين على انتهاج مسلكه المتين في التدقيق والتحقيق، كما هو باعث على استلهام روح الرعاية والارشاد من هذا المعلّم الذي كان يسعى ببالغ الاهتمام في رفع المستوى العلميّ والفكريّ والمنهجيّ لطلاب العلوم الدينيّة، كما كان يقومُ بالتشويق والدعْم المادّي، والتاييد والتمجيد المعنوي، لكلّ الفائقين والمتالقين في الاعمال العلميّة، حتّى يحتلَ العلمُ واهلُه محلّهم السامي الرفيع، وينالوا العِزة والشرف والمكانة المرموقة.وبالخصوص، علم الرجال الذي مُنِيَ باخْفاقٍ في كلا مجالَي التاليف والتحقيق، على اثر الاهمال والتقصير، او التماهُل والقُصور.وقد سبق ان نقلنا في بعض كلمات السيّد قوله في نقد الكُتُب الرجاليّة المتداولة من انّ مؤلّفيها:-استشهدوا عليها بشواهد قليلة..ممّا لا يوجبُ للمحصّل علما، ولا ظنّا، ولا يخرجه من حدود التقليد باعا ولا شبرا-(12).إنَّ هذا الكلام يُشيرُ إلى تطلع السيّد إلى عملٍ يستهدف الصعودَ بالطلاب
المحصّلين لعلم الرجال من حضيض التقليد للدعاوى الرجاليّة إلى اوج الاجتهاد في علم الرجال.
(12) ترتيب اسانيد الكافي (ص108).