من ينظر إلى الدولة الأموية وتاريخها يعلم إلى أي مدى كانت مكروهة عند الناس، ثقيلة الوطأة عليهم، وكيف قامت الفتن والثورات على عهدهم، وكثر الدعاة ضد حكمهم وسلطانهم. فإذا ما خلا الأستاذ بتلاميذه حدثهم عن استهتار الأمويين بالقبائح والمعاصي، وإذا انتقل المسافر من قطر إلى قطر بث مساوئهم ومظالمهم.وقد ساعدت السياسة الأموية البغيضة أنصار العلويين، وأمدتهم بأبلغ الحجج وأقواها، حتى أثمرت دعوتهم، وآتت أكلها في الأقطار الإسلامية، بخاصة في إيران التي هي أقرب بلد إلى عاصمة الخلافة، وأهلها أكثر اختلاطاً بالعرب من غيرهم، ولكن الدعوة العلوية استغلها العباسيون لمصلحتهم، كما هو معروف، وكما بيناه في كتاب «الشيعة والحاكمون»، فالتشيع لآل البيت دخل إيران قبل أن يذهب الإمام الرضا إلى خراسان، ولكن العباسيين زعموا أنهم هم الآل دون غيرهم1 وبعد ذهاب الرضا إلى خراسان عرفت الحقيقة، وظهر فيها التشيع الحق.وقد ذكرنا فيما تقدم أن أفراداً من التابعين ذهبوا سنة 83 هجري إلى قم، ونشروا التشيع بين أهلها، ومن هاتين القاعدتين: قم وخراسان انطلق التشيع إلى كثير من الربوع الإيرانية، حتى جاء الصفوين فعمها جميعاً، وتجاوز إلى ما وراء الحدود._________________ 1 - وهكذا زعم الأمويون من قبل، روى المسعودي في مروج الذهب أن العباسيين حين فتحوا الشام، وانتزعوها من الأمويين حلف لهم أشياخ أهل الشام وأرباب النعم والرياسة أنهم ما علموا أن لرسول اللّه قرابة ولا أهل غير بني أمية، حتى ذهب الأمويون، وجاء العباسيون.