جامع السعادات جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

جامع السعادات - جلد 1

محمد مهدی النراقی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



صغر النفس


و هو ملكة العجز عن تحمل الواردات، و هو من نتائج الجبن، و من خبائث الصفات.
و تلزمه الذلة و المهانة، و عدم الاقتحام في معالى الامور، و المسامحة في النهي
عن المنكر و الامر بالمعروف، و الاضطراب بعروض ادنى شى ء من البلايا و المخاوف. و
قد ورد في الاخبار بان المؤمن برى ء عن ذلة النفس، قال الصادق عليه السلام: «ان
الله عز و جل فوض الى المؤمن اموره كلها و لم يفوض اليه ان يكون ذليلا: اما تسمع
الله تعالى يقول:

«و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين » (76)

فالمؤمن يكون عزيزا و لا يكون ذليلا، ان المؤمن اعز من الجبل، الجبل يستقل منه (77)
بالمعاول و المؤمن لا يستقل من دينه شي ء» . و قال (ع)

«ان الله فوض الى المؤمن كل شي ء الا اذلال نفسه » . و قد وردت بهذا المضمون اخبار
اخر. و علاجه ما تقدم في معالجة الجبن.

وصل


كبر النفس و صلابتها


و ضده (كبر النفس و صلابتها) ، و قد عرفت انه ملكة التحمل لما يرد عليه كائنا ما كان.
و قد دلت الاخبار على ان المؤمن ذو صلابة و عزة و مهابة، و كل ذلك فرع كبر النفس. قال
الباقر (ع) : «المؤمن اصلب من الجبل » ، و قال (ع) : «ان الله اعطى المؤمن ثلاث خصال:
العز في الدنيا و الآخرة، و الفلح في الدنيا و الآخرة، و المهابة في صدور الظالمين » .
و صاحب هذه الملكة لا يبالي بالكرامة و الهوان، و يتساوى عنده الفقر و اليسار و
الغنى و الاعسار، بل الصحة و المرض و المدح و الذم، و لا يتاثر بتقلب الامور و
الاحوال. و هي ملكة شريفة ليست شريعة لكل وارد، و لا يصل اليها الا واحد بعد واحد، بل لا
يحوم حولها الا او حدي من افاضل الحكماء، او المعي قوى القلب من اماثل العرفاء.
و طريق تحصيلها-بعد تذكر شرافتها-ان يتكلف في المواظبة على آثارها و
الاجتناب عما ينافيها، حتى تحصل بالتدريج.

تتميم


الثبات اخص من كبر النفس


قد عرفت ان الثبات اخص من كبر النفس، و هو ملكة التحمل على الخوض في الاهوال، و
قوة المقاومة مع الشدائد و الآلام، بحيث لا يعتريه الانكسار، و ان زادت و كثرت. و ضده
الاضطراب في الاهوال و الشدائد، و من جملة الثبات الثبات في الايمان، و هو
اطمئنان النفس في عقائدها، بحيث لا يتزلزل فيها بالشبهات، قال الله تعالى:

«يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحيوة الدنيا و فى الآخرة » (78) .

و هذا الاطمئنان من شرائط كسب الكمال و فضائل الاعمال، اذ ما لم تستقر النفس على
معتقداتها في المبدا و المعاد لم يحصل لها العزم البالغ على تحصيل ما يتوقف
فائدته عليها فمن ليس له هذا الثبات لا تجده ثابتا و مواظبا على شي ء من
الاعمال الفاضلة، بل هو:

«كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران » (79) .

و المتصف به مواظب لها دائما من غير فتور. و عدم هذا الثبات لعدم البصيرة
الباطنة او لضعف في النفس. فوجوده يحصل من المعرفة و قوة النفس، فهو من فضائل
العاقلة و قوة الغضب، و عدمه من رذائل احداهما او كليهما، و منها:

دناءة الهمة


و هو قصور النفس عن طلب معالي الامور و قناعتها بادانيها، و هو من نتائج ضعف النفس
و صغرها. و ضده (علو الهمة) . و هو ملكة السعي في تحصيل السعادة و الكمال و طلب معالي
الامور، من دون ملاحظة منافع الدنيا و مضارها، حتى لا يعتريه السرور بالوجدان و
لا الحزن بالفقدان، بل لا يبالي في طريق الطلب بالموت و القتل و امثالهما. و
صاحب هذه الملكة هو المؤمن الحقيقي الشائق للموت، و الموت تحفة له، و اعظم سرور يصل
اليه، كما ورد في الاخبار. و هو الذي يقول:

آن مرد نيم كز عدمم بيم آيدكان بيم مرا خوشتر از اين بيم آيد جاني است مرا
بعاريت داده خداتسليم كنم چو و قد تسليم آيد (80)

و يقول:

مرگ اگر مرد است گو نزد من آى
تا در آغوشش در آرم تنگ تنگ
من از آن عمرى ستانم جاودان
آن زمن دلقي ستاند رنگ رنگ (81)

و يقول:

اين جان عاريت كه بحافظ سپرده دوست
روزى رخش ببينم و تسليم وى كنم (82)

و هذه الملكة من نتائج كبر النفس و شجاعتها، و هي اعظم الفضائل النفسانية، اذ كل
من وصل الى المراتب العظيمة و الامور العالية فانما وصل اليها لاجلها، اذ
صاحبها لا يرضى بالمراتب الدنية، و يشمر لتحصيل المراتب العالية و الامور
المتعالية، و في جوهر الانسان و جبلته ان يصل الى كل ما يجتهد في طلبه:

«و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (83) .

من طلب الشى ء و جد وجد. و من افراد علو الهمة الشهامة، و هو الحرص على اقتناء عظائم
الامور توقعا لجميل الذكر على مر الدهور.

و منها:

عدم الغيرة و الحمية


و هو الاهمال في محافظة ما يلزم محافظته: من الدين، و العرض، و الاولاد، و
الاموال. و هو من نتائج صغر النفس و ضعفها، و من المهلكات العظيمة، و ربما يؤدى الى
الدياثة و القيادة. قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-اذا لم يغر الرجل
فهو منكوس القلب » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اذا غير الرجل في اهله او بعض
مناكحه من مملوكته فلم يغر، بعث الله اليه طائرا يقاله (القندر) حتى يسقط على
عارضة بابه، ثم يمهله اربعين يوما، ثم يهتف به: ان الله غيور يحب كل غيور، ، فان
هو غار و غير و انكر ذلك فاكبره، و الاطار حتى يسقط على راسه فيخفق بجناحيه على
عينيه ثم يطير عنه، فينزع الله منه بعد ذلك روح الايمان، و تسمية الملائكة:

الديوث » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «كان ابراهيم غيورا و انا اغير منه، و
جدع الله انف من لا يغار على المؤمنين و المسلمين » . و قال امير المؤمنين (ع) : «يا
اهل العراق! نبئت ان نساءكم يدافعن الرجال في الطريق، اما تستحيون؟ » . و قال (ع)
: «اما تستحيون و لا تغارون، نساؤكم يخرجن الى الاسواق و يزاحمن العلوج؟ » .

وصل


الغيرة و الحمية


و ضده (الغير و الحمية) ، و هو السعي في محافظة ما يلزم محافظته، و هو من نتائج
الشجاعة و كبر النفس و قوتها. و هي شرائف الملكات، و بها تتحقق الرجولية و الفحلية،
و الفاقد لها غير معدود من الرجال. قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان
سعدا لغيور، و انا اغير من سعد، و الله اغير مني » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«ان الله لغيور، و لاجل غيرته حرم الفواحش » و قال: «ان الله يغار، و المؤمن يغار،
و غيرة الله ان ياتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه » . و قال الصادق (ع) : «ان الله
تعالى غيور و يحب الغيرة، و لغيرته حرم الفواحش ظاهرها و باطنها» .

فصل


الغيرة على الدين و الحريم و الاولاد


مقتضى الغيرة و الحمية في (الدين) ان يجتهد في حفظه عن بدع المبتدعين، و
انتحال المبطلين، و قصاص المرتدين، و اهانة من يستخف به من المخالفين، ورد
شبه الجاحدين، و يسعى في ترويجه و نشر احكامه، و يبالغ في تبيين حلاله و
حرامه، و لا يتسامح في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و مقتضى الغيرة على (الحريم) الا يتغافل عن مبادي ء الامور التي تخشى غوائلها،
فيحفظهن عن اجانب الرجال، و يمنعهن عن الدخول في الاسواق.

قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-لفاطمة (ع) : «اى شي ء خير للمراة؟ قالت: ان لا
ترى رجلا و لا يراها رجل. فضمها اليه، و قال:

ذرية بعضها من بعض » . و كان اصحاب النبي-صلى الله عليه و آله و سلم- يسدون الثقب و
الكوى في الحيطان، لئلا تطلع النساء على الرجال. و قال -صلى الله عليه و آله و سلم-:
«من اطاع امراته اكبه الله على وجهه في النار»

و ما روى انه-صلى الله عليه و آله و سلم-: اذن للنساء في حضور المساجد، و قال: «لا
تمنعوا اماء الله مساجد الله » ، فالظاهر انه كان مختصا بنساء عصره-صلى الله عليه
و آله و سلم-: لعلمه بعدم ترتب فساد على حضورهن فيها. و الصواب اليوم ان يمنع
من حضور المساجد و الذهاب الى المشاهد الا العجائز منهن، للقطع بترتب الفساد و
المعصية على خروج نساء هذا العصر الى اي موضع كان. و سئل الصادق (ع) عن خروج النساء
في العيدين، فقال: «لا! الا العجوز عليها منقلاها» ، يعني الخفين. و في رواية اخرى انه
(ع) : «سئل عن خروج النساء في العيدين و الجماعة، فقال: لا!

الا امراة مسنة » . و بالجملة: من اطلع على احوال نساء امثال عصرنا يعلم ان مقتضى
الغيرة ان يبالغ في حفظهن عن جميع ما يحتمل ان يؤدي الى فتنة و فساد، سواء كان
في نفسه محرما كالنظر الى الرجال الاجانب و استماع كلامهم بلا ضرورة شرعية و
ارتكاب الملاهي المحرمة، اولا، كالخروج عن البيت بلا داع شرعي او ضروري، و لو الى
المساجد و المشاهد المشرفة و مجامع تعزية مولانا ابي عبد الله الحسين (ع) ، اذ
ذلك و ان كان في نفسه راجحا الا ان الغالب عدم انفكاكه عما ينافي الغيرة و
الحمية على ما هو المشاهد في عصرنا، فان اقل ما في الباب انه لا ينفك عن نظرهن
الى الاجانب و استماع كلامهم، بل عن نظرهم اليهن و استماع كلامهن، و هذا خروج
للطرفين الى الانحراف عن قانون العفة مع انا نعلم قطعا ان خروج اكثرهن لا يخلو
عن غرض فاسد او مرجوح، و ما اقل فيهن ان يكون خروجها الى احد المواضع المذكورة
لمحض القربة و الثواب. فالصواب ان يمنعن في امثال هذا العصر عن مطلق الخروج،
الا الى سفر واجب كالحج، او الى بيت عالم عادل لاخذ ما يجب عليهن من المسائل،
اذا لم يتمكن ازواجهن من اخذها و ايصالها اليهن. نعم، لو فرض خروجها الى
احد المشاهد او الى مجمع تعزية من مجامع النساء بل الى مجمع العرس على نحو
اطمان الزوج منها و تيقن عدم حدوث ما ينافي الغيرة و عدم ترتب فساد و معصية و
ريبة عليه، فالظاهر جواز الاذن بل رجحانه. و جميع ذلك انما هو في الشواب من
النساء، و اما العجائز فلا باس بخروجهن الى المواضع المذكورة! و مقتضى الغيرة
ان يمنعن من استماع الكلمات الملهية و الحكايات المهيجة للشهوة، و عن مجالسة
العجائز اللاتي يحضرن مجامع الرجال و ينقلن حكاياتهم و قصصهم لانهن ناقصات العقل
و الايمان، و مع ذلك شهوتهن في غاية القوة و الغلبة، فاستماعهن لشي ء من
المذكورات يوجب ثوران الشهوة و هيجانها فيهن فلما لم يكن فيهن قاهر العقل و
مانع الايمان فربما ادى ذلك الى فساد عظيم. و لذلك ورد فى الاخبار منعهن عن
تعلم سورة يوسف (ع) ، اذ استماعهن لامثال القصة المذكورة فيها ربما ادى الى
انحرافهن عن طريق العفة. قال امير المؤمنين (ع) «لا تعلموا نساءكم سورة يوسف و لا
تقرؤهن اياها فان فيها الفتن، و علموهن سورة النور فان فيها المواعظ » . و
قال (ع) :

«لا تحملوا الفروج على السروج فتهيجوهن للفجور» . و قال رسول الله -صلى الله
عليه و آله و سلم-: «لا تنزلوا النساء الغرف و لا تعلموهن الكتابة و علموهن الغزل و
سورة النور» .

و بالجملة: مقتضى العقل و النقل ان يمنعن عن جميع ما يمكن ان يؤدي الى فساد و ريبة،
و عن مبادي ء الامور التي تخاف غوائلها، و ينبغي لصاحب الغيرة ان يجعل نفسه
مهيبا في نظرها، حتى تكون منه على خوف و حذر، و لا تطمئن منه فتتبع هواها و ما
تقتضيه جبلتها، و ان يجعلها مشغولة في كل وقت بامر من الامور، كتدبير المنزل و
اصلاح امر المعيشة، او بكسب من المكاسب، حتى يكون لها دائما شغل شاغل، و لا تكون
فارغة عنه في وقت من الاوقات، اذ لو خلت عن الاشغال و تعطلت عن المهمات اوقعها
الشيطان في اودية الافكار الردية، فتميل الى الزينة و الخروج و التفرج، و النظر
الى اجانب الرجال، و الملاعبة و المضاحكة للنسوان، فينجر امرها الى الفساد، و
ينبغي ايضا لصاحب الغيرة ان يعطى امراته ما تحتاج اليه من القوت و اللباس
و سائر الضروريات، حتى لا تضطر الى ارتكاب ما لا ينبغي من الحركات و الافعال
توصلا الى اخذ شي ء من ذلك من غير زوجها.

ثم ينبغي الا توقعه الغيرة في طرف الافراط فيبالغ في اساءة الظن و العتنت و
تجسس البواطن، فقد نهى رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان يتبع عورات
النساء و ان يتعنت بهن » . و في الخبر المشهور: ان المراة كالضلع، ان اردت ان
تقيمه كسرته، فدعه تستمتع به على عوج » . و قال -صلى الله عليه و آله و سلم-: «من
الغيرة غيرة يبغضها الله و رسوله، و هي غيرة الرجل على اهله من غير ريبة » و قال
امير المؤمنين (ع) : «لا تكثر الغيرة على اهلك فترمى بالسوء من اجلك » . و قال (ع) في
رسالته الى الحسن (ع) : «اياك و التغاير في غير موضع الغيرة، فان ذلك يدعوهن
الى السقم، و لكن احكم امرهن، فان رايت عيبا فعجل النكير على الصغير و الكبير،
بان تعاقب منهن البريئة فتعظم الذنب و تهون العيب » . و بالجملة: لا ينبغي
المبالغة في الفحص و التفتيش، اذ لا ينفك ذلك عن سوء الظن الذي نهينا عنه، فان
بعض الظن اثم.

و اما مقتضى الغيرة على (الاولاد) : ان تراقبهم من اول امرهم، فاستعمل في
حضانة كل مولود له و ارضاعه امراة صالحة تاكل الحلال، اذ الصبي الذي تتكون
اعضاؤه من اللبن الحاصل من غذاء حرام يميل طبعه الى الخبائث، لان طينته
انعجنت من الخبث.

و اذا بدات فيه مخائل التمييز فينبغي ان يؤدب بآداب الاخيار. و لما كان اول
ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام، فينغي ان يؤدب فيه بان يؤمر بالا ياخذ الا
بيمينه، و يقول (باسم الله) عند اكله، و ياكل مما يليه، و لا يبادر الى الطعام قبل
غيره، و لا يحدق الى الطعام و لا الى من ياكل، و لا يسرع في الاكل، و يمضغ الطعام
مضغا جيدا، و لا يلطخ ثوبه و لا يده.

و يقبح عنده كثرة الاكل بان يذم كثير الاكل و يشبه بالبهائم، و يمدح الصبي الذي
يقنع بالقليل و يحبب اليه الايثار بالطعام و قلة المبالاة به و القناعة باي طعام
اتفق. ثم يؤدب في امر اللباس، حتى لا يخرج فيه عن زي الابرار و اهل الورع، فيحيب
اليه ثياب القطن و البيض، دون الابريسم الملون، و يقرر عنده بان ذلك شان النساء
و المخنثين، و الرجال يستنكفون منه، و يحفظ من الصبيان الذين تعودوا التنعم و
الترفه و الزينة. ثم يؤدب في الاخلاق و الافعال و يبالغ في ذلك، لان الصبي اذا
اهمل في اول نشوه خرج في الاكثر ردى الاخلاق و الافعال، فيكون كذابا، حسودا،
لجوجا، عنودا، سارقا، خائنا، ذا ضحك و فضول، و ربما صار مخنثا مائلا الى الفسوق و
الفجور. فينبغي ان يحفظ من قرناء السوء، و هو الاصل في تاديبه. و يسلم الى معلم
دين صالح، يعلمه القرآن و احاديث الاخيار و حكايات الابرار، لينغرس في نفسه حب
الصالحين. و يحفظ عن الاشعار التي فيها ذكر الفسوق و اهله. اذ ذلك يغرس في قلبه
بذر الفساد. و ينبغي ان يعود الصبر و السكوت اذا ضربه المعلم، حتى لا يكثر
الصراخ و الشغب و لا يستشفع باحد حينئذ، و يذكر له ان ذلك داب الرجال و الشجعان،
و ان كثرة الصراخ داب المماليك و النسوان. و ينبغي ان يؤذن له بعد الفراغ من
المكتب باللعب المباح الجميل حتى يستريح من تعب الادب، و لا يموت قلبه، و لا ينقص
ذكاء. و يعلم محاسن الاخلاق و الافعال، و يجنب عن خبائث الصفات و رذائل الاعمال.

فيخوف من الحسد، و العداوة، و الجبن، و البخل، و الكبر، و العجب.

و يحذر من السرقة، و اكل الحرام، و الكذب، و الغيبة، و الخيانة، و الفحش، و اللعن،
و السب، و لغو الكلام. . . و غير ذلك. و يرغب في الصبر، و الشكر، و التوكل، و الرضا،
و الشجاعة، و السخاء، و الصدق، و النصيحة. . .

و غير ذلك من محاسن الاخلاق و فضائلها. و يمدح عنده الاختيار و يذم الاشرار، حتى
يصير الخير عنده محبوبا، و يصير الشر عنده مبغوضا. و اذا بلغ سن التمييز، يؤمر
بالطهارة و الصلاة و الصوم في بعض الايام من شهر رمضان، و يعلم اصول العقائد و
كل ما يحتاج اليه من حدود الشرع. و مهما ظهر منه خلق جميل او فعل محمود، فينبغي ان
يكرم عليه و يجازى لاجله بما يفرح به، و يمدح بين اظهر الناس. و ان ظهر منه فعل
قبيح مرة واحدة ينبغي ان يتغافل عنه و لا يهتك ستره، و لا يظهر له انه يتصور ان
يتجاسر احد على مثله، (لا) سيما اذا ستره الصبي و اجتهد في اخفائه، فان اظهار
ذلك ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة بعد ذلك، فان عاد ثانيا الى مثله،
فينبغي ان يعاتب عليه سرا و يعظم الامر فيه، و يقال له: اياك ان يطلع على فعلك هذا
احد فتفتضح عند الناس. و لا يكثر العتاب عليه حتى يسقط وقع الكلام من قلبه. و ليكن
الاب حافظا هيبته في الكلام و الحركات معه. و ينبغي للام ان تخوفه بالاب. و
ينبغي ان يمنع من كل ما يفعله خفية، فانه لا يخفيه الا و هو يعتقد انه قبيح، فاذا ترك
يعود فعل القبيح. و يعود الوقار و الطمانينة في المشي و سائر الحركات و الافعال، و
عدم كشف اطرافه، و التواضع و الاكرام لكل من عاشره، و التلطف معه في الكلام. و
يعلم طاعة والديه، و معلمه، و مؤدبه، و كل من هو اكبر سنا منه، من قريب و بعيد، و يعود
النظر اليهم بعين التعظيم و الجلالة و ترك اللعب بين ايديهم و يمنع من الفخر على
اقرانه بشي ء مما تملكه نفسه او والده. و يخوف من اخذ شي ء من الصبيان او الرجال،
او يذكر له ان الرفعة فى العطاء، و الاخذ لؤم و خمسة و مهانة و ذلة، فانه داب
الكلب، اذ هو يتبصبص في انتظار لقمة، و يقبح عنده حب الذهب و الفضة، و يحذر منهما
اكثر مما يحذر من الحيات و العقارب، اذ آفة حبهما اكثر من آفة السموم، و قد
هلك لاجله كل من هلك العالم. و يعود الا يبصق في مجلسه، و لا يتمخط، و لا يتمطط، و لا
يتثاب بحضرة غيره، و لا يستدبر غيره، و لا يضع رجلا على رجل و لا يضرب كفه تحت ذقنه،
لانه دليل الكسل. و يعلم كيفية الجلوس و الحركة و السكون. و يمنع من النوم في
النهار، و من التنعم في المفرش و الملبس و المطعم بل يعود الخشونة فيها حتى تنصلب
اعضاؤه، و لا يستخف بدنه، و يذكر له انها خلقت لدفع الضرر و الالم لا لاجل اللذة، و
ان الاطعمة ادوية يتقوى الانسان بها على عبادة الله، و ان الدنيا كلها لا اصل لها
و لا بقاء لها، و ان الموت يقطع نعيمها، و انها دار ممر لا دار مقر. و ان الآخرة هي
دار القرار و محل الراحة و اللذات، و الكيس العاقل من تزود من الدنيا للآخرة. و
ينبغي ان يمنع من كثرة الكلام، و من الكذب، و اليمين و لو كان صدقا، و من اللهو و
اللعب و السخرية و كثرة المزاح، و من ان يبتدى ء بالكلام، و يعود الا يتكلم الا
جوابا و بقدر السؤال، و ان يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو اكبر سنا منه، و
ان يقوم لمن هو اكبر منه، و يوسع له المكان و يجلس بين يديه.

فاذا تادب الصبي بهذه الآداب في صغره صارت له بعد بلوغه ملكات راسخة، فيكون
خيرا صالحا. و ان نشا على خلاف ذلك، حتى الف اللعب، و الفحش، و الوقاحة، و الخرق، و
شرة الطعام. و اللباس، و التزين و التفاخر بلغ و هو خبيث النفس كثيف الجوهر،
و كان وبالا لوالديه، و صدر منه ما يوجب الفضيحة و العار. فيجب على كل والد الا
يتسامح في تاديب ولده في حالة الصبا، لانه امانة الله عنده، و قلبه الطاهر جوهرة
نفيسة ساذجة عن كل نقش و صورة، و قابل للخير و الشر، و ابواه يميلان به الى احدهما،
فان عود الخير نشا عليه و سعد في الدنيا و الآخرة، و شاركه في ثوابه ابواه و كل
معلم و مؤدب، و ان عود الشر و اهمل شقى و هلك، و كان الوزر في رقبة ابيه او من كان
قيما و وليا له.

ثم الصبية تؤدب بمثل ما مر، الا فيما يتفاوت به الصبي و الصبية، فيستعمل ما
يليق بها، و يجب السعي في جعلها ملازمة للبيت، و الحجاب، و الوقار، و العفة و
الحياء، و سائر الخصال التي ينبغي ان تتصف بها النساء.

ثم ينبغي ان يتفرس من حال الصبي انه مستعد لاي علم و صناعة، فيجعل مشغولا
باكتسابه و يمنع من اكتساب غيره، لئلا يضيع عمره و لا تترتب عليه فائدة، اذ كل
احد ليس مستعدا لكل صناعة، و الا لاشتغل الجميع باشراف الصناعات، و اختلاف الناس
و تفاوتهم في هذا الاستعداد لتوقف قوام النوع و انتظام العالم عليه.

و اما الغيرة على (المال) ، فلا تظن انها ليست ممدوحة لسرعة فناء المال و عدم
اعتناء الاخيار، اذ كل انسان ما دام في دار الدنيا محتاج اليه، و تحصيل
الآخرة ايضا يتوقف عليه، اذ كسب العلم و العمل موقوف على بقاء البدن، و هو موقوف
على بدل مما يتحلل عنه من الاغذية و الاقوات. فلا بد لكل عاقل ان يعتني بالمال و
يجتهد في حفظه و ضبطه، بعد تحصيله من المداخل الطيبة و المكاسب المحمودة، و
مقتضى السعي في حفظه المعبر عنه بالغيرة عليه الا يصرفه في مصرف لا تترتب عليه
فائدة لآخرته او دنياه، كانفاقه للرياء و المفاخرة و التضيف، او بذله على غير
المستحقين بلا داع ديني او دنيوي او عادي، او تمكينه الظلمة و السارقين و اهل
الخيانة من اخذه علانية او سرا، او عدم مبالاته بتضييعه من غير ان يصل نفعه الى
احد، او اسرافه في بذله، او غير ذلك من المصارف التى ليست راجحة بحسب العقل و
الشرع و لا يعود اليه عوض فى الآخرة و الدنيا. بل مقتضى الغيرة عليه ان يصرف جميع
امواله في حياته في المصارف التي تعود فائدتها الى نفسه، و لا يترك شيئا منها
لوارثه الا للاخيار من اولاده، اذ بقائهم بمنزلة بقائه، و يترتب على وجودهم-مع
حسن حالهم و عيشهم-جميل الذكر و جزيل الثواب له بعد موته و كيف يرضى صاحب
الغيرة ان يترك ماله الذي اتعب نفسه في اكتسابه و فنى عمره في تحصيله و يحاسب
عليه في عرصات القيامة. لزوج امراته، فياكله و يجامعها، و غاية رضى هذه المراة
الخبيثة التي ليست لها حمية و وفاء و لا لها مطلوب اهم من مقاربة الرجال، ان
ياكل هذا الرجل صفو ماله ليتقوى على مجامعتها، و هذا محنة لا يتحمل مثلها اهل
الديانة و القيادة، فضلا عن صاحب الغيرة و الحمية، و قس على ذلك تخليف الاموال
لسائر الوراث الذين لا يعرفون الحقوق، و ليسوا من اهل الخير و الصلاح و الوفاء،
من اولاد السوء و ازواج البنات، و سائر الاقارب من الاخوان و الاخوات و
الاعمام و العمات و الاخوال و الخالات. و هؤلاء و ان لم يكونوا بمثابة زوج
امراته، الا ان ترك الاموال لهم اذا لم يكونوا من اهل الخير و الصلاح لا تثمر
له فائدة سوى الوزر و الوبال و ذكره بالسوء و الشتم و الفحش كما هو المشاهد في
زماننا هذا.

و منها:

العجلة


و هى المعنى الراتب في القلب، الباعث على الاقدام على الامور باول خاطر، من
دون توقف و استبطاء في اتباعها و العمل بها. و قد عرفت انه من لوازم ضعف النفس
و صغرها، و هو من الابواب العظيمة للشيطان، قد اهلك به كثيرا من الناس، قال رسول
الله-صلى الله عليه و آله و سلم-:

«العجلة من الشيطان. و التاني من الله » . و قد خاطب الله تعالى نبيه-صلى الله
عليه و آله و سلم-بقوله:

«و لا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه » (84) ، و قد روي: «انه لما ولد عيسى (ع)
اتت الشياطين ابليس، فقالت:

اصبحت الاصنام قد نكست رؤسها. فقال: هذا حادث قد حدث، مكانكم. فطار حتى جاء خافقي
الارض، فلم يجد شيئا، ثم وجد عيسى (ع)

قد ولد، و اذا الملائكة قد حفت حوله، فرجع اليهم، فقال: ان نبيا قد ولد البارحة، ما
حملت انثى قط و لا وضعت الا و انا بحضرتها، الا هذا، فاياسوا ان تعبد الاصنام بعد
هذه الليلة، و لكن ائتوا بنى آدم من قبل العجلة و الخفة » .

و الظواهر في ذم العجلة اكثر من ان تحصى، و لذلك افتى بعض علماء العامة
بالمنع من التعجيل لمن خاف فوت صلاة الجمعة. و السر في شدة ذمها:

ان الاعمال ينبغى ان تكون بعد المعرفة و البصيرة، و هما موقوفان على التامل و
المهلة، و العجلة تمنع من ذلك، فمن يستعجل في امر يلقى الشيطان شره عليه من حيث
لا يدرى. و التجربة شاهدة بان كل امر يصدر على العجلة يوجب الندامة و الخسران، و كل
ما يصدر على التاني و التثبت لا تعرض بعده ندامة، بل يكون مرضيا، و بان كل خفيف
عجول ساقط عن العيون، و لا وقع له عند القلوب. و المتامل في الامور يعلم ان العجلة هو
السبب الاعظم لتبديل نعيم الآخرة و ملك الابد بخسائس الدنيا و مزخرفاتها.

و بيان ذلك: انه لا ريب في ان احب اللذات و الذها للنفس هو الغلبة و الاستيلاء،
لانها من صفات الربوبية التي هي مطلوبة بالطبع للنفوس المجردة.

و السر فيه: ان كل معلول من سنخ علته، و يناسبها في صفاتها و آثارها، و غاية
ابتهاجه ان يتصف بمثل كمالاتها، و لذا قيل: «كل ما يصدر عن شي ء لا يمكن ان يكون من
جميع الجهات هو هو، و لا ان يكون من جميع الجهات ليس هو بل من جهة هو هو و من
جهة ليس هو» . و هذا معنى كلام قدماء الحكمة:

(الممكن زوج تركيبي) . و لا ريب في ان جميع الموجودات معلومة للواجب سبحانه،
صادرة عن محض وجوده و مترشحة عن فيضه و وجوده، فهو غاية الكل و الكل طالبة نحو
كمالاته، الا ان ما هو في سلسلة الصدور اليه اقرب و الواسطة بينهما اقل، تكون
مناسبة له اتم و شوقه الى الاتصاف بكماله اشد و لا ريب فى ان الذوات المجردة
النورية التي هي من عالم الامر مقتبسة من مشكاة نوره، فلها غاية القرب اليه في
سلسلة الصدور، فتكون شديدة الشوق الى الاتصاف بنحو كماله. و النفس الانسانية
لكونها منها و من عالم الامر -كما قال الله تعالى-: «قل الروح من امر ربي » (85)

تكون مثلها في القرب اليه تعالى او في المناسبة له، فلها غاية الشوق في الاتصاف
بصفاته و كمالاته التي من جملتها الغلبة و الاستعلاء و ليس ذلك مذموما، اذ
ينبغي لكل عبد ان يطلب ملكا عظيما لا آخر له، و سعادة دائمية لا نفاد لها، و بقاء لا فناء
فيه، و عز لا ذل معه، و امنا لا خفو فيه، و غنى لا فقر معه، و كمالا لا نقصان فيه. و هذه
كلها من اوصاف الربوبية، و طالبها طالب للعلو و العز و الكمال لا محالة.

فالمذموم من الرئاسة و الاستيلاء انما هو الغلظ الذي وقع للنفس بسبب تغرير
اللعين المبعد عن عالم الامر، اذ حسدها على كونها من عالم الامر، فاضلها و
اغواها من طريق العجلة، فزين في نظره الملك الفاني المشوب بانواع الآلام، لكونه
عاجلا، و صده عن الملك المخلد الدائم الذى لا يشوبه كدر و لا يقطعه قاطع، لكونه آجلا. و
المسكين المخذول ابن آدم لما خلق عجولا راغبا في العاجلة، لما جاءه المطرود
من عالم الامر، و توسل اليه بواسطة العجلة التي في طبعه، و استغواه بالعاجلة، و
امال قلبه الى عدم الاعتناء بالآجلة، و زين له الحاضرة، و وعده بالغرور و بالتمنى
على الله في باب الآخرة، فانخدع بغروره و اشتغل بطلب ملك الدنيا و مزخرفاتها مع
فنائها، و ترك سلطنة الآخرة مع بقائها، و لم يتامل المسكين في ان ملك الدنيا و
رئاستها ليس كمالا و لا علوا و استيلاء في الحقيقة، بل هو صفة نقص يصده عن الكمال
الحقيقي و الرئاسة المعنوية. مثال ذلك: انه لا ريب في ان الحب و العشق صفة كمال، و
لكن اذا وقع في موقعه، و ذلك اذا كان المحبوب شريفا كاملا في ذاته و صفاته،
فحب الله سبحانه اشرف الصفات الكمالية، و حب الجمادات و خسائس الحيوانات
اخس الرذائل النفسية، فكل من كان جاهلا بحقائق الامور ينخدع بغروره، و يختار الملك
العاجل الفاني على السلطنة الآجلة الباقية، و اما العالم الموفق فلا يتدلى بحبل
غروره، اذ علم مداخل مكره، فاعرض عن العاجلة و اختيار الآجلة.

و لما استطار مكر اللعين في كافة الخلق، ارسل الله اليهم الانبياء، و اشتغلوا
بدعوتهم من الملك المجازى الذى لا اصل له و لا دوام ان سلم الى الملك الحقيقي
الذى لا زوال له اصلا، فنادوا فيهم:

«يايها الذين آمنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض
ا رضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الاخرة الا
قليل » (86)

و ذموا من اختار العاجلة الفانية على الآخرة الباقية كما قال سبحانه:

«ان هؤلاء يحبون العاجلة و يذرون وراءهم يوما ثقيلا» (87) و قال: «كلا بل تحبون العاجلة
و تذرون الآخرة » (88)

فالغرض من بعثه الرسل ليس الا دعوة الخلق الى الملك المخلد، ليكونوا ملوكا في
الآخرة بسبب القرب من الله تعالى، و درك بقاء لا فناء فيه، و عز لا ذل معه، و قرة عين
اخفيت لا يعلمها احد. و الشيطان يدعوهم من طريق العجلة الى ملك الدنيا الفاني،
لعلمه بان ما سمى ملك الدنيا، مع انه لا يسلم و لا يخلو عن المنازعات و المكدرات و
طول الهموم في التدبيرات، يفوت به ملك الآخرة، اذ الدنيا و الآخرة ضرتان. بل
يفوت به الملك الحاضر الذى هو الزهد في الدنيا، اذ معناه ان يملك العبد شهوته و
غضبه، فينقادان لباعث الدين و اشارة الايمان. و هذا ملك بالاستحقاق، اذ به
يصير صاحبه حرا و باستيلاء الشهوة يصير عبد لبطنه و فرجه و سائر اعضائه، فيكون
مسخرا مثل البهيمة، مملوكا يسخره زمام الشهوة، اخذ المخنقة الى حيث يريد و يهوى
فما اعظم اغترار الانسان، اذ ظن انه ينال الملك بان يصير مملوكا، و ينال
الربوبية بان يصير عبدا. و مثل هذا هل يكون الا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخرة؟ .
فقد ظهر ان منشا الخسران في الدنيا و الآخرة هو العجلة.

و الطريق في علاجها: ان يتذكر فسادها، و سوء عاقبتها، و ايجابها للخفة و
المهانة عند الناس، و تاديتها الى الندامة و الخسران. ثم يتذكر شرافة الوقار
الذي هو ضده، و كونه صفة الانبياء و الاخيار، فيوطن نفسه على الا يرتكب فعلا الا بعد
التامل و المهلكة، و لا يترك الطمانينة و السكون باطنا و ظاهرا في جميع افعاله و
سكناته، فاذا فعل ذلك مدة، و لو بالتكلف و التعمل، يصير ذلك عادة له، فتزول عنه
هذه الصفة، و تحدث صفة الوقار و السكينة.

وصل


الاناة و التوقف و الوقار و السكينة


ضد العجلة (الاناة) (89) ، و هو المعنى الراتب في القلب، الباعث على الاحتياط في
الامور و النظر فيها، و التانى في اتباعها و العمل بها.

ثم (التوقف) قريب من التانى و الاناة، و الفرق بينهما: ان التوقف هو السكون
قبل الدخول في الامور حتى يستبين له رشدها، و التاني سكون و طمانينة بعد الدخول
فيها، حتى يؤدي لكل جزء منها حقه، و ضد التوقف و التعسف.

و (الوقار) يتناول الاناة و التوقف كليهما، فهو طمانينة النفس و سكونها في
الاقوال و الافعال و الحركات قبل الدخول فيها و بعدها. و هو من نتائج قوة النفس و
كبرها. و ما قل من الفضائل النفسانية ان يبلغ مرتبته في الشرافة، و لذا يمدح به
الانبياء و الاصفياء، و ورد في الاخبار: «ان المؤمن متصف به البتة » فينبغى لكل
مؤمن ان يتكلف آثاره في الحركات و الافعال، حتى يصير بالتدريج ملكة، و تكلف
الطمانينة فى الافعال و الحركات قبل ان تصير ملكة يختص باسم الوقار، و اذا
صارت ملكة سميت سكينة، اذ هي طمانينة الباطن، و الوقار اطمئنان الظاهر.

و منها:

سوء الظن بالخالق و المخلوق


و هو من نتائج الجبن و ضعف النفس، اذ كل جبان ضعيف النفس تذعن نفسه لكل فكر فاسد
يدخل في وهمه و يتبعه، و قد يترتب عليه الخوف و الغم و هو من المهلكات العظيمة، و قد
قال الله سبحانه:

«يايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم » (90) . و قال
تعالى: «و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم » (91) . و قال: «و ظننتم ظن السوء و كنتم قوما بورا» (92) .

و قال امير المؤمنين عليه السلام: «ضع امر اخيك على احسنه حتى ياتيك ما يغلبك
منه، و لا تظنن بكلمة خرجت من اخيك سوءا و انت تجد لها في الخير محملا» . و لا ريب في
ان من حكم بظنه على غيره بالشر، بعثه الشيطان على ان يغتابه او يتوانى في تعظيمه
و اكرامه، او يقصر فيما يلزمه من القيام بحقوقه، او ينظر اليه بعين الاحتقار و
يرى نفسه خيرا منه و كل ذلك من المهلكات. على ان سوء الظن بالناس من لوازم خبث
الباطن و قذراته، كما ان حسن الظن من علائم سلامة القلب و طهارته، فكل من يسى ء
الظن بالناس و يطلب عيوبهم و عثراتهم فهو خبيث النفس سقيم الفؤاد، و كل من
يحسن الظن بهم و يستر عيوبهم فهو سليم الصدر طيب الباطن، فالمؤمن يظهر
محاسن اخيه، و المنافق يطلب مساويه، و كل اناء يترشح بما فيه.

و السر في خباثة سوء الظن و تحريمه و صدوره عن خبث الضمير و اغواء الشيطاء: ان
اسرار القلوب لا يعلمها الا علام الغيوب، فليس لاحد ان يعتقد في حق غيره سوء الا
اذا انكشف له بعيان لا يقبل التاويل، اذ حينئذ لا يمكنه الا يعتقد ما شاهده و علمه، و
اما ما لم يشاهده و لم يعلمه و لم يسمعه و انما وقع في قلبه، فالشيطان القاه اليه،
فينبغي ان يكذبه، لانه افسق الفسقة، و قد قال الله:

«ان جاءكم فاسق نبا فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة » (93) .

فلا يجوز تصديق اللعين في نباه، و ان حف بقرائن الفساد، ما احتمل التاويل و
الخلاف فلو رايت عالما في بيت امير ظالم لا تظنن ان الباعث طلب الحطام
المحرمة، لاحتمال كون الباعث اغاثة مظلوم. و لو وجدت رائحة الخمر في فم مسلم
فلا تجز من بشرب الخمر و وجوب الحد، اذ يمكن انه تمضمض بالخمر و مجه و ما شربه،
او شربه اكراها و قهرا. فلا يستباح سوء الظن الا بما يستباح به المال، و هو
صريح المشاهدة، او قيام بينة فاضلة.

و لو اخبرك عدل واحد بسوء من مسلم، وجب عليك ان تتوقف في اخباره من غير تصديق و
لا تكذيب، اذ لو كذبته لكنت خائنا على هذا العدل، اذ ظننت به الكذب، و ذلك ايضا من
سوء الظن، و كذا ان ظننت به العداوة او الحسد او المقت لتتطرق لاجله التهمة،
فترد شهادته، و لو صدقته لكنت خائنا على المسلم المخبر عنه، اذ ظننت به السوء، مع
احتمال كون العدل المخبر ساهيا، او التباس الامر عليه بحيث لا يكون في اخباره
بخلاف الواقع آثما و فاسقا. و بالجملة: لا ينبغي ان تحسن الظن بالواحد و تسى ء
بالآخر، فتذكر المذكور حاله على ما كان في الستر و الحجاب، اذ لم ينكشف لك
حاله باحد القواطع، و لا بحجة شرعية يجب قبولها، و تحمل خبر العدل على امكان تطرق
شبهة مجوزة للاخبار و ان لم يكن مطابقا للواقع ثم المراد بسوء الظن هو عقد القلب
و ميل النفس دون مجرد الخواطر و حديث النفس، بل الشك ايضا، اذ المنهي عنه في الآيات
و الاخبار انما هو ان يظن، و الظن هو الطرف الراجح الموجب لميل النفس اليه. و
الامارات التي بها يمتاز العقد عن مجرد الخواطر و حديث النفس، هو ان يتغير
القلب منه عما كان من الالف و المحبة الى الكراهة و النفرة، و الجوارح عما
كانت عليه من الافعال اللازمة في المعاشرات الى خلافها. و الدليل على ان
المراد هو ما ذكر، قوله-صلى الله عليه و آله و سلم-ثلاث في المؤمن لا تستحسن و
له منهن مخرج، فمخرجه من سوء الظن الا يحققه » ، اى لا يحقق في نفسه بعقد و لا فعل لا في
القلب و لا في الجوارح.

ثم لكون سوء الظن من المهلكات، منع الشرع من التعرض للتهمة، صيانة لنفوس الناس عنه،
فقال-صلى الله عليه و آله و سلم- «اتقوا مواقع التهم » . و قال امير المؤمنين عليه
السلام: «عن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من اساء به الظن » . و روى: «انه-صلى الله
عليه و آله و سلم-كان يكلم زوجته صفية بنت حي ابن اخطب، فمر به رجل من الانصار،
فدعاه رسول الله، و قال: يا فلان! هذه زوجتي صفية. فقال: يا رسول الله ا فنظن بك الا
خيرا؟

قال: ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت ان يدخل عليك » فانظر كيف
اشفق رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-على دينه فحرسه و كيف علم الامة طريق
الاحتراز عن التهمة، حتى لا يظن العالم الورع المعروف بالتقوى و الدين ان
الناس لا يظنون به الا خيرا، اعجابا منه بنفسه، فان ما لا جزم بتحققه في حق سيد
الرسل و اشرفهم، فكيف يجزم بتحققه في حق غيره، و ان بلغ من العلم و الورع ما بلغ.
و السر في ذلك: ان اورع الناس و افضلهم لا ينظر الناس كلهم اليه بعين واحدة، بل
ان نظر اليه بعضهم بعين الرضا ينظر اليه بعض آخر بعين السخط:

و عين الرضا عن كل عيب كليلةو لكن عين السخط تبدى المساويا فكل عدو و حاسد لا
ينظر الا بعين السخط، فيكتم المحاسن و يطلب المساوى، و كل شرير لا يظن بالناس
كلهم الا شرا، و كل معيوب مفتضح عند الناس يحب ان يتفضح غيره و تظهر عيوبه عندهم، لان
البلية اذا عمت هانت، و لان يشتغل الناس به فلا تطول السنتهم فيه. فاللازم
لكل مؤمن الا يتعرض لموضع التهمة حتى يوقع الناس في المعصية بسوء الظن، فيكون شريكا
في معصيتهم، اذ كل من كان سببا لمعصية غيره يكون شريكا له في هذه المعصية. و لذا
قال الله تعالى:

«و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوابغير علم » (94) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «كيف ترون من يسب ابويه؟ فقالوا: هل
من احد يسب ابويه؟ فقال: نعم! يسب ابوي غيره فيسبون ابويه » .

ثم طريق المعالجة في ازالته-بعد تذكر ما تقدم من فساده و ما ياتي من فضيلة
ضده-انه اذا خطر لك خاطر سوء على مسلم، لا تتبعه، و لا تحققه و لا تغير قلبك عما كان
عليه بالنسبة اليه، من المراعاة و التفقد و الاكرام و الاعتماد بسببه، بل
ينبغي ان تزيد في مراعاته و اعظامه و تدعو له بالخير، فان ذلك يقنط الشيطان و
يدفعه عنك، فلا يلقى اليك خاطر السوء خوفا من اشتغالك بالدعاء و زيادة
الاكرام. و مهما عرفت عثرة من مسلم فانصحه في السر و لا تبادر الى اغتيابه،
و اذا وعظته فلا تعظه و انت مسرور باطلاعك على عيبه، لتنظر اليه بعين الحقارة،
مع انه ينظر اليك بعين التعظيم، بل ينبغي ان يكون قصدك استخلاصه من الاثم، و تكون
محزونا كما تحزن على نفسك اذا دخل عليك نقصان، و ينبغي ان يكون تركه ذلك العيب
من غير نصيحتك احب اليك من تركه بنصيحتك، و اذا فعلت ذلك جمعت بين اجر
نصيحته و اجر الحزن بمصيبته و اجر الاعانة على آخرته.

وصل


حسن الظن


قد عرفت ان ضد سوء الظن بالخالق و المخلوق هو (حسن الظن بهما)

و لما كان الاول من لوازم ضعف النفس و صغرها، فالثاني من نتائج قوتها و
ثباتها، و فوائده اكثر من ان تحصى، و قد تقدمت الظواهر الواردة في مدحه، فينبغي
لكل مؤمن الا يياس من روح الله، و لا يظن انه لا يرحمه و يعذبه البتة و لا يخلصه من
العقاب، و ان ما يرد عليه في الدنيا من البلايا و المصائب هو شر له و عقوبة، بل
ينبغي ان يعلم انه ارحم و اراف به من والديه، و انما خلقه لاجل الفيض و الجود،
فلا بد ان يرحمه في دار الآخرة، و خلصه من عذاب الابد و يوصله الى نعيم السرمد، و
ما يرد عليه من المصائب و البلايا في دار الدنيا خير له و صلاح، و ذخيرة له في
يوم المعاد.

و كذا لا يظن السوء و الشر بالمسلمين، و لا يحملن ما له وجه صحيح من اعمالهم و
اقوالهم على وجه فاسد، بل يجب ان يحمل كل ما يشاهده من افعالهم و حركاتهم على
احسن الوجوه و اصحها، ما لم يجزم بفساده، و يكذب وهمه و سائر حواسه، فيما
يذهب اليه من المحامل الفاسدة و الاحتمالات القبيحة المحرمة، و يكلف نفسه على
ذلك، حتى يصير ذلك ملكة له، فترتفع عنه ملكة سوء الظن بالكلية. نعم، الحمل على الوجه
الصحيح على تقدير عدم مطابقته للواقع، لو كان باعثا لضرر مالي او فساد ديني او
عرضي، لزم فيه الحزم و الاحتياط، و عدم تعليق اموره الدينية و الدنيوية عليه، لئلا
يترتب عليه الخسران و الاضرار، و تلزمه الفضيحة و العار.

و منها:

الغضب


و هو كيفية نفسانية موجبة لحركة الروح من الداخل الى الخارج للغلبة، و مبدؤه شهوة
الانتقام، و هو من جانب الافراط، و اذا اشتد يوجب حركة عنيفة، يمتلى ء لاجلها
الدماغ و الاعصاب من الدخان المظلم، فيستر نور العقل و يضعف فعله، و لذا لا يؤثر
فى صاحبه الوعظ و النصيحة، بل تزيده الموعظة غلظة و شدة. قال بعض علماء الاخلاق: «الغضب
شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة، الا انها لا تطلع الا على الافئدة، و انها
لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، و تستخرجها حمية الدين من قلوب
المؤمنين، او حمية الجاهلية و الكبر الدفين من قلوب الجبارين، التي لها عرق
الى الشيطان اللعين، حيث قال:

«خلقتني من نار و خلقته من طين » (95) .

فمن شان الطين السكون و الوقار، و من شان النار التلظي و الاستعار» .

ثم قوة الغضب تتوجه عند ثورانها اما الى دفع المؤذيات ان كان قبل وقوعها او
الى التشفي و الانتقام ان كان بعد وقوعها، فشهوتها الى احد هذين الامرين و
لذتها فيه، و لا تسكن الا به. فان صدر الغضب على من يقدر ان ينتقم منه، و استشعر
باقتداره على الانتقام، انبسط الدم من الباطن الى الظاهر، و احمر اللون، و
هو الغضب الحقيقي. و ان صدر على من لا يتمكن ان ينتقم منه لكونه فوقه، و استشعر
بالياس عن الانتقام. انقبض الدم من الظاهر الى الباطن، و صار حزنا. و ان
صدر على من يشك في الانتقام منه انبسط الدم تارة او انقبض اخرى، فيحمر و يصفر
و يضطرب.

فصل


الافراط و التفريط و الاعتدال في قوة الغضب


الناس في هذه القوة على افراط و تفريط و اعتدال. فالافراط: ان تغلب هذه الصفة
حتى يخرج عن طاعة العقل و الشرع و سياستهما، و لا تبقى له فكرة و بصيرة. و التفريط:
ان يفقد هذه القوة او تضعف بحيث لا يغضب عما ينبغي الغضب عليه شرعا و عقلا. و
الاعتدال: ان يصدر غضبه فيما ينبغي و لا يصدر في ما لا ينبغي، بحيث يخرج عن سياسة
الشرع و العقل، بل يكون تابعا لهما في الغضب و عدمه، فيكون غضبه و انتقامه
بامرهما. و لا ريب في ان الاعتدال ليس مذموما، و لا معدودا من الغضب، بل هو من
الشجاعة.

و التفريط مذموم معدود من الجبن و المهانة، و ربما كان اخبث من الغضب، اذ
الفاقد لهذه القوة لا حمية له، و هو ناقص جدا. و من آثاره عدم الغيرة على الحرم و
صغر النفس. و الجور، و تحمل الذل من الاخساء، و المداهنة في الامر بالمعروف و النهي
عن المنكر و الفحشاء. و لذا قيل: «من استغضب فلم يغضب فهو حمار» (96) . و قد وصف الله
خيار الصحابة بالحمية و الشدة، فقال:

«اشداء على الكفار» (97) .

و خاطب نبيه-صلى الله عليه و آله و سلم-بقوله:

«و اغلظ عليهم » (98)

و الشدة و الغلظة من آثار قوة الغضب، ففقد هذه القوة بالكلية او ضعفها مذموم. و قد
ظهر ان الغضب المعدود من الرذائل هو حد الافراط الذي يخرجه عن مقتضى العقل و
الدين، و حد التفريط و ان كان رذيلة الا انه ليس غضبا، بل هو ضد له معدود من الجبن،
و حد الاعتدال فضيلة و ضد له و معدود من الشجاعة، فانحصر الغضب بالاول.

ثم الناس كما هم مختلفون في اصل قوة الغضب، كذلك مختلفون في حدوثه و زواله سرعة و
بطا، فيكونان في بعضهم سريعين، و في بعضهم بطيئين و في بعضهم يكون احدهما سريعا و
الآخر بطيئا، و في بعضهم يكون كلاهما او احدهما متوسطا بين السرعة و البط ء. و ما
كان من ذلك باشارة العقل فهو ممدوح معدود من اوصاف الشجاعة، و غير مذموم
محسوب من آثار الغضب او الجبن.

فصل (الغضب)


(الغضب) من المهلكات العظيمة، و ربما ادى الى الشقاوة الابدية، من القتل و القطع،
و لذا قيل: (انه جنون دفعى) . قال امير المؤمنين (ع) :

«الحدة ضرب من الجنون، لان صاحبها يندم، فان لم يندم فجنونه مستحكم » و ربما
ادى الى اختناق الحرارة، و يورث الموت فجاة. و قال بعض الحكماء:

«السفينة التي وقعت في اللجج الغامرة، و اضطربت بالرياح العاصفة و غشيتها
الامواج الهائلة ارجى الى الخلاص من الغضبان الملتهب » . و قد ورد به الذم
الشديدة في الاخبار، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الغضب يفسد الايمان
كما يفسد الخل العسل » ، و قال الباقر (ع) ، ان هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في
قلب ابن آدم، و ان احدكم اذا غضب احمرت عيناه و انتفخت اوداجه و دخل الشيطان
فيه، فاذا خاف احدكم ذلك من نفسه فليلزم الارض، فان رجز الشيطان ليذهب عنه
عند ذلك » . و قال الصادق (ع) : «و كان ابي (ع) يقول: اي شي ء اشد من الغضب؟ ان الرجل يغضب
فيقتل النفس التي حرم الله، و يقذف المحصنة » و قال (ع) (99) : «ان الرجل ليغضب فما
يرضى ابدا حتى يدخل النار» . و قال الصادق (ع) :

«الغضب مفتاح كل شر» . و قال (ع) : «الغضب ممحقة لقلب الحكيم » .

و قال (ع) : من لم يملك غضبه لم يملك عقله » .

ثم مما يلزم الغضب من الآثار المهلكة الذميمة، و الاغراض المضرة القبيحة:
انطلاق اللسان بالشتم و السب، و اظهار السوء و الشماتة بالمساءة و افشاء
الاسرار و هتك الاستار و السخرية و الاستهزاء، و غير ذلك من قبيح الكلام الذي
يستحيي منه العقلاء، و توثب الاعضاء بالضرب و الجرح و التمزيق و القتل و تالم
القلب بالحقد و الحسد و العداوة و البغض و مما تلزمه الندامة بعد زواله، و عداوة
الاصدقاء، و استهزاء الاراذل، و شماتة الاعداء، و تغير المزاج، و تالم الروح و سقم
البدن، و مكافاة العاجل و عقوبة الآجل.

و العجب ممن توهم ان شدة الغضب من فرط الرجولية، مع ان ما يصدر عن الغضبان
من الحركات القبيحة انما هو افعال الصبيان و المجانين دون الرجال و
العاقلين، كيف و قد تصدر عنه الحركات غير المنتظمة، من الشتم و السب بالنسبة الى
الشمس، و القمر، و السحاب، و المطر، و الريح، و الشجر، و الحيوانات و
الجمادات، و ربما يضرب القصعة على الارض، و يكسر المائدة، و يخاطب البهيمة و
الجماد كما يخاطب العقلاء، و اذا عجز عن التشفي، ربما مزق ثوبه، و لطم وجهه، و قد
يعدو عدو المدهوش المتحير، و ربما اعتراه مثل الغشية، او سقط على الارض لا يطيق
النهوض و العدو. و كيف يكون مثل هذه الافعال القبيحة من فرط الرجولية و قد قال رسول
الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الشجاع من يملك نفسه عند غضبه » .

فصل (امكان ازالة الغضب و طرق علاجه)


قد اختلف علماء الاخلاق في امكان ازالة الغضب بالكلية و عدمه، فقيل: قمع اصل الغضب
من القلب غير ممكن، لانه مقتضى الطبع، انما الممكن كسر سورته و تضعيفه، حتى لا
يشتد هيجانه، و انت خبير بان الغضب الذي يلزم ازالته هو الغضب المذموم، اذ
غيره مما يكون باشارة العقل و الشرع ليس غضبا فيه كلامنا، بل هو من آثار الشجاعة،
و الاتصاف به من اللوازم، و ان اطلق عليه اسم الغضب احيانا حقيقة او مجازا،
كما روي عن امير المؤمنين (ع) انه قال: «كان النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-لا
يغضب للدنيا، و اذا اغضبه الحق لم يصرفه احد، و لم يقم لغضبه شي ء حتى ينتصر له » .
و لا ريب ان الغضب الذي يحصل لرسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-لم يكن غضبا
مذموما، بل كان غضبا ممدوحا يقتضيه منصب النبوة، و توجيه الشجاعة النبوية. ثم
الغضب المذموم ممكن الزوال، و لولا امكانه لزوم وجوده للانبياء و الاوصياء، و
لا ريب في بطلانه.

ثم علاجه يتوقف على امور، و ربما حصل ببعضها:

(الاول) ازالة اسبابه المهيجة له، اذ علاج كل علة بحسم مادتها، و هي: العجب، و
الفخر، و الكبر، و الغدر، و اللجاج، و المراء، و المزاح، و الاستهزاء، و التعيير، و
المخاصمة، و شدة الحرص على فضول الجاه و الاموال الفانية، و هي باجمعها اخلاق
ردية مهلكة، و لا خلاص من الغضب مع بقائها، فلا بد من ازالتها حتى تسهل ازالته.

(الثاني) ان يتذكر قبح الغضب و سوء عاقبته، و ما ورد في الشريعة من الذم عليه،
كما تقدم.

(الثالث) ان يتذكر ما ورد من المدح و الثواب على دفع الغضب في موارده، و
يتامل فيما ورد من فوائد عدم الغضب، كقول النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من
كف غضبه عن الناس كف الله تبارك و تعالى عنه عذاب يوم القيامة » . و قول الباقر
(ع) : «مكتوب في التوراة: فيما ناجى الله به موسى: امسك غضبك عمن ملكتك عليه
اكف عنك غضبي » . و قول الصادق (ع) : «اوحى الله تعالى الى بعض انبيائه: يابن آدم!
اذكرني في غضبك اذكرك في غضبي، و لا امحقك فيمن امحق، و اذا ظلمت بمظلمة فارض
بانتصاري لك، فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك » . و قوله (ع) :

«سمعت ابي يقول: اتى رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-رجل بدوي:

فقال: اني اسكن البادية، فعلمني جوامع الكلم. فقال: آمرك الا تغضب.

فاعاد الاعرابي عليه المسالة ثلاث مرات، حتى رجع الرجل الى نفسه، فقال: لا
اسالك عن شي ء بعد هذا، ما امرني رسول الله-صلى الله عليه و آله-الا بالخير» . و قوله
(ع) : «ان رسول الله-صلى الله عليه و آله- اتاه رجل، فقال: يا رسول الله! علمني عظة اتعظ
بها، فقال له: انطلق و لا تغضب، ثم عاد عليه، فقال له: انطلق و لا تغضب. . . ثلاث
مرات » و قوله (ع) : «من كف غضبه ستر الله عورته » . . . الى غير ذلك من الاخبار.

(الرابع) ان يتذكر فوائد ضد الغصب، اعني الحلم و كظم الغيظ، و ما ورد من المدح
عليهما في الاخبار-كما ياتي-و يواظب على مباشرته و لو بالتكلف، فيتحلم و ان
كان في الباطن غضبانا، و اذا فعل ذلك مدة صار عادة مالوفة هنيئة على النفس،
فتنقطع عنها اصول الغضب.

(الخامس) ان يقدم الفكر و الرواية على كل فعل او قول يصدر عنه، و يحافظ نفسه من صدور
غضب عنه.

(السادس) ان يحترز عن مصاحبة ارباب الغضب، و الذين يتبجحون بتشفي الغيظ و
طاعة الغضب، و يسمون ذلك شجاعة و رجولية، فيقولون:

نحن لا نصبر على كذا و كذا، و لا نحتمل من احد امرا. و يختار مجالسة اهل الحلم، و
الكاظمين الغيظ، و العافين عن الناس.

(السابع) ان يعلم ان ما يقع انما هو بقضاء الله و قدره، و ان الاشياء كلها مسخرة في
قبضة قدرته، و ان كل ما في الوجود من الله، و ان الامر كله لله، و ان الله لا يقدر له
ما فيه الخيرة، و ربما كان صلاحه في جوعه، او مرضه، او فقره، او جرحه او قتله، او
غير ذلك. فاذا علم بذلك غلب عليه التوحيد، و لا يغضب على احد، و لا يغتاظ عما يرد
عليه، اذ يرى-حينئذ- ان كل شي ء في قبضة قدرته اسير، كالقلم في يد الكاتب. فكما ان من
وقع عليه ملك بضرب عنقه لا يغضب على القلم، فكذلك من عرف الله و علم ان هذا النظام
الجملى صادر منه على وفق الحكمة و المصلحة، و لو تغيرت ذرة منه عما هي عليه خرجت
عن الاصلحية، لا يغضب على احد، الا ان غلبة التوحيد على هذا الوجه كالكبريت
الاحمر و توفيق الوصول اليه من الله الاكبر. و لو حصل لبعض المتجردين عن
جلباب البدن يكون كالبرق الخاطف، و يرجع القلب الى الالتفات الى الوسائط
رجوعا طبيعيا، و لو تصور دوام ذلك لاحد لتصور لفرق الانبياء، مع ان التفاتهم
في الجملة الى الوسائط مما لا يمكن انكاره.

(الثامن) ان يتذكر ان الغضب مرض قلب و نقصان عقل، صادر عن ضعف النفس و نقصانها، لا
عن شجاعتها و قوتها، و لذا يكون المجنون اسرع غضبا من العاقل، و المريض اسرع
غضبا من الصحيح. و الشيخ الهرم اسرع غضبا من الشاب، و المراة اسرع غضبا من
الرجل، و صاحب الاخلاق السيئة و الرذائل القبيحة اسرع غضبا من صاحب الفضائل.
فالرذل يغضب لشهوته اذا فاتته اللقمة، و البخيل يغاظ لبخله اذا فقد الحبة،
حتى يغضب لقد ادنى شى ء على اعزة اهله و ولده. و النفس القوية المتصفة بالفضيلة اجل
شانا من ان تتغير و تضطرب لمثل هذه الامور، بل هي كالطود الشاهق و لا تحركه
العواصف، و لذا قال سيد الرسل-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ليس الشديد بالصرعة، انما
الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب » . و ان شككت في ذلك فافتح عينيك و انظر الى
طبقات الناس الموجودين، ثم ارجع الى كتب السير و التواريخ، و استمع الى
حكايات الماضين، حتى تعلم: ان الحلم و العفو و كظم الغيظ شيمة الانبياء و الحكماء
و اكابر الملوك و العقلاء، و الغضب خصلة الجهلة و الاغبياء.

(التاسع) ان يتذكر ان قدرة الله عليه اقوى و اشد من قدرته على هذا الضعيف الذي
يغضب عليه، و هو اضعف في جنب قوته القاهرة بمراتب غير متناهية من هذا الضعيف في
جنب قوته، فليحذر، و لم يامن اذا امضى غضبه عليه ان يمضى الله عليه غضبه في
الدنيا و الآخرة، و قد روي: «انه ما كان في بنى اسرائيل ملك الا و معه حكيم، اذا غضب
اعطاه صحيفة فيها: (ارحم المساكين، و اخش الموت، و اذكر الاخرة) ، فكان
يقراها حتى يسكن غضبه »

و في بعض الكتب الالهية: «يا ابن آدم! اذكرنى حين تغضب اذكرك حين اغضب، فلا
امحقك فيمن امحق » (100) .

(العاشر) ان يتذكر ان من يمضي عليه غضبه ربما قوى و تشمر لمقابلته و جرد عليه
لسانه باظهار معائبه و الشماتة بمصائبه، و يؤذيه في نفسه و اهله و ماله و عرضه.

(الحادي عشر) ان يتفكر في السبب الذي يدعوه الى الغيظ و الغضب فان كان خوف
الذلة و المهانة و الاتصاف بالعجز و صغر النفس عند الناس، فليتنبه ان الحلم و كظم
الغيظ و دفع الغضب عن النفس ليست ذلة و مهانة، و لم يصدر من ضعف النفس و صغرها، بل
هو من آثار قوة النفس و شجاعتها و اضدادها تصدر من نقصان النفس و خورها. فدفع
الغضب عن نفسه لا يخرجه من كبر النفس في الواقع، و لو فرض خروجه به منه في اعين
جهلة الناس فلا يبالى بذلك، و يتذكر ان الاتصاف بالذلة و الصغر عند بعض اراذل
البشر اولى من خزي يوم المحشر و الافتضاح عند الله الملك الاكبر، و ان كان
السبب خوف ان يفوت منه شي ء مما يحبه، فليعلم ان ما يحبه و يغضب لفقده اما ضروري
لكل احد، كالقوت و المسكن و اللباس و صحة البدن، و هو الذى اشار اليه سيد
الرسل-صلى الله عليه و آله و سلم-بقوله: «من اصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، و له
قوت يومه، فكانما خيرت له الدنيا بحذافيرها» . او غير ضرورى لاحد، كالجاه و
المنصب و فضول الاموال.

او ضرورى لبعض الناس دون بعض، كالكتاب للعالم، و ادوات الصناعات لاربابها. و
لا ريب ان كل ما ليس من هذه الاقسام ضروريا فلا يليق ان يكون محبوبا عند اهل
البصيرة و ذوى المروات، اذ ما لا يحتاج اليه الانسان في العاجل لا بد له من
تركه في الآجل، فما بال العاقل ان يحبه و يغضب لفقده و اذا علم ذلك لم يغضب على
فقد هذا القسم البتة. و اما ما هو ضرورى للكل او البعض، و ان كان الغضب و الحزن
من فقده مقتضى الطبع لشدة الاحتياج اليه، الا ان العاقل اذا تامل يجد ان ما فقد
عنه من الاشياء الضرورية ان امكن رده و الوصول اليه يمكن ذلك بدون الغيظ و
الغضب ايضا، و ان لم يمكن لم يمكن معهما ايضا. و على اى حال بعد التامل يعلم ان
الغضب لا ثمرة له سوى تالم العاجل و عقوبة الآجل، و حينئذ لا يغضب، و ان غضب يدفعه
عن نفسه بسهولة.

(الثاني عشر) ان يعلم ان الله يحب منه الا يغضب، و الحبيب يختار البتة ما يحب
محبوبه، فان كان محبا لله فليطفى ء شدة حبه له غضبه.

(الثالث عشر) ان يتفكر في قبح صورته و حركاته عند غضبه، بان يتذكر صورة غيره و
حركاته عند الغضب.

تتميم


اعلم ان بعض المعالجات المذكورة يقتضى قطع اسباب الغضب و حسم مواده، حتى لا
يهيج و لا يصدر، و بعضها يكسر سورته او يدفعه اذا صدر وهاج. و من علاجه عند
الهيجان الاستعاذة من الشيطان، و الجلوس ان كان قائما، و الاضطجاع ان كان
جالسا، و الوضوء او الغسل بالماء البارد، و ان كان غضبه على ذى رحم فليدن منه و
ليمسه، فان الرحم اذا مست سكنت، كما ورد في الاخبار (101) .

وصل (فضيلة الحلم و كظم الغيظ)


قد عرفت ان الحلم هو طمانينة النفس، بحيث لا يحركها الغضب بسهولة و لا يزعجه
المكروه بسرعة، فهو الضد الحقيقي للغضب، لانه المانع من حدوثه و بعد هيجانه لما
كان كظم الغيظ مما يضعفه و يدفعه، فمن هذه الحيثية يكون كظم الغيظ ايضا ضدا له.
فنحن نشير الى فضيلة الحلم و شرافته، ثم الى فوائد كظم الغيظ و منافعه، ليجتهد
طالب ازالة الغضب في الاتصاف بالاول فلا يحدث فيه اصلا، و بالثاني، فيدفعه عند
هيجانه. فنقول:

اما (الحلم) -فهو اشرف الكمالات النفسانية بعد العلم، بل لا ينفع العلم بدونه اصلا، و
لذا كلما يمدح العلم او يسال عنه يقارن به، قال رسول الله -صلى الله عليه و آله و
سلم-: «اللهم اغنى بالعلم و زيني بالحلم » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «خمس من سنن
المرسلين. و عد منها الحلم.

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ابتغوا الرفعة عند الله » . قالوا: و ما هي يا رسول
الله! ؟ قال: «تصل من قطعك، و تعطى من حرمك، و تحلم عمن جهل عليك » . و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم: «ان الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم » . و قال-صلى
الله عليه و آله و سلم-: «ان الله يحب الحي الحليم، و يبغض الفاحش البذى » . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشى ء من
عمله:

تقوى تحجزه عن معاصى الله، و حلم يكف به السفيه، و خلق يعيش به في الناس » . و قال-صلى
الله عليه و آله و سلم-: «اذا جمع الخلائق يوم القيامة نادى مناد: اين اهل الفضل؟
فيقوم ناس-و هم يسير-فينطلقون سراعا الى الجنة، فتتلقاهم الملائكة فيقولون:
انا نراكم سراعا الى الجنة؟ فيقولون نحن اهل الفضل. فيقولون: ما كان فضلكم؟
فيقولون: كنا اذا ظلمنا صبرنا و اذا اسى ء الينا عفونا، و اذا جهل علينا حلمنا.
فقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ما
اعز الله بجهل قط، و لا اذل بحلم قط » . و قال امير المؤمنين عليه السلام: «ليس الخير
ان يكثر مالك و ولدك، و لكن الخير ان يكثر علمك و يعظم حلمك » . و قال على بن الحسين
-عليهما السلام-: «انه ليعجبني الرجل ان يدركه حلمه عند غضبه » و قال الصادق-عليه
السلام-: «كفى بالحلم ناصرا» . و قال عليه السلام: «و اذا لم تكن حليما فتحلم » .
و قال عليه السلام: «اذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان، فيقولان للسفيه منهما: قلت
و قلت و انت اهل لما قلت، و ستجزى بما قلت، و يقولان للحليم منهما: صبرت و حلمت سيغفر
لك ان اتممت ذلك.

قال عليه السلام: فان رد الحليم عليه ارتفع الملكان » . و بعث عليه السلام غلاما
له في حاجة فابطا، فخرج على اثره فوجده نائما، فجلس عند راسه يروحه حتى انتبه،
فقال له: «يا فلان! و الله ما ذلك لك! تنام الليل و النهار لك الليل و لنا منك
النهار» . و قال الرضا-عليه السلام-: «لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما» .

و اما (كظم الغيظ) -فهو و ان لم يبلغ مرتبة الحلم فضيلة و شرافة، لانه التحلم:
اى تكلف الحلم، الا انه اذا واظب عليه حتى صار معتادا تحدث بعد ذلك صفة الحلم
الطبيعي، بحيث لا يهيج الغيظ حتى يحتاج الى كظمه، و لذا قال رسول الله-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «انما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم » فمن لم يكن حليما
بالطبع لا بد له من السعى في كظم الغيظ عند هيجانه، حتى تحصل له صفة الحلم. و قد مدح
الله سبحانه كاظمي الغيظ في محكم كتابه، و تواترت الاخبار على شرافته و عظم
اجره، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من كظم غيظا و لو شاء ان يمضيه
امضاه، ملا الله قلبه يوم القيامة رضا» (102) و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ما
جرع عبد جرعة اعظم اجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى » : و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «ان لجهنم بابا لا يدخله الا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى » .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من كظم غيظا و هو يقدر على ان ينفذه دعاه الله يوم
القيامة على رؤس الخلائق، حتى يخير من اى الحور شاء» (103)

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من احب السبيل (104) الى الله تعالى جرعتان: جرعة
غيظ يردها بحلم. و جرعة مصيبة يردها بصبر» . و قال سيد الساجدين عليه السلام: «و ما
تجرعت جرعة احب الى من جرعة غيظ لا اكافي بها صاحبها» . و قال الباقر-عليه
السلام-: «من كظم غيظا و هو يقدر على امضائه، حشا الله تعالى قلبه امنا و ايمانا
يوم القيامة » . و قال-عليه السلام- لبعض ولده (105) : «يا بنى! ما من شى ء اقر لعين
ابيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر و ما يسرنى ان لي بذل نفسى حمر النعم » . و قال
الصادق-عليه السلام- «نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها. فان عظيم الاجر البلاء.
و ما احب الله قوما الا ابتلاهم » . و قال-عليه السلام-: «ما من عبد كظم غيظا الا
زاده الله -عز و جل-عزا في الدنيا و الآخرة. و قد قال الله-عز و جل-:

«و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين » (106)

و اثابه الله مكان غيظه ذلك » . و قال ابو الحسن الاول-عليه السلام-:

«اصبر على اعداء النعم، فانك لن تكافي من عصى الله فيك بافضل من ان تطيع الله
فيه » .

و منها:

الانتقام


بمثل ما فعل به، او بالازيد منه-و ان كان محرما ممنوعا من الشريعة- و هو من نتائج
الغضب، اذ كل انتقام ليس جائزا، فلا يجوز مقابلة الغيبة بالغيبة، و الفحش
بالفحش، و البهتان بالبهتان، و السعاية الى الظلمة بمثلها.

و هكذا في سائر المحرمات. قال سيد الرسل-صلى الله عليه و آله و سلم-:

«ان امرؤ عيرك بما فيك فلا تعيره بما فيه » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«المستبان شيطانان يتهاتران » . و قد ورد. ان رجلا شتم ابا بكر بحضرة النبي-صلى
الله عليه و آله و سلم-و هو ساكت، فلما ابتدا لينتصر منه، قام رسول الله-صلى الله
عليه و آله و سلم-و قال مخاطبا له: «ان الملك كان يجيب عنك، فلما تكلمت ذهب
الملك و جاء الشيطان، فلم اكن لاجلس في مجلس فيه الشيطان » .

فكل فعل او قول يصدر من شخص بالنسبة الى غيره ظلما، ان كان له فى الشرع قصاص و غرامة،
فيجب الا يتعدى عنه، و ان كان العفو عن الجائر ايضا افضل و اولى و اقرب الى
الورع و التقوى، و ان لم يرد له بخصوصه من الشرع حكومة معينة، وجب ان يقتصر في
الانتقام و ما يحصل به التشفى على ما ليس فيه حرمة و لا كذب، مثل ان يقابل الفحش و
الذم و غيرهما من الاذايا التى لم يقدر لها فى الشرع حكومة معينة، بقوله: يا قليل
الحياء و ياسى ء الخلق! و يا صفيق الوجه! . . . و امثال ذلك، اذا كان متصفا بها و
مثل قوله: جزاك الله و انتقم منك! و من انت؟ و هل انت الا من بني فلان؟

و مثل قوله: يا جاهل! و يا احمق! . و هذا ليس فيه كذب مطلقا، اذ ما من احد الا و
فيه جهل و حمق، (اما الاول) فظاهر، (و اما الثانى) فلما ورد من ان الناس كلهم
حمقى في ذات الله.

و الدليل على جواز هذا القدر من الانتقام، قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم-
«المستبان ما قالا فعلى البادى ء منهما حتى يتعدى المظلوم » (107) .

و قول الكاظم عليه السلام في رجلين يتسابان: «البادى ء منهما اظلم، و وزره و وزر
صاحبه عليه ما لم يتعد المظلوم » (108) . و هما يدلان على جواز الانتصار لغير
البادى ء من دون وزر ما لم يتعد، و معلوم ان المراد بالسب فيهما امثال
الكلمات المذكورة دون الفحش و الكلمات الكاذبة، و لا ريب في ان الاقتصار على
مجرد ما وردت به الرخصة بعد الشروع في الجواب مشكل، و لعل السكوت عن اصل الجواب
و حوالة الانتقام الى رب الارباب ايسر و افضل. ما لم يؤد الى فتور الحمية و
الغيرة، اذ اكثر الناس لا يقدر على ضبط نفسه عند فور الغضب. لاختلاف حالهم في
حدوث الغضب و زواله. قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «الا ان بنى آدم خلقوا
على طبقات شتى، منهم بطى ء الغضب سريع الفى ء. و منهم سريع الغضب سريع الفى ء فتلك
بتلك. و منهم سريع الغضب بطى ء الفى ء، و منهم بطى ء الغضب بطى ء الفى ء. الا و ان خيرهم
البطى ء الغضب السريع الفى ء، و شرهم السريع الغضب البطى ء الفى ء»

و قد ورد في خبر آخر: «ان المؤمن سريع الغضب سريع الرضا، فهذه بتلك »

ثم طريق العلاج في ترك الانتقام: ان يتنبه على سوء عاقبته في العاجل و الآجل، و
يتذكر فوائد تركه، و يعلم ان الحوالة الى المنتقم الحقيقي احسن و اولى، و ان
انتقامه اشد و اقوى، ثم يتامل في فوائد العفو و فضيلته، كما ياتى،

وصل (العفو)


ضد الانتقام (العفو) ، و هو اسقاط ما يستحقه من قصاص او غرامة، ففرقه عن الحلم و
كظم الغيظ ظاهر، و الآيات و الاخبار في مدحه و حسنه اكثر من ان تحصى، قال الله
تعالى سبحانه:

«خذ العفو و امر بالعرف » (109) و قال:

«و ليعفوا وليصفحوا» (110) . و قال: «و ان تعفوا اقرب للتقوى » (111)

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ثلاث و الذي نفسي بيده ان كنت حالفا
لحلفت عليهن: ما نقصت صدقة من مال فتصدقوا، و لا عفا رجل من مظلمة يبتغي بها وجه
الله الا زاده الله بها عزا يوم القيامة، و لا فتح رجل على نفسه باب مسالة الا
فتح الله عليه باب فقر» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «العفو لا يزيد العبد الا
عزا، فاعفوا يعزكم الله » .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-لعقبة: «الا اخبرك بافضل اخلاق اهل الدنيا و الآخرة:
تصل من قطعك و تعطي من حرمك. و تعفو عمن ظلمك » (112)

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «قال موسى، يا رب! اى عبادك اعز عليك؟ قال: الذي
اذا قدر عفى » . و قال سيد الساجدين (ع) «اذا كان يوم القيامة، جمع الله الاولين و
الآخرين في صعيد واحد، ثم ينادي مناد، اين اهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس،
فتلقاهم الملائكة، فيقولون: و ما فضلكم؟ فيقولون، كنا نصل من قطعنا، و نعطي من حرمنا،
و نعفو عمن ظلمنا، قال: فيقال لهم: صدقتم، ادخلوا الجنة » . و قال الباقر (ع) : «الندامة
على العفو افضل و ايسر من الندامة على العقوبة » . و قال الصادق (ع) :

«ثلاث من مكارم الدنيا و الآخرة: تعفو عمن ظلمك. . . الى آخر الحديث.

و قال ابو الحسن (ع) «ما التقت فئتان قط الا نصر اعظمهما عفوا» . و كفى للعفو فضلا
و شرافة انه من اجمل الصفات الالهية، و قد يمدح الله تعالى به في مقام الخضوع و
التذلل، قال سيد الساجدين (ع) : انت الذي سميت نفسك بالعفو، فاعف عني » . و قال (ع) ،
«انت الذي عفوه اعلى من عقابه » .

و منها:

العنف


و هو الغلظة و الفظاظة في الاقوال او الحركات ايضا، و هو من نتائج الغضب، و ضده
(الرفق) ، اي اللين فيهما، و هو من نتائج الحلم. و لا ريب في ان الغلظة في القول و
الفعل ينفر الطباع و يؤدي الى اختلال امر المعاش و المعاد، و لذلك نهى
الله-سبحانه-نبيه عنه في مقام الارشاد، و قال:

«و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك » (113) .

و روي عن سلمان: «انه قال: اذا اراد الله تعالى هلاك عبد نزع منه الحياء، فاذا نزع
منه الحياء، لم يلقه الا خائنا مخوفا، و اذا كان خائنا مخوفا نزعت منه الامانة،
فاذا نزعت منه الامانة لم يلقه الا فظا غليظا، فاذا كان فظا غليظا نزعت منه ربقة
الايمان، فاذا نزعت منه ربقة الايمان لم يلقه الا شيطان ملعونا» .

و يظهر من هذا الكلام ان من كان من اهل الغلظة و الفظاظة فهو الشيطان حقيقة،
فيجب على كل عاقل ان يجتنب عن ذلك كل الاجتناب، و يقدم التروى على كل ما يصدر
عنه من القول و الفعل، ليحافظ نفسه عن التعنف و الغلظة فيه، و يتذكر ما ورد في
فضيلة الرفق، و يرتكبه في حركاته، و لو بالتكلف، الى ان يصير ملكة، و تزول عن
نفسه آثار العنف بالكلية.

وصل (فضيلة الرفق)


الاخبار في فضيلة الرفق و فوائده اكثر من ان تحصى، و نحن نشير الى شطر منها
هنا، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لو كان الرفق خلقا يرى، ما كان
فيما خلق الله شي ء احسن منه » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-، «ان الرفق لم يوضع
على شي ء الا زانه، و لا ينزع من شي ء الا شانه » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-، «لكل شي ء قفل،
و قفل الايمان الرفق » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الله رفيق يحب الرفيق،
و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف » (114) . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-، «ما
اصطحب اثنان الا كان اعظمهما اجرا و احبهما الى الله تعالى، ارفقهما
بصاحبه » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-، «الرفق يمن، و الخرق شؤم » . و قال-صلى
الله عليه و آله و سلم-: «من كان رفيقا في امره نال ما يريده من الناس » . و قال-صلى
الله عليه و آله و سلم-: «اذا احب الله اهل بيت ادخل عليهم الرفق » . و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم-، «من اعطي حظه من الرفق اعطي حظه من خير الدنيا و الآخرة، و من
حرم حظه من الرفق حرم حظه من الدنيا و الآخرة » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«اذا احب الله عبدا اعطاه الرفق، و من يحرم الرفق يحرم الخير كله » .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اتدرون من يحرم على النار» كل هين لين سهل قريب »
. و قال الكاظم (ع) : «الرفق نصف العيش » . و قال (ع)

لمن جرى بينه و بين رجل من القوم كلام: «ارفق بهم، فان كفر احدكم في غضبه، و لا
خير فيمن كان كفره في غضبه » .

ثم التجربة شاهدة بان امضاء الامور و انجاح المقاصد موقوف على الرفق و اللين
مع الخلائق، فكل ملك كان رفيقا بجنده و رعيته انتظم امره و دام ملكه، و ان كان فظا
غليظا اختل امره و انفض الناس من حوله، و زال ملكه و سلطانه في اسرع زمان. و قس
عليه غيره من طبقات الناس من العلماء و الامراء و غيرهما، من ذوي المناصب
الجليلة، و ارباب المعاملة و المكاسبة، و اصحاب الصنايع و الحرف.

تكملة (المداراة)


(المداراة) : قريب من الرفق معنى، لانها ملائمة الناس، و حسن صحبتهم، و احتمال
اذاهم، و ربما فرق بينهما باعتبار تحمل الاذى في المداراة دون الرفق، و قد ورد
في مدحها و فوائدها الدنيوية و الاخروية اخبار كثيرة كقول النبي-صلى الله عليه و
آله و سلم-: «المداراة نصف الايمان » ، و قوله -صلى الله عليه و آله و سلم-: «ثلاث من
لم يكن فيه لم يتم عمله: ورع يحجزه عن معاصي الله، و خلق يداري به الناس، و حلم يرد
به جهل الجاهل، و قوله -صلى الله عليه و آله و سلم-، «امرني ربي بمداراة الناس كما
امرني باداء الفرائض » . و قول الباقر (ع) : «في التوراة مكتوب: فيما ناجى الله عز
و جل-به موسى بن عمران (ع) : يا موسى! اكتم مكتوم سري في سريرتك و اظهر في
علانيتك المداراة عني لعدوى و عدوك من خلقى. . . الى آخر الحديث » (115) . و قول الصادق (ع) :
«جاء جبرئيل الى النبي (ص) فقال:

يا محمد! ربك يقرئك السلام، و يقول: دار خلقي » . و قوله (ع) : «ان قوما من الناس قلت
مداراتهم للناس فنفوا (116) من قريش، و ايم الله ما كان باحسابهم باس، و ان قوما
من غير قريش حسنت مداراتهم فالحقوا بالبيت الرفيع. . . ثم قال: من كف يده عن
الناس، فانما يكف عنهم يدا واحدة و يكفون عنه ايدي كثيرة » .

و منها:

سوء الخلق بالمعنى الاخص


و هو التضجر، و انقباض الوجه، و سوء الكلام، و امثال ذلك. و هو ايضا من نتائج
الغضب، كما ان ضده-اعني (حسن الخلق بالمعنى الاخص)

و هو ان تلين جناحك، و تطيب كلامك، و تلقى اخاك ببشر حسن-من نتائج الحلم، و
اكثر ما يطلق سوء الخلق و حسنه في الاخبار يراد به هذا المعنى و لا ريب فى ان سوء
الخلق مما يبعد صاحبه عن الخالق و الخلق، و التجربة شاهدة بان الطباع متنفرة عن
كل سي ء الخلق، و يكون دائما اضحوكة للناس و لا ينفك لحظة عن الحزن و الالم، و لذا قال
الصادق (ع) : «من ساء خلقه عذب نفسه » ، و قد يعتريه لاجله الضرر العظيم. هذا كله مع سوء
عاقبته في الآخرة و ادائه الى العذاب الابدي، و لذا ورد به الذم الشديد من الشريعة
قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لما خلق الله الايمان قال:

اللهم قوني، فقواه بحسن الخلق و السخاء. و لما خلق الله الكفر قال: اللهم قوني، فقواه
بالبخل و سوء الخلق » . و روي انه قيل له-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان فلانة تصوم
النهار و تقوم الليل و هي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها. قال: لا خير فيها! هي
من اهل النار» . و عنه-صلى الله عليه و آله و سلم- «سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل
العسل (117) .

و عنه-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان العبد ليبلغ من سوء خلقه اسفل درك جهنم » . و
عنه-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ابى الله لصاحب الخلق السي ء بالتوبة، قيل فكيف ذاك
يا رسول الله! ؟ قال: «لانه اذا تاب من ذنب وقع في ذنب اعظم منه » . و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «سوء الخلق ذنب لا يغفر» . و قال الامام جعفر بن محمد-عليهما
السلام-: «اذا خلق الله العبد في اصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب الله اليه
الشر، فيقرب منه. فابتلاه بالكبر و الجبروت، فقسى قلبه، و ساء خلقه، و غلظ وجهه، و
ظهر فحشه، و قل حياؤه، و كشف الله تعالى سره، و ركب المحارم و لم ينزع عنها، ثم ركب
معاصي الله، و ابغض طاعته، و وثب على الناس لا يشبع من الخصومات، فاسالوا الله
العافية و اطلبوها منه » . و قال بعض الاكابر: «لئن يصحبني فاجر حسن الخلق احب الى
من ان يصحبني عابد سي ء الخلق » .

و طرق العلاج في ازالته: ان يتذكر اولا انه يفسد آخرته و دنياه، و يجعله ممقوتا
عند الخالق و الخلق، فيعد نفسه لازالته، ثم يقدم التروى و التفكر عند كل حركة و تكلم،
فيحفظ نفسه عنده-و لو بالتحمل و التكلف- من صدور سوء الخلق، و يتذكر ما ورد في مدح
حسن الخلق الذي هو ضده -كما ياتي-و يواظب حتى تزول على التدريج آثاره بالكلية.

وصل (طرق اكتساب حسن الخلق)


قد عرفت ان ضد هذه الرذيلة (حسن الخلق بالمعنى الاخص) ، فمن معالجاتها ان يواظب
عليه حتى ترتفع آثارها بالكلية. و اقوى البواعث على اكتسابه و المواظبة عليه
ان يتذكر ما يدل على شرافته و مدحه عقلا و نقلا:

اما حكم العقل على مدحه فظاهر لا يحتاج الى بيان، و اما النقل فالاخبار التي
وردت به اكثر من ان تحصى، و نحن نورد شطرا منها تذكرة لمن اراد ان يتذكر، قال
رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ما يوضع فى ميزان امرى ء يوم القيامة افضل
من حسن الخلق » و قال: «يا بني عبد المطلب! انكم لن تسعوا الناس باموالكم. فالقوهم
بطلاقة الوجه، و حسن البشر» . و قال -صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الله استخلص هذا
الدين لنفسه، و لا يصلح لدينكم الا السخاء و حسن الخلق، الا فزينوا دينكم بهما» . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «حسن الخلق خلق الله الاعظم » . و قيل له-صلى الله عليه و
آله و سلم-: اي المؤمنين افظلهم ايمانا؟ قال: «احسنهم خلقا» .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم- «ان احبكم الي و اقربكم مني مجلسا يوم القيامة
احسنكم خلقا» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فلا
يعتد بشي ء من عمله: تقوى تحجزه عن محارم الله و حلم يكف به السيئة، و خلق يعيش به في
الناس » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الخلق الحسن يميت الخطيئة، كما تميت
الشمس الجليد (118)

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة و
اشرف المنازل، و انه يضعف العبادة » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-لام حبيبة:
«ان حسن الخلق ذهب بخير الدنيا و الآخرة و قال لها-بعد ما سالته ان المراة يكون
لها زوجان في الدنيا فتموت و يموتان و يدخلان الجنة لا يهما هي؟ -: «انها
لاحسنهما خلقا» . و قال صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة
الصائم القائم » (119) .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اكثر ما يلج به امتي الجنة تقوى الله و حسن
الخلق » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «افاضلكم احسنكم اخلاقا، الموطؤن اكنافا (120)
الذين يالفون و يؤلفون » . و قال امير المؤمنين (ع) : «المؤمن مالوف، و لا خير فيمن
لا يالف و لا يؤلف » . و لا ريب في ان سي ء الخلق تتنفر عنه الطباع، فلا يكون مالوفا. و
قال الامام ابو جعفر الباقر-عليهما السلام-: «ان اكمل المؤمنين ايمانا
احسنهم خلقا» ، و قال (ع) : «اتى رجل رسول الله، فقال: يا رسول الله! اوصني فكان فيما
اوصاه ان قال: (الق اخاك بوجه منبسط) » و قال الصادق (ع) : «ما يقدم المؤمن على
الله-عز و جل-بعمل بعد الفرائض احب الى الله تعالى من ان يسع الناس بخلقه » و قال (ع) :
«البر و حسن الخلق يعمران الديار و يزيدان في الاعمار» . و قال (ع) : «ان الله تبارك
و تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله
يغدو عليه و يروح » . و قال (ع) :

«ثلاث من اتى الله بواحدة منهن اوجب الله له الجنة: الانفاق من اقتار، و البشر
لجميع العالم، و الانصاف من نفسه » . و قال (ع) : «صنايع المعروف و حسن البشر
يكسبان المحبة و يدخلان الجنة، و البخل و عبوس الوجه يبعدان من الله و يدخلان
النار» .

و من تامل في هذه الاخبار، و رجع الى الوجدان و التجربة، و تذكر احوال
الموصوفين بسوء الخلق و حسنه، يجد ان كل سى ء الخلق بعيد من الله و من رحمته، و
الناس يبغضونه و يشمئزون منه، و لذا يحرم من برهم وصلتهم و كل حسن الخلق محبوب
عند الله و عند الناس، فلا يزال محلا لرحمة الله و فيوضاته، و مرجعا للمؤمنين بايصال
نفعه و خيره اليهم، و انجاح مقاصده و مطالبه منهم، و لذلك لم يبعث الله سبحانه
نبيا الا و اتم فيه هذه الفضيلة، بل هي افضل صفات المرسلين و اشرف اعمال
الصديقين، و لذا قال الله تعالى لحبيبه مثنيا عليه و مظهرا نعمته لديه.

«و انك لعلى خلق عظيم » (121)

و لعظم شرافته بلغ رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-فيه ما بلغ من غايته، و
تمكن على ذروته و نهايته، حتى ورد: بينا رسول الله-صلى الله عليه و آله-ذات
يوم جالس في المساجد، اذ جاءت جارية لبعض الانصار و هو قائم (122) فاخذت بطرف
ثوبه، فقام لها النبي (ص) فلم تقل شيئا و لم يقل لها النبي (ص) شيئا، حتى فعلت ذلك
ثلاث مرات، فقام لها النبي (ص) في الرابعة، و هى خلفه، فاخذت هدبة من ثوبه ثم
رجعت. فقال لها الناس:

فعل الله بك و فعل! (123) حبست رسول الله ثلاث مرات لا تقولين له شيئا و لا هو يقول
لك شيئا! ما كانت حاجتك اليه؟ قالت: ان لنا مريضا فارسلني اهلي لآخذ هدبه من ثوبة
يستشفي (124) بها. فلما اردت اخذها رآني فقام، استحييت ان آخذها و هو يراني، و
اكره ان استامره في اخذها، فاخذتها» (125) .

و منها:

الحقد


و قد عرفت انه اضمار العداوة في القلب، و هو من ثمرة الغضب، لان الغضب اذا
لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال، رجع الى الباطن و احتقن فيه فصار حقدا، و
هو من المهلكات العظيمة. و قد قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «المؤمن ليس
بحقود» . و الغالب ان الحقد يلزمه من الآفات:

الحسد، و الهجرة، و الانقطاع عن المحقود، و ايذاؤه بالضرب، و التكلم فيه بما لا
يحل: من الكذب، و الغيبة، و البهتان، و افشاء السر، و هتك الستر، و اظهار
العيوب، و الشماتة بما يصيبه من البلاء و السرور به، و الانبساط بظهور عثراته
و هفواته، و المحاكاة عنه بالاستهزاء و السخرية، و الاعراض عنه استصغارا له، و منع
حقوقه من دين او رد مظلمة او صلة رحم. و كل ذلك حرام يؤدي الى فساد الدين و الدنيا.
و اضعف مراتبه ان يحترز عن الآفات المذكورة، و لا يرتكب لاجله ما يعصى الله
به، و لكن يستثقله بالباطن، و لا ينتهى قلبه عن بغضه.

و هو ايضا من الامراض المؤلمة للنفس، المانعة لها عن القرب الى الله و الوصول
الى الملا الاعلى. و يمنع صاحبه عما ينبغي ان يصدر عنه بالنسبة الى اهل الايمان:
من الهشاشة و الرفق و التواضع و القيام بحوائجهم و المجالسة معهم و الرغبة
الى اعانتهم و مواساتهم. . . و غير ذلك. و هذا كله مما ينقص درجته في الدين، و
يحول بينه و بين مرافقة المقربين.

و لما كانت حقيقته عبارة عن العداوة الباطنة، فجميع الاخبار الواردة في ذم
المعاداة تدل على ذمه، كقول النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-:

«ما كان جبرئيل ياتيني الا قال: يا محمد! اتق شحناء الرجال و عداوتهم » .

و قوله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ما عهد الي جبرئيل قط في شى ء ما عهد الي في معاداة
الرجال » . و قول الصادق (ع) : «من زرع العداوة حصد ما بذر» . . . و قس عليها غيرها.

و طريق العلاج في ازالته: ان يتذكر ان هذه العداوة الباطنة تؤلمه في العاجل، اذ
الحقود المسكين لا يخلو عن التالم و الهم لحظة، و يعذبه في الآجل و مع ذلك لا يضر
المحقود اصلا، و العاقل لا يدوم على حالة تكون مضرة لنفسه و نافعة لعدوه. و بعد هذا
التذكر، فليجتهد في ان يعامله معاملة احبائه:

من مصاحبته بالانبساط و الرفق، و القيام بحوائجه، و غير ذلك، بل يخصه بزيادة
البر و الاحسان، مجاهدة للنفس و ارغاما للشيطان، و لا يزال يكرر ذلك حتى ترتفع
عن نفسه آثاره هذه الرذيلة بالكلية. ثم لما كان الحقد عبارة عن العداوة الباطنة،
و حقيقتها اضمار الشر و كراهة الخير لمن يعاديه، فضده (النصيحة) التي هي قصد الخير و
كراهة الشر، لا المحبة-كما يتراءى في بادى الراي-اذ هي ضد الكراهة دون العداوة-كما
ياتي في محله-فمن معالجات الحقد ان يتذكر فوائد النصيحة و مدحها-كما
ياتي-ليعين على ازالته. و منها:

العداوة الظاهرة


و هي من لوازم الحقد، لانه اذا قوى قوة لا يقدر معها على المجاملة اظهر العداوة
بالمكاشفة. و الاخبار الواردة في ذمها كثيرة، و قد تقدم بعضها. و علاجها كما
تقدم في الحقد، و ضدها النصيحة الظاهرة، اعني فعلية الخير و الصلاح لا مجرد قصدهما،
فليكلف نفسه عليها، حتى تصير ملكة له و يزيل ضدها.

و منها:

الضرب و الفحش و اللعن و الطعن


و هذه ناشئة غالبا عن العداوة و الحقد، و ربما صدرت من مجرد الغضب و سوء الخلق، و
ربما صدر الفحش من الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق، و ربما كان الباعث في
بعض افرادها حب المال و فقده المعدود من رذائل قوة الشهوة، الا ان الفاعل
المباشرة لهذه الامور هي القوة الغضبية، او النفس لهيجان قوة الغضب. و ان كان
الهيجان حاصلا بوساطة فعل قوة الشهوة. و على اي تقدير يكون من رذائل القوة
الغضبية على قاعدتنا، و لذا ادرجناها تحتها فقط.

ثم لا ريب في كون هذه الامور مذمومة محرمة فى الشريعة، موجبة لحبط الاعمال و
خسران المال. و جميع ما يدل على ذم الايذاء و الاضرار يدل على ذمها، لكونها بعض
افرادهما. و العقل و الشرع متطابقان على شدة قبح كل واحد منها بخصوصه و ايجابه
للهلاك: اما (الضرب) -فلانه لا ريب في ان ضرب مسلم بلا داع شرعي مما يقبحه كل عاقل، و
يذمه جميع طوائف العالم، حتى نفاة الاديان، و الاخبار الواردة في ذمه كثيرة، و
في عدة منها: «ان من ضرب رجلا سوطا لضربه الله سوطا من النار» .

و اما (الفحش و السب و بذاءة اللسان) -فلا ريب في كونه صادرا عن خباثة النفس.
قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ليس المؤمن بالطعان و لا اللعان، و لا
الفاحش و لا البذى » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اياكم و الفحش، فان الله لا
يحب الفحش و التفحش » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الجنة حرام على كل فاحش
ان يدخلها» . و قال -صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الفحش و التفحش ليسا من
الاسلام في شي ء- و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «البذاء و البيان شعبتان من شعب
النفاق »

و روي: ان المراد بالبيان: كشف ما لا يجوز كشفه. و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«اربعة يؤذون اهل النار على ما بهم من الاذى » . . . وعد منهم: رجلا يسيل فوه قيحا، و هو
من كان في الدنيا فاحشا. و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا تسبوا الناس
فتكسبوا العداوة منهم » (126) . و قال -صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الله حرم الجنة
على كل فحاش بذى قليل الحياء لا يبالى ما قال و لا ما قيل له، فانك ان فتشته لم
تجده الا لغية (127)

او شرك شيطان » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اذا رايتم الرجل لا يبالي ما
قال و لا ما قيل فيه فانه-لغية او شرك شيطان » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان
الله ليبغض الفاحش البذي و السائل الملحف » . و قال -صلى الله عليه و آله و سلم-:
«ان من شرار عباد الله من تكره مجالسته لفحشه » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و اكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه » . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة » . و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «شر الناس عند الله تعالى يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم » .
و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «المتسابان شيطانان متعاديان و متهاتران » .
و قال الصادق (ع) : «من علامات شرك الشيطان الذي لا يشك فيه ان يكون فحاشا لا
يبالي ما قال و لا ما (128) قيل فيه » . و قال (ع) :

«البذاء من الجفاء، و الجفاء في النار» . و قال (ع) : «من خاف الناس لسانه فهو في
النار» ، و قال: «ان ابغض خلق الله تعالى عبد اتقى الناس لسانه » .

و عن الكاظم (ع) في رجلين يتسابان: «فقال: البادي منهما اظلم، و وزره و وزر
صاحبه عليه ما لم يتعد المظلوم » (129) .

(تنبيه) اعلم ان حقيقة الفحش هو التعبير عن الامور المستقبحة بالعبارة
الصريحة. و يجري اكثر ذلك في الفاظ الوقاع و آلاته و ما يتعلق بهما فان لاهل
الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها فيه، و اهل الصلاح يتحاشون من التعرض
لها، بل يكنون عنها و يعبرون عنها بالرموز. قال بعض الصحابة: «ان الله حي كريم يعف و
يكني، كنى باللمس عن الجماع » .

فالمس، و اللمس، و الدخول، و الصحبة، كنايات عن الوقاع، و ليست بفاحشة و عنه
عبارات فاحشة يستقبح ذكرها. و ليس هذا يختص بالوقاع، بل الكناية بقضاء الحاجة عن
التبول و التغوط اولى من لفظة التغوط و الخراء و غيرهما، و كذا التعبير عن
المراة، فهذا ايضا مما يخفى و يستحيي منه، فلا ينبغي ان تذكر الفاظه الصريحة
باللسان، بل يكنى عنها، فلا يقال: قالت زوجك او امراتك، بل يقال: قيل في الحجرة، او
قيل من وراء الستر، و قالت ام الاولاد، و امثال ذلك، و كذلك من به عيوب يستحي
منها، فلا ينبغي ان يعبر عنها بصريح لفظها، كالبرص، و القرح، و البطن، و امثال
ذلك بل يكنى عنها بعبارات غير صريحة، مثل العارض الذي عرض و ما يجرى مجراه، اذ
التصريح بجميع ذلك داخل في الفحش.

ثم الفاظ الفحش لا ريب-حينئذ-في كونها محظورة باسرها مذمومة، و ان كان بعضها
افحش من بعض، فيكون اثمه اشد، سواء استعمل في الشتم و الايذاء او لا يستعمل فيه،
بل في المزاح و الهزل و غيرهما. و حينئذ لما كانت هذه العبارات متفاوتة في الفحش
بعضها افحش من بعض، و ربما اختلف بعادة البلاد، فيكون بعضها مكروها و بعضها
محظورا، فان من قال لغيره مزاحا او اعتيادا حاصلا من مخالطة الفساق: (فرج
امراتك ضيق ام لا؟ ) لا ريب في كونه فحشا محرما مذموما، مع انه لم يستعمل في
الشتم.

و بالجملة: اوائل هذه العبارات مكروهة و اواخرها محظورة، و بينهما درجات تتردد
بين الكراهة و الحرمة.

و اما (اللعن) -فلا ريب في كونه مذموما، لانه عبارة عن الطرد و الابعاد من
الله تعالى، و هذا غير جائز الا على من اتصف بصفة تبعده بنص الشريعة. و قد ورد عليه
الذم الشديد في الاخبار، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «المؤمن ليس بلعان » .
و عن الباقر (ع) قال: «خطب رسول الله -صلى الله عليه و آله و سلم-الناس، فقال: الا
اخبركم بشراركم؟ قالوا بلى يا رسول الله! قال: الذى يمنع رفده، و يضرب عبده، و
يتردد وحده.

فظنوا ان الله لم يخلق خلقا هو شر من ذلك، ثم قال: الا اخبركم بمن هو شر من ذلك؟
قالوا: بلى يا رسول الله! قال. المفتحش اللعان الذى اذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم، و
اذا ذكروه لعنوه » . و قال الباقر عليه السلام:

«ان اللعنة اذا خرجت من فم صاحبها ترددت بينهما فان وجدت مساغا و الا رجعت
الى صاحبها» .

ثم لما كان اللعن هو الحكم بالبعد او طلب الابعاد من الله. (و الاول)

غيب لا يطلع عليه الا الله. (و الثاني) لا يجوز الا على من اتصف بصفة تبعده منه،
فينبغى الا يلعن احدا الا من جوز صاحب الشرع لعنة، و المجوز من الشرع انما هو
اللعن على الكافرين و الظالمين و الفاسقين، كما ورد في القران و لا ريب في جواز
ذلك بالوصف الاعم. كقولك: لعنة الله على اليهود و النصارى.

و الحق جواز اللعن على شخص معين علم اتصافه بصفة الكفر او الظلم او الفسق. (و ما
قيل) من عدم جواز ذلك الا على من يثبت لعنه من الشرع كفرعون و ابي جهل. لان كل شخص
معين كان على احدى الصفات الثلاثة ربما رجع عنها، فيموت مسلما او تائبا،
فيكون مقربا عند الله لا مبعدا عنه (كلام ينبغي) ان يطوى و لا يروى، اذا المستفاد
من كلام الله تعالى و كلام رسوله-صلى الله عليه و آله و سلم-و كلام ائمتنا
الراشدين: جواز نسبته الى الشخص المعين، بل المستفاد منها ان اللعن على بعض اهل
الجحود و العناد من احب العبادات و اقرب القربات، قال الله سبحانه:

«اولئك عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس » «اجمعين » (130) . و قال: «الئك يلعنهم الله و
يلعنهم اللاعنون » (131) .

و قال النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لعن الله الكاذب و لو كان مازحا» . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-في جواب ابى سفيان حين هجاء بالف بيت. «اللهم انى
لا احسن الشعر و لا ينبغى لى، اللهم العنه بكل حرف الف لعنة » . و قد لعن امير المؤمنين
عليه السلام جماعة. و روى انه كان يقنت في الصلاة المفروضة بلعن معاوية و عمرو بن
العاص و ابى موسى الاشعرى و ابى اعور الاسلمى، مع انه احلم الناس و اشدهم صفحا
عمن يسوء به، فلولا انه كان يرى لعنهم من الطاعات لما يتخير محله في الصلوات
المفروضات. و روى الشيخ الطوسي: «ان الصادق عليه السلام كان ينصرف من الصلاة
بلعن اربعة رجال » . و من نظر الى ما وقع للحسن عليه السلام مع معاوية و اصحابه و
كيف لعنهم، و تتبع ما ورد من الائمة في الكافي و غيره من كتب الاخبار و الادعية
في لعنهم من يستحق اللعن من رؤساء الضلال و التصريح باسمائهم يعلم ان ذلك من
شعائر الدين، بحيث لا يعتريه شك و مرية. و ما ورد من قوله-عليه السلام- «لا تكونوا
العانين » . و مثله. نهى عن اللعن على غير المستحقين، و ما روى: ان امير
المؤمنين-عليه السلام-نهى عن لعن اهل الشام، فان صح، فلعله كان يرجو اسلامهم و
رجوعهم اليه، كما هو شان الرئيس المشفق على الرعية.

و بالجملة: اللعن على رؤساء الظلم و الضلال و المجاهرين بالكفر و الفسق جائز، بل
مستحب، و على غيرهم من المسلمين غير جائز، الا ان يتيقن باتصافه باحدى الصفات
الموجبة له. و ينبغي الا يحكم باتصافه بشى ء منها بمجرد الظن و التخمين، اذ لا
يجوز ان يرم مسلم بكفر و فسق من غير تحقيق، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و
سلم-: «لا يرم رجل رجلا بالكفر فلا يرميه بالفسق الا ارتد عليه ان لم يكن كذلك » .

ثم اللعن على الاموات اشد وزرا و اعظم اثما، لقول النبي-صلى الله عليه و آله و
سلم-: «لا تسبوا الاموات، فانهم قد افضوا الى ما قدموا» . و لا ينبغي ان يلعن
الجماد و الحيوان ايضا. لما روى: «انه ما لعن احد الارض الا قالت:

اللعن على اعصانا لله » ، و ما روى: «ان النبي-صلى الله عليه و آله و سلم انكر على
امراة لعنت ناقة، و على رجل لعن بعيرا» . ثم الدعاء على المسلم بالشر قريب من اللعن
عليه، فلا ينبغي ارتكابه و لو على الظالم، الا اذا اضطر اليه لشره و اضراره، و قد
ورد ان المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافيه ثم يبقى للظالم عنده فضيلة يوم
القيامة. و قال علي بن الحسين-عليهما السلام- «ان الملائكة اذا سمعوا المؤمن
يذكر اخاه بالسوء و يدعو عليه قالوا: بئس الاخ انت لاخيك! كف ايها المستر على
ذنوبه و عورته، و اربع على نفسك، و احمد الله الذى ستر عليك! (132)

ثم ضد ذلك-اعنى الدعاء للاخ المسلم بما يحب لنفسه-من احب الطاعات و اقرب
القربات، و فوائده اكثر من ان تحصى، بل عند التحقيق دعاؤك له دعاء لنفسك، قال رسول
الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اذا دعا الرجل لاخيه في ظهر الغيب قال الملك: و
لك مثل ذلك » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «يستجاب للرجل في اخيه ما لا
يستجاب له في نفسه » . و قال علي بن الحسين-عليهما السلام-: «ان الملائكة اذا
سمعوا المؤمن يدعو لاخيه المؤمن بظهر الغيب او يذكره بخير، قالوا: نعم الاخ انت
لاخيك! تدعو له بالخير و هو غائب عنك، و تذكره بالخير. قد اعطاك الله-عز و جل-مثلي ما
سالت له، و اثنى عليك مثلي ما اثنيت عليه، و لك الفضل عليه » . و مثله ورد عن
الباقر-عليه السلام-ايضا. و الاخبار في فضيلة الدعاء للاخوان اكثر من ان
تحصى، و اى كرامة اعظم لك من ان تصل منك الى المؤمن و هو تحت اطباق الثرى
هدايا الاستغفار و الادعية، و هل تدرى كيف تسر روحه منك بهذا العمل؟ فان اهله
يقسمون ميراثه و يتنعمون بما خلف، و انت متفرد بحزنك تدعو له في ظلمة الليل، و قد
قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «مثل الميت في قبره مثل الغريق يتعلق بكل
شى ء، ينتظر دعوة من ولد او والد او اخ او قريب، و انه ليدخل على قبور الاموات من
دعاء الاحياء من الانوار مثل الجبال، و هو للاموات بمنزلة الهدايا للاحياء،
فيدخل الملك على الميت معه طبق من نور عليه منديل من نور، فيقول: هذه هدية لك من عند
اخيك، فلان، من عند قريبك فلان فيفرح كما يفرح الحى بالهدية (133) .

و اما (الطعن) -فهو ايضا من ذمائم الافعال، و يورث الضرر في الدنيا و العذاب
في الاخرى. قال الباقر-عليه السلام-: «اياكم و الطعن على المؤمنين » . و قال-عليه
السلام-: «ما من انسان يطعن في عين مؤمن الا مات شر ميتة، و كان قمنا الا يرجع
الى خير» .

و اعلم ان هذه الامور-اعني الفحش و اللعن و الطعن و امثالها مما ياتى في موضعه:
من الغيبة. و الكذب، و البهتان، و الاستهزاء، و المزاح، و الخوض في الباطل، و
التكلم بالفضول و ما لا يعني: من آفات اللسان، و ياتى ان لجميع آفات اللسان
ضدا عاما هو الصمت، و ياتى بيان فضيلته و كثرة فوائده. و ياتى ايضا ما يدل
بعمومه على ذم جميع آفات اللسان-اعني ما ورد في ذم اللسان، و كون شره اعظم من
شر سائر الاعضاء-فانه بعمومه يدل على ذم هذه الامور.

و منها-اى و من رذائل القوة الغضبية-:

تعليقات:

76) المنافقون، الآية: 8.

77) تقدم في صفحة (208) مضمون هذا الحديث، و رجعنا فيه كلمة (يستفل) بدل (يستقل) و
فسرناها ثم بعد التحقيق وجدنا ذلك الحديث المتقدم في اصول الكافي في باب
صفات المؤمن بكلمة (يستقل) -بالقاف-و كذلك نسخ جامع السعادات هنا و هناك. و جاء في
البحار (الجزء الاول من المجلد 15- باب علامات المؤمن و صفاته ص 596) في شرح
هذا الحديث هكذا: «الجبل يستقل منه: من القلة، اي ينقص و يؤخذ منه بعضه بالفاس و
المعول و نحوهما»

78) ابراهيم، الآية: 27.

79) الانعام، الآية: 71.

80) الابيات كلها ل (حافظ الشيرازي) المتقدم ذكره. و معنى البيتين:

(لست بذلك الرجل الذي يخشى من فناء نفسه، فان ما اخشى منه-و هو الموت-احسن عندي
من نفس الخوف منه، لان نفسي قد اعارنيها الله تعالى، فعلي ان اسلمها عند ما يطلب
تسليم العارية) .

81) معنى البيتين: (لو ان الموت رجل، فقل له: ياتينى حتى احتظنه شوقا اليه، و
الزه لزا، و ذلك لاني آخذ منه الحياة الخالدة و ياخذ مني هذه الزخارف الفانية
للوارث) .

82) معنى البيت: (ان هذه النفس العارية التى امنها الحبيب عند حافظ-و يعني نفسه- لا
بد ان اسلمها في يوم من الايام عند ما ارى وجه الحبيب-يعني بالحبيب: الله
تعالى)

83) العنكبوت، الآية: 69.

84) طه، الآية: 114.

85) الاسراء، الآية: 85.

86) التوبة، الآية: 38.

87) الدهر، الاية: 27.

88) القيامة، الاية: 20-21.

89) في النسخ (الاناءة) ، فصححناه كما هنا.

90) الحجرات، الاية: 12.

91) فصلت، الاية: 23.

92) الفتح، الاية: 12.

93) الحجرات، الآية: 6.

94) الانعام، الآية: 108.

95) الاعراف، الآية 12. و س، الآية: 76.

96) هذه الكلمة منسوبة للشافعي-على ما في احياء العلوم: ج 3 ص 145 و 156

97) الفتح، الآية: 29.

98) التوبة، الآية: 73.

99) اي: الباقر-عليه السلام و قد روى هذه الاخبار المذكورة هنا الكافي في باب
الغضب، فروى هذا الخبر عنه-عليه السلام-لا عن الصادق-عليه السلام.

100) روى الكافي في باب الغضب نفس هذا الحديث عن الصادق-عليه السلام-بهذه
العبارة: «ان في التوراة مكتوبا: يابن آدم: اذكرني حين تغضب اذكرك عند غضبي،
فلا امحقك فيمن امحق. . . » و قد تقدم مثله ص 291.

101) روى ذلك في الكافي في باب الغضب عن الباقر-عليه السلام-.

102) روى الحديث الكافي في باب كظم الغيظ عن ابي عبد الله-عليه السلام-

103) صححنا هذا الحديث على ما في البحار (الجزء الثاني من المجلد 15- في باب
الحلم) رواه عن جامع الاخبار للشيخ الجليل الحسن بن فضل الطبرسي و فيه
اختلاف كثير عما في نسخ جامع السعادات.

104) كذا وجدنا الحديث في البحار و الكافي و نسخ جامع السعادات. و الظاهر ان
الاصح (السبل) .

105) في الكافي في باب كظم الغيظ روي هذا الحديث هكذا: «عن ابي جعفر -عليه
السلام-قال: قال لي ابي: يا بني! ما من شى ء. . . » الى آخر الحديث فالقائل هو سيد
الساجدين لا الباقر-عليهما السلام-.

106) آل عمران. الآية: 134

107) صححنا الحديث على ما في احياء العلوم (ج 3 ص 106) و على نسختنا الخطية و في
المطبوعة: «حتى يعتذر الى المظلوم » .

108) صححنا الحديث على ما في اصول الكافي في باب السفه و في نسختنا الخطية و
المطبوعة: «ما لم يعتذر الى المظلوم » .

109) الاعراف، الآية: 199.

110) النور، الآية: 22.

111) البقرة، الآية: 237.

112) في اصول الكافي في باب العفو: «الا ادلكم على خير اخلاق الدنيا و الآخرة تصل
من قطعك. . . » الى آخر الحديث.

113) آل عمران، الآية: 159.

114) روى هذان الحديثان في اصول الكافي، في باب الرفق، عن ابي جعفر
الباقر-عليهما السلام-.

115) و تمام الحديث في اصول الكافي في باب المداراة: «و لا تستسب لي عندهم
باظهار مكتوم سري، فتشرك عدوي و عدوك فى سبي » . قال في الوافى، «و لا تستسب لي: اي
لا تطلب سبي، فان من لم يفهم السر يسب من تكلم به، فتشرك: اي تكون شريكا له، لانك
انت الباعث له عليه.

116) هكذا في النسخة المطبوعة. و في بعض نسخ الكافي المصححة «فانفوا» ، و في بعضها
«فالقوا» . قال في الوافي، «فانفوا» ، كانه صيغة مجهول من الانفة بمعنى الاستنكاف،
اذا لم يات الانفاء بمعنى النفي. و في بعض النسخ، فالقوا من الالقاء، و لعله الاصح » .

117) روى هذا الحديث اصول الكافي في باب سوء الخلق عن الصادق-عليه السلام-و لكن
جاء فيه «ليفسد العمل » بدل «يفسد العمل » .

118) روى هذا الحديث في الكافى في باب حسن الخلق عن ابى عبد الله الصادق-عليه
السلام، و في نهاية ابن الاثير: في الحديث: حسن الخلق يذيب الخطيئة كما تذيب
الشمس الجليد» ، و يذيب بمعنى يميت.

119) هذا الحديث مروي في الكافي في باب حسن الخلق عن ابى عبد الله-عليه السلام-

120) قال المبرد في الكامل ص 3: «قوله-صلى الله عليه و آله و سلم-: الموطؤن اكنافا،
مثل، و حقيقته: ان التوطئة هي التذليل و التمهيد. . . فاراد القائل بقوله: موطا
الاكناف، ان ناحيته يتمكن فيها صاحبها غير مؤذى و لا ناب به موضعه

121) القلم، الآية: 4.

122) قال في البحار-ج 15 في باب حسن الخلق ص 207-، «حال عن بعض الانصار» اي ان
القائم هذا البعض صاحب الجارية لا النبي-صلى الله عليه و آله

123) قال في البحار-في الموضع المتقدم-: «كناية عن كثرة الدعاء عليها بايذائها
النبي-صلى الله عليه و آله-و هذا شائع في عرف العرب و العجم » .

124) قال في البحار-في الموضع المذكور ص 208-: «في بعض النسخ- بل اكثرها-:
ليستشفي » .

125) صححنا الحديث على اصول الكافي في باب حسن الخلق، و في نسخ جامع السعادات
اختلاف كثير عما اثبتناه، و قد جاء في اصول الكافي في صدر الحديث: «قال ابو عبد
الله-عليه السلام-يا بحر حسن الخلق يسر. . . ثم قال: الا اخبرك بحديث ما هو في يدى
احد من اهل المدينة؟ قلت بلى! قال: بينا رسول الله. . . الى آخر الحديث » .

126) و في بعض نسخ الكافي في باب السباب، (بينهم) بدل (منهم) .

127) قال في القاموس في مادة (غوى) : «ولد غية-و يكسر-اى زنية- فيكون معنى (لغية) اى
(لزنية) .

128) و في بعض نسخ الكافي في باب البذاء (بما) في الموضعين.

129) قد مضى في الصفحة (300) تصحيح الحديث على ما في اصول الكافي في باب السفه.
فصححناه هنا ايضا.

130) البقرة، الآية: 161.

131) البقرة، الآية: 159

132) هذه الرواية من تتمة الرواية الآتية عن علي بن الحسين عليهما السلام

133) هذا الكلام من بعد الحديث الذى وضعناه بين قوسين رواه في احياء العلوم-ج 2
ص 164-عن بعض السلف، و بمضمونه احاديث مروية عن آل البيت (ع) . روى منها في
الوسائل في ابواب الاحتضار من كتاب الطهارة (باب استحباب الصلاة عن
الميت و الصوم و الحج) .


/ 15