فأخرج بهانئ حتى انتهى إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم ، وهو مكتوف فجعل يقول :وامذ حجاه ولا مذ حج لي اليوم وامذ حجاه و اين مني مذحج .فلما رأى ان احدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال اما من عصا او سكين اوحجر او عظم يجاحش به رجل عن نفسه ؟ قال :ووثبوا اليه فشدوه وثاقا ، ثم قيل له :امدد عنقك فقال :ما انابها مجد سخى ، وما انا بمعينكم على نفسي ، قال :فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركى يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع سيفه شيئا فقال هاني :إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك ورضوانك ، ثم ضربه اخرى فقتله .قال :فبصر به عبدالرحمان بن الحصين المرادي بخازر وهو مع عبيدالله بن زياد ، فقال الناس هذا قاتل هاني بن عروة ، فقال ابن الحصين قتلني الله ان لم اقتله اواقتل دونه ، فحمل عليه بالرمح ، فطعنه فقتله .ثم ان عبيدالله بن زياد لما قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة دعا بعبد الاعلى الكلبي الذي كان اخذه كثير بن شهاب في بني فتيان فاتى به :فقال له :اخبرني بامرك فقال :اصلحك الله خرجت لانظر ما يصنع الناس فاخدني كثير بن شهاب ، فقال له :فعليك وعليك من الايمان المغلظة ان كان اخرج الا ما زعمت ، فابى ان يحلف ، فقال عبيدالله :انطلقوا بهذا إلى جبانة السبع فاضربوا عنقه بها ، قال:فانطلق به فضربت عنقه .قال :واخرج عمارة بن صلخب الازدى وكان ممن يريد ان يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره ، فأتى به ايضا عبيدالله ، فقال له :ممن
انت ؟ قال :من الازد ، قال :انطلقوا به إلى قومه فضربت عنقه فيهم .فقال عبدالله بن الزبير الاسدي في قتلة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة المرادى ويقال قاله الفرزدق .ان كنت لا تدرين ماالموت فانظرى * إلى هانئ في السوق وابن عقيل إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوى من طمار قتيل اصابهما امر الامير فاصبحا * احاديث من يسرى بكل سبيل ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل فتى هو احيى من فتاة حيية * واقطع من ذي شفرتين صقيل ايركب اسماء الهما ليج آمنا * وقد طلبته مذحج بذخول تطيف حواليه مراد وكلهم * على رقبة من سائل ومسول فان انتم لم تثأروا باخيكم * فكونوا بغايا ارضيت بقليل قال ابومخنف - عن ابي جناب ( 1 ) يحيى بن ابي حية الكلبى
( 1 ) يحيى بن أبي حية ابوجناب الكلبي الكوفي واسم أبي حية حي روى عن أبيه ويزيد بن البراء بن عازب ، وعبدالرحمان ابن أبي ليلى ، والضحاك بن مزاحم ، والحسن البصري ، وابي بردة بن أبي موسى ، وشهر بن حوشب ، واياد بن لقيط ، وعبدالله بن عيسى بن عبدالرحمان بن ابي ليلى ، ومغراء العبدي وجماعة .وعنه السفيانان ، والحسن بن صالح ، وجرير وهشيم ، والنضر بن زرارة ، وعبدة بن سليمان الكلابي ، ووكيع ، وابوبدر شجاع بن الوليد ، وجعفر بن عون .وأبونعيم وغيرهم .قال الذهلي :سمعت يزيد بن هارون يقول :كان صدوقا .قال :ثم ان عبيدالله بن زياد لماقتل مسلما وهانئا بعث برؤوسهما مع هانئ بن ابي حية الوادعى والزبير بن الاروح التميمى إلى يزيد بن معاوية وامر كاتبه عمرو بن نافع ان يكتب إلى يزيد بن معاوية بما كان من مسلم وهانئ فكتب اليه كتابا اطال فيه وكان اول من اطال في الكتب ، فلما نظر فيه عبيدالله بن زياد كرهه وقال :ما هذا التطويل وهذه الفضول اكتب :اما بعد فالحمد لله الذي اخذ لامير المؤمنين بحقه ، وكفاه مؤنة عدوه ، اخبر امير المؤمنين اكرمه الله ان مسلم عقيل لجأ إلى دار هاني بن عروة المرادى ، واني جعلت عليهما العيون ، ودسست اليهما الرجال ، وكدتهما حتى استخرجتهما ، وامكن الله منهما فقدمتهما فضربت اعناقهما ، وقد بعثت اليك برؤوسهما مع هاني بن ابي حية الهمداني والزبير بن الاروح التميمي ، وهما من اهل السمع والطاعة والنصيحة ، فليسألهما امير المؤمنين عما احب من امر ، فان عندهما
قال ابونعيم :لم يكن بأبي جناب بأس ، وكذا قال احمد وابن
معين وابوداود عن أبي نعيم ، وقال عبدالله الدورقى عن ابن معين :ليس به بأس ، وقال عثمان الدارمى عن ابن معين :صدوق ، وقال ابن نمير :صدوق ، وقال ابوزرعة :صدوق ، وقال ابن خراش :كان صدوقا ، وذكره ابن حبان في الثقات قال الغلابي عن ابن معين مات سنة سبع واربعين ومأة ، وفيها ارخه ابن سعد ومطين ، وقال ابونعيم وغيره :مات سنة خمسين ومأة ، قلت :وقال الساجى :كوفى صدوق .تهذيب التهذيب ( ج 11 ص 201 )
علما وصدقا وفهما وورعا والسلام .فكتب اليه يزيد :أما بعد فانك لم تعد ان كنت كما احب ، عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت ، وصدقت ظنى بك ورأيى فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خيرا ، وانه قد بلغني :ان الحسين بن علي قد توجه نحو العراق فضع المناظر والمسالح ، واحترس على الظن ، وخذ على التهمة غير الا تقتل الا من قاتلك ، واكتب إلى في كل ما يحدث من الخبر والسلام عليك ورحمة الله .قال أبومخنف - حدثني الصقعب بن الزهير عن عون ( 1 ) بن ابي حجيفة قال :كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة 60 ويقال يوم الاربعاء لسبع ( 2 ) مضين
( 1 ) عون بن ابي حجيفة وهب بن عبدالله السوائي الكوفي ،
روى عن ابيه ومسلم بن رياح الثقفي وله صحبة ، وعنه شعبة والثورى وقيس بن ربيع ومالك بن مغول وحجاج بن ارطاة وصدقة بن ابي عمران وابوالعميس ورقبة بن مصقلة وعمر بن ابي زائدة واشعث بن سوار وابوخالد الدالاني وآخرون .قال ابن معين وابوحاتم والنسائي ثقة .قلت :وذكره ابن حبان في الثقات قال خليفة :مات في آخر ولاية خالد على العراق وقال ابن قانع :مات سنة ست عشرة ومأة ( 2 ) في الكامل :لتسع مضين وهو الاصح .سنة 60 من يوم عرفة بعد مخرج الحسين من مكة مقبلا إلى الكوفة بيوم ، قال :وكان مخرج الحسين من المدينة إلى مكة يوم الاحد لليلتين بقيتا من رجب سنة 60 ، ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، فأقام بمكة شعبان وشهر رمضان وشوال وذا القعده .ثم خرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل ، وذكر هارون بن مسلم عن علي بن صالح عن عيسى بن يزيد :أن المختار بن أبي عبيد وعبدالله بن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم ، خرج المختار براية خضراء ، وخرج عبدالله برأية حمراء وعليه ثياب حمر ، وجاء المختار برأيته فركزها على باب عمرو بن حريث .وقال :انما خرجت لامنع عمرا وأن الاشعث والقعقاع بن شور وشبث بن ربعى قاتلوا مسلما وأصحابه عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد قتالا شديدا ، وان شبثا جعل يقول :انتظروا بهم الليل يتفرقوا فقال له القعقاع :انك قد سددت على الناس وجه مصيرهم ، فافرج لهم ينسربوا ، وأن عبيدالله أمر ان يطلب المختار وعبدالله بن الحارث وجعل فيهما جعلا فأتى بهما فحبسا .خروج الحسين عليه السلام من مكة متوجها إلى الكوفة
قال هشام عن ابي مخنف :حدثني الصقعب بن زهير عن عمر بن ( 1 ) عبدالرحمان ابن الحارث بن هشام المخزومي ، قال :لما
( 1 ) عمر بن عبدالرحمان بن الحارث بن هشام بن المغيرة
المخزومي المدني .روى عن ابي هريرة وابي بصرة الغفاري وعائشة وجماعة من الصحابة وعن اخيه ابي بكر بن عبدالرحمان .روى عنه عبدالمالك بن عمير وعامر الشعبي وحمزة بن عمرو العائذي الضبي .قال ابن خراش :ابوبكر وعمر وعكرمة وعبدالله بنو عبدالرحمان بن الحارث كلهم اجلة ثقات يضرب بهم المثل ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال :روى عن جماعة من الصحابة ، روى عنه الشعبي ، وقد ذكر البلاذري ان ابن الزبير استعمل عمر بن عبدالرحمان هذا على الكوفة .تهذيب التهذيب ( ج 7 ص 472 ) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص 284 ،
قدمت كتب أهل العراق إلى الحسين وتهيأ للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه وهو بمكة ، فحمدت الله واثنيت عليه ثم قلت :أما بعد فاني أتيتك يابن عم لحاجة اريد ذكرها لك نصيحة ، فان كنت ترى أنك تستنصحنى والا كففت عما اريد ان اقول ، فقال :قل ، فوالله ما اظنك بسيئ الرأى ولا هو القبيح من الامر والفعل ، قال :قلت له :انه قد بلغنى أنك تريد المسير إلى العراق واني مشفق عليك من مسيرك ، انك تأتي بلدا فيه عما له وامراءه ومعهم بيوت الاموال ، وانما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار ، ولا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن انت أحب اليه ممن يقاتلك معه ، فقال الحسين :جزاك الله خيرا يا ابن عم ، فقدوالله علمت انك مشيت بنصح وتكلمت بعقل ، ومهما يقض من أمر يكن أخذت برأيك
او تركته فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح ، قال :فانصرفت من عنده فدخلت على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام فسألني هل لقيت حسينا ؟ فقلت له :نعم ، قال :فما قال لك وما قلت له ؟ قال ، فقلت له :قلت كذا وكذا وقال كذا وكذا ، فقال نصحته ورب المروة الشهباء أما ورب البنية ان الرأى لما رأيته قبله أو تركه ثم قال :رب مستنصح يغش ويردى * وظنين بالغيب يلفى نصيحا
قال ابومخنف - وحدثني ( 1 ) الحارث بن كعب الوالبى عن عتبة
( 1 ) الحارث بن كعب الازدى الكوفى ، ذكرهما الطوسي
في رجال الشيعة .بن سمعان ان حسينا لما اجمع المسير إلى الكوفة اتاه عبدالله بن عباس فقال :يابن عم انك قد ارجف الناس ، انك سائر إلى العراق ، فبين لي ما انت صانع ؟ قال :اني قد اجمعت المسير في احد يومي هذين ان شاء الله تعالى .فقال له ابن عباس :فاني اعيذك بالله من ذلك ، اخبرني رحمك الله اتسير إلى قوم قد قتلوا اميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم ؟ فان كانوا قد فعلوا ذلك ، فسر اليهم ، وان كانوا انما دعوك اليهم واميرهم عليهم قاهر لهم ، وعماله تجبى بلادهم ، فانهم انما دعوك إلى الحرب والقتال ولا آمن عليك ان يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وان يستنفروا اليك فيكونوا اشد الناس عليك .فقال له حسين :واني استخير الله وانظر ما يكون ؟ قال :فخرج ابن عباس من عنده واتاه ابن الزبير فحدثه ساعة ، ثم قال :ما ادرى ما تركنا هؤلاء القوم وكفنا عنهم ونحن ابناء المهاجرين وولاة هذا الامر دونهم خبرني ما تريد ان تصنع ؟ فقال الحسين :والله لقد حدثت نفسي باتيان الكوفة ولقد كتب إلى شيعتي بها واشراف اهلها واستخير الله، فقال له ابن الزبير :اما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها :قال :ثم انه خشى ان يتهمه فقال :اما انك لو اقمت بالحجاز ثم اردت هذا الامر هيهنا ما خولف عليك ان شاء الله ، ثم قام فخرج من عنده .فقال الحسين :ها ان هذا ليس شئ يؤتاه من الدنيا احب اليه من ان اخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم انه ليس له من الامر
معي شئ وان الناس لم يععد لوه بى ، فودأني خرجت منها لتخلوله .قال فلما كان من العشى او من الغد اتى الحسين عبدالله بن العباس فقال :يابن عم اني اتصبر ولا اصبر ، اني اتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، ان اهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم ، اقم بهذا البلد فانك سيد اهل الحجاز ، فان كان اهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب اليهم فلينفوا عدوهم ثم اقدم عليهم ، فان ابيت الا ان تخرج فسر إلى اليمن ، فان بها حصونا وشعابا وهي ارض عريضة طويلة ، ولابيك بها شيعة ، وانت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك ، فاني ارجو ان يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية فقال له الحسين :يابن عم اني والله لاعلم انك ناصح مشفق ، ولكني قد ازمعت واجمعت على المسير ، فقال له ابن عباس :فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فوالله اني لخائف ان تقتل كما قتل عثمان ونساءه وولده ينظرون اليه .ثم قال ابن عباس :لقد اقررت عين ابن الزبير يتخليتك اياه والحجاز والخروج منها وهو يوم لا ينظر اليه احد معك ، والله الذي لا اله الا هو لو اعلم انك اذا اخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع على وعليك الناس اطعتنى لفعلت ذلك ، قال :ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بعبد الله بن الزبير فقال :قرت عينك يابن الزبير ثم قال :يالك من قنبرة بمعمر * خلالك الجو فبيضى واسفرى ونقرى ما شئت ان تنقرى
هذا حسين يخرج إلى العراق وعليك بالحجاز ( 1 ) قال ابومخنف - قال ابوجناب يحيى بن ابي حية عن عدي بن حرملة الاسدي عن عبدالله بن سليم والمذري بن المشمعل الاسديين قالا :خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة ، فدخلنا يوم التروية فاذا نحن بالحسين وعبدالله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى
فيما بين الحجر والباب ، قالا :فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين :ان شئت ان تقيم اقمت فوليت هذا الامر ، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك .فقال له الحسين :ان ابي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها فما احب ان اكون انا ذلك الكبش ، فقال له ابن الزبير :فاقم ان شئت وتوليني انا الامر فتطاع ولا تعصى ، فقال :وما اريد هذا ايضا .قالا :ثم انهما اخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين إلى مني عند الظهر ، قالا :فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة وقص من شعره وحل من عمرته ثم توجه نحو الكوفة وتوجهنا نحو الناس إلى منى .( 1 ) في الكامل ذكر بعد هذا :وكان الحسين يقول :