جامع السعادات جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

جامع السعادات - جلد 1

محمد مهدی النراقی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



بسم الله الرحمن الرحيم


حياة المؤلف


1128-1209

هو الشيخ الجليل المولى (محمد مهدي بن ابي ذر النراقي) احد اعلام المجتهدين في
القرنين الثاني عشر و الثالث عشر من الهجرة، و من اصحاب التاليفات القيمة. و
يكاد ان يعد في الدرجة الثانية او الثالثة من مشاهير علماء القرنين.

و هو عصامى لا يعرف عن والده (ابي ذر) الا انه كان موظفا في الدولة الايرانية
بوظيفة صغيرة في قرية (نراق) ، و لولا ابنه هذا لذهب ذكره في طيات التاريخ
كملايين البشر من امثاله، و لا يعلم ما اذا كان لشيخنا النراقي اخوة، و لكن له ولد
نابه الذكر، هو المولى احمد النراقي المتوفى 1244، صاحب (مستند الشيعة) المشهور
فى الفقه، و صاحب التاليفات الثمينة، احد اقطاب العلماء في القرن الثالث عشر. و
كفاه فخرا انه احد اساتذة الشيخ العظيم المولى مرتضى الانصاري المتوفى 1281.

و لعل النراقي الصغير هذا هو من اهم اسباب شهرة والده و ذيوع صيته، لما وطي ء عقبه
و ناف عليه بدقة النظر وجودة التاليف. كما حذا حذوه في تاليفاته. فان الاب
المكرم الف في الفقه (معتمد الشيعة) . و الابن الجليل الف مستندها. و ذاك الف في
الاخلاق (جامع السعادات)

-هذا الكتاب الذي نقدمه-و هذا الف (معراج السعادة) في الفارسية.

و ذاك الف (مشكلات العلوم) و هذا الف (الخزائن) . . . و هكذا نسج على منواله و احكم
النسج.

مولده و وفاته


ولد الشيخ المترجم له-رحمه الله تعالى-في (نراق) كعراق، و هي قرية من قرى كاشان
بايران، تبعد عنها عشرة فراسخ. و كذا كانت مسقط راس ولده المتقدم الذكر. و لم
يذكر التاريخ سنة ولادته، و على التقريب يمكن استخراجها من بعض المقارنات
التاريخية، فانه تلمذ-في اول نشاته على ما يظهر-على الشيخ المحقق الحكيم المولى
اسماعيل الخاجوئي ثلاثين سنة، مع العلم ان استاذه هذا توفي عام 1173، فتكون
اول تلمذته عليه عام 1143 على اقل تقدير، اذا فرضنا انه لازمه الى حين وفاته.

و لنفرض على اقرب تقدير انه قد حضر عليه و هو في سن 15 عاما، و عليه فتكون ولادته
عام 1128، او قبل ذلك.

اما وفاته فقد كانت عام 1209 في النجف الاشرف، و دفن فيها، فيكون قد بقي بعد
وفاة استاذه الوحيد البهبهاني سنة واحدة، و يكون عمره 81 عاما على الاقل.

و في (رياض الجنة) المخطوط، تاليف السيد حسن الزنوزي المعاصر للمترجم له-حسب
نقل الاستاذ حسن النراقي-: ان عمره كان 63 سنة، فتكون ولادته سنة 1146 ه. و هذا لا
يتفق ابدا مع ما هو معروف في تاريخه: انه تلمذ على المولى اسماعيل الحاجوئي
ثلاثين سنة، لانه يكون عمره على حسب هذا التاريخ حين وفاة استاذه 27 سنة فقط.

نشاته العلمية و اساتذته


عاش شيخنا كما يعيش عشرات الآلاف من امثاله من طلاب العلم:

خامل الذكر، فقير الحال منزويا في مدرسته، لا يعرف من حاله الا انه طالب مهاجر،
و لا يتصل به الا اقرانه في دروسه، الذين لا يهمهم من شانه الا انه طالب كسائر
الطلاب، يتردد في حياة رتيبة بين غرفته و مجالس دروسه، ثم بعد ذلك لا ينكشف لهم
من حاله الا بزته الرثة التي الفوا منظرها في آلاف طلاب العلم، فلا تثير
اهتمامهم و لا اهتمام الناس.

و بطبيعة الحال لا يسجل له التاريخ شيئا في هذه النشاة، و كذلك كل طالب علم لا
يسجل حتى اسمه ما لم يبلغ درجة يرجع اليه الطلاب في التدريس، او الناس في تقليد،
او تكون له مؤلفات تشتهر. و من هنا تبتدى ء معرفة حياة الرجل العالم، و تظهر
آثاره و يلمع اسمه.

و مع ذلك، فانا نعرف عن شيخنا: ان اسبق اساتذته و اكثرهم حضورا عنده هو
المولى اسماعيل الخاجوئي المتقدم الذكر. و هذا الاستاذ كان مقره في اصفهان، و
فيها توفي و دفن، و الظاهر انه لم ينتقل عنها حتى في الكارثة التاريخية المفجعة
التي اصابتها من الافغانيين الذين انتهكوها بما لم يحدث التاريخ عن
مثلها، و ذلك سنة 1134. فتكون نشاة شيخنا المترجم له العلمية في مبدا تحصيله في
اصفهان على هذا الشيخ الجليل. و الظاهر انه عليه قرا الفلسفة، لان هذا الشيخ من
اساتذة الفلسفة المعروفين الذين تنتهي تلمذتهم في ذلك العصر الى المولى صدر
الدين الشيرازي صاحب الاسفار.

و كفى ان من تلاميذه المولى محراب، الالهي المعروف، الذي طورد لقوله بوحدة
الوجود، و لما جاء الى احدى العتبات المقدسة متخفيا. وجد في الحرم شيخا ناسكا
يسبح بلعن ملا صدرا و ملا محراب، و لما ساله عن السبب في لعنهما قال: لانهما
يقولان (بوحدة واجب الوجود) ، فقال له ساخرا:

انهما حقا يستحقان منك اللعن!

و درس ايضا شيخنا المترجم له-و الظاهر ان ذلك في اصفهان ايضا- على العالمين
الكبيرين: الشيخ محمد بن الحكيم العالم الحاج محمد زمان، و الشيخ محمد مهدي
الهرندي. و هما من اساتذة الفلسفة على ما يظهر.

و لا شك انه انتقل الى كربلاء و النجف، فدرس على الاعلام و الثلاثة:

الوحيد البهبهاني الآتي ذكره-و هو آخر اساتذته و اعظمهم، و تخريجه كان على
يديه-و الفقيه العالم صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني المتوفى 1186، و المحقق
الجليل الشيخ مهدي الفتوني المتوفى 1183.

فجملة اساتذته سبعة، سماهم ولده في بعض اجازاته على ما نقل عنه ب (الكواكب
السبعة) . و هم خيرة علماء ذلك العصر، و على راسهم الآفاة الوحيد استاذ
الاساتذة.

و لما فرغ هذا الشيخ من التحصيل في كربلا، رجع الى بلاده و استقام فى كاشان. و
هناك اسس له مركزا علميا تشد اليه الرحال، بعد ان كانت كاشان مقفرة من العلم و
العلماء، و استمرت بعده على ذلك مركزا من مراكز العلم في ايران، و ليس لدينا ما
يشير الى تاريخ انتقاله الى كاشان.

و رجع الى العراق، و توفى في النجف الاشرف و دفن فيها. و الظاهر ان مجيئه
هذا كان-و كان معه ولده-بعد استاذه الوحيد، جاء لزيارة المشاهد المقدسة فتوفى،
اما ولده فقد بقي بعده ليدرس العلم على اعلامه يومئذ، كبحر العلوم، و كاشف الغطاء.

عصره


يمضي القرن الثاني عشر للهجرة على العتبات المقدسة في العراق، بل على اكثر المدن
الشيعية في ايران التي فيها مركز الدراسة الدينية العالية -كاصفهان و شيراز و
خراسان-و تطغى فيه ظاهرتان غريبتان على السلوك الديني: الاولى: النزعة الصوفية
التي جرت الى مغالاة فرقة الكشفية.

و الثانية: النزعة الاخبارية.

و هذه الاخيرة خاصة ظهرت في ذلك القرن قوية مسيطرة على التفكير الدراسي، و تدعو
الى نفسها بصراحة لا هوادة فيها، حتى ان الطالب الدينى في مدينة كربلا خاصة اصبح
يجاهر بتطرفه و يغالي، فلا يحمل مؤلفات العلماء الاصوليين الا بمنديل، خشية ان
تنجس يده من ملامسة حتى جلدها الجاف، و كربلا يومئذ اكبر مركز علمي للبلاد الشيعية.

و في الحقيقة ان هذا القرن يمر والروح العلمية فاترة الى حد بعيد، حتى انه بعد
الشيخ المجلسي صاحب البحار المتوفى في اول هذا القرن عام 1110، لم تجد
واحدا من الفقهاء الاصوليين من يلمع اسمه و يستحق ان يجعل في الطبقة الاولى، او
تكون له الرئاسة العامة، الا من ظهر في اواخر القرن كالشيخ الفتوني الجليل في
النجف المتوفي 1183، ثم الشيخ آقا الوحيد البهبهاني في كربلا المتوفى 1208،
الذي تم على يديه تحول العلم الى ناحية جديدة من التحقيق.

و هذا الفتور العلمي، و طغيان نزعة التصوف من جهة، و نزعة الاخبارية من جهة اخرى
في هذا القرن بالخصوص، مما يدعو الى التفكير و العجب، و ليس بايدينا من المصادر
ما يكفي للجزم باسباب ذلك. و اغلب الظن ان اهم الاسباب التي نستطيع الوثوق
بها هو الوضع السياسي و الاجتماعي اللذان آلت اليهما البلاد الاسلامية في
ذلك القرن، من نحو التفكك و اختلال الامن في جميع اطراف البلاد، و الحروب
الطاحنة بين الامراء و الدول، لا سيما بين الحكومتين الايرانية و العثمانية، و
بين الايرانية و الافغانية، تلك الحروب التي اصطبغت على الاكثر بصبغة
مذهبية. و هذا كله مما يسبب البلبلة في الافكار و الاتجاهات، و ضعف الروح
العامة المعنوية.

فاوجب ذلك من جهة ضعف ارتباط رجال الدين بالحياة الواقعية، و السلطان
الزمنية. و يدعو ذلك عادة الى الزهد المغالي في جميع شؤون الحياة، و الياس من
الاصلاح. فتنشا هنا نزعة التصوف، و تتخذ يومئذ صرحا علميا على انقاض الفلسفة
الاشراقية الاسلامية المطاردة المكبوتة، التي سبق ان دعا لها انصار اقوياء،
كالمولى صدر الدين الشيرازي المتوفى عام 1050، و اضرابه و اتباعه، مع
المغالاة في افكارها. و ساند طريقة التصوف مبدئيا ان السلطة الزمنية في ايران-و
هي (سلطة الصفويين) - قامت على اساس الدعوة الى التصوف. و ظلت تؤيدها و تمدها سرا.

و من جهة اخرى يحدث رد فعل لهذا الغلو، فينكر على الناس ان يركنوا الى العقل و
تفكيره، و يلتجا الى تفسير التعبد بما جاء به الشارع المقدس بمعنى الاقتصار على
الاخبار الواردة في الكتب الموثوق بها في كل شي ء و الجمود على ظواهرها. ثم
يدعو الغلو بهؤلاء الى ادعاء ان كل تلك الاخبار مقطوعة الصدور على ما فيها من
اختلاف. ثم يشتد بهم الغلو.

فيقولون بعدم جواز الاخذ بظواهر القرآن وحده، من دون الرجوع الى الاخبار
الواردة. ثم ضربوا بعد ذلك علم الاصول عرض الجدار، بادعاء ان مبانية كلها عقلية
لا تستند الى الاخبار، و العقل ابدا لا يجوز الركون اليه في كل شي ء، ثم ينكرون
الاجتهاد و جواز التقليد. و هكذا تنشا فكرة الاخبارية الحديثة التي اول من دعا
اليها او غالى في الدعوة اليها المولى امين الدين الاسترابادي المتوفى
1033. ثم يظهر آخر شخص لهذه النزعة له مكانته العلمية المحترمة في الفقه هو صاحب
الحدائق المتقدم ذكره. و هذا الثاني-و ان كان اكثر اعتدالا من الاول و
اضرابه-كاد ان يتم على يديه تحول الاتجاه الفكري بين طلاب العلم في كربلا الى
اعتناق فكرة الاخبارية هذه.

و عند ما وصلت هذه الفكرة الاخبارية الى اوجها، ظهر في كربلاء علم الاعلام الشيخ
الوحيد الآقا البهبهاني، الذي قيل عنه بحق: مجدد المذهب على راس المائة الثالثة
عشرة. فان هذا العالم الجليل كان لبقا مفوها و مجاهدا خبيرا، فقد شن على
الاخبارية هجوما عنيفا بمؤلفاته، و بمحاججاته الشفوية الحادة مع علمائها-و قد
نقل في بعض فوائده الحائرية و رسائله نماذج منها- و بدروسه القيمة التي يلقيها على
تلامذته الكثيرين الذين التفوا حوله، و على يديه كان ابتداء تطور علم الاصول
الحديث، و خروجه عن جموده الذي الفه عدة قرون، و اتجه التفكير العلمي الى ناحية
جديدة غير مالوفة.

فانكمشت في عصره النزعة الاخبارية على نفسها، و لم تستطع ان تثبت امام قوة
حجته. و تخرج على يديه جماعة كبيرة من اعلام الامة، كبحر العلوم، و كاشف
الغطاء، و المحقق القمي، و الشيخ النراقي-المترجم له- و اشباههم.

فيبرز شيخنا المترجم له في عنفوان المعركة الاخبارية و الاصولية، و ساحتها
كربلا، و في عنفوان معركة الدعوة الى التصوف، و ساحتها اصفهان على الاكثر،
فيكون احد ابطال هاتين المعركتين، بل احد القواد الذين رفعوا راية الجهاد
بمؤلفاته و تدريسه، و ساعده على ذلك انه-رحمه الله- كان متفننا في دراسة العلوم، و
لم يقتصر على الفقه و الاصول و مقدماتهما، فقد شارك العلوم الرياضية، كالهندسة و
الحساب و الهيئة، و له مؤلفات فيها سياتي ذكرها. كما درس الفلسفه، و يظهر اثر
تضلعه في الفلسفة في كتابه هذا (جامع السعادات) ، لا سيما في الباب الاول، و في
تقسيمه لابواب الكتاب و فصوله على اساس علمي متقن برز فيه على كتاب الاخلاق
السابقة عليه من هذه الناحية. و سياتي بيان ذلك.

كما ان تاليف لهذا الكتاب بشعرنا بامرين:

(الاول) طغيان التصوف من جهة، و طغيان التفكك الاخلاقي عند العامة من جهة اخرى،
و انهما هما اللذان الجآه الى ان يرشد الناس الى الاعتدال في السلوك الاخلاقي
المستقى من منابعه الشرعية، فانه في الوقت الذي يبني كتابه على مبادي ء الفلسفة
الاشراقية، حارب فيه من طرف خفي نزعة التصوف، و جعل آراءه و دعوته الى الاخلاق على
اساس الذوق الاسلامى الذي يتمثل في الاحاديث النبوية و ما جاء عن آل
البيت-عليهم السلام- فهو في وقت واحد هادم و بان، و بهذا يختلف كتابه عن مثل
(احياء العلوم)

الذي يعتمد بالدرجة الاولى على الروح الصوفية، و هي غايته المثلى.

و (الثاني) من الامرين حسن اختيار صاحب الترجمة، فانه لم يسبقه احد من
علماء الامامية-بعد خريت هذه الصناعة ابن مسكويه المتوفى 421، و الشيخ المولى
محسن الفيض المتوفى 1091-الى تاليف كتاب كامل في الاخلاق مبني على اساس
علمي فلسفي موجود بين ايدينا.

شخصية المترجم له و اخلاقه


ان اعاظم الناس و نوابغهم لا تاتيهم العظمة و النبوغ عفوا و مصادفة، من دون قوة
كامنة في شخصيتهم او ملكه راسخة في نفوسهم، هي سر عظمتهم و تفوقهم على سائر الناس. و ما
كلمة الحظ في هذا الباب الا تعبير مبهم عن تلك القوة التي اودعها الله تعالى
في شخص النابغة. و قد تكون تلك القوة مجهولة حتى لشخص صاحبها الذي يتحلى بها، بل على
الاكثر هي كذلك، فيندفع العبقري الى تلك القمة التي خلقت له او خلق لها بدافع تلك
القوة الكامنة اندفاعا لا شعوريا، و ان اعماله الجزئية التي يقوم بها هي شعرية
بمحض اختياره.

و تلاحظ قوة شخصية شيخنا المترجم له في صبره و قوة ارادته و تفانيه في طلب العلم،
ثم عزة نفسه، و ان كانت هذه الفاظا عامة قد يعبر بها عن كثير من الناس، و يصح
التعبير بها بلا كذب و لا خداع، الا ان للدرجة الخاصة من الصبر و الارادة و الحب و
العزة و نحوها التي بها يمتاز الشخص النابغ تضيق اللغة عن التعبير عنها
بحضوصها الا بهذه الالفاظ العامة الدراجة و تظهر الدرجة الخاصة التي يختص بها
صاحبنا من هذه الامور في ثلاث حوادث منقولة عنه:

(الاولى) -فيما ينقل انه كان في ايام التحصيل في غاية الفقر و الفاقة -و الفقر
دائما شيمة العلماء، بل هو من اول شروط النبوغ في العلم، و هو الذي يصقل النفس فيظهر
جوهرا الحقيقي-فكان صاحبنا قد تشتد به الفاقة فيعجز عن تدبير ثمن السراج الذي لا
يتجاوز في عصره عن ان يكون من زيت او شمع، فيدعوه حرصه على العلم الى الدخول في
بيوت في مراحيض المدرسة، ليطالع على سارجها، و لكنه تابى عزته ان يدع غيره يشعر
بما هو فيه، فيوهم الداخلين-بالتنحنح-انه جالس للحاجة الخاصة. و تتجلى في هذه
الحادثة الصغيرة عزة نفسه و قوة ارادته و صبره على طلب العلم بدرجة غير اعتيادية
الا للنوابغ الافذاذ.

(الحادثة الثانية) -ان احد الكسبة الذي كان حانوته في طريق المدرسة بكاشان التي
كان يسكنها هذا الطالب النراقي، ان هذا الكاسب المؤمن لاحط على هذا الطالب
انه رث الثياب. و كان معجبا به، اذ كان يشتري منه بعض الحاجيات كسائر
الطلاب، فراى ان يكسبه تقربا الى الله فهيا له ملبوسا يليق بشانه، و قدمه له عند
ما اجتاز عليه، فقبله بالحاح.

و لكن هذا الطالب الابي في اليوم الثاني رجع الى رفيقه الكاسب و ارجع له هذا
الملبوس قائلا: اني لما لبسته لا حظت على نفسي ضعة لا اطيقها، لا سيما حينما اجتاز
عليك، فلم احد نفسي تتحمل هذا الشعور المؤلم، و القاه عليه و مضى معتزا بكرامته.

(الحادثة الثالثة) -فيما ينقل عنه ايضا-و هي اهم من الاولى و الثانية-انه كان
لا يفض الكتب الواردة اليه، بل يطرحها تحت فراشه مختومة، لئلا يقرا فيها ما يشغل
باله عن طلب العلم. و الصبر على هذا الامر يتطلب قوة ارادة عظيمة ليست
اعتيادية لسائر البشر. و يتفق ان يقتل والده (ابو ذر) المقيم في نراق وطنه الاصلي،
و هو يومئذ في اصفهان، يحضر على استاذه الجليل المولى اسماعيل الخاجوئي،
فكتبوا اليه من هناك بالنبا ليحضر الى نراق، لتصفية التركة و قسمة المواريث و
شؤون اخرى، و لكنه على عادته لم يفض هذا الكتاب، و لم يعلم بكل ما جرى. و لما طالت
المدة على من في نراق، كتبوا له مرة اخرى، و لكن لم يجبهم ايضا. و لما يئسوا
منه كتبوا بالواقعة الى استاذه المذكور ليخبره بالنبا و يحمله على المجى ء. و
الاستاذ في دوره-على عادة الناس-خشى ان يفاجئه بالنبا، و عند ما حضر مجلس درسه
اظهر له-تمهيدا لاخباره-الحزن و الكآبة، ثم ذكر له: ان والده مجروح، و رجح له
الذهاب الى بلاده و لكن هذا الولد الصلب القوى الشكيمة لم تلن قناته، و لم يزد ان
دعا بالعافية، طالبا من استاذه ان يعفيه من الذهاب. و عندئذ اضطر الاستاذ الى
ان يصرح له بالواقع، و لكن الولد ايضا لم يعبا بالامر، و اصر على البقاء لتحصيل
العلم. الا ان الاستاذ هذه المرة لم يجد بدا من ان يفرض عليه السفر، فسافر
امتثالا لامره المطاع، و لم يمكث في نراق اكثر من ثلاثة ايام، على بعد الشقة و
زيادة المشقة، ثم رجع الى دار هجرته. و هذه الحادثة لها مغزاها العميق في فهم
نفسية هذا العالم الالهي، و تدل على استهانته بالمال و جميع شؤون الحياة في
سبيل طلب العلم.

مولفاته


لشيخنا المترجم له عدة مؤلفات نافعة، تدل على قابلية فى التاليف و صبر على
البحث و التتبع، و على علم غزير. و نحن نعد منها ما وصل بحثنا اليه، و اكثر
اعتمادنا في تعدادها و بعض اوصافها على كتاب (رياض الجنة) المذكور في مصادر
هذه الطبعة:

(في الفقه) :

1- (لوامع الاحكام في فقه شريعة الاسلام) : و هو كتاب استدلالي مبسوط، و قد خرج
منه كتاب الطهارة في مجلدين يقرب من (30) الف بيت.

2- (معتمد الشيعة في احكام الشريعة) : هو اتم استدلالا و اخصر تعبيرا من كتاب
اللوامع السالف الذكر، خرج منه كتاب الطهارة و نبذ من الصلاة و الحج و
التجارة و القضاء. قال في الروضات عن الكتابين:

«ينقل عنهما ولده المحقق في المستند و العوائد كثيرا» .

3- (التحفة الرضوية في المسائل الدينية) : في الطهارة و الصلاة، فارسي، يقرب من (10)
آلاف بيت.

4- (انيس التجار) : في المعاملات، فارسى، يقرب من (8) آلاف بيت.

5- (انيس الحجاج) : في مسائل الحج و الزيارات، فارسي، يقرب من (4) آلاف بيت.

6- (المناسك المكية) : في مسائل الحج ايضا، يقرب من الف بيت.

7- (رسالة صلاة الجمعة) : ذكرها و ما قبلها حفيده (الاستاذ حسن النراقي) في رسالته
لنا.

(في اصول الفقه) :

8- (تجريد الاصول) : مشتمل على جميع مسائل الاصول مع اختصاره، يقرب من (3) آلاف
بيت. قال عنه في الروضات: «شرحه ولده في مجلدات غفيرة جمة » ، 9- (انس المجتهدين) :
توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الامام امير المؤمنين عليه السلام العامة
بالنجف الاشرف (برقم 408-سجل المخطوطات) ، تقع في 411 صفحة، بخط محمد حسين بن علي
نقي البزاز فرغ منها بتاريخ 3 صفر من سنة 1181. و في تقدير رياض الجنة يقرب من (10)
آلاف بيت.

10- (جامعة الاصول) : يقرب من (5) آلاف بيت.

11- (رسالة في الاجماع) : يقرب من (3) آلاف بيت.

(في الحكمة و الكلام) :

12- (جامع الافكار) : في الالهيات، يقرب من (30) الف بيت قد فرغ من تاليفه سنة
1193، و عليه فليس هو من اوائل مؤلفاته، كما قال عنه صاحب (رياض الجنة) ، و ستجد
راموزا للصفحتين الاولى و الاخيرة منه بخط المؤلف، منقولتين عن النسخة التي هي
بحرزة احد احفاده (الاستاذ حسن النراقي) . و الذي يجلب الانتباه في الصفحة
الاخيرة ما ذكره من الحوادث المروعة في الوباء و غبرة التي وقعت فى تلك
الفترة.

13- (قرة العيون) : في احكام و الوجود و الماهية، يقرب من (5) آلاف بيت، 14-
(اللمعات العرشية) : في حكمة الاشراق، يقرب من (25) الف بيت.

15- (اللمعة) : و هو مختصر اللمعات، يقرب من الفي بيت.

16- (الكلمات الوجيزة) : و هو مختصر اللمعة، يقرب من ثمانمائة بيت.

17- (انيس الحكماء) : في المعقول، و هو من اواخر تاليفاته، لم يتم. احتوى على
نبذ من الامور العامة و الطبيعيات، يقرب من (4) آلاف بيت.

18- (انيس الموحدين) : في اصول الدين، فارسي، يقرب من (4) آلاف بيت.

19- (شرح الشفا) : في الالهيات، النسخة الاصلية بخط المؤلف موجودة عند احد احفاده
(الاستاذ حسن النراقي) .

20- (الشهاب الثاقب) : في الامامة، في رد رسالة الفاضل البخاري، يقرب من (5) آلاف
بيت.

(في الرياضيات) :

21- (المستقصى) : في علوم الهيئة، خرج منه مجلدان الى مبحث اسناد الحركات. يقرب
من (40) الف بيت، قال عنه في رياض الجنة:

«لم يعمل ابسط و ادق منه في علم الهيئة، و لقد طبق فيه اكثر البراهين الهندسية
بالدلائل العقلية، لم يتم » .

22- (المحصل) : كتاب مختصر في علم الهيئة، يقرب من (5) آلاف بيت.

23- (توضيح الاشكال) : في شرح تحرير اقليدس الصوري في الهندسة، و قد شرحه الى المقالة
السابعة، فارسي، يقرب من (16) الف بيت.

24- (شرح تحرير اكرثاذوسنيوس) : يقرب من (3) آلاف بيت.

25- (رسالة في علم عقود الاناقل) : فارسية، تقرب من الف بيت.

26- (رسالة في الحساب) : ذكرها في روضات الجنات.

(في الاخلاق و المواعظ) :

27- (جامع السعادات) : هذا المطبوع بثلاثة اجزاء-حسب تقسيمنا له-قال عنه في
رياض الجنة: «يقرب من (25) الف بيت » .

و قد طبع في ايران على الحجر سنة 1312 بجزءين، و سياتي وصفه، و قد تقدم شي ء من وصفه. و
هذه الطبعة الثلاثة له على الحروف بالنجف الاشرف 28- (جامع المواعظ) : في الوعظ،
يقرب من (40) الف بيت لم يتم.

(في المتفرقات) :

29- (محرق القلوب) : في مصائب آل البيت، فارسي، يقرب من (18) الف بيت، قال عنه في
روضات الجنات: «طريف الاسلوب »

30- (مشكلات العلوم) : في المسائل المشكلة من علوم شتى، مطبوع على الحجر بايران،
يشبه بعض الشي ء كشكول البهائي. و قد نسج على منواله ولده المحقق في كتابه (الخزائن)
المطبوع على الحجر بايران.

31- (رسالة نخبة البيان) : ذكرها حفيده (الاستاذ حسن النراقي)

32- (معراج السماء) : ذكره ايضا حفيده المذكور.

جامع السعادات و علم الاخلاق


لا شك ان القدرة على التاليف موهبة من الله تعالى فوق موهبة العلم و الفهم، و
ليس كل من كان عالما استطاع التاليف.

و التاليف في حد ذاته من ابرز الخدمات التي يؤديها العالم للناس في حياته، و
من اعظم الحظوظ للانسانية، و بسببه استطاعت ان تتقدم على مرور الاجيال. و مع
ذلك ليس كل تاليف يعد خدمة للناس و حظا للانسانية.

و اذا اردنا ان نضع المؤلفات في رفوف حسب قيمتها، فانما في فترات منقطعة
تظهر مؤلفات من النوابغ يصح ان نضعها في الرف الاعلى و يصدق عليها بحق انها
مما ينفع الناس، فتمكث في الارض، و تفرض نفسها للخلود و البقاء اذا سلمت من عوادي
الدهر الغاشمة. و من سوء الحظ ان الفراغ لا يزال كثيرا في هذا الرف الاعلى.

و من بين الفترات لا بد ان تبرز في كل علم من المؤلفات هي من حقها ان توضع في
الرف الثاني او ما دونه. و حظها ان تنسج على منوال غيرها لتحييها و تهى ء
انتهاء الفترة لظهور الاثر الخالد مما يوضع في الرف الاعلى.

و هذه غير العثاء الذي يذهب جفاء، و من حقه ان يلقى في سلة المهملات و ما اكثر هذا
النوع الرخيص، لا سيما في عصرنا الحاضر الذي سهلت له الطباعة الاسفاف.

و يجب الا نغالي في مؤلفات شيخنا النراقي فنضعها في الرف الاعلى، و لكن (جامع
السعادات) الذي نقدمه، هو بالخصوص من الآثار الخالدة، و ان لم يكن موضعه هذا الرف
الاعلى كسائر الكتب الاخلاقية في الدورة الاسلامية. و لا ندري السر في ذلك، لان
الفترة بعد لم تنته لعلم الاخلاق بخصوصه كيما يظهر الاثر الخالد المنتظر الذي
سيكون في الرف الاعلى، ام لان هذا العلم ليس له تلك الفترات، بل كله في فترة
مستديمة لياس العلماء الاخلاقيين من التاثير على الناس بمجرد التاليف؟ !

و هذا الثاني هو الاقرب الى الواقع. و الحق مع الاخلاقيين في ياسهم فان
الاخلاق لا تكتسب بالعلم و قراءة الكتب، و انما هي صفات و ملكات لا تحصل للانسان
الا بالتمرينات القاسية و التربية الطويلة، لا سيما في ايام الطفولة و في
السن المبكرة قبل ان يفرض في الانسان ان يكون اهلا للقراءة، و لو كانت قراءة
الكتب وحدها كافية لخلق الفضيلة في النفس او تنميتها لكانت كتب الاخلاق من اثمن
ما خلق الله و لاغنى البشرية كتاب واحد يفي بذكر الاخلاق الفاضلة، بل لا كتفينا
بالقرآن الكريم وحده، او ينهج البلاغة بعده الذي تريد خطبه و مواعظه ان تصهر الناس
في بوتقتها الملتهبة لتخرجهم ابريزا صافيا كصاحبها، و لكن البشرية الظالمة
لنفسها بدل ان تنصهر بهذا اللهب تخبو جذوتها و تزيد جمودا علي مساوئها.

و ليس هذا الراي عن الكتب الاخلاقية فيه شي ء من المغالاة على ما اعتقد، الا اني مع
ذلك لا اظلم بعض زمرة صالحة من اهل الفتوة و ارباب القلوب الحية، اذ نجدهم
يتاثرون بالكلمة الاخلاقية الموجهة اليهم ممن يعول على قوله، و يتتبعون باخلاص
مجهودات المؤلفين في الاخلاق، ليترسموا خطاهم فيهذبوا انفسهم.

و من هنا نجد السبيل الى انصاف الاخلاقيين و اعطاء مؤلفاتهم حقها من التقدير،
لنعتقد انهم لم يعملوا عملا باطلا لا نفع فيه، بل الحق ان له قيمته العظيمة، و كفى ان
يتاثر بدعوتهم بعض فتيان كرام بررة. و هذا التاثر على قلته له قيمة معنوية لا
توازن بشي ء في الدنيا، بل سير الحياة و تقدمها يتوقف مبدئيا على هذا التاثر، و
ان كان محدودا. و ما التقدم الاجتماعى الذي يحصل في امة في بعض الفترات من
الزمن الا نتيجة من نتائج هذا الت. ثر المحدود.

و مع ذلك، فان تاثير الدعوة الاخلاقية هذا التاثير المحدود لا ياتي من مجرد
شحن الكتاب بالنظريات الاخلاقية المجردة. بل لروحية المؤلف اعظم الاثر في
اجتذاب قلوب الفتيان الكرام الى الخير. و من هنا اشترطوا في الواعظ ان يكون
متعظا.

و على هذا الاساس ينبغي ان توضع كتب الاخلاق في رفوفها، فليس للنظريات الفلسفية
و رصانة التاليف و تركيزه على المبادى ء العلمية-في نظر ارباب القلوب-تلك
الاهمية الاخلاقية التي تعلق عليها. و لا تقاس بالاثر الاخلاقي الذي يحصل من روحية
المؤلف و مقدار تاثره هو باقواله، و ما كانت شهرة (مجموعة ورام) ، و ما كانت
اهميتها الا لانها ناشئة من قلب صادق، ذلك قلب الامير الزاهد الالهي (الشيخ
ورام ابن ابي فراس المالكي الاشتري) ، و ليس فيها صفة علمية او فنية تقضي بهذا
الاهتمام.

و من العجيب ان قلب الرجل الاخلاقى يبرز ظاهرا على قلمه في مؤلفاته، فتلمسه في
ثنايا كلماته. و بالعكس ذلك الذي لا قلب له، فانك لا تقرا منه الا كلاما جافا لا
روح فيه، مهما بلغت قيمته في حساب النظريات الفلسفية.

و في نظري ان قيمة (جامع السعادات) في الروح المؤمنة التي تقراها في ثناياه اكثر
بكثير من قيمته العلمية. و اني لاتحدى قارى ء هذا الكتاب اذا كان مستعدا للخير ان
يخرج منه غير متاثر بدعوته، و هذا هو السر في اقبال الناس عليه و في شهرته، على
انه لا يزيد من ناحية علمية على بعض الكتب المتداولة التي لا نجد فيها هذا الذوق
و الروحانية. و الكتاب نفسه يكشف لنا عن نفسية المؤلف، و ما كان عليه من خلق عال و
ايمان صادق.

و اني لاؤمن ايمانا لا يقبل الشك: ان انتشار هذا الكتاب بين الناس في هذا
العصر سيكون له اثره المحسوس في توجيه امتنا نحو الخير، بعد ان نفدت طبعته
الاولى و عزت نسخته، و لا سيما ان خطباء المنابر-فيما اعتقد- ستكون لهم الحصة
الوافرة في التاثر به و نقل تاثرهم الى سواد الامة الذين هم المعول عليهم في
نهضتنا الاخلاقية المقبلة.

و هذا ما دفعني-و الله هو الشاهد علي-الى السهر على تصحيح الكتاب و تدقيقه، ليخرج
بهذه الحلقة، و ان كانت ظروفي الخاصة كادت ان تحول دون التفرغ له، لولا اني توكلت
على الله و وطنت نفسي على تجاهلها و اهمال كثير مما يجب العناية به، و الحمد لله
على توفيقه.

النواحي الفنية في الكتاب


من اهم ما يؤاخذ به كتابنا هذا، اعتماده على المراسيل في الاحاديث، و تسجيل
كل ما يرى امامه من المنقولات: غثها و سمينها، من دون اشارة الى التمييز و لا
الى المصادر، حتى نقل كثيرا عن احياء العلوم. و تعمد النقل عن مثل جامع الاخبار
و مصباح الشريعة، اللذين يشهد اسلوبهما على وضع اكثر ما فيهما. و قد وجدنا صعوبة
كبيرة في العثور على جملة من مصادر هذه المنقولات لتصحيحها، و قد يستغرق البحث
للعثور على مصدر خبر واحد اياما، كما قد يذهب البحث سدى. و ما كان يهمنا من الرجوع
الى المصادر الا تصحيح المنقولات لا اثبات مصادرها، فلذلك لا نشير في الحاشية
الى المصدر الا اذا وجدنا اختلافا في نصه في النسخ، فنقول:

صححناه على كذا مصدر. و بهذه المناسبة لا بد من الاعتراف بالجميل، فنذكر
الاستاذ الفاضل السيد عبد الرزاق المقرم بالشكر لما اعاننا عليه من الفحص عن
بعض الروايات.

و الذي يهون الخطب في هذه المؤاخذة-على ان لها قيمتها الفنية- انها لا تختص بهذا
الكتاب وحده من بين كتب الاخلاق الاسلامية، بل هذا ديدنها، و كان هم اصحابها
من الاستشهاد بالمنقولات نفس اداء الفكرة فاذا كانت بحسب نظرهم صحيحة مقبولة في
نفسها فلا يجب عندهم ان يكون الحديث الذي يتضمنها صحيحا مقبولا في عرف اهل
الحديث، فاذا قال المحدث: «قال النبي و الامام كذا» ، يعني بذلك ان هذا القول
ثابت بالنقل الصحيح الموثوق به، و الا فيقول «روى عنه كذا» او ما يشبه ذلك اما
الاخلاق فلا يعني بذلك القول الا انه مروي عنه باي طريق كان.

و لعل لهذا التسامح عذرا مقبولا في مذهبهم على ما قدمنا، لو لم تكن فيه اساءة
الى امانة النقل في اهم تراث اسلامي ديني، في حين كان من الممكن تحشيها بقليل من
التحقيق و البحث، على ان في الثابت الصحيح عن آل البيت-عليهم السلام-ما فيه
الكفاية للالمام بنواحي الاخلاق المطلوبة، و ما في (الكافي) كاف وحده في هذا
الباب. و كنا نتمنى -اثناء التصحيح-على صاحب كتابنا هذا الا يتبع هذه العادة
عهند الاخلاقيين، فيزيد على فائدته الاخلاقية فائدة اخرى في تحقيق الاحاديث
الصحيحة.

اما اسلوب الكتاب الادبي، فهو يمثل الى حد ما عصره الذي ضعفت فيه اللغة الى حد
كبير، بالرغم على ان الفلاسفة الاشراقيين اشتهروا في تلك العصور بحسن البيان
و قوة الاسلوب، لا سيما في العصر السابق على عصر المؤلف، كالسيد الداماد العظيم
المتوفى 1041، و تلميذه النابغة الجليل المولى صدر المتقدم ذكره، حتى كان
يسمى الاول: امير البيان، و لعل الثاني احق بهذا اللقب. غير ان صاحبنا لا يحسب
في عداد الفلاسفة و ان ارتشف من منهلهم. على انه كان يقتبس كثيرا نص عبارات غيره
استراحة اليها.

و هذه سنة مستساغة عند المؤلفين الاخلاقيين، و كان كتبهم يجدونها مشاعة بين
الجميع، او لان همهم اداء الفكرة كما كان عذرهم في مراسيل الاحاديث.

و بهذه المناسبة نقول: انا وجدنا اثناء تصحيح الكتاب كثيرا من الالفاظ و
العبارات مما لم نجد له مسوغا من اللغة العربية، ككلمة (القادسة)

و (الهلاكة، ففضلنا ان نبقيها على ما وجدناها، حرصا على امانة النقل، و اهملنا
التنبيه عليها، و مثل كلمة (سيما) فضلنا ان نصححها و نضع كلمه (لا) بين قوسين
اشارة الى زيادتها منا.

و اذا كانت امانة النقل هي العذر لنا في ذلك، فهي التي تقضي علينا ان نصرح ان
عناوين الكتاب على الاكثر هي من وضعنا لا من وضع المؤلف.

و اما اسلوبه العلمي، ففد بناه مؤلفه من اوله الى آخره على نظرية الوسط و
الاطراف في الاخلاق، تلك النظرية الموروثة من الفلسفة اليونانية و قد بحث عنها
المؤلف في (الجزء الاول ص 59) . و ليس من حقنا ان نناقشها، و لا يمتاز بها هذا
الكتاب وحده، فان شانه في الاعتماد على هذه النظرية الاساسية شان ساير كتب
الاخلاق الاسلامية العلمية.

و لكن الذي المتاز به كتابنا-بعد ان بحث مؤلفه بحثا فلسفيا متوسطا عن النفس و
قواها، و الخير و السعادة، و الفضائل و الرذائل، في البابين الاول و الثاني،
كما صنع اسلافه-ان جعل اساس تقسيمه للكتاب على القوى الثلاث: العاقلة و الشهوية و
الغضبية، و معللا ذلك بان «جميع الفضائل و الرذائل لا تخرج عن التعلق بالقوى
الثلاث » (1 66) . و ذكر لكل قوة ما يتعلق بها من اجناس الفضائل و الرذائل منفردة و
منضمة الى الاخرى ثم ذكر انواعها، و استقصى ذكر الانواع، مطبقا على كل نوع
نظرية الوسط و الاطراف، فجاء في استقصائه و الحاقه كل فضيلة و رذيلة بالقوة
التي تتعلق بها، بما لم يجي ء به غيره و لم بسبقه اليه احد فيما نعلم، و هو نفسه
ادعى ذلك فقال: «ان احصاء الفضائل و الرذائل و ضبطهما، و ادخال البعض في البعض،
و الاشارة الى القوة الموجبة لها على ما فصلناه، مما لم يتعرض له علماء الاخلاق »
(1 71) .

و هذه اهم ناحية فنية في الكتاب، و فتح جديد في تحقيق منشا حدوث خلق الفضيلة و
الرذيلة، لو اتفق لغيره ان يترسم خطاه، و يتم ما فتحه من هذا الباب من
التحقيق، لتقدم على يديه علم الاخلاق كبيرا. و على اساس تحقيقه هذا اسقط فضيلة
العدالة من حسابه، فلم يجعلها جنسا مقابلا لاجناس الفضائل الثلاث الاخرى، و هي
الحكمة و العفة و الشجاعة، باعتبار ان العدالة جامعة لجميع الكمالات باسرها، لا
انها في مقابلها، و قد فصل هذا الراي في الباب الثاني، و لا اظن احدا يقره عليه، و
لا يثبت امام النقد. و لكن هذه المقدمة تضيق عن مثل هذه الابحاث الدقيقة، كما تضيق
عن مقارنة هذا التاليف بالمؤلفات الاخلاقيه الاخرى. و قصدنا ان هذا التقسيم
من المؤلف، و ارجاع الفضائل و الرذائل الى اسبابها، و جعل مواضيع الابحاث تلك
القوى، و احصاء انواع الاخلاق بنوعيها و لوازمها، كل ذلك مستجد و هي طريقة علمية
امتاز بها الكتاب.

تصحيح الكتاب و مراجعه


و عدت الاخ الفاضل الالمعي السيد محمد كلانتر، ناشر الكتاب و ملتزمه تصحيحا و
تعليقا-جزاه الله خير ما يجزى العاملون-: على الاشتراك معه و اعانته على تدقيق و
تحقيق هذا السفر الجليل و تصحيحه ايضا عند الطبع، اذا توفق لتهيئة ما يلزم
لطبعه، و ذلك قبل سنتين. و شاء التوفيق ان يحقق هذه الامنية، فلم اجد للتخلي عن
الوفاء بالوعد سبيلا مهما كلفني الامر. و يعجبني من هذا الرجل صبره و جلده على
المشاق في سبيل نشره، باعتباره احد الكتب التى يجب احياؤها في هذا العصر، و
هذا منه احد شواهدي على تاثر الفتيان الكرام الابرار بهذا السفر الاخلاقي. و قد
شاهدت صبره لاول مرة في ايران في صيف العام الماضي، لما اشترك هو و اللامة
الاخ بالروح الشيخ محمد شيخ الشريعة، في تصحيح قسم من الكتاب على النسخة المخطوطة
الآتي ذكرها في المراجع رقم 2 الى حد ص 176 من الجزء الاول من هذا المطبوع،
فاودعا في التعليقة آراءهما القيمة في تحقيقه و تصحيحه. و لئن عدنا في التصحيح من
اوله لما استقبلت المطبعة النسخة للطبع، فانا اعتمدنا كثيرا على تلك
التحقيقات القيمة الماضية.

و لا ننسى ان نذكر ان للنسخة المطبوعة في ايران على الحجر، فيها من التحريف و
التصحيف ما يذهب بالاطمئنان اليها، و يشوه المقصود و المعنى. و من الغريب ان
نجد التحريف حتى في الآيات القرآنية و الاحاديث الشريفة. اما تذكير المؤنث و
تانيث المذكر، و تشويه الاملاء و التبويب، فهذه امور حدث عنها و لا حرج. و يكفي
ان تقارن صفحة واحدة منها بمطبوعنا، لتعرف اي مجهود بذل للتصحيح و الاخراج، و
تجد العناية على كل سطر منه، بل كل كلمة.

و من سوء الحظ، ان النسخة المخطوطة المرجع رقم (2) لم تكن اكثر حظا في الصحة من
اختها المطبوعة. و هذا ما دعانا الى ان نرجع الى كتب اخرى تمت بالموضوع بصلة
لتحقيق الكتاب، كالكتب الاخلاقية و كتب الحديث. و اكثر ما كان يعنينا تصحيح
الاحاديث الشريفة بالرجوع الى مصادرها الذي جشمنا بحثا مضنيا كان يستغرق
اكثر اوقاتنا، و قد نذكر احيانا في التعليقة المصدر المرجوع اليه، و على الاكثر
لا نذكر المرجع الا عند ما يكون مخالفا لنسخ الكتاب. و يحسن الآن ان نذكر اهم
المراجع التي اعتمدنا عليها لتصحيح الكتاب، و هي:

1-النسخة من الكتاب-المشار اليها آنفا-المطبوعة على الحجر بايران سنة 1312.

2-النسخة المخطوطة منه التي تفضل بها شيخنا الحجة الشيخ محمد محسن الشهير ب (آغا
بزرگ) مؤلف الذريعة، و قد نسخت سنة 1208. و نعبر عنها في التعليقة ب (نسختنا الخطية) .
3-النسخة المخطوطة منه في مكتبة سپه سالار بطهران. و لا يحضرنا الآن تاريخ نسخها و
رقمها في المكتبة. و قد قوبلت النسخة الى حد صفحة 176 من الجزء الاول.

4-النسخة المطبوعة، التي يملكها الخطيب السيد جواد شبر، و فيها بعض التقييدات
و التصحيحات.

5-احياء العلوم-للشيخ ابي حامد الغزالي.

6-احياء الاحياء-المجلد الرابع المطبوع في ايران على الحجر سنة 1326، للشيخ
المولى محسن الفيض الكاشاني.

7-نسخة اصول الكافي-المخطوطة سنة 1103، في مكتبة منتدى النشر برقم (446) ، و هي نسخة
ظاهر عليها التصحيح و دقة المقابلة على نسخ صحيحة.

8-نسخة اصول الكافي-المخطوطة التي تحت تصرفنا.

9-فروع الكافي-المطبوع بالحجر سنة 1315، و هو من المطبوعات الحجرية الصحيحة،
10-الوسائل-المطبوعة سنة 1323، المعروفة بطبعة عين الدولة.

11-البحار-المجلد 15 بجميع اجزائه الاربعة، المطبوع على الحجر.

12-كنز العمال-المطبوع بحيدر آباد دكن سنة 1312. 13-مستدرك الوسائل-للشيخ المحدث
النوري، المطبوع على الحجر سنة 1319.

14-الوافي-للشيخ المولى محسن الفيض، المطبوع على الحجر سنة 1325. و هو من
المطبوعات الحجرية الصحيحة.

15-سفينة البحار-المطبوع على الحجر بالنجف الاشرف سنة 1352للمحدث الثقة
الجليل الشيخ عباس القمي.

16-جامع الاخبار-المطبوع بالهند على الحجر.

17-مصباح الشريعة-المطبوع بالهند على الحجر، و هذه غير المراجع التي رجعنا
اليها نادرا: كمجموعة الشيخ ورام، و الحقائق للفيض، و مجمع البحرين للشيخ فخر
الدين الطريحي، و نهاية ابن الاثير. . . و نحوها كثير لا فائدة في احصائه. و هذه
المراجع هي التي روجعت لتصحيح اجزاء الكتاب، و الله تعالى هو الموفق للصواب.

و يجب الا ننسى في الختام شكر الشيخ عبد الهادي الاسدي على جهوده التي بذلها في
تصحيح الكتاب عند الطبع، و الاشتراك في مقابلة النسخة الاصلية و تدقيقها، جزاه الله
خير ما يجزي العالمين.

النجف الاشرف محمد رضا المظفر 20 رجب 1368 ه

مراجع البحث في الترجمة:


1- (روضات الجنات) : للسيد محمد باقر الخوانساري، المطبوع بايران على الحجر سنة
1316، 2- (الروضة البهية) : للسيد محمد شفيع الحسيني، المطبوع بايران على الحجر.

3- (اعيان الشيعة) : للسيد محسن الامين-الطبعة الاولى-في ترجمة الشيخين: احمد
النراقي و اسماعيل الخاجوئي.

4- (مستدرك الوسائل) : -الجزء الثالث-للمحدث ميرزا حسين النوري.

5- (الذريعة) : للشيخ محمد محسن الشهير بآغا بزرگ الطهراني.

6- (الاسناد المصفي) : له ايضا. المطبوع بالنجف الاشرف سنة 1356.

7- (رياض الجنة) : المخطوط، للسيد حسن الزنوزي المعاصر للمؤلف، و من تلامذة
الوحيد البهبهاني، نسخة منه محفوظة بخزانة الحاج حسين آغا ملك العامة بطهران
تحت رقم (4380) . و قد اعتمدنا عليها في تجديد النظر في الترجمة سنة 1383، على ما نقله
لنا عنها مكاتبة احد احفاد المترجم له (الاستاذ حسن النراقي) . و اكثر ما
اعتمدنا على هذا المصدر في تعداد مؤلفات المترجم له.

8- (قصص العلماء) : للميرزا محمد بن سليمان التنكابني، المطبوع على الحجر بطهران.

ملاحظة:


في سفرتي الاخيرة الى ايران في العام الماضي-لامور تخص:

(جامعة النجف الدينية)


-التقيت مع الاخ الاستاذ (حسن النراقي) -دام ظله-من احفاد المؤلف-قدس سره-، جرى
الحديث معه حول شيخنا المؤلف و عظمته.

فاراني الاخ النراقي نموذجا من خطوط المؤلف الراقية، فجذبني حسن الخط و
روعته، و لا سيما تلكم الصفحات من كتاب.

(جامع الافكار و ناقد الانظار)


ففكرت في طبع نموذج الصفحة الاولى و الاخيرة من الكتاب المذكور تثبيتا
لعظمة ناحية اخرى من نواحي حياة المؤلف المليئة بجلائل الفنون الروائع. و قد ابدى
الاستاذ النراقي موافقته على ذلك في اطار من التبجيل الصادق و الادب. . .
مما يخص نفسيته الواسعة.

فشكرا له و تقديرا.

السيد محمد كلانتر نموذج الصحفة الاولى من كتاب (جامع الافكار و ناقد
الانظار) بخط المؤلف (قده)

(جامع الافكار و ناقد الاتظار)


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي دل على ذاته بذاته و تجلى لخلقه ببدايع
مصنوعاته، اظهر من عجائب قدرته ما حير ثواقب العقول و الافهام، و ابرز من
غرائب عظمته ما بهر نوافذ المدارك و الاوهام خرق علمه باطن غيب السترات و
احاط بغموض عقائد السريرات، و الصلاة على مهابط المعارف و الاسرار و وسائط
الفيوضات و الانوار، من الانبياء المكرمين الاخيار و خلفائهم الراشدين
الاطهار.

و بعد فيقول اضعف المحتاجين: مهدي بن ابي ذر النراقي-نور الله قلبه بنور اليقين و
جعله من الصادقين المقربين-: هذا يا اخواني ما اردتم من اصول المعارف
الحقيقية و جوامع العقائد اليقينية: من العلم بالله و صفات كماله و معرفة اسمائه و
نعوت جلاله، و ما يتلوهما من المباحث الالهية العالية و المطالب الحقة
المتعالية مما يرتقى به الى منازل الاخيار و يعرج به الى عوالم العقول و
الانوار، و يتوجه به الى شطر كعبة الملكوت و يسلك به الى صقع عالم الجبروت. و
قد بعث الله السفراء لاجله، و انعقد اجماع الامة على وجوب اخذه، فيلزم على الكل حمله
و لا يسع لاحد جهله، و اسال الله ان يجعله خالصا لوجهه و يحرسه عن غير اهله، و
لاشتماله على جمع الافكار الالهية و نقدها، سيما ما تعلق بالشرح الجديد للتحريك
من الحواشي، و سميته ب (جامع الافكار و ناقد الانظار) و رتبته على مقدمات و
مقالات.

المقدمة الاولى-في ابطال ترجح المساوي و المرجوح و ترجيحهما.

بيان الاول: ان معنى المساوات كون شيئين في مرتبة واحدة بالنظر الى ثالث، و
معنى المرجوحية كون الشيئين احدهما ابعد من الاخر، و الراجحية كونه اقرب منه،
فلو ترجح المساوى او المرجوح لزم التناقض. نموذج الصفحة الاخيرة من كتاب
(جامع الافكار و ناقد الانظار) بخط المؤلف (قده) و بعد ما ثبت ان
الواجب-سبحانه-صرف الوجود و محض الوجود و ليس فيه نقص و لا ممازجة، و انه ليس
جسما و جسمانيا، ثبت معه نفي التحيز و الجهة و الحلول و الاتحاد و الالم و
اللذة المزاجية عنه سبحانه، و بذلك تم مباحث الصفات السلبية، و هو آخر ما
اردنا ايراده في هذا الكتاب و الحمد لله على تاييده على الاتمام، و الصلاة على
سيد الانام و على عترته امنآء الاسلام و وقع اتمامه في اول يوم من شهر ربيع
الاول من سنة 1193-ثلاث و تسعين و مائة بعد الالف من الهجرة المباركة
النبوية-و قد كان ذلك عند تراكم الهموم و الاحزان و تفاقم الغموم و الاشجان،
و فرط الملال و ضيق البال، من هجوم المصائب و المحن و تواتر النوائب و
الفتن، من ابتلائنا اولا في بلدة كاشان-حماها الله عن طوارق الحدثان-بالزلازل
الهائلة المفزعة و الرجفات المزعزعة المزعجة، و انهدام جميع الابنية و المساكن و
جل البيوت و المواطن، و هلاك كثير من الاصدقاء و الاحباب و ذهاب غير واحد من
الاحبة و الاصحاب، ثم ابتلائنا بالامراض الشديدة الغريبة و الاسقام الوبائية
العجيبة، بعد ارتحالنا لعدم السكنى و غيره من اختلال الامور الى بعض القرى، و
احتراق فؤادي بذهاب بعض اولادي الذي تقر به عيني في ظلمات الاحزان و الهموم و
يسكن الله قلبي عند اضطرابه من هجوم الاشجان و الغموم ثم وقوعنا في الداهية
العظمى و الفتنة الكبرى: اعني موت السلطان و وقوع الاضطراب و الوحشة بين اهل
ايران. فاحمد الله على السراء و الضراء و الشدة و الرخاء و العافية و البلاء، و
نساله ان يكون ذلك آخر الرزايا و المصائب و خاتمة البلايا و النوائب، و ان
يصلح جميع امور المسلمين بمحمد و آله سادات الخلق اجمعين.


/ 15