المقام الثالث (فيما يتعلق بالقوة الشهوية من الرذائل و الفضائل و كيفية العلاج)
الشره-فوائد الجوع-الشهوة الجنسية-خمود الشهوة-العفة-الاعتدال في الشهوة-حب
الدنيا-لابد للمؤمن من مكسب-الدنيا المذمومة هي الهوى-ذم الدنيا و انها عدوة
الله و الانسان-خسائس صفات الدنيا- تشبيهات الدنيا و اهلها-عاقبة حب الدنيا و
بغضها-الجمع بين ذم المال و مدحه-حب المال-ذم المال-غوائل المال و
فوائده-الامور المنجية من غوائل المال -الزهد-مدح الزهد-اعتبارات الزهد و
درجاته-الزهد الحقيقي-ذم الغنى-الفقر-اختلاف احوال الفقراء-مراتب الفقر و
مدحه-الموازنة بين الفقر و الغنى-ما ينبغي للفقير-وظيفة الفقراء-موارد قبول العطاء
و ردها-لا يجوز السؤال من غير حاجة-الحرص و ذمه-القناعة-علاج الحرص-الطمع و
ذمه-الاستغناء عن الناس-البخل-ذم البخل-السخاء معرفة ما يجب ان
يبذل-الايثار-علاج البخل-الزكاة-سر وجوب الزكاة و فضيلة سائر الانفاقات-الحث
على التعجيل في الاعطاء-فضيلة اعلان الصدقة الواجبة-ذم المن و الاذى فى
الصدقة-ما ينبغي للمعطي- ما ينبغي للفقراء في اخذ الصدقة-زكاة الابدان-الخمس-الانفاق
على الاهل و العيال-ما ينبغي في الانفاق على العيال-صدقة التطوع-فضيلة الاسرار في
الصدقة المندوبة-الهدية-الضيافة-ما ينبغي ان يقصد في الضيافة-آداب الضيافة-الحق
المعلوم و حق الحصاد و الجذاذ-القرض- انظار المعسر و التحليل-بذل الكسوة و
السكنى و نحوهما-ما يبذل لوقاية العرض و النفس-ما ينفق في المنافع العامة-الفرق
بين الانفاق و البر و المعروف-طلب الحرام-عزة تحصيل الحلال-انواع
الاموال-الفرق بين الرشوة و الهدية-الورع عن الحرام-مدح الورع-مداخل الحلال-
درجات الورع-الغدر-انواع الفجور-الخوض في الباطل-التكلم بما لا يعني-حد التكلم
بما لا يعني-اسباب الخوض فيما لا يعنى-الصمت، فنقول: اما جنسا رذائلها (1) فاحدهما:
الشره
و هو اطاعة شهوة البطن و الفرج، و شدة الحرص على الاكل و الجماع و ربما فسر
باتباع القوة الشهوية في كل ما تدعو اليه: من شهوة البطن و الفرج، و حب المال،
و غير ذلك، ليكون اعم من سائر رذائل قوة الشهوة، و تتحقق جنسيته، و على الاول يكون
بعض رذائلها كحب الدنيا المتعلق بها اعم منه، الا ان القوم لما فسروه بالاول
فنحن اتبعناهم، اذ الامر في مثله هين. و بالجملة: رذيلة الشره من طرف الافراط و لا ريب في كونه اعظم المهلكات لابن
آدم، و لذا قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من وقى شر قبقبة و ذبذبة و لقلقة فقد وقى » ، و القبقب: البطن، و الذبذب: الفرج، و
اللقلق: اللسان. و قال-صلى الله عليه و آله و سلم: - «ويل للناس من القبقبين! فقيل: و
ما هما يا رسول الله؟ ! قال: الحلق و الفرج » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«اكثر ما يلج به امتى النار الاجوفان: البطن و الفرج » . و قال-صلى الله عليه و
آله و سلم-: «ثلاث اخافهن على امتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة، و مضلات الفتن، و شهوة
البطن و الفرج » . و يدل على ذم (الاول) -اعني شهوة البطن و الحرص على الاكل و الشرب-قوله-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «ما ملا ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن
صلبه » و ان كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه و ثلث لشرابه و ثلث لنفسه » ، و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام و الشراب، فان القلب كالزرع
يموت اذا كثر عليه الماء» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «افضلكم منزلة عند الله اطولكم جوعا و تفكرا، و ابغضكم الى الله تعالى كل نؤم اكول
شروب » و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «المؤمن ياكل في معاء واحد و المنافق ياكل
في سبعة امعاء» ، اى ياكل سبعة اضعاف ما ياكله المؤمن او تكون شهوته سبعة امثال
شهوته، فالمعاء كناية عن الشهوة. و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان ابغض الناس
الى الله المتخمون الملاى، و ما ترك عبد اكلة يشتهيها الا كانت له درجة في الجنة »
. و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «بئس العون على الدين قلب نخيب و بطن رغيب و نعظ
شديد» (2) و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اطول الناس جوعا يوم القيامة اكثرهم
شبعا في الدنيا و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا يدخل ملكوت السماوات من ملا
بطنه » . و فى التوراة: «ان الله ليبغض الحبر السمين » ، لان السمن يدل على
الغفلة و كثرة الاكل. و فى بعض الآثار: «ان الله يبغض القارى ء السمين » . و قال
لقمان لابنه: «يا بني! اذا امتلات المعدة فامت الفكرة و خرست الحكمة، و قعدت
الاعضاء عن العبادة » . و قال الباقر-عليه السلام- «اذا شبع البطن طغى » . و
قال-عليه السلام-: «ما من شى ء ابغض الى الله-عز و جل-من بطن مملو» . و قال
الصادق-عليه السلام-: «ان البطن ليطغى من اكلة، و اقرب ما يكون العبد من الله اذا خف بطنه و ابغض
ما يكون العبد الى الله اذا امتلا بطنه » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ليس
لابن آدم بد من اكلة يقيم بها صلبه، فاذا اكل احدكم طعاما، فليجعل ثلث بطنه
للطعام، و ثلث بطنه للشراب، و ثلثه للنفس، و لا تسمنوا تسمن الخنازير للذبح » . و
قال-عليه السلام-: «ما من شي ء اضر لقلب المؤمن من كثرة الاكل » و هي مورثة شيئين: (قسوة) القلب، و (هيجان) الشهوة. و الجوع ادام للمؤمن، و غذاء للروح، و طعام للقلب،
و صحة للبدن » . و الاخبار الواردة بهذه المضامين كثيرة، و لا ريب في ان اكثر الامراض و
الاسقام تترتب على كثرة الاكل. قال الصادق-عليه السلام-: «كل داء من التخمة الا الحمى فانها ترد ورودا» . و قال-عليه السلام-: «الاكل على الشبع يورث البرص » . و كفى لشهوة البطن ذما انها صارت منشا لاخراج
آدم و حواء من دار القرار الى دار الذل و الافتقار، اذ نهيا عن اكل الشجرة
فغلبتهما شهوتهما حتى اكلا منها، فبدت لهما سوآتهما. و البطن منبت الادواء و الآفات و ينبوع الشهوات، اذ تتبعها شهوة الفرج شدة
السبق الى المنكوحات، و تتبع شهوة المطعم و المنكح شدة الرغبة في الجاه و المال،
ليتوسل بهما الى التوسع في المطعومات و المنكوحات، و يتبع ذلك انواع
الرعونات، و ضروب المحاسدات و المنافسات، و تتولد من ذلك آفة الرياء، و غائلة
التفاخر و التكاثر و العجب و الكبر، و يداعي ذلك الى الحقد و العداوة و البغضاء،
و يفضي ذلك بصاحبه الى اقتحام البغي و المنكر و الفحشاء. و كل ذلك ثمرة اهمال
المعدة و ما يتولد من بطر الشبع و الامتلاء و لو ذلل العبد نفسه بالجوع، و ضيق
مجاري الشيطان، لم يسلك سبيل البطر و الطغيان، و لم ينجر به الى الانهماك في
الدنيا و الانغمار فيما يفضيه الى الهلاك و الردى، و لذا ورد في فضيلة الجوع و
الصبر عليه ما ورد من الاخبار، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«جاهدوا انفسكم بالجوع و العطش، فان الاجر في ذلك كاجر المجاهد فى سبيل الله،
و انه ليس من عمل احب الى الله من جوع و عطش » و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«افضل الناس من قل مطعمه و ضحكه، و رضى بما يستر عورته » . و قال-صلى الله عليه و آله
و سلم-: «سيد الاعمال الجوع، و ذل النفس لباس الصوف » و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «اشربوا و كلوا فى انصاف البطون فانه جزء من
النبوة » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «قلة الطعام هي العبادة » . و قال-صلى الله
عليه و آله و سلم-: «ان الله يباهى الملائكة بمن قل مطعمه في الدنيا» يقول: انظروا
الى عبدى ابتليته بالطعام و الشراب في الدنيا فصبر و تركهما، اشهدوا يا
ملائكتي: ما من اكلة يدعها الا ابدلته بها درجات في الجنة » . و قال-صلى الله عليه و
آله و سلم- «اقرب الناس من الله-عز و جل-يوم القيامة من طال جوعه و عطشه و حزنه في
الدنيا» . و قال عيسى (ع) : «اجيعوا اكبادكم و اعروا اجسادكم لعل قلوبكم ترى
الله-عز و جل-» . و قالت بعض زوجاته-صلى الله عليه و آله-: «ان رسول الله لم يمتل قط
شبعا، و ربما بكيت رحمة مما ارى به من الجوع فامسح بطنه بيدى، و اقول: نفسي لك
الفداء! لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقويك و يمنعك من الجوع، فيقول: اخوانى من
اولى العزم من الرسل قد صبروا على ما هو اشد من هذا، فمضوا على حالهم فقدموا
على ربهم فاكرم مآبهم و اجزل ثوابهم، فاجدني استحي ان ترفهت في معيشتى ان
يقصر بي غدا دونهم، فاصبر اياما يسيرة احب الي من ان ينقص بي حظى غدا في الآخرة » و
ما من شي ء احب الي من اللحوق باصحابي و اخواني » . و روى: «انه جاءت فاطمة-عليها
السلام- و معها كسيرة من خبز، فدفعتها الى النبي-صلى الله عليه و آله و
سلم-فقال: ما هذه الكسيرة؟ قالت: قرص خبزته للحسن و الحسين-عليهما السلام-جئتك منه بهذه
الكسيرة، فقال: اما انه اول طعام دخل فم ابيك منذ ثلاث » (3) .
فوائد الجوع
ثم للجوع فوائد: هي صفاء القلب و رقته، و اتقاد الذهن و حدته و الالتذاذ
بالمناجاة و الطاعة، و الابتهاج بالذكر و العبادة، و الترحم لارباب الفقر و
الفاقة، و التذكر بجوع يوم القيامة. و الانكسار المانع عن الطغيان و الغفلة، و
تيسر المواظبة على الطاعة و العبادة، و كسر شهوات المعاصي المسئولية بالشبع، و
دفع النوم الذي يضيع العمر و يكل الطبع و يفوت القيام و التهجد، و التمكن من
الايثار و التصديق بالزائد، و خفة المؤنة الموجبة للفراغ عن الاهتمام بالتحصيل و
الاعداد، و صحة البدن و دفع الامراض، اذ المعدة بيت كل داء و الحمية راس كل دواء، و
ورد: «كلوا في بعض بطونكم تصحوا» ، و اضداد هذه الفوائد من المفاسد يترتب على
الشبع. ثم علاج الشره بالاكل و الشرب: ان يتذكر الاخبار الواردة في ذمه، و ينبه نفسه
على رذالة الماكولات و خساستها، و على خسة الشركاء من الحيوانات، و يتامل في
المفاسد المترتبة على الولوع به: من الذلة، و المهانة و سقوط الحشمة و المهابة، و
فتور الفطنة، و ظهور البلادة، و حدوث العلل و الامراض الكثيرة، و بعد ذلك يحافظ
نفسه عن الافراط في الاكل و لو بالتكلف حتى يصير الاعتدال فيه عادة.
الشهوة الجنسية
(و اما الثاني) -اعنى طاعة شهوة الفرج و الافراط في الوقاع- فلا ريب في انه يقهر
العقل حتى يجعل الانسان مقصور الهم على التمتع بالنسوان و الجواري، فيحرم من
سلوك طريق الآخرة، او يقهر الدين حتى يجر الى اقتحام الفواحش و ربما انتهت هذه
الشهوة بمن غلب و همه على عقله الى العشق البهيمي الذي ينشا من استيلاء الشهوة،
فيسخر الوهم العقل لخدمة الشهوة، و قد خلق العقل ليكون مطاعا لا ليكون خادما للشهوة، و
هذا مرض قلوب فارغة خلت عن محبة الله و عن الهمم العالية. و يجب الاحتراز من اوائله بترك معاودة الفكر و النظر، و اذا استحكم عسر دفعه، و
كذلك حب باطل من الجاه و المال و العقار و الاولاد، فمثل من يكسره في اول
انبعاثه مثل من يصرف عنان الدابة عند توجهها الى باب ليدخله، و ما اهون منعها
بصرف عنانها، و مثل من يعالجه بعد استحكامه مثل من يترك الدابة حتى تدخل و
تتجاوز الباب ثم ياخذ بذنبها و يجرها الى ورائها، و ما اعظم التفاوت بين
الامرين في اليسر و العسر. فليكن الاحتراز و الاحتياط في بدايات الامور، اذ في اواخرها لا تقبل العلاج
الا بجهد شديد يكاد يوازى نزع الروح. و ربما انتهى افراط هذه الشهوة بطائفة الى ان يتناولوا ما يقويها ليستكثروا
من الجماع، و مثلهم كمثل من بلى بسباع ضارية تغفل عنه فى بعض الاوقات فيحتال
لاثارتها و تهييجها في هذا الوقت ثم يشتغل بعلاجها و اصلاحها. و التجربة
شاهدة بان من ينقاد لهذه الشهوة و يسعى في تكثير ما يهيجها من النسوان و
تجديدهن و التخيل و النظر و تناول الاغذية و الادوية المحركة لها يكون ضعيف البدن
سقيم الجسم قصير العمر، و قد ينجر افراطها الى سقوط القوة و اختلال القوى
الدماغية و فساد العقل-كما برهن عليه في الكتب الطبية-. و الوقاع اضر الاشياء
بالدماغ، اذ جل المواد المنوية يجلب منه، و لذا شبه الغزالى هذه الشهوة بالعامل
الظالم الذى لو اطلقه السلطان و لم يمنعه من ظلمه اخذ اموال الرعية على
لتدريج باسرها و ابتلاهم بالفقر و الفاقة، فاهلكهم الجوع و عدم تمكنهم من تحصيل
القوت، و كذا هذه القوة لو لم يقهرها سلطان العقل و لم يقمها على طريق الاعتدال
صرفت جميع المواد الصالحة و الاخلاط المحمودة التي اكتسبتها القوى الغذائية
لبدل ما يتحلل من الاعضاء في مصارف نفسها و جعلها باسرها منيا، و تبقى جميع
الاعضاء بلا قوت، فتضعف و يدركها الفناء بسرعة. ولو كانت مطيعة للعقل، بحيث تقدم
على ما يامرها به و تنزجر عما ينهاها عنه، كانت كالعامل الذي ياخذ الخراج على
طريق العدل و المروة، و يصرفه في مصارف المملكة من سد الثغور و اصلاح القناطر و
خروج العساكر، و تبقى سائر اموال الرعية لانفسهم، فيبقى لهم القوت و سائر ما
يحتاجون اليه. و لعظم آفة هذه الشهوة و اقتضائها هلاك الدين و الدنيا ان لم تضبط و لم ترد الى
حد الاعتدال، ورد في ذمها ما ورد من الاخبار، و قال رسول الله -صلى الله عليه و
آله و سلم-في بعض دعواته: «اللهم انى اعوذ بك من شر سمعي و بصري و قلبي و شر مني » . و
روى: «انه اذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله » و ورد في تفسير قوله تعالى: «و من شر
غاسق اذا وقب » (4) اي: و من شر الذكر اذا قام او دخل. و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «النساء حبائل
الشيطان » و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ما بعث الله نبيا فيما خلا الا لم يياس ابليس ان يهلكه بالنساء، و لا شي اخوف
عندى منهن » (5) و قال-صلى الله عليه و آله- «اتقوا فتنة النساء، فان اول فتنة بنى
اسرائيل كانت من قبل النساء» و روى: «ان الشيطان قال لموسى عليه السلام: لا تخل
بامراة لا تحل لك. فانه ما خلا رجل بامراة لا تحل له الا كنت صاحبه دون اصحابى
حتى افتنه بها» . و روى ايضا: «ان الشيطان قال: المراة نصف جندي، و هي سهمي الذى ارمى فلا اخطئ، و هي
موضع سرى، و هي رسولى في حاجتي » و لا ريب في انه لولا هذه الشهوة لما كان للنساء تسلط على الرجال. و قد ظهر بالعقل و النقل: ان الافراط في هذه الشهوة و كثرة الطروقة و النزو على
النسوان مذموم. و لا تغرنك كثرة نكاح رسول الله-صلى الله عليه و آله-فانه كان
لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا، و كان استغراقه في حب الله بحيث يخشى احتراق
قبلبه و السراية منه الى قالبه، فكان-صلى الله عليه و آله-يكثر من النسوان و يشغل
نفسه الشريفة بهن، ليبقى له نوع التفات الى الدنيا، و لا يؤدى به كثرة الاستغراق
الى مفارقة الروح عن البدن، و لذا اذا غشيته كثرة الاستغراق و خاض في غمرات
الحب و الانس، يضرب يده على فخذ عائشة و يقول-صلى الله عليه و آله-: «كلميني و اشغليني
يا حميراء! » و هي تشغله بكلامها عن عظيم ما هو فيه لقصور طاقة قالبه عنه. ثم لما كانت جبلته الانس بالله، و كان انسه بالخلق عارضا يتكلفه رفقا ببدنه،
فاذا طالت مجالسته معهم لم يطق الصبر معهم و ضاق صدره فيقول: «ارحنا يا بلال! » ،
حتى يعود الى ما هو قرة عينه. فالضعيف اذا لا حظ احواله فهو معذور، لان
الافهام تقصر عن الوقوف على اسرار افعاله (6) . ثم علاج افراط هذه الشهوة-بعد تذكر مفاسدها المذكورة-كسرها بالجوع، و سد
الطرق المؤدية اليها: من التخيل و النظر و التكلم و الخلوة، فان اقوى الاسباب
المهيجة لها هو النظر و الخلوة، و لذا قال الله تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم » (7) و قال النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-: «النظرة سهم مسموم من سهام ابليس، فمن
تركها خوفا من الله تعالى اعطاه الله ايمانا يجد حلاوته فى قلبه » . و قال-صلى
الله عليه و آله و سلم-: «لكل عضو من اعضاء ابن آدم حظ من الزنا» فالعينان
تزنيان و زناهما النظر» . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لا تدخلوا على المغيبات-اي التي غاب عنها
زوجها-فان الشيطان يجري من احدكم مجرى الدم » . و قال عيسى بن مريم-عليهما السلام-: «اياكم و النظرة، فانها تزرع في القلب شهوة،
و كفى بها فتنة » . و قيل ليحيى بن زكريا: ما بدء الزنا؟ قال: «النظرة و التمنى » . و
قال داود-عليه السلام-لابنه: «يا بني! امش خلف الاسد (و) (8) الاسود و لا تمش خلف المراة » . و قال ابليس: «النظرة قوسى و سهمى الذي لا اخطئ به » . و لكون النظر مهيجا للشهوة، حرم في الشريعة نظر كل من الرجل و المراة الى الآخر، و
كذا حرم استماع كل منهما لكلام الآخر، الا مع الضرورة و عموم الحاجة، و كذا
حرم نظر الرجال الى المرد من الصبيان اذا كان مورثا للفتنة، و لذا كان
كبراء الاخيار و عظماء الابرار في الاعصار و الامصار محترزين عن النظر الى
وجوه الصبيان، حتى قال بعضهم «ما انا باخوف على الشباب الناسك من سبع ضار
كخوفي عليه من غلام امرد يجلس اليه » . ثم ان لم تنقمع الشهوة بالجوع و الصوم و حفظ النظر، فينبغي كسرها بالنكاح، بشرط
الاستطاعة و الامن من غوائله. قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «معاشر
الشباب! عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم، فان الصوم له و جاء» . و
قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان المراة اذا اقبلت اقبلت بصورة
شيطان، فاذا راى احدكم امراة فاعجبته فليات اهله، فان معها مثل الذي معها»
. (و ثانيهما) -اى ثانى جنسي رذائل قوة الشهوة-:
الخمود
و هو التفريط في كسب ضرورى القوت، و الفتور عما ينبغي من شهوة النكاح، بحيث يؤدى
الى سقوط القوة و تضييع العيال و انقطاع النسل و لا ريب في كون ذلك مذموما غير
مستحسن في الشرع، اذ تحصيل المعارف الالهية و اكتساب الفضائل الحلقية و
العبادات البدنية موقوف على قوة البدن، فالتفريط في ايصال بدل ما يتحلل الى
البدن يوجب الحرمان عن تحصيل السعادات. و هو غاية الخسران. و كذا اهمال قوة
شهوة النكاح يوجب الحرمان عن الفوائد المترتبة عليها، فان هذه القوة انما
سلطت على الانسان لبقاء النسل و دوام الوجود، و لان يدرك لذته فيقيس بها لذات
الآخرة، فان لذة الوقاع لو دامت لكانت اقوى اللذات الجسمانية، كما ان الم
النار اعظم الآلام الجسدانية، فالترغيب و الترهيب يسوقان الخلق الى سعاداتهم،
و ليس ذلك الا بلذة مدركة و الم محسوس مشابهين للذات و الآلام الاخروية. و لبقاء النسل فوائد: موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لبقاء نوع الانسان،
و عدم قطعه السلسلة التي وصلت اليه من مبدا النوع، و طلب محبة رسول الله-صلى الله
عليه و آله-في تكثير من به مباهاته، و طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده، و طلب
الشفاعة بموت الولد الصغير اذا مات قبله، كما استفاضت به الاخبار. و من فوائد النكاح: كسر التوقان و التحرز من الشيطان، بغض البصر و حفظ الفرج و
قطع الوساوس و خطرات الشهوة من القلب، و اليه الاشارة بقوله-صلى الله عليه و آله
و سلم-: «من تزوج فقد احرز نصف دينه » و من فوائد النكاح: تفريغ القلب عن تدبير المنزل، و التكفل بشغل الطبخ و الفرش و
الكنس، و تنظيف الاواني و تهيئة اسباب المعيشة، فان الفراغ عن ذلك اعون شي ء على
تحصيل العلم و العمل، و لذا قال النبي -صلى الله عليه و آله-: «ليتخذ احدكم لسانا
ذاكرا و قلبا شاكرا و زوجة مؤمنة صالحة تعينه على آخرته » . و منها: مجاهدة النفس و رياضتها بالسعى في حوائج الاهل و العيال، و الاجتهاد في
اصلاحهم و ارشادهم الى طريق الدين، و في تحصيل المال الحلال لهم من المكاسب
الطيبة، و القيام بتربية الاولاد، و الصبر على اخلاق النساء، و كل ذلك من
الفضائل العظيمة، و لذا قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الكاد في نفقة
عياله كالمجاهد في سبيل الله » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من حسنت صلاته، و كثر عياله و قل ماله، و لم يغتب
المسلمين: كان معي فى الجنة كهاتين » . و قال -صلى الله عليه و آله و سلم-: «من
الذنوب لا يكفرها الا الهم بطلب المعيشة » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من
كانت له ثلاث بنات فانفق عليهن و احسن اليهن حتى يغنيهن الله عنه اوجب الله
تعالى له الجنة » . و لا ريب في ان الحمود عن الشهوة يلزمه الحرمان عن الفوائد المذكورة فهو
مرجوح. ثم لما كان للنكاح آفات ايضا، كالاحتياج الى المال و صعوبة تحصيل الحلال
منه-لا سيما في امثال زماننا-و العجز عن القيام بحقوق النسوان، و الصبر على
اخلاقهن، و احتمال الاذى منهن، و تفرق الخاطر لاجل القيام بتدبير المعيشة و
تهيئة ما يحتاجون اليه، و تادية ذلك غالبا الى ما لا ينبغي من الانغمار في
الدنيا و الغفلة عن الله-سبحانه-و عما خلق لاجله، فاللائق ان يلاحظ في كل شخص ان
الراجح في حقه ماذا؟ -بعد ملاحظة الفوائد و المفاسد-فياخذ به.
وصل
العفة
قد عرفت ان ضد الجنسين (العفة) ، و هو انقياد قوة الشهوة للعقل في الاقدام على ما
يامرها به من الماكل و المنكح كما و كيفا، و الاجتناب عما ينهاها عنه، و هو
الاعتدال الممدوح عقلا و شرعا، و طرفاه من الافراط و التفريط مذمومان، فان
المطلوب في جميع الاخلاق و الاحوال هو الوسط، اذ خير الامور اوساطها، و كلا
طرفيها ذميم، فلا تظنن مما ورد في فضيلة الجوع ان الافراط فيه ممدوح، فان
الامر ليس كذلك، بل من اسرار حكمة الشريعة ان كلما يطلب الطبع فيه طرف الافراط
بالغ الشرع في المنع عنه على وجه يتوهم الجاهل منه ان المطلوب طرف التفريط، و
العالم يدرك ان المقصود هو الوسط، فان الطبع اذا طلب غاية الشبع، فالشرع ينبغي
ان يطلب غاية الجوع، حتى يكون الطبع باعثا و الشرع مانعا، فيتقاومان و يحصل
الاعتدال. و لما بالغ النبي-صلى الله عليه و آله-في الثناء على قيام الليل و
صيام النهار، ثم علم من حال بعضهم انه يقوم الليل كله و يصوم الدهر كله، فنهى
عنه. و الاخبار الواردة في مدح العفة و فضيلتها كثيرة، قال امير المؤمنين عليه
السلام: «افضل العبادة العفاف » . و قال الباقر عليه السلام: «ما من عبادة
افضل من عفة بطن و فرج » . و قال عليه السلام: «ما عبد الله بشي ء افضل من عفة بطن و
فرج » و قال عليه السلام: «اى الاجتهاد افضل من عفة بطن و فرج » . و في معناها
اخبار اخر. و اذا عرفت هذا، فاعلم ان الاعتدال في الاكل ان ياكل بحيث لا يحس بثقل المعدة و
لا بالم الجوع، بل ينسى بطنه فلا يؤثر فيه اصلا، فان المقصود من الاكل بقاء
الحياة و قوة العبادة، و ثقل الطعام يمنع العبادة و الم الجوع ايضا يشغل القلب
و يمنع منها فالمقصود ان ياكل اكلا معتدلا بحيث لا يبقى للاكل فيه اثر، ليكون
متشبها بالملائكة المقدسين عن ثقل الطعام و الم الجوع، و اليه الاشارة بقوله
تعالى: «و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا» (9) و هذا يختلف بالنسبة الى الاشخاص و الاحوال و الاغذية، و المعيار فيه الا ياكل
طعاما حتى يشتهيه، و يرفع يده عنه و هو يشتهيه: و ينبغي الا يكون غرضه من الاكل
التلذذ، بل حفظ القوة على تحصيل ما خلق لاجله، فيقتصر من انواع الطعام على خبز
البر في بعض الاوقات، و على خبز الشعير فى بعضها، و لو ضم اليه الادام فيكتفي
بادام واحد فى بعض الاحيان، و لا يواظب على اللحم، و لا يتركه بالمرة، قال
امير المؤمنين عليه السلام: «من ترك اللحم اربعين يوما ساء خلقه، و من داوم
عليه اربعين يوما قسى قلبه » .
(الاعتدال في الشهوة)
و الاعتدال ان يكتفي في اليوم بليلته باكلة واحدة في وقت السحر، بعد الفراغ عن
التهجد او بعد صلاة العشاء، او باكلتين: التغدى و التعشي- ان لم يقدر على الاكتفاء
بمرة واحدة-و قد استفاضت اخبار ائمتنا الراشدين -عليهم السلام-بالحث على
التعشي. ثم للعرفاء ترغيبات على الجوع و تصريحات على كثرة فوائده، و على توقف كشف
الاسرار الالهية و الوصول الى المراتب العظيمة عليه، و لهم حكايات في امكان
الصبر عليه، و على عدم الاكل شهرا او شهرين او سنة و نقلوا حصوله عن بعضهم، و هذا
امر وراء ما وردت به السنة و كلفت به عموم الامة، فان كان ممدوحا فانما هو
لقوم مخصوصين. و اما الجماع، فالاعتدال فيه ان يقتصر فيه على ما لا ينقطع عن النسل و يحصل له
التحصن، و تزول به خطرات الشهوة، و لا يؤدي الى ضعف البدن و القوى. و اما غير الجنسين من الانواع و النتائج و الآثار المتعلقة بالقوة الشهوية -و
ان كان بعضها اعم الجنسين او مساويا لهما-: فمنها:
حب الدنيا
اعلم ان للدنيا ماهية في نفسها و ماهية فى حق العبد، اما ماهية الدنيا و حقيقتها
في نفسها، فعبارة عن اعيان موجودة: هي الارض و ما عليها و الارض هي العقار و
الضياع و امثالهما، و ما عليها تجمعه المعادن و النبات و الحيوان، و المعادن
تطلب لكونها اما من الآلات و الزينة كالنحاس و الرصاص و الجواهر و امثالها،
او من النقود كالذهب و الفضة، و النبات يطلب لكوله من الاقوات او الادوية، و
الحيوانات تطلب اما لملكية ابدانها و استخدامها كالعبيد و الغلمان او لملكية
قلوبها و تسخيرها ليترتب عليه التعظيم و الاكرام و هو الجاه، او للتمتع و
التلذذ بها كالجوارى و النسوان، او للقوة و الاعتضاد كالاولاد. هذه هي
الاعيان المعبر عنها بالدنيا، و قد جمعها الله سبحانه في قوله: «زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطيرالمقنطرة من الذهب و
الفضة و الخيل المسومة و الانعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا» (10) . و حب جميع ذلك من رذائل قوة الشهوة، الا حب تسخير القلوب لقصد الغلبة و الاستيلاء،
فانه من رذائل قوة الغضب-كما تقدم-و بذلك يظهر ان حب الدنيا المتعلق بقوة
الشهوة اعم من الشره باول تفسيريه -كما اشير اليه-. و اما ماهيتها في حق العبد، فعبارة عن جميع ماله قبل الموت، كما ان بعد الموت
عبارة عن الآخرة، فكل ما للعبد فيه نصيب و شهوة و حظ و غرض و لذة في عاجل الحال قبل
الوفاة فهي الدنيا في حقه، و للعبد فيه علاقتان، علاقة بالقلب: و هو حبه له، و علاقة
بالبدن: و هو اشغاله باصلاحه، ليستوفى منه حظوظه. الا ان جميع ماله اليه ميل و
رغبة ليس بمذموم، و ذلك لان ما يصحبه في الدنيا و تبقى ثمرته معه بعد
الموت-اعنى العلم النافع و العمل الصالح-فهو من الآخرة في الحقيقة، و انما سمى
بالدنيا باعتبار دنوه، فان كلا من العالم و العابد قد يلتذ بالعلم و العبادة
بحيث يكون ذلك الذ الاشياء عنده، فهو و ان كان حظا عاجلا له في الدنيا الا انه ليس
من الدنيا المذمومة، بل هو من الآخرة في الحقيقة، و ان عد من الدنيا من حيث دخوله
في الحس و الشهادة، فان كل ما يدخل فيهما فهو من عالم الشهادة-اعني الدنيا-و
لذا جعل نبينا-صلى الله عليه و آله- الصلاة من الدنيا، حيث قال: «حبب الي من
دنياكم ثلاث: الطيب و النساء، و قرة عيني في الصلاة » ، مع انها من اعمال الآخرة. فالدنيا المذمومة عبارة عن حظ عاجل، لا يكون من اعمال الآخرة و لا وسيلة اليها، و
ما هو الا التلذذ بالمعاصي و التنعم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورة في
تحصيل العلم و العمل. و اما قدر الضرورة من الرزق، فتحصيله من الاعمال الصالحة-كما نطقت به
الاخبار-قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: العبادة سبعون جزءا، افضلها
طلب الحلال » . و قال-صلى الله عليه و آله-: ملعون من القى كله على الناس » . و قال السجاد عليه السلام: «الدنيا دنياءان:
دنيا بلاغ، و دنيا ملعونة » و قال الباقر عليه: «من طلب الدنيا استعفافا عن الناس،
و سعيا على اهله، و تعطفا على جاره، لقى الله- عز و جل-يوم القيامة و وجهه مثل القمر
ليلة البدر» . و قال الصادق عليه السلام: «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل
الله » . و قال عليه السلام «ان الله تبارك و تعالى ليحب الاغتراب في طلب الرزق » .
و قال عليه السلام: «ليس منا من ترك دنياه لآخرته و لا آخرته لدنياه » . و قال -عليه
السلام-: «لا تكسلوا في طلب معايشكم، فان آباءنا كانوا يركضون فيها و
يطلبونها» . و قال له عليه السلام رجل: «انا لنطلب الدنيا و نحب ان نؤتاها، فقال:
تحب ان تصنع بها ماذا؟ قال: اعود بها على نفسى و عيالي، و اصل بها و اتصدق، و احج
و اعتمر، فقال ابو عبد الله عليه السلام: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة » .
و كان ابو الحسن عليه السلام يعمل في ارض قد استنقعت قدماه فى العرق، فقيل له: «جعلت فداك! اين الرجال؟ فقال: و قد عمل باليد من هو خير مني في ارضه و من ابى، فقيل:
و من هو؟ فقال: رسول الله-صلى الله عليه و آله-و امير المؤمنين و آبائي كلهم
كانوا قد عملوا بايديهم، و هو من عمل النبيين و المرسلين و الاوصياء و
الصالحين » و قد ورد بهذه المضامين اخبار كثيرة اخر مشهورة.
تذنيب
(لا بد للمؤمن من مكسب)
قد ظهر من هذه الاخبار ان الراجح-بل اللازم-لكل مؤمن ان يكون له مكسب طيب يحصل
منه ما يحتاج اليه من الرزق و غيره من المخارج المحمودة، و قد صرح بذلك في
اخبار كثيرة اخر، قال امير المؤمنين عليه السلام: «اوحى الله-عز و جل-الى داود
عليه السلام: انك نعم العبد لو لا انك تاكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا، قال:
فبكى داود اربعين صباحا، فاوحى الله-عز و جل-الى الحديد ان لن لعبدى داود
فالان الله له الحديد، و كان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بالف درهم، فعمل ثلثمائة و
ستين درعا فباعها بثلثمائة و ستين الفا، و استغنى عن بيت المال » . و قال الصادق عليه السلام «من احبنا اهل البيت فلياخذ من الفقر جلبابا او
تجفافا» ، و الجلباب: كناية عن الستر على فقره، و التجفاف (11) : كناية عن كسب طيب يدفع فقره. و قيل له في رجل قال: لاقعدن في بيتي، و لاصومن، و
لاعبدن ربى، فاما رزقى فسياتيني: قال ابو عبد الله «هذا احد الثلاثة الذين لا
يستجاب لهم » . و هذا-اى ملكة تحصيل المال الحلال من المكاسب الطيبة و صرفها في المخارج
المحمودة-هو الحرية باحد المعنيين، اذ للحرية اطلاقان: (احدهما) ذلك، و هو الحرية بالمعنى الاخص، (و ثانيهما) التخلص عن اسر الهوى و
عبودية القوة الشهوية، و هو الحرية بالمعنى الاعم المرادفة، و ضده الرقية بالمعنى
الاعم الذي هو طاعة قوة الشهوة و متابعة الهوى. و ضد الاول-اعنى الرقية بالمعنى الاخص-هو افتقاره الى الناس فيما يحتاج اليه
من الرزق، و القاء نظره الى ايديهم، و حوالة رزقه على اموالهم، اما على وجه محرم،
كالغصب و النهب و السرقة و انواع الخيانات او غير محرم، كاخذ وجوه الصدقات و
اوساخ الناس، بل مطلق الاخذ منهم اذا جعل يده يدا سفلى و يدهم يدا عليا. و لا ريب في
كون الرقية بهذا المعنى مذمومة، اذ (الوجه الاول) محرم في الشريعة و موجب للهلاك
الابدي، و (الوجه الثاني) و ان لم يكن محرما اذا كان فقيرا مستحقا، الا انه
لايجابه التوقع من الناس و كون نظره اليهم يقتضي المذلة و الانكسار و التخضع
للناس و الرقية و العبودية لهم، و هذا يرفع الوثوق بالله و الاعتماد و التوكل
عليه، و ينجر ذلك الى سلب التوكل على الله بالكلية، و ترجيح المخلوق على الخالق، و
هذا ينافي مقتضى الايمان و المعرفة الواقعية بالله سبحانه
فصل
(الدنيا المذمومة هي الهوى)
قد ظهر مما ذكر: ان الدنيا المذمومة حظ نفسك الذي لا حاجة اليه لامر الآخرة، و
يعبر عنه بالهوى، و اليه اشار قوله تعالى: «و نهى النفس عن الهوى فان الجنة هي الماوى » (12) . و مجامع الهوى هي المذكورة في قوله تعالى: «انما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الاموال و
الاولاد» (13) . و الاعيان التي تحصل منها هذه الامور هي المذكورة في قوله سبحانه: «زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطيرالمقنطرة من الذهب و
الفضة و الخيل المسومة و الانعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا و الله عنده
حسن المآب » (14) . فهذه اعيان الدنيا، و للعبد معها علاقتان: (علاقة مع القلب) : و هي حبه لها و حظه منها و انصراف همه اليها حتى يصير قلبه
كالعبد او المحب المستهتر بها، و يدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلقة
بالدنيا: كالرياء، و السمعة، و سوء الظن، و المداهنة و الحسد، و الحقد، و الغل، و الكبر،
و حب المدح، و التفاخر و التكاثر. فهذه هي الدنيا الباطنة، و الظاهرة هي الاعيان المذكورة. و (علاقة مع البدن) : و هو اشتغاله باصلاح هذه الاعيان لتصلح لحظوظه و حظوظ غيره، و
هذا الاشتغال عبارة عن الصناعات و الحرف التي اشتغل الناس بها، بحيث
انستهم انفسهم و خالقهم و اغفلتهم عما خلقوا لاجله، و لو عرفوا سبب الحاجة
اليها و اقتصروا على قدر الضرورة، لم يستغرقهم اشتغال الدنيا و الانهماك فيها،
و لما جهلوا بالدنيا و حكمتها و حظهم منها لم يقتصروا الا على قدر الاحتياج،
فاوقعوا انفهم في اشغالها، و تتابعت هذه الاشغال و اتصلت بعضها ببعض، و تداعت
الى غير نهاية محدودة، فغفلوا عن مقصودها، و تاهوا في كثرة الاشغال. فان امور
الدنيا لا يفتح منها باب الا و تنفتح لاجله عشرة ابواب اخر، و هكذا يتداعى الى غير
حد محصور، و كانها هاوية لا نهاية لعمقها، و من وقع في مهواة منها سقط منها الى اخرى.
. . و هكذا على التوالى. الا ترى ان ما يضطر اليه الانسان بالذات منحصر
بالماكل و الملبس و المسكن؟ و لذلك حدثت الحاجة الى خمس صناعات هي اصول
الصناعات: الفلاحة، و الرعاية للمواشي، و الحياكة و البناء و الاقتناص-اي تحصيل ما
خلق الله من الصيد و المعادن و الحشائش و الاحطاب-و تترتب على كل من هذه
الصناعات صناعات اخر، و هكذا الى ان حدثت جميع الصناعات التي نراها في
العالم، و ما من احد الا و هو مشتغل بواحدة منها او اكثر، الا اهل البطالة و
الكسالة، حيث غفلوا عن الاشتغال في اول الصبا، او منعهم مانع و استمروا على
غفلتهم و بطالتهم، حتى نشاوا بلا شغل و اكتساب، فاضطروا الى الاخذ مما يسعى
فيه غيرهم، و لذلك حدثت حرفتان خبيثتان هي (اللصوصية) و (الكدية) (15) و لكل واحد
منهما انواع غير محصورة لا تخفى على المتامل.
فصل
(ذم الدنيا و انها عدوة الله و الانسان)
اعلم ان الدنيا عدوة لله و لاوليائه و لا عدائه: اما عداوتها لله، فانها قطعت
الطريق على العبادة، و لذلك لم ينظر اليها مذ خلقها، كما ورد في الاخبار (16) و
اما عداوتها لاوليائه و احبائه، فانها تزينت لهم بزينتها و عمتهم بزهرتها و
نضارتها، حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها. و اما عداوتها لاعدائه،
فانها استدرجتهم بمكرها و مكيدتها و اقتنصتهم بشباكها و حبائلها حتى وثقوا
بها و عولوا عليها، فاجتبوا منها حيرة و ندامة تنقطع دونها الاكباد، ثم
حرمتهم عن السعادة ابد الآباد، فهم على فراقها يتحسرون و من مكائدها يستغيثون
و لا يغاثون، بل يقال لهم: «اخسؤا فيها و لا تكلمون » (17) . «اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا
يخفف عنهم العذاب و لاهم ينصرون » (18) . و الآيات الواردة في ذم الدنيا و حبها كثيرة، و اكثر القرآن مشتمل على ذلك و
صرف الخلق عنها و دعوتهم الى الآخرة، بل هو المقصود من بعثة الانبياء، فلا حاجة
الى الاستشهاد بآيات القرآن لظهورها. فلنشر الى نبذة من الاخبار الواردة في
ذم الدنيا و حبها و فى سرعة زوالها، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-:
«لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» . و قال رسول
الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها الا ما كان لله
منها» و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر» و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «من اصبح و الدنيا اكبر همه فليس من الله في شي ء،
و الزم الله قلبه اربع خصال: هما لا ينقطع عنه ابدا، و شغلا لا يتفرغ منه ابدا و فقرا
لا ينال غناه ابدا. و املا لا يبلغ منتهاه ابدا، و قال-صلى الله عليه و آله-: «يا
عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود و هو يسعى لدار الغرور! » . و قال-صلى الله عليه و
آله-: «لتاتينكم بعدى دنيا تاكل ايمانكم كما تاكل النار الحطب » . و قال: «الهاكم
التكاثر، يقول ابن آدم: مالي مالي. و هل لك من مالك الا ما تصدقت فابقيت، او
اكلت فافنيت، او لبست فابليت؟ » . و قال: «اوحى الله-تعالى-الى موسى: لا تركنن
الى حب الدنيا، فلن تاتين بكبيرة هي اشد عليك منها» و قال-صلى الله عليه و آله-: «حب الدنيا راس كل خطيئة » . و قال -صلى الله عليه و آله-:
«من احب دنياه اضر بآخرته و من احب آخرته اضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما
يفنى » . و مر-صلى الله عليه و آله-على مزبلة، فوقف عليها و قال: «هلموا الى الدنيا! » و
اخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة و عظاما قد نخرت، فقال: «هذه الدنيا! » و قال-صلى الله عليه و آله- «ان الله لم يخلق خلقا ابغض اليه من الدنيا، و انه لم
ينظر اليها منذ خلقها» . و قال-صلى الله عليه و آله- «الدنيا دار من لا دار له و مال
من لا مال له، و لها يجمع من لا عقل له، و عليها يعادى من لا علم عنده، و عليها يحسد
من لا فقه له، و لها يسعى من لا يقين له » . و قال-صلى الله عليه و آله و سلم-: «لما هبط
آدم من الجنة الى الارض قال له: ان للخراب ولد للفناء» . و قال -صلى الله عليه و آله-:
«لتجيئن اقوام يوم القيامة و اعمالهم كجبال تهامة. فيؤمر بهم الى النار» ،
فقيل: يا رسول الله! امصلين؟ قال: نعم، ! كانوا يصومون و يصلون و ياخذون هنيئة من الليل، فاذا عرض لهم من الدنيا شي ء
و ثبوا عليه » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «هل منكم من يريد ان يذهب الله عنه العمى و
يجعله بصيرا؟ الا انه من رغب في الدنيا و طال فيها امله اعمى الله قلبه على قدر
ذلك، و من زهد في الدنيا و قصر امله فيها اعطاه الله علما بغير تعلم و هدى بغير
هداية » . و قال -صلى الله عليه و آله-: «فو الله ما الفقر اخشى عليكم، و لكني اخشى عليكم
ان تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، و
تهلككم كما اهلكتهم » و قال: «اكثر ما اخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات
الارض » ، فقيل: ما بركات الارض؟ قال: «زهرة الدنيا» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «دعوا الدنيا لاهلها من اخذ من
الدنيا فوق ما يكفيه فقد اخذ حتفه و هو لا يشعر» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «سياتي
قوم بعدى ياكلون اطايب الطعام و انواعها، و ينكحون اجمل النساء و الوانها، و
يلبسون الين الثياب و الوانها و يركبون اقوى الخيل و الوانها، لهم بطون من
القليل لا تشبع، و انفس بالكثير لا تقنع، عاكفين على الدنيا، يغدون و يروحون اليها،
اتخذوها آلهة دون الهم و ربا دون ربهم الى امرهم ينتهون و هواهم يلعبون، فعزيمة
من محمد بن عبد الله لمن ادرك ذلك الزمان من عقب عقبكم و خلف خلفكم ابدا لا يسلم
عليهم و لا يعود مرضاهم و لا يتبع جنائزهم و لا يوقر كبيرهم و من فعل ذلك فقد اعان
على هدم الاسلام » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «مالى و للدنيا و ما انا و الدنيا؟ !
انما مثلى و مثلها كمثل راكب سار في يوم صائف، فرفعت له شجرة، فقال تحت ظلها
ساعة، ثم راح و تركها» و قال-صلى الله عليه و آله-: «احذروا الدنيا، فانها اسحر
من هاروت و ماروت » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «حق على الله الا يرفع شيئا من
الدنيا الا وضعه » . و قال عيسى بن مريم-عليه السلام- «ويل لصاحب الدنيا! كيف
يموت و يتركها، و يامنها و تغره، و يثق بها و تخذله، ويل للمغترين! كيف الزمهم
ما يكرهون، و فارقهم ما يحبون، و جاءهم ما يوعدون، ويل لمن اصبحت الدنيا همه و
الخطايا عمله! كيف يفتضح غدا بذنبه » . و قال-عليه السلام-: «من ذا الذى يبني على
امواج البحر دارا تلكم الدنيا، فلا تتخذوها قرارا» . و قال عليه السلام «لا
يستقيم حب الدنيا و الآخرة في قلب مؤمن، كما لا يستقيم الماء و النار في اناء
واحد» . و اوحى الله-تعالى-الى موسى: «يا موسى: ! مالك و لدار الظالمين! انها
ليست لك بدار، اخرج منها همك و فارقها بعقلك فبئست الدار هي، الا لعامل يعمل فيها
فنعمت الدار هي، يا موسى! انى مرصد للظالم حتى آخذ منه للمظلوم » . و اوحى اليه: «يا موسى! لا تركنن الى حب الدنيا، فلن تاتين بكبيرة هي اشد منها» . و مر موسى عليه
السلام برجل و هو يبكي، و رجع و هو يبكي، فقال موسى: «يا رب عبدك يبكي من مخافتك » ،
فقال تعالى: «يا بن عمران! لو نزل دماغه مع عينيه و رفع يديه حتى يسقطا لم اغفر له
و هو يحب الدنيا! » . و قال امير المؤمنين عليه السلام-بعد ما قيل له صف لنا الدنيا-: «و ما اصف لك من
دار من صح فيها سقم، و من امن فيها ندم، و من افتقر فيها حزن، و من استغنى
فيها افتتن، في حلالها الحساب، و في حرامها العقاب » . و قال-عليه السلام-:
«انما مثل الدنيا كمثل الحية ما الين مسها و في جوفها السم الناقع، يحذرها
الرجل العاقل و يهوى اليها الصبي الجاهل » . و قال في وصف الدنيا: «ما اصف من دار
اولها عناء و آخرها فناء، في حلالها حساب و في حرامها عقاب، من استغنى فيها
فتن، و من افتقر فيها حزن، و من ساعاها فاتته، و من قعد عنها آتته، و من بصر
بها بصرته، و من ابصر اليها اعمته » ، و قال عليه السلام في بعض مواعظه: «ارفض
الدنيا، فان حب الدنيا يعمى و يصم و يبكم و يذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك، و
لا تقل غدا و بعد، فانما هلك من كان قبلك باقامتهم على الامانى و التسويف، حتى
اتاهم امر الله بغتة و هم عافلون فنقلوا على اعوادهم الى قبورهم المظلمة الضيقة،
و قد اسلمهم الاولاد و الاهلون، فانقطع الى الله بقلب منيب. من رفض الدنيا و عزم
ليس فيه انكسار و لا انخذال » . و قال-عليه السلام-: «لا تغرنكم الحياة الدنيا
فانها دار بالبلاء محفوفة، و بالفناء معروفة، و بالغدر موصوفة، فكل ما فيها الى
زوال، و هي بين اهلها دول و سجال، لا تدوم احوالها، و لا يسلم من شرها نزالها،
بينا اهلها منها في رخاء و سرور اذا هم منها في بلاء و غرور احوال مختلفة، و تارات
متصرمة، العيش فيها مذموم، و الرخاء فيها لا يدوم، و انما اهلها فيها اغراض
مستهدفة، ترميهم بسهامها، و تفنيهم بحمامها. و اعلموا عباد الله انكم و ما
انتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى، ممن كان اطول منكم اعمارا، و اشد
منكم بطشا، و اعمر ديارا و ابعد آثارا، فاصبحت اصواتهم هامدة خامدة من بعد طول
تقلبها، و اجسادهم بالية، و ديارهم على عروشها خاوية، و آثارهم عافية،
استبدلوا بالقصور المشيدة و السرر و النمارق الممهدة الصخور و الاحجار المسندة
في القبور اللاطئة الملحدة فمحلها مقترب، و ساكنها مغترب، بين اهل عمارة موحشين،
و اهل محلة متشاغلين، لا يستانسون بالعمران، و لا يتواصلون تواصل الجيران
الاخوان، على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار، و كيف يكون بينهم تواصل، و قد
طحنهم بكلكله البلاء، و اكلتهم الجنادل و الثرى و اصبحوا بعد الحياة امواتا، و
بعد نضارة العيش رفاتا، فجع بهم الاحباب و سكنوا تحت التراب، و ظعنوا فليس لهم
اياب، هيهات هيهات! «كلا انها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ الى يوم يبعثون » (19) . فكان قد صرتم الى ما صاروا اليه من البلى و الوحدة في دار المثوى، و ارتهنتم
في ذلك المضجع، و ضمكم ذلك المستودع، و كيف بكم لو عاينتم الامور، و بعثرت
القبور، و حصل ما في الصدور، و اوقفتم للتحصيل بين يدى الملك الجليل، فطارت
القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب، و هتكت عنكم الحجب و الاستار، فظهرت منكم
العيوب و الاسرار، هنالك. «تجزى كل نفس بما كسبت » (20) . و قال ايضا-عليه السلام-في بعض خطبه: «اوصيكم بتقوى الله و الترك للدنيا
التاركة لكم، و ان كنتم لا تحبون تركها، المبلية اجسامكم و انتم تريدون
تجديدها، فانما مثلكم و مثلها كمثل قوم في سفر سلكوا طريقا و كانهم قد قطعوه، و
افضوا الى علم، فكانهم قد بلغوه، و كم عسى ان يجرى المجرى حتى ينتهى الى
الغاية، و كم عسى ان يبقى من له يوم في الدنيا، و طالب حثيث يطلبه حتى يفارقها،
فلا تجزعوا لبؤسها و ضرائها فانه الى انقطاع، و لا تفرحوا بمتاعها و نعمائها
فانه الى زوال، عجبت لطالب الدنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه » . و قال السجاد-عليه السلام-: «ان الدنيا قد ارتحلت مدبرة، و ان الآخرة قد ارتحلت
مقبلة، و لكل واحدة منهما بنون، فكونوا من ابناء الآخرة و لا تكونوا من ابناء الدنيا،
الا و كونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، الا ان الزاهدين في
الدنيا اتخذوا الارض بساطا و التراب فراشا و الماء طيبا، و قرضوا من
الدنيا تقريضا، الا و من اشتاق الى الجنة سلا عن الشهوات، و من اشفق من النار
رجع عن المحرمات، و من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، الا ان لله عبادا كمن
راى اهل الجنة في الجنة مخلدين، و كمن راى اهل النار في النار معذبين، شرورهم
مامونة و قلوبهم محزونة، انفسهم عفيفة، و حوائجهم خفيفة، صبروا اياما قليلة، فصاروا
بعقبى راحة طويلة، اما الليل فصافون اقدامهم، تجرى دموعهم على خدودهم، و هم
يجارون الى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، و اما النهار فحلماء علماء بررة اتقياء
كانهم القداح، قد براهم الخوف من العبادة، ينظر اليهم الناظر فيقول مرضى، و ما
بالقوم من مرض، ام خولطوا، فقد خالط القوم امر عظيم من ذكر النار و ما
فيها» . و قال-عليه السلام- «ما من عمل بعد معرفة الله-عز و جل-و معرفة رسوله-صلى
الله عليه و آله-افضل من بغض الدنيا، فان ذلك لشعبا كثيرة، و للمعاصي شعبا
فاول ما عصى الله به الكبر معصية ابليس حين ابى و استكبر و كان من الكافرين
ثم الحرص، و هى معصية آدم و حواء حين قال الله-عز و جل-لهما: «فكلا من حيث شئتما و
لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين » (21) . فاخذا ما لا حاجة بهما اليه، فدخل ذلك على ذريتهما الى يوم القيامة و ذلك
ان اكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به اليه. ثم الحسد، و هو معصية ابن آدم
حيث حسد اخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء و حب الدنيا، و حب الرئاسة، و حب
الراحة، و حب الكلام، و حب العلو و الثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب
الدنيا. فقال الانبياء و العلماء-بعد معرفة ذلك-: حب الدنيا راس كل خطئة، و الدنيا
دنيا آن: دنيا بلاغ و دنيا ملعونة » . و قال الباقر عليه السلام لجابر: «يا جابر! انه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغل قلبه عما سواه يا جابر! ما
الدنيا و ما عسى ان تكون الدنيا؟ ! هل هي الا طعام اكلته او ثوب لبسته، او
امراة اصبتها؟ يا جابر! ان المؤمنين لم يطمانوا الى الدنيا ببقائهم فيها،
و لم يامنوا قدومهم الآخرة. يا جابر! الآخرة دار قرار، و الدنيا دار فناء و زوال، و
لكن اهل الدنيا اهل غفلة، و كان المؤمنون هم الفقهاء اهل فكرة و عبرة، لم يصمهم عن
ذكر الله-جل اسمه-ما سمعوا باذانهم، و لم يعمهم عن ذكر الله ما راوا من الزينة
باعينهم ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم » (22) و قال الصادق-عليه
السلام-: «مثل الدنيا كمثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى
يقتله » . و قال: فيما ناجى الله-عز و جل-به موسى: «يا موسى! لا تركن الى الدنيا ركون الظالمين و ركون من اتخذها ابا و اما يا
موسى! لو وكلتك الى نفسك لتنظر لها اذن لغلب عليك حب الدنيا و زهرتها يا موسى!
نافس في الخير اهله و استبقهم اليه، فان الخير كاسمه، و اترك من الدنيا ما بك
الغنى عنه و لا تنظر عينك الى كل مفتون بها و موكل الى نفسه، و اعلم ان كل فتنة بدؤها
حب الدنيا، و لا تغبط احدا بكثرة المال فان مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب
الحقوق و لا تغبطن احدا برضى الناس عنه. حتى يتعلم ان الله راض عنه، و لا تغبطن
مخلوقا بطاعة الناس له، فان طاعة الناس له و اتباعهم اياه على غير الحق هلاك له و
لمن تبعه » و اوحى الله-تعالى-الى موسى و هارون لما ارسلهما الى فرعون: «لو شئت ان
ازينكما بزينة من الدنيا، يعرف فرعون حين يراها ان مقدرته تعجز عما اوتيتما
لفعلت، و لكنى ارغب لكما عن ذلك و ازوى ذلك عنكما و كذلك افعل باوليائى، اني
لازويهم عن نعيمها، كما يزوى الراعى الشفيق غنمه عن مواقع الهلكة، و انى لاجنبهم
عيش سلوتها، كما يجنب الراعى الشفيق ابله عن مواقع الغرة، و ما ذلك لهوانهم
علي، و لكن ليستكلموا نصيبهم من كرامتى سالما موفرا، انما يتزين لي اوليائي:
بالذل و الخشوع و الخوف و التقوى » . و قال الكاظم-عليه السلام-: «قال ابو ذر -رحمه
الله-: جزى الله الدنيا عن مذمة بقدر رغيفين من الشعير، اتغذى باحدهما و اتعشى
بالآخر، و بعد شملتى الصوف، اتزر باحداهما و اتردى بالاخرى » . و قال لقمان لابنه:
«يا بني! بع دنياك باخرتك تربحهما جميعا، و لا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا. و
قال له: «يا بني! ان الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها
تقوى الله-عز و جل-و حشوها الايمان، و شراعها التوكل على الله، لعلك ناج و ما اراك
ناجيا» . و قال: «يا بني! ان الناس قد جمعوا قبلك لاولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق
من جمعوا له، و انما انت عبد مستاجر قد امرت بعمل و وعدت عليه اجرا، فاوف عملك
و استوف اجرك، و لا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع اخضر فاكلت حتى سمنت،
فكان حتفها عند سمنها، و لكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها و تركتها، و
لم ترجع اليها آخر الدهر، اخر بها و لا تعمر، فانك لم تؤمر بعمارتها، و اعلم انك
ستسال غدا اذا وقفت بين يدى الله-عز و جل- عن اربع: شبابك فيما ابليته، و عمرك
فيما افنيته، و مالك مما اكتسبته. و فيما انفقته، فتاهب لذلك، و اعد له جوابا، و لا تاس على ما فاتك من الدنيا.
فان قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، و كثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك و جد في امرك، و
اكشف الغطاء عن وجهك، و تعرض لمعروف ربك، و جدد التوبة في قلبك، و اكمش في فراغك
قبل ان يقصد قصدك، و يقضى قضاؤك، و يحال بينك و بين ما تريد» . و قال بعض الحكماء: «الدنيا دار خراب، و اخرب منها قلب من يعمرها. و الجنة دار
عمران، و اعمر منها قلب من يعمرها» . و قال بعضهم: «الدنيا لمن تركها، و الآخرة لمن
طلبها» . و قال بعضهم: «انك لن تصبح في شي ء من الدنيا الا و قد كان له اهل قبلك، و يكون له اهل بعدك، و ليس لك
من الدنيا الا عشاء ليلة و غداء يوم، فلا تهلك نفسك في اكلة، و صم الدنيا، و افطر
على الآخرة، فان راس مال الدنيا الهوى، و ربحها النار» . و قال بعض اكابر الزهاد:
«الدنيا تخلق الابدان و تجدد الآمال، و تقرب المنية، و تبعد الامنية، و من ظفر بها
تعب، و من فاتته نصب » ، و قال بعضهم: «ما في الدنيا شي ء يسرك الا و قد التزق به شي ء
يسؤك » . و قال آخر: «لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا الا بحسرات ثلاث: انه لم يشبع
مما جمع، و لم يدرك ما امل، و لم يحسن الزاد لما قدم عليه » و قال حكيم: كانت الدنيا
و لم اكن فيها، و تذهب و لا اكون فيها، فكيف اسكن اليها؟ فان عيشها نكد، و
صفوها كدر، و اهلها منها على وجل، اما بنعمة زائلة، او بلية نازلة، او منية قاضية » . و قال بعض العرفاء: «الدنيا حانوت الشيطان، فلا تسرق من حانوته شيئا، فيجى ء
في طلبك و ياخذك » . و قال بعضهم: «لو كانت الدنيا من ذهب يفنى و الآخرة من خزف يبقى،
لكان ينبغي ان يختار العاقل خزفا يبقى على ذهب يفنى، فكيف و الآخرة ذهب يبقى و
الدنيا ادون من خزف يفنى؟ » و قد ورد: «ان العبد اذا كان معظما للدنيا، يوقف يوم
القيامة، و يقال: هذا عظم ما حقره الله » . و روى: «انه لما بعث النبي-صلى الله عليه و
آله و سلم-اتت ابليس جنوده، فقالوا: قد بعث نبي و اخرجت امة، قال: يحبون الدنيا؟
قالوا: نعم! قال: ان كانوا يحبونها ما ابالي الا يعبدوا الاوثان، و انا اغدو
عليهم و اروح بثلاثة: اخذ المال من غير حقه، و انفاقه في غير حقه، و امساكه عن حقه، و الشر كله لهذا تبع »
. و روى: «انه اوحى الله تعالى الى بعض انبيائه احذر مقتك، فتسقط من عيني، فاصب
عليك الدنيا صبا» . و قال بعض الصحابة: «ما اصبح احد من الناس في الدنيا الا و هو
ضيف، و ماله عارية. فالضيف مرتحل، و العارية مردودة » . و قال بعضهم: «ان الله جعل
الدنيا ثلاثة اجزاء: جزء للمؤمن، و جزء للمنافق، و جزء للكافر. فالمؤمن يتزود، و المنافق يتزين، و الكافر يتمتع » . و قيل: «من اقبل على الدنيا
احرقته نيرانها حتى يصير رمادا، و من اقبل على الآخرة صفته نيرانها فصار سبيكة
ذهب ينتفع بها، و من اقبل على الله سبحانه، احرقته نيران التوحيد، فصار جوهرا
لاحد لقيمته » . و قيل ايضا: «العقلاء ثلاثة: من ترك الدنيا قبل ان تتركه، و بنى قبره قبل
ان يدخله و ارضى خالقه قبل ان يلقاه » . و سال بعض الامراء رجلا بلغ عمره مائتي سنة عن
الدنيا، فقال: «سنيات بلاء و سنيات رخاء، يوم فيوم، و ليلة فليلة، يولد ولد، و يهلك هالك، فلو لا
المولود باد الخلق، و لو لا الهالك لضاقت الدنيا بمن فيها» ، فقال له الامير:
سل ماشئت، قال: «اريد منك ان ترد علي ما مضى من عمرى، و تدفع عني ما حضر من اجلى » ،
قال: لا املك ذلك، قال: «فلا حاجة لى اليك » . و الاخبار و الآثار في ذم الدنيا و حبها، و في سرعة زوالها و عدم الاعتبار
بها، و في هلاك من يطلبها و يرغب اليها، و في ضديتها للاخرة، اكثر من ان تحصى. و
ما ورد في ذلك من كلام ائمتنا الراشدين، (لا) سيما عن مولانا امير
المؤمنين-صلوات الله عليهم اجمعين الى يوم الدين-فيه بلاغ لقوم زاهدين. و من
تامل في خطب على عليه السلام و مواعظه كما في نهج البلاغة و غيره-يظهر له خساسة
الدنيا و رذالتها. و قضية السؤال و الجواب بين روح الامين و نوح في كيفية
سرعة زوال الدنيا مشهورة، و حكاية مرور روح الله على قرية هلك اهلها من حب الدنيا
معروفة (23) و لعظم آفة الدنيا و حقارتها و مهانتها عند الله، لم يرضها لاحد من اوليائه و
حذرهم عن غوائلها، فتزهدوا فيها و اكلوا منها قصدا، و قدموا فضلا اخذوا منها ما
يكفي، و تركوا مايلهى، لبسوا من الثياب ما ستر العورة، و اكلوا من الطعام ما
سد الجوع، نظروا الى الدنيا بعين انها فانية، و الى الآخرة انها باقية، فتزودوا
منها كزاد الراكب، فخربوا الدنيا و عمروا بها الآخرة، و نظروا الى الآخرة
بقلوبهم فعلموا انهم سينظرون اليها باعينهم فارتحلوا اليها بقلوبهم لما علموا
انهم سيرتحلون اليها بابدانهم صبروا قليلا و نعموا طويلا.
فصل
(خسائس صفات الدنيا)
اعلم ان للدنيا صفات خسيسة قد مثلت في كل صفة بما تماثله فيها فمثالها في سرعة
الفناء و الزوال و عدم الثبات: مثل النبات الذي اختلط به ماء السماء فاخضر،
ثم اصبح هشيما تذروه الرياح، او كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه، او كقنطرة تعبر عنها
و لا تمكث عليها. و في كونها مجرد الوهم و الخيال، و كونها مما لا اصل لها و لا
حقيقة، كفى ء الظلال، او خيالات المنام و اضغاث الاحلام، فانك قد تجد في منامك ما
تهواه، فاذا استيقظته ليس معك منه شي ء. و في عداوتها لاهلها و اهلاكها اياهم: بامراة تزينت للخطاب، حتى اذا نكحتهم
ذبحتهم. فقد روى: «ان عيسى عليه السلام كوشف بالدنيا فرآها في صورة عجوز
شمطاء هتماء عليها من كل زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا احصيهم، قال: فكلهم
مات عنك او كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى-عليه السلام-: بؤسا لازواجك
الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين؟ كيف تهلكينهم واحدا واحدا و لا يكونون منك
على حذر؟ ! » . و في مخالفة باطنها لظاهرها: كعجوز متزينة تخدع الناس بظاهرها. فاذا وقفوا على باطنها و كشفوا القناع عن وجهها، ظهرت لهم قبائحها روى: «انه
يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء، انيابها بادية، مشوه خلقها،
فتشرف على الخلائق، و يقال لهم: تعرفون هذه فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه!
فيقال: هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها، و بها تقاطعتم الارحام، و بها تحاسدتم
و تباغضتم و اغررتم، ثم يقذف بها في جهنم، فتنادى: اى رب! اين اتباعي و اشياعي؟
فيقول الله -عز و جل-: الحقوا بها اتباعها و اشياعها» . و في قصر عمرها لكل شخص بالنسبة الى ما تقدمه من الازل و ما يتاخر عنه من الابد:
كمثل خطوة واحدة، بل اقل من ذلك، بالنسبة الى سفر طويل، بل بالنسبة الى كل مسافة
الارض اضعافا غير متناهية. و من راى الدنيا بهذه العين لم يركن اليها، و لم يبال كيف انقضت ايامه في
ضيق و ضر او في سعة و رفاهية، بل لا يبني لبنة على لبنة. توفى سيد الرسل صلى الله عليه و
آله و ما وضع لبنة على لبنة و لا قصبة على قصبة. و راى بعض اصحابه يبني بيتا من جص، فقال: «ارى الامر اعجل من هذا» . و الى هذا
اشار عيسى عليه السلام حيث قال: «الدنيا قنطرة، فاعبروها و لا تعمروها» . و في نعومة ظاهرها و خشونة باطنها: مثل الحية التي يلين مسها و يقتل سمها. و في قلة ما بقى منها بالاضافة الى ما سبق: مثل ثوب شق من اوله الى آخره، فبقى
متعلقا في آخره، فيوشك ذلك الخيط ان ينقطع. و في قلة نسبتها الى الآخرة: كمثل ما يجعل احد اصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع اليه
من الاصل. و في تاديه علائقها بعض الى بعض حتى ينجر الى الهلاك: كماء البحر كلما شرب منه
العطشان ازداد عطشا حتى يقتله. و في تادية الحرص علهيا الى الهلاك غما: كمثل دودة
القز كلما ازدادت على نفسها لفا كان ابعد لها من الخروج حتى تموت غما. و في تعذر الخلاص من تبعاتها و استحالة عدم التلوث بقاذوراتها بعد الخوض
فيها: كالماشي في الماء، فانه يمتنع الا تبتل قدماه. و في نضارة اولها و خباثة عاقبتها: كالاطعمة التي تؤكل، فكما ان الطعام كلما
كان الذ طعما و اكثر دسومة كان رجيعة اقذر و اشد نتنا، فكذلك كل شهوة من شهوات
الدنيا التي كانت للقلب اشهى و اقوى، فنتنها و كراهيتها و التاذى بها عند
الموت اشد، و هذا مشاهد في الدنيا. فان المصيبة و الالم و التفجع في كل ما فقد بقدر الالتذاذ بوجوده و حرصه عليه و
حبه له، و لذا ترى ان من نهبت داره و اخذت اهله و اولاده، يكون تفجعه و المه اشد
مما اذا اخذ عبد من عبيده، فكل ما كان عند الوجود اشهى عنده و الذ، فهو عند الفقد
ادهى و امر، و ما للموت معنى الا فقد ما في الدنيا. و في تنعم الناس بها ثم تفجعهم على فراقها: مثل طبق ذهب عليه بخور و رياحين، في
دار رجل هياه فيها، و دعا الناس على الترتيب واحدا بعد واحد ليدخلوا داره، و يشمه
كل واحد و ينظر اليه، ثم يتركه لمن يلحقه، لا ليتملكه و ياخذه، فدخل واحد و جهل رسمه،
فظن انه قد وهب ذلك له، فتعلق به قلبه، لما ظن انه له، فلما استرجع منه ضجر و
تالم، و من كان عالما برسمه انتفع به و شكره و رده بطيب قلب و انشراح صدر. فكذلك
من عرف سنة الله في الدنيا، علم انها دار ضيافة سبلت على المجتازين لينتفعوا
بما فيها، كما ينتفع المسافر بالعواري، ثم يتركوها و يتوجهوا الى مقصدهم من
دون صرف قلوبهم اليها، حتى تعظم مصيبتهم عند فراقها، و من جهل سنه الله فيها، ظن
انها مملوكة له، فيتعلق بها قلبه، فلما اخذت منه عظمت بليته و اشتدت مصيبته. و في اغترار الخلق بها و ضعف ايمانهم بقوله تعالى في تحذيره اياهم غوائلها:
كمفازة غبراء لا نهاية لها، سلكوها قوم و تاهوا فيها بلا زاد و ماء و راحلة،
فايقنوا بالهلاك، فبيناهم كذلك اذ خرج عليهم رجل و قال: ارايتم ان هديتكم الى رياض خضر و ماء رواء ما تعملون؟ قالوا: لا نعصيك في شي ء.
فاخذ منهم عهودا و مواثيق على ذلك، فاوردهم ماء رواء و رياضا خضراء، فمكث فيهم
ما شاء الله، ثم قال: الرحيل! قالوا: الى اين؟ قال: الى ماء ليس كمائكم، و الى رياض
ليست كرياضكم. فقال اكثرهم: لا نريد عيشا خيرا من هذا، فلم يطيعوه. و قالت طائفة -و
هم الاقلون-: الم تعطوا هذا الرجل عهودكم و مواثيقكم بالله الا تعصوه و قد صدقكم في
اول حديثه؟ فو الله انه صادق في هذا الكلام ايضا! فاتبعه هذا الاقل، فذهب فيهم الى ان اوردهم في ماء و رياض احسن بمراتب شتى
مما كانوا فيه اولا، و تخلف عنه الاكثرون، فبدرهم عدو، فاصبحوا من بين قتيل و
اسير.
تذنيب
(تشبيها الدنيا و اهلها)
قد شبه بعض الحكماء حال الانسان و اغتراره بالدنيا، و غفلته عن الموت و ما بعده
من الاهوال، و انهماكه في اللذات العاجلة الفانية الممتزجة بالكدورات: بشخص
مدلى في بئر، مشدود وسطه بحبل، و في اسفل ذلك البئر ثعبان عظيم متوجه اليه، منتظر
سقوطه، فاتح فاه لالتقامه، و في اعلى ذلك البئر جرذان ابيض و اسود، لا يزالان
يقرضان ذلك الحبل شيئا فشيئا، و لا يفتران عن قرضه آنا من الآنات، و ذلك الشخص، مع
انه يرى ذلك الثعبان و يشاهد انقراض الحبل آنا فآنا، قد اقبل على قليل عسل قد لطخ
به جدار ذلك البئر و امتزج بترابه و اجتمعت عليه زنابير كثيرة، و هو مشغول
بلطعه منهمك فيه، ملتذ بما اصاب منه، مخاصم لتلك الزنابير عليه، قد صرف باله
باجمعه الى ذلك، غير ملتفت الى ما فوقه و الى ما تحته. فالبئر هو الدنيا، و
الحبل هو العمر، و الثعبان الفاتح فاه هو الموت، و الجرذان الليل و النهار
القارضان للعمر، و العسل المختلطة بالتراب هو لذات الدنيا الممتزجة بالكدورات
و الآلام، و الزنابير هم ابناء الدنيا المتزاحمون عليها. و شبه بعض العرفاء الدنيا و اهلها، في اشتغالهم بنعيمها و غفلتهم عن الآخرة، و
حسراتهم العظيمة بعد الموت، من فقدهم نعيم الجنة بسبب انغمارهم في خسائس الدنيا:
بقوم ركبوا السفينة، فانتهت بها الى جزيرة فامرهم الملاح بالخروج لقضاء
الحاجة، و حذرهم المقام فيها، و خوفهم مرور السفينة و استعجالها، فتفرقوا في
نواحي الجزيرة، فقضى بعضهم حاجته، و بادر الى السفينة، فصادف المقام خاليا،
فاخذ اوسع الاماكن و اوفقها بمراده. و بعضهم توقف في الجزيرة، و اشتغل بالنظر
الى ازهارها و انوارها و اشجارها و احجارها و نغمات طيورها، ثم تنبه لخطر
فوات السفينة فرجع اليها، فلم يصادف الا مكانا ضيقا، فاستقر فيه. و بعضهم، بعد
التنبه لخطر مرور السفينة، لما تعلق قلبه ببعض احجار الجزيرة و ازهارها و
ثمارها، لم تسمح نفسه باهمالها، فاستصحت منها جملة و رجع الى السفينة فلم يجد
فيها الا مكانا ضيقا لا يسعه الا بالتكلف و المشقة، و ليس فيه مكان لوضع ما حمله،
فصار ذلك ثقلا عليه وبالا، فندم على اخذها، و لم يقدر على رميها، فحملها في
السفينة على عنقه متاسفا على اخذها. و بعضهم اشتغل بمشاهدة الجزيرة، بحيث لم
يتنبه اولا من خطر مرور السفينة و من نداء الملاح، حتى امتلات السفينة، فتنبه
اخيرا و رجع اليها، مثقلا بما حمله من احجار الجزيرة و حشائشها، و لما وصل الى
شاطئ البحر سارت السفينة، اولم يجد فيها موضعا اصلا، فبقى على شاطئ البحر. و
بعضهم لكثرة الاشتغال بمشاهدة الجزيرة و ما فيها نسوا المركب بالمرة، و لم
يبلغهم النداء اصلا، لكثرة انغمارهم في اكل الثمار و شرب المياه و التنسم
بالانوار و الازهار و التفرج بين الاشجار، فسارت السفينة و بقوا في الجزيرة
من دون تنبههم بخطر مرورها، فتفرقوا فيها، فبعضهم نهشته العقارب و الحيات و
بعضهم افترسته السباع، و بعضهم مات في الاوحال، و بعضهم هلك من الندامة و
الحسرة و الغصة، و اما من بقي على شاطئ البحر فمات جوعا، و اما من وصل الى
المركب مثقلا بما اخذه، فشغله الحزن بحفظها و الخوف من فوتها، و قد ضيق عليه مكانه،
فلم يلبث ان ذبلت ما اخذه من الازهار، و عفنت الثمار، و كمدت الوان الاحجار،
فظهر نتن رائحتها، فتاذى من نتن رائحتها و لم يقدر على القائها في البحر
لصيرورتها جزءا من بدنه، و قد اثر فيه ما اكل منها، و لم ينته الى الوطن الا بعد
احاطة الامراض و الاسقام عليه لاجل ما لم ينفك عنه من النتن، فبلغ اليه سقيما
مدنفا، فبقى على سقمه ابدا، او مات بعد مدة، و اما من رجع الى المركب بعد تضيق
المكان، فما فاته الا سعة المحل، فتاذى بضيق المكان مدة، و لكن لما وصل الى
الوطن استراح، و من رجع اليه اولا و وجد المكان الاوسع فلم يتاذ من شي ء اصلا و
وصل الى الوطن سالما. فهذا مثال اصناف اهل الدنيا فى اشتغالهم بحظوظهم
العاجلة، و نسيانهم وطنهم الحقيقي، و غفلتهم عن عاقبة امرهم. و ما اقبح بالعاقل
البصير ان تغره باحجار الارض و هشيم النبت، مع مفارقته عند الموت و صيرورته
كلا و وبالا عليه.
فصل
(عاقبة حب الدنيا و بغضها)
اعلم انه لا يبلغ مع العبد عند الموت الا صفاء القلب، اعني طهارته عن ادناس
الدنيا و حبه لله و انسه بذكره، و صفاء القلب و طهارته لا يحصل الا بالكف عن
شهوات الدنيا، و الحب لا يحصل الا بالمعرفة، و المعرفة لا تحصل الا بدوام الفكرة،
و الانس لا يحصل الا بكثرة ذكر الله و المواظبة عليه، و هذه الصفات الثلاث هي
المنجيات المسعدات بعد الموت، و هي الباقيات الصالحات. اما طهارة القلب عن ادناس الدنيا، فهي الجنة بين العبد و بين عذاب الله، كما
ورد في الخبر: «ان اعمال العبد تناضل عنه، فاذا جاء العذاب من قبل رجليه جاء
قيام الليل يدفع عنه، و اذا جاء من قبل يديه جاءت الصدقة تدفع عنه. . . » الحديث. و اما الحب و الانس، فهما يوصلان العبد الى لذة المشاهدة و اللقاء. و هذه السعادة تتعجل عقيب الموت الى ان يدخل الجنة، فيصير القبر روضة من رياض
الجنة، و كيف لا يصل صاحب الصفات الثلاث بعد موته غاية البهجة و نهاية اللذة
بمشاهدة جمال الحق، و لا يكون القبر عليه روضة من الرياض الخلد، و لم يكن له الا
محبوب واحد، و كانت العوائق تعوقه عن الانس بدوام ذكره و مطالعة جماله، و
بالموت ارتفعت العوائق و افلت من السجن و خلى بينه و بين محبوبه، فقدم عليه
مسرورا سالما من الموانع آمنا من الفراق؟ و كيف لا يكون محب الدنيا عند الموت
معذبا و لم يكن له محبوب الا الدنيا، و قد غصبت منه و حيل بينه و بينها، و سدت عليه
طرق الحيلة في الرجوع اليه؟ و ليس الموت عدما، انما هو فراق لمحاب الدنيا و
قدوم على الله، فاذن سالك طريق الآخرة هو المواظب على اسباب هذه الصفات
الثلاث، و هي: الذكر، و الفكر، و العمل الذي يفطمه عن شهوات الدنيا و يبغض اليه
ملاذها و يقطعه عنها. و كل ذلك لا يمكن الا بصحة البدن، و صحة البدن لا تنال الا
بالقوت و الملبس و المسكن، و يحتاج كل واحد الى اسباب، فالقدر الذى لا بد منه من
هذه الثلاثة اذا اخذه العبد من الدنيا للاخرة لم يكن من ابناء الدنيا و كانت
الدنيا في حقه مزرعة الآخرة، و ان اخذ ذلك على قصد التنعم و حظ النفس صار من ابناء
الدنيا و الراغبين في حظوظها. الا ان الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم الى ما يعرض
صاحبه لعذاب الله في الآخرة، و سمى ذلك حراما، و الى ما يحول بينه و بين
الدرجات العلى و يعرضه لطول الحساب، و يسمى ذلك حلالا. و البصير يعلم ان طول
الموقف في عرصات القيامة لاجل المحاسبة ايضا عذاب، فمن نوقش في الحساب عذب،
و لذلك قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «في حلالها حساب و في حرامها عقاب » . بل
لو لم يكن الحساب، لكان ما يفوت عن الدرجات العلى في الجنة و ما يرد على القلب
من التحسر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها، هو ايضا عذاب و يرشدك الى
ذلك حالك في الدنيا اذا نظرت الى اقرانك، و قد سبقوك الى السعادات الدنيوية،
كيف ينقطع قلبك عليها حسرات، مع علمك بانها سعادات متصرمة لا بقاء لها، و منغصة
بكدورات لا صفاء لها، فما حالك في فوات سعادات لا يحيط الوصف بعظمتها و تنقطع
الاذهان و الدهور دون غايتها؟ و كل من تنعم في الدنيا، و لو بسماع صوت من طائر
او بالنظر الى خضرة او بشربة ماء بارد، فهو ينقص من حظه في الآخرة و التعرض لجواب
السؤال فيه ذل، و حذر، و خوف، و خطر، و خجل و انكسار، و مشقة، و انتظار، و كل ذلك
من نقصان الحظ. فالدنيا-قليلها و كثيرها، حلالها و حرامها-ملعونة، الا ما اعان على تقوى الله،
فان ذلك القدر ليس من الدنيا، و كل من كانت معرفته اقوى و اتم كان حذره من
نعيم الدنيا اشد و اعظم، حتى ان عيسى عليه السلام وضع راسه على حجر لما نام ثم
رمى به، اذ تمثل له ابليس و قال رغبت في الدنيا. و حتى ان سليمان-عليه
السلام-فى ملكه كان يطعم الناس من لذائذ الاطعمة و هو ياكل خبز الشعير، فجعل
الملك على نفسه بهذا الطريق امتحانا و شدة، فان الصبر من لذيذ الاطعمة مع
وجودها اشد. و لذا زوى الله-تعالى-الدنيا على نبينا-صلى الله عليه و آله- فكان
يطوى اياما، و كان يشد الحجر على بطنه من الجوع، و لهذا سلط الله المحن و
البلاء على الانبياء و الاولياء، ثم الامثل فالامثل في درجات العلى. كل ذلك
نظرا لهم و امتنانا عليهم، ليتوفر من الآخرة حظهم، كما يمنع الوالد المشفق ولده
لذائذ الفواكه و الاطعمة و يلزمه الفصد و الحجامة، شفقة عليه و حبا له لا بخلا به
عليه. و قد عرفت بهذا ان كل ما ليس لله فهو من الدنيا و ما هو لله فليس من الدنيا. ثم الاشياء على اقسام ثلاثة: (الاول) ما لا يتصور ان يكون لله، بل من الدنيا صورة و معنى و هي انواع المعاصي و
المحظورات و اصناف التنعم بالمباحات، و هي الدنيا المحضة المذمومة على
الاطلاق. (الثاني) ما صورته من الدنيا، كالاكل و النوم و النكاح و امثالها، و يمكن ان
يجعل معناه لله، فانه يمكن ان يكون المقصود منه حظ النفس فيكون معناه كصورته ايضا
من الدنيا، و يمكن ان يكون المقصود منه الاستعانة على التقوى، فهو لله بمعناه و ان
كانت صورته صورة الدنيا، ! 46 قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «من طلب من الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا
لقى الله و هو عليه غضبان، و من طلبها استعفافا عن المسالة و صيانة لنفسه جاء
يوم القيامة و وجهه كالقمر ليلة البدر» . (الثالثة) ما صورته لله، و يمكن ان يجعل معناه من الدنيا بالقصد، و هو ترك
الشهوات، و تحصيل العلم، و عمل الطاعات و العبادات. فهذه الثلاث اذا لم يكن
لها باعث سوى امر الله و اليوم الآخر فهى لله صورة و معنى، و لم تكن من الدنيا
اصلا، و ان كان الغرض منها حفظ المال و الحمية و الاشتهار بالزهد و الورع و طلب
القبول بين الخلق باظهار المعرفة صار من الدنيا معنى و ان كان يظن بصورته انه
لله. و منها:
حب المال
و هو من شعب حب الدنيا، اذ حب الدنيا يتناول حب كل حظ عاجل، و المال بعض اجزاء
الدنيا، كما ان الجاه بعضها، و اتباع شهوة البطن و الفرج بعضها، و تشفى الغيظ
بحكم الغضب و الحسد بعضها، و الكبر و طلب العلو بعضها. و بالجملة: لها ابعاض كثيرة يجمعها كل ما للانسان فيه حظ عاجل، فآفات
الدنيا كثيرة الشعب و الارجاء، واسعة الارجاء و الاكناف، و لكن اعظم آفاتها
المتعلقة بالقوة الشهوية هو (المال) ، اذ كل ذى روح محتاج اليه و لا غناء له عنه،
فان فقد حصل الفقر الذي يكاد ان يكون كفرا و ان وجد حصل منه الطغيان الذي لا تكون
عاقبة امره الا خسرا، فهو لا يخلو من فوائد و آفات، و فوائده من المنجيات و
آفاته من المهلكات، و تمييز خيرها و شرها من المشكلات، اذ من فقده تحصل صفة
الفقر، و من وجوده تحصل صفة الغناء، و هما حالتان يحصل بهما الامتحان. ثم (للفاقد) حالتان: القناعة، و الحرص، و احداهما محمودة و الاخرى مذمومة. و
(للحريص) حالتان: تشمر للحرف و الصنائع مع الياس عن الخلق، و طمع بما في ايديهم.
واحدى الحالتين شر من الاخرى. و (للواجد) حالتان: امساك، و انفاق. و احدهما
مذموم و الآخر ممدوح و (للمنفق) حالتان: اسراف، و اقتصاد، و الاول مذموم و
الثاني ممدوح و هذه امور متشابهة لا بد اولا من تمييزها، ثم الاخذ بمحمودها و
الترك لمذمومها، حتى تحصل النجاة من غوائل المال و فتنتها. و من هنا قال بعض
الاكابر: الدرهم عقرب، فان لم تحسن رقيته فلا تاخذه، فانه ان لدغك قتلك سمه. قيل
و ما رقيته؟ قال: اخذه من حله، و وضعه في حقه. تعليقات: 1) اي القوة الشهوية. 2) صححنا الحديث على نسخ الوسائل المصححة في كتاب الاطعمة، و الوافي 10: 66-. و كذا
ذكره في مجمع البحرين مادة (نخب) ، و النخيب: الجبان الذى لا فؤاد له. و الرغيب:
الواسع. 3) صححنا الحديث على ما في سفينة البحار-1: 195. 4) الفلق، الآية: 3. 5) في احياء العلوم-3: 86 ان هذا الكلام من قول سعيد بن المسيب لا من كلام
النبي-صلى الله عليه و آله-. 6) هذا الكلام كله عن تعليل كثرة طروق النبي-صلى الله عليه و آله ماخوذ من كلام
الغزالى في احياء العلوم-3: 87-. 7) النور، الآية: 30. 8) حرف (و) موجود في نسختنا الخطية و في احياء العلوم-3: 87-، و لكنه قد شطب عليها في
النسخة المطبوعة. 9) الاعراف، الآية: 30. 10) آل عمران، الآية: 14. 11) التجفاف: آلة للحرب يتقى بها كالدرع و عن تفسير امثال هذا الحديث راجع
الجزء الاول من المجلد الخامس عشر من البحار ص 65، ففيه تفصيل معناه و قد نقل عن
ابن الاثير في النهاية، و ابن ابي الحديد في شرحه: كلاما في هذا الباب. 12) النازعات، الآية: 40. 13) الحديد، الآية: 20. 14) آل عمران، الآية: 14. 15) قال في المنجد: الكدية: الاستعطاء و حرفة السائل الملح. 16) سياتي الخبر بهذا المعنى-ص 26-و هو عامى. 17) المؤمنون، الآية: 109. 18) البقرة، الآية: 86. 19) المؤمنون، الآية: 101. 20) المؤمن، الآية: 17. 21) الاعراف، الآية: 19. 22) صححنا الحديث على الكافي في باب ذم الدنيا، و صدر الحديث هكذا: «قال جابر:
دخلت على ابي جعفر-عليه السلام-فقال: يا جابر! و الله لمحزون! و اني لمشغول القلب،
قلت: جعلت فداك! و ما شغلك و ما حزن قلبك. . . » الى آخر الحديث. 23) ذكرها (الكافي) عن ابي عبد الله الصادق (ع) في باب حب الدنيا بتمامها.