جامع السعادات جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

جامع السعادات - جلد 1

محمد مهدی النراقی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





الباب الاول في المقدمات



انقسام حقيقة الانسان و حالاته بالاعتبار-تجرد النفس و بقاؤها- التذاذ النفس
و تالمها-فضائل الاخلاق و رذائلها-الاخلاق الذميمة تحجب عن المعارف-حصول
الملكات بتضاعف الاعمال-العمل نفس الجزاء- القول يتجسد الاعمال و
الملكات-المضادة بين الدنيا و الآخرة-للجبلة و المزاج دخل في جودة الملكات و
رداءتها-حقيقة الخلق و ماهية الملائكة- الاقوال في تبدل الاخلاق و الملكات-شرف علم
الاخلاق-تعريف النفس و اساميها باختصلاف الاعتبارات-في الاشارة الى
اعتبار مدافعة القوى الاربع-انقهار النفس بتسخير القوة العالية-اختلاف
الصفات يوجب اختلاف النفوس-ائتلاف حقيقة الانسان من الجهات المتقابلة- حقيقة
الخير و السعادة-و الجمع بين الاقوال المختلفة فيها-شرائط حصول السعادة-غاية
ما يمكن الوصول اليه من السعادة-تقسيم اللذات و الآلام- اللذة في الحقيقة هي
العقلية دون الحسية-ايقاظ فيه موعظة و نصيحة- التنبيه على ان الفائت لا يتدارك.


فصل


(انقسام حقيقة الانسان و حالاته بالاعتبار)


اعلم ان الانسان منقسم الى سر و علن، و روح و بدن و لكل منهما منافيات و ملائمات، و
آلام و لذات، و مهلكات و منجبات.


و منافيات البدن و آلامه هي الامراض الجسمانيه. و ملائماته هي الصحة و
اللذات الجسمانية. و المتكفل لبيان تفاصيل هذه الامراض و معالجاتها هو علم
الطب. و منافيات الروح و آلامه هي رذائل الاخلاق التي تهلكه و تشقيه، و صحته
رجوعه الى فضائلها التي تسعده و تنجيه و توصله الى مجاورة اهل الله و مقربيه. و
المتكفل لبيان هذه الرذائل و معالجاتها هو (علم الاخلاق) .


ثم ان البدن مادي فان، و الروح مجرد باق، فان اتصف بشرائف الصفات كان في
البهجة و السعادة ابدا، و ان اتصف برذائلها كان في العذاب و الشقاوة مخلدا، و لا
بد لنا من الاشارة الى تجرده و بقائه بعد خراب البدن ترغيبا للطالبين على السعي
في تزكيته و حفظه عن الشقاوة الابدية.


فصل


(في تجرد النفس و بقائها)


لا ريب في تجرد النفس و بقائها بعد مفارقتها عن البدن. اما الاول (و المراد به
عدم كونها جسما و جسمانية) فيدل عليه وجوه:


(منها) ان كل جسم لا يقبل صورا و اشكالا كثيرة لزوال كل صورة او شكل فيه بطريان
مثله، و النفس تقبل الصور المتعددة المختلفة من المحسوسات و المعقولات من دون ان
تزول الاولى بورود الاخرى، بل كلما قبلت صورة ازدادت قوتها على قبول الاخرى، و
لذلك تزيد القوة على ادراك الاشياء بالرياضيات الفكرية و كثرة النظر، فثبت عدم
كونها جسما.


و (منها) ان حصول الابعاد الثلاثة للجسم لا يتصور الا بان يصير طويلا عريضا
عميقا و حصول الالوان و الطعوم و الروائح له لا يتصور الا بان يصير ذا لون و
طعم و رائحة و هي تحصل للنفس و قوتها الوهمية بالادراك من غير ان تصير كذلك، و ايضا
حصول بعضها للجسم يمنع من حصول مقابله له، و لا يمنع ذلك في النفس بل تقبلها كلها
في آن واحد على السواء.


و (منها) ان النفس تلتذ بما لا يلائم الجسم من الامور الالهية و المعارف
الحقيقية، و لا تميل الى اللذات الجسمية و الخيالية و الوهمية، بل تحن ابدا الى
الابتهاجات العقلبة الصرفة التي ليس في الجسم و قواه فيها نصيب، و هذا اوضح
دليل على انها غيرهما، اذ لا ريب في ان ما يحصل لبعض النفوس الصافية عن شواتب
الطبيعة من البهجة و السرور بادراك العلوم الحقة الكلية و الذوات المجردة
النورية القدسية، و بالمناجاة و العبادة و المواظبة على الاذكار في الخلوات مع
صفاء النيات لا مدخلية للجسم فيها و قواه الخيالية و الوهمية و غيرهما، اذ النفس قد
تغفل في تلك الحالة عنها بالكلية، و ربما استغرقت بحيث لا تشعر بالبدن و لا تدري ان
لها بدنا فكانها منخلعة عنه، فهذا يدل على انها من عالم آخر غير عالم الجسم و
قواه، اذ التذاذهما منحصر بالملائمات الجزئية التي تدركها الحواس الظاهرة و
الباطنة.


و (منها) ان النفس تدرك الصور الكلية المجردة فتكون محلا لها، و لا ريب في ان
المادي لا يكون محلا للمجرد اذ كل مادي ذو وضع قابل للانقسام، و كون المحل ذا وضع
قابل للانقسام يستلزم ان يكون حاله ايضا كذلك كما ثبت في محله، و المجرد لا
يمكن ان يكون كذلك و الا خرج عن حقيقته، فالنفس لا تكون مادية و اذا لم تكن مادية
كانت مجردة لعدم الواسطة. و (منها) ان القوى الجسمية الباطنية لا تكتسب
العلوم الا من طريق الحواس الظاهرة اذ ما لم يدرك الشي ء بها لم تتمكن الحواس
الباطنة ان تدركه و هذا وجداني و ضروري. و النفس قد تدرك ما لا طريق لشي ء من الحواس
الى ادراكه كالامور المجردة و المعاني البسيطة الكلية، و اسباب الاتفاقات و
الاختلافات التي بين المحسوسات، و الضرورة العقلية قاضية بانه لا مدخلية لشي ء من
الحواس في ادراك شي ء من ذلك.


و ايضا نحكم بانه لا واسطة بين النقيضين، و هذا الحكم غير ماخوذ من مبادي ء حسية
اذ لو كان ماخوذا منها لم يكن قياسا اوليا، فمثله ماخوذ من المبادي ء الشريفة
العالية التي تبني عليها القياسات الصحيحة.


و ايضا هي حاكمة على الحس في صدقه و كذبه و قد تخطئه في افعاله و ترد عليه احكامه
كتخطئته للبصر فيما يراه اصغر مما هو عليه في الواقع او بالعكس، و فيما يراه
مستديرا و هو مربع، او مكسورا و هو صحيح، او معوجا و هو مستقيم، او منكوسا و هو
منتصب، او مختلفا في وضعه الواقعي، و في رؤيته للاشياء المتحركة على الاستدارة
كالحلقة و الطوق، و كتخطئته للسمع فيما يدركه في المواضع الصقيلة المستديرة عند
الصدى، و للذوق في ادراكه الحلو مرا و مثله، كذا الحال في الشم و اللمس، و لا ريب
في ان تخطئة النفس الحواس في هذه الادراكات و حكمها بما هو المطابق للواقع انما
يكون مسبوقا بالعلم الذي لا يكون ماخوذا من الحس، لان الحاكم على الشي ء اعلى
رتبة منه فلا يكون علمه الذي هو مناط الحكم ماخوذا عنه.


و مما يؤكد ذلك انها عالمة بذاتها و بكونها مدركة لمعقولاتها. و معلوم ان هذا
العلم ماخوذ من جوهرها دون مبادى ء اخر.


و (منها) انا نشاهد ان البدن و قواه يضعفان في افعالهما و آثارهما، و النفس تقوى
في ادراكاتها و صفاتها، كما في سن الكهولة، او يكونان قويين في الافعال مع
كونها ضعيفة فيها كما في سن الشباب، فلو كانت جسما او جسمانيا لكانت تابعة
لهما في الضعف و القوة.


(فان قلت) الادراك و سائر الصفات الكمالية للنفس يضعف او يختل بضعف البدن او
اختلاله كما نشاهد في المشايخ و المرضى و تجردها ينافي ذلك.


(قلنا) الضعف او الاختلال انما يحدث في الادراك و الافعال المتعلقة بالقوى
الجسمية، و اما ما يحصل للنفس بجوهرها او بواسطة القوى الجسمية بعد صيرورته ملكة
لها فلا يحصل فيه اختلال و ضعف، بل يصير ظهوره اشد و تاثيره اقوى.


و اما الثاني اعني بقائها بعد المفارقة عن البدن فالدليل عليه بعد ثبوت تجردها
ان المجرد لا يتطرق اليه الفساد لانه حقيقة و الحقيقة لا تبيد كما صرح به المعلم
الاول و غيره، و وجهه ظاهر.


فصل


(في بيان تلذذ النفس و تالمها)


اذا عرفت تجرد النفس و بقاءها ابدا، فاعلم انها ملتذة متنعمة دائما او معذبة
متالمة كذلك. و التذاذها يتوقف على كمالها الذي يخصها، و لما كانت لها قوتان:
النظرية و العملية، فكمال القوة النظرية الاحاطة بحقائق الموجودات بمراتبها و
الاطلاع على الجزئيات غير المتناهية بادراك كلياتها. و الترقي منه الى معرفة
المطلوب الحقيقي و غاية الكل حتى يصل الى مقام التوحيد و يتخلص عن وساوس الشيطان
و يطمئن قلبه بنور العرفان. و هذا الكمال هو الحكمة النظرية.


و كمال القوة العملية التخلى عن الصفات الردية و التحلي بالاخلاق المرضية ثم
الترقي منه الى تطهير السر و تخليته عما سوى الله سبحانه. و هذا هو الحكمة
العملية التي يشتمل هذا الكتاب على بيانها.


و كمال القوة النظرية بمنزلة الصورة و كمال القوة العملية بمنزلة المادة، فلا يتم
احدهما بدون الآخر، و من حصل له الكمالان صار بانفراده عالما صغيرا مشابها
للعالم الكبير، و هو الانسان التام الكامل الذي تلالا قلبه بانوار الشهود و
به تتم دائرة الوجود.


فصل


(في فضائل الاخلاق و رذائلها)


فضائل الاخلاق من المنجيات الموصلة الى السعادة الابدية، و رذائلها من
المهلكات الموجبة للشقاوة السرمدية، فالتخلي عن الثمانية و التحلي بالاولى من
اهم الواجبات. و الوصول الى الحياة الحقيقية بدونهما من المحالات، فيجب
على كل عاقل ان يجتهد في اكتساب فضائل الاخلاق التى هي الاوساط (1)


المثبتة من صاحب الشريعة و الاجتناب عن رذائلها التي هي الاطراف، و لو قصر
ادركته الهلاكة الابدية، اذ كما ان الجنين لو خرج عن طاعة ملك الارحام
المتوسط في الخلق لم يخرج الى الدنيا سويا سميعا بصيرا ناطقا كذلك من خرج عن
طاعة نبي الاحكام المتوسط في الخلق لم يخرج الى عالم الآخرة كذلك.


«و من كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى و اضل سبيلا» (2) .


ثم ما لم تحصل التخلية لم تحصل التحلية و لم تستعد النفس للفيوضات القدسية، كما ان
المرآة ما لم تذهب الكدورات عنها لم تستعد لارتسام الصور فيها، و البدن ما
لم تزل عنه العلة لم تتصور له افاضة الصحة، و الثوب ما لم ينق عن الاوساخ لم يقبل
لونا من الالوان، فالمواظبة على الطاعات الظاهرة لا تنفع ما لم تتطهر النفس
من الصفات المذمومة كالكبر و الحسد و الرياء، و طلب الرياسة و العلى و ارادة
السوء للاقران و الشركاء، و طلب الشهرة في البلاد و في العباد، و اي فائدة في
تزيين الظواهر مع اهمال البواطن، و مثل من يواظب على الطاعات الظاهرة و
يترك تفقد قلبه كبئر الحش (3) ظاهرها جص و باطنها نتن، و كقبور الموتى ظاهرها مزينة و
باطنها جيفة، او كبيت مظلم وضع السراج على ظاهره فاستنار ظاهره و باطنه مظلم، او
كرجل زرع زرعا فنبت و نبت معه حشيش يفسده فامر بتنقية الزرع عن الحشيش بقلعه عن
اصله فاخذ يجز راسه و يقطعه فلا يزال يقوى اصله و ينبت، فان الاخلاق المذمومة في
القلب هي مغارس المعاصي فمن لم يطهر قلبه منها لم تتم له الطاعات الظاهرة، او
كمريض به جرب و قد امر بالطلاء ليزيل ما على ظهره و يشرب الدواء ليقلع مادته من
باطنه فقنع بالطلاء و ترك الدواء متناولا ما يزيد في المادة فلا يزال يطلي الظاهر و
الجرب يتفجر من المادة التي في الباطن.


ثم اذا تخلت عن مساوى ء الاخلاق و تحلت بمعاليها على الترتيب العلمي استعدت
لقبول الفيض من رب الارباب، و لم يبق لشدة القرب بينهما حجاب، فترتسم فيها
صور الموجودات على ما هي عليها، على سبيل الكلية اي بحدودها و لوازمها الذاتية
لامتناع احاطتها بالجزئيات من حيث الجزئية، لعدم تناهيها، و ان علمت في ضمن
الكليات لعدم خروجها عنها، و حينئذ يصير (4) موجودا تاما ابدي الوجود سرمدي البقاء،
فائزا بالرتبة العليا، و السعادة القصوى، قابلا للخلافة الالهية و الرئاسة المعنوية،
فيصل الى اللذات الحقيقية، و الابتهاجات العقلية التي ما راتها عيون
الاعيان، و لم تتصورها عوالي الاذهان.


فصل


(الاخلاق الذميمة تحجب عن المعارف)


الاخلاق المذمومة هي الحجب المانعة عن المعارف الالهية، و النفحات القدسية اذ
هي بمنزلة الغطاء للنفوس فما لم يرتفع عنها لم تتضخ لها جلية الحال اتضاحا، كيف و
القلوب كالاواني فاذا كانت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء فالقلوب المشغولة
بغير الله لا تدخلها معرفة الله و حبه و انسه، و الى ذلك اشار النبي صلى الله
عليه و آله و سلم بقوله: «لو لا ان الشياطين يحرمون الى قلوب بني آدم لنظروا الى
ملكوت السماوات و الارض » فبقدر ما تتطهر القلوب هن هذه الخبائث تتحاذى شطر
الحق الاول (5) و تلالا فيها حقائقه كما اشار اليه صلى الله عليه و آله: «ان لربكم
في ايام دهركم نفحات الا فتعرضوا لها» فان التعرض لها انما هو بتطهير
القلوب عن الكدورات الحاصلة عن الاخلاق الردية (6) فكل اقبال على طاعة و اعراض عن
سيئة يوجب جلاء و نورا للقلب يستعد به لافاضة علم يقيني، و لذا قال سبحانه:


«و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (7) .


و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم »
فالقلب اذا صفى عن الكدورات الطبيعية بالكلية يظهر له من المزايا الالهية و
الافاضات الرحمانية ما لا يمكن لاعاظم العلماء كما قال سيد الرسل: «ان لي مع الله
حالات لا يحتملها ملك مقرب و لا نبي مرسل » .


و كل سالك الى الله انما يعرف من الالطاف الالهية و النفحات الغيبية ما ظهر
له على قدر استعداده، و اما ما فوقه فلا يحيط بحقيقته علما لكن قد يصدق به ايمانا
بالغيب كما انا نؤمن بالنبوة و خواصها و نصدق بوجودهما و لا نعرف حقيقتهما كما
لا يعرف الجنين حال الطفل و الطفل حال المميز و المميز من العوام حال العلماء
و العلماء حال الانبياء و الاولياء.


فالرحمة الالهية بحكم العناية الازلية مبذولة على الكل غير مضنون بها على احد، لكن
حصولها موقوف على تصقيل مرآة القلب و تصفيتها عن الخبائث الطبيعية، و مع تراكم
صداها الحاصل منها لا يمكن ان يتجلى فيها شي ء من الحقائق، فلا تحجب الانوار
العلمية و الاسرار الربوبية عن قلب من القلوب لبخل من جهة المنعم تعالى شانه عن
ذلك، بل الاحتجاب انما هو من جهة القلب لكدورته و خبثه و اشتغاله بما يضاد
ذلك.


ثم ما يظهر للقلب من العلوم لطهارته و صفاء جوهره هو العلم الحقيقي النوراني الذي
لا يقبل الشك و له غاية الظهور و الانجلاء لاستفادته من الانوار الالهية و
الالهامات الحقة الربانية، و هو المراد بقوله عليه السلام: «انما هو نور
يقذفه الله في قلب من يشاء «و اليه اشار مولانا امير المؤمنين عليه السلام بقوله:
«ان من احب عباد الله اليه عبدا اعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن و تجلبب
الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه » (الى ان قال) :


«قد خلع سرابيل الشهوات، و تخلى من الهموم الا هما واحدا انفرد به، فخرج من صفة
العمى و مشاركة اهل الهوى، و صار من مفاتيح ابواب الهدى و مغاليق ابواب الردى،
قد ابصر طريقه و سلك سبيله و عرف مناره، و قطع غماره (8) ، و استمسك من العرى باوثقها
و من الحبال بامتنها فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس » و في كلام آخر له عليه
السلام «قد احيى قلبه و امات نفسه حتى دق جليله (9) و لطف غليظه، و برق له لا مع كثير
البرق، فابان له الطريق و سلك به السبيل، و تدافعته الابواب الى باب
السلامة و دار الاقامة، و ثبتت رجلاه لطمانينة بدنه في قرار الامن و الراحة بما
استعمل قلبه و ارضى ربه » .


و قال عليه السلام في وصف الراسخين من العلماء: «هجم بهم العلم على حقيقة
البصيرة و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و انسوا بما
استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلى » .


و بالجملة ما لم يحصل للقلب التزكية لم يحصل له هذا القسم من المعرفة اذ العلم
الحقيقي عبادة القلب و قربة السر، و كما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الظاهر الا بعد
تطهيره من النجاسة الظاهرة فكذلك لا تصح عبادة الباطن الا بعد تطهيره من
النجاسة الباطنية التي هي رذائل الاخلاق و خبائث الصفات، كيف و فيضان انوار
العلوم على القلوب انما هو بواسطة الملائكة و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب » فاذا كان بيت القلب مشحونا بالصفات
الخبيثة التي هي كلاب نابحة لم تدخل فيه الملائكة القادسة و الحكم بثبوت النجاسة
الظاهرة للمشرك، مع كونه مغسول الثوب نظيف البدن، انما هو لسراية نجاسة
الباطنية فقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «بني الدين على النظافة » يتناول زوال
النجاستين، و ما ورد من «ان الطهور نصف الايمان » المراد به طهارة الباطن
عن خبائث الاخلاق، و كان النصف الآخر تحليته بشرائف الصفات و عمارته بوظائف
الطاعات.


و بما ذكر ظهر ان العلم الذي يحصل من طريق المجادلات الكلامية و الاستدلالات
الفكرية، من دون تصقيل لجوهر النفس، لا يخلو عن الكدرة و الظلمة، و لا يستحق اسم
اليقين الحقيقي الذي يحصل للنفوس الصافية فما يظنه كثير من اهل التعلق بقاذورات
الدنيا انهم على حقيقية اليقين في معرفة الله سبحانه خلاف الواقع، لان اليقين
الحقيقي يلزمه «روح » (10) و نور و بهجة و سرور، و عدم الالتفات الى ما سوى الله، و
الاستغراق في ابحر عظمة الله، و ليس شي ء من ذلك حاصلا لهم، فما ظنوه يقينا اما
تصديق مشوب بالشبهة، او اعتقاد جازم لم تحصل له نورانية و جلاء و ظهور و ضياء،
لكدرة قلوبهم الحاصلة من خبائث الصفات.


و السر في ذلك ان منشا العلم و مناطه هو التجرد كما بين فى مقامه، فكلما تزداد
النفس تجردا تزداد ايمانا و يقينا، و لا ريب في انه ما لم ترتفع عنها استار
السيئات و حجب الخطيئات لم يحصل لها التجرد الذي هو مناط حقيقة اليقين فلا بد
من المجاهدة العظيمة في التزكية و التحلية حتى تنفتح ابواب الهداية و تتضح سبل
المعرفة كما قال سبحانه:


«و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (11) .


فصل


(ان العمل نفس الجزاء)


كل نفس في بدء الخلقه خالية عن الملكات باسرها، و انما تتحقق كل ملكة بتكرر
الافاعيل و الاثار الخاصة به (12) بيان ذلك ان كل قول او فعل ما دام وجوده في
الاكوان الحسية لا حظ له من الثبات لان الدنيا دار التجدد و الزوال، و لكنه
يحصل منه اثر في النفس فاذا تكرر استحكم الاثر فصار ملكة راسخة، مثاله الحرارة
التي تحدث في الفحم فانها ضعيفة اولا و اذا اشتدت تجمرت ثم استضاءت، ثم
صارت صورة نارية محرقة لما قارنها مضيئة لما قابلها، و كذلك الاحوال النفسانية
اذا تضاعفت قوتها صارت ملكات راسخة و صورا باطنة تكون مبادى ء للآثار المختصة
بها، فالنفوس الانسانية في اوائل الفطرة كصحائف خالية من النقوش و الصور تقبل كل
خلق بسهولة، و اذا استحكمت فيها الاخلاق تعسر قبولها لاضدادها، و لذلك سهل
تعليم الاطفال و تاديبهم و تنقيش نفسهم بكل صورة و صفة و يتعسر او يتعذر تعليم
الرجال البالغين و ردهم عن الصفات الحاصلة لهم لاستحكامها و رسوخها.


ثم لا خلاف في ان هذه الملكات و افعالها اللازمة لها ان كانت فاضلة كانت موجبة
للالتذاذ و البهجة و مرافقة الملائكة و الاخيار، و ان كانت ردية كانت مقتضية
للالم و العذاب و مصاحبة الشياطين و الاشرار، و انما الخلاف في كيفية
ايجابها للثواب او العذاب، فمن قال ان الجزاء مغاير للعمل قال ان كل ملكة و فعل
يصير منشا لترتب ثواب او عقاب مغاير له بفعل الله سبحانه على التفصيل الوارد
في الشريعة.


و من قال ان العمل نفس الجزاء قال: ان الهيئات النفسانية اشتدت و صارت ملكة تصير
متمثلة و متصورة في عالم البياض و الملكوت بصورة يناسبها، اذ كل شي ء يظهر في كل
عالم بصورة خاصة، فان العلم في عالم اليقظة امر عرضي يدرك بالعقل او الوهم و في
عالم النوم يظهر بصورة اللبن فالظاهر في العالمين شي ء واحد و هو العلم لكنه
تجلى في كل عالم بصورة، و السرور يظهر في عالم النوم بصورة البكاء، و منه يظهر
انه قد يسرك في عالم ما يسوءك في عالم آخر، فاللذات الجسمانية التي تسرك في هذا
العالم تظهر في دار الجزاء بصورة تسوءك و تؤذيك، و تركها و تحمل مشاق العبادات
و الطاعات و الصبر على المصائب و البليات يسرك فى عالم الآخرة مع كونها
مؤذية في هذا العالم.


ثم القائل بهذا المذهب قد يطلق على هذه الصورة اسم الملك ان كانت من فضائل
الاخلاق او فواضل الاعمال. و اسم الشيطان ان كانت من اضدادها و قد يطلق على
الاولى اسم الغلمان و الحور و امثالهما، و على الثانية اسم الحيات و العقارب
و اشباههما، و لا فرق بين الاطلاقين في المعنى، و انما الاختلاف في الاسم.


و هذا المذهب يرجع الى القول بتجسد الاعمال بصورة مانوسة مفرحة او صورة موحشة
معذبة، و قد ورد بذلك اخبار كثيرة: منها: ما روى اصحابنا عن قيس بن عاصم عن النبي
صلى الله عليه و آله و سلم انه قال:


يا قيس «ان مع العز الا، و مع الحياة موتا، و مع الدنيا آخرة، و ان لكل شي ء رقيبا و على
كل شي ء حسيبا، و ان لكل اجل كتابا، و انه لا بد لك من قرين يدفن معك و هو حي و تدفن
معه و انت ميت، فان كان كريما اكرمك، و ان كان لئيما الامك، ثم لا يحشر الا معك
و لا تحشر الا معه و لا تسال الا عنه، فلا تجعله الا صالحا، فانه ان صلح انست به و
ان فسد لا تستوحش الا منه و هو فعلك » . و منها: ما استفاض من قولهم عليهم السلام:
«ان من فعل كذا خلق الله تعالى ملكا يستغفر له الى يوم القيامة » . و منها: ما ورد
«ان الجنة قيعان و غراسها سبحان الله » .


و منها: ما روي «ان الكافر خلق من ذنب المؤمن » . و منها قولهم «المرء مرهون بعمله » .
و منها قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «الذي يشرب في آنية الذهب و الفضة انما يجري
في بطنه نار جهنم » . و يدل عليه قوله سبحانه.


«و ان جهنم لمحيطة بالكافرين » (13) .


و ربما كان في قوله تعالى:


«و لا تجزون الا ما كنتم تعملون » (14) و قوله تعالى:


«انما تجزون ما كنتم تعملون » (15) .


اشارة اليه حبث قال عز و جل: «ما كنتم » و لم يقل بما كنتم.


و قال فيثاغورس الحكيم: «ستعارض لك في افعالك و اقوالك و افكارك (16) و سيظهر لك
من كل حركة فكرية او قولية او عملية صورة روحانية، فان كانت الحركة غضبية او شهوية
صارت مادة لشيطان يؤذيك في حياتك و يحجبك عن ملاقاة النور بعد وفاتك، و ان
كانت الحركة عقلية صارت ملكا تلتذ بمنادمته في دنياك و تهتدى به في اخراك الى
جواز الله و كرامته » انتهى.


و هذه الكلمات صريحة في ان مواد الاشخاص الاخروية هي التصورات الباطنية و
النيات القلبية و الملكات النفسية المتصورة بصورة روحانية وجودها وجود ادراكي،
و الانسان اذا انقطع تعلقه عن هذه الدار و حان وقت مسافرته الى دار القرار و
خلص عن شواغل الدنيا الدنية و كشف عن بصره غشاوة الطبيعة. فوقع بصره على وجه ذاته
و التفت الى صفحة باطنه و صحيفة نفسه و لوح قلبه و هو المراد بقوله سبحانه:


«و اذا الصحف نشرت » (17) . و قوله تعالى: «فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد» (18) . صار
ادراكه فعلا و علمه عينا و سره عيانا، فيشاهد ثمرات افكاره و اعماله، و يرى
نتائج انظاره و افعاله و يطلع على جزاء حسناته و سيئاته، و يحضر عنده جميع حركاته
و سكناته، و يدرك حقيقة قوله سبحانه:


«و كل انسان الزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورااقرا
كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا» (19) .


فمن كان في غفلة عن احوال نفسه و مضيعا لساعات يومه و امسه يقول:


«ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الااحصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا
و لا يظلم ربك احدا» (20) .


«يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو ان بينها و بينه
امدا بعيدا» (21) .


و قد ايد هذا المذهب اعني صيرورة الملكات صورا روحانية باقية ابد الدهر موجبة
للبهجة و الالتذاذ و التوحش و التالم، بانه لو لم تكن تلك الملكات و النيات
باقية ابدا لم يكن للخلود في الجنة او النار وجه صحيح، اذ لو كان المقتضى للثواب
او للعذاب نفس العمل و القول، و هما زائلان لزم بقاء المسبب مع زوال السبب و هو
باطل، و كيف يجوز للحكيم ان يعذب عباده ابد الدهر لاجل المعصية في زمان قصير،
فاذا منشا الخلود هو الثبات في النيات و الرسوخ في الملكات. و مع ذلك فمن
يعمل مثقال ذرة من الخير او الشر يرى اثره في صحيفة نفسه او في صحيفة اعلى و ارفع
من ذاته ابدا كما قال سبحانه:


«في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بايدي سفرة » (22) .


و السر فيه ان الامر الذي يبقى مع النفس الى حين مفارقتها من الدنيا و لم
يرتفع عنها في دار التكليف يبقى معها ابدا و لا يرتفع عنها اصلا لعدم تجدد ما
يوجب ازالته بعد مفارقته عن عالم التكليف.


ثم الظاهر ان هذا المذهب-عند من قال به من اهل الشرائع- بيان لكيفية الثواب و
العقاب الروحانيين مع اذعانه بالجنة و النار الجسمانيين »


اذ لو كان مراده قصر اللذة و الثواب و الالم و العقاب و الجنات و القصور و
الغلمان و الحور و النار و الحجيم و الزقوم و الضريع و ساير ما ورد في الشريعة
القادسة من امور القيامة على ما ذكر فهو مخالف لضرورة الدين، (تنبيه) الدنيا و
الآخرة متضادتان، و كل ما يقرب العبد الى احداهما يبعد عن الاخرى و بالعكس، كما
دلت عليه البراهين الحكمية و الشواهد الذوقية و الادلة السمعية، فكل ملكة او حركة
او قول او فعل يقرب العبد الى دار الطبيعة و الغرور يبعده عن عالم البهجة و
السرور، و بالعكس، فاسوا الناس حالا من لم يعرف حقيقة الدنيا و الآخرة و تضادهما
و لم يخف سوء العاقبة و افنى عمره في طلب الدنيا و اصلاح امر المعاش و قصر سعيه على
جر المنفعة لبدنه من نيل شهوة او بلوغ لذة او اكتساب ترفع، و رئاسة او جمع المال
من غير تصور لما يصل اليه من فائدته، كما هو عادة اكثر ابناء الدنيا، و لم يعرف
غير هذه الامور من المعارف الحقيقية و الفضائل الخلقية و الاعمال الصالحة المقربة
الى عالم البقاء فكانه يعلم خلوده في الدنيا، و لا يرجو بعد الموت ثواب عمل، و لا
جزاء فعل، و لا يعتقد بما يرجوه المؤمنون و يؤمله المتقون من الخير الدائم، و اللذات
المخالفة لهذه اللذات الفانية التي يشارك فيها السباع و البهائم، فاذا ادركه
الموت مات على حسرة و ندامة آيسا من رحمة الله قائلا:


«يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله » (23) .


اعاذنا الله تعالى من سوء الخاتمة و وقفنا لتحصيل السعادة الدائمة.


فصل


(تاثير المزاج على الاخلاق)


للمزاج مدخلية تامة في الصفات: فبعض الامزجة في اصل الخلقة مستعد لبعض الاخلاق، و
بعضها مقتض لخلافه، فانا نقطع بان بعض الاشخاص بحسب جبلته، و لو خلى عن
الاسباب الخارجية، بحيث يغضب و يخاف و يحزن بادنى سبب، و يضحك بادنى تعجب، و
بعضهم بخلاف ذلك.


و قد يكون اعتدال القوى فطريا بحيث يبلغ الانسان كامل العقل، فاضل الاخلاق غالبة
قوته العاقلة على قوتي الغضب و الشهوة، كما في الانبياء و الائمة عليهم السلام. و
قد يكون مجاوزتها عن الوسط كذلك بحيث يبلغ ناقص العقل ردي الصفات مغلوبة عاقلته
تحت سلطان الغضب و الشهوة، كما في بعض الناس.


الا ان الحق-كما ياتي-امكان زوالها بالمعالجات المقررة في علم الاخلاق،
فيجب السعي في ازالة نقائضها و تحصيل فضائلها. و عجبا لاقوام يبالغون في
اعادة الصحة الجسمانية الفانية، و لا يجتهدون في تحصيل الصحة الروحانية
الباقية، يطيعون قول الطبيب المجوسي في شرب الاشياء الكربهة و مزاولة الاعمال
القبيحة، لاجل صحة زائلة، و لا يطيعون امر الطبيب الالهي لتحصيل السعادة الدائمة.


و بقاء النفس على النقصان اما لعدم صرفها الى طلب المقصود لملابسة العوائق و
الموانع، او مزاولة النقيض لتمكن موجبه، او لكثرة اشتغالها بالشواغل المحسوسة،
او لضعف القوة العاقلة، فان لم تدركها العناية الالهية فلا يزال يتزايد النقصان و
يبعد عن الكمال الذي خلق لاجله، الى ان تدركها الهلاكة الابدية و الشقاوة السرمدية،
نعوذ بالله من ذلك و ان ادركته الرحمة الازلية، فيصرف همه في ازالة النقائص، و
اكتساب الفضائل، فلا يزال يتصاعد من مرتبة من الكمال الى فوقها، حتى يصير من
اهل مشاهدة الجلال و الجمال، و يتشرف بجواز الرب المتعال و يصل الى السرور
الحقيقي، الذي لا عين رات، و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر و الى قرة الاعين
التي يشير اليها في قوله سبحانه:


«فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين » (24) .


فصل


(تاثير التربية على الاخلاق)


الخلق عبارة عن «ملكة للنفس مقضية لصدور الافعال بسهولة من دون احتياج الى فكر و
روية » (25) . و الملكة: كيفية نفسانية بطيئة الزوال.


و بالقيد الاخير خرج الحال لانها كيفية نفسانية سريعة الزوال، و سبب وجود الخلق
اما المزاج كما مر، او العادة بان يفعل فعلا بالروية، او التكلف و يصبر عليه الى
ان يصير ملكة له و يصدر عنه بسهولة و ان كان مخالفا لمقتضى المزاج.


و اختلف الاوائل في امكان ازالة الاخلاق و عدمه، و ثالث الاقوال ان بعضها
طبيعي يمتنع زواله و بعضها غير طبيعي حاصل من اسباب خارجة يمكن زواله. و رجح
المتاخرون الاول و قالوا: ليس شي ء من الاخلاق طبيعيا و لا مخالفا للطبيعة. بل
النفس بالنظر الى ذاتها قابلة للاتصاف بكل من طرفي التضاد، اما بسهولة ان كان
موافقا للمزاج، او بعسر ان كان مخالفا له، فاختلاف الناس في الاخلاق
لاختلافهم في الاختيار و المزاولة لاسباب خارجة.


(حجة القول الاول) ان كل خلق قابل للتغيير و كل قابل للتغيير ليس طبيعيا فينتج لا
شي ء من الخلق بطبيعي و الكبرى بديهية، و الصغرى وجدانية، فانه نجد ان الشرير يصير
بمصاحبته الخير خيرا، و الخير بمجالسة الشرير شريرا. و نرى ان التاديب «في
السياسات (26) » فيه اثر عظيم في زوال الاخلاق، و لولاه لم يكن لقوة الروية فائدة و
بطلت التاديبات و السياسات و لغت الشرايع و الديانات، و لما قال الله
سبحانه: « «قد افلح من زكاها» » (27) . و لما قال النبي صلى الله عليه و آله: «حسنوا
اخلاقكم »


و لما قال: «بعثت لاتمم مكارم الاخلاق » ، و رد: بمنع كلية الصغرى فانا نشاهد ان
بعض الاخلاق في بعض الاشخاص غير قابل للتبديل (لا) سيما ما يتعلق بالقوة النظرية،
كالحدس و التحفظ، وجودة الذهن، و حسن التعقل، و مقابلاتها كما هو معلوم من حال
بعض الطلبة، فانه لا ينجح سعيهم في التبديل مع مبالغتهم في المجاهدة.


و ما قيل: من لزوم تعطل القوة المميزة و بطلان التاديب و السياسات مردود: بان
هذا اللزوم اذا لم يكن شي ء من الاخلاق قابلا للتغيير، و اما مع قبول بعضها او
اكثرها له فلا يلزم شي ء مما ذكر، و لو كان عدم قبول بعض الاخلاق التغيير
موجبا لبطلان علم الشرائع و الاخلاق لكان عدم قبول بعض الامراض للصحة مقتضيا
لبطلان علم الطب، مع انا نعلم بديهة ان بعض الامراض لا يقبل العلاج.


(و حجة القول الثاني) ان الاخلاق باسرها تابعة للمزاج، و المزاج لا يتبدل، و
اختلاف مزاج شخص واحد في مراتب سنة لا ينافي ذلك، لجواز تابعيتها لجميع مراتب
عرض المزاج، و ايد ذلك بقوله صلى الله عليه و آله:


(الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم الاسلام) و
بقوله صلى الله عليه و آله: «اذا سمعتم ان جبلا زال عن مكانه فصدقوه، و اذا سمعتم
برجل زال عن خلقه فلا تصدقوه، فانه سيعود الى ما جبل عليه » .


و (الجواب) ان توابع المزاج من المقتضيات التي يمكن زوالها، لا من
اللوازم التي يمتنع انفكاكها، لما ثبت في الحكمة من ان النفوس الانسانية متفقة
في الحقيقة، و في بدو فطرتها خالية عن جميع الاخلاق و الاحوال كما هو شان العقل
الهيولائي. ثم ما بحصل لها منهما اما من مقتضيات الاختيار و العادة او
استعدادات الابدان و الامزجة و المقتضى ما يمكن زواله كالبرودة للماء، لا ما
يمتنع انفكاكه كالزوجية للاربعة و الخبر الاول لا يفيد المطلوب بوجه. و الثاني مع
عدم ثبوته عندنا يدل على خلاف مطلوبهم، لان قوله:


«سيعود الى ما جبل عليه » يفيد امكان ازالة الخلق بالاسباب الخارجية من التاديب
و النصائح و غيرهما، و بعد ازالته بها يعود بارتفاعها كبرودة الماء التي تزول
ببعض الاسباب و تعود بعد زوال السبب، فلو دام على حفظ الاسباب و ابقائها لم
يحصل العود اصلا.


و اذا ثبت بطلان القولين الاولين فالحق القول بالتفصيل، يعني قبول بعض
الاخلاق بل اكثرها بالنسبة الى الاكثر التبديل للحس و العيان، و لبطلان
السياسات و الشرائع لولاه و لا مكان تغير خلق البهائم، اذ ينتقل الصيد من التوحش
الى الانس و الفرس من الجماح الى الانقياد و الكلب من الهراشة الى التادب،
فكيف لا يمكن في حق الانسان، و عدم قبول بعضها بالنسبة الى البعض له، للمشاهدة و
التجربة، و هذا البعض مما لا يكون التعلق التكليف كالاخلاق المتعلقة بالقوة
العقلية من الذكاء و الحفظ و حسن التعقل و غيرها.


و التصفح يعطي اختلاف الاشخاص و الاخلاق في الازالة و الاتصاف بالضد بالامكان و
التعذر و السهولة و التعسر و بالتقليل و الرفع بالمرة، و لذا لو تصفحت اشخاص
العالم لم تجد شخصين متشابهين في جميع الاخلاق، كما لا تجد اثنين متماثلين في
الصورة. و يشير الى ذلك قوله صلى الله عليه و آله:


«اعملوا فكل ميسر لما خلق له » .


و قال ارسطاطاليس: «يمكن صيرورة الاشرار اخيارا بالتاديب الا ان هذا ليس
كليا. فانه ربما اثر في بعضهم بالزوال و في بعضهم بالتقليل و ربما لم يؤثر
اصلا» .


ثم المراد من التغيير ليس رفع الغضب و الشهوة مثلا و اماطتهما بالكلية فان
ذلك محال لانهما مخلوقتان لفائدة ضرورية في الجبلة، اذ لو انقطع الغضب عن
الانسان بالكلية لم يدفع عن نفسه ما يهلكه و يؤذيه و امتنع جهاد الكفار، و لو
انعدم عنه شهوة الطعام لم تبق حياته، و لو بطل عنه شهوة الوقاع بالمرة لضاع
النسل، بل المراد ردهما من الافراط و التفريط الى الوسط فالمطلوب في صفة
الغضب خلو النفس عن الجبن و التهور و الاتصاف بحس الحمية، و هو ان يحصل اذا
استحسن حصوله شرعا و عقلا، و لا يحصل اذا استحسن عدمه كذلك. و كذا الحال في صفة
الشهوة.


و لا ريب في ان رد بعض الموجودات الناقصة من القوى و غيرها اذا وجدت فيه قوة
الكمال الى كماله ممكن اذا كان له شرط يرتبط باختيار العبد فكما ان النواة
يمكن ان تصير نخلا بالتربية، لوجود قوة النخلية فيه، و توقف فعليتها على شرط
التربية التي بيد العبد، فكذلك يمكن تعديل قوتي الغضب و الشهوة بالرياضة و
المجاهدة، لوجود قوة التعديل فيهما، و توقف فعليتهما على شرط ارتبط باختيار
العبد اعني الرياضة و المجاهدة، و ان لم يمكن لنا قلعهما بالكلية، كما لا يمكن لنا
اعدام شي ء من الموجودات و لا ايجاد شي ء من المعدومات.


ثم شرائط الرد تختلف بالنسبة الى الاشخاص و الاخلاق، و لذا نرى ان التبديل
يختلف باختلاف مراتب السياسات و التاديب، فيمكن ان لا يرتفع مذموم خلق
بمرتبة من التاديب، و يرتفع بمرتبة منه فوقها، و الاسهل قبولا لكل خلق الاطفال
لخلو نفوسهم عن الاضداد المانعة من القبول، فيجب على الآباء تاديبهم بالآداب
الجميلة، و صونهم عن ارتكاب الاعمال القبيحة حتى تعتاد نفوسهم بترك الرذائل،
و ارتكاب الفضائل، و المؤدب الاول هو الناموس الالهي، و الثاني او لو الاذهان
القويمة من اهل المعارف الحقة، فيجب تقييد من يراد تاديبه بالنواميس
الربانية اولا، و تنبيهه بالحكم و المواعظ ثانيا.


فصل


(شرف علم الاخلاق بشرف موضوعه و غايته)


لما عرفت ان الحياة الحقيقية للانسان تتوقف على تهذيب الاخلاق الممكن
بالمعالجات المقررة في هذه الصناعة، تعرف انها اشرف العلوم و انفعها لان شرف
كل علم انما بشرف موضوعه او غايته، فشرف صناعة الطب على صناعة الدباغة بقدر شرف بدن
الانسان و اصلاحه على جلود البهائم، و موضوع هذا العلم هو النفس الناطقة التي هي
حقيقة الانسان و لبه، و هو اشرف الانواع الكونية كما برهن عليه في العلوم العقلية،
و غايته اكمال و ايصاله من اول افق الانسان الى آخره، و لكونه ذا عرض عريض
متصلا، اوله بافق البهائم، و آخره بافق الملائكة لا يكاد ان يوجد التفاوت الذي
بين اشخاص هذا النوع في افراد سائر الانواع، فان فيه اخس الموجودات و منه
اشرف الكائنات كما قيل:


و لم ار امثال الرجال تفاوتتلدى المجد حتى عد الف بواحد و بالفارسية:


اي نقد اصل و فرع ندانم چه گوهريكز آسمان بلندتر و از خاك كمتري و الى ذلك
التفاوت يشير قول سيد الرسل صلى الله عليه و آله و سلم:


«اني وزنت بامتي فرجحت بهم » ، و لا ريب في ان هذا التفاوت لاجل الاختلاف في
الاخلاق و الصفات، لاشتراك الكل في الجسمية و لواحقها.


و هذا العلم هو الباعث للوصول الى اعلى مراتبهما، و به تتم الانسانية و يعرج
من حضيض البهيمية الى ذرى الرتب الملكية، و اي صناعة اشرف مما يوصل اخس
الموجودات الى اشرفها، و لذلك كان السلف من الحكماء لا يطلقون العلم حقيقة الا
عليه، و يسمونه بالاكسير الاعظم، و كان اول تعاليمهم، و يبالغون في تدوينه و
تعليمه، و البحث عن اجماله و تفصيله، و يعتقدون ان المتعلم ما لم يهذب اخلاقه لا
تنفعه سائر العلوم.


و كما ان البدن الذي ليس بالنفي كلما غذوته فقد زدته شرا، فكذلك النفس التي ليست
نقية عن ذمائم الاخلاق لا يزيده تعلم العلوم الا فسادا.


و لذا ترى اكثر المتشبهين بزي العلماء اسوا حالا من العوام مائلين عن وظائف
الايمان و الاسلام، اما لشدة حرصهم على جمع المال، غافلين عن حقيقة المآل، او
لغلبة حبهم الجاه و المنصب، ظنا منهم انه ترويج للدين و المذهب، او لوقوعهم في
الضلالة و الحيرة لكثرة الشك و الشبهة، او لشوقهم الى المراء و الجدال في اندية
الرجال، اظهارا لتفوقهم على الاقران و الامثال او لاطلاق السنتهم على الآباء
المعنوية من اكابر العلماء و اعاظم الحكماء، و لعدم تعبدهم برسوم الشرع و الملة،
ظنا منهم انه مقتضى قواعد الحكمة، و لم يعلموا ان الحكمة الحقيقة ما اعطته النواميس
الالهية و الشرائع الثبوية، فكانهم لم يعلموا ان العلم بدون العمل ضلال، و لم
يتفطنوا قول نبيهم صلى الله عليه و آله و سلم: «قصم ظهري رجلان، عالم متهتك، و جاهل
متنسك » و لم يتذكروا قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «البلاهة ادنى الى الاخلاص
من فطانة بترآء» ، و كل ذلك ليس الا لعدم سعيهم في تهذيب الاخلاق و تحسينها و
عدم الامتثال لقوله سبحانه:


«و اتوا البيوت من ابوابها» (28) .


فصل


(النفس و اسماؤها و قواها الاربع)


ما عرفت من تجرد النفس انما هو التجرد في الذات دون الفعل لافتقارها فعلا
الى الجسم و الآلة، فحدها: انها جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته، و هو حقيقة
الانسان و ذاته و الاعضاء و القوى آلاته التي يتوقف فعله عليها، و له اسماء
مختلفة بحسب اختلاف الاعتبارات، فيسمى (روحا) لتوقف حياة البدن عليه و (عقلا)
لادراكه المعقولات و (قلبا)


لتقلبه في الخواطر، و قد تستعمل هذه الالفاظ في معان اخرى تعرف بالقرائن.


و له قوى اربع: قوة عقلية ملكية، و قوة غضبية سبعية، و قوة شهوية بهيمية، و قوة و همية
شيطانية. و (الاولى) شانها ادراك حقائق الامور، و التمييز بين الخيرات و
الشرور، و الامر بالافعال الجميلة، و النهي عن الصفات الذميمة. و (الثانية)
موجبة لصدور افعال السباع من الغضب و البغضاء و التوثب على الناس بانواع
الاذى. و (الثالثة) لا يصدر عنها الا افعال البهائم من عبودية الفرج و البطن، و
الحرص على الجماع و الاكل.


و (الرابعة) شانها استنباط وجوه المكر و الحيل، و التوصل الى الاغراض
بالتلبيس و الخدع، و الفائدة في وجود القوة الشهوية بقاء البدن الذي هو آلة تحصيل
كمال النفس، و في وجود الغضبية ان يكسر سورة الشهوية و الشيطانية، و يقهرهما عند
انغمارهما في الخداع و الشهوات، و اصرارهما عليهما، لانهما لتمردهما لا
تطيعان العاقلة بسهولة، بخلاف الغضبية فانهما تطيعانها و تتادبان بتاديبها
بسهولة.


و لذا قال افلاطون في صفة السبعية و البهيمية: «اما هذه اي السبعية فهي بمنزلة
الذهب في اللين و الانعطاف، و اما تلك اي البهيمية فهي بمنزلة الحديد في الكثافة
و الامتناع » و قال ايضا: «ما اصعب ان يصير الخائض في الشهوات فاضلا، فمن لا
تطيعه الواهمة و الشهوية في ايثار الوسط فليستعن بالقوة الغضبية المهيجة
للغيرة، و الحمية حتى يقهرهما» فلو لم يمتثلا مع الاستعانة فان لم تحصل له ندامة
بعد ارتكاب مقتضاهما دل على غلبتهما على العاقلة و مقهوريتها عنهما، و حينئذ لا
يرجى صلاحه، و الا فالاصلاح ممكن فليجتهد فيه و لا يباس من روح الله، فان سبل
الخيرات مفتوحة، و ابواب الرحمة الالهية غير مسدودة.


«و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (29) .


و الفائدة في القوة الوهمية ادراك المعاني الجزئية، و استنباط الحيل و الدقائق
التي يتوصل بها الى المقاصد الصحيحة.


و بيان ذلك ان الواهمة و الخيال و المتخيلة ثلاث قوى متباينة، و مياينة للقوى
للثلاث الاول، و شان الاولى ادراك المعاني الجزئية، و شان الثانية ادراك الصور،
و شان الثالثة التركيب و التفصيل بينهما. و كل من مدركاتها اما مطابق للواقع،
او مخترع من عند انفسها من غير تحقق له في نفس الامر ايضا، و اما من مقتضيات
العقل و الشريعة، و من الوسائل الى المقاصد الصحيحة، او من دواعي الشيطان و ما
يقتضية الغضب و الشهوة، و على الاول يكون وجودها خيرا و كمالا، و ان كان وجودها
على الثاني شرا و فسادا. و الحال في جميع القوى كذلك.


هذا و قيل: ما ورد في القرآن من النفس المطمئنة و اللوامة و الامارة بالسوء،
اشارة الى القوى الثلاث اعني العاقلة و السبعية و البهيمية، و الحق انها اوصاف
ثلاثة للنفس بحسب اختلاف احوالها، فاذا غلبت قوتها العاقلة على الثلاث الاخر، و
صارت منقادة لها مقهورة منها، و زال اضطرابها الحاصل من مدافعتها سميت «مطمئنة » ،
لسكونها حينئذ تحت الاوامر و النواهي، و ميلها الى ملائماتها التي تقتضي
جبلتها، و اذا لم تتم غلبتها و كان بينها تنازع و تدافع، و كلما صارت مغلوبة
عنها بارتكاب المعاصي حصلت للنفس لوم و ندامة سميت «لوامة » . و اذا صارت مغلوبة
منها مذعنة لها من دون دفاع سميت «امارة بالسوء» لانه لما اضمحلت قوتها العاقلة و
اذ عنت للقوى الشيطانية من دون مدافعة، فكانما هي الآمرة بالسوء.


ثم مثل اجتماع هذه القوى في الانسان كمثل اجتماع ملك، او حكيم و كلب و خنزير و
شيطان في مربط واحد، و كان بينها منازعة، و ايها صار غالبا كان الحكم له، و لم
يظهر من الافعال و الصفات الا ما تقتضيه جبلته فكان اهاب الانسان وعاء
اجتمع فيه هذه الاربع، فالملك او الحكيم هو القوة العاقلة، و الكلب هو القوة
الغضبية، فان الكلب ليس كلبا و مذموما للونه و صورته بل لروح معنى الكلبية و
السبعية اعني الضراوة و التكلب على الناس بالعقر و الجرح، و القوة الغضبية
موجبة لذلك، فمن غلب فيه هذه القوة هو الكلب حقيقة، و ان اطلق عليه اسم الانسان
مجازا، و الخنزير هو القوة الشهوية، و الشيطان هو القوة الوهمية، و التقريب
فيهما كما ذكر، و النفس لا تزال محل تنازع هذه القوى و تدافعها الى ان يغلب
احداها، فالغضبية تدعوه الى الظلم و الايذاء، و العداوة و البغضاء، و
البهيميية تدعوه الى المنكر و الفواحش، و الحرص على المآكل و المناكح، و
الشيطانية تهيج غضب السبعية و شهوة البهيمية، و تزيد (30) فعلهما، و تغري احداهما
بالاخرى و العقل شانه ان يدفع غيظ السبعية بتسليط الشهوية عليها، و يكسر سورة
الشهوية بتسليط السبعية عليها، و يرد كيد الشيطان و مكره بالكشف عن تلبيسه
ببصيرته النافذة، و نورانيته الباهرة، فان غلب على الكل يجعلها مقهورة
حت سياسته غير مقدمة على فعل الا باشارته جرى الكل على المنهج الوسط، و ظهر العدل في
مملكة البدن، و ان لم يغلب عليها و عجز عن قهرها قهروه و استخدموه فلا يزال الكلب في
العقر و الايذاء، و الخنزير في المنكر و الفحشاء، و الشيطان في استنباط الحيل، و
تدقيق الفكر في وجوه المكر و الخدع، ليرضي الكلب و يشبع الخنزير، فلا يزال في عبادة كلب
عقور او خنزير هلوع او شيطان عنود، فتدركه الهلاكة الابدية، و الشقاوة السرمدية، ان
لم تغثه العناية الالهية، و الرحمة الازلية.


و قد يمثل اجتماع هذه القوى في الانسان براكب بهيمة طالب للصيد يكون معه كلب و
عين من قطاع الطريق، فالراكب هو العقل، و البهيمة هي الشهوة، و الكلب هو الغضب، و
العين هو القوة الوهمية التي هي من جواسيس الشيطان، فان كان الكل تحت سياسة
الراكب فعل ما يصلح للكل و نال ما بصدده، و ان كانت الغلبة و الحكم للبهيمة او
الكلب لهلك الراكب بذهابه معهما فيما لا يصلح له من التلال و الوهاد، و
اقتحامه في موارد الهلكات، و ان كان الكل تحت نهي العين و امره، و افتتنوا
بخدعه و مكره لاضلهم بتلبيسه عن سواء السبيل حتى يوصلهم الى ايدي السارقين.


و كذلك لو كانت القوى باسرها تحت اشارة العقل و قهرها و غلب عليها وقعت لانقيادها
له المسالمة و الممازجة بين الكل، و صار الجميع كالواحد لان المؤثر و المدبر
حينئذ ليس الا قوة واحدة تستعمل كلا منها في المواضع اللائقة و الاوقات المناسبة،
فيصدر عن كل منها ما خلق لاجله، على ما ينبغي من القدر و الوقت و الكيفية، فتصلح
النفس و قواها.


«قد افلح من زكاها» (31) .


و لو لم يغلب العقل حصل التدافع و التجاذب بينه و بين سائر القوى، و يتزايد ذلك
الى ان يؤدي الى انحلال الآلة و القوة لو يصير العقل مغلوبا فتهلك النفس و قواها، «و
قد خاب من دساها» (32) .


(تتميم) لما تبين ان للنفس اربع قوى متخالفة، و لها قوى اخر ايضا كما تبين فى
العلم الطبيعي. فيحسب غلبة بعض هذه القوى على بعض يحصل في النفس اختلاف عظيم، و
الاختلاف في النفوس انما هو باختلاف صفاتها الحاصلة من غلبة بعض قواها
المتخالفة. اذ هي في بدو فطرتها خالية عن جميع الاخلاق و الملكات، و ليس لها
فعلية، بل هي محض القوة، و لذا ليس لها قوام بذاتها و انما تتقوم بالبدن، ثم
بتوسط قواها تكتسب العلوم و الاخلاق، و ترتسم بالصور و الاعمال الى ان
تتقوم بها، و تصل الى ما خلقت لاجله.


و لما كانت قواها متخالفة متنازعة فما لم يغلب احداها لم تدخل النفس في عالمه (33)
الذي يخصه فلا تزال من تنازعها معركة للاثار المختلفة و الاحكام المتباينة الى
ان يغلب احداها فتظهر في النفس آثاره و يدخل في عالمه الخاص.


و لما كانت القوة العاقلة من سنخ الملائكة، و الواهمة من حزب الابالسة و الغضبية
من افق السباع، و الشهوية من عالم البهائم، فبحسب غلبة واحدة منها تكون النفس
اما ملكا او شيطانا او كلبا او خنزيرا، فلو كانت الغلبة و السلطنة لقهرمان العقل
ظهر في مملكة النفس احكامه و آثاره، و انتظمت احوالها، و لو كانت لغيره من القوى
ظهر فيها آثاره فتهلك النفس و يحتل معاشها و معادها.


ثم المنشا للتنازع و التجاذب و البقاء في نفس الانسانية انما هو قوتها العقلية
لان التدافع انما بينها و بين سائر القوى، فليس في نفوس سائر الحيوانات
لفقدانها العاقلة ننازع و تجاذب و ان اختلفت في غلبة ما فيها من القوى، فان
الغلبة في الشياطين للواهمة، و في السباع للغضب، و في البهائم للشهوة، و اما
الملائكة فتنحصر قوتها بالعاقلة فليس فيها سائر القوى فلا يتحقق فيها تدافع و
تنازع. فالجامع لعوالم الكل هو الانسان و هو المخصوص من بين المخلوقات
بالصفات المتقابلة، و لذلك صار مظهرا للاسماء المتقابلة الالهية، و قابلا للخلافة
الربانية، و قائما بعمارة عالمي الصورة و المعنى.


و الملائكة و ان كانوا مخصرصين بالجنة الروحانية و لوازمها من الاشراقات
العلمية، و توابعها من اللذات العقلية، الا انه ليس لهم جهة جسمانية و لوازمها. و
الاجسام الفلكية و ان كانت لها نفوس ناطقة على قواعد الحكمة الا انها خالية عن
الطبائع المختلفة، و الكيفيات المتباينة، و ليس لها في المدارج المتخالفة، و
المراتب المتفاوتة، و لا تقلب في اطوار النقص و الكمال، و لا تحول في جميع
التقاليب و الاحوال، بخلاف الانسان فانه محيط بجميع المراتب المختلفة، و
سائر في الاطوار المتباينة من الجمادية و النباتية و الحيوانية و الملكية، و
له الترقي عن جميع تلك المراتب بان تتحقق له مرتبة مشاهدة الوحدة الصرفة
فيتجاوز عن افق الملائكة، فهو النسخة الجامعة لحقائق الملك و الملكوت، و
المعجون المركب من عالمي الامر و الخلق قال امير المؤمنين عليه السلام: «ان
الله خص الملك بالعقل دون الشهوة و الغضب، و خص الحيوانات بهما دونه و شرف
الانسان باعطاء الجميع فان انقادت شهوته و غضبه لعقله صار افضل من الملائكة
لوصوله الى هذه المرتبة مع وجود المنازع و الملائكة ليس لهم مزاحم » .


وصل


قد ظهر بما ذكر ان الانسان ذو جنبة روحانية يناسب بها الارواح الطيبة و
الملائكة القادسة، و ذو جنبة جسمانية يشابه بها السباع و الانعام، فبالجزء
الجسماني اقيم في هذه العالم الحسي مدة قصيرة، و بالجزء الروحاني ينتقل الى
العالم العلوي، و يقيم فيه ابدا في مصاحبة الارواح القدسية، بشرط الى يتحرك بقواه
نحو كمالاتها الخاصة، حتى يغلب الجزء الروحاني على الجسماني، و ينفض عن نفسه
كدورات الطبيعة، و تظهر فيه آثار الروحانيات من العلم بحقائق الاشياء و
الانس بالله تعالى و الحب له و التحلى بفضائل الصفات. و حينئذ يقوم بغلبة
روحانيته بين الملا الاعلى يستمد منهم لطائف الحكمة، و يستنير بالنور الالهي و
يزيد ذلك بحسب رفع العلائق الجسمية، حتى اذا ارتفعت عنه حجب الغواسق الطبيعية
باسرها، و ازيلت عنه استار العوائق الهيولانية برمتها، خلى عن جميع الالام و
الحسرات، و كان ابدا مسرورا بذاته، مغتبطا بحاله، مبتهجا بما يرد عليه
من فيوضات النور الاول، و لا يسر الا بتلك اللذات، و لا يغتبط الا بها، و لا يهش
الا باظهار الحكمة الحقة بين اهلها، و لا يرتاح الا بمن ناسبه و احب الاقتباس
منه، و لا يبالي بمفارقة الدنيا و ما فيها، و يرى جسمه و ماله و جميع خيرات
الدنيا و بالا و كلا عليه الا ما هو ضروري يحتاج اليه بدنه الذي الذي يفتقر اليه
في تحصيل كماله، و يحن ابدا الى مصاحبة الذوات النورية، و لا يفعل الا ما اراد
الله تعالى منه، و لا يتعرض الا لما يقربه اليه، و لا يخالفه في متابعة الشهوات
الردية، و لا ينخدع بخدائع الطبيعة، و لا يلتفت الى شي ء يعوقه عن سعادته، و لا يحزن على فقد
محبوب، و لا فوت مطلوب و اذا صفى من الامور الطبيعية بالكلية زالت عنه
العوارض النفسانية، و الخواطر الشيطانية باسرها، و فنى عنه ارادته المتعلقة
بالامور. و حينئذ يمتلي من المعارف الالهية، و الشوق الالهي و البهجة الالهية،
و الشعار الالهي، و تتقرر الحقائق في عقله كتقرر القضايا الاولية فيه، بل يكون
علمه بها اشد اشراقا و ظهورا من علمه بها. و اذا بلغ هذه الغاية فقد استعد للوصول
الى المرتبة القصوى، و مجاورة الملا الاعلى، فيصل الى ما لا عين رات، و لا
اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و يفوز بما اشير اليه في الكتاب الالهي بقوله:


«فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين » (34) .


فصل


(الاقوال في الخير و السعادة و التوفيق بينها)


اعلم ان الغاية في تهذيب النفس عن الرذائل و تكميلها بالفضائل هو الوصول الى
الخير و السعادة. و السلف من الحكماء قالوا: ان (الخير) على قسمين مطلق و مضاف، و
المطلق هو المقصود من ايجاد الكل، اذ الكل يتشوقه و هو غاية الغايات، و المضاف
ما يتوصل به الى المطلق. و (السعادة)


هو وصول كل شخص بحركته الارادية النفسانية الى كماله الكامن في جبلته و على
هذا فالفرق بين الخير و السعادة ان الخير لا يختلف بالنسبة الى الاشخاص، و
السعادة تختلف بالقياس اليهم.


ثم الظاهر من كلام ارسطاطاليس ان الخير المطلق هو الكمالات النفسية و
المضاف ما يكون معدا لتحصيلها كالتعلم و الصحة، او نافعا فيه كالمكنة و الثروة.


و اما السعادة فعند الاقدمين من الحكماء راجعة الى النفوس فقط، و قالوا ليس للبدن
فيها حظ، فحصروها في الاخلاق الفاضلة، و احتجوا على ذلك بان حقيقة الانسان هي
النفس الناطقة و البدن آلة لها، فلا يكون ما يعد كمالا له سعادة للانسان. و عند
المتاخريين منهم كارسطو و من تابعه راجعة الى الشخص حيث التركيب، سواء
علقت بنفسه او بدنه، لان كل ما يلائم جزءا من شخص معين فهو سعادة جزئية بالنسبة اليه، مع
انه يتعسر صدور الافعال الجميلة بدون اليسار، و كثرة الاعوان و الانصار، و
البخت المسعود، و غير ذلك مما لا يرجع الى النفس، و لذا قسموا السعادة الى ما
يتعلق بالبدن من حيث هو كالصحة و اعتدال المزاج و الى ما يتوصل به الى افشاء
العوارف و مثله مما يوجب استحقاق المدح كالمال و كثرة الاعوان، و الى ما
يوجب حسن الحديث و شيوع المحمدة، و الى ما يتعلق بانجاح المقاصد و الاغراض على
مقتضى الامل، و الى ما يرجع الى النفس من الحكمة و الاخلاق المرضية. و قالوا كمال
السعادة لا يحصل بدون هذه الخمسة، و بقدر النقصان فيها تنقص. قالوا و فوق ذلك سعادة
محضة لا تدانيها سعادة، و هو ما يفيض الله سبحانه على بعض عباده من المواهب، و
الاشراقات العلمية، و الابتهاجات العقلية بدون سبب ظاهر.


ثم الاقدمون لذهابهم الى نفي السعادة للبدن صرحوا بان السعادة العظمى لا تحصل
للنفس ما دامت متعلقة بالبدن، و ملوثة بالكدورات الطبيعية، و الشواغل المادية، بل
حصولها موقوف عنها، لان السعادة الطلقة لا تحصل لها ما لم تصر مشرقة بالاشراقات
العقلية، و مضيئة بالانوار الالهية، بحيث يطلق عليها اسم التام، و ذلك موقوف
على تخليصها التام عن الظلمة الهيولانية، و القصورات المادية.


و اما المعلم الاول و اتباعه فقالوا ان السعادة العظمى تحصل للنفس مع تعلقها
بالبدن ايضا، لبداهة حصولها لمن استجمع الفضائل باسرها، و اشتغل بتكميل غيره. و
ما اقبح ان يقال مثله ناقص و اذا مات يصير تاما، فالسعادة لها مراتب، و يحصل
للنفس الترقي في مدارجها بالمجاهدة الى ان تصل الى اقصاها و حينئذ يحصل تمامها و
ان كان قبل المفارقة، و تكون باقية بعدها ايضا، ثم المتاخرون عن الطائفتين من
حكماء الاسلام قالوا ان السعادة في الاحياء لا تتم الا باجتماع ما يتعلق
بالروح و البدن، و ادناها ان تغلب السعادة البدنية على النفسية بالفعل، الا ان
الشوق الى الثانية، و الحرص على اكتسابها يكون اغلب، و اقصاها ان تكون الفعلية و
الشوق كلاهما في الثانية اكثر، الا انه قد يقع الالتفات الى هذا العالم و تنظيم
اموره بالعرض.


و اما في الاموات فيختص بما يتعلق بالنفس فقط لاستغنائهم عن الامور البدنية،
فتختص السعادة فيهم بالملكات الفاضلة، و العلوم الحقة اليقينية، و الوصول الى
مشاهدة جمال الابد، و معاينة جلال السرمد. و قالوا ان الاولى لشوبها بالزخارف
الحسية، و الكدورات الطبيعية ناقصة كدرة، و اما الثانية فلخلوها عنها تامة صافية،
لان المتصف بها يكون ابدا مستنيرا بالانوار الالهية، مستضيئا بالاضواء
العقلية، مستهترا (35) بذكر الله و انسه مستغرقا في بحر عظمته و قدسه، و ليس له
التفات الى ما سوى ذلك، و لا يتصور له تحسر على فقد لذة او محبوب، و لا شوق الى
طلب شي ء مرغوب، و لا رغبة الى امر من الامور، و لا رهبة من وقوع محذور، بل يكون
منصرفا بجزئه العقلي مقصورا همه على الامور الالهية من دون التفات الى غيرها.


و هذا القول ترجيح لطريقة المعلم الاول من حيث اثبات سعادة للبدن و لطريقة
الاقدمين من حيث نفي حصول السعادة العظمى للنفس ما دامت متعلقة بالبدن. و هو (الحق
المختار) عندنا، اذ لا ريب في كون ما هو وصلة الى السعادة المطلقة سعادة اضافية. و
معلوم ان غرض القائل بكون متعلقات الابدان كالصحة و المال و الاعوان سعادة
انها سعادة اذا جعلت آلة لتحصيل السعادة الحقيقية لا مطلقا، اذ لا يقول عاقل ان
الصحة الجسمية و الحطام الدنيوي سعادة، و لو جعلت وسيلة الى اكتساب سخط الله و
عقابه و حاجبة عن الوصول الى دار كرامته و ثوابه. و كذا لا ريب في ان النفس ما
دامت متعلقة بالبدن مقيدة في سجن الطبيعة لا يحصل لها العقل الفعلي، و لا تنكشف لها
الحقائق كما هي عليه انكشافا تاما، و لا تصل الى حقيقة ما يترتب على العلم و العمل
من الابتهاجات العقلية و اللذات الحقيقية. و لو حصلت لبعض المتجردين عن
جلباب البدن يكون في آن واحد و يمر كالبرق الخاطف.


هذا و قد ظهر من كلمات الجميع ان حقيقة الخير و السعادة ليست الا المعارف الحقة،
و الاخلاق الطيبة، و الامر و ان كان كذلك من حيث ان حقيقتهما ما يكون مطلوبا
لذاته، و باقيا مع النفس ابدا و هما كذلك، الا انه لا ريب في ان ما يترتب عليهما
من حب الله و انسه، و الابتهاجات العقلائية، و اللذات الروحانية مغاير لهما من
حيث الاعتبار، و ان لم ينفك عنهما و مطلوبيته لذاته اشد و اقوى، فهو باسم
الخير و السعادة اولى و اخرى و ان كان الجميع خيرا و سعادة. و بذلك يحصل الجمع
بين اقوال ارباب النظر و الاستدلال، و اصحاب الكشف و الحال، و اخوان الظاهر من
اهل المقال، حيث ذهبت (الفرقة الاولى) الى ان حقيقة السعادة هو العقل و العلم، و
(الثانية) الى انها العشق، و (الثالثة) الى انها الزهد، و ترك الدنيا.


فصل


(لا تحصل السعادة الا باصلاح جميع الصفات و القوى دائما)


لا تحصل السعادة الا باصلاح جميع الصفات و القوى دائما، فلا تحصل باصلاحها بعضا
دون بعض، و وقتا دون وقت، كما ان الصحة الجسمية، و تدبير المنزل، و سياسة المدن لا
تحصل الا باصلاح جميع الاعضاء و الاشخاص و الطوائف في جميع الاوقات، فالسعيد
المطلق من اصلح جميع صفاته و افعاله على وجه الثبوت و الدوام بحيث لا يغيره
تغير الاحوال و الازمان، فلا يزول صبره بحدوث المصائب و الفتن، و لا شكره بورود
النوائب و المحن، و لا يقينه بكثرة الشبهات، و لا رضاه باعظم النكبات، و لا احسانه
بالاساءة، و لا صداقته بالعداوة. و بالجملة لا يحصل التفاوت في حاله، و لو ورد عليه
ما ورد على ايوب النبي عليه السلام او على برناس الحكيم، لشهامة ذاته، و رسوخ
اخلاقه و صفاته. و عدم مبالاته بعوارض الطبيعة، و ابتهاجه بنورانيته و ملكاته
الشريفة، بل السعيد الواقعي لتجرده و تعاليه عن الجسمانيات خارج عن تصرف
الطبائع الفلكية، متعال عن تاثير الكواكب و الاجرام الاثيرية فلا يتاثر عن
سعدها و نحسها، و لا ينفعل عن قمرها و شمسها. اهل التسبيح و التقديس لا يبالون
بالتثليث و التسديس، و ربما بلغ تجردهم و قوة نفوسهم مرتبة تحصل لهم ملكة
الاقتدار على التصرف في موارد الكائنات، و لو في الافلاك و ما فيها، كما حصل
لفخر الانبياء و سيد الاوصياء صلوات الله عليهما و آلهما من شق القمر و رد الشمس.


و قد ظهر مما ذكر ان من يجزع بورود المصائب الدنيوية، و يضطرب من الكدورات
الطبيعية، و يدخل نفسه في معرض شماتة الاعداء و ترحم الاحباء، خارج عن زمرة
السعداء، لضعف غريزته و غلبة الجبن على طبيعته، و عدم نبله بعد الى الابتهاجات
التي تدفع عن النفس امثال ذلك.


و مثله لو تكلف الصبر و الرضا و تشبه ظاهرا بالسعداء لكان في الباطن متالما
مضطربا، و هذا ليس سعادة لان السعادة الواقعية انما هو صيرورة الاخلاق الفاضلة
ملكات راسخة بحيث لا تغيرها المغيرات ظاهرا و باطنا.


بلغنا الله و جميع الطالبين الى هذا المقام الشريف.


وصل


(غاية السعادة التشبة بالمبدا)


صرح الحكماء بان غاية المراتب للسعادة ان يتشبه الانسان في صفاته بالمبدا:
بان يصدر عنه الجميل لكونه جميلا، لا لغرض آخر من جلب منفعة، او دفع مضرة، و انما
يتحقق ذلك اذا صارت حقيقته المعبر عنها بالعقل الالهي و النفس الناطقة خيرا محضا،
بان يتطهر عن جميع الخبائث الجسمانية، و الاقذار الحيوانية. و لا يحوم حوله
شي ء من العوارض الطبيعية و الخواطر النفسانية، و يمتلى ء من الانوار الالهية، و
المعارف الحقيقية، و يتيقن بالحقائق الحقة الواقعية، و يصير عقلا محضا بحيث يصير
جميع معقولاته كالقضايا الاولية، بل يصير ظهورها اشد، و انكشافها اتم، و حينئذ
يكون له اسوة حسنة بالله سبحانه، في صدور الافعال و تصير الهية اي شبية بافعال
الله سبحانه في انه لصرافة حسنه يقتضي الحسن، و لمحوضة جماله يصدر عنه الجميل
من دون داع خارجي، فتكون ذاته غاية فعله، و فعله غرضه بعينه، و كلما يصدر عنه بالذات
و بالقصد الاول فانما يصدر لاجل ذاته و ذات الفعل و ان ترشحت منه الفوائد
الكثيرة على الغير بالقصد الثاني و بالعرض. قالوا و اذا بلغ الانسان هذه
المرتبة فقد فاز بالبهجة الالهية، و اللذة الحقيقية الذاتية، فيشمئز طبعه من
اللذات الحسية الحيوانية، لان من ادرك اللذة الحقيقية علم انها لذة ذاتية، و
الحسية ليست لذة بالحقيقة لتصرمها و دثورها و كونها دفع الم.


و انت خبير بان هذا التصريح محل تامل المخالفته ظواهر الشرع فتامل.


فصل


(بازاء كل واحدة من القوى الاربع لذة و الم)


لما عرفت ان القوى في الانسان اربع: قوة نظرية عقلية، و قوة و همية خيالية، و قوة
سبعية غضبية، و قوة بهيمية شهوية-فاعلم انه بازاء كل واحدة منها لذة و الم، لان
اللذة ادراك الملائم، و الالم ادراك غير الملائم، فلكل من الغرائز المدركة لذة هو
نيله مقتضى طبعه الذي خلق لاجله، و الم هو ادراكه خلاف مقتضى طبعه:


(فغريزة العقل) لما خلقت لمعرفة حقائق الامور، فلذتها في المعرفة و العلم، و المها
في الجهل، و (غريزة الغضب) لما خلقت للتشفى و الانتقام فلذتها في الغلبة التي
يقتضيها طبعها و المها في عدمها، و (غريزة الشهوة)


لما خلقت لتحصيل الغذاء الذي به قوام البدن، فلذتها في نيل الغذاء، و المها في
عدم نيله، و هكذا في غيرها، فاللذات و الآلام ايضا على اربعة اقسام: العقلية و
الخالية و الغضبية و البهيمية.


فاللذة العقلية كالانبساط (36) الحاصل من معرفة الاشياء الكلية و ادراك الذوات
المجردة النورية، و الالم العقلي كالانقباض الحاصل من الجهل، و اللذة الخيالية
كالفرح الحاصل من ادراك الصور و المعاني الجزئية الملائمة، و الالم الخيالي
كادراك غير الملائمة منها. و اللذة المتعلقة بالقوة الغضبية كالانبساط الحاصل من
الغلبة و نيل المناصب و الرياسات، و الالم المتعلق بها كالانقباض الحاصل من
المغلوبية و العزل و المرؤسية. و اللذة البهيمية هي المدركة من الاكل و الجماع و
امثالهما، و الالم البهيمي ما يدرك من الجوع و العطش و الحر و البرد و
اشباهها. و هذه اللذات و الآلام تصل الى النفس و هي الملتذة و المتالمة حقيقة الا
ان كلا منها يصل اليها بواسطة القوة التى تتعلق بها. و الفرق بين الكل ظاهر.


و ربما يشتبه بين ما يتعلق بالوهم و الخيال و ما يتعلق بالقوة الغضبية من حيث
اشتراكهما في الترتب على التخيل.


و يدفع الاشتباه بان ما يتعلق بالغضبية و ان توقف على التخيل الا ان المتاثر
بالالتذاد و التالم بعد التخيل هو الغضبية و بواسطتها تتاثر النفس، ففي هذا
النوع من اللذة و الالم تتاثر الغضبية ثم تتاثر النفس.


و اما ما يتعلق بالوهم و الخيال فالمتاثر بالالتذاد و التالم هاتان
القوتان و يصل التاثر منهما الى النفس من دون توسط القوة الغضبية.


و مما يوضح الفرق ان الالتذاذ و التالم الخياليين لا يتوقفان على وجود غلبة و
مغلوبية مثلا في الخارج، و اما الغضبيان فيتوقفان عليهما.


ثم اقوى اللذات هي العقلية لكونها فعلية ذاتية غير زائلة باختلاف الاحوال، و
غيرها من اللذات الحسية انفعالية عرضية منفعلة زائلة، و هي في مبدا الحال مرغوبة عند
الطبيعة، و تتزايد بتزايد القوة الحيوانية، و تتضعف بضعفها الى ان تنتفى
بالمرة، و يظهر قبحها عند العقل، و اما العقلية فهي في البداية منتفية، لان ادراكها
لا يحصل الا للنفوس الزكية المتحلية بالاخلاق المرضية، و بعد حصولها يظهر حسنها و
شرفها، و تتزايد بتزايد القوة العقلية الى ان ينتهي الى اقصى المراتب، و لا يكون
نقص و لا زوال.


و العجب ممن ظن انحصار اللذة في الحسية و جعلها غاية كمال الانسان و سعادته
القصوى. و المتشرعون منهم قصروا اللذات الآخرة على الجنة و الحور و الغلمان و
امثالها، و آلامها على النار و العقارب و الحيات و اشباهها، و جعلوا الوصول
الى الاولى و الخلاص عن الثانية غاية في زهدهم و عبادتهم و كانهم لم يعلموا ان
هذه عبادة الاجراء و العبيد تركوا قليل المشتهيات ليصلوا الى كثيرها. و
يست شعري ان ذلك كيف يدل على الكمال الحقيقي و القرب من الله سبحانه! و لا ادري ان
الباكي خوفا من النار و شوقا الى اللذات الجسمية المطلوبة للنفس البهيمية
كيف يعد من اهل التقرب الى الله سبحانه و يستحق التعظيم و يوصف بعلو الرتبة! و
كانهم لم يدركوا الابتهاجات الروحانية، و لا لذة المعرفة بالله و حبه و انسه و
لم يسمعوا قول سيد الموحدين (37) صلى الله عليه و آله «الهي ما عبدتك خوفا من نارك و
لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك » .


و بالجملة لا ريب في ان الانسان في اللذة الجسمية يشارك الخنافس و الديدان و
الهمج من الحيوان، و انما يشابه الملائكة في البصيرة الباطنة و الاخلاق الفاضلة،
و كيف يرتضي العاقل ان يجعل النفس الناطقة الشريفة خادمة للنفس البهيمية الحسيسة.


و العجب من هؤلاء الجماعة (38) مع هذا الاعتقاد يعظمون من يتنزه عن الشهوات
الحيوانية و يستهين باللذات الحسية و يتخضعون له و يعدون انفسهم اشقياء
بالنسبة اليه، و يذعنون انه اقرب الناس الى الله سبحانه و اعلى رتبة منهم بتنزهه
عن الشهوات الطبيعية، و قد اتفق كلهم على تنزه مبدع الكل و تعاليه عنها مستدلين
بلزوم النقص فيه لولاه، و كل ذلك يناقض رايهم الاول.


و السر فيه انهم و ان ذهبوا الى هذا الراي الفاسد الا انه لما كانت غريزة
العقل فيهم بعد موجودة، و ان كانت ضعيفة، فيرى ما هو كمال حقيقي لجوهرها كمالا، و
يحكم بنورانيتها الذاتية، على كون ما هو فضيلة في الواقع فضيلة، و ما هو رذيلة في
نفس الامر رذيلة، فيضطرهم الى اكرام اهل التنزه عن الشهوات، و الاستهانة
بالمكبين عليها.


و مما يدل على قبح اللذات الحيوانية ان اهلها يكتمونها و يخفون ارتكابها و
يستحيون عن اظهارها، و اذا وصفوا بذلك تتغير وجوههم، كما هو ظاهر من وصف
الرجل بكثرة الاكل و الجماع، مع ان الجميل على الاطلاق يحسن اذاعته، و صاحبه
يجب ان يظهره و يوصف به، هذا مع ان البديهة حاكمة بان هذه اللذات ليست لذات
حقيقية، بل هي دفع آلام حادثة للبدن (39) فان ما يتخيل لذة عند الاكل و الجماع انما هو
راحة من الم الجوع و لذع المني و لذا لا يلتذ الشبعان من الاكل، و معلوم ان
الراحة من الالم ليس كمالا و خيرا، اذ الكمال الحقيقي و الخير المطلق ما يكون
كمالا و خيرا ابدا.


ايقاظ


(فيه موعظة و نصيحة)


لما عرفت ان الانسان في اللذة العقلية يشارك الملائكة، و في غيرها من الحسية
المتعلقة بالقوى الثلاث، اعني السبعية و البهيمية و الشيطانية، يشارك السباع و
البهائم و الشياطين-فاعلم ان من غلبت عليه احدى اللذات الاربع كانت مشاركته
لما ينسب اليه اكثر حتى اذا صارت الغلبة تامة لكان هو هو.


فانظر يا حبيبي اين تضع نفسك، فان الغلبة لو كانت لقوتك الشهوية حتى يكون
اكثر همك الى الشهوات الحيوانية كالاكل و الشرب و الجماع و سائر النزوات
البهيمية، كنت واحدا من البهائم. و ان كانت لقوتك الغضبية حتى يكون جل ميلك
الى المناصب و الرياسات الردية، و ايذاء الناس بالضرب و الشتم، و باقي
الحركات السبعية، نزلت منزلة السباع، و ان كانت لقوتك الشيطانية حتى يكون غالب
سعيك في استنباط وجوه المكر و الحيل للوصول الى مقتضيات قوتي الشهوة و الغضب
بانواع الخداع و التلبيسات الوهمية دخلت في حزب الابالسة. و ان كانت لقوتك
المعارف الالهية و اقتفاء (41) الفضائل
الحلقية عرجت الى افق الملائكة القادسة، فمن كان عاقلا غير عدو لنفسه وجب عليه ان
يصرف جل همه في تحصيل السعادة العلمية و العملية، و ازالة النقائص الكامنة في نفسه، و
ليقتصر على الامور الشهوانية، و اللذات الجسمانية بقدر الضرورة، بان يكتفي من
الغذاء بما يحفظ اعتدال مزاجه و قوام حياته و لا يكون قصده منه الالتذاذ، بل سد
الضرورة و دفع الالم، و لا يضيع وقته في تحصيل ازيد من ذلك، فان تجاوز عنه
فبقدر ما يحفظ رتبته، و لا يوجب مهانته و ذلته، و من اللباس بقدر ما يستر
العورة، و يدفع الحر و البرد، فان تجاوز عن ذلك فبقدر ما لا يؤدي الى حقرته، و لا
يوجب السقوط بين اقرانه و اهل طبقته، و من الجماع بقدر ما يحفظ نوعه «و يبقى
نسله، و ان تعدى فبقدر ما لا يخرجه عن السنة، و ليحذر عن الانهماك في مقتضيات قوتي
الشهوة و الغضب، لانه يوجب الشقاوة الدائمة و الهلاكة السرمدية. فالله الله في
نفوسكم معاشر الاخوان ادركوها قبل ان تغرقوا في بحار المهالك، و تنبهوا عن
نوم الغفلة قبل ان تنسد عليكم السبل و المهالك و بادروا الى تحصيل السعادات
قبل ان تستحكم فيكم الملكات المهلكة، و العادات المفسدة، فان ازالة الرذائل بعد
استحكامها في غاية الصعوبة و المجاهدة مع احزاب الشياطين بعد الكبر قلما يفيد
الاثر، و الغلبة على النفس الامارة بعد ضعف الهرم في غاية الاشكال، الا انه في اي
حال لا ينبغي ان تياسوا من روح الله، فاجتهدوا بقدر القوة و الاستطاعة، فانه
خير من التمادي في الباطل، فلعل الله يدرككم بعظيم رحمته.


و لقد قال الشيخ (42) الفاضل احمد بن محمد بن يعقوب بن مسكويه، و هو الاستاذ في علم
الاخلاق، و اقدم الاسلاميين في تدوينه، «اني تنبهت عن نوم الغفلة بعد الكبر و
استحكام العادة، فتوجهت الى فطام نفسي عن رذائل الملكات، و جاهدت جهادا
عظيما حتى وفقني الله لاستخلاصها عما يهلكها، فلا يياس احد من رحمة الله، فان
النجاة لكل طالب مرجوة، و ابواب الافاضة ابدا مفتوحة » فبادروا اخوانى الى
تهذيب نفوسكم قبل ان يصير الرئيس مرؤسا، و العقل مقهورا، فيفسد جوهركم، و تمسخ
حقيقتكم، و يدرككم الانتكاس في الخلق الذى هو خروج عن افق الانسان و دخول في زمرة
البهائم و السباع و الشياطين، نعوذ بالله من ذلك، و نساله العصمة من الخسران
الذي لا نهاية له. و قد شبه الحكماء من اهمل سياسة نفسه الغافلة بمن له ياقوته شريفة
حمراء، فرماها في نار مضطرمة فيحرقها حتى تصير كلسا (43) لا منفعة فيها.


[تتميم]و لا تظنن ان ما يفوت عن النفس من الصفاء و البهجة لاجل ما يعتريها من
الكدرة الحاصلة معصية من المعاصي يمكن تداركه، فان ذلك محال، اذ غاية الامر ان
تتبع تلك المعصية بحسنة تمحي آثارها، و تعيد النفس الى ما كانت عليه قبل تلك
المعصية، فلا تزداد بتلك الحسنة اشراقا و سعادة، و لو جاء بها من دون سيئة لزاد بها
نور القلب و بهجته، و حصلت له درجة في الجنة، و لما تقدمت السيئة سقطت هذه الفائدة و
انحصرت فائدتها في مجرد عود القلب الى ما كان عليه قبلها، و هذا نقصان لا حيلة
لجبره و مثال ذلك ان المرآة التي تدنست بالخبث و الصدا اذا مسحت بالمصقلة و
ان زال به هذا الخبث، الا انه لا تزيد به جلاء و صفاء، بخلاف ما اذا لم تتدنس اصلا،
فان التصقيل يزيدها صفاء و جلاء، و الى ما ذكر اشار النبي صلى الله عليه و آله و سلم
بقوله: «من قارف ذنبا فارقه عقل لم يعد اليه ابدا» .


تعليقات:


1) اشارة الى ان الفضيلة وسط بين رذيلتين و قد دعى الشارع الى تحصيل الوسط
بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «خير الامور اواسطها» . و سياتي شرح المعنى من
الوسط و الطرفين.


2) الاسراء الآية 72.


3) الحش بالفتح او الضم ثم التشديد و الفتح اكثر من الضم: المخرج و موضع الحاجة
و اصله من الحش بمعنى البستان، لانهم كانوا يتغوطون في البساتين، فلما
اتخذوا الكنيف اطلقوا عليها الاسم مجازا، فالمراد هنا من بئر الحش خزانة
الكنيف.


4) تذكير الضمير باعتبار ارادة الانسان لانه صاحب النفس بل هو هي.


5) المراد من الحق الاول هو الله تبارك و تعالى فكما ان الحق صفة له كذلك
الاول فهو صفة بعد صفة.


6) المراد من النفحات هي الافاضات المعنوية لا النسمات كما وردت بالمعنى
الثاني في بعض الاخبار.


7) العنكبوت الآية: 69.


8) غمرة الشي ء شدته و مزدحمه جمعه غمرات و غمار و غمر و منه غمرات الموت اي مكارهه و
شدائده.


9) الجليل: الكبير في الحجم.


10) هذه الكلمة غير موجودة في نسختنا الخطية لكنها موجودة في نسخة خطية اخرى.


11) العنكبوت الآية؟ 69.


12) هكذا وجدت في النسخة المطبوعة و نسختنا الخطية و الاصح «بها» و ان كانت الكلمة
غير موجودة في نسخة خطية اخرى.


13) التوبة الآية: 49.


14) يس الآية: 54.


15) الطور الآية: 16.


16) هكذا وجدنا العبارة في النسخة الخطية و المطبوعة و لا يخفى ما فيها من
الاجمال.


17) التكوير الآية: 10.


18) ق الآية: 22.


19) الاسراء الآية 13-14.


20) الكهف الآية 49.


21) آل عمران الآية: 30.


22) عبس الآية: 13-15.


23) الزمر الآية: 56.


24) السجدة الآية: 17،


25) ما بين القوسين في الموضع غير موجود في نسختنا الخطية لكنه موجود في نسخة خطية
اخرى و في المطبوعة.


26) ما بين القوسين في الموضعين غير موجود في نسختنا الخطية لكنه موجود في نسخة
خطية اخرى و في المطبوعة.


27) الشمس الآية: 9.


28) البقرة الآية: 129.


29) العنكبوت الآية: 69.


30) و في نسختنا الخطية هكذا «تزين » .


31) الشمس الآية: 9.


32) الشمس الآية: 10.


33) في نسختنا الخطية هكذا «في علله التي تخصها» .


34) السجدة الآية: 17.


35) مستهترا به على بناء اسم المفعول اي مولع به.


36) و في النسخة المخطوطة عندنا «الابتهاج » .


37) المعنى به هو امير المؤمنين علي عليه الصلاة و السلام.


38) المرادهم الذين حصروا اللذات في الحسية و الكلام كله في هذا الراي.


39) الحق ان كل لذة بدنية و نفسية انما هي اشباع شهوة او غريزة تتطلب الاشباع،
حتى طلب المعارف و العلم انما هو لاشباع غريزة حب الاستطلاع، الا ان طلب العلم لا
يصل الى حد الاشباع ابدا، و لذا قال صلى الله عليه و آله و سلم:«منهومان لا يشبعان
طالب علم، و طالب مال » و ليست كذلك الغريزة الجنسية و غريزة حب الاكل و
امثالهما فانها تصل الى حد الاشباع فتكتفي.


40) لم توجد في نسختنا الخطية و لكنها موجودة في نسخة خطية اخرى و في المطبوعة.


41) في نسختنا الخطية هكذا «و اقتناء» .


42) هو الحكيم الاعظم و الفيلسوف الاكبر «ابو على احمد بن محمد» بن يعقوب ابن
مسكويه الخازن «الرازي » الاصل و الاصفهاني المسكن و الخاتمة كان من اعيان
العلماء و اركان الحكماء معاصرا للشيخ ابي علي بن سينا، صحب الوزير المهلبي في
ايام شبابه و كان من خاصته الى ان اتصل بصحبة «عضد الدولة «البويهي فصار من
كبار ندمائه و رسله الى نظرائه ثم اختص بالوزير «ابن العميد» «و ابنه «ابي الفتح »
له مؤلفات كثيرة بعضها في الحكمة و منه كتاب «الفوز الاكبر» و كتاب «الفوز
الاصغر» «و جاويدان خرد» بالفارسية في الحكمة و هو يقرب من خمسة آلاف بيت و بعضها
في التاريخ و منه «تجارب الامم » و بعضها في الاخلاق و منه كتاب «الطهارة »
المشهور و هو الذي قصده «المصنف ره » هنا لانه اول كتاب صنف في علم الاخلاق، و قد مدحه
استاذ البشر و اعلم اهل البدو و الحضر الحجة الاعظم الفيلسوف المحقق الخواجة
«نصير الدين الطوسي » قدس سره بابيات.


و كان (ره) من علمائنا الامامية قدس الله اسرارهم و قبره (باصفهان) على باب (درب
جناد) و قد اشتهر ان السيد (الداماد) الذى كان من اعاظم علمائنا و اكابر حكمائنا
كان كلما اجتاز يقف على قبره و يقرا الفاتحة (الترجمة عن الكنى و الالقاب للمحدث
الشهير الحاج شيخ (عباس القمي) قدس سره مع تصرف يسير منا) .


43) الكلس ما يقوم به الحجر و الرخام و نحوهما و يتخذ منها باحراقها.



/ 15