جامع السعادات جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

جامع السعادات - جلد 1

محمد مهدی النراقی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



المقام الثاني (فيما يتعلق بالقوة الغضبية من الرذائل و الفضائل و كيفية العلاج)


التهور و الجبن و الشجاعة-الخوف-الخوف المذموم و اقسامه- الخوف المحمود
و اقسامه و درجاته-بم يتحقق الخوف-الخوف من الله افضل الفضائل-الخوف اذا
جاوز حده كان مذموما-طرق تحصيل الخوف الممدوح-خوف سوء الخاتمة و اسبابه-الفرق
بين الاطمئنان و الامن من مكر الله-التلازم بين الخوف و الرجاء-مواقع الخوف و
الرجاء و ترجيح احدهما على الآخر-العمل على الرجاء اعلى منه على الخوف-مداواة
الناس بالخوف و الرجاء على اختلاف امراضهم-صغر النفس و كبرها و
صلابتها-الثبات- دناءة الهمة و علوها-الغيرة و الحمية و عدمها-الغيرة على
الدين و الحريم و الاولاد-العجلة-الاناة و التوقف و الوقار و السكينة-سوء
الظن-حسن الظن-الغضب-الافراط و التفريط و الاعتدال في قوته-ذم الغضب-
امكان ازالة الغضب و طرق علاجه-فضيلة الحلم و كظم الغيظ-الانتقام و العفو-العنف
و الرفق-فضيلة الرفق-المداراة-سوء الخلق بالمعنى الاخص- طرق اكتساب حسن
الخلق-الحقد-العداوة الظاهرة-الضرب و الفحش و اللعن و الطعن-العجب-ذمه
آفاته-علاجه اجمالا و تفصيلا-انكسار النفس-الكبر-ذمه-التكبر على الله و
الناس-درجات الكبر-علاجه علما و عملا-التواضع-الذلة-الافتخار-البغي-تزكية
النفس-العصبية- كتمان الحق-الانصاف و الاستقامة على الحق-القساوة. فنقول: اما
جنسا رذائلها (1) «فاحدهما» :

التهور


كما علم، و هو من طرف الافراط: اي الاقدام على ما لا ينبغي و الخوض في ما يمنعه
العقل و الشرع من المهالك و المخاوف. و لا ريب في انه من المهلكات في الدنيا و
الآخرة. و يدل على ذمه كل ما ورد في وجوب محافظة النفس و في المنع عن القائها في
المهالك، كقوله تعالى:

«و لا تلقوا بايديكم الى التهلكة » (2)

و غير ذلك من الآيات و الاخبار. و الحق ان من لا يحافظ نفسه عما يحكم العقل
بلزوم المحافظة عنه فهو غير خال من شائبة من الجنون، و كيف يستحق اسم العقل من
القى نفسه من الجبال الشاهقة و لم يبال بالسيوف الشاهرة، او وقع (3) في الشطوط
الغامرة الجارية و لم يحذر من السباع الضارية. كيف و من القى نفسه فيما يظن
به العطب، فهلك، كان قاتل نفسه بحكم الشريعة، و هو يوجب الهلاكة الابدية و الشقاوة
السرمدية.

و علاجه-بعد تذكر مفاسده في الدنيا و الآخرة-ان يقدم التروى في كل فعل يريد الخوض
فيه، فان جوزه العقل و الشرع و لم يحكما بالحذر عنه ارتكبه، و الا تركه و لم يقدم
عليه. و ربما احتياج في معالجته ان يلزم نفسه الحذر و الاجتناب عن بعض ما
يحكم العقل بعدم الحذر عنه، حتى يقع في طرف التفريط، و اذا علم من نفسه زوال
التهور تركه و اخذ بالوسط الذي هو الشجاعة.

«و ثانيهما» :

الجبن


و هو سكون النفس عن الحركة الى الانتقام او غيره، مع كونها اولى.

و الغضب افراط في تلك الحركة، فله ضدية للغضب باعتبار، و للتهور باعتبار آخر.
و على الاعتبارين هو في طرف التفريط من المهلكات العظيمة، و يلزمه من الاعراض
الذميمة، مهانة النفس، و الذلة، و سوء العيش، و طمع الناس فيما يملكه، و قلة ثباته في
الامور، و الكسل، وجب الراحة، و هو يوجب الحرمان عن السعادات باسرها و تمكين
الظالمين من الظلم عليه، و تحمله للفضائح في نفسه و اهله، و استماع القبائح من
الشتم و القذف، و عدم مبالاته بما يوجب الفضيحة و العار، و تعطيل مقاصدة و
مهماته، و لذلك ورد في ذمة من الشريعة ما ورد قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و
سلم-: «لا ينبغى للمؤمن ان يكون بخيلا و لا جبانا» ، و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-.
«اللهم اني اعوذ بك من البخل، و اعوذ بك من الجبن، و اعوذ بك ان ارد الى
ارذل العمر» .

و علاجه-بعد تنبيه نفسه على نقصانها و هلاكها-ان يحرك الدواعي الغضبية فيما يحصل
به الجبن، فان القوة الغضبية موجودة في كل احد، و لكنها تضعف و تنقص في بعض
الناس فيحدث فيهم الجبن، و اذا حركت و هيجت على التواتر تقوى و تزيد، كما
ان النار الضعيفة تتوقد و تلتهب بالتحريك المتواتر، و قد نقل عن الحكماء انهم
يلقون انفسهم في المخاطرات الشديدة و المخاوف العظيمة دفعا لهذه الرذيلة. و مما
ينفع من المعالجات ان يكلف نفسه على المخاصمة مع من يامن غوائله، تحريكا لقوة
الغضب، و اذا وجد من نفسه حصول ملكة الشجاعة فليحافظ نفسه لئلا يتجاوز و يقع في
طرف الافراط.

وصل


الشجاعة


قد عرفت ان ضد هذين الجنسين هو (الشجاعة) ، فتذكر مدحها و شرافتها، و كلف نفسك
المواظبة على آثارها و لوازمها، حتى يصير ما تكلفته طبعا و ملكة، فترتفع عنك
آثار الضدين بالكلية. و قد عرفت ان الشجاعة طاعة قوة الغضب للعاقلة في الاقدام على
الامور الهائلة و عدم اضطرابها بالخوض في ما يقتضيه رايها. و لا ريب في انها
اشرف الملكات النفسية و افضل الصفات الكمالية، و الفاقد لها برى ء عن الفحلية و
الرجولية، و هو بالحقيقة من النسوان دون الرجال، و قد وصف الله خيار الصحابة بها
في قوله «اشداء على الكفار» (4)

و امر الله نبيه بها بقوله: «و اغلظ عليهم » (5)

اذ الشدة و الغلظة من لوازمها و آثارها، و الاخبار مصرحة باتصاف المؤمن بها.
قال امير المؤمنين (ع) في وصف المؤمن: «نفسه اصلب من الصلد» . و قال الصادق عليه
السلام: «المؤمن اصلب من الجبل اذ الجبل يستفل (6) منه و المؤمن لا يستقل من
دينه » .

و اما الانواع و لوازمها المتعلقة بالقوة الغضبية فمنها:

الخوف


و هو تالم القلب و احتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال مشكوك الوقوع، فلو علم
او ظن حصوله سمى توقعه انتظار مكروه، و كان تالمه اشد من الخوف، و كلامنا في
كليهما. و فرقه عن الجبن على ما قررناه من حدهما ظاهر، فان الجبن هو سكون
النفس عما يستحسن شرعا و عقلا من الحركة الى الانتقام او شى ء آخر، و هذا السكون
قد يتحقق من غير حدوث التالم الذي هو الخوف، مثلا من لا يجترى ء على الدخول في
السفينة او النوم في البيت وحده او التعرض لدفع من يظلمه و يتعرض له يمكن
اتصافه بالسكون المذكور مع عدم تالم بالفعل، فمثله جبان و ليس بخائف. و من
كان له ملكة الحركة الى الانتقام و غيره من الافعال التي يجوزها الشرع و العقل
ربما حصل له التالم المذكور من توقع حدوث بعض المكاره، كما اذا امر السلطان
بقتله، فمثله خائف و ليس بجبان.

ثم الخوف على نوعين: (احدهما) مذموم بجميع اقسامه، و هو الذي لم يكن من الله و
لا من صفاته المقتضية للهيبة و الرعب، و لا من معاصى العبد و جناياته، بل يكون
لغير ذلك من الامور التي ياتى تفصيلها. و هذا النوع من رذائل قوة الغضب من
طرف التفريط، و من نتائج الجبن. و (ثانيهما)

محمود و هو الذي يكون من الله و من عظمته و من خطا العبد و جنايته، و هو من
فضائل القوة الغضبية، اذ العاقلة تامر به و تحسنه، فهو حاصل من انقيادها لها. و
لنفصل القول في اقسام النوعين، و بيان العلاج في ازالة اقسام الاول و تحصيل
الثاني:

فصل


الخوف المذموم و اقسامه


للنوع الاول اقسام يقبحها العقل باسرها و لا يجوزها، فلا ينبغي للعاقل ان يتطرقها
الى نفسه. بيان ذلك: ان باعث هذا الخوف يتصور على اقسام (الاول) ان يكون امرا
ضروريا لازم الوقوع، و لم يكن دفعه في مقدرة البشر. و لا ريب في ان الخوف من مثله
خطا محض، و لا يترتب عليه فائدة سوى تعجيل عقوبة بصده عن تدبير مصالحه الدنيوية و
الدينية. و العاقل لا يتطرق على نفسه مثل ذلك، بل يسلي نفسه و يرضيها بما هو كائن
ادراكا لراحة العاجل و سعادة الآجل.

(الثاني) ان يكون امرا ممكنا لم يجزم بشي ء من طرفيه، و لم يكن لهذا الشخص مدخلية في
وقوعه و لا وقوعه. و لا ريب في ان الجزم بوقوع مثله و التالم لاجله خلاف مقتضى
العقل، بل اللازم ابقاؤه على امكانه من دون جزم بحصوله، ف:

«لعل الله يحدث بعد ذلك امرا» (7)

و هذا القسم مع مشاركته للاول في استلزامه تعجيل العقوبة بلا سبب، لعدم مدخليته
لاختياره فيه، يمتاز عنه بعدم الجزم بوقوعه، فهو بعدم الخوف اولى منه.

(الثالث) ان يكون امرا ممكنا فاعله هذا الشخص، و هو ناشى ء عن سوء اختياره، فعلاجه
الا يرتكبه و لا يقدم على فعل يخاف من سوء عاقبته.

فانه اما فعل غير قبيح من شانه التادي الى ما يضره، و لا ريب في ان ارتكاب
مثله خلاف حكم العقل، و لو ظهر التادي بعد ايقاعه فيكون من الثاني، او فعل قبيح لو
ظهر اوجب الفضيحة و المؤاخذة، و انما فعله ظنا منه انه لا يظهر، ثم يخاف من
الظهور و المؤاخذة، و لا ريب في ان هذا الظن ناشى ء عن الجهل، اذ كل فعل يصدر عن كل
فاعل و لو خفية يمكن ان يظهر، و اذا ظهر يمكن ايجابه للفضيحة و المؤاخذة. و العاقل
العالم بطبيعة الممكن لا يرتكب مثله، فباعث الخوف في الثاني هو الحكم على
الممكن بالوجوب، و في هذا الحكم عليه بالامتناع، و لو حكم عليه بما يقتضي ذاته
امن من الخوفين.

(الرابع) ان يكون مما توحش منه الطباع، بلا داع عقلي و لا باعث نفس امري، كالميت و
الجن و امثالهما، (لا) سيما في الليل مع وحدته، و لا ريب في ان هذا ناشى ء عن قصور
العقل و مقهوريته عن الواهمة، فليحرك القوة الغضبية و يهيجها لتغلب به العاقلة
على الوهم. و ربما ينفع الزام نفسه على الوحدة في الليالي المظلمة و الصبر عليها،
حتى يزول عنه هذا الخوف على التدريج.

ثم لما كان خوف الموت اشد اقسام هذا النوع و اعمها، فلنشر الى علاجه بخصوصه،
فنقول: باعث خوف الموت يحتمل امورا:

(الاول) تصور فناء ذاته بالكلية و صيرورته عدما محضا بالموت.

و لا ريب في كونه ناشئا عن محض الجهل اذ الموت ليس الا قطع علاقة النفس عن بدنه، و
هي باقية ابدا، كما دلت عليه القواطع العقلية و الشواهد الذوقية و الظواهر السمعية، و
لعل ما تقدم يكفي لاثبات هذا المطلوب. و مع قطع النظر عن ذلك نقول: كيف يجوز لمن
له ادنى بصيرة ان يجتمع عظماء نوع الانسان بحذافيرهم، كاهل الوحى و الالهام
و اساطين الحكمة و العرفان على محض الكذب و صرف الباطل! فمن تامل ادنى تامل
يتخلص من هذا الخوف. (الثاني) تصور ايجابه الما جسمانيا عظيما لا يتحمل مثله
و لم يدرك في الحياة شبهه. و هذا ايضا من الخيالات الفاسدة، فان الالم فرع
الحياة، و الالم الجسمانى ما دامت الحياة لا يكون اشد مما رآه كل انسان في
حياته من الاوجاع و قطع الاتصال، و بعد زوال الحياة لا معنى لوجوده، اذ كل جسماني
ادراكه بواسطة الحياة، و بعد انقطاعها لا ادراك، فلا الم.

(الثالث) تصور عروض نقصان لاجله. و هو ايضا غفلة عن حقيقة الموت و الانسان، اذ من
علم حقيقتهما يعلم ان الموت متمم الانسانية و آثارها و المائت جزء لحد الانسان.
و لذا قال اوائل الحكماء: (الانسان حى ناطق مائت) ، و حد الشى ء يوجب كماله لا نقصانه،
فبالموت تحصل التمامية دون النقصان «نشنيده اى كه هر كه بمرد او تمام شد» (8)
فالانسان الكامل يشتاق الى الموت، لاقتضائه تماميته و كماله، و خروجه عن ظلمة
الطبيعة و مجاورة الاشرار الى عالم الانوار و مرافقة الاخيار من العقول
القادسه و النفوس الطاهرة، و اى عاقل لا يرجح الحياة العقلية و الابتهاجات
الحقيقية على الحياة الموحشة الهيولانية، المشوبة بانواع الآلام و المصائب و
اصناف الاسقام و النوائب!

فيا حبيبي! تيقظ من نوم الغفلة و سكر الطبيعة، و استمع النصيحة ممن هو احوج منك
الى النصيحة: حرك الشوق الكامن في جوهر ذاتك الى عالمك الحقيقي و مقرك الاصلى، و
انسلخ عن القشورات الهيولانية، و انقض عن روحك القدسى ما لرزقه من الكدورات
الجسمانية، و طهر نفسك الزكية عن ادناس دار الغرور و ارجاس عالم الزور، و
اكسر قفصك الترابي الظلماني و طر بجناح همتك الى وكرك القدسي النوراني، و ارتفع
عن حضيض الجهل و النقصان الى اوج العزة و العرفان، و خلص نفسك عن مضيق سجن
الناسوت و سيرها في فضاء قدس اللاهوت، فما بالك نسيت عهود الحمى و
ضيت بمصاحبة من لاثبات له و لا وفاء؟ !

زد سحر طائر قدسم ز سر سدره صفيركه در اين دامگه حادثه آرام مگير (9)

(الرابع) صعوبة قطع علاقته من الاولاد و الاموال و المناصب و الاحباب و معلوم
ان هذا ليس خوفا من الموت في نفسه، بل هو حزن على مفارقة بعض الزخارف الفانية. و
علاجه: ان يتذكر ان الامور الفانية مما لا يليق بالعاقل ان يرتبط بها قلبه، و كيف
يحب العاقل خسائس عالم الطبيعة و يطمئن اليها مع علمه بانه عن قريب يفارقها،
فاللازم ان يخرج حب الدنيا و اهلها عن قلبه ليتخلص من هذا الالم.

(الخامس) تصور سرور الاعداء و شماتتهم بموته. و هذا وسوسة شيطانية صادرة عن محض
التوهم، اذ مسرة الاعداء او شماتتهم لا توجب ضررا في ايمانه و دينه، و لا الما
في روحه و جسمه، على ان ذلك لا يختص بالموت، اذ العدو يشمت و يفرح بما يرد عليه في
حال الحياة ايضا من البلايا و المحن فمن كره ذلك فليجتهد في قطع العداوة و
ازالتها بالمعالجات المقررة للحقد و الحسد (السادس) تصور تضييع الاولاد و
العيال، و هلاك الاعوان و الانصار و هذا ايضا من الوساوس الباطلة الشيطانية و
الخواطر الفاسدة النفسانية، اذ ذلك يوجب ظن منشئيته لاستكمال الغير و عزته، و
مدخليته في قوته و ثروته، و ذلك ناشى ء من جهله بالله و بقضائه و قدره، اذ فيضه
الاقدس اقتضى ايصال كل ذرة من ذرات العالم الى ما يليق بها و ابلاغها الى ما
خلقت لاجله، و ليس لاحد ان يغير ذلك او يبدله و لذا ترى اكثر الافاضل يجتهدون
في تربية اولادهم و لا ينجح سعيهم اصلا، و تشاهد غير واحد من الاغنياء يخلفون لاولادهم
اموالا كثيرة و تخرج عن ايديهم في مدة قليلة، و ترى كثيرا من ايتام الاطفال لا
تربية لهم و لا مال، و مع ذلك يبلغون بالتربية الازلية مدارج الكمال، او يحصلون
ما لا حصر له من الاموال. و الغالب ان الايتام الذين ذهب عنهم الآباء في حالة
الصبى تكون ترقياتهم في الآخرة و الدنيا اكثر من الاولاد الذين نشاوا في حجر
الآباء. و التجربة شاهدة بان من اطمان من اولاده بمال يخلفه لهم او ذى قوة يفوض
اليه امورهم، اعتراهم بعده الفقر و الفاقة و الذلة و المهانة، و ربما صار ذلك
سببا لهلاكهم و انقراضهم. و من فوض امورهم الى رب الارباب و خالق العباد
ازداد لهم بعده عزا و قوة و كثرة و ثروة. فاللائق بالعقلاء ان يفوضوا امور الاولاد و
غيرهم من الاقارب و الانصار الى من خلقهم و رباهم، و يوكلهم الى موجدهم و مولاهم،
و هو نعم المولى و نعم الوكيل. و قد ظهر ان الخوف من الموت لاجل البواعث
المذكورة لا وجه له.

ثم ينبغي للعاقل ان يتفكر في ان كل كائن فاسد البتة، كما تقرر في الحكمة. و هو من
الكائنات. و الفساد ضرورى له. فمن اراد وجود بدنه اراد فساده اللازم له، فتمني
دوام الحياة من الخيالات الممتنعة، و العاقل لا يحوم حولها و لا يتمني مثلها. بل
يعلم يقينا ان ما يوجد في النظام الكلي هو الاصلح الاكمل و تغييره ينافي الحكمة و
الخيرية، فيرضى بما هو واقع على نفسه و غيره من غير الم و كدورة. ثم من يتمنى طول
عمره فمقصوده منه ان كان حب اللذات الجسمية و امتداد زمانها، فليعلم ان الشيب
اذا ادركه ضعفت الاعضاء و اختلت القوى و زالت عنه الصحة التي هي عمدة لذاته فضلا
عن غيرها، فلا يلتذ بالاكل و الاجماع و سائر اللذات الحسية، و لا يخلو لحظة عن مرض و
الم، و تتراجع جميع احواله، فتتبدل قوته بالضعف و عزه بالذل، و كذا سائر
احواله، كما اشير اليه في الكتاب الالهي بقوله تعالى:

«و من نعمره ننكسه في الخلق » (10) .

و مع ذلك لا يخلو كل يوم من مفارقة حبيب او شفيق، و مهاجرة قريب او رفيق. و ربما
ابتلى بانواع المصيبات، و يهجم عليه الفقر و الفاقة و النكبات، و طالب العمر
في الحقيقة طالب هذه الزحمات. و ان كان مقصوده منه اكتساب الفضائل العلمية و
العملية، فلا ريب في ان تحصيل الكمالات بعد او ان الشيخوخة في غاية الصعوبة، فمن لم
يحصل الفضائل الخلقية الى ان ادركه الشيب، و استحكمت فيه الملكات المهلكة من
الجهل و غيره، فانى يمكنه بعد ذلك ازالتها و تبديلها بمقابلاتها، اذ رفع ما رسخ
في النفس مع الشيخوخة التى لا يقتدر معها على الرياضات و المجاهدات غير ممكن. و
لذا ورد في الآثار: «ان الرجل اذا بلغ اربعين سنة و لم يرجع الى الخير، جاء
الشيطان و مسح على وجهه و قال: بابي وجه من لا يفلح ابدا» . على ان الطالب للسعادة
ينبغي ان يكون مقصور الهم في كل حال على تحصيلها، و من جملتها دفع طول الامل و
الرضا بما قدر له من طول العمر و قصره، و يكون سعيه ابدا في تحصيل الكمالات بقدر
الامكان و التخلص عن مزاحمة الزمان و المكان، و قطع علاقته من الدنيا و زخارفها
الفانية و الميل الى الحياة و اللذات الباقية، و الاهتمام في كسب
الابتهاجات العقلية و الاتصال التام بالحضرة الالهية، حتى يتخلص عن سجن
الطبيعة و يرتقى الى اوج عالم الحقيقة، فيتفق له الموت الارادى الموجب للحياة
الطبيعية، كما قال (معلم الاشراق) : «مت بالارادة تحيى بالطبيعة » ، فينقل الى مقعد صدق
هو مستقر الصديقين، و يصل الى جوار رب العالمين، و حينئذ يشتاق للموت و لا يبالى
بتقديمه و تاخيره، و لا يركن الى ظلمات البرزخ الذى هو منزل الاشقياء و الفجار و
مسكن الشياطين و الاشرار، و لا يتمنى الحياة الفانية اصلا و ينطق بلسان الحال:

خرم آن روز كزين منزل ويران بروم
راحت جان طلبم و ز پي جانان بروم
بهواى لب او ذره صفت رقص كنان
تا لب چشمه خورشيد درخشان بروم (11)

(السابع) تصور العذاب الجسماني و الروحانى المترتب على ذمائم الاعمال و
قبائح الافعال. و لا ريب في ان الخوف من ذلك ممدوح، و هو معدود من اقسام النوع
الثانى، الا ان البقاء عليه و عدم السعي فيما يدفعه من ترك الخطيئات و كسب
الطاعات جهل و بطالة، اذ هذا الخوف ناشى ء من سوء الاختيار، و قد بعث الله الرسل
و اوصياءهم لاستخلاص الناس عنه.

فعلاجه ترك المعاصى و تحصيل معالى الاخلاق. و معلوم ان المنهمك في المعاصى مع
خوفه من العذاب كالملقي نفسه في البحر او النار مع خوفه من الغرق و الحرق، و لا
ريب في ان ازالة هذا الخوف باختياره، فليترك المعاصي و يجتهد في كسب وظائف
الطاعات ليتخلص عنه، و اهتمام اكابر الدين من الانبياء و المرسلين و الحكماء
و الصديقين في وظائف الطاعات و صبرهم على مشاق العبادات و مجاهدتهم مع جنود
الشياطين انما هو لدفع هذا الخوف عن نفوسهم، فهو في الحقيقة ناشى ء منك و من سوء
اختيارك، فبادر الى تقليله بالمواظبة على صوالح الاعمال و فضائل الافعال. و قد
ياتى ان هذا الخوف هو سوط الله الباعث على العمل، و معه لو كان مفرطا
ليعالج باسباب الرجاء، و بدونه فلا بد ان يكون حتى يبعثه عليه، على انه مع عظم
جرمه و قصور باعه عن تداركه فلا ينبغى ان يياس من روح الله، فلعل واسع الرحمة
السابقة على الغضب يدركه بسابقة من القضاء و القدر.

فصل


الخوف المحمود و اقسامه و درجاته


و للنوع الثاني من الخوف اقسام: (الاول) ان يكون من الله سبحانه و من عظمته و
كبريائه، و هذا هو المسمى بالخشية و الرهبة في عرف ارباب القلوب. (الثاني) من
جناية العبد باقترافه المعاصي. (الثالث) ان يكون منهما جميعا. و كلما ازدادت
المعرفة بجلال الله و عظمته و تعاليه و بعيوب نفسه و جناياته، ازداد الخوف، اذ
ادراك القدرة القاهرة و العظمة الباهرة و القوة القوية و العزة الشديدة، يوجب
الاضطراب و الدهشة، و لا ريب في ان عظمة الله و قدرته و سائر صفاته الجلالية و
الجمالية غير متناهية شدة و قوة و يظهر منها على كل نفس ما يطيقه و يستعد له. و انى
لاحد من اولى المدارك ان يحيط بصفاته على ما هي عليه، فان المدارك عن ادراك غير
المتناهى قاصرة. نعم، لبعض المدارك العالية ان يدركه على الاجمال. مع ان ما يظهر
للعقلاء من صفاته ليس هو من حقيقة صفاته، بل هو غاية ما تتادى اليه عقولهم و يتصور
كمالا، و لو ظهر قدر ذرة من حقيقة بعض صفاته لاقوى العقول و اعلى المدارك، لاحترق من
سبحات وجهه، و تفرقت اجزاؤه من نور ربه. و لو انكشف من بعضها الغطاء لزهقت
النفوس و تقطعت القلوب فغاية ما للمدارك العالية من العقول و النفوس القادسة، ان
يتصور عدم تناهيها في الشدة و القوة، و كونها في الكمال و البهاء غاية ما يمكن و
يتصور و يحتمله ظرف الواقع و نفس الامر، كما هو الشان في ذاته سبحانه. و ادراك
هذه الغاية ايضا يختلف باختلاف علو المدارك، فمن كان في الدرك اقوى و اقدم كان
بربه اعرف، و من كان به اعرف كان منه اخوف، و لذا قال تعالى:

«انما يخشى الله من عباده العلماء» (12)

و قال سيد الرسل: «انا اخوفكم من الله » . و قد قرع سمعك حكايات خوف زمرة المرسلين و
من بعدهم من فرق الاولياء و العارفين، و عروض الغشيات المتواترة في كل ليلة
لمولانا امير المؤمنين عليه السلام.

و هذا مقتضى كمال المعرفة الموجب لشدة الخوف، اذ كمال المعرفة يوجب احتراق
القلب، فيفيض اثر الحرقة من القلب الى البدن بالنحول و الصفار و الغشية و البكاء،
و الى الجوارح بكفها عن المعاصي و تقييدها بالطاعات تلافيا لما فرط في جنب
الله، و من لم يجتهد في ترك المعاصي و كسب الطاعات فليس على شى ء من الخوف، و
لذا قيل: ليس الخائف من يبكى و يمسح عينيه، بل من يترك ما يخاف ان يعاقب عليه. و قال
بعض الحكماء: «من خاف شيئا هرب منه، و من خاف الله هرب اليه » ، و قال بعض العرفاء:

«لا يكون العبد خائفا حتى ينزل نفسه منزلة السقيم الذي يحتمى مخافة طول السقام » . و
الى الصفات بقمع الشهوات و تكدر اللذات، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة،
كما يصير العسل مكروها عند من يشتهيه اذا عرف كونه مسموما، فتحترق الشهوات
بالخوف، و تتادب الجوارح، و يحصل في القلب الذبول و الذلة و الخشوع و الاستكانة،
و تفارقه ذمائم الصفات، و يصير مستوعب الهم بخوفه و النظر في خطر عاقبته، فلا
يتفرغ لغيره، و لا يكون له شغل الا المجاهدة و المحاسبة و المراقبة و الضنة
بالانفاس و اللحظات، و مؤاخذة النفس في الخطرات و الكلمات، و يشتغل ظاهره و باطنه
بما هو خائف منه لا متسع فيه لغيره، كما ان من وقع في مخالب ضارى السبع يكون
مشغول اللهم به و لا شغل له بغيره. و هذا حال من غلبه الخوف و استولى عليه كما
جرى عليه جماعة من الصحابة و التابعين و من يحذوهم من السلف الصالحين فقوة
المجاهدة و المحاسبة بحسب شدة الخوف الذى هو حرقة القلب و تالمه، و هو بحسب قوة
المعرفة بجلال الله و عظمته و سائر صفاته و افعاله، و بعيوب النفس و ما بين يديها
من الاخطار و الاهوال.

و اقل درجات الخوف مما يظهر اثره في الاعمال ان يكف عن المحظورات و يسمى الكف
منها (ورعا) ، فان زادت قوته كف عن الشبهات، يسمى ذلك (تقوى) اذ التقوى ان
يترك ما يريبه الى ما لا يربيه، و قد يحمله على ترك ما لا باس به مخافة ما به باس، و
هو الصدق في التقوى، فاذا انضم اليه التجرد للخدمة، و صار ممن لا يبني ما لا يسكنه،
و لا يجمع مالا ياكله، و لا يلتفت الى دنيا يعلم انه يفارقها، و لا يصرف الى غير
الله نفسا عن انفاسه، فهو (الصدق) ، و يسمى صاحبه (صديقا) ، فيدخل في الصدق التقوى،
و في التقوى الورع، و في الورع العفة، لانها عبارة عن الامتناع من مقتضى
الشهوات.

فاذن يؤثر الخوف في الجوارح بالكف و الاقدام.

فصل


بم يتحقق الخوف


اعلم ان الخوف لا يتحقق الا بانتظار مكروه، و المكروه اما ان يكون مكروها فى
ذاته كالنار، او مكروها لافضائه الى المكروه في ذاته كالمعاصي المفضية الى
المكروه لذاته في الآخرة، و لا بد لكل خائف ان يتمثل في نفسه مكروه من احد القسمين،
و يقوى انتظاره في قلبه حتى يتالم قلبه بسبب استشعاره ذلك المكروه، و يختلف
مقام الخائفين فيما يغلب على قلوبهم من المكروهات المحظورة:

فالذين يغلب على قلوبهم خوف المكروه لذاته، فاما ان يكون خوفهم من سكرات
الموت و شدته و سؤال النكيرين و غلظته، او عذاب القبر و وحدته و هول المطلع و
وحشته، او من الموقف بين يدى الله و هيبته و الحياء من كشف سريرته، او من
الحساب و دقته و الصراط وحدته، او من النار و اهوالها و الجحيم و اغلالها، او
الحرمان من دار النعيم و عدم وصوله الى الملك المقيم، او من نقصان درجاته في
العليين و عدم مجاورته المقربين، او من الله سبحانه بان يخاف جلاله و عظمته
و البعد و الحجاب منه و يرجو القرب منه، و هذا اعلاها رتبة، و هو خوف ارباب
القلوب العارفين من صفاته ما يقتضي الهيبة و الخوف، و العالمين بلذة الوصال و
الم البعد و الفراق و المطلعين على سر قوله:

«و يحذركم الله نفسه » (13) ، و قوله: «اتقوا الله حق تقاته » (14) .

و قيل: ذلك خوف العابدين و الزاهدين و كافة العاملين.

و اما الذين غلب على قلوبهم خوف المكروه لغيره، فاما يكون خوفهم من الموت قبل
التوبة، او نقضها قبل انقضاء المدة، او من ضعف القوة عن الوفاء بتمام حقوق الله،
او تخليته مع حسناته التي اتكل عليها و تعزز بها في عباد الله، او من الميل عن
الاستقامة، او الى اتباع الشهوات المالوفة استيلاء للعادة، او تبديل رقة القلب
الى القساوة، او تبعات الناس عنده من الغش و العداوة، او من الاشتغال عن الله
بغيره، او حدوث ما يحدث في بقية عمره، او من البطر و الاستدراج بتواتر النعم، او
انكشاف غوائل طاعته حتى يبدو له من الله ما لم يعلم، او من الاغترار بالدنيا و
زخارفها الفانية، او تعجيل العقوبة بالدنيا و افتضاحه بالعلانية، او من اطلاع
الله على سريرته و هو عنه غافل، و توجهه الى غيره و هو اليه ناظر، او من الختم له
عند الموت بسوء الخاتمة، او مما سبق له في الازل من السابقة. و هذه كلها مخاوف
العارفين.

و لكل واحد منها خصوص فائدة، هو الحذر عما يفضى الى الخوف، فالخائف من تبعات
الناس يجتهد في براءة ذمته عنها، و من استيلاء العادة يواظب على فطام نفسه
عنها. و من اطلاع الله على سريرته يشتغل بتطهير قلبه عن الوساوس. و هكذا في بقية
الاقسام.

و اغلب هذه المخاوف على المتقين خوف سوء الخاتمة، و هو الذي قطع قلوب العارفين،
اذ الامر فيه مخطر-كما ياتي-و اعلى الاقسام و ادلها على كمال المعرفة خوف
السابقة، لان الخاتمة فرع السابقة، و يترتب عليها بعد تخلل اسباب كثيرة، و لذا قال
العارف الانصاري: «الناس يخافون من اليوم الآخر و انا اخاف من اليوم الاول »
. فالخاتمة تظهر ما سبق به القضاء في ام الكتاب، و اليه اشار النبي-صلى الله
عليه و آله و سلم-في المنبر، حيث رفع يده اليمنى قابضا على كفه، ثم قال: «ا تدرون
ايها الناس ما في كفى؟ » ، قالوا: الله و رسوله اعلم، قال: «اسماء اهل الجنة و اسماء
آبائهم و قبائلهم الى يوم القيامة » . ثم رفع يده اليسرى و قال: «ايها الناس! ا
تدرون ما في كفى؟ » قالوا: الله و رسوله اعلم، فقال: اسماء اهل النار و اسماء
آبائهم و قبائلهم الى يوم القيامة » . ثم قال: «حكم الله و عدل، حكم الله » :

«فريق في الجنة و فريق فى السعير» (15) .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «يسلك بالسعيد في طريق الاشقياء حتى يقول الناس:
ما اشبهه بهم بل هو منهم، ثم تتداركه السعادة. و قد يسلك بالشقي طريق السعداء حتى
يقول الناس: ما اشبهه بهم، بل هو منهم، ثم يتداركه الشقاء. ان من كتبه الله سعيدا
و ان لم يبق من الدنيا الا فواق ناقة ختم له بالسعادة » (16) ،

فصل


الخوف من الله افضل الفضائل


الخوف منزل من منازل الدين و مقام من مقامات الموقنين، و هو افضل الفضائل
النفسانية، اذ فضيلة الشى ء بقدر اعانته على السعادة، و لا سعادة كسعادة لقاء الله و
القرب منه، و لا وصول اليها الا بتحصيل محبته و الانس به، و لا يحصل ذلك الا
بالمعرفة، و لا تحصل المعرفة الا بدوام الفكر، و لا يحصل الانس الا بالمحبة و دوام
الذكر، و لا تتيسر المواظبة على الفكر و الذكر الا بانقلاع حب الدنيا من القلب، و
لا ينقلع ذلك الا بقمع لذاتها و شهواتها، و اقوى ما تنقمع به الشهوة هو نار الخوف،
فالخوف هو النار المحرقة للشهوات، فاذن فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات و يكف
من المعاصى و يحث على الطاعات، و يختلف ذلك باختلاف درجات الخوف -كما مر-.

و قيل: من انس بالله، و ملك الحق قلبه، و بلغ مقام الرضا، و صار مشاهدا لجمال
الحق: لم يبق له الخوف، بل يتبدل خوفه بالامن، كما يدل عليه قوله سبحانه:

«اولئك لهم الامن و هم مهتدون » (17)

اذ لا يبقى له التفات الى المستقبل، و لا كراهية من مكروه، و لا رغبة الى محبوب،
فلا يبقى له خوف و لا رجاء، بل صار حاله اعلى منهما. نعم، لا يخلو عن الخشية-اي الرهبة
من الله و من عظمته و هيبته-و اذا صار متجليا بنظر الوحدة لم يبق فيه اثر من
الخشية ايضا، لانه من لوازم التكثر، و قد زال. و لذا قيل: «الخوف حجاب بين الله
و بين العبد» . و قيل ايضا:

«اذا ظهر الحق على السرائر لا يبقى فيها محل لخوف و لا رجاء» . و قيل ايضا: «المحب
اذا شغل قلبه في مشاهدة المحبوب بخوف الفراق كان ذلك نقصا في دوام الشهود الذي
هو غاية المقامات » .

و انت خبير بان هذه الاقوال مما لا التفات لنا اليها، فلنرجع الى ما كنا بصدده
من بيان فضيلة الخوف، فنقول: الآيات و الاخبار الدالة عليه اكثر من ان تحصى، و قد
جمع الله للخائفين العلم و الهدى و الرحمة و الرضوان، و هي مجامع مقامات اهل
الجنان، فقال:

«انما يخشى الله من عباده العلماء» (18) . و قال: «هدى و رحمة للذين هم لربهم يرهبون » (19) .
و قال: «رضي الله عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشى ربه » (20) .

و كثير من الايات مصرحة بكون الخوف من لوازم الايمان، كقوله تعالى:

«انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم » (21)

و قوله: «و خافون ان كنتم مؤمنين » (22)

و مدح الخائفين بالتذكر في قوله:

«سيذكر من يخشى » (23)

و وعدهم الجنة و جنتين، بقوله:

«و اما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنة هي الماوى » (24) . و قوله:
«و لمن خاف مقام ربه جنتان » (25) .

و في الخبر القدسي: «و عزتي لا اجمع على عبدي خوفين و لا اجمع له امنين، فاذا امننى
في الدنيا اخفته يوم القيامة، و اذا خافني في الدنيا امنته يوم القيامة » . و
قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم- «راس الحكمة مخافة الله » ، و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «من خاف الله اخاف الله منه كل شي ء، و من لم يخف الله اخافه
الله من كل شي ء» (26) ، و قال لابن مسعود: «ان اردت ان تلقاني فاكثر من الخوف بعدي » ، و
قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اتمكم عقلا اشدكم الله خوفا» .

و عن ليث بن ابي سليم قال: «سمعت رجلا من الانصار يقول: بينما رسول الله مستظل بظل
شجرة في يوم شديد الحر، اذ جاء رجل فنزع ثيابه، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء، يكوى
ظهره مرة، و بطنه مرة، و جبهته مرة، و يقول: يا نفس ذوقي، فما عند الله اعظم مما
نعت بك. و رسول الله ينظر اليه ما يصنع. ثم ان الرجل لبس ثيابه، ثم اقبل، فاومى
اليه النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-بيده و دعاه، فقال له: يا عبد الله! رايتك
صنعت شيئا ما رايت احدا من الناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟ فقال الرجل:

حملنى على ذلك مخافة الله، فقلت لنفسي: يا نفس ذوقي فما عند الله اعظم مما صنعت بك.
فقال النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-: لقد خفت ربك حق مخافته، و ان ربك ليباهي بك
اهل السماء، ثم قال لاصحابه: يا معشر من حضر! ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم.
فدنوا منه، فدعا لهم، و قال اللهم اجمع امرنا على الهدى و اجعل التقوى زادنا، و
الجنة مآبنا» .

و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ما من مؤمن يخرج من عينيه دمعة، و ان كانت مثل
راس الذباب، من خشية الله، ثم يصيب شيئا من حر وجهه، الا حرمه الله على النار» ، و
قال: «اذا اقشعر قلب المؤمن من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجر
ورقها» ، و قال: «لا يلج النار احد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع » . و قال
سيد الساجدين (ع)

في بعض ادعيته: «سبحانك! عجبا لمن عرفك كيف لا يخافك » . و قال الباقر عليه
السلام: «صلى امير المؤمنين عليه السلام بالناس الصبح بالعراق، فلما انصرف
وعظهم، فبكى و ابكاهم من خوف الله، ثم قال: اما و الله لقد عهدت اقواما على عهد
خليلي رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: و انهم ليصبحون و يمسون شعثا غبرا
خمصا بين اعينهم كركب البعير يبيتون لربهم سجدا و قياما، يراوحون بين
اقدامهم و جباههم، يناجون ربهم في فكاك رقابهم من النار و الله لقد رايتهم مع هذا
و هم خائفون مشفقون » ، و في رواية اخرى: «و كان زفير النار في آذانهم، اذا ذكر
الله عندهم مادوا كما تميد الشجر، كانما القوم باتوا غافلين » ، ثم قال عليه
السلام: «فما رئي عليه السلام بعد ذلك ضاحكا حتى قبض » . و قال الصادق عليه
السلام: «من عرف الله خاف الله و من خاف الله سخت نفسه عن الدنيا» . و قال عليه
السلام: «ان من العبادة شدة الخوف من الله تعالى يقول: «انما يخشى الله من
عباده العلماء» . و قال:

«فلا تخشوا الناس و اخشون » (27) . قال: «و من يتق الله يجعل له مخرجا» (28) .

و قال: «ان حب الشرف و الذكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب »

و قال عليه السلام: «المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى ما يدري ما صنع الله فيه، و
عمر قد بقى لا يدرى ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح الا خائفا و لا يصلحه الا
الخوف » ، و قال (ع) : «خف الله كانك تراه، و ان كنت لا تراه فانه يراك، و ان كنت ترى
انه لا يراك، فقد كفرت، و ان كنت تعلم انه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من
اهون الناظرين اليك » ، و قال (ع)

«لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، و لا يكون خائفا راجيا حتى يكون
عاملا لما يخاف و يرجو» ، و قال (ع) : «مما حفظ من خطب النبي -صلى الله عليه و آله و
سلم-انه قال: ايها الناس! ان لكم معالم فانتهوا الى معالمكم، و ان لكم نهاية
فانتهوا الى نهايتكم، الا ان المؤمن يعمل بين مخافتين بين اجل قد مضى لا يدري
ما الله صانع فيه و بين اجل قد بقى لا يدرى ما الله قاض فيه، فلياخذ العبد المؤمن
من نفسه لنفسه و من دنياه لآخرته، و من الشبيبة قبل الكبر، و في الحياة قبل
الممات، فو الذى نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب و ما بعدها من دار الا
الجنة او النار» .

ثم الاخبار الواردة في فضل العلم و التقوى و الورع و البكاء و الرجاء تدل على
فضل الخوف، لان جملة ذلك متعلقة به تعلق السبب او تعلق المسبب، اذ العلم سبب
الخوف، و التقوى و الورع يحصلان منه و يترتبان عليه-كما ظهر مما سبق-و البكاء
ثمرته و لازمه، و الرجاء يلازمه و يصاحبه اذ كل من رجا محبوبا فلا بد ان يخاف
فوته، اذ لو لم يخف فوته لم يحبه فلا ينفك احدهما عن الآخر، و ان جاز غلبة احدهما
على الآخر، اذ من شرطهما تعلقهما بالمشكوك، لان المعلوم لا يرجى و لا يخاف،
فالمحبوب المشكوك فيه تقدير وجوده يروح القلب و هو الرجاء، و تقدير عدمه يؤلمه و هو
الخوف، و التقديران يتقابلان. نعم احد طرفي الشك قد يترجح بحضور بعض الاسباب، و
يسمى ذلك ظنا، و مقابله و هما، فاذا ظن وجود المحبوب قوى الرجاء و ضعف الخوف
بالاضافة اليه، و كذا بالعكس، و على كل حال فهما متلازمان، و لذلك قال الله
سبحانه.

«و يدعوننا رغبا و رهبا» (29) . و قال: «يدعون ربهم خوفا و طمعا» (30) .

و قد ظهر ان ما يدل على فضل الخمسة يدل على فضيلته، و كذا ما ورد في ذم الامن من
مكر الله يدل على فضيلته، لانه ضده، و ذم الشي ء مدح لضده الذي ينفيه. و مما يدل على
فضيلته ما ثبت بالتواتر من كثرة خوف الملائكة و الانبياء و ائمة الهدى-عليهم
السلام-كخوف جبرائيل، و ميكائيل، و اسرافيل، و حملة العرش، و غيرهم من الملائكة
المهيمين و المسلمين. و كخوف نبينا، و ابراهيم، و موسى، و عيسى، و داود، و يحيى.
. . و غيرهم. و خوف امير المؤمنين و سيد الساجدين و سائر الائمة الطاهرين-عليهم
السلام-و حكاية خوف كل منهم في كتب المحدثين مذكورة و في زبرهم مسطورة، فليرجع
اليها من اراد، و من الله العصمة و السداد.

فصل


الخوف اذا جاوز حده كان مذموما


اعلم ان الخوف ممدوح الى حد، فان جاوزه كان مذموما. و بيان ذلك:

ان الخوف سوط الله الذى يسوق به العباد الى المواظبة على العلم و العمل،
لينالوا بهما رتبة القرب اليه تعالى و لذة المحبة و الانس به، و كما ان السوط
الذي تساق به البهيمة و يادب به الصبي، له حد في الاعتدال. لو قصر عنه لم يكن
نافعا في السوق و التاديب، و لو تجاوز عنه في المقدار او الكيفية او المبالغة
في الضرب كان مذموما لادائه الى اهلاك الدابة و الصبي، فكذلك الخوف الذي هو سوط
الله لسوق عباده له حد في الاعتدال و الوسط، و هو ما يوصل الى المطلوب، فان كان
قاصرا عنه كان قليل الجدوى، و كان كقضيب ضعيف يضرب به دابة قوية، فلا يسوقها الى
المقصد. و مثل هذا الخوف يجرى مجرى رقة النساء عند سماع شي ء محزن يورث فيهن البكاء،
و بمجرد انقطاعه يجر عن الى حالهن الاولى، او مجرى خوف بعض الناس عند مشاهدة
سبب هائل، و اذا غاب ذلك السبب عن الحس رجع القلب الى الغفلة.

فهذا خوف قاصر قليل الجدوى. فالخوف الذي لا يؤثر في الجوارح بكفها عن المعاصي و
تقييدها بالطاعات حديث نفس و حركة خاطر لا يستحق ان يسمى خوفا. و لو كان مفرطا
ربما جاوز الى القنوط و هو ضلال:

«و من يقنط من رحمة ربه الا الضالون » (31)

او الى الياس و هو كفر:

«لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون » (32)

و لا ريب في ان الخوف المجاوز الى الياس و القنوط يمنع من العمل، لرفعهما نشاط
الخاطر الباعث على الفعل، و ايجابهما كسالة الاعضاء المانعة من العمل. و مثل
هذا الخوف محض الفساد و النقصان و عين القصور و الخسران و لا رجحان له في نظر
العقل و الشرع مطلقا، اذ كل خوف بالحقيقة نقص لكونه منشا العجز، لانه متعرض لمحذور لا
يمكنه دفعه، و باعث الجهل لعدم اطلاعه على عاقبة امره، اذ لو علم ذلك لم يكن خائفا،
لما مر من ان الخوف هو ما كان مشكوكا فيه، فبعض افراد الخوف انما يصير
كمالا بالاضافة الى نقص اعظم منه، و باعتبار رفعه المعاصي و افضائه الى ما
يترتب عليه من الورع و التقوى و المجاهدة و الذكر و العبادة و سائر الاسباب
الموصلة الى قرب الله و انسه، و لو لم يؤد اليها كان في نفسه نقصا لا كمالا، اذ
الكمال في نفسه هو ما يجوز ان يوصف الله تعالى به، كالعلم و القدرة و امثالهما،
و ما لا يجوز وصفه به ليس كمالا في ذاته، و ربما صار محمودا بالاضافة الى غيره و
بالنظر الى بعض فوائده، فما لا يفضى الى فوائده المقصودة منه لافراطه فهو
مذموم، و ربما اوجب الموت او المرض او فساد العقل، و هو كالضرب الذي يقتل
الصبي او يهلك الدابة او يمرضها او يكسر عضوا من اعضائها. و انما مدح صاحب
الشرع الرجاء و كلف الناس به ليعالج به صدمة الخوف المفرط المفضي الى الياس او
الى احد الامور المذكورة. فالخوف المحمود ما يفضى الى العمل مع بقاء الحياة و
صحة البدن و سلامة العقل، فان تجاوز الى ازالة شي منها فهو مرض يجب علاجه، و كان
بعض مشائخ العرفاء يقول للمرتاضين من مريديه الملازمين للجوع اياما كثيرة:
احفظوا عقولكم، فانه لم يكن لله تعالى ولي ناقص العقل، و ما قيل: «ان من مات من خوف
الله تعالى مات شهيدا، معناه ان موته بالخوف افضل من موته في هذا الوقت بدونه،
فهو بالنسبة اليه فضيلة، لا بالنظر الى تقدير بقائه و طول عمره في طاعة الله و
تحصيل المعارف اذ للمترقى في درجات المعارف و الطاعات له في كل لحظة ثواب
شهيد او شهداء فافضل السعادات طول العمر في تحصيل العلم و العلم، فكل ما يبطل
العمر او العقل و الصحة فهو خسران و نقصان.

فصل


طرق تحصيل الخوف الممدوح


لتحصيل الخوف الممدوح و جلبه طرق:

(الاول) ان يجتهد في تحصيل اليقين. اي قوة الايمان بالله، و اليوم الآخر، و
الجنة، و النار، و الحساب، و العقاب. و لا ريب في كونه مهيجا للخوف من النار و
الرجاء للجنة. ثم الخوف و الرجاء يؤديان الى الصبر على المكاره و المشاق، و هو
الى المجاهدة و التجرد لذكر الله تعالى و الفكر فيه على الدوام، و يقوى دوام
الذكر على الانس، و دوام الفكر على كمال المعرفة، و يؤدى الانس و كمال المعرفة
الى المحبة، و يتبعها الرضا و التوكل و سائر المقامات. و هذا هو الترتيب في
سلوك منازل الدين، فليس بعد اصل اليقين مقام سوى الخوف و الرجاء، و لا بعدهما مقام
سوى الصبر، و لا بعده سوى المجاهدة و التجرد لله ظاهرا و باطنا، و لا بعده سوى
الهداية و المعرفة، و لا بعدهما سوى الانس و المحبة. و من ضرورة المحبة الرضا بفعل
المحبوب و الثقة بعناية، و هو التوكل. فاليقين هو سبب الخوف، فيجب تحصيل
السبب ليؤدي الى المسبب.

(الثاني) ملازمة التفكر في احوال القيامة، و اصناف العذاب في الآخرة و استماع
المواعظ المنذرة، و النظر الى الخائفين و مجالستهم، و مشاهدة احوالهم و استماع
حكاياتهم. و هذا مما يستجلب الخوف من عذابه تعالى، و هو خوف عموم الخلق، و هو
يحصل بمجرد اصل الايمان بالجنة و النار، و كونهما جزاءين على الطاعة و المعصية، و
انما يضعف للغفلة او ضعف الايمان، و تزول الغفلة و الضعف بما ذكر. و اما الخوف من
الله بان يخاف البعد و الحجاب و يرجو القرب و الوصال، و هو خوف ارباب القلوب،
العارفين من صفاته ما يقتضي الخوف و الهيبة، المطلعين على سر قوله:

«و يحذركم الله نفسه » (33) . و قوله: «اتقوا الله حق تقاته » (34) .

فالعلاج في تحصيله الارتقاء الى ذروة المعرفة، اذ هذا الخوف ثمرة المعرفة
بالله و بصفات جلاله و جماله، و من لم يمكنه ذلك فلا يترك سماع الاخبار و الآثار
و ملاحظة احوال الخائفين من هيبته و جلاله، كالانبياء و الاولياء و زمرة العرفاء،
فانه لا يخلو عن تاثير.

(الثالث) ان يتامل في ان الوقف على كنه صفات الله في حيز المحال، و ان الاحاطة
بكنه الامور ليس فى مقدرة البشر، اذ هي مرتبطة بالمشية ارتباطا يخرج عن حد
المعقول و المالوف. و من عرف ذلك على التحقيق يعلم ان الحكم على امر من الامور
الآتية غير ممكن بالحدس و القياس، فضلا عن القطع و التحقيق، و حينئذ يعظم خوفه و يشتد
المه، و ان كانت الخيرات كلها له ميسرة و نفسها عن الدنيا بالمرة منقطعة. و الى
الله بشراشرها ملتفتة، اذ خطر الخاتمة و عسر الثبات على الحق مما لا يمكن دفعه،
و كيف يحصل الاطمئنان من تغير الحال، و قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع
الرحمن، و انه اشد تقلبا من القدر في غليانها، و قد قال مقلب القلوب:

«ان عذاب ربهم غير مامون » (35)

فانى للناس ان يطمئنوا و هو يناديهم بالتحذر، و لذا قال بعض العرفاء:

«لو حالت بيني و بين من عرفته بالتوحيد خمسين سنة اسطوانة فمات لم اقطع له
بالتوحيد، لاني لا ادري ما ظهر له من التقلب » (36) .

فصل


خوف سوء الخاتمة و اسبابه


قد اشير الى ان اعظم المخاوف خوف سوء الخاتمة، و له اسباب مختلفة ترجع الى ثلاثة:

(الاول) و هو الاعظم، و هو ان يغلب على القلب عند سكرات الموت و ظهور اهواله، اما
الجحود او الشك، فتقبض الروح في تلك الحالة، و تصير عقدة الجحود او الشك
حجابا بينه و بين الله تعالى، و ذلك يقتضى البعد الدائم، و الحرمان اللازم، و
خسران الابد، و العذاب المخلد.

ثم هذا الجحود او الشك اما يتعلق ببعض العقائد الاصولية، كالتوحيد و علمه
تعالى او غير ذلك من صفاته الكمالية، او بضروريات امر الآخرة و النبوة. و كل
واحد من ذلك كاف في الهلاك و زهوق النفس على الزندقة.

او يتعلق بجميعها اما اصالة او سراية، و المراد بالسراية ان الرجل ربما اعتقد
في ذات الله و صفاته و افعاله خلاف ما هو الحق و الواقع، اما برايه و معقوله،
او بالتقليد، فاذا قرب الموت و ظهرت سكراته و اضطرب القلب بما فيه، ربما
انكشف بطلان ما اعتقده جهلا، اذ حال الموت حال كشف الغطاء، و يكون ذلك سببا
لبطلان بقية اعتقاداته او الشك فيها، و ان كانت صحيحة مطابقة للواقع، اذ لم يكن
عنده اولا فرق بين هذا الاعتقاد الفاسد الذي انكشف فساده و بين سائر عقائده
الصحيحة، فاذا علم خطاه في البعض لم يبق له اليقين و الاطمئنان في البواقي. كما
نقل ان (الفخر الرازي) بكى يوما، فسالوه عن سبب بكائه، قال: «اعتقدت في مسالة منذ
سبعين سنة على نحو انكشف اليوم لي بطلانه، فما ادراني ان لا تكون سائر عقائدي كذلك »

و بالجملة: ان اتفق زهوق روحه في هذه الخطرة قبل ان ينيب و يعود الى اصل الايمان،
فقد ختم له بالسوء و خرجت روحه على الشرك، اعاذنا الله منه، و ثبتنا على الاعتقاد
الحق لديه، و هم المقصودون من قوله:

«و بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون » (37) .

و من قوله: «قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم
يحسبون انهم يحسنون صنعا» (38) .

و البله: اعنى الذين آمنوا بالله و رسوله و اليوم الآخر ايمانا مجملا راسخا،
بمعزل عن هذا الخطر، و لذلك ورد: ان اكثر اهل الجنة البله. و ورد المنع من البحث
و النظر و الخوض في الكلام، و الاخذ بظواهر الشرع، مع اعتقاد كونه تعالى منزها عن
النقص متصفا بما هو الغاية و النهاية من صفات الكمال و السر في ذلك: ان البله
اذا اخذوا بما ورد من الشرع و اعتقدوا به، يثبتون عليه لقصور اذهانهم عن درك
الشبهات و عدم اعتيادهم بالتشكيك، فلا يختلج ببالهم شك و شبهة و لو عند الموت.

و اما الخائضون في غمرات البحث و النظر، و الآخذون عقائدهم من عقولهم المزجاة،
فليس لهم تثبت على عقائدهم، اذ العقول عن درك صفات الله و سائر العقائد الاصولية على
ما هي عليه قاصرة، و الادلة التي يستخرجها مضطربة متعارضة. و ابواب الشكوك و
الشبهات بالخوض و البحث تصير مفتوحة.

فاذهانهم دائما محل تعارض العقائد و الشكوك، فربما ثبتت لهم عقيدة بملاحظة بعض
دلائله، فيحصل لهم فيها طمانينة، ثم يعرض لهم شك يرفعها او يضعفها، فهم دائما في
غمرات الحيرة و الاضطراب. فاذا كان حالهم هذا فاخذتهم سكرات الموت، فاى
استبعاد في ان يختلج لهم حينئذ شك في بعض عقائدهم. و مثله مثل من انكسرت سفينته و
هو في ملتطم الامواج يرميه موج الى موج، و الغالب في مثله الهلاك، و ان اتفق
نادرا ان يرميه موج الى الساحل.

و قد نقل عن (نصير الدين الحلي) -و هو من اعاظم المتكلمين-انه قال:

«اني تفكرت في العلوم العقلية سبعين سنة، و صنفت فيها من الكتب ما لا يحصى، لم يظهر
لي منها شي ء سوى ان لهذا المصنوع صانعا، و مع ذلك عجائز القوم في ذلك اشد يقينا منى »
. فالصواب تلقى اصل الايمان و العقائد من صاحب الوحى، مع تطهير الباطن عن
خبائث الاخلاق، و الاشتغال بالطاعات و صوالح الاعمال، و عدم التعرض لما هو
خارج عن طاقتهم من التفكر في حقائق المعارف، الا من ايده الله بالقوة القدسية و
القريحة المستقيمة، و اشرق نور الحكمة في قلبه. و شمله خفى الالطاف من ربه، فله
الخوض في غمرات العلوم. و اما غيره فينبغي ان ياخذ منه اصول عقائده الواردة من
الشرع، و يشتغل بخدمته حتى تشمله بركات انفاسه، فان العاجز عن المجاهدة فى صف
القتال ينبغي ان يسقي القوم و يتعهد دوابهم، ليحشر يوم القيامة في زمرتهم و ان
كان فاقدا لدرجتهم.

(الثاني) ضعف الايمان في الاصل، و مهما ضعف الايمان ضعف حب الله و قوى حب الدنيا
في القلب، و استولى عليه بحيث لا يبقى في القلب موضع لحب الله الا من حيث حديث النفس،
فلا يظهر له اثر في مخالفة النفس و الشيطان، فيورث ذلك الانهماك في اتباع
الشهوات، حتى يظلم القلب و يسود، و تتراكم ظلمة الذنوب عليه، و لا يزال يطفى ء ما
فيه من نور الايمان حتى ينطفى ء بالكلية، فاذا جاءت سكرة الموت ازداد حب الله
ضعفا، و ربما عدم بالمرة، لما يستشعر من فراقه محبوبه الغالب على قلبه و هو
الدنيا، فيتالم و يرى ذلك من الله، فيختلج ضميره بانكاره ما قدره الله من
الموت، و ربما يحدث في باطنه بغض الله بدل الحب، لما يرى ان موته من الله، كما
ان من يحب ولده حبا ضعيفا، اذا اخذ مالا له هو احب اليه منه و اتلفه، و انقلب حبه
بغضا. فان اتفق زهوق روحه في تلك اللحظة التي خطر فيها هذه الخطرة فقد ختم له
بالسوء. نعوذ بالله من ذلك.

و قد ظهر ان السبب المفضي الى ذلك غلبة حب الدنيا مع ضعف الايمان الموجب لضعف
حب الله، فمن وجد في قلبه حب الله اغلب من حب الدنيا فهو ابعد من هذا الخطر، و ان
احب الدنيا ايضا، و من وجد في قلبه عكس ذلك فهو قريب من هذا الخطر. و السبب في
قلة حب الله قلة المعرفة به، اذ لا يحب الله الا من عرفه، و الى هذا القسم من سوء
الخاتمة اشير في الكتاب الالهى بقوله:

«قل ان كان آباؤكم و ابناؤكم و اخوانكم و ازواجكم و عشيرتكم و اموال
اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها احب اليكم من الله و
رسوله و جهاد فى سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بامره » (39)

فمن فارقته روحه فى حالة كراهة فعل الله و بغضه له في تفريقه بينه و بين اهله و
ماله و سائر محابه، فيكون موته قدوما على ما ابغضه و فراقا لما احبه فيقدم على
الله قدوم العبد المبغض الآبق اذا قدم به على مولاه قهرا، و لا يخفى ما يستحق مثله
من الخزى و النكال و اما الذى يموت على حب الله و الرضا بفعله كان قدومه قدوم العبد
المحسن المشتاق الى مولاه، و لا يخفى ما يلقاه من الفرح و السرور.

(و الثالث) كثرة المعاصي و غلبة الشهوات، و ان قوى الايمان. و بيان ذلك: ان
مفارقة المعاصي سببها غلبة الشهوات و رسوخها في القلب بكثرة الالف و العادة، و
جميع ما الفه الانسان في عمره يعود ذكره في قلبه عند موته، فان كان اكثر ميله
الى الطاعات كان اكثر ما يحضره عند الموت طاعة الله، و ان كان اكثر ميله الى
المعاصى غلب ذكرها على قلبه عنده، و ان كان اكثر شغله السخرية و الاستهزاء و المزاح
و امثال ذلك كان الغالب عند الموت ذلك، و هكذا الحال فى جميع الاشغال و
الاعمال الغالبة في عمره، فانها تغلب على قلبه عند موته، فربما يقبض روحه عند غلبة
شهوة من شهوات الدنيا و معصية من المعاصى، فيعتقد بها قلبه، و يصير محجوبا عن
الله تعالى.

و هو المراد بالختم على السوء. فالذى غلبت عليه المعاصى و الشهوات، و كان قلبه
اميل اليها منه الى الطاعة، فهذا الخطر قريب في حقه و لا يميل اليها اصلا، فهو
بعيد منه جدا. و من غلبت عليه الطاعات و لم يقارف المعاصي الا نادرا، فلعل الراجح
في حقه النجاة منه، و ان امكن حصوله. و من لم يغلب شى ء من طاعاته و معاصيه على
الآخر فامره في هذا الخطر الى الله، و لا يمكن لنا الحكم بشى ء من القرب و البعد في
حقه.

و السر في ذلك: ان الغشية المتقدمة على الموت شبيهة بالنوم، فكما ان الانسان
يرى فى منامه جملة من الاحوال التى عهدها طول عمره و الفها، حتى انه لا يرى في
منامه الا ما يماثل مشاهداته في اليقظة، و حتى ان المراهق الذى يحتلم لا يرى
صورة الوقاع، فكذلك حاله عند سكرات الموت و ما يتقدمه من الغشية، لكونه شبيها
بالنوم و ان كان فوقه، فيقتضى ذلك تذكر المالوفات و عودها الى القلب،
فربما يكون غلبة الالف سببا لان تتمثل صورة فاحشة في قلبه و تميل نفسه اليها و
تقبض عليها روحه، و يكون ذلك سبب سوء خاتمته، و ان كان اصل الايمان باقيا
حيث يرجى له الخلاص منها بعناية الله و فضله. و كما ان ما يخطر بالبال في اليقظة
انما يخطر بسبب خاص لا يعلمه بحقيقته احد الا الله، فكذلك ما يرى في آحاد
المنامات و ما يختلج في القلب عند سكرات الموت له اسباب عند الله لا نعرف بعضها،
و ربما نتمكن من معرفة بعضه، فانا نعلم ان الخاطر ينتقل من الشى ء الى ما يناسبه،
اما بالمشابهة بان ينظر الى جميل فيتذكر جميلا آخر، و اما بالمضادة، بان ينظر
الى جميل فيتذكر قبيحا، و اما بالمقارنة، بان ينظر الى فرس قدرآه من قبل مع
انسان فيتذكر ذلك الانسان، و قد ينتقل الخاطر من شى ء الى شى ء، و لا يدرى وجه
المناسبة له، و ربما ينتقل الى شى ء لا يعرف سببه اصلا. و كذلك انتقالات الخواطر
بالمنام و عند سكرات الموت لها اسباب لا نعرف بعضها و نعرف بعضها بالنحو
المذكور. و من اراد ان يكف خاطره عن الانتقال الى المعاصى و الشهوات، فلا
طريق له الا المجاهدة طول عمره في فطام نفسه عنها، و في قمع الشهوات عن قلبه،
فهذا هو القدر الذي يدخل تحت الاختيار، و يكون طول المجاهدة و المواظبة على
العلم و تخلية السر عن الشواغل الدنيوية و تقييده بالتوجه الى الله و حبه و انسه
عدة و ذخيرة لحالة سكرات الموت، اذ المرء يموت على ما عاش عليه، و يحشر على
مامات عليه، كما ورد في الخبر (40) .

و قد دلت المشاهدة على ان كل احد يكون عند موته مشغول القلب بما هو الغالب عليه طول
عمره، حيث يظهر منه عند ذلك، و انما المخوف الموجب لسوء الخاتمة هو خاطر سوء يخطر،
و منه عظم خوف العارفين، اذ اختلاج الخواطر و الاتفاقات المقتضية لكونها
مذمومة او ممدوحة لا يدخل تحت الاختيار دخولا كليا، و ان كان لطول الالف و العادة
تاثير و مدخلية، و لذا اذا اراد الانسان الا يرى في المنام الا الانبياء و
الائمة-عليهم السلام- و احوال الصالحين و العبادات لم يتيسر له، و ان كانت
كثرة الحب و المواظبة على الصلاح و الطاعة مؤثرة فيه. و بالجملة: اضطرابات
الخيال لا تدخل بالكلية تحت الضبط، و ان كان الغالب مناسبة ما يظهر في النوم
لما غلب في اليقظة. و بذلك يعلم ان اعمال العبد كلها ضائعة ان لم يسلم في النفس
الاخير الذي عليه خروج الروح، و ان السلامة مع اضطراب امواج الخواطر مشكلة و
لذلك قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الرجل ليعمل بعمل اهل الجنة
خمسين سنة حتى لا يبقى بينه و بين الجنة الا فواق ناقة، فيختم له بما سبق به
الكتاب » و معلوم ان فواق الناقة لا يتسع لاعمال توجب الشقاوة، بل هي الخواطر
التي تضطرب و تخطر خطور البرق الخاطف. و من هنا قيل (41) : «اني لا اعجب ممن هلك،
كيف هلك، و لكنى اعجب ممن نجا كيف نجا» ، و ورد (42) : «ان الملائكة اذا صعدت بروح
المؤمن، و قد مات على الخير و الاسلام، تعجبت الملائكة منه، و قالوا: كيف نجا من
دنيا فسد فيها خيارنا» . و لذلك قيل (43) : من وقعت سفينته في لجة البحر، و هجمت عليه
الرياح العاصفة، و اضطربت الامواج، كانت النجاة في حقه ابعد من الهلاك، و قلب
المؤمن اشد اضطرابا من السفينة، و امواج الخواطر اعظم التطاما من امواج
البحر، و مقلب القلوب هو الله. و من هنا يظهر سر قوله:

«الناس كلهم هلكى الا العالمون، و العالمون كلهم هلكى الا العاملون، و العاملون
كلهم هلكى الا المخلصون، و المخلصون على خطر عظيم » (44) .

و لاجل هذا الخطر العظيم كانت الشهادة مطلوبة و موت الفجاة مكروها، اذ موت
الفجاة ربما يتفق عند غلبة خاطر سوء و استيلائه على القلب.

و اما الشهادة في سبيل الله فانها عبارة عن قبض الروح في حالة لم يبق في
القلب غير حب الله، و خرج حب الدنيا و المال و الولد، فان من هجوم على صف
القتال بامر الله و امر رسوله يكون موطنا نفسه على الموت لرضا الله و حبه،
بائعا دنياه بآخرته، راضيا بالبيع الذي بايعه الله به في قوله:

«ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم و اموالهم بان لهم الجنة » (45) .

و بذلك يظهر ان القتل لا بسبب الشهادة التى حقيقتها ما فسر، لا يفيد الاطمئنان
من هذا الخطر، و ان كان ظلما، و ان كان في الجهاد، اذا لم تكن هجرته فيه الى
الله و رسوله، بل الى دنيا يصيبها او امراة ياخذها.

و قد ظهر مما ذكر: ان سوء الخاتمة باختلاف اسبابه راجع الى احوال القلب، و حالة
القلب اما خاطر خير او خاطر سوء او خاطر مباح، فمن زهق روحه على خاطر مباح لم
يمكن الحكم بانه ختم على خير او سوء، بل امره الى الله، و ان كانت النجاة له
اقرب بعد غلبة صالحات اعماله على فاسداتها، و من زهق روحه على خاطر سوء و هو احد
الخواطر المتقدمة:

«فقد ضل ضلالا بعيدا» ، «و خسر خسرانا مبينا» (46)

و من زهق روحه على خاطر خير و هو ان يكون قلبه في حالة الموت متوجها الى الله
ممتليا من حبه و انسه «فقد فاز فوزا عظيما» . و هذا موقوف على المجاهدة في
فطام النفس عن الشهوات الحيوانية، و اخراج حب الدنيا عنها راسا، و الاحتراز
عن فعل المعاصي و مشاهداتها و التفكر فيها، و عن مجالسة اهلها و استماع
حكاياتهم، بل عن مباحات الدنيا بالكلية، و تخلية السر عما سوى الله، و الانقطاع
بشراشره اليه، و اخراج محبة كل شى ء سوى محبته عن قلبه، حتى يصير حبه سبحانه و
الانس به ملكة راسخة، ليغلب على القلب عند سكرة الموت، و بدون ذلك لا يمكن القطع بذلك،
كيف و قد علمت ان الغشية المتقدمة على الموت شبه النوم، و انت في غالب الرؤيا
الظاهرة عليك في المنام لا تجد في قلبك حبا لله و انسا به و توجها اليه، بل لا
يخطر ببالك ان لك ربا متصفا بالصفات الكمالية، بل ترى ما كنت تالفه و تعتاده
من الامور الباطلة و الخيالات الفاسدة، فان زهق روحك عند اشتغال خاطرك بشى ء من
الامور الدنيوية، و لم يكن متوجها الى الله و مستحضرا معرفته و مبتهجا بحبه
و انسه، لبقيت على تلك الحالة ابدا، و هو الشقاوة العظمى و الخيبة الكبرى.

فتيقظ-يا حبيبي-من سنة الغفلة، و تنبه عن سكر الطبيعة، و اخرج حب الدنيا عن قلبك،
و توجه بشراشرك الى جناب ربك، و اكتف من الدنيا بقدر ضرورتك و لا تطلب منها فوق
حاجتك، و اقنع من الطعام ما يقيم صلبك و لا تكثر التناول منه ليزيل من ربك قربك،
و ارض من اللباس بما يستر عورتك و لا يظهر للناس سوءتك، و اكتف من المسكن بما
يحول بينك و بين الابصار و يدفع عنك حر الشمس و برد الامطار، فان جاوزت عن ذلك
تشعبت همومك و تكثرت غمومك، و احاط بك الشغل الدائم و العناء اللازم و ذهب عنك
جل خيراتك و ضاعت بركات اوقاتك. و بعد ذلك راقب قلبك في جميع الاوقات، و اياك ان
تهمله لحظة من اللحظات، و احفظه من ان يكون محلا لغير معرفة الله و حبه، و ليكن
القرب الى الله و الانس به غاية همك، اذ العاقل انما يميل و يشتاق الى ما هو
الاشرف و الاكمل، و يسر و يرتاح بماله احسن و انفع، و لا ريب في ان اشرف
الموجودات و اكملها هو سبحانه، بل هو الموجود الحقيقي و الكمال الواقعي، و غيره
من الموجودات و الكمالات من لوازم فيضه و رشحات وجوده و فضله، و له غاية ما
يتصور من العلو و الكمال و البهاء و الجلال، و ان معرفته و حبه احسن الاشياء و
انفعها لكل احد، لانه الباعث للسعادة الابدية و البهجة الدائمية، فلا ينبغي للعاقل
ان يترك ذلك اشتغالا بفضول الدنيا و خسائسها، بل يلزم عليها ان يترك حبلها على
غاربها، و يخلص نفسه الشريفة عن مخالبها، و يتوجه بكليته الى جناب ربه، و لم يكن
فرحه و ابتهاجه الا بحبه و انسه.

فصل


الفرق بين الاطمئنان و الامن من مكر الله


ضد الخوف المذموم هو اطمئنان القلب في الامور المذكورة، و لا ريب في كونه فضيلة
و كمالا، اذ قوة القلب و عدم اضطرابه مما يحكم العقل بعدم الحذر عنه صفة كمال، و
نقيضه نقص و رذيلة.

و اما الخوف الممدوح، فضده الامن من مكر الله، و هو من المهلكات، و قد ورد به
الذم في الآيات و الاخبار، قال الله سحبانه:

«فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون » (47)

و قد ثبت بالتواتر: ان الملائكة و الانبياء كانوا خائفين من مكره، كما روي: «انه
لما ظهر على ابليس ما ظهر، طفق جبرئيل و ميكائيل يبكيان، فاوحى الله اليهما: ما
لكما تبكيان؟ فقالا: يا رب! لانا من مكرك. فقال الله هكذا كونا، لا تامنا مكرى » . و
روي: «ان النبي-صلى الله عليه و آله و سلم- و جبرئيل بكيا من خوف الله تعالى، فاوحى
الله اليهما: لم تبكيان و قد امنتكما؟

فقالا: و من يامن مكرك؟ » و كانهما لم يامنا ان يكون قوله (قد امنتكما)

ابتلاء لهما و امتحانا، حتى ان سكن خوفهما (48) ظهر انهما قد امنا المكر و ما
وفيا بقولهما، كما ان ابراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق قال: حسبى
الله و كان هذا القول منه من الدعاوى العظيمة، فامتحن و عورض بجبرئيل عليه
السلام في الهواء حتى قال: الك حاجة؟ قال: اما اليك فلا. و كان ذلك وفاء
بمقتضى قوله، فاخبر الله تعالى عنه و قال:

«و ابراهيم الذي وفى » (49)

و بالجملة: ينبغي للمؤمن الا يامن من مكر ربه، كما لم يامن منه الملائكة و
الانبياء، و اذا لم يامن منه كان خائفا منه دائما.

تتميم


التلازم بين الخوف و الرجاء


الرجاء ارتياح القلب لانتظار المحبوب، و هو يلازم الخوف، اذ الخوف -كما
عرفت-عبارة عن التالم من توقع مكروه ممكن الحصول، و ما يمكن حصوله يمكن عدم
حصوله ايضا، و ما كان حصوله مكروها كان عدم حصوله محبوبا، فكما انه يتالم
بتوقع حصوله يرتاح ليتوقع عدم حصوله ايضا، فالخوف عن شى ء وجودا يلزمه الرجاء
عدما، و عنه عدما يلزمه الرجاء وجودا. و قس عليه استلزام الرجاء للخوف، فهما
متلازمان، و ان امكن غلبة احدهما نظرا الى كثرة حصول اسبابه. و ان تيقن الحصول
او عدمه لم يكن انتظارهما خوفا و رجاء، بل سمي انتظار مكروه او انتظار محبوب.

ثم كما ان الخوف من متعلقات قوة الغضب، و ان الممدوح منه من فضائلها، لكونه
مقتضى العقل و الشرع، و باعثا للعمل من حيث الرهبة، فكذا الرجاء متعلق بها و من
فضائلها، لكونه مقتضاهما و باعثا للعمل من حيث الرغبة. الا ان الخوف لترتبه
على ضعف القلب يكون اقرب الى طرف التفريط، و الرجاء لترتبه على قوته يكون اقرب
الى طرف الافراط، و ان كان كلاهما ممدوحين. ثم لا بد ان يحصل اكثر اسباب حصول
المحبوب حتى يصدق اسم الرجاء على انتظاره، كتوقع الحصاد ممن القى بذرا جيدا في
ارض طيبة يصلها الماء. و اما انتظار ما لم يحصل شى ء من اسبابه فيسمى غرورا و
حماقة، كتوقع من القى بذرا في ارض سبخة لا يصلها الماء. و انتظار ما كان اسبابه
مشكوكة يسمى تمنيا، كما اذا صلحت الارض و لا ماء.

و تفصيل ذلك: ان الدنيا مزرعة الآخرة، و القلب كالارض، و الايمان كالبذر، و
الطاعات هي الماء الذي تسقى به الارض، و تطهير القلب من المعاصي و الاخلاق
الذميمة بمنزلة تنقية الارض من الشوك و الاحجار و النباتات الخبيثة، و يوم
القيامة هو وقت الحصاد. فينبغي ان يقاس رجاء العبد (المغفرة)

برجاء صاحب الزرع (التنمية) ، و كما ان من القى البذر في ارض طيبة، و ساق اليها
الماء في وقته، و نقاها الشوك و الاحجار، و بذل جهده في قلع النباتات الخبيثة
المفسدة للزرع، ثم جلس ينتظر كرم الله و لطفه مؤملا ان يحصل له وقت الحصاد مائة قفيز
مثلا، سمى انتظاره رجاء ممدوحا، فكذلك العبد اذا طهر ارض قلبه عن شوك الاخلاق
الردية و بث فيه بذر الايمان بماء الطاعات، ثم انتظر من فضل الله تثبيته
الى الموت و حسن الخاتمة المفضية الى المغفرة، كان انتظاره رجاء حقيقيا
محمودا فى نفسه. و كما ان من تغافل عن الزراعة و اختار الراحة طول السنة، او
القى البذر في ارض سبخة مرتفعة لا ينصب اليها ماء، و لم يشتغل بتعهد البذر و اصلاح
الارض من النباتات المفسدة للزرع، ثم جلس منتظرا الى ان ينبت له زرع يحصده، سمي
انتظاره حمقا و غرورا. كذلك من لم يلق بذر الايمان فى ارض قلبه، او القاه فيه مع
كونه مشحونا برذائل الاخلاق منهمكا في خسائس الشهوات و اللذات، و لم يسق اليها
ماء الطاعات، ثم انتظر المغفرة، كان انتظاره حمقا و غرورا.

و كما ان من بث البذر في ارض طيبة لا ماء لها، و جلس ينتظر مياه الامطار حيث لا
تغلب الامطار، و ان لم يمتنع ايضا، سمي انتظاره تمنيا. كذلك من القى بذر
الايمان في ارض قلبه، و لكنه لم يسق اليه ماء الطاعات و انتظر المغفرة بلطفه و
فضله، كان انتظاره تمنيا.

فاذن، اسم (الرجاء) انما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع اسبابه الداخلة
تحت اختيار العبد، و لم يبق الا ما ليس يدخل تحت اختياره، و هو فضل الله تعالى
بصرف القواطع و المفسدات. فالاحاديث الواردة في الترغيب على الرجاء و في سعة
عفو الله و جزيل رحمته و وفور مغفرته، انما هي مخصوصة بمن يرجو الرحمة و الغفران
بالعمل الخاص المعد لحصولهما، و ترك الانهماك في المعاصي المفوت لهذا الاستعداد.
فاحذر ان يغرك الشيطان و يثبطك عن العمل و يقنعك بمحض الرجاء و الامل. و انظر
الى حال الانبياء و الاولياء و اجتهادهم في الطاعات و صرفهم العمر في
العبادات ليلا و نهارا، اما كان يرجون عفو الله و رحمته؟ بلى و الله! انهم
كانوا اعلم بسعة رحمة الله و ارجى لها منك و من كل احد، و لكن علموا ان رجاء الرحمة
من دون العمل غرور محض و سفه بحت، فصرفوا في العبادات اعمارهم و قصروا على
الطاعات ليلهم و نهارهم.

و نحن نشير (اولا) الى بعض ما ورد في الرجاء من الآيات و الاخبار، ثم نورد نبذا
مما يدل على انه لا معنى للرجاء بدون العمل، ليعلم ان اطلاق الاول محمول على الثاني.
فنقول: الظواهر الواردة في الرجاء اكثر من ان تحصى، و هي على اقسام:

(الاول) ما ورد في النهي عن القنوط و الياس من رحمة الله كقوله تعالى:

«يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله » (50) :

و قول علي (ع) الرجل اخرجه الخوف الى القنوط لكثرة ذنوبه:

«ايا هذا! ياسك من رحمة الله اعظم من ذنوبك » . و ما روى: «انه-صلى الله عليه و
آله و سلم-لما قال: لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا و لخرجتم الى
الصعدات تلدمون صدوركم و تجارون الى ربكم. فهبط جبرئيل (ع) فقال: ان ربك يقول: لم
تقنط عبادي؟ فخرج عليهم و رجاهم و شوقهم » .

و ما ورد: «ان رجلا من بني اسرائيل كان يقنط الناس و يشدد عليهم، فيقول الله له يوم
القيامة: اليوم او يسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها» .

(الثاني) ما ورد في الترغيب على خصوص الرجاء و كونه سبب النجاة، كما ورد في
اخبار يعقوب من «انه تعالى اوحى اليه ا تدري لم فرقت بينك و بين يوسف؟ لقولك:

«و اخاف ان ياكله الذئب و انتم عنه غافلون » (51) .

لم خفت الذئب و لم ترجنى؟ و لم نظرت الى غفلة اخوته و لم تنظر الى حفظي؟ » و قول امير
المؤمنين (ع) لرجل قال عند النزع: اجدني اخاف ذنوبي و ارجو رحمة ربي: «ما اجتمعا في
قلب عبد في هذا الموطن الا اعطاه الله ما رجا و امنه مما يخاف » (52) ، و قول
النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة، ما منعك
اذ رايت المنكر ان تنكره؟ فان لقنه الله حجته، قال: رب رجوتك و خفت الناس، فيقول
الله: قد غفرته لك » . و ما روي عنه-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان رجلا يدخل النار
فيمكث فيها الف سنة ينادي يا حنان يا منان، فيقول الله لجبرئيل: اذهب فاتني بعبدي،
فيجي ء به، فيوقفه سعلى ربه، فيقول الله له: كيف وجدت مكانك؟ فيقول: شر مكان، فيقول:
رده الى مكانه. قال: فيمشي و يلتفت الى ورائه، فيقول الله عز و جل: الى اى شي ء تلتفت؟
فيقول: لقد رجوت الا تعيدني اليها بعد اذ اخرجتني منها، فيقول الله تعالى:
اذهبوا به الى الجنة » .

و قوله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «قال الله تعالى: لا يتكل العاملون على اعمالهم
التي يعملونها لثوابي، فانهم لو اجتهدوا و اتعبوا انفسهم اعمارهم في عبادتي،
كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي، فيما يطلبون عندي من كرامتي،
و النعيم فى جناتي، و رفيع الدرجات العلى فى جواري، و لكن برحمتي فليثقوا، و الى
حسن الظن بي فليطمئنوا، و فضلي فليرجوا (53) ، فان رحمتى عند ذلك تدركهم، و منى
يبلغهم رضواني، و مغفرتي تلبسهم عفوي فاني انا الله الرحمن الرحيم و بذلك
تسميت » . و عن ابي جعفر (ع) قال:

«وجدنا في كتاب علي (ع) ان رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-قال و هو على منبره. و
الذي لا اله الا هو ما اعطى مؤمن قط خير الدنيا و الآخرة الا بحسن ظنه بالله و
رجائه له و حسن خلقه و الكف عن اغتياب المؤمنين و الذي لا اله الا هو لا يعذب الله
مؤمنا بعد التوبة و الاستغفار الا بسوء ظنه بالله و تقصيره من رجائه و سوء خلقه و
اغتيابه للمؤمنين، و الذي لا اله الا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله الا كان الله
عند ظن عبده المؤمن، لان الله كريم بيده الخيرات يستحيي (54) ان يكون عبده المؤمن قد
احسن به الظن ثم يختلف ظنه و رجاءه، فاحسنوا بالله الظن و ارغبوا اليه » .

(الثالث) ما ورد في استغفار الملائكة و الانبياء للمؤمنين كقوله تعالى:

«و الملائكة يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون لمن في الارض » (55) .

و قوله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «حياتي خير لكم و موتي خير لكم، اما حياتي فاسن
لكم السنن و اشرع لكم الشرائع، و اما موتي فان اعمالكم تعرض علي، فما رايت منها
حسنا حمدت الله عليه و ما رايت منها سيئا استغفرت الله لكم » .

(الرابع) ما ورد في تاجيل المذنب الى ان يستغفر، كقول الباقر-عليه السلام:
«ان العبد اذا اذنب اجل من غدوة الى الليل، فان استغفر لم يكتب عليه » (56) . و قول
الصادق (ع) : «من عمل سيئة اجل فيها سبع ساعات من النهار، فان قال: استغفر الله
الذي لا اله الا هو الحي القيوم و اتوب اليه ثلاث مرات، لم تكتب عليه » .

(الخامس) ما ورد في شفاعة النبي-صلى الله عليه و آله و سلم- كقوله تعالى:

«و لسوف يعطيك ربك فترضى » (57) .

و قد ورد في تفسيره انه لا يرضى محمد و واحد من امته في النار، و قوله-صلى الله عليه
و آله و سلم-: «ادخرت شفاعتى لاهل الكبائر من امتى » ، و كذا ما ورد في شفاعة الائمة
و المؤمنين.

(السادس) ما ورد من البشارات للشيعة و من عدم خلودهم في النار، و من ان حب
النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-و العترة الطاهرة ينجيهم من العذاب، و ان فعلوا
ما فعلوا.

(السابع) ما دل على ان النار انما اعدها الله لاعدائه من الكافرين، و انما
يخوف بها اولياءه، كقوله تعالى.

«لهم من فوقهم ظلل من النار و من تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده » (58) ، و قوله: «و
اتقوا النارالتى اعدت للكافرين » (59) و قوله: «لا يصلاها الا الاشقى الذي كذب و
تولى » (60) .

(الثامن) ما ورد في سعة عفو الله و مغفرته و وفور رافته و رحمته، كقوله:

«و ان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم » (61)

و ما روى في تفسير قوله تعالى:

«يوم لا يخزي الله النبي و الذين امنوا معه » (62)

«ان الله اوحى الى نبيه: اني اجعل حساب امتك اليك، فقال: لا يا رب! انت خير لهم
مني (63) ، فقال اذن لا اخزيك فيهم » و ما روى: » انه -صلى الله عليه و آله و سلم-قال
يوما: يا كريم العفو! فقال جبرئيل: ا تدري ما تفسير يا كريم العفو؟ هو: انه يعفو
عن السيئات برحمته ثم يبدلها حسنات بكرمه » (64) . و ما ورد: ان العبد اذا اذنب
فاستغفر، يقول الله لملائكته:

انظروا الى عبدي اذنب ذنبا، فعلم انه له ربا يغفر الذنوب و ياخذ بالذنب
اشهدكم اني قد غفرت له. و ما ورد في الخبر القدسي: انما خلقت الخلق ليربحوا علي، و لم
اخلقهم لاربح عليهم » . و ما ورد من «انه لو لم يذنبوا، لخلق الله تعالى خلقا يذنبون
ليغفر لهم «و قوله صلى الله عليه و آله و سلم-:

«و الذى نفسي بيده. الله ارحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها» و ما ورد من
«انه سبحانه ليغفرن يوم القيامة مغفرة ما خطرت قط على قلب احد حتى ان ابليس
يتطاول لها رجاء ان تصيبه » . و الآيات و الاخبار الواردة في هذا المعنى
متجاوزة عن حد التواتر.

(التاسع) ما دل على ان ابتلاء المؤمن في الدنيا بالبلايا و الامراض كفارة
لذنوبه، كقوله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الحمى من قيح جهنم، و هي حظ المؤمن من
النار» .

(العاشر) -ما ورد في ان الايمان لا يضر معه عمل، كما ان الكفر لا ينفع معه عمل، و في
انه قد يغفر الله عبدا و يدخله الجنة لاجل مثقال ذرة من الايمان او عمل جزئي من
الاعمال الصالحة.

(الحادي عشر) ما ورد في الترغيب على حسن الظن بالله، كقوله -صلى الله عليه و آله
و سلم-: «لا يموتن احدكم الا و هو يحسن الظن بالله »

و قوله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «يقول الله تعالى: انا عند ظن عبدى بي فليظن بي ما
شاء» . و قول الرضا (ع) : «احسن الظن بالله، فان الله عز و جل يقول: انا عند ظن عبدي لي،
ان خيرا فخير و ان شرا فشر» . و قول الصادق (ع) : «حسن الظن بالله: الا ترجو الا
الله، و لا تخاف الا ذنبك »

و قد تقدم بعض اخبار اخر في هذا المعنى. ثم ايجاب حسن الظن للرجاء و جلبه له
مما لا ريب فيه.

(الثاني عشر) ما دل على ان الكافر او النصاب يكونون يوم القيامة فداء للمؤمنين
او الشيعة، كما روى انه-صلى الله عليه و آله و سلم-قال:

«امتى امة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة، و عجل عقابها في الدنيا بالزلزال و
الفتن، فاذا كان يوم القيامة دفع الى كل رجل من امتى رجل من اهل الكتاب،
فقيل هذا فداؤك من النار» . و عن اهل البيت-عليهم السلام-: «ان النصاب يجعلون
فداء لشيعتنا بظلمهم اياهم و وقيعتهم فيهم » . و عن الصادق (ع) : «سيؤتى بالواحد من
مقصري شيعتنا في اعماله، بعد ان صان الولاية و التقية و حقوق اخوانه، و يوقف بازائه
ما بين مائة و اكثر من ذلك الى مائة الف من النصاب، فيقال له: هؤلاء فداؤك من
النار، فيدخل هؤلاء المؤمنون الى الجنة و اولئك النصاب الى النار، و ذلك ما قال
الله تعالى:

«ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين » (65)

في الدنيا منقادين للامامة، ليجعل مخالفوهم من النار فداءهم » .

و اما (الثاني) -اعني ما يدل على ان رجاء المغفرة و العفو و الرحمة انما هو بعد
العمل-فاكثر من ان يحصى، كقوله تعالى:

«ان الذين آمنوا و الذين هاجروا و جاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله » (66) .
و قوله: «فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ياخذون عرض هذا الادنى و يقولون سيغفر
لنا» (67) .

و قول النبى-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت، و
الاحمق من اتبع نفسه هواها و تمنى على الله الجنة » . و ما روي عن الصادق عليه
السلام انه قيل له: قوم يعملون بالمعاصي و يقولون: نرجوا فلا يزالون كذلك حتى
ياتيهم الموت، فقال: «هؤلاء قوم يترجحون في الامانى كذبوا ليسوا براجين، «ان »
(68) من رجا شيئا طلبه، و من خاف من شى ء هرب منه » و عن علي بن محمد، قال: قلت له عليه
السلام: ان قوما من مواليك يلمون بالمعاصي و يقولون نرجوا، فقال: «كذبوا،
ليسوا لنا بموال اولئك قوم ترجحت بهم الاماني. من رجا شيئا عمل له، و من خاف
شيئا هرب منه » . و عنه قال: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، و لا يكون
خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف و يرجو» .

فصل


مواقع الخوف و الرجاء و ترجيح احدهما على الآخر


قد عرفت ان الخوف و الرجاء محمود ان، لكونهما باعثين على العمل، و دواءين يداوى
بهما امراض القلوب، فضل كل منهما انما هو بحسب ما يترتب عليه من فائدة العمل و
معالجة المرض.

و هذا يختلف باختلاف الاشخاص: فمن كان تاثير الخوف في بعثه على العمل اكثر من
تاثير الرجاء فيه، فالخوف له اصلح من الرجاء و من كان بالعكس فبالعكس و من غلب
عليه مرض الامن من مكر الله و الاغترار به، فالخوف له اصلح. و من غلب عليه الياس
و القنوط، فالرجاء له اصلح. و من انهمك في المعاصى، فالخوف له اصلح. و من ترك
ظاهر الاثم و باطنه و خفيه و جليه، فالاصلح له ان يعتدل خوفه و رجاؤه.

و الوجه في ذلك: ان كل ما يراد به المقصود، ففضله انما يظهر بالاضافة الى
مقصوده لا الى نفسه، فلو فرض تساويهما في البعث على العمل و لم يغلب شى ء من
المذكورات، فالاصلح اعتدالهما، كما قال امير المؤمنين عليه السلام لبعض ولده:
«يا بني! خف الله خوفا ترى انك ان اتيته بحسنات اهل الارض لم يتقبلها منك، و
ارج الله رجاء كانك لو اتيته بسيئات اهل الارض غفرها لك » . و قال الباقر عليه
السلام: «ليس من عبد مؤمن الا و في قلبه نوران: نور خيفة، و نور رجاء، لو وزن هذا لم
يزد على هذا، و قد جمع الله سبحانه بينهما في وصف من اثنى عليهم، فقال: يدعون ربهم
خوفا و طمعا و قال: يدعوننا رغبا و رهبا» . و عن الحارث بن المغيرة قال: قلت
للصادق عليه السلام: ما كان في وصية لقمان؟ قال: «كان فيها الاعاجيب، و كان
اعجب ما كان فيها ان قال لابنه: خف الله عز و جل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك،
و ارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك » ، ثم قال عليه السلام: «كان ابي
عليه السلام يقول: انه ليس من عبد مؤمن الا و في قلبه نوران. نور خيفة، و نور رجاء،
لو وزن هذا لم يزد على هذا، و لو وزن هذا لم يزد على هذا» .

و قال عليه السلام: «الخوف رقيب القلب، و الرجاء شفيع النفس، و من كان بالله
عارفا كان من الله خائفا و اليه راجيا، و هما جناحا الايمان، يطير العبد
المحلق بهما الى رضوان الله، و عينا عقله، يبصر بهما الى وعد الله و وعيده، و الخوف
طالع عدل الله و ناعى وعيده، و الرجاء داعى فضل الله، و هو يحيى القلب، و الخوف
يميت النفس. . . و من عبد الله على ميزان الخوف و الرجاء لا يضل، و يصل الى ماموله، و
كيف لا يخاف العبد و هو غير عالم بما تختم صحيفته، و لا له عمل يتوسل به استحقاقا،
و لا قدرة له على شى ء و لا مفر، و كيف لا يرجو و هو يعرف نفسه بالعجز، و هو غريق في بحر
آلاء الله و نعمائه من حيث لا تحصى و لا تعد، و المحب يعبد ربه على الرجاء بمشاهدة
احواله بعين سهر (69) ، و الزاهد يعبد على الخوف » (70) .

و قد ظهر مما ذكر: ان الرجاء اصلح و افضل في موضعين: (احدهما) في حق من تفتر نفسه
عن فضائل الاعمال و يقتصر على الفرائض، و كان الرجاء باعثا له على التشمير و
النشاط للطاعات، و مثله ينبغي ان يرجي نفسه نعم الله تعالى و ما وعد الله به
الصالحين في العليين، حتى ينبعث من رجائه نشاط العبادة. (و ثانيهما) في حق
العاصى المنهمك اذا خطر له خاطر التوبة، فيقنطه الشيطان من رحمة الله، و يقول
له: كيف تقبل التوبة من مثلك؟ فعند هذا يجب عليه ان يقمع قنوطه بالرجاء و يتذكر
ما ورد فيه، كقوله تعالى:

«لا تقنطوا من رحمة الله » (71) و قوله: «و اني لغفار لمن تاب » (72) .

و يتوب و يتوقع المغفرة مع التوبة لا بدونها، اذ لو توقع المغفرة مع الاصرار كان
مغرورا. و الرجاء الاول يقمع الفتور المانع من النشاط و التشمير و الثاني يقطع
القنوط المانع من التوبة.

فصل


العمل على الرجاء اعلى منه على الخوف


العمل على الرجاء اعلى منه على الخوف، لان اقرب العباد احبهم اليه، و الحب يغلب
بالرجاء. و اعتبر ذلك بملكين يخدم احدهما خوفا من عقابه و الآخر رجاء لعطائه، و
لذلك عير الله اقواما يظنون السوء بالله، قال:

«و ذلكم ظنكم الذي ظنتم بربكم ارادكم » (73) .

و قال:

«و ظننتم ظن السوء و كنتم قوما بورا» (74)

و ورد في الرجاء و حسن الظن ما ورد-كما تقدم-و في الخبر: «ان الله تعالى اوحى
الى داود: احبني و احب من يحبنى و حببنى الى خلقى، فقال:

يا رب! كيف احببك الى خلقك؟ قال: اذكرنى بالحسن الجميل، و اذكر آلائي و
احسانى، و ذكرهم ذلك، فانهم لا يعرفون منى الا الجميل » . و راى بعض الاكابر في
النوم-و كان يكثر ذكر ابواب الرجاء-فقال: «اوقفنى الله بين يديه، فقال: ما الذى
حملك على ذلك؟ فقلت: اردت ان احببك الى خلقك. فقال: قد غفرت لك » .

هذا مع ان الرجاء افضل من الخوف للعبد بالنظر الى مطلعهما، اذ الرجاء مستقى من
بحر الرحمة و الخوف مستقى من بحر الغضب. و من لاحظ من صفات الله ما يقتضي
اللطف و الرحمة كانت المحبة عليه اغلب، و ليس وراء المحبة مقام. و اما الخوف
فمستنده الالتفات الى الصفات التي تقتضى الغضب فلا تمازجه المحبة
كممازجتها للرجاء. نعم، لما كانت المعاصي و الاغترار على الخلق اغلب، (لا) سيما
على الموجودين في هذا الزمان، فالاصلح لهم غلبة الخوف، بشرط الا يخرجهم الى
الياس و قطع العمل، بل يحثهم على العمل، و يكدر شهواتهم، و يزعج قلوبهم عن الركون
الى دار الغرور، و يدعوهم الى التجافي عن عالم الزور، اذ مع غلبة المعاصي على
الطاعات لا ريب في اصلحية الخوف، (لا) سيما ان الآفات الخفية: من الشرك الخفي، و
النفاق، و الرياء و غير ذلك من خفايا الاخلاق الخبيثة في اكثر الناس موجودة، و
محبة الشهوات و الحطام الدنيوى في بواطنهم كامنة، و اهوال سكرات الموت و
اضطراب الاعتقاد عنده ممكنة، و مناقشات الحساب ورد اعمالهم الصالحة لاسباب خفية
محتملة، فمن عرف حقائق هذه الامور، فان كان ضعيف القلب جبانا في نفسه غلب خوفه
على رجائه، و ان كان قوى القلب ثابت الجاش تام المعرفة استوى خوفه و رجاؤه. و
اما ان يغلب رجاؤه فلا، بل غلبته انما هو من الاغترار و قلة التدبر، كما في غالب
الناس، بل الاصلح لهم غلبة الخوف، و لكن قبل الاشراف على الموت، و اما عنده فالاصلح
لهم غلبة الرجاء و حسن الظن، لان الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل، و قد
انقضى وقته و هو لا يطيق هنا اسباب الخوف، لانها تقطع نياط قلبه و تعين على
تعجيل موته و اما روح الرجاء فيقوي قلبه و يحبب اليه ربه الذى اليه رجاؤه.

و ينبغي ان لا يفارق احد الدنيا الا محبا لله، ليكون محبا للقائه، و من احب لقاء
الله احب الله لقاءه، و من احب الله و لقاءه، و علم انه تعالى ايضا يحب لقاءه،
اشتقاق اليه تعالى، و كان فرحانا بالقدوم عليه، اذ من قدم على محبوبه عظم
سروره بقدر محبته، و من فارق محبوبة اشتد عذابه و محنته، فمهما كان الغالب على
القلب عند الموت حب الاهل و الولد و المال كانت محابه كلها في الدنيا، فكانت
الدنيا جنته، اذ الجنة هي البقعة الجامعة لجميع المحاب، فكان موته خروجا عن
الجنة و حيلولة بينه و بين ما يشتهيه. و هذا اول ما يلقاه كل محب للدنيا، فضلا عما
اعد الله له من ضرور الخزى و النكال و السلاسل و الاغلال. و اما اذا لم يكن له
محبوب سوى الله و سوى معرفته و حبه و انسه، فالدنيا و علائقها شاغلة له عن
المحبوب، فالدنيا اول سجنه، اذ السجن هي البقعة المانعة عن الوصول الى
محابه، فموته خلاص له من السجن و قدوم على المحبوب، و لا يخفى حال من خلص من
السجن و خلي بينه و بين محبوبه، و هذا اول ابتهاج يلقاه من كان محبا لله غير
محب للدنيا و ما فيها، فضلا عما اعده الله مما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر
على قلب بشر.

فصل


مداواة الناس بالخوف او الرجاء على اختلاف امراضهم


قد عرفت ان المحتاج الى تحصيل دواء الرجاء من غلب عليه الياس فترك العبادة
او غلب عليه الخوف فاسرف فيها حتى اضر بنفسه و اهله. و اما المنهمكون في طغيان
الذنوب و المغرورون بما هم فيه من الفساد و الخوف -كاكثر ابناء
زماننا-فادوية الرجاء بالنسبة اليهم سموم مهلكة، اذ لا يزداد سماعهم لها الا
تماديا في طغيانهم و فسادا في فسادهم و عصيانهم، فواعظ الخلق ينبغي ان يعرف
امراضهم و ينظر الى مواقع عللهم، و يعالج كل علة بما يضادها لا بما يزيدها، ففي مثل
هذا الزمان ينبغي الا يذكر لهم بواعث الرجاء، بل يبالغ في ذكر اسباب الخوف،
لئلا يهلكهم و يرديهم بالكلية، و لا يقصد بموعظته استمالة القلوب و توقع الثناء من
الناس، فينتقل الى الترغيب على الرجاء لكونه اخف على القلوب و الذ عند النفوس،
فيهلك و يهلكهم و يضل و يضلهم.

و بالجملة: الطريق الى تحصيل الرجاء لمن يحتاج اليه: ان يتذكر الآيات و
الاخبار المتواترة الواردة فيه و في سعة رحمته و وفور عفوه و رافته-كما
تقدم شطر منها-ثم يتامل في لطائف نعمائه و عجائب آلائه لعباده في دار الدنيا،
حتى اعد لهم كل ما هو ضرورى لهم في دوام الوجود، بل لم يترك لهم شيئا جزئيا
يحتاجون اليه نادرا يفوت بفقده ما هو الاصلح الاولى لهم من الزينة و الجمال.
فاذا لم تقصر العناية الالهية عن عباده في جميع ما يحب و يحسن لهم من اللطف و
الاحسان في دار الدنيا-و هي حقيقة دار البلية و المحنة لا دار النعمة و الراحة-و لم
يرض ان يفوته شى ء من المزائد و المزايا في الحاجة و الزينة، فكيف يرضى في دار
الآخرة التى هي دار الفيض و الجود بسياقهم الى الهلاك المؤبد و العذاب المخلد، مع
انه تعالى اخبر بان رحمته سابقة على غضبه؟ ! و اقوى ما يجلب به الرجاء ان يعلم
ان الله تعالى خير محض لا شرية فيه اصلا، و فياض على الاطلاق، و انما اوجد الخلق
لافاضة الجود و الاحسان عليهم، فلا بد ان يرحمهم و لا يبقيهم في الزجر الدائم.

از خير محض جز نكوئى نآيدخوش باش كه عاقبت نكو خواهد شد (75)

تعليقات:

1) اي القوة الغضبية.

2) البقرة، الآية: 195.

3) كذا في النسختين، و لعل الصحيح (او اوقع نفسه) .

4) الفتح، الآية 29.

5) التوبة، الآية 73.

6) استفل الشى ء: اخذ منه ادنى جزء كعشره.

7) الطلاق، الآية: 1.

8) هذه الجملة من الكلمات الحكمية القصار، و معناها: (اما سمعت بان كل من مات صار
انسانا كاملا) .

9) هذا البيت للشاعر الفارسي الفيلسوف الشهير (حافظ الشيرازي) و هو من ابيات
العرفان. و اراد (بالسحر) على سبيل الرمز وقت استكمال النفس و تنبهها، و
(بالطائر القدسى) ما يرمز اليه العرفا المسمى عندهم ايضا (البيضاني) ، و هو احد
العقول المجردة الذى بصفيره يوقظ الراقدين في مراقد الظلمات، و بصوته ينبه
الغافلين عن تذكر الآيات، و (بالسدرة) سدرة المنتهى المقصود منها منتهى قوس
الصعود في سلسلة الممكنات.

و حاصل معنى البيت المطابقى: قد صفر الطائر القدسى المنسوب الى من على السدرة في
السحر، و يقول في صفيره: لا تستقر في المصيدة المخيفة (و هي الدنيا و عوالم
السفليات) ، و المراد ان يذهب عنها الى عالم المجردات النوراني حرا طليقا.

10) يس، الآية: 68.

11) البيتان للشاعر الفيلسوف (حافظ الشيرازى) . و معنى الاول: «ان سروري يكون في
يوم الرحيل من هذه الدار الخربة طلبا لراحة نفسى و لقاء الحبيب » . و يقصد بحبيبه:
الحق الاول، و براحة نفسه: النعيم الابدي، و بالرحيل عن الدار الخربة: انتقال نفسه
من بدنه بالموت.

و معنى البيت الثاني: «انى لشوقى الى القاء الحبيب اهتز اهتزاز الذرة في ضوء
الشمس لكي اصل الى لقاء عين الشمس المتوهجة » . و يقصد بعين الشمس: خالق الكائنات.

12) الفاطر، الاية: 28.

13) آل عمران، الآية: 28.

14) آل عمران، الآية: 152.

15) الشورى، الآية: 7.

16) هذا الحديث مروى في اصول الكافي في (باب السعادة و الشقاوة) عن ابي عبد الله
الصادق-عليه السلام-

17) الانعام الآية: 82.

18) الفاطر، الآية: 28.

19) الاعراف، الآية: 154.

20) البينة، الآية: 8.

21) الانفال، الآية: 2.

22) آل عمران، الآية: 175.

23) الاعلى، الآية: 10.

24) النازعات، الآية: 40-41

25) الرحمن، الآية: 46.

26) روى الحديث في اصول الكافي في باب الخوف و الرجاء عن الصادق (ع)

27) المائدة، الآية: 44.

28) الطلاق، الآية: 2.

29) الانبياء، الآية: 90.

30) السجدة، الآية: 16.

31) الحجر، الآية: 56.

32) يوسف، الآية: 87.

33) آل عمران، الآية: 28.

34) آل عمران، الآية: 102.

35) المعارج، الآية: 28.

36) نقل هذه الكلمة في احياء العلوم (ج 4 ص 149) عن بعض العارفين و لم يذكر اسمه
ايضا.

37) الزمر، الآية: 47.

38) الكهف، الآية: 103-104.

39) التوبة، الآية: 24.

40) لم نعثر على مصدر لهذا الخبر، و جاء ذكر هذا الخبر مرسلا في (الحقائق)-ص 88 طبع
ايران-للشيخ (ملا محسن الفيض) و لم يذكر المصدر له.

41) القائل هو (مطرف بن عبد الله) كما في احياء العلوم: ج 4 ص 155

42) يظهر من كلمة (ورد) ان هذا حديث. و في احياء العلوم-ج 4 ص 155-كلام ينقله عن
(حامد اللفاف) .

43) القائل هو (الغزالى) في احياء العلوم، في الصفحة المتقدمة.

44) جاء نص هذا الكلام في اثناء كلام (الغزالى) في احياء العلوم-ج 4 ص 156-و
كانه من كلام نفسه. الا انه جاء نص هذه العبارة في (مجموعة الشيخ ورام) ص 320،
عن النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-مرسلا. و كذلك جاء في (مصباح الشريعة) المنسوب
الى الصادق-عليه السلام-في الباب 77 ما يقرب من هذا النص. فماذا نظن اراد
المؤلف بقوله: (سر قوله) ، هل اراد الغزالي يا ترى؟

45) التوبة، الآية: 111.

46) النساء، الآية: 116، 119.

47) الاعراف، الآية: 99.

48) هذه العبارة لبيان الابتلاء و الامتحان، يعنى: انهما يخشيان اذا سكن
خوفهما ان يظهر انهما قدامنا المكر و لم يوفيا بقولهما فيكون ذلك امتحانا
لهما.

49) النجم، الآية: 37.

50) الزمر، الآية: 53.

51) يوسف، الآية: 13.

52) روى (احياء العلوم: ج 4 ص 125) هذا الحديث عن النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-.

53) في الكافى فى (باب حسن الظن بالله عز و جل) تقديم و تاخير عما هنا، فقد جاء
فيه: «و فضلى فليرجوا و الى حسن الظن بي فليطمئنوا» .

54) في الكافي في (باب حسن الظن) : (يستحي) .

55) الشورى، الآية: 5.

56) روى الكافي في (باب الاستغفار من الذنب) هذا الحديث عن الصادق-عليه
السلام-.

57) الضحى، الآية: 5.

58) الزمر، الآية: 16.

59) آل عمران، الآية: 131.

60) الليل، الآية: 15-16.

61) الرعد، الآية 6.

62) التحريم، الآية 8.

63) في (احياء العلوم: ج 4 ص 128) هكذا: «انت ارحم بهم مني » ، و كذا بدل لا اخزيك: «لا
نخزيك » .

64) في (احياء العلوم: ص 129 من ج 4) هكذا: «هو ان عفا عن السيئات برحمته بدلها
حسنات بكرمه » .

65) الحجر، الآية: 2.

66) البقرة، الآية: 218.

67) الاعراف، الآية: 169.

68) روى الحديث في الكافي (باب الرجاء) و ليس فيه كلمة «ان » .

69) هكذا في نسخ هذا الكتاب و نسخة البحار، و لم نعثر على استعمال (سهر) للمبالغة
في معنى ساهرة.

70) هذه الرواية نقلها في البحار (الجزء الثاني من المجلد 15 في باب الخوف و
الرجاء) عن مصباح الشريعة. و قد تقدم راى صاحب البحار في مصباح الشريعة ص 121 في
تعليقتنا و هذه الرواية ظاهرة انها ليست من اسلوب كلام الامام-عليه السلام-.

71) الزمر، الآية: 53

72) طه، الآية: 82.

73) فصلت، الآية: 23.

74) الفتح، الآية: 11.

75) و حاصل معنى هذا البيت! (ان الخير المحض لا يصدر عنه الا الجميل فكن مطمئنا
ان عاقبتك ستكون الى الجميل) .


/ 15