مجمل ومفصّل ؛ اءمّا المجمل فهو الا مر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها ، وذلك قوله تعالى :«هو الّذي اءنزل عليك الكتاب منه اَّيات محكمات هن ّ اُم ّ الكتاب واُخر متشابهات فاءمّا الّذين في قلوبهم زَيْغ ٌ فَيتَّبعُوْن َ ما تَشابَه َ منه ابتغاءَ الفتنة وابتغاء تَاءْوِيله ِ وما يَعْلَم تاءويلَه ُ إ لاّ اللّه »(69) الا ية وقد صح عن رسول اللّه (ص) اءنّه قال :((إ ذا راءيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاءولئك الّذين سمّى اللّه فاحذروهم ))(70) مثال ذ لك إ ذا قال لك بعض المشركين :«اءلا إ ن ّ اءولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون »(71) وإ ن ّ الشفاعة حق ّ وإ ن ّ الانبياء:لهم جاه عند اللّه ، اءو ذكر كلاما للنبي ّ (ص) يستدل ّ به على شي ء من باطله واءنت لا تفهم معنى الكلام الّذي ذكره ، فجاوبه باءن ّ اللّه تعالى قال :إ ن ّ الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه وما ذكرته لك من اءن اللّه ذكر اءن ّ المشركين مقرّون بالربوبيّة ، واءن ّ(72) كفرهم يتعلق على الملائكة والا نبياء والا ولياء ، مع قولهم :«ه ؤ لاء شفعاؤ نا عند اللّه » ه ذا اءمر محكم بيّن لا يقدر اءحد اءن يغيّر معناه ، وما ذكرته لي اءيّها المشرك من القراَّن اءو كلام النبي ّ (ص) لا اءعرف معناه ، ولكن اءقطع باءن ّ كلام اللّه تعالى لا يتناقض ، واءن ّ كلام النبي ّ (ص) لا يخالف كلام اللّه . وه ذا جواب جيّد سديد ، لكن لا يفهمه إ لاّ من وفّقه اللّه تعالى ، فلا تَسْتَهْوِن ْ بِه فإ نه كما قال اللّه «وما يلقّاها إ لاّ الّذين صبروا وما يلقّاها إ لاّ ذو حظّ عظيم »(73) انتهى . وخلاصة مرامه ـ على طول كلامه ـ اءن ّ الا قرار بالرّبوبيّة من مشركي زمان رسول اللّه (ص) مع قتال النبي ّ (ص) معهم لكونهم مشركين صريح في اءن ّ الشرك فيهم إ نمّا كان لقولهم :«ه ؤ لاء شفعاؤ نا عند اللّه » وتناقضه الا ية فيكون متشابها ، فالمستدل ّ بالا ية للاستشفاع بالا ولياء متّبع للمتشابه ، فيجب الحذر منه لزيغ في قلبه ، و بالا خرة يرجع حاصل كلامه إ لى تعليم من يتّبع كلامه بإ نكار كل ّ دليل يقال على خلاف ما فهمه من الا يات الدالّة على إ قرار المشركين بالربوبية ، وقولهم :«ه ؤ لاء شفعاؤ نا عند اللّه » بعنوان اءنّه من المتشابه في مقابل تلك الا يات . لكنّك باءدنى تاءمّل فيما تلونا عليك سابقا تطّلع على فساد هذه الكلمات من جهات شتى . الاُولى :اءن ّ الا قرار بالرّبوبيّة لا ينافيه الشرك ، ولا يستلزم التوحيد الحقيقي الّذي هو مدلول لا إ له إ لّا اللّه بالنسبة إ لى توحيد الذّات وتوحيد الا فعال الدال ّ عليه قوله تعالى :لا حول ولا قوة إ لاّ باللّه العلي العظيم (74) والتوحيد في الصفات المستفاد من قوله تعالى «ليس كمثله شي ء» والتوحيد في العبادة المستفاد من قوله تعالى :«ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين »(75) . الثانية :كيفية اءعمال ه ؤ لاء المشركين بالنّسبة إ لى الا صنام فإ نهم كانوا يعملون لهم ما يختص ّ باللّه تعالى المستفاد من قوله تعالى :«لا تسجدوا للشمس ِ ولا للقمر» (76) الخ . الثالثة :كيفية استشفاعهم ؛ حيث كانوا يقولون :عبادتنا ه ذه للا صنام موجبة (77) لحصول قربنا من اللّه خالق السماوات والا رض ، وه ذا خارج عن استشفاع المستشفعين بالا نبياء و الا ولياء ولا مناسبة بينهما . الرابعة :من حيث الا ذن في الاستشفاع ؛ فإ ن ّ الاستشفاع بالا صنام اءو الملائكة المعبودة اءو النبي ّ المعبود غير ماءذون فيه ، بخلاف الاستشفاع بالا نبياء والا ولياء ؛ فإ نّه ماءذون فيه . الخامسة :من حيث الاشتراك في الاسم ؛ إ نّهم كانوا يسمّون الا صنام المقول فيها «ه ؤ لاء شفعاؤ نا» اَّلهة فقال اللّه تعالى :«اءإ له ٌ مع اللّه تعالى اللّه عمّا يشركون » (78) وهذه المقالة عند المستشفعين بالا نبياء والا ولياء كفر لا يستر ، وذنب لا يغفر ، فالقياس مع بطلانه من اءصله ليس له جامع ، ووجود الفرق عنه مانع . إ يقاظ وتبصرة :قد اءعمل ه ذا القائل الشيطنة والتّقّلب إ غفالاً للمراجع إ لى كلامه ؛ حيث اءسقط تتمّة الا ية ، وذكر الا ية إ لى حدّ قوله تعالى :«وما يعلم تاءويله الا اللّه »(79) وترك قوله تعالى :«والراسخون في العلم يقولون اَّمنا به كل ّ من عند ربنا وما يذكّر إ لاّ اُولوا الا لباب » لئلا يتوجّه إ ليه سؤ ال إ لزامي ّ وهو السؤ ال عن معنى ((الراسخون في العلم )) ، واءنّه من المراد منهم ، والقول باءنّه كلام مستاءنف وليس عطفا على اللّه حتّى يكون المراد اءن :«الراسخون في العلم » يعلمون تاءويله ، بل هو كلام مستاءنف ، و المراد منه اءن ّ العلماء الّذين لا يعلمون التاءويل «يقولون كل ّ من عند ربّنا» باطل (80) جدّا ؛ فإ ن ّ استيناف الكلام مقتض ٍ لانحصار العلم بالتاءويل في اللّه تبارك وتعالى ، كما قصد القائل بترك تتمة الا ية إ يهام الانحصار غافلاً عن ورود الاعتراض على اللّه بذلك باءن يقال :الكلام المتشابه الّذي لا يعلم معناه إ لّا المتكلم يكون صدوره منه وتكلّمه به لغوا ، وإ نّما يخرجه عن اللغوية وجود من يعلم تاءويله ومعناه غير المتكلّم ، وحينئذٍ يساءل عن القائل إ ن ّ «الراسخون في العلم » العالمون بتاءويله إ ذا ذكروه وثبت عندنا المراد منه هل يدخل حينئذٍ في المحكم اءو لا ؟ فان قال :نعم يدخل في المحكم قلنا فالمتّبع للمتشابهات بعد العلم بمفاده وتاءويله من بيان الراسخين في العلم ليس ممن يكون في قلبه زيغ ، و إ ن قال :لا يدخل في المحكم ، قلنا فما ثمرة البيان الصادر من الراسخين في العلم ؟ فإ ن رجع القول بانحصار العلم بتاءويله في اللّه تبارك وتعالى عاد الاعتراض بكون التكلّم بما لا يعلمه اءحد لغوا وقبيحا لايصدر عن اءدنى متكلّم فضلاً عن الحكيم تعالى ، وإ ذا ثبت كون بيان الراسخين في العلم مخرجا للكلام عن كونه متشابها ، وصار بذلك داخلاً في المحكم فنقول :إ ن ّ الفرد الظاهر المنصرف إ ليه لفظ «الراسخون في العلم » هم الا نبياء والا ولياء ، اءعني اءوصياءهم المتعلّمين منهم ، الحائزين لعلومهم ، فيجب على كل ّ مسلم سؤ الهم عن تاءويل المتشابهات ، والا خذ بمقالتهم ، فربما يختلط الا مر على العامّي فيزعم المحكم متشابها كما مثّل القائل المتشابه بقوله تعالى :«اءلا إ ن ّ اءولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون »(81) . إ لى اءن قال :((واءنت لا تفهم معنى الكلام الّذي ذكره ، فجاوبه بقولك إ ن ّ اللّه تعالى ذكر في كتابه اءن ّ الّذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه الخ )) وحينئذٍ بعد السؤ ال من الراسخين يعلم كونه محكما اءو متشابها ، وعلى تقدير كونه متشابها يعلم تاءويله ومعناه ببيانه ، ويدخل حينئذٍ في المحكم ، فينحصر اتّباع المتشابه بمن لا يساءل من الراسخين في العلم ، وياءوّل على مقتضى مرامه ، ومراده ابتغاء الفتنة . ثم إ ن ّ قول القائل :((واءنت لا تفهم معنى الكلام الّذي ذكره فجاوبه الخ )) مغالطة وإ غفال وتعليم للتجاهل والاضلال ؛ فإ ن ّ كل ّ من عرف لغة العرب علم الموضوع له الا لفاظ من كلمة ((اءلا)) التنبيه ولفظ ((الا ولياء)) الّذي هو جمع الولي ّ و ((لا)) النافية و ((الخوف )) و ((الحزن )) وفهم المراد من هذه الجملة المتكررة في القراَّن في موارد كثيرة منها قوله تعالى «فَمَن ْ تَبِع َ هُداي فَلاَ خَوْف ٌ عَلَيْهِم ْ وَلا هُم ْ يَحْزَنُون َ »(82) اءي من اتّبع رسلي الهادين للنّاس إ لي ّ «فلا خوف » عليه من العقبات الموحشة «ولا هم يحزنون » من البليّات والمكاره المتوجّهة ؛ لعلمهم باءن ّ اللّه تعالى لا يعذب المهتدين الّذين هم اءولياؤ ه واءحبّاؤ ه . ومنها قوله تعالى :«الّذين اَّمنوا والّذين َ هادُوا والنّصارى والصابئين َ من اَّمن َ باللّه واليوم الا خر وعمل صالحا فلهم اءجْرُهُم ْ عِنْدَ ربِّهِم ْ ولا خوف ٌ عَلَيْهِم ْ ولا هُم ْ يَحْزَنُون َ»(83) فجعل الا يمان بالنبي ّ (ص) وكذلك المؤ منين باللّه والقيامة من الطوائف المذكورة ، وماءجورين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ومنها قوله تعالى :«بَلَى مَن ْ اءسلم وجهه للّه وَهُوَ مُحْسِن ٌ فله اءجْرُه ُ عِنْدَ رَبّه ِ ولا خَوْف ٌ عليهم ْ ولا هُم ْ يَحْزَنُون َ»(84) فجعل التوجّه إ لى اللّه مسلما مع العمل الحسن مناطا لعدم الخوف والحزن . ومنها قوله تعالى :«الّذين َ يُنْفِقُوْن َ اءموالهم في سبيل ِ اللّه ثم لا يُتبعون ما اءنْفَقوا منّا ولا اءذى لهم اءجرهم عند ربّهم ولا خوف ٌ عَلَيْهِم ْ وَ لا هم يَحْزَنُون »(85) ومنها قوله تعالى :«الّذين يُنْفقون َ اءموالَهُم ْ باللّيل ِ والنّهارِ سرّا وَ عَلانية ً فَلَهُم ْ اءجْرُهُم ْ عِنْدَ رَبِّهِم ْ وَلا خَوْف ٌ عَلَيْهِم ْ ولا هُم ْ يَحْزَنُون َ»(86) إ لى غير ذلك ممّا لا نحتاج إ لى ذكره بتمامه . والحاصل اءن ّ عدم فهم معنى اَّية «اءلاَ إ ن ّ اءولياء اللّه لا خَوْف ٌ عَلَيْهِم ْ ولا هُم ْ يَحْزَنُون »(87) للعارف بلغة العرب شي ء لا يساعد عليه وجدان اءحد ، وعدّ ذ لك من المتشابه لا يصدر إ لاّ من معاند اءلدّ كما اءن ّ جعل الا قرار بالربوبيّة دليلاً على كون الشّرك جعلهم الا لهة شفعاء عند اللّه ، وقياس المستشفعين بالا نبياء والا ولياء عليهم بجامع الاستشفاع اءمر لا يساعد عليه عاقل واحد سوى اللّجوج المعاند ، وقد سبق منّا عدم الجامع للقياس وعدم المنافاة بين الا قرار بالرّبوبيّة ونقصان التوحيد ، وسنزيدك وضوحا فيما ياءتي إ ن شاء اللّه تعالى . واءمّا عدم فهم كلام من يقول بالشفاعة واءن ّ الا نبياء لهم جاه عند اللّه بجعله من المتشابهات ـ فمن اءعجب العجائب ؛ لا ن ّ عدم فهم حقي[ق]ة الشّفاعة إ ن كان لا جل عدم إ مكان الا ذن فيها ، فقول اللّه تعالى :«من ذا الّذي يَشْفَع ُ عِنْدَه ُ إ لاّ بإ ذنه »(88) صريح في إ مكانه ووقوعه ، وإ ن ْ كان لا جل كونها دعوة وتوجّها إ لى غير الحق ّ ، فمع فرض الا ذن فيها يخرج عن كونها دعوة وتوجّها غير ماءذون فيه ، وإ ن كان لا جل عدم وجاهة الا نبياء والا ولياء:عند اللّه فهو انكار للبديهي ّ ؛ فان ّ وجاهتهم هي التّي صارت سببا لنبوّتهم وولايتهم ، ولولا تلك الوجاهة المعبّر عنها بالقرب إ لى اللّه لكان تقدّمهم على غيرهم ترجيحا بلا مرجّح ، والا دلّة على وجود تلك الوجاهة كثيرة مذكورة في علمي الحكمة والكلام ، وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في شرح [ الـ] زيارة الجامعة عند قول الا مام عليه السلام :((يا اءهل بيت النبوة ))(89) ومن اءراد الاطّلاع على التفصيل فليرجع إ ليه و إ لى غيره من مظانه .قل لمن يظهر دينا مؤ مناما سِوى ذ لك شركا بيّنا اءيقَن َ الشّيطان في استدلاله جاوب الحق ّ جوابا متقنا صار مردودا بما قد قاله عاند اللّه عنادا معلنا هَم ّ بالا ضلال والا غواء مَن ْكان في طوع ِ الهوى مرتَهَنا.فتلخّص ممّا ذكرنا وتبيّن لك اءن ّ ه ذا القائل منكر للشفاعة الّتي هي من واضحات الدّين ومصرحات الفرقان المبين اَّيات عديدة ، ومنها قوله تعالى :«ولا يَشْفَعُون َ إ لاّ لمَن ِ ارْتَضى وَهُم ْ مِن ْ خَشْيَته ِ مُشْفِقُون َ»(90) ومنها قوله تعالى :«لا تنفع الشفاعة عنده إ لاّ لمن اءذن له »(91) الخ واءمثال ذ لك . وظهر لك اءنّه هو الجاحد لما نطق به التنزيل العظيم ، وحكم به ضروي ّ دين النبي ّ الكريم (ص) واءن ّ الكفر والشرك مردود إ ليه دون من نسب ذ لك إ ليه من المسلمين والمؤ منين الموحّدين ، نعم ذ لك عاقبة من ترك اءحد الثّقلين ، واستغنى واغترّ بفهمه عن الرّجوع والا خذ بثاني الوديعتين اللّتين اءودعهما النبي ّ (ص) اءمّته في الروايات الصحيحة المقبولة عند الطرفين بقوله (ص) :((إ ني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي )) ثم إ نّه (ص) لم يكتف في الحكم بلزوم الجمع بينهما بحرف الواو الّذي هو للجمع ، بل اءكدّ ذ لك بعد ضم إ صبعيه بقوله (ص) :((لن يفترقا حتّى يردا علي ّ الحوض ))(92) مع التعبير بكلمة ((لن )) الّتي هي لنفي الا بد دون كلمة ((لا)) قال اللّه تبارك وتعالى :«ثم كان عاقبة ُ الّذين اءساءوا السُّواَّى اءن كذّبوا باَّيات اللّه وكانوا بها يَستهزئون »(93) .