جامع السعادات جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

جامع السعادات - جلد 1

محمد مهدی النراقی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



العجب


و هو استعظام نفسه لاجل ما يرى لها من صفة كمال، سواء كانت له تلك الصفة في
الواقع ام لا. و سواء كانت صفة كمال في نفس الامر ام لا، و قيل: «هو اعظام النعمة و
الركون اليها مع نسيان اضافتها الى المنعم » و هو قريب مما ذكر، و لا يعتبر في
مفهومه رؤية نفسه فوق الغير في هذا الكمال و هذه النعمة، و بذلك يمتاز عن الكبر،
اذ الكبر هو ان يرى لنفسه مزية على غيره في صفة كمال، و بعبارة اخرى هو الاسترواح
و الركون الى رؤية النفس فوق المتكبر عليه، فالكبر يستدعى متكبرا عليه و
متكبرا به.

و العجب لا يستدعى غير المعجب، بل لو لم يخلق الانسان الا وحده تصور ان يكون
معجبا، و لا يتصور ان يكون متكبرا، الا ان يكون مع غيره و هو يرى نفسه فوق ذلك
الغير في صفة الكمال و لا يكفى ان يستعظم نفسه ليكون متكبرا، فانه قد يستعظم نفسه، و
لكن يرى في غيره اعظم من نفسه او مثل نفسه فلا يتكبر عليه، فهو معجب و ليس
متكبرا و لا يكفى ان يستحقر غيره، فانه مع ذلك لو راى نفسه احقر او راى غيره مثل
نفسه لم يكن متكبرا، بل المتكبر هو ان يرى لنفسه مرتبة و لغيره مرتبة، ثم يرى
مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره.

و الحاصل: ان العجب مجرد اعظام النفس لاجل كمال او نعمة، و اعظام نفس الكمال و
النعمة مع الركون و نسيان اضافتهما الى الله. فان لم يكن معه ركون و كان خائفا
على زوال النعمة مشفقا على تكدرها او سلبها بالمرة، او كان فرحا بها من حيث انها
من الله من دون اضافتها الى نفسه لم يكن معجبا، فالمعجب الا يكون خائفا
عليها، بل يكون فرحا بها مطمئنا اليها، فيكون فرحه بها من حيث انها صفة كمال
منسوبة اليه، لا من حيث انها عطية منسوبة الى الله تعالى. و مهما غلب على قلبه
انها نعمة من الله مهما شاء سلبها زال العجب.

ثم لو انضاف الى العجب-اى غلب على نفس المعجب-ان له عند الله حقا، و انه منه
بمكان، و استبعد ان يجري عليه مكروه، و كان متوقعا منه كرامة لعمله، سمى ذلك (ادلالا)
بالعمل، فكانه يرى لنفسه على الله دالة فهو وراء العجب و فوقه اذ كل مدل معجب، و
رب معجب لا يكون مدلا، اذ العجب مجرد الاستعظام و نسيان الاضافة الى الله من
دون توقع جزاء على عمله، و الادلال يعتبر فيه توقع الجزاء بعمله، اذ المدل يتوقع
اجابة دعوته و يستنكر ردها بباطنه و يتعجب منه، فالادلال عجب مع شى ء زائد.

و على هذا، فمن اعطى غيره شيئا، فان استعظمه و من عليه كان معجبا، و ان استخدمه
مع ذلك او اقترح عليه الاقتراحات و استبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلا عليه و
كما ان العجب قد يكون مما يراه صفة كمال و ليس كذلك العجب بالعمل قد يكون بعمل هو
مخطى ء فيه و يراه حسنا، كما قال سبحانه:

«ا فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا» (134)

و قال ابو الحسن-عليهما السلام-: «العجب درجات: و منها ان يزين للعبد سوء عمله
فيراه حسنا، فيعجبه و يحسب انه يحسن صنعا. و منها ان يؤمن العبد بربه، فيمن
على الله-عز و جل-و لله عليه فيه المن » .

فصل (ذم العجب)


العجب من المهلكات العظيمة و ارذل الملكات الذميمة، قال رسول الله -صلى الله
عليه و آله و سلم-: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، و هوى متبع، و اعجاب المرء بنفسه » . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اذا رايت شحا مطاعا، و هوى متبعا، و اعجاب كل
ذى راى برايه، فعليك نفسك » .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو اكبر من ذلك،
العجب العجب » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «بينما موسى (ع) جالس (135) ، اذ اقبل
عليه ابليس و عليه برنس ذو الوان، فلما دنى منه خلع البرنس، و قام الى موسى (ع)
فسلم عليه، فقال له موسى:

من انت؟ فقال: انا ابليس، قال انت: فلا قرب الله دارك، قال: انى انما جئت لاسلم
عليك لمكانك من الله، فقال له موسى (ع) : فما هذا البرنس قال: به اختطف قلوب بني
آدم، فقال موسى: فاخبرني بالذنب الذى اذا اذنبه ابن آدم استحوذت عليه،
قال: اذا اعجبته نفسه و استكثر عمله و صغر في عينه ذنبه » . و قال-صلى الله عليه و
آله و سلم-: «قال الله-عز و جل- يا داود! بشر المذنبين و انذر الصديقين، قال: كيف
ابشر المذنبين و انذر الصديقين؟ قال: بشر المذنبين انى اقبل التوبة و اعفو عن
الذنب، و انذر الصديقين الا يعجبوا باعمالهم، فانه ليس عبدا نصبه للحساب الا
هلك » .

و قال الباقر (ع) : «دخل رجلان المسجد، احدهما عابد و الآخر فاسق، فخرجا من المسجد
و الفاسق صديق و العابد فاسق، و ذلك انه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها،
فتكون فكرته في ذلك، و تكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه، و يستغفر الله مما
صنع من الذنوب » . و قال الصادق (ع)

«ان الله علم ان الذنب خير للمؤمن من العجب، و لولا ذلك ما ابتلى مؤمنا بذنب
ابدا» . و قال (ع) : «من دخله العجب هلك » . و قال (ع) : «ان الرجل ليذنب فيندم عليه، و
يعمل العمل فيسره ذلك، فيتراخى عن حاله تلك، فلان يكون على حاله تلك خير له
مما دخل فيه » . و قال (ع) : «اتى عالم عابدا فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: مثلى يسال
عن صلاته و انا اعبد الله منذ كذا و كذا، قال: فكيف بكاؤك؟ قال: ابكى حتى تجرى
دموعى، فقال له العالم: فان ضحكك و انت خائف افضل من بكائك و انت مدل، ان المدل لا
يصعد من عمله شى ء» . و قال (ع) : «العجب ممن يعجب بعمله و هو لا يدري بما يختم له، فمن
اعجب بنفسه و فعله، فقد ضل عن نهج الرشاد و ادعى ما ليس له، و المدعى من غير حق
كاذب و ان اخفى دعواه و طال دهره. و ان اول ما يفعل بالمعجب نزع ما اعجب به
ليعلم انه عاجز حقير، و يشهد على نفسه ليكون الحجة عليه اوكد، كما فعل بابليس. و
العجب نبات حبها الكفر، و ارضها النفاق و ماؤها البغى، و اغصانها الجهل، و
ورقها الضلالة، و ثمرها اللعنة و الخلود في النار، فمن اختار العجب فقد بذر الكفر
و زرع النفاق، و لا بد ان يثمر» (136)

و قيل له (ع) : الرجل يعمل العمل و هو خائف مشفق، ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه
العجب به، فقال: «هو في حالة الاولى و هو خائف احسن حالا منه في حال عجبه » . و قال
(ع) : «ان عيسى بن مريم-عليهما السلام-كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في
بعض سيحه و معه رجل من اصحابه قصير، و كان كثير اللزوم لعيسى، فلما انتهى عيسى
الى البحر قال: بسم الله، بصحة يقين منه، فمشى على ظهر الماء. فقال الرجل القصير
حين نظر الى عيسى جازه بسم الله، بصحة يقين منه، فمشى على الماء، و لحق بعيسى-صلى
الله عليه-، فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عيسى روح الله يمشي على الماء و انا امشي
على الماء، فما فضله علي؟ ! قال: فرمس في الماء، فاستغاث بعيسى (ع) ، فتناوله من
الماء فاخرجه، ثم قال له: ما قلت يا قصير؟ ! قال قلت: هذا روح الله يمشي على الماء و
انا امشي، فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذى وضعك
الله، فمقتك الله على ما قلت، فتب الى الله-عز و جل- مما قلت، قال: فتاب الرجل، و
عاد الى مرتبته التي وضعه الله فيها» (137) .

فصل (آفات العجب)


العجب آفاته كثيرة: (منها) الكبر لانه احد اسبابه-كما ياتي- (و منها) انه
يدعو الى نسيان الذنوب و اهمالها، فلا يتذكر شيئا منها، و ان تذكر بعضا منها
يستصغرها و لا يستعظمها، فلا يجتهد في تداركها و تلافيها، بل يظن انها تغفر له.
و اما العبادات، فيستعظمها و يتبجح بها و يمن على الله بفعلها، و ينسى نعمة
الله عليه بالتوفيق و التمكين منها، و اذا اعجب بها عمي عن آفاتها. و من لم
يتفقد آفات الاعمال ضل سعيه، اذ الاعمال الظاهرة اذا لم تكن خالصة نقية عن
الشوائب قلما تنفع، و انما يتفقد الخائف المشفق دون المعجب، لانه يغتر بنفسه و
برايه و يامن مكر الله و عذابه، و يظن انه عند الله بمكان، و ان له عند الله حقا
باعماله التي هي من عطاياه تعالى و نعمه، و ربما يخرجه العجب الى تزكية نفسه و
الثناء عليها. و ان اعجب برايه و عقله و علمه منعه ذلك من السؤال و الاستفادة و
الاستشارة، فيستبد بنفسه و رايه و يستنكف عن سؤال الاعلم، و ربما يعجب بالراي
الخطا الذي خطر له، فيفرح بكونه من خواطره و لا يعتنى بخواطر غيره، فيصر عليه، و لا
يسمع نصح ناصح و لا وعظ واعظ، بل ينظر الى غيره بعين الاستحقار و الاستجهال، فان
كان رايه الفاسد متعلقا بامر دنيوى اضره و فضحه، و ان كان متعلقا بامر ديني- (لا)
سيما في اصول العقائد-اضله و اهلكه. و لو اتهم نفسه و لم يثق برايه، و استعان بعلماء
الدين و سؤال اهل البصيرة، لكان خيرا له و احسن، و موصلا له الى الحق المتيقن. و
من آفاته انه يفتر في الجد و السعي، لظنه انه قد استغنى و فاز بما ينجيه، و هو
الهلاك الصريح الذى لا شبهة فيه.

فصل (علاج العجب اجمالا و تفصيلا)


اعلم ان للعجب علاجين: اجماليا و تفصيليا (138)

اما العلاج الاجمالي-فهو ان يعرف ربه، و انه لا تليق العظمة و العزة الا به، و ان
يعرف نفسه حق المعرفة، ليعلم انه بذاته اذل من كل ذليل و اقل من كل قليل، و لا تليق
به الا الذلة و المهانة و المسكنة، فما له و العجب و استعظام نفسه، فانه لا ريب
فى كونه ممكنا، و كل ممكن في ذاته صرف العدم و محض اللاشي ء، كما ثبت في الحكمة
المتعالية، و وجوده و تحققه و كماله و آثاره جميعا من الواجب الحق، فالعظمة و
الكبرياء انما تليق بمفيض وجوده و كمالاته، لا لذاته التي هي صرف العدم و محض
الليس، فان شاء ان يستعظم شيئا و يفتخر به فليستعظم ربه و به افتخر، و يستحقر
نفسه غاية الاستحقار و حتى يراها صرف العدم و محض اللاشى ء. و هذا المعنى يشترك
فيه كل ممكن كائنا من كان.

و اما المهانة و الذلة التي تخص هذا المعجب و بنى نوعه، فكون اوله نطفة قذرة و
آخره جيفة عفنة، و كونه ما بين ذلك حمال نجاسات منتنة، و قد مر على ممر البول ثلاث
مرات. و تكفيه آية واحدة من كتاب الله تعالى لو كان له بصيرة، و هي قوله:

«قتل الانسان ما اكفره. من اي شي ء خلقه.

من نطفة خلقه فقدره. ثم السبيل يسره. ثم اماته فاقبره. ثم اذا شاء انشره » (139) .

فقد اشارت الآية الى انه كان اولا في كتم العدم غير المتناهي، ثم خلقه من اقذر
الاشياء الذي هو نطفة مهينة، ثم اماته و جعله جيفة منتنة خبيثة.

و اى شي ء اخس و ارذل ممن بدايته محض العدم، و خلقته من انتن الاشياء و اقذرها، و
نهايته الفناء و صيرورته جيفة خبيثة. و هو ما بين المبدا و المنتهى عاجز ذليل،
لم يفوض اليه امره، و لم يقدر على شي ء لنفسه و لا لغيره، اذ سلطت عليه الامراض الهائلة،
و الاسقام العظيمة، و الآفات المختلفة، و الطبائع المتضادة، من المرة و الدم و
الريح و البلغم، فيهدم بعض اجزائه بعضا، شاء ام ابى، رضى ام سخط، فيجوع كرها، و
يعطش كرها، و يمرض كرها، و يموت كرها، لا يملك لنفسه نفعا و ضرا و لا خيرا و شرا.

يريد ان يعلم الشي ء فيجهله، و يريد ان يذكر الشي ء فينساه، و يريد ان ينسى الشي ء فلا
ينساه، و يريد ان ينصرف قلبه الى ما يهمه فيجول في اودية الوساوس و الافكار
بالاضطرار. فلا يملك قلبه قلبه، و لا نفسه نفسه.

يشتهى الشى ء و فيه هلاكه و يكره الشى ء و فيه حياته، يستلذ ما يهلكه و يرديه و
يستبشع ما ينفعه و ينجيه، و لا يامن في لحظة من ليله او نهاره ان يسلب سمعه و بصره
و علمه و قدرته، و تفلج اعضاؤه، و يختلس عقله، و تختطف روحه، و يسلب جميع ما يهواه في
دنياه، و هو مضطر ذليل، ان ترك فنى، و ان خلى ما بقى، عبد مملوك، لا يقدر على شى ء من
نفسه و لا من غيره، فاي شى ء اذل منه لو عرف نفسه؟ و انى يليق العجب به لو لا جهله؟ .
و هذا وسط احواله.

و اما آخره، فهو الموت-كما عرفت-فيصير جيفة منتنة قذرة، ثم تضمحل صورته، و
تبلى اعضاؤه، و تنخر عظامه، و تتفتت اجزاؤه، فيصير رميما رفاتا، ثم يصير
روثا في اجواف الديدان، يهرب منه الحيوان، و يستقذره كل انسان، و احسن
احواله ان يعود الى ما كان، فيصير ترابا تعمل منه الكيزان، و يعمر منه البنيان،
فما احسنه لو ترك ترابا، بل يحيى بعد طول البلى ليقاسي شدائد البلا، فيخرج من قبره
بعد جمع اجزائه المتفرقة، و يساق الى عرصات القيامة، فيرى سماء مشققة، و ارضا مبدلة، و
جبالا مسيرة، و نجوما منكدرة، و شمسا منكسفة، و جحيما مسعرة، و جنة مزينة، و موازين
منصوبة، و صحائف منشورة، فاذا هو في معرض المؤاخذة و الحساب و عليه ملائكة غلاظ شداد،
فيعطى كتابه اما بيمينه او شماله، فيرى فيه جميع اعماله و افعاله، من قليل و
كثير و نقير و قطمير. فان غلبت سيئاته على حسناته و كان مستحقا للعذاب و النار،
تمنى ان يكون كلبا او خنزيرا لصير مع البهائم ترابا و لا يلقى عقابا و لا عذابا. و
لا ريب في ان الكلب و الخنزير احسن و اطيب ممن عصى ربه القهار و يعذب في النار،
اذ اولهما و آخرهما التراب، و هو بمعزل عن العقارب و العذاب، و الكلب و الخنزير
لا يهرب منهما الخلق، و لو راى اهل الدنيا من يعذب في النار لصعقوا من وحشة خلقته و
قبح صورته. و لو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه، و لو وقعت قطرة من شرابه الذى يسقاه
في بحار الدنيا صارت انتن من الجيفة المنتنة.

فما لمن هذه حاله و العجب و استعظام نفسه! و ما اغفله من التدبر في احوال
يومه و امسه! و لو لم يدركه العذاب و لم يؤمر به الى النار فانما ذلك للعفو،
لانه ما من عبد الا و قد اذنب ذنبا، و كل من اذنب ذنبا استحق عقوبة، فلو لم
يعاقب فانما ذلك للعفو. و لا ريب في ان العفو ليس يقينا، بل هو مشكوك فيه، فمن
استحق عقوبة و لا يدري ايعفى عنها ام لا، يجب ان يكون ابدا محزونا خائفا ذليلا،
فكيف يستعظم نفسه و يلحقه العجب، الا ترى ان من جنى على بعض الملوك بما استحق به
الف سوط مثلا، فاخذ و حبس في السجن. و هو منتظر ان يخرج الى العرض و تقام عليه
العقوبة على ملا من الخلق، و ليس يدري ايعفى عنه ام لا، كيف يكون ذله في السجن؟

افترى انه مع هذه الحالة يكون معجبا بنفسه؟ ! و لا اظنك ان تظن ذلك.

فما من عبد مذنب، و لو اذنب ذنبا واحدا، الا و قد استحق عقوبة من الله، و الدنيا
سجنه، و لا يدري كيف يكون امره، فيكفيه ذلك خوفا و مهانة و ذلة. فلا يجوز له ان
يعجب و يستعظم نفسه.

هذا هو العلاج الاجمالي للعجب. و اما التفصيلي-فهو ان يقطع اسبابه-اعني ما به
العجب-و هي العلم، و المعرفة، و العبادة، و الطاعة، و غير ذلك من الكمالات النفسية،
كالورع، و الشجاعة، و السخاوة، و النسب، و الحسب، و الجمال، و المال، و القوة، و
البطش، و الجاه، و الاقتدار، و كثرة الاعوان و الانصار، و الكياسة، و التفطن
لدقائق الامور، و الراي الخطا.

اما (العجب بالعلم) : فعلاجه ان يعلم ان العالم الحقيقي هو الذي يعرف نفسه و خطر
الخاتمة، و ان من تليق به العظمة و العزة و الكبرياء هو الله سبحانه، و ما عداه
هالك الهوية و الذات فاقد الكمال و الصفات. و هذا العلم يزيد الخوف و الذلة و
المهانة و المسكنة، و الاعتراف بالقصور و التقصير فى اداء حقوق الله، و الشكر
بازاء نعمه، و لذا قيل: «من ازداد علما ازداد وجعا» .

فالعلم الذي لا يوجب ذلك و يورث العجب، اما ليس علما حقيقيا، بل هو من العلوم
الدنيوية التي ينبغي ان تسمى صناعات لا علوما، اذ صاحبه خاض فيه و هو خبيث
النفس ردى الاخلاق لم يهذب نفسه اولا و لم يزكها بالمجاهدات و لم يرضها فى
عبادة ربه، فيبقى خبيث الجوهر، فاذا خاض في العلم و ان كان علما حقيقيا صادف
من قلبه منزلا خبيثا، فلم يطب ثمره و لم يظهر في الخبر اثره، فان العلم مثله مثل
الغيث ينزل من السماء عذبا صافيا، فاذا شربته الاشجار و النباتات ازداد
المر مرارة و الحلو حلاوة، كذلك العلم اذا صادف القلوب ازداد القلب المظلم
الخبيث ظلمة و خباثة. و الطيب الصافي طيبا و صفاء و اذا علم ذلك، يعرف انه لا
ينبغي العجب بالعلم، و يجب ايضا ان يعلم انه اذا اعجب بنفسه صار ممقوتا عند
الله مبغوضا لديه، لما تقدم من الاخبار و قد احب الله منه الذلة و الحقارة عند نفسه.
و قال بواسطة سفرائه: «ان لك عندي قدرا ما لم تر لنفسك قدرا، فان رايت لنفسك قدرا فلا
قدر لك عندي » (140) . و قال: «صغروا انفسكم ليعظم عندي محلكم » . فلا بد ان يكلف نفسه ما يحب
مولاه، و ان يعلم ان حجة الله على اهل العلم اوكد، و انه يتحمل من الجاهل ما لا
يتحمل عشره من العالم، لان العالم اذا زل زل بزلته كثير من الناس، و لان من
عصى الله عن علم و معرفة كانت جنايته افحش اذا لم يقض حق نعمة الله عليه في العلم،
و لذلك قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-:

«يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى فى النار، فتندلق اقتابه، فيدور بها كما يدور
الحمار بالرحى، فيطيف به اهل النار، فيقولون: ما لك؟ فيقول: كنت آمر بالخير و
لا آتيه و انهى عن الشر و آتيه » . و قد مثل الله تعالى علماء (اليهود)

، و بلعلم بن باعوراء بالكلب (142) ، لعدم عملهم بما علموه. و قال رسول
الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «يكون قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقولون قد
قرانا القرآن فمن اقرا منا و من اعلم منا» ثم التفت الى اصحابه فقال: «اولئك
منكم ايها الامة، اولئك هم وقود النار» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان اهل
النار ليتاذون من ريح العالم التارك لعلمه و ان اشد اهل النار ندامة و حسرة رجل
دعا عبدا الى الله فاستجاب له و قبل منه، فاطاع الله فادخله الله الجنة، و ادخل
الداعي النار بتركه علمه و اتباعه الهوى و طول الامل » و قال روح الله (ع) : «ويل
لعلماء السوء (143) كيف تتلظى عليهم النار» . و قال الصادق (ع) : يغفر للجاهل سبعون
ذنبا قبل ان يغفر للعالم ذنب واحد» .

و لا ريب في ان كل عالم يامر الناس بالتواضع و ذل النفس و انكسارها، و ينهاهم عن
العجب و الكبر، و هو معجب متكبر، يكون من علماء السوء، و ممن لم يعمل بعلمه، فيكون
داخلا تحت هذه الاخبار. و اي عالم يتصور في امثال هذه الازمنة ان يجزم بانه عمل
بجميع ما علم و امر به، و لم يضع شيئا من اوامر ربه من الجنايات الظاهرة و
الذنوب الباطنة، كالرياء و الحسد و العجب و النفاق و غير ذلك؟ و كيف يمكنه القطع
بانه امتثل ما امر به من التكاليف العامة و الخاصة به؟ فخطره اعظم من خطر
غيره، كيف و قد روى:

«ان حذيفة صلى بقوم، فلما سلم قال: لتلتمس اماما غيري او لتصلن وحدانا، فاني
رايت في نفسي انه ليس في القوم افضل مني » . فاذا كان مثله لا يسلم، فكيف يسلم
الضعفاء من متاخري هذه الامة، فما اعز على بسيط الارض في هذه الاعصار علماء الآخرة
الذين اقبلوا على شانهم، و استوحشوا من اوثق اخوانهم، و شغلهم عظيم الامر عن
الالتفات الى الدنيا و زهرتها، و ازعجهم خوف الرحمن عن مضاجعهم في حنادس
الليالي و ظلمتها، و لا يشتهون من نعيم الدنيا حارا و لا باردا، و صارت همومهم
هما واحدا، هيهات! فانى يسمح آخر الزمان بمثلهم، فهم ارباب الاقبال و اصحاب
الدول، و قد انقرضوا في القرون الاول، بل يعز ان يوجد في زماننا هذا عالم لا تكون له
استطالة و خيلاء، و لم يكن متكبرا على الفقراء، و متواضعا للاغنياء. فينبغي لكل عالم
ان يتفكر في احواله و اعماله و ما اريد منه، و في عظم خطره حتى تنكسر نفسه، و يظهر
خوفه و حزنه و يبطل كبره و عجبه.

و اما (العجب بالعبادة و الطاعة) : فعلاجه ان يعلم ان الغرض من العبادة هو
اظهار الذل و الانكسار، و صيرورتهما ملكة للنفس ليحصل له معنى العبودية و حقيقتها،
فالعجب لمنافاته الغرض المقصود منها يبطلها، و بعد بطلانها فلا معنى للعجب بها
و ايضا آفات العبادة الموجبة لحبطها كثيرة، و كذلك شرائطها و آدابها التي
لا يصح بدونها كثيرة، فيمكن ان تدخلها بعض الآفات، او تفقد عنها بعض الشرائط و
الآداب، فلا تكون مقبولة عند الله، و مع امكان ردها و عدم قبولها كيف يعجب العاقل
بها؟ و من يمكنه القطع بسلامة طاعاته و عباداته عن جميع الآفات؟ و من قطع بذلك
فهو في غاية الجهل بحقائق الامور. على ان فائدة العبادة انما هو اذا كان عند
الله سعيدا، و من جوز ان يكون عند الله شقيا، و قد سبق القضاء الآلهي بشقوته، فاى نفع
يتصور لعبادته حتى يعجب بها؟ و لا ريب في انه لا يخلو عبد عن هذا التجويز، فما
لاحد الى العجب و التكبر في حال من الاحوال سبيل.

و اما (العجب بالورع، و التقوى، و الصبر، و الشكر، و السخاوة، و الشجاعة، و غيرها
من الفضائل النفسية) : فعلاجه ان يعلم ان هذه الفضائل انما تكون نافعة و منجية اذا
لم يدخلها العجب، و اذا دخلها العجب ابطلها و افسدها، فما للعاقل ان يرتكب
رذيلة تضيع ماله من الفضائل، و انى له لا يظهر الذلة و التواضع فى نفسه حتى يزيد
فضيلة على فضائلها، و يختم لاجلها الجميع بالخير، و تصير عاقبته محمودة، و تكون
مساعيه مقبولة مشكورة. و ينبغي ان يعلم ان كل واحد من الفضائل التي يثبتها لنفسه
موجودة مع الزيادة في كثير من بني نوعه، و اذا علم اشتراك الناس معه في هذه
الفضيلة زال اعجابه بها. و قد نقل ان واحدا من مشاهير الشجعان اذا قابل خصمه
اصفر لونه و ارتعدت فرائصه و اضطرب قلبه، فقيل له، ما هذه الحالة و انت اشجع
الناس و اقواهم؟ فقال اني لم امتحن خصمي، فلعله اشجع مني. و ايضا النصر و الغلبة و
حسن العاقبة مع الذلة و المسكنة، لا مع الاعجاب بالقوة و الشجاعة، فان الله عند
المنكسرة قلوبهم.

و من المعالجات النافعة للعجب بكل واحد من الصفات الكمالية: ان يقابل سببه
بضده، اذ علاج كل علة بمقابلة سببها بضده، و لما كانت علة العجب هو الجهل المحض،
فعلاجه المعرفة المضادة له، فنقول:

الكمال الذي به يعجب اما ان يكون يعجب به من حيث انه فيه و هو محله و مجراه،
او من حيث انه نشا منه و حصل بسببه و قوته و قدرته، فان كان (الاول) ، فهو محض
الجهل، لان المحل مسخر، و انما يجري ما يجري فيه و عليه من جهة غيره، و لا مدخل له
في الايجاد و التحصيل، فكيف يعجب بما ليس له. و ان كان (الثانى) ، فينبغي ان
يتامل في قدرته و ارادته و اعضائه، و سائر الاسباب التي بها يتم كماله و عمله،
انها من اين كانت له: فان كان علم ان جميع ذلك نعمة من الله اليه من غير حق
سبق له، فينبغي ان يكون اعجابه بجود الله تعالى و كره و فضله، اذ افاض عليه
ما لا يستحقه، و آثره به على غيره من غير سابقه و وسيلة، فان ظن انه تعالى وفقه
لهذا العمل لاتصافه ببعض الصفات الباطنة المحمودة، كحبه له تعالى او مثله،
فيقال له الحب و العمل كلاهما نعمتان من عنده، ابتداك بهما من غير استحقاق من
جهتك، اذ لا وسيلة لك و لا علاقة، فليكن الاعجاب بجوده، اذ انعم بوجودك و بوجود
صفاتك و اعمالك و اسباب اعمالك.

فاذا لا معنى لعجب العالم بعلمه، و عجب العابد بعبادته، و عجب الشجاع
بشجاعته، و عجب الجميل بجماله، و عجب الغني بماله، لان كل ذلك من فضل الله،
و انما هو محل لفيضان فضل الله وجوده. و المحل ايضا من فضله و جوده، فانه هو
الذي خلقك، و خلق اعضاءك، و خلق فيها القوة و القدرة و الصحة، و خلق لك العقل و العلم و
الارادة، و لو اردت ان تنفى شيئا من ذلك لم تقدر عليه. ثم خلق الحركات في اعضائك
مستبدا باختراعها من غير مشاركة لك معه في الاختراع، الا انه خلقها على ترتيب،
فلم يخلق الحركة ما لم يخلق في العضو قوة و في القلب ارادة، و لم يخلق العلم ما لم يخلق
القلب الذي هو محله، فتدريجه في الخلق شيئا بعد شي ء هو الذي خيل اليك انك مستقل
بايجاد عملك، و قد غلطت، فان تحريك البواعث، و صرف العوائق، و تهيئة الاسباب
كلها من الله، ليس شي ء منها اليك.

و من العجائب ان تعجب بنفسك، و لا تعجب بمن اليه الامر كله، و لا تعجب بجوده و
كرمه، و فضله في ايثاره اياك على الفساق من عباده، اذ مكنهم من اسباب
الشهوات و اللذات، و زواها عنك، و صرف عنهم بواعث الخير و هياها لك، حتى
يتيسر لك الخير من غير وسيلة سابقة منك.

روي: «ان ايوب (ع) قال: (الهي انك ابتليتني بهذا البلاء، و ما ورد علي امر الا آثرت
هواك على هواى) . فنودي من غمامة بعشرة آلاف صوت: يا ايوب! انى لك ذلك؟ قال: فاخذ
رمادا فوضعه على راسه، و قال منك يا رب! فرجع عن نسيانه، و اضاف ذلك الى الله
تعالى، و لذلك قال الله تعالى:

«و لولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكى منكم من احد ابدا» (144) .

و قال النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ما منكم من احد ينجيه عمله » ، قالوا: و لا
انت يا رسول الله! قال: «و لا انا الا ان يتغمدني الله برحمته » .

(فان قيل) : ما ذكرت من استناد الصفات و الافعال و محلها جميعا الى الله
تعالى، يؤدي الى الجبر و نفى التكليف، و بطلان الثواب و العقاب، (قلنا) :

هذا فرع باب مسالة يتعلق بعلم آخر، و لا يليق بيانها هنا (145) . و نحن لم نسلب القدرة
و الاختيار عن العبد بالكلية في متعلق التكليف-اعني افعاله العرضية- بل نفينا
استقلاله فيها. نعم، في غيرها من المحال و الاسباب و الصفات اللازمة، و
التوفيق، و تحريك البواعث، و صرف الموانع، لا قدرة له فيها اصلا، و لا يلزم منه
فساد.

و اما (العجب بالحسب و النسب) : فعلاجه يتم بمعرفة امور:

الاول-ان يعلم ان التعزز بكمال الغير غاية السفاهة و الجهل، فانه لو كان خسيسا
في صفات ذاته، فمن اين يجبر خسته كمال غيره، و لو كان اباه اوجده، بل لو كان
الذي يعجب به بالانتساب حيا لكان له ان يقول:

الفضل لي لا لك و انت دودة خلقت من فضلتي، افترى ان الدودة التي خلقت من فضلة
الانسان اشرف من الدودة التي خلقت من فضلة حمار؟ ! هيهات!

فانهما متساويان في الخسة، ان الشرف للانسان لا للدودة، و لذا قال امير
المؤمنين (ع) :

انا ابن نفسي و كنيتي ادبيمن عجم كنت او من العرب ان الفتى من يقول
هانذاليس الفتى من يقول كان ابي و قيل:

لئن فخرت بآباء ذوي شرفلقد صدقت و لكن بئس ما ولدوا و قد روي: «ان اباذر قال بحضرة
النبي-صلى الله عليه و آله و سلم- لرجل: (يا ابن السوداء! ) ، فقال النبي-صلى الله
عليه و آله و سلم-:

(يا اباذر! طف الصاع طف الصاع، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل) .

فاضطجع ابوذر و قال لرجل: قم فطا على خدي » . و روى: «ان بلالا لما اذن يوم الفتح
على الكعبة، قال جماعة: هذا العبد الاسود يؤذن! فنزل قوله تعالى:

«يايها الناس انا خلقناكم من ذكر و انثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان
اكرمكم عند الله اتقاكم » (146) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الله قد اذهب عنكم عيبة الجاهلية-اي
كبرها-كلكم بنو آدم و آدم من تراب » . و نقل:

ان واحدا من رؤساء اليونان افتخر على غلام، فقال له: ان كان منشاافتخارك
آبائك فالتفوق لهم لا لك، و ان كان لباسك فالشرافة له دونك، و ان كان مركوب
فالفضيلة له لا لك. فليس لك شي ء يصلح للعجب و المفاخرة و لذا قال متمم مكارم
الاخلاق-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا تاتوني بانسابكم و ائتوني باعمالكم » .

الثاني-ان يعرف نسبه الحقيقي، فان اباه القريب نطفة قذرة، وجده البعيد تراب
ذليل. و قد عرفه الله نسبه فقال:

«و بدا خلق الانسان من طين. ثم جعل «نسله من سلالة من ماء مهين » (147) .

و الاصل الذي يوطا بالاقدام او تغسل منه الاجسام اي رفعة يكون لفرعه!

الثالث-ان يعلم ان من يعجب بهم بالانتساب من اسلافه، ان كانوا من اهل
الديانة و الخصال المرضية و الشرافة الحقيقية، فظاهر انه ما كان من اخلاقهم
العجب، بل الذلة و الازراء على النفس و مذمتها و استعظام الخلق، فان اقتدى بهم
فى اخلاقهم فلا يليق به العجب و التعزز، و الا كان طاعنا في نسبه بلسان حاله. و
ان لم يكونوا من اهل الديانة الواقعية و الشرافة العلمية و العملية بل كان لهم
مجرد شوكة ظاهرية، كالسلاطين الظلمة و اعوانهم، فاف لمن يفتخر بهم و يعجب بنفسه
لاجلهم! اذ الانتساب الى الكلاب و الخنازير احسن من الانتساب اليهم، كيف و
انهم ممقوتون عند الله معذبون في النار، بحيث لو نظر الى صورهم في النار و ما
لحقهم فيها من النتن و القذارة، لاستنكف منهم و تبرا من الانتساب اليهم، و
لذلك قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:

«ليدعن قوم الفخر بآبائهم و قد صاروا فحما في جهنم، او ليكونن اهون على الله من
الجعلان التي تدوف بآنافهم القذر» و روى، انه افتخر رجلان عند موسى (ع) ، فقال
احدهما: انا فلان بن فلان، حتى عد تسعة، فاوحى الله تعالى الى موسى: «قل للذي
افتخر، بل التسعة من اهل النار و انت عاشرهم! » .

و اما (العجب بالجمال) : فعلاجه ان يعلم انه في معرض الزوال بالعلل و الآلام و
الامراض و الاسقام، و اى عاقل يعجب بشي ء تزيله حمى يوم او قرحة او جدري!

بر مال و جمال خويشتن غره مشوكآن را بشي برند و اين را به تبي (148)

و لو لم يرتفع بها، فهل يشك عاقل بزواله بذهاب الشباب و مجي ء الشيب و بالموت
الذي لا بد ان تذوقه كل نفس؟ فانظر الى الوجوه الجميلة و الابدان الناعمة، كيف
تمزقت في التراب و انتنت في القبور، بحيث استقذرتها الطباع على انه لو نظر نظر
العقلاء في باطنه عند اتصافه بغاية جماله، لراى من الفضائح ما يكدر عليه العجب و
التعزز به، فانه وكلت اليه (149) الاقذار في جميع اجزائه: (البصاق) في فمه، (و
المخاط) في انفه، (و الوسخ) في اذنه، (و النتن) تحت ابطه، (و الصديد) تحت بشرته، (و
الفضلات) في معدته، (و الرجيع) في امعائه، (و الديدان) في احشائه، (و البول) في
مثانته، (و الصفراء) في مرارته، يتردد الى الخلاء كل يوم مرتين، و يغسل الغائط
كل يوم بيده مرتين، يخرج من باطنه ما لو رآه بعينه لاستقذره فضلا ان يمسه او
يشمه. و في اول امره خلق من الاقذار الشنيعة الصور، من النطفة و دم الحيض، و خرج
من مجاري الاقذار، اعني الصلب و الذكر و الرحم و الفرج. و لو ترك نفسه في حياته
يوما لم يتعهده بالغسل و التنظيف، لثارت منه الانتان و الاقذار، و صار اقذر و
انتن من الدواب المهملة. هذا اوله و وسطه، و سيموت فيصجيفيرة اقذر من سائر
الاقذار. فما للعاقل ان يعجب و يتعزز بهيئة حاصلة لبدن هذه حقيقته.

و اما (العجب بالمال) : فهو عجب بامر خارج عن ذات الانسان، فهو اقبح
انواع العجب. و علاجه ان يتفكر في آفات المال، و كونه في معرض الفناء و الزوال،
من الغضب و النهب و الحرق و الغرق، و غير ذلك من الآفات السماوية و الارضية، و
يتذكر ان في اليهود و الهند و من يزيد عليه في المال.

و اف لشرف يسبقه اليهود و الهندو! و اف لشرف ياخذه السارق في لحظة فيعود صاحبه
ذليلا مفلسا! ! و يتذكر ما ورد في ذم المال و حقارة الاغنياء، و في فضيلة الفقر و
شرافة الفقراء، و سبقهم الى الجنة في القيامة، و ما ورد في عقوبة المعجب بالمال
بخصوصه، كقوله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «بينما رجل يتبختر في حلة له قد اعجبته
نفسه، اذ امر الله الارض فاخذته، فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة » (150) ،
اشار به الى عقوبة اعجابه بماله و نفسه و كيف يتصور المؤمن العاقل ان يعجب
بالمال و يفرح به، مع كثرة حقوقه و عظم غوائله، و ايجابه المؤاخذة و طول المحاسبة
فى القيامة، و العقوبة و النكال ان كان حراما، و انحطاط المرتبة و الدرجة ان كان
حلالا، بل ينبغي له الا يخلو ساعة عن الخوف من تقصيره، في القيام بحقوقه، و اخذه من
حله، و وضعه في حقه.

و اما (العجب بالقوة و شدة البطش) : فعلاجه ان يتذكر ما سلط عليه من العلل و
الامراض، و ان حمى يوم تضعف قوته و يتحلل منها مالا ينجبر فى مدة، و انه لو وجع
عرق واحد من بدنه صار اعجز من كل عاجز و اذل من كل ذليل، و انه لو سلبه الذباب
شيئا لم يستنقذه منه. و ان بقة لو دخلت في انفه او نملة دخلت في اذنه لقتلته، و ان
شوكة لو دخلت في رجله لاعجزته. ثم اقوى انسان لا يكون اقوى من حمار او جمل او فيل
او بقر، و اي عجب و افتخار في صفة يسبقه البهائم فيها، هذا مع ان الغالب ان من
يعجب بقوته يسلبها الله تعالى عنه بادنى آفة يسلطها عليه.

و اما (العجب بالجاه، و المنصب، و ولاية السلاطين، و كثرة الاتباع و الانصار:
من الاولاد و الاقارب و القبائل و العشائر و الخدم و الغلمان) :

فعلاجه ان يعلم ان كل ذلك في معرض الانقطاع، و عن قريب يقع بينه و بينها المفارقة
اما بفنائه و موته او بفنائها و هلاكها، بل العاقل يجدها كسراب بقيعة، و انما هي
خيالات تظن شيئا و ليست بشي ء، و ستفترق عنه اذا مات و دفن في قبره ذليلا مهينا
وحده، لا يرافقه اهل و اولاد و لا اعوان و اتباع، فيسلمونه الى البلاء و الى
العقارب و الحيات و الديدان، و لا يغنون عنه شيئا، و هو في احوج اوقاته اليهم، و
كيف يعجب العاقل بمن يفارقه في اشد احواله!

على انهم في الدنيا يتبعونه ما دام يحصل منه ما يشتهونه من البذل و الاعطاء
فلا بد له من ايقاع نفسه في المهالك و تعرضه لسخط الله و عقوبته، لتحصيل الاموال
من الوجوه المحرمة و صرفها اليهم، ليستمروا على متابعته و اعانته، و لو نقص
شي ء مما يتمنونه تعرضوا لمقته و عداوته، فضلا عن بقائهم على حمايته و اطاعته. ثم
المعجب بتمكين السلطان و ولايته بناء امره على قلب هو اشد غليانا من القدر، اذ
لو تغير عليه كان اذل الخلق.

و اما (العجب بالعقل و الكياسة و التفطن لدقائق الامور) : فعلاجه ان يعلم ان ذلك
يزول عنه بادنى مرض يصيب دماغه، و ربما زال عقله دفعة.

مع انه ان كان في الواقع فطنا كيسا في الامور يلزم عليه ان يشكر الله تعالى
على ذلك، و يستصغر (151) عقله و فطانته، ليبقي الله تعالى عليه تلك النعمة و لا
يسلبها عنه لاجل عجبه.

و اما (العجب بالراي الخطا الذي يزين له بجهله) : فهو اقبح انواع العجب، اذ
جميع اهل البدع و الضلال و الفرق الذين اختاروا مذاهب باطلة و آراء فاسدة انما
اصروا عليها لعجبهم بها، و لذا يفتخرون بمذاهبهم على غيرهم، و بذلك هلكت الامم
اذا افترقت فرقا، و كل معجب برايه، و:

«كل حزب بما لديهم فرحون » (152) .

فكل من استحسن ما يسوقه اليه الهوى و الشبهة-مع ظن كونه حقا- يكون له هذا
العجب، و قد اخبر رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان ذلك يغلب على آخر هذه
الامة » . و علاجه اشد من علاج غيره، لان صاحب الراي الخطا جاهل بخطاه، و لو عرفه
لتركه. و لا يعالج الداء الذي لا يعرف اذ العارف يقدر على ان يبين للجاهل جهله و
يزيله عنه اذا لم يكن معجبا برايه و جهله، و اذا كان معجبا به يتهمه و لا يصغى
اليه حتى يعالجه، فقد سلطت عليه بلية تهلكه و هو يظن انها نعمة. و كيف يطلب الهرب
مما يعتقد انه سبب سعادته! و انما علاجه في الجملة ان يكون متهما لرايه لا يغتر
به، الا ان يشهد له قاطع عقلي او نقلي لا يعتريه ريب و شبهة.

و معرفة ادلة الشرع و العقل و شروطها و مكان الغلط فيها موقوفة على عقل ثابت، و قريحة
تامة مستقيمة، مع جد و تشمير في الطلب، و ممارسة الكتاب و السنة، و مجالسة اهل
العلم و مدارسة العلوم طول العمر، و مع ذلك لا يؤمن عليه الغلط. فالصواب للكل-الا
من يده الله بقوة قدسية يتمكن بها من الخوض في غمرات العلوم-الا يخوض في المذاهب
الباطلة و لا يصغي اليها، و يتبع اهل الوحى فيما جاؤا به من عند الله في الاصول
و الفروع.

وصل (انكسار النفس)


ضد العجب انكسار النفس و استحقارها و كونها في نظره ذليلة مهينة.

و كما ان العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار استصغار الغير معه، فكذا
ضده مجرد استحقار النفس من دون اشتراط اعظام الغير معه، اذ الاول مع اعتبار
الثاني تكبر، و الثالث مع اشتراط الرابع تواضع، و هما ضدان.

ثم لا ريب فى فوائد انكسار النفس و استصغارها، و كل من بلغ مرتبة عظيمة فانما
بلغ بهذه الصفة، لان الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم، و قال رسول الله-صلى الله عليه
و آله و سلم-: «ما من احد الا و معه ملكان و عليه حكمة (153) يمسكانها، فان هو رفع نفسه
ثم قالا: اللهم ضعه، و ان وضع نفسه قالا: اللهم ارفعه » (155) . و روي: «انه اوحى
الله تعالى الى موسى (ع) : ان يا موسى! ا تدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا
رب! و لم ذلك؟ فاوحى الله تبارك و تعالى اليه: اني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم
اجد فيهم احدا اذل نفسا لى منك، يا موسى! انك اذا صليت وضعت خدك على التراب » . و
روى: «انه لما اوحى الله تعالى الى الجبال. اني واضع سفينة نوح عندي على جبل منكن،
فتطاولت و شمخت، و تواضع الجودى، و هو جبل عندكم، فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل،
فقال نوح عند ذلك: (يا مارى اتقن) و هو بالسريانية: رب اصلح » (156)

و منها:

الكبر


و قد عرفت: انه الركون الى رؤية النفس فوق الغير، و بعبارة اوضح:

هو عزة و تعظيم يوجب رؤية النفس فوق الغير و اعتقاد المزية و الرجحان عليه، فهو
يستدعى متكبرا عليه. و به ينفصل عن العجب، اذ العجب مجرد استعظام النفس من
دون اعتبار رؤيتها فوق الغير، فالعجب سبب الكبر و الكبر من نتائجه.

ثم الكبر-اي العزة الموجبة لرؤية النفس فوق الغير-هو خلق الباطن يقتضي اعمالا
في الظاهر هي ثمراته، و تسمى تلك الاعمال الظاهرة الصادرة منه تكبرا، و لذا من
تعزز و راى نفسه باطنا فوق الغير، من دون صدور فعل على جوارحه، يقال له (كبر) ، و
اذا ظهرت الاعمال يقال له (تكبر)

و هذه الاعمال الظاهرة التي هي ثمرات خلق الكبر افعال و اقوال توجب تحقير
الغير و الازراء به، كالترفع عن مواكلته و مجالسته، و الاستنكاف عن مرافقته
و مصاحبته، و ابعاده عن نفسه، و ابائه عن الجلوس بجنبه، و انتظاره ان يسلم
عليه، و توقعه ان يقوم ماثلا بين يديه، و الاستنكاف من قبول وعظه، و تعنيفه في
ارشاده و نصحه، و تقدمه عليه في المحافل و الطرقات، و عدم الالتفات اليه في
المحاورات، و توقع التقديم عليه في كل ما يدل على التعظيم عرفا. و بالجملة،
الاعمال الصادرة عن الكبر كثيرة، و لا حاجة الى احصائها، لكونها مشهورة معروفة،
و من جملتها الاختيال في المشي و جر الثياب، اذ فاعلهما يرى نفسه فوق الاكثر
و يقصد بهما استحقارهم، فهما يقتضيان متكبرا عليه، فيكونان من انواع التكبر،
و ما ورد في ذمهما يدل ايضا على ذمه، كما ياتي. و هذه الافعال المعبر عنها
بالتكبر قد تصدر عن الحقد او الحسد او الرياء، و ان لم تكن في النفس عزة و تعظم.

فصل (ذم الكبر)


الكبر آفة عظيمة و غائلته هائلة، و به هلك خواص الانام فضلا عن غيرهم من العوام،
و هو الحجاب الاعظم للوصول الى اخلاق المؤمنين، اذ فيه عز يمنع عن التواضع، و
كظم الغيظ، و قبول النصح، و الدوام على الصدق، و ترك الغضب و الحقد و الحسد و الغيبة
و الازراء بالناس، و غير ذلك. فما من خلق مذموم الا و صاحب الكبر مضطر اليه،
ليحفظ به عزه، و ما من خلق محمود الا و هو عاجز عنه. خوفا من فوات عزه. و لذا ورد
في ذمه ما ورد من الآيات و الاخبار، قال الله سبحانه:

«كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار» (157) .

و قال: «ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون » (158) . و قال:

«و الملائكة باسطوا ايديهم اخرجوا انفسكم » . . . الى قوله: «و كنتم عن آياته
تستكبرون » (159) . و قال: «ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين » (160) .

و قال: «فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة و هم » «مستكبرون » (161) . و قال: «ان
الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين » (162) . و قال: «ان فى صدورهم الا
كبر ما هم ببالغيه » (163) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة
من خردل من كبر» (164) ، و قال: «من تعظم في نفسه و اختال في مشيته، لقي الله و هو عليه
غضبان » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا ينظر الله الى رجل يجز ازاره بطرا» . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «قال الله. الكبرياء ردائي و العظمة ازارى، فمن
نازعني في واحد منهما القيته في جهنم » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا يزال
الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما اصابهم من العذاب » .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «يخرج من النار عنق له اذنان تسمعان و عينان
تبصران و لسان ينطق، يقول وكلت بثلاثة، بكل جبار عنيد، و بكل من دعا مع الله الها
آخر، و بالمصورين » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا يدخل الجنة جبار، و لا بخيل،
و لا سي ء الملكة » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: ثلاثة لا يكلمهم الله و لا ينظر اليهم
يوم القيامة، و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم: شيخ زان، و ملك جبار، و مقل مختال » .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «بئس العبد عبد تجبر و اعتدى و نسى . الجبار
الاعلى، بئس العبد عبد تبختر و اختال و نسى الكبير المتعال، و بئس العبد عبد غفل و
سها و نسى المقابر و البلى، بئس العبد عبد عتا و بغى و نسى المبدا و المنتهى » . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الا اخبركم باهل النار: كل عتل جواظ جعظرى متكبر» (165) .
و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان ابغضكم الينا و ابعدكم منا في الآخرة الثر
ثارون المتشدقون المتفيهقون » : اي المتكبرون. و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«يحشر المتكبرون يوم القيامة في مثل صور الذر، تطاهم الناس ذرا في مثل صور
الرجال، يعلوهم كل شي ء من الصغار، ثم يساقون الى سجن في جهنم يقال له (يولس) ،
تعلوهم نار شر انيار (166) ، يسقون من طينة الخبال و عصارة اهل النار» . و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم-: يحشر الجبارون و المتكبرون يوم القيامة في صور الذر تطاهم
الناس لهوانهم على الله تعالى » ، و قال «ان في جهنم واديا يقال له (هبهب) ، حق على
الله ان يسكنه كل جبار» ، و قال:

«ان في النار قصرا يجعل فيه المتكبرون و يطبق عليهم » ، و قال: «اذا مشت امتى
المطيطاء و خدمتهم (فارس) و (الروم) سلط الله بعضهم على بعض » ، و المطيطاء: مشية
فيها اختيال. و قال عيسى بن مريم: «كما ان الزرع ينبت في السهل و لا ينبت على
الصفاء، كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع و لا تعمر في قلب المتكبر، الا ترون انه
من يتشمخ براسه الى السقف شجه، و من يطاطى ء اظله و اكنه » . و لما حضرت نوحا
الوفاة، دعا ابنيه فقال:

«اني آمركما باثنتين و انهاكما عن اثنتين: انهاكما عن الشرك و الكبر و
آمركما بلا اله الا الله و سبحان الله و بحمده » . و قال سليمان بن داود يوما
للطير و الجن و الانس و البهائم: «اخرجوا، فخرجوا في مائتي الف من الانس و
مائتى الف من الجن، فرفع حتى سمع زجل الملائكة بالتسبيح في السماوات، ثم خفض
حتى مست اقدامه البحر، فسمع صوتا يقول: لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر
لخسفت به ابعد مما رفعته.

و قال الباقر (ع) : «الكبر رداء الله، و المتكبر ينازع الله رداءه » ، و قال: «العز رداء
الله و الكبر ازاره، فمن تناول شيئا منه اكبه الله في جهنم و قال الصادق (ع) : «ان
في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له (سقر) شكى الى الله شدة حره و ساله ان ياذن له
ان يتنفس، فتنفس فاحرق جهنم » . و قال (ع) : «ان المتكبرين يجعلون في صور الذر،
يتوطاهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب » . و قال (ع) : ما من رجل تكبر او تجبر
الا لذلة وجدها في نفسه، و قال (ع) : «ان في السماء ملائكة موكلين بالعباد، فمن تواضع
رفعاه، و من تكبر وضعاه » . و قال (ع) : «الجبار الملعون من غمض الناس و جهل الحق » ،
قال الراوى، اما الحق فلا اجهله، و الغمض لا ادري ما هو قال: «من حقر الناس و
تجبر عليهم فذلك الجبار» . و قال (ع) : «ما من عبد الا و فى راسه حكمة و ملك
يمسكها، فاذا تكبر قال له: اتضع وضعك الله، فلا يزال اعظم الناس في نفسه و اصغر
الناس في اعين الناس، و اذا تواضع رفعها الله-عز و جل-ثم قال له: انتعش نعشك الله،
فلا يزال اصغر الناس فى نفسه و ارفع الناس في اعين الناس » .

فصل (التكبر على الله و على الناس)


التكبر قد يكون على الله، كما كان لنمرود و فرعون، و سببه الطغيان و محض الجهل،
و هو افحش انواع الكبر، اذ هو اعظم افراد الكفر، و لذا تكررت في ذمه الايات،
كقوله تعالى:

«ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين » (167) . و قوله: «و من يستنكف عن
عبادته و يستكبر فيحشرهم اليه جميعا» (168) . و قوله: تعالى: : «ثم لننزعن من كل شيعة
ايهم اشد على الرحمن عتيا» (169)

و قوله: «فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة و هم مستكبرون » (170) .

و قد يكون على الرسل من حيث تعزز النفس و ترفعها عن انقيادهم، كما كان لمن يقول:

«ا هؤلاء من الله عليهم من بيننا» (171) . و لمن يقول:

«ا نؤمن لبشرين مثلنا» (172) . «ان انتم الا بشر» «مثلنا» (173) . «و لئن اطعتم بشرا مثلكم
انكم اذالخاسرون » (174) . و لمن قال: «لو لا انزل علينا الملائكة او نرى ربنا لقد
استكبروا فى انفسهم و عتوا عتواكبيرا» (175) .

و هذا في الشناعة قريب من التكبر على الله، و ان كان دونه.

و قد يكون على العباد بان يستعظم نفسه و يستصغرهم، و هذا و ان كان دون الاولين،
الا انه من المهلكات العظيمة، من حيث انه يؤدى الى مخالفة الله سبحانه، اذ
صاحبه اذا سمع من عبد استنكف من قبوله و اشماز بجحده، و من حيث ان العز و العظمة
و العلى لا يليق الا بالعلي الاعلى، فمهما تكبر العبد نازع الله في صفة من صفاته، و
لذا قال الله سبحانه: «العظمة ازارى و الكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما تصمته » .

فصل (درجات الكبر)


للكبر درجات ثلاث:

(الاولى) ان يكون مستقرا في قلبه، يرى نفسه خيرا من غيره، و يظهره في افعاله:
بالرفع في المجالس، و التقدم على الاقران، و ان يصعر خده للناس كانه معرض عنهم، و
يعبس وجهه، و يقطب جبينه. و فى اقواله:

باظهار الانكار على من يقصر فيما يتوقعه، من التعظيم، و ابداء الدعوى، و
المفاخرة و المباهاة، و تزكية النفس، و التشمير لغلبة الغير في العلم و العمل، و
هذه الدرجة اقبح الدرجات و اشدها، اذ صاحبها قد رسخت في قلبه شجرة الكبر و ارتفعت
اغصانها و فروعها، بحيث احاطت على جميع جوارحه.

(الثانية) كالاولى، الا في اظهاره على اللسان، و هي دون الاولى، لكونها اقل
اغصانا منها.

(الثالثة) ان يكون مستقرا في قلبه بحيث راى نفسه خيرا من غيره، الا انه يجتهد
في التواضع، و يفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه. و هذا و ان رسخت في قلبه شجرة
الكبر، الا انه قطع اغصانها بالكلية، فان كان مع ذلك منكرا على نفسه فيما رسخ
فيها، و مغضبا عليها و متشمرا لازالتها الا انه لم يقدر على دفعه بسرعة و سهولة،
و تميل النفس الى ما تشتهيه في بعض الاحيان بدون اختيار، و لكنه كان في مقام
المجاهدة، فلعله لم يكن عليه كثير اثم، و مثله يوفقه الله للوصول الى ما يطلبه
بمقتضى وعده.

فصل (علاج الكبر علما و عملا)


الكبر كالعجب في كيفية العلاج اجمالا و تفصيلا، اذ الكبر لما تظمن معنى
العجب-اي استعظام النفس-و كان العجب منشا له، فما ذكر لعلاج مطلق العجب هو
العلاج لمطلق الكبر ايضا. و لكن ما به الكبر-اعنى بواعثه-هي بواعث العجب
بعينها، فما ذكر لعلاج العجب بالواعث المذكورة مشترك بينهما.

و من المعالجات المختصة بالكبر: ان يتذكر ما ورد في ذمه من الآيات و
الاخبار المذكورة و غيرها، و يتامل فيما ورد في مدح ضده-اعني التواضع كما ياتى.
و لكون الكبر مشتملا على شي ء زائد على العجب هو رؤية النفس فوق الغير، فينبغي ان يعلم
ان الحكم بخيرية نفسه من الغير غاية الجهل و السفاهة، فلعل في الغير من خفايا
الاخلاق الكريمة ما ينجيه، و فيه من الملكات الذميمة ما يهلكه و يرديه. و كيف
يجتري ء صاحب البصيرة ان يرجح نفسه على الغير، مع ابهام الخاتمة و خفاء الاخلاق
الباطنة و اشتراك الكل في الانتساب الى الله تعالى، و في صدورها و ترشحها منه و
معلوليتها و لازميتها له، فالواقف بخطر الخاتمة و اناطة النجاة و الهلاك
بالواطن لا يرى لنفسه مزية على غيره، و العارف بكون كل فرد من افراد الموجودات
اثرا من آثار ذاته و لمعة من لمعات انوار صفاته، بل رشحة من رشحات فضله و
جوده و قطرة من قطرات تيار فيض وجوده، لا ينظر الى احد بنظر السوء و العداوة، بل
يشاهد الكل بعين الخيرية و المحبة.

اشكال و حل


(فان قيل) : كيف يحسن ان يتواضع العالم الورع للجاهل الفاسق و يراه خيرا من
نفسه، مع ظهور جهله و فسقه، و قطعه باتصاف نفسه بالعلم و الورع و خلوه عنهما؟ و
كيف يجوز له ان يحب فاسقا او كافرا او مبتدعا و يتواضع له و لا يعاديه، مع
انه مبغوض عند الله، فيكون مامورا ببغضه، و الجمع بين الحب و التواضع و بين
البغض جمع بين النقيضين؟

(اجبنا) عن (الاول) بان حقيقة التواضع الا يرى النفس لذاتها مزية واقعية و خيرية
حقيقية على الغير، لا الا يرى مزية لذاتها عليه في الصفات الظاهرة التى يجزم
باتصاف نفسه بها و عدم اتصافه بها، كالعلم و العبادة و السخاوة و العدالة و
الاجتناب عن الاموال المحرمة و غير ذلك، اذ العالم ببعض العلوم لا يمكنه ان
يدفع عن نفسه القطع بكونه عالما بها و كون فلان العامي غير عالم بها. لكن المزية
الواقعية و الخيرية النفس الامرية انما هو بالتقرب الى الله و الوصول الى
السعادة الدائمية، و لا شك فى ان ذلك لا يحصل بمجرد تعلم بعض العلوم و المواظبة
على بعض العبادات او غير ذلك من الصفات المحمودة، بل المناط فيه حسن الخاتمة،
و هو امر مبهم، اذ العواقب مطوية عن العباد، فيمكن ان يسلم الكافر و يختم له
بالايمان و يضل هذا العالم الورع و يختم له بالكفر، فعلى كل عبد ان راى من هو شرا
منه ظاهرا ان يقول:

لعل هذا ينجو و اهلك انا، فلا يراه شرا من نفسه في الواقع خائفا من العاقبة و يقول:
لعل بر هذا باطن، بان يكون فيه خلق كريم بينه و بين الله فيرحمه الله و يتوب
عليه و يختم له باحسن الاعمال، و برى ظاهر لا آمن ان تدخله الآفات فتحبطه. و
بالجملة: ملاحظة الخاتمة و السابقة و العلم بان الكمال في القرب من الله و سعادة
الآخرة دون ما يظهر في الدنيا من الاعمال الظاهرة- يوجب نفي الكبر و التواضع لكل
احد.

و عن (الثاني) ان الحب ينبغي ان يكون لاجل النسبة الشريفة المذكورة و التواضع
لاجل ملاحظة الخاتمة، و بغضه و غضبه عليه لاجل ما ظهر منه من الكفر و الفسوق. و اي
منافاة بين الغضب لله في صدور معصية من عبد، و بين عدم الكبر و الاذلال؟ اذ
الغضب انما هو لله لا لنفسك، اذ امرك بان تغضب عند مشاهدة المنكر، و التواضع و عدم
الكبر انما هو بالنظر الى نفسك، بالا ترى نفسك ناجيا و صاحبك هالكا في حال
غضبك عليه لامر الله، بل يكون خوفك على نفسك مما علم الله من خفايا ذنوبك اكثر
من خوفك عليه مع الجهل بالخاتمة، فليس من ضرورة الغضب و البغض لله ان تتكبر
على المغضوب عليه، و ترى قدرك فوق قدره. و مثال ذلك. ان يكون لملك غلام و ولد، و قد وكل
الملك الغلام على ولده بان يراقبه و يضربه مهما ساء ادبه، و يغضب عليه اذا
اشتغل بما لا يليق به، فان كان الغلام مطيعا محبا لولاه يغضب عليه اذا ساء
ادبه امتثالا لامر مولاه، و مع ذلك يحبه لانتسابه الى مولاه بالولاده، و لا
يتكبر عليه و يتواضع له، و يرى قدره عند مولاه فوق قدر نفسه، لان الولد اعز لا محالة من
الغلام.

تذنيب (العلاج العملي للكبر)


ما ذكرناه لعلاج الكبر انما هو العلاج العلمي، و اما (العلاج العملي)

فهو ان يتواضع بالفعل لله و لسائر الخلق، و يواظب على اخلاق المتواضعين، و يكلف
نفسه على ذلك الى ان تقطع عن قلبه شجرة الكبر باصولها و فروعها، و يصير
التواضع ملكة له. و للقطع الكلي و حصول ملكة التواضع امتحانات يعرفان بها، فلا بد
ان يمتحن نفسه بها حتى يطمئن بانه متواضع، اذ النفس قد تضمر التواضع و تدعى
البراءة من الكبر، فاذا وقعت الواقعة عادت الى طبعها و نسيت وعدها:

(الاول) ان يناظر مع اقرانه في بعض المسائل، فاذا ظهر شي ء من الحق على لسانهم،
فان اعترف به مع السرور و الاهتزاز و الشكر لهم لتنبيههم اياه على ما غفل عنه
فهو علامة التواضع، و ان ثقل عليه القبول و الاعتراف و لم يسر بظهور الحق على
لسانه فهو دليل بقاء الكبر بعد. فليعالجه من حيث العلم بان يتذكر سوء عاقبته و
خسة نفسه و خباثتها، من حيث ان قبول الحق يثقل عليها، و من حيث العلم بان يكلف
نفسه على ما يثقل عليها من الاعتراف بالحق و اطلاق اللسان بالثناء و الشكر، و
الاقرار على نفسه بالعجز و القصور، و يقول: ما احسن فطانتك! لقد ارشدتني الى الحق،
فجزاك الله خيرا، فاذا واظب على ذلك مراتب متوالية، صار ذلك له طبعا، و سقط
ثقل الحق عن قلبه و طاب له قبوله، و ان لم يثقل عليه في الخلوة و ثقل عليه في الملا،
فليس فيه كبر، بل فيه رياء، فليعالج بما ياتي في معالجة الرياء.

(الثاني) ان يقدم الاقران و الامثال على نفسه في المحافل، و يمشي خلفهم فى الطرق،
فان لم يثقل ذلك عليه فهو متواضع، و الا فمتكبر، فليقدمهم بالتكلف، و يجلس
تحتهم، و يظهر السرور و الارتياح بذلك، حتى يسقط عنه ثقله. قال ابو عبد الله
الصادق (ع) : «ان من التواضع ان يجلس الرجل دون شرفه » . و قال (ع) : «من التواضع ان
ترضى بالمجلس دون المجلس، و ان تسلم على من تلقى، و ان تترك المراء و ان كنت محقا،
و لا تحب ان تحمد على التقوى » . و من المتكبرين من اذا لم يجد مكانا في الصدر
يجلس في صف النعال، او يجعل بينه و بين الاقران بعض الاراذل و لا يجلس تحتهم و
غرضهم من ذلك استحقار الاقران او ايهام ان تركهم للصدر انما هو بالتفضل، فهو
اشد انواع التكبر.

(الثالث) ان يجيب دعوة الفقير، و يمر الى السوق في حاجة الرفقاء و الاقارب، و
يحمل حاجتهم و حاجة نفسه منه الى البيت، فان لم يثقل عليه ذلك في الخلوة و الملا
فليس فيه كبر و رياء، و ان ثقل عليه فيهما ففيه كبر و رياء، و ان ثقل عليه عند
مشاهدة، الناس دون الخلوة ففيه رياء دون الكبر.

قال امير المؤمنين (ع) : «لا ينقص الرجل الكامل من كماله ما حمل من شي ء الى عياله » . و
روي: «انه اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته، فقال له بعضهم احمل عنك يا امير
المؤمنين؟ فقال: لا! ابو العيال احق ان يحمل » . و روي:

«ان الصادق (ع) : نظر الى رجل من اهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا و هو يحمله. فلما
رآه الرجل استحيى منه، فقال له ابو عبد الله (ع) : اشتريته لعيالك و حملته اليهم،
اما و الله لو لا اهل المدينة لاحببت ان اشترى لعيالى الشي ء ثم احمله اليهم » .

(الرابع) ان يلبس ثيابا بذلة، فان لم يثقل عليه ذلك اصلا فليس فيه كبر و رياء، و
الا كان متكبرا او مرائيا، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من اعتقل
البعير و لبس الصوف فقد برى ء من الكبر» . و قال -صلى الله عليه و آله و سلم-: «انما
انا عبد آكل في الارض، و البس الصوف، و اعقل البعير، و العق اصابعي، و اجيب دعوة
المملوك، فمن رغب عن سنتي فليس مني » و قيل لسلمان: لم لا تلبس ثوبا جديدا؟ فقال:

«انما انا عبد، فاذا اعتقت يوما لبست جديدا» : اشار به الى العتق فى الآخرة. و
قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-البذاذة-اي الدون من اللباس-من
الايمان » . و عوتب امير المؤمنين-عليه السلام-في ازار مرقوع، فقال: «يقتدي به
المؤمن و تخشع له القلوب » .

(الخامس) ان ياكل مع خدامه و غلمانه، فان لم يثقل عليه فهو متواضع و الا فمتكبر. و
روى رجل من اهل بلخ، قال: كنت مع الرضا (ع) في سفره الى خراسان، فدعا يوما بمائدة،
فجمع عليها مواليه من السودان و غيرهم، فقلت: جعلت فداك! لو عزلت لهؤلاء مائدة،
فقال (ع) : ان الرب تعالى واحد، و الدين واحد، و الام واحدة، و الاب واحد، و الجزاء
بالاعمال » .

و الامتحانات لبقاء الكبر ليست منحصرة بما ذكر، بل هي كثيرة:

كان يحب قيام الناس له او بين يديه، قال امير المؤمنين (ع) : «من اراد ان ينظر
الى رجل من اهل النار فلينظر الى رجل قاعد و بين يديه قوم قيام » . و قال بعض
الصحابة: «لم يكن شخص احب اليهم من رسول الله. و كانوا اذا راوه لم يقوموا له
لما يعلمون من كراهته لذلك » .

و ان يحب ان يمشي خلفه غيره، و قد روي «انه لا يزال العبد يزداد من الله بعد ما مشى خلفه »
. و كان رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم- في بعض الاوقات يمشي مع بعض الاصحاب،
فيامرهم بالتقدم و يمشى في غمارهم.

و الا يزور غيره، و ان كان في زيارته فائدة دينية. و ان يستنكف من مجالسة الفقراء
و المعلولين و المرضى. روي انه دخل على رسول الله رجل و عليه جدرى قد تقشر، و عنده ناس
من اصحابه ياكلون، فما جلس عند احد الا قام من جنبه. فاجلسه النبي-صلى الله عليه
و آله و سلم-الى جنبه. و كان -صلى الله عليه و آله و سلم-في نفر من اصحابه ياكلون
في بيته، اذ دخل عليهم رجل به زمانة تنكره الناس لاجلها فاجلسه رسول الله على
فخذه و قال له: «اطعم » ، و كان رجلا من قريش اشماز منه و تكره، فما مات ذلك الرجل
حتى كانت به زمانة مثلها. و مر سيد الساجدين-عليه السلام- على المجذومين (176) و
هو راكب حماره، و هم يتغدون، فدعوه الى الغداء، فقال: «اما انى لو لا اني صائم
لفعلت » ، فلما صار الى منزله امر بطعام فصنع، و امر ان يتنوقوا فيه، ثم دعاهم،
فتغدوا عنده و تغدى معهم. . .

و قس على هذه غيرها من الامتحانات.

و لقد كانت سيرة رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-جامعة لجميع ما يمتحن به
التواضع، بريئة عن جميع ما يصدر من الكبر من الافعال و الحركات، فينبغي لكل مؤمن
ان يقتدي به. و قد روى ابو سعيد الخدري:

«انه-صلى الله عليه و آله و سلم-كان يعلف الناضح، و يعقل البعير، و يقم البيت، و يحلب
الشاة، و يخصف النعل، و يرقع الثوب، و ياكل مع خادمه، و يطحن عنه اذا اعيى، و يشري
الشي ء من السوق، و لا يمنعه الحياء ان يعلقه بيده او يجمله في طرف ثوبه و ينقلب الى
اهله. يصافح الغني و الفقير و الصغير و الكبير، و يسلم مبتدئا على كل من استقبله
من صغير او كبير اسود او احمر حر او عبد من اهل الصلاة، ليست له حلة لمدخله و لا
حلة لمخرجه، لا يستحيي من ان يجيب اذا دعي، و ان كان اشعث اغبر، و لا يحقر ما دعي
اليه و ان لم يجد الا حشف الرقل (177) ، لا يدفع غداء لعشاء و لا عشاء لغداء.

هين المؤنة، لين الخلق، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساما من غير
ضحك محزونا من غير عبوس، شديدا فى غير عنف. و متواضعا في غير مذلة، جوادا من غير
سرف، رحيما لكل ذي قربى، قريبا من كل ذمى و مسلم، رقيق القلب، دائم الاطراق، لم يبسم
قط من شبع، و لا يمد يده الى طمع » . هذا و قال ابو الحسن-عليهما السلام-: «التواضع:
ان تعطى الناس ما تحب ان تعطاه » . و سئل عن حد التواضع الذي اذا فعله العبد كان
متواضعا، فقال: «التواضع درجات: منها ان يعرف المرء قدر نفسه، فينزلها منزلتها
بقلب سليم لا يحب ان ياتي الى احد الا مثل ما يؤتى اليه، ان راى سيئة دراها
بالحسنة، كاظم الغيظ عاف عن الناس، و الله يحب المحسنين » .

وصل (التواضع و مدحه)


قد اشير الى ان ضد الكبر (التواضع) ، و هو انكسار للنفس يمنعها من ان يرى لذاتها
مزية على الغير، و تلزمه افعال و اقوال موجبة لاستعظام الغير و اكرامه، و
المواظبة عليها اقوى معالجة لازالة الكبر. و لا بد من الاشارة الى الاخبار
الواردة فى مدح التواضع و فوائده، تحريكا للطالبين الى السعي في تحصيله
الموجب لازالة ضده، و هذه الاخبار كثيرة خارجة عن حد الاحصاء، فنكتفي بايراد بعض
منها:

قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم- «ما تواضع احد لله الا رفعه الله » . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم- «طوبى لمن تواضع فى غير مسكنة، و انفق مالا جمعه من
غير معصية، و رحم اهل الذلة و المسكنة، و خالط اهل الفقه و الحكمة » . و روي: «ان الله
سبحانه اوحى الى موسى:

انما اقبل صلاة من تواضع لعظمتي و لم يتعاظم على خلقي و الزم قلبه خوفى و قطع
نهاره بذكرى و كف نفسه عن الشهوات من اجلى » . و قال رسول الله -صلى الله عليه و
آله و سلم-لاصحابه: «ما لي لا ارى عليكم حلاوة العبادة!

قالوا: و ما حلاوة العبادة؟ قال: التواضع » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:

«اذا تواضع العبد رفعه الله الى السماء السابعة » . و قال-صلى الله عليه و آله و
سلم-: «اذا هدى الله عبدا الاسلام و حسن صورته و جعله في موضع غير شائن له و رزقه مع
ذلك تواضعا، فذلك من صفوة الله » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم- «اربع لا يعطيهن
الله الا من يحبه: الصمت و هو اول العبادة، و التوكل على الله، و التواضع، و
الزهد في الدنيا» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ليعجبني ان يحمل الرجل الشي ء في
يده يكون مهنة لاهله يدفع به الكبر عن نفسه » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من
تواضع لله رفعه الله، و من تكبر خفظه الله، و من اقتصد في معيشة رزقه الله، و من بذر
حرمه الله، و من اكثر ذكر الموت احبه الله، و من اكثر ذكر الله اظله الله في
جنته » . و روي: «انه اتى رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-ملك، فقال: ان الله
تعالى يخيرك ان تكون عبدا رسولا متواضعا او ملكا رسولا. فنظر الى جبرئيل (ع) و اومى
بيده ان تواضع، فقال:

عبدا متواضعا رسولا، فقال الرسول-يعني الملك-: مع انه لا ينقصك مما عند ربك شيئا» . و
قال عيسى بن مريم (ع) : «طوبى للمتواضعين في الدنيا!

هم اصحاب المنابر يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا! هم الذين
يرثون الفردوس يوم القيامة: طوبى للمطهرة قلوبهم في الدنياهم الذين ينظرون الى
الله تعالى يوم القيامة » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم- «ان التواضع لا يزيد
العبد الا رفعة، فتواضعوا برحمكم الله » . و اوحى الله تعالى الى داود (ع) : «يا داود!
كما ان اقرب الناس الى الله المتواضعين كذلك ابعد الناس من الله المتكبرون » .
و روي: «ان سليمان بن داود اذا اصبح تصفح وجوه الاغنياء و الاشراف حتى يجى ء الى
المساكين فيقعد معهم، و يقول مسكين مع مساكين » . و روي: «انه ورد على امير
المؤمنين (ع) اخوان له مؤمنان، اب و ابن، فقام اليهما و اكرمهما و اجلسهما في
صدر مجلسه و جلس بين ايديهما، ثم امر بطعام فاحضر فاكلا منه، ثم جاء قنبر بطست
و ابريق خشب و منديل، و جاء ليصب على يد الرجل، فوثب امير المؤمنين و اخذ الابريق
ليصب على يد الرجل، فتمرغ الرجل في التراب، و قال يا امير المؤمنين! الله يراني
و انت تصب على يدي! قال: اقعد و اغسل، فان الله-عز و جل-يراك و اخوك الذي لا يتميز منك و
لا ينفصل عنك يخدمك، يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة اضعاف عدد اهل الدنيا. فقعد
الرجل. و قال له علي (ع) :

اقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب
عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك، فلما فرغ ناول الابريق محمد بن الحنفية، و قال: يا بني!
لو كان هذا الابن حضرني دون ابيه لصببت على يده، و لكن الله-عز و جل-يابى ان
يسوى بين ابن و ابيه اذا جمعهما مكان، لكن قد صب الاب على الاب فليصب الابن على
الابن، فصب محمد بن الحنفية على الابن » (178) .

و قال الصادق (ع) : «التواضع اصل كل شرف نفيس و مرتبة رفيعة، و لو كان للتواضع لغة
يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب.

و التواضع ما يكون لله و في الله، و ما سواه فكبر. و من تواضع لله شرفه الله على
كثير من عباده. و لاهل التواضع سيماء يعرفها اهل السماوات من الملائكة و اهل
الارض من العارفين. قال الله عز و جل.

«و على الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » (179) .

و اصل التواضع من اجلال الله و هيبته و عظمته. و ليس لله عز و جل عبادة يقبلها و
يرضاها الا و بابها التواضع. و لا يعرف ما في معنى حقيقة التواضع الا المقربون من
عباده المستقلين بوحدانيته، قال الله عز و جل:

«و عباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما» (180) .

و قد امر الله-عز و جل-اعز خلقه و سيد بريته محمدا-صلى الله عليه و آله-بالتواضع،
فقال عز و جل:

«و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين » (181)

و التواضع مزرعة الخضوع و الخشوع و الخشية و الحياء، و انهن لا ياتين الا منها و
فيها، و لا يسلم الشرف التام الحقيقي الا للمتواضع في ذات الله تعالى (182) . و قال
الامام ابو محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام:

«اعرف الناس بحقوق اخوانهم و اشدهم قضاء لهم اعظمهم عند الله شانا، و من تواضع في
الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين و من شيعة علي بن ابي طالب-عليه
السلام-حقا» (183) .

تتميم (الذلة)


لما عرفت ان كل فضيلة وسط له طرفان مذمومان، فاحد طرفي التواضع (الكبر) -كما
عرفت-و هو من طرف الافراط، و آخرهما (الذلة) و التخاسس و هو من طرف التفريط.
فكما ان الكبر مذموم، فكذلك المذلة و التخاسس ايضا مذموم، اذ كلا طرفي
الامور ذميم، و المحمود: هو التواضع من دون الخروج الى شي ء من الطرفين، اذ
احب الامور الى الله اوسطها، و هو ان يعطي كل ذي حق حقه، و هو العدل، فلو وقع في طرف
النقصان فليرفع نفسه اذ ليس للمؤمن ان يذل نفسه، فالعالم اذا دخل عليه اسكاف
فخلى له مجلسه و اجلسه فيه، و ترك تعليمه و افادته، و اذا قام عدا الى الباب
خلفه، فقد تخاسس و تذلل، و هو غير محمود، بل هو رذيلة في طرف التفريط. فاللازم اذا
وقع فيه ان يرفع نفسه الى ان يعود الى الوسط الذى هو الصراط المستقيم فان
العدل ان يتواضع بمثل ما ذكر لا مثاله و لمن يقرب درجته. فاما تواضعه للسوقي،
فبالبشر في الكلام، و الرفق في السؤال، و اجابة دعوته، و السعي في حاجته، و
امثال ذلك، و الا يرى نفسه خيرا منه، نظرا الى خطر الخاتمة.

ثم ينبغي الا يتواضع للمتكبرين، اذ الانكسار و التذلل لمن يتكبر و يتعزز مع
كونه من التخاسس و المذلة المذمومة يوجب اضلال هذا المتكبر، و تقريره على تكبره،
و اذا لم يتواضع له الناس و تكبروا عليه ربما تنبه و ترك التكبر، اذ المتكبر
لا يرضى بتحمل المذلة و الاهانة من الناس، و لذا قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-:
«اذا رايتم المتواضعين من امتي فتواضعوا لهم، و اذا رايتم المتكبرين
فتكبروا عليهم، فان ذلك لهم مذلة و صغار» .

و منها:

الافتخار


اي المباهاة باللسان بما توهمه كمالا، و الغالب كون المباهاة بالامور
الخارجة عن ذاته، و هو بعض اصناف التكبر-كما اشير اليه-فكل ما ورد في ذمه يدل
على ذمه، و الاسباب الباعثة عليه هي اسباب التكبر. و قد تقدم ان شيئا منها لا يصلح
لان يكون منشا للافتخار، فهو ناش من محض الجهل و السفاهة. قال سيد الساجدين (ع) :
«عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالامس نطفة ثم (هو) (184) غدا جيفة » . و قال الباقر (ع) :
«عجبا للمختال الفخور، و انما خلق من نطفة ثم يعود جيفة، و هو فيما بين ذلك لا يدري
ما يصنع به » . و قال (ع) : «صعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم- المنبر يوم فتح مكة،
فقال: ايها الناس! ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية و تفاخرها بآبائها، الا
انكم من آدم و آدم من طين، الا ان خير عباد الله عبد اتقاه » . و قال له (ع) عقبة
بن بشير الاسدي: انا في الحسب الضخم عزيز في قومي، فقال له: «تمن علينا بحسبك! ان
الله تعالى رفع بالايمان من كان الناس يسمونه وضيعا اذا كان مؤمنا، و وضع
بالكفر من كان الناس يسمونه شريفا اذا كان كافرا. فليس لاحد فضل على احد الا
بتقوى الله » . و قال الصادق (ع) : «قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: آفة
الحسب الافتخار و العجب » . و قال (ع) ، «اتى رسول الله-صلى الله عليه و آله-رجل،
فقال:

يا رسول الله! انا فلان بن فلان. . . حتى عد تسعة، فقال رسول الله: اما انك عاشرهم
في النار! » . و نقل: ان قريشا تفاخروا عند سلمان، فقال: «لكني خلقت من نطفة قذرة ثم اعود
جيفة منتنة ثم الى الميزان، فان ثقل فانا كريم و ان خف فانا لئيم » . ثم ضده
استحقاره نفسه و ترجيح غيره عليها بالقول.

و منها:

البغي


و يسمى البذخ ايضا، و هو صعوبة الانقياد و التابعية لمن يجب ان ينقاد (له) ، و قد
فسر بمطلق العلو و الاستطالة، سواء تحقق في ضمن عدم الانقياد لمن يجب ان ينقاد
(له) ، او في ضمن احد افعال الكبر، او في ضمن الظلم و التعدي على الغير. و على اى
تقدير هو افحش انواع الكبر اذ عدم الانقياد لمن يجب ان ينقاد (له) -كالانبياء و
اوصيائهم-يؤدي الى الكفر الموجب للهلاك الابدي. و لقد هلك بذلك اكثر طوائف الكفار،
كاليهود و النصارى و كفار قريش و غيرهم. و كذا الظلم و التعدي على المسلم و اذ لا
له بالمقهورية و المغلوبية من المهلكات العظيمة، و لذا ورد في ذمه ما ورد، قال
رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «ان اعجل الشر عقوبة البغي » . و قال -صلى الله عليه و
آله و سلم-: «حق على الله عز و جل الا يبغي شي ء على شي ء الا اذله الله، و لو ان جبلا بغى
على جبل لهد الله الباغي منهما» . و قال امير المؤمنين (ع) : «ايها الناس! ان البغي
يقود اصحابه الى النار. و ان اول من بغى على الله عناق بنت آدم، و اول قتيل قتله
الله عناق، و كان مجلسها جريبا في جريب، و كان لها عشرون اصبعا في كل اصبع
ظفران مثل المنجلين، فسلط الله عليها اسدا كالفيل، و ذئبا كالبعير، و نسرا
كالبغل، فقتلنها. و قد قتل الله تعالى الجبابرة على افضل احوالهم و آمن ما
كانوا» . و قال الصادق (ع) :

«يقول ابليس لجنوده: القوا بينهم الحسد و البغي فانهما يعدلان عند الله الشرك » . و
كتب (ع) الى بعض اصحابه: «انظر الا تكلمن بكلمة بغي ابدا، و ان اعجبتك نفسك و
عشيرتك » .

و علاجه: ان يتذكر-اولا-هذه الاخبار الواردة في ذمه، و-ثانيا- ما ورد في مدح
ضده-اعنى التسليم و الانقياد لمن يلزم اطاعته و تابعيته- كقولهم-عليهم
السلام-: «شيعتنا المسلمون » . و الآيات و الاخبار الواردة في وجوب اطاعة الله و
اطاعة النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-و اولى الامر، و غيرهم من العلماء و الفقهاء
الذين هم نواب الائمة في زمن الغيبة. و بعد ذلك يكلف نفسه التابعية و الاطاعة لمن
يجب ان يطاع، و يتخضع له قولا و فعلا، حتى يصير ذلك له ملكة.

و منها:

تزكية النفس


اى نفي النقائص عنها، و اثبات الكمالات لها. و هو من نتائج العجب.

و قبحه اظهر من ان يخفى. اذ من عرف حقيقة الامكان، ثم اطلع على خلق الانسان، يعلم
انه عين القصور و النقصان، فلا يطلق بمدح نفسه اللسان. على انه يتضمن بخصوصه
قبحا يشهد به الذوق و الوجدان، و لذا قال امير المؤمنين (ع) : «تزكية المرء لنفسه
قبيحة » . و قد تقدم ما يكفيك لمعرفة حقارة الانسان و خساسته.

ثم ضد التزكية عدم تبرئة نفسه من العيوب و الاقرار بها و اثبات النقائص لها،
فاذا كلف نفسه عليه و فعل ذلك مرات متوالية، يصير معتادا له، و يزول عنه ما
اعتاده من مدح نفسه.

و منها:

العصبية


و هى السعي في حماية نفسه او ماله اليه نسبة: من الدين، و الاقارب، و العشائر، و
اهل البلد، قولا او فعلا: فان كان ما يحميه و يدفع عنه السوء مما يلزم حفظه و
حمايته، و كانت حمايته بالحق من دون خروج من الانصاف و الوقوع في ما لا يجوز
شرعا، فهو الغيرة الممدوحة التي هي من فضائل قوة الغضب-كما مر-. و ان كان مما
يلزم حمايته، او كانت حمايته بالباطل، بان يخرج عن الانصاف و ارتكب ما
يحرم شرعا، فهو التعصب المذموم، و هو من رداءة قوة الغضب. و الى ذلك يشير
كلام سيد الساجدين (ع) حيث سئل عن العصبية، فقال: «العصبية التي ياثم عليها
صاحبها: ان يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، و ليس من العصبية ان
يحب الرجل قومه، و لكن من العصبية ان يعين قومه على الظلم » .

و الغالب اطلاق العصبية في الاخبار على التعصب المذموم، و لذا ورد بها الذم،
كقول النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من تعصب او تعصب له فقد خلع ربق الايمان من
عنقه » . و قوله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه
الله يوم القيامة مع اعراب الجاهلية » . و قال السجاد (ع) : «لم يدخل الجنة حمية غير
حمية حمزة بن عبد المطلب، و ذلك حين اسلم عصبا للنبي-صلى الله عليه و آله-في حديث
السلى الذي القى على النبي-صلى الله عليه و آله-» . و قال الصادق (ع) : «ان الملائكة
كانوا يحسبون ان ابليس منهم، و كان في علم انه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه
بالحمية و العصب، فقال:

«خلقتني من نار و خلقته من طين » (185) .

و منها:

كتمان الحق


و الانحراف عنه. و باعثه اما العصبية او الجبن، فهو من نتائج واحدة منهما،
فعلى (الاول) يكون من رذائل قوة الغضب من جانب الافراط، و على (الثاني) يكون من
رذائلها من جانب التفريط، و ربما كان الباعث في بعض افراده الطمع المالي،
الا ان الظاهر كون الفاعل المباشر النفس مع رداءة قوة الغضب، كما في نفس الغضب و
غيره، اذ ما لم يحصل في النفس ضعف و في القوة الغضبية خمود لم يتحقق كتمان الحق. و
يندرج تحته الميل في الحكم، و كتمان الشهادة، و شهادة الزور، و تصديق المبطل، و
تكذيب المحق، و غير ذلك.

و الظواهر الدالة على ذمه مطلقا، و على كل واحد من الاصناف المندرجة تحته كثيرة، و
لا حاجة الى ذكرها لاشتهارها. و علاج العصبية و كتمان الحق: ان
يتذكر-اولا-ايجابهما لسخط الله و مقته، و ربما تاديا الى الكفر،
و-ثانيا-فوائد ضدهما، اعني الانصاف و الاستقامة على الحق.

و بعد ذلك يكلف نفسه على اظهار ما هو الحق و العمل به، و لو بالمشقة الشديدة، الى ان
يصير ذلك عادة له، فيزول عن نفسه ما صار لها ملكة من التعصب و كتمان الحق.

وصل (الانصاف و الاستقامة على الحق)


لما كان ضدهما الانصاف و الاستقامة على الحق، فلنشر الى بعض ما ورد في مدحهما
تحريكا للطالبين الى الاخذ بهما، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا
يستكمل العبد الايمان حتى يكون فيه ثلاث خصال:

الانفاق من الاقتار، و الانصاف من نفسه، و بذل السلام » . و كان-صلى الله عليه و
آله-يقول في آخر خطبته: «طوبى لمن طاب خلقه، و طهرت سجيته، و صلحت سريرته، و حسنت
علانيته، و انفق الفضل من ماله، و امسك الفضل من قوله، و انصف الناس من نفسه » . و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «سيد الاعمال انصاف الناس من نفسك. . . » الى آخره.

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من واسى الفقير من ماله و انصف الناس من نفسه،
فذلك المؤمن حقا» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:

«ثلاث خصال من كن فيه او واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظل الا ظله: رجل
اعطى الناس عن نفسه ما هو سائلهم. . . » الحديث. و قال امير المؤمنين (ع) في كلام له:
«الا انه من ينصف من نفسه لم يزده الله الا عزا» . و قال الصادق (ع) : «من يضمن لي
اربعة باربعة ابيات في الجنة: انفق و لا تخف فقرا، و افش السلام في العالم، و
اترك المراء و ان كنت محقا، و انصف الناس من نفسك » . و قال (ع) : «الا اخبركم باشد
ما فرض الله على خلقه؟ » ، فذكر ثلاثة اشياء اولها: (انصاف الناس من نفسك) . و قال
(ع) : «من انصف الناس من نفسه رضى به حكما لغيره » .

و قال (ع) : «ما تدارى اثنان في امر قط فاعطى احد النصف صاحبه فلم يقبل منه الا
اديل منه » . و قال (ع) : «ثلاثة هم اقرب الخلق الى الله تعالى يوم القيامة حتى يفرغ من
الحساب: رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه على ان يحيف على من تحت يده، و رجل مشى بين
اثنين فلم يمل مع احدهما على الآخر بعشيرة، و رجل قال بالحق فيما له و عليه » . و
قال-عليه السلام-:

«ان لله جنة لا يدخلها الا ثلاثة، احدهم من حكم في نفسه بالحق » (186) .

و منها:

القساوة


و هي ملكة عدم التاثر عن لم ابتاناء النوع. و لا ريب في كونه ناشئا من غلبة
السبعية، و اكثر ذمائم الصفات: من الظلم و الايذاء، و عدم اغاثة المظلومين، و
عدم مواساة الفقراء و المحتاجين و غير ذلك يترتب عليه. و ضده الرحمة و الرقة، و
هو التاثر عن مشاهدة تالم ابناء نوعه، و يترتب عليه من الصفات المرضية اضداد
ما ذكر. و قد ورد به المدح و الترغيب في الاخبار الكثيرة، كقول النبي-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «يقول الله تعالى:

اطلبوا الفضل من الرحماء من عبادي تعيشوا في اكنافهم، فاني جعلت فيهم رحمتي.
و لا تطلبوه من القاسية قلوبهم، فاني جعلت فيهم سخطى » . و كقول الصادق (ع) : «اتقوا
الله و كونوا اخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين. . . الخ » . و قوله
(ع) : «تواصلوا و تباروا و تراحموا و كونوا اخوة بررة كما امركم الله » . و قوله
(ع) : «يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل و التعاون على التعاطف و
المواساة لاهل الحاجة و تعاطف بعضهم على بعض، حتى تكونوا كما امركم الله عز و
جل: رحماء بينهم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من امرهم على ما مضى عليه معشر
الانصار على عهد رسول الله-صلى الله عليه و آله-» . و قد ورد: ان من ترحم على العباد
يرحمه الله. و الاخبار الواردة في فضيلة مطلق الرحمة، و في فضيلة خصوص كل واحد
واحد فيما يندرج تحته: من اعانة المحتاج، و اغاثة المظلوم، و مواساة الفقير، و
الاغتمام بمصائب المؤمنين، و امثال ذلك، اكثر من ان تحصى.

ثم ان ازالة القساوة و اكتساب الرحمة في غاية الاشكال، اذ القساوة صفة راسخة في
القلب لا يقدر على تركها بسهولة، فطريق العلاج ان يترك لوازمها و آثارها من
الافعال الظاهرة، و يواظب على ما يترتب على الرحمة من الصفات الاختيارية، و
يكلف نفسه على ذلك حتى يرتفع على التدريج مبدا الاولى و يحصل مبدا الثانية.

تعليقات:

134) الفاطر، الآية: 8.

135) و في بعض نسخ الكافي في باب العجب هكذا: (جالسا) -بالنصب-

136) صححنا هذه الرواية على ما في البحار-الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر
في باب العجب-و قد نقلها عن مصباح الشريعة، و فيه اختلاف عن نسخ جامع السعادات.

137) صححنا اكثر هذه الاحاديث على الكافي في باب العجب و الحسد.

138) و في النسخ، (اجمالي و تفصيلي) .

139) عبس الآية: 17-22.

140) هذا كلام بنصه مذكور في احياء العلوم-ج 3 ص 312-و يظهر منه انه من كلامه هو
او مقتبس من مضامين الاخبار، لا انه نص حديث، و كذا ما بعده و هو قوله: «صغروا. . . »
.

141) اشارة الى قوله تعالى-في سورة الجمعة الاية 5-: «مثل الذين حملوا التوراة
ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا» .

142) اشارة الى قوله تعالى-في سورة الاعراف الآية 176-: «فمثله كمثل الكلب ان
تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث » .

143) في النسخ المصححة للكافي-باب لزوم الحجة على العالم-هكذا: «للعلماء السوء
بتعريف العلماء-و نحن رجحنا نسخة جامع السعادات المطبوعة فاثبتناه بلا تعريف
قال صاحب مجمع البحرين-مادة (سوء) -: «تقول هذا رجل سوء بالاضافة ثم تدخل عليه
الالف و اللام، فتقول هذا رجل السوء. و لا يقال الرجل السوء. كذا قاله الجوهري » .

144) النور، الآية: 21.

145) تقدم ذكر هذا الامر ص 141.

146) الحجرات، الآية: 13

147) السجدة، الآية 7-8.

148) معنى البيت: (لا تغتر بمالك و جمالك، فان ذاك يذهب بليلة و هذا بحمى واحدة)
.

149) و في النسخ: «و كل به » ، و رجحنا ما اثبتناه.

150) هذا الحديث صححناه على ما في احياء العلوم-3: 322-.

151) في النسخ: «يستغفر» ، : فرجحنا ما اثبتناه.

152) المؤمنون، الآية: 53.

153) الحكمة بالتحريك: ما احاط بحنكى الفرس من لجامه.

154) بمعنى جذباها.

155) صححنا الحديث على ما في احياء العلوم-ج 2 ص 329-.

156) هذا الحديث و ما قبله رواهما الكافي في باب التواضع. فصححناهما عليه

157) غافر، الآية: 35.

158) الانعام، الاية 93.

159) الاعراف، الآية: 146.

160) الزمر، الآية: 72.

161) النحل، الآية: 23.

162) غافر، الآية: 60.

163) غافر، الآية: 56.

164) روى الحديث في الكافي عن احد الصادقين-عليهما السلام-في باب الكبر، و جاء
فيه هكذا: «الكبر» بتعريف كبر.

165) صححنا الحديث على كنز العمال-ج 2 ص 107-. و الجواظ: المتكبر الجافي، و
الجعظري: الفظ الغليظ.

166) كذا في النسخ. و في نسخة احياء العلوم-ج 2 ص 290-: (نار الانيار) ، و لم نعثر
على جمع نار على انيار، و انما من جملة جموعها (نيار) .

167) غافر، الآية: 60.

168) النحل، الآية: 23.

169) النساء، الآية: 172.

170) الانعام، الآية: 53.

171) مريم، الآية: 69.

172) المؤمنون، الآية: 47.

173) ابراهيم، الآية 10.

174) المؤمنون، الآية: 34.

175) الفرقان، الآية: 21.

176) و في بعض نسخ الكافي المصححة في باب التواضع هكذا: (المجذمين) .

177) في احياء العلوم-ج 3 ص 306-هكذا: (الدقل) ، و كل من النسختين يصح به المعنى.

178) روي هذا الحديث في البحار-في الجزء الرابع من المجلد الخامس عشر ص 149
باب التواضع-عن الاحتجاج و التفسير المنسوب الى الامام العسكري (ع) .

179) الاعراف، الآية: 46.

180) الفرقان، الاية 63.

181) الشعراء الاية: 215.

182) روى هذا الحديث في البحار ايضا في الموضع المتقدم عن مصباح الشريعة.

183) هذا الحديث من نفس الحديث المتقدم عن الاحتجاج و التفسير المنسوب الى
الامام

184) في بعض نسخ الكافي في باب الفخر و الكبر زيادة كلمة (هو) .

185) الاعراف، الآية: 12. ص، الآية: 76.

186) هذا الحديث رواه في الكافي في باب الانصاف و العدل عن الباقر عليه
السلام


/ 15