جامع السعادات جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

جامع السعادات - جلد 2

محمد مهدی النراقی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



فصل


(طوائف المغرورين)


اعلم ان فرق المغترين كثيرة،و جهات غرورهم و درجاته مختلفة،و ما من طائفة فى
العالم مشتركين في وصف مجتمعين على امر،الا و يوجد فيهم فرق من المغترين.
الا ان بعض الطوائف كلهم مغترون،كالكفار و العصاة و الفساق،و بعضهم يوجد فيهم
المغرور و غير المغرور،و ان كان معظم كل طائفة ارباب الغرور.و نحن نشير الى
مجاري الغرور،و الى غرور كل طائفة ليتمكن طالب السعادة من الاحتراز عنه،اذ من
عرف مداخل الآفات و الفساد و مجاريهما يمكنه ان ياخذ منها حذره،و يبني على
الجزم و البصيرة امره.فنقول:

الطائفة الاولى


(الكفار)


و هم مغرورون باسرهم،و هم ما بين من غرته الحياة الدنيا،و بين من غره الشيطان
بالله.و اما الذين غرتهم الحياة الدنيا،فباعث غرورهم قياسان نظمهما
الشيطان في قلوبهم:(اولهما)ان الدنيا نقد و الآخرة نسيئة، و النقد خير من النسيئة.(و
ثانيهما)ان لذات الدنيا يقينية و لذات الآخرة مشكوكة فيها،و اليقيني خير من
المشكوك،فلا يترك به.و هذه اقيسة فاسدة تشبه قياس ابليس،حيث قال:

«انا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين » (1)

و علاج هذا الغرور-بعد تحصيل اليقين بوجود الواجب تعالى و بحقيقة النبي(ص)،و هو
في غاية السهولة لوضوح الطرق و الادلة-اما ان يتبع مقتضى ايمانه و يصدق الله
تعالى في قوله:

«ما عندكم ينفد و ما عند الله باق » (2) .و فى قوله تعالى: «و الاخرة خير و ابقى » (3) .و قوله:
«و ما عند الله خير و ابقى » (4) .و قوله: «و ما الحياة الدنيا الا متاع الغرور» (5)
قوله تعالى: «و لا تغرنكم الحياة الدنيا و لا يغرنكم بالله الغرور» (6) .

و اما ان يعرف بالبرهان فساد القياسين،حتى يزول عن نفسه ما تاديا اليه من
الغرور.و طريق معرفة الفساد في(القياس الاول):ان يتامل في ان كون الدنيا نقدا و
الآخرة نسيئة صحيح،الا ان كون كل نقد خيرا من النسيئة غير صحيح،بل هو محل التلبيس،اذ
المسلم خيرية النقد على النسيئة ان كان مثلها في المقدار و المنفعة و المقصود و
البقاء،و اما ان كان اقل منها في ذلك و ادون،فالنسيئة خير،الا ترى ان هذا
المغرور اذا حذره الطبيب من لذائذ الاطعمة يتركها في الحال خوفا من الم
المرض في الاستقبال و يبذل درهما في الحال لياخذ درهمين نسيئة،و يتعب في
الاسفار و يركب البحار في الحال لاجل الراحة و الربح نسيئة.و قس عليه جميع اعمال
الناس و صنائعهم في الدنيا:من الزراعة و التجارة و المعاملات،فانهم يبذلون
فيها المال نقدا ليصلوا الى اكثر منه نسيئة،فان كان عشرة في ثاني الحال خيرا
من واحد في الحال،فانسب لذة الدنيا من حيث الشدة و المدة و العدة الى لذة الآخرة
من هذه الحيثيات،فان من عرف حقيقة الدنيا و الآخرة،يعلم انه ليس للدنيا قدر محسوس
بالنسبة الى الآخرة،على ان لذة الدنيا مكدرة مشوبة بانواع المنغصات،و لذات
الآخرة صافية غير ممتزجة بشى ء من المكدرات.

و اما طريق معرفة فساد(القياس الثاني)باصليه:هو ان يعرف ان كون لذات الآخرة
مشكوكا فيها خطا،و ان كل يقيني خير من المشكوك غلط:

(اما الاول)فلان الآخرة يقينية قطعية عند اهل البصيرة.و ليقينهم مدركان:

-احدهما-ما يدركه عموم الخلق،و هو اتفاق عظماء الناس من الانبياء و الاولياء و
الحكماء و العلماء،فان ذلك يورث اليقين و الطمانينة بعد التامل،كما ان المريض
الذي لا يعرف دواء علته اذا اتفق جميع ارباب الصناعة على ان دواءه كذا،فانه
تطمئن نفسه الى تصديقهم و لا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين،بل يثق بقولهم و
يعمل به،و ان كذبهم صبي او معتوه او سوادي.و لا ريب في ان المنكرين للآخرة
المغترين بالحياة الدنيا من الكفار و البطالين بالنظر الى المخبرين عن
احوال الآخرة و المشاهدين لها من الانبياء و الاولياء ادون حالا و اقل رتبة من
صبي او معتوه او سوادى بالنظر الى اطباء بلد او مملكة.

-و ثانيهما-ما لا يدركه الا الانبياء و الاولياء،و هو الوحى و الالهام، فالوحي
للانبياء و الالهام و الكشف للاولياء فانه قد كشفت لهم حقائق الاشياء كما هي عليها،
و شاهدوها بالبصيرة الباطنة كما تشاهد انت المحسوسات بالبصر الظاهر،
فيخبرون عن مشاهدة لا عن سماع و تقليد، و لا تظنن ان معرفة النبي(ص)لامر الآخرة و
لامور الدين مجرد تقليد لجبرئيل بالسماع منه،كما ان معرفتك لها تقليد للنبي،
هيهات!فان الانبياء يشاهدون حقائق الملك و الملكوت،و ينظرون اليها بعين
البصيرة و اليقين، و ان اكد ذلك بالقاء الملك و السماع منه.

و اما المغرورون بالله،و هم الذين يقدرون في انفسهم و يقولون بالسنتهم، ان كان
لله معاد فنحن فيه اوفر حظا و اسعد حالا من غيرنا،كما اخبر الله -سبحانه-عن قول
الرجلين المتحاورين،اذ قال:

«و ما اظن الساعة قائمة و لئن رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا» (7) .

و باعث ذلك:ما القى الشيطان في روعهم من نظرهم مرة الى نعم الله عليهم في
الدنيا فيقيسون عليها نعمة الآخرة،و ينظرون الى تاخير الله العذاب عنهم فيقيسون
عليه عذاب الآخرة،كما قال الله-تعالى-:

«و يقولون في انفسهم لو لا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير»
(8) .

و مرة ينظرون الى المؤمنين و هم فقراء محتاجون،فيقولون:لو احبهم الله لاحسن
اليهم في الدنيا و لو لم يحبنا لما احسن الينا فيها،فلما لم يحسن اليهم في
الدنيا و احسن الينا فيها فيكون محبا لنا و لا يكون محبا لهم،فيكون الامر في
الآخرة كذلك،كما قال الشاعر:

كما احسن الله فيما مضىكذلك يحسن فيما بقي و لا ريب في ان كل ذلك خيالات
فاسدة و قياسات باطلة،فان من ظن ان النعم الدنيوية دليل الحب و الاكرام فقد
اغتر بالله،اذ ظن انه كريم عند الله،بدليل لا يدل على الكرامة بل يدل عند اولى
البصائر على الهوان و الخذلان،لان نعيم الدنيا و لذاتها مهلكات و مبعدات من
الله،و ان الله يحمى احباءه الدنيا كما يحمي الوالد الشفيق ولده المريض لذائذ
الاطعمة.

و مثل معاملة الله-سبحانه-مع المؤمن الخالص و الكافر و الفاسق،حيث يزوي الدنيا
عن الاول و يصب نعمها و لذاتها على الثاني،مثل من كان له عبدان صغيران يحب
احدهما و يبغض الآخر،فيمنع الاول من اللعب و يلزمه المكتب و يحبسه فيه،ليعلمه
الادب و يمنعه من لذائذ الاطعمة و الفواكه التي تضره و يسقيه الادوية البشعة التي
تنفعه،و يهمل الثاني ليعيش كيف يريد و يلعب و ياكل كل ما يشتهي،فلو ظن هذا العبد
المهمل انه محبوب كريم عند سيده لتمكنه من شهواته و لذاته،و ان الآخر مبغوض عنده
لمنعه عن مشتهياته،كان مغرورا احمق،و قد كان الخائفون من ذوي البصائر اذا
اقبلت عليهم الدنيا حزنوا و قالوا:ذنب عجلت عقوبته،و اذا اقبل عليهم الفقر
قالوا:مرحبا بشعار الصالحين!و اما المغرورون فعلى خلاف ذلك، لظنهم ان اقبال
الدنيا عليهم كرامة من الله و ان ادبارها عنهم هو ان لهم، كما اخبر
الله-تعالى-عنه بقوله:

«فاما الانسان اذا ما ابتلاه ربه فاكرمه و نعمه فيقول ربي اكرمن،و اما
اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي اهانن » (9)

و علاج هذا الغرور:ان يعرف ان اقبال الدنيا دليل الهوان و الخذلان دون الكرامة
و الاحسان،و التجرد منها سبب الكرامة و القرب الى الله-سبحانه- و الطريق الى
هذه المعرفة:اما ملاحظة احوال الانبياء و الاولياء و غيرهما من طوائف العرفاء و
فرق الاتقياء،او التدبر في الآيات و الاخبار.قال الله-سبحانه- «ايحسبون انما
نمدهم به من مال و بنين،نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون » (10) .و قال-سبحانه-:

«سنستدرجهم من حيث لا يعلمون » (11) و قال-تعالى-:

«فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شي ء حتى اذا فرحوا بما اتوا
اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون » (12) .و قال تعالى: «انما نملي لهم ليزدادوا اثما» (13) .

الى غير ذلك من الآيات و الاخبار.

و منشا هذا الغرور:الجهل بالله و بصفاته،فان من عرفه لا يامن مكره و لا يغتر
به بامثال هذه الخيالات الفاسدة،و ينظر الى قارون و فرعون و غيرهما من الملوك و
الجبابرة،كيف احسن الله اليهم ابتداء ثم دمرهم تدميرا،و قد حذر الله عباده
عن مكره و استدراجه فقال:

«فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون » (14) .و قال:

«و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين » (15) 6).

الطائفة الثانية


(العصاة و الفساق من المؤمنين)


و سبب غرورهم و غفلتهم اما بعض بواعث غرور الكافرين-كما تقدم-او ظنهم ان
الله-تعالى-كريم و رحمته واسعة و نعمته شاملة،و اين معاصى العباد في جنب بحار
رحمته،و يقولون:انا موحدون و مؤمنون، فكيف يعذبنا مع التوحيد و الايمان،و يقررون
ظنهم بما ورد في فضيلة الرجاء-كما تقدم-.و ربما اغتر بعضهم بصلاح آبائهم و علو
رتبتهم، كاغترار بعض العلويين بنسبهم مع مخالفتهم سيرة آبائهم الطاهرين في
الخوف و الورع.و علاج هذا الغرور.ان يعرف الفرق بين الرجاء الممدوح و التمني
المذموم،و يعلم ان غروره ليس رجاء ممدوحا،بل هو تمن مذموم،كما قال رسول الله(ص):
«الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت،و الاحمق من اتبع نفسه هواها و تمنى على
الله ».فان الرجاء لا ينفك عن العمل،اذ من رجا شيئا طلبه و من خاف شيئا هرب منه،و
كما ان الذي يرجو في الدنيا ولدا و هو لم ينكح،او نكح و لم يجامع،او جامع و لم ينزل،
فهو مغرور احمق،كذلك من رجا رحمة الله و هو لم يؤمن،او آمن و لم يترك المعاصي،
او تركها و لم يعمل صالحا،فهو مغرور جاهل،كيف و قد قال الله-سبحانه-:

«ان الذين آمنوا و الذين هاجروا و جاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله » (16) .

يعني ان الرجاء يليق بهم دون غيرهم،و ذلك لان ثواب الآخرة اجر و جزاء على الاعمال،
كما قال-تعالى-:

«جزاء بما كانوا يعملون » (17) .و قال: «و انما توفون اجوركم يوم القيامة » (18) .و قال:
«و ان ليس للانسان الا ما سعى و ان سعيه سوف يرى » (19) .و قال: «كل نفس بما كسبت رهينة » (20) .

افترى ان من استؤجر على اصلاح اوان و شرط له اجرة عليها،و كان الشارط كريما
يفى بوعده و شرطه،بل كان بحيث يزيد على ما وعده و شرطه، فجاء الاجير و كسر الاواني و
افسدها جميعا،ثم جلس ينتظر الاجر زعما منه ان المستاجر كريم،افيراه العقلاء في
انتظاره راجيا او مغرورا متمنيا؟

و بالجملة:سبب هذا الغرور الجهل بين الرجاء و العزة،فليعالجه بما ذكر هنا و
فيما سبق.

ثم ان المغرور بعلو رتبه آبائه،ظانا ان الله تعالى يحب آباءه،و من احب
انسانا احب اولاده،اشد حمقا من المغرور بالله،لان الله-سبحانه- يحب المطيع و
يبغض العاصي من غير ملاحظة لآبائهما،فكما انه لا يبغض الاب المطيع ببغضه للولد
العاصي فكذلك لا يحب الولد العاصي بحبه للاب المطيع،و ليس يمكن ان يسري من الاب
الى الابن شي ء من الحب و البغض و المعصية و التقوى،اذ لا تزر وازرة وزر اخرى،
فمن زعم انه ينجو بتقوى ابيه كان كمن زعم انه يشبع باكل ابيه،او يصير عالما
بتعلم ابيه،او يصل الى الكعبة بمشي ابيه،فهيهات هيهات!ان التقوى فرض عين على
كل احد، فلا يجزي والد عن ولده شيئا،و عند الجزاء يفر المرء من اخيه،و امه و ابيه،و
صاحبته و بنيه،و لا ينفع احد احدا الا على سبيل الشفاعة،بعد تحقق شرائطها.

ثم العصاة المغرورون،اما ليست لهم طاعات،فتمنيهم المغفرة غاية الجهل-كما
مر-،او لهم طاعات و لكن معاصيهم اكثر،و هم عالمون باكثرية المعاصي،و مع ذلك
يتوقعون المغفرة و ترجح حسناتهم على سيئاتهم و هو ايضا غاية الجهل،اذ مثله مثل
من وضع عشرة دراهم في كفة ميزان و في الكفة الاخرى الفا او الفين،و توقع ان تميل
الكفة الثقيلة بالخفيفة، و من الذين معاصيهم اكثر من يظن ان طاعاته اكثر من
معاصيه،لانه لا يحاسب نفسه و لا يتفقد معاصيه،و اذا عمل طاعة حفظها و اعتد بها،
كالذي يحج طول عمره حجه و يبني مسجدا،ثم لا يكون شي ء من عباداته على النحو
المطلوب،و لا يجتنب من اخذ اموال المسلمين،فينسى ذلك كله و يكون حجه و ما
بناه من المسجد في ذكره،و يقول:كيف يعذبني الله و قد حججت و بنيت مسجدا؟و كالذي
يسبح الله كل يوم مائة مرة ثم يغتاب المسلمين و يمزق اعراضهم و يتكلم بما لا
يرضاه الله طول نهاره من غير حصر و عدد،و يكون نظره الى عدد سبحته مع غفلته عن
هذيانه طول نهاره الذي لو كتبه لكان مثل تسبيحه مائة مرة،و قد كتبه الكرام
الكاتبون، فهو يتامل دائما في فضيلة التسبيحات،و لا يلتفت الى ما ورد في
عقوبة الكذابين و المغتابين و النمامين و الفحاشين،و لو كان كتبة اعماله
يطلبون منه اجرة الزايد من هذيانه على تسبيحاته،لكان عند ذلك يسعى في كف
لسانه عن آفاته و موازتها بتسبيحاته،حتى لا يكون لها زيادة عليها ليؤخذ منه
اجرة نسخ الزائد.فيا عجبا لمن يحاسب نفسه و يحتاط خوفا ان يفوته مقدار قيراط
و لا يحتاط خوفا من فوت العليين و مجاورة رب العالمين

الطائفة الثالثة


اهل العلم


و المغترون منهم فرق:

(فمنهم)من اقتصر من العلم على علم الكلام و المجادلة و معرفة آداب المناظرة،
ليتفاخر في اندية الرجال و يتفوق على الاقران و الامثال،من غير ان يكون له في
العقائد قدم راسخ او مذهب واحد،بل يختار تارة ذاك و تارة هذا،و تكون عقيدته كخيط
مرسل في الهواء تفيئه الريح مرة هكذا و مرة هكذا،و مع ذلك يظن بغروره انه اعرف
الناس و اعلمهم بالله و بصفاته.

و(منهم)من اقتصر من العلم على علم النحو و اللغة،او الشعر او المنطق، و اغتر به و
افنى عمره فيها،و زعم ان علم الشريعة و الحكمة موقوف عليها، و لم يعلم ان ما ليس
مطلوبا لذاته و يكون وسيلة الى ما هو مقصود لذاته يجب ان يقتصر عليه بقدر
الضرورة،و التعمق فيه الى درجات لا تتناهى فضول مستغنى عنها،و موجب للحرمان
عما هو مقصود لذاته.

و(منهم)من اقتصر على فن المعاملات من الفقه،المتضمن لكيفية الحكم و القضاء بين
الناس،و اشتغل باجراء الاحكام،و اعرض عن علم العقائد و الاخلاق،بل عن فمن
العبادات من الفقه،و اهمل تفقد قلبه ليتخلى عن رذائل الاخلاق و يتحلى بفضائل
الملكات و تفقد جوارحه و حفظها عن المعاصي و الزامها الطاعات.

و(منهم)من حصل فن العبادات ايضا،بل احكم العلوم الشرعية باسرها و تعمق فيها
و اشتغل،و لكن ترك العلم الالهي و علم الاخلاق و لم يحفظ الباطن و الظاهر عن
المعاصي و لم يعمرها بالطاعات. و(منهم)من احكم جميع العلوم من العقلية و الشرعية
و تعمق فيها و اشتغل بها الا انه اهمل العمل راسا،او واظب على الطاعات
الظاهرة:

و اهمل صفات القلب،و ربما تفقد صفات القلب و اخلاق النفس ايضا و جاهد نفسه في
التبرى عنها،و قلع من قلبه منابتها الجلية القوية،و لكن بقيت في زوايا قلبه خفايا
من مكائد الشيطان و خبايا و تلبيات النفس ما دق و غمض مدركه فلا يتفطن بها.

و جميع هؤلاء غافلون مغرورون،اذا كان اعتقادهم انهم على خير و سعادة،و ان كان
بينهم تفاوت من حيث الضعف و الشدة،اذ سعادة النفس و خلاصها عن العذاب لا تحصل
الا بمعرفة الله-تعالى-و معرفة صفاته و افعاله و احوال النشاة الآخرة،و العلم
برذائل الاخلاق و شرائفها،ثم تهذيب الباطن بفضائل الاخلاق و عمارة الظاهر
بصوالح الطاعات و الاعمال، فكل من يعلم بعض العلوم و ترك ما هو المهم من
العلم-اعنى معرفة سلوك الطريق و قطع عقبات النفس التى هى الصفات المذمومة المانعة
عن الوصول الى الله-و ظن انه على خير كان مغرورا،و اذا مات ملوثا بتلك
الصفات كان محجوبا على الله،فمن ترك العلم المهم و اشتغل بغيره،فهو كمن له
مرض خاص مهلك فاحتاج الى تعلم الدواء و استعماله،فاشتغل بتعلم مرض آخر يضاد
مرضه في المعالجة،كما ان من احكم العلوم باسرها و ترك العمل،مثل المريض الذى
تعلم دواء مرضه و كتبه،و هو يقراه و يعلمه المرضى و لا يستعمله قط لنفسه،فانه لا ريب
في ان مجرد تعلم الدواء لا يشفيه،بل لو كتبت منه الف نسخة و علمه الف مريض حتى شفى
جميعهم و كرره كل ليلة الف مرة لم ينفعه ذلك من مرضه شيئا،حتى يشترى هذا الدواء و
يشربه كما تعلم في وقته، و مع شربه و استعاله يكون على خطر من شفائه،فكيف اذا لم
يشربه اصلا، فلو ظن ان مجرد تعلم الدواء يكفيه و يشفيه فهو مغرور،فكذلك من احكم
علم الطاعات و لم يعملها،و احكم علم المعاصي و لم يجتنبها،و احكم علم الاخلاق و
لم يزك نفسه عن رذائلها و لم يتصف بفضائلها،فهو في غاية الغرور.

اذ قال الله تعالى:

«قد افلح من زكاها» (21)

و لم يقل:قد افلح من علم طريق تزكيتها.

ثم من هذه الطائفة فرقة متصفة برذائل الاخلاق و الغرور،ادى بهم الى حيث ظنوا
انهم منفكون عنها،و انهم ارفع عند الله من ان يبتليهم بها، و انما يبتلى بها
العوام دون من بلغ مبلغهم في العلم.ثم اذا ظهرت عليه مخايل الكبر و الرئاسة و
طلب العلو و الشرف قال:ما هذا تكبرا،و طنما هو طلب اعزاز الدين،و اظهار شرف
العلم،و ارغام انف المخالفين.و مهما ظهرت منه آثار الحسد،و اطلق لسانه
بالغيبة في اقرانه و من رد عليه شيئا من كلامه، لم يظن بنفسه ان ذلك حسد،بل يقول:
ان هذا غضب للحق ورد على المبطل في عداوته و ظلمه،مع انه لو طعن في غيره من اهل
العلم،ورد عليه قوله، و منع من منصبه،لم يكن غضبه مثل غضبه الآن،بل ربما يفرح به،و لو
كان غضبه للحق لا للحد على اقرانه و خبث باطنه،لاستوى غضبه فى الحالين.

و اذا خطر له خاطر الرياء قال:غرضي من اظهار العلم و العمل اقتداء الخلق بي،
ليهتدوا الى دين الله و يتخلصوا من عقاب الله.و لا يتامل المغرور انه ليس يفرح
باقتداء الناس بغيره كما يفرح باقتدائهم به،و لو كان غرضه صلاح الخلق لفرح بصلاحهم
على يد من كان،و ربما يتذكر هذا و مع ذلك لا يخليه الشيطان،بل يقول:انما ذلك
لانهم اذا اهتدوا بي كان الاجر و الثواب لي، ففرحي انما هو بثواب الله لا
بقبول الخلق،هذا ما يظن بنفسه،و الله مطلع على سريرته،اذ ربما كان باطنه في
الخباثة بحيث لو علم قطعا بان ثوابه في الخمول و اخفاء العلم و العمل اكثر من
ثوابه في الاظهار،لاحتمال مع ذلك في اظهار رئاسة،من تدريس او وعظ او امامة او
غير ذلك.و اذا كان بحيث يدخل على السلاطين و الامراء الظلمة و يثني عليهم و يتواضع
لهم،و خطر له ان مدحهم و التواضع لهم حرام،قال له الشيطان:ان ذلك عند الطمع في
مالهم،و غرضك من الدخول عليهم دفع الضرر عن المسلمين دون الطمع، و الله يعلم من
باطنه انه لو ظهر لبعض اقرانه قبول عند ذلك السلطان،و كان بحيث يقبل شفاعته فى
كل احد،و هو لا يزال يستشفع و يدفع الضرر عن المسلمين،يثقل ذلك عليه،بحيث لو قدر ان
يقبح حاله عند السلطان لفعل.

و ربما انتهى الغرور في بعضهم الى ان ياخذ من اموالهم المحرمة،و اذا خطر له
انها حرام،قال له الشيطان:هذا مال مجهول المالك يجب ان يتصدق به امام
المسلمين،و انت امامهم و عالمهم،و بك قوام دين الله،فيحل لك ان تاخذ منها قدر
حاجتك و تصرف الباقي على مصالح المسلمين،فيغتر بهذا التلبيس و لا يزال
ياخذها من غير ان يبذل شيئا منها في مصرف غيره.و ربما انتهى الغرور في بعضهم
الى حيث انه اذا حضرت مائدتهم و اكل طعامهم و قيل له:

ان هذا لا يليق بمثلك،قال:الاكل جائز بل واجب،اذ هذا مال لا يعلم مالكه،فيجب
التصدق به على الفقراء،و يجب على مثلي بقدر القوة و الاستطاعة ان يجتهد في
استخلاصه من يد الظالم و ايصاله الى اهله-اعني الفقراء-و اكلى منها نوع قدرة على
استخلاصه،فآكل منه و اتصدق بقيمته على الفقراء،و الله يعلم من باطنه انه لا يتصدق
بقيمته و لا يعتقد بحقيقة ما يقوله،و انما هو تلبيس القاه الشيطان في روعه،لئلا يضعف
اعتقاد العامة في حقه،و ربما كان بحيث لا يبالي من اخذ مالهم و اكل طعامهم خفية،
و لو علم انه يطلع عليه واحد من صويلح العامة المعتقدين به،امتنع منه غاية الامتناع.و
ربما كان بعضهم في الباطن مائلا الى الدخول على السلاطين و الامراء و تاركا
له في الظاهر،و كان الباعث في ذلك طلب المنزلة فى قلوب العامة.و مع ذلك يظن ان
الاجتناب عنهم عين ورعه و تقواه.و ربما كان بعضهم امام قوم يظن انه على خير و
باعث لترويج الدين و اعلاء الكلمة و مقيم بشعار الاسلام، و مع ذلك لو ام غيره ممن
هو اعلم و اورع منه في مسجده،او يتخلف بعض من يقتدى به عن الاقتداء به،قامت عليه
القيامة،و ربما لم يكن باعثه على الحركة الى المسجد للامامة مجرد التقرب و
الامتثال لامر الله،بل كان الباعث محض حب الجاه و الرياسة و اعتقاد العامة،
او مركبا منه و من نية الثواب و ربما اتخذ بعضهم الامامة شغلا و وسيلة لامر
المعاش،و مع ذلك يظن انه مشتغل بامر الخير،و الظاهر في امثال زماننا ندور
الامام الذي كان قصده من الامامة مجرد التقرب الى الله.من دون وجود شى ء من حب
طلب المنزلة في القلوب،او تحصيل المال،او دفع بعض الشرور عن نفسه في زوايا قلبه،
و لو وجد مثله فهو القدوة الذي يجب ان تشد الرحال من المواضع البعيدة اليه
ليقتدى به،و مثله كلما وجد في نفسه قصد التقرب و الثواب في الذهاب الى المسجد
للامامة ذهب،و لو لم يجد ذلك من نفسه تخلف،و صلى منفردا،و هو الذي يستوي عنده اقتداء
الناس به و عدمه،و يستوي عنده كثرة المقتدين و قلتهم،بل يكون حاله عند صلاته و هو
امام لجم غفير كحاله عند صلاته منفردا،من دون ان يجد في نفسه تفاوتا في
الحالين.

و بالجملة:اصناف غرور اهل العلم-(لا)سيما في هذه الاعصار-كثيرة، و المتامل يعلم
ان الغرور او التلبيس او غيرهما من ذمائم الافعال انتهى فى بعضهم الى ان
وجودهم مضر بالاسلام و المسلمين و موتهم انفع للايمان و المؤمنين،لانهم دجالو
الدين و قواموا مذهب الشياطين،و مثلهم كما قال ابن مريم-عليه السلام-:
«العالم السوء كصخرة وقعت في فم الوادى، فلا هى تشرب الماء و لا هي تترك الماء
يتخلص الى الزرع ».

الطائفة الرابعة


(الوعاظ)


و المغترون منهم كثيرون:

(فمنهم)من يتكلم في وعظه في اخلاق النفس و صفات القلب،من الخوف،و الرجاء،و التوكل،
و الرضا،و الصبر،و الشكر،و نظائرها، و يظن انه اذا تكلم بهذه الصفات و دعا الخلق
اليها صار موصوفا بها،و هو منفك عنها في الواقع،الا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام
المسلمين،و يزعم ان غرضه اصلاح الخلق دون امر آخر،و مع ذلك لو اقبل الخلق على احد
من اقرانه و صلحوا على يديه،و كان اقوى منه في الارشاد و الاصلاح،لمات غما و حسدا،
و لو اثنى احد المترددين عليه على بعض اقرانه،لصار ابغض خلق الله اليه.

و(منهم)من اشتغل بالشطح و الطامات،و تلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع و العقل،و
ربما كلف نفسه بالفصاحة و البلاغة،و تصنع التشبيهات و المقدمات،و شغف بطيارات
النكت و تسجيع الالفاظ و تلفيقها، طلبا للاعوان و الانصار،و شوقا الى تكثر البكاء
و الرقة و التواجد و الرغبات في مجلسه،و التذاذا بتحريك الرؤوس على كلامه و
البكاء عليه،و فرحا بكثرة الاصحاب و المستفيدين و المعتقدين به،و سرورا
بالتخصيص بهذه الخاصة من بين سائر الاقران،و ربما لم يبال بالكذب في نقل
الاخبار و الآثار، ظنا منه انه اوقع في النفوس و اشد تاثيرا في رقة العوام و
تواجدهم.

و لا ريب في ان هؤلاء شر الناس،بل شياطين الانس،ضلوا و اضلوا عن سواء السبيل،اذ
الاولون ان لم يصلحوا انفسهم،فقد اصلحوا غيرهم و صححوا كلامهم و وعظهم،و اما
هؤلاء فانهم يصدون عن سبيل الله،و يجرون الخلق الى الغرور بالله،لان سعيهم في ذكر
ما يسر به العامة،ليصلوا به منهم الى اغراضهم الفاسدة،فلا يزالون يذكرون ما يقوي
الرجاء،و يزيدهم جراة على المعاصي و رغبة في الدنيا،(لا)سيما اذا كان هذا الواعظ
ايضا ممن يرغب الى الدنيا،و يسر بوصول المال اليه،و يتزين بالثياب الفاخرة
و المراكب الفارهة،و غيرهما من زينة الدنيا.فمثله ممن يضل و يكون افساده اكثر
من اصلاحه،و مع ذلك يظن انه مروج الشرع و الدين و مرشد الضالين،فهو اشد
المغرورين و الغافلين.

و(منهم)من هذب اخلاقه،و راقب قلبه،و صفاه عن جميع الكدورات،و صغرت الدنيا في عينه،
و انقطع طمعه عن الخلق فلم يلتفت اليهم،و دعته الرحمة و الشفقة على عباد الله الى
نصحهم و استخلاصهم عن امراض المعاصي بالوعظ،فلما استقل به وجد الشيطان مجال
الفتنة فدعاه الى الرئاسة دعاء خفيا-اخفى من دبيب النملة-لا يشعر به،و لم يزل ذلك في
قلبه يربو و ينمو حتى دعاه الى التصنع و التزين للخلق،بتحسين الالفاظ و النغمات
و الحركات و التصنع في الزي و الهيئة و الشمائل،و اقبل الناس اليه يعظمونه و
يوقرونه توقيرا يزيد على توقير الملوك،اذ راوه شافيا لامراضهم بمحض الرحمة و
الشفقة من غير طمع،فآثروه بابدانهم و اموالهم،و صاروا له كالخدم و العبيد،فعند
ذلك انتشر طبعه و ارتاحت نفسه،و ذاق لذة يا لها من لذة، و اصاب من الدنيا
شهوة يستحقر معها كل شهوة،فوقع في اعظم لذات الدنيا بعد قطعه بانه تارك للدنيا،فقد
غره الشيطان على ما لا يشعر به.و علامة ثوران حب الرئاسة في باطنه:انه لو ظهر من
اقرانه من مالت القلوب الى قبوله،و زاد اثر كلامه في القبول على كلامه،شق ذلك
عليه،اذ لو لا ان النفس قد استبشرت و استلذت بالرئاسة لكان يغتنم ذلك.

و على هذا فينبغي الا يشتغل احد بالنصح و الوعظ الا اذا وجد من نفسه انه ليس له قصد
سوى هدايتهم الى الله-تعالى-،و كان يسره غاية السرور ظهور من يعينه على ارشادهم
او اهتدائهم من عند انفسهم،و انقطع طمعه بالكلية عن ثنائهم و اموالهم،و استوى عنده
حمدهم و ذمهم،و لم يبال بذمهم اذا كان الله يمدحه،و لم يفرح بمدحهم اذا لم يقترن
به مدح الله، و نظر اليهم كما ينظر الى من هو اعلم منه و اورع،حيث لا ينكر عليه و يراه
خيرا من نفسه،لدلالة الظاهر على ذلك و جهله بالخاتمة،و الى البهائم من حيث
انقطاع طمعه عن طلب المنزلة في قلوبهم،فانه لا يبالي كيف يراه البهائم،فلا يتزين
لها،اذ راعى الماشية انما غرضه رعايتها و دفع الذئب عنها،دون نظر الماشية اليه
بعين المدح و الثناء.

ثم لو ترقى الواعظ،و علم بهذه المكيدة من الشيطان،و اشتغل بنفسه و ترك النصح،او
نصح مع رعاية شرط الصدق و الاخلاص،لخيف عليه الاعجاب بنفسه في فراره عن الغرور،
فيكون اعجابه بنفسه في الفرار عن الغرور غاية الغرور،و هو المهلك الاعظم من
كل ذنب،و لذلك قال الشيطان:

«يا ابن آدم!اذا ظننت انك بعملك تخلص منى فبجهلك قد وقعت في حبائلي ».ثم لو دفع عن
نفسه العجب،و علم ان ذلك من الله-تعالى-لا منه، و ان مثله لا يقوى على دفع
الشيطان عنه الا بتوفيق الله،و انه ضعيف عاجز لا يقدر على شي ء اصلا،فضلا عن دفع
الشيطان،لخيف عليه الغرور بفضل الله و الثقة بكرمه و الامن من مكره،حتى يظن انه
يبقى على هذه الوتيرة في المستقبل.و لا ريب ان الآمن من مكر الله خاسر مغرور،
فسبيل النجاة بعد تهذيب النفس و خلوص القصد و الانقطاع عن الدنيا و لذاتها،ان
يرى ذلك كله من فضل الله،و كان خائفا على نفسه من سلب حاله في كل لحظة، و غير آمن
من مكر الله،و غير غافل عن خطر الخاتمة.و هذا خطر لا محيص عنه و خوف لا نجاة منه،
الا بمجاوزة الصراط و الدخول في الجنة،و لذلك لما ظهر الشيطان لبعض الاولياء
في وقت النزع-و كان قد بقى له نفس-قال:

(افلت مني يا فلان!؟)،فقال:(لا!بعد).

وصل


(اهل العبادة و العمل)


و المغرورون منهم فرق كثيرة:

(فمنهم)من غلبت عليه الوسوسة في ازالة النجاسة و في الوضوء، فيبالغ فيه و لا
يرتضى الماء المحكوم بالطهارة في فتوى الشرع،و يقدر الاحتمالات البعيدة
الموجبة للنجاسة،و اذا آل الامر الى الاكل و اخذ المال قدر الاحتمالات
الموجبة للحل،بل ربما اكل الحرام المحض و قدر له محملا بعيدا لحله،و لو انقلب هذا
الاحتمال من الماء الى الطعام لكان اشبه بسيرة اكابر الاولياء.ثم من هؤلاء
من يخرج الى الاسراف فى صبه الماء و ربما بالغ عند الوضوء في التخليل و ضرب احدى
يديه على وجهه او يده الاخرى، و لا يدري هذا المغرور ان هذا العمل ان كان مع اليقين
بحصول ما يلزم شرعا فهو تضييع للعمر الذي هو اعز الاشياء فيما له مندوحة عنه،و ان
كان بدونه بل يحتاط في التخليل ليحصل الجزم بوصول الماء الى البشرة،فما باله
يتيقن بوصول الماء الى البشرة في الغسل بدون هذه المبالغة و الاحتياط مع ان
حصول القطع بايصال الماء الى البشرة في الغسل الزم و اوجب.ثم ربما لم يكن له
مبالغة و احتياط في الصلاة و سائر العبادات،و انحصر احتياطه و مبالغته
بالوضوء،زاعما ان هذا يكفي لنجاته،فهو مغرور في غاية الغرور.

و(منهم)من اغتر بالصلاة فغلبت عليه الوسوسة في نيتها،فلا يدعه الشيطان حتى يعقد
نية صحيحة،بل يشوش عليه حتى تفوته الجماعة او فضيلة الوقت،و قد يوسوس في التكبير
حتى يغير صيغتها لشدة الاحتياط فيه، يفعل ذلك في اول صلاته ثم يغفل في جميع
صلاته،و لا يحضر قلبه،و يغتر بذلك،و يظن انه اذا اتعب نفسه في تصحيح النية فهو
على خير.و ربما غلبت على بعضهم الوسوسة في دقائق القراءة،و اخرج حروف الفاتحة و
سائر الاذكار عن مخارجها،فلا يزال يحتاط في التشديدات و تصحيح المخارج و
التمييز بين مخارج الحروف المتقاربة،من غير اهتمام فيما عدا ذلك،من حضور
القلب و التفكير في معاني الاذكار،ظنا منه انه اذا صحت القراءة فالصلاة مقهولة،و
هذا اقبح انواع الغرور.

و(منهم)من اغتر بالصوم،و ربما صام الايام الشريفة،بل صام الدهر،و لم يحفظ
لسانه عن الغيبة،و لا بطنه عن الحرام عند الافطار،ثم يظن بنفسه الخير،و ذلك في
غاية الغرور.

و(منهم)من اغتر بالحج،فيخرج الى الحج من غير خروج عن المظالم و قضاء الديون و
طلب الزاد الحلال،و يضيع في الطريق الصلاة، و يعجز عن طهارة الثوب و البدن،ثم
يحضر البيت بقلب ملوث برذائل الاخلاق و ذمائم الصفات،و مع ذلك يظن انه على خير،
فهو في غاية الغرور.

و(منهم)من اغتر بقراءة القرآن،فيهذ هذا،و ربما يختم في اليوم و الليلة مرة،
فيجري به لسانه،و قلبه مردد في اودية الاماني،و ربما اسرع في القراءة غاية
السرعة،و يظن ان سرعة اللسان من الكمالات،و يتفاخر على الامثال و الاقران.

و(منهم)من اغتر ببعض النوافل،كصلاة الليل،او مجرد غسل الجمعة،او امثال ذلك،
من غير اعتداد بالفرائض،زاعما ان المواظبة على مجرد هذه النافلة ينجيه فى
الآخرة،فهو ايضا من المغرورين.

و(منهم)من تزهد و قنع بالدون من المطعم و الملبس و المسكن،ظانا انه ادرك رتبة
الزهاد،و مع ذلك راغب في الرئاسة باشتهاره بالزهد،فهو ترك اهون المهلكين
باعظمها،اذ حب الجاه اشد فسادا من حب المال،و لو ترك الجاه و اخذ المال
لكان اقرب الى السلامة،فهو مغرور،اذ ظن انه من الزهاد،و لم يعرف ان منتهى
لذات الدنيا الرئاسة،و هو يحبها،فكيف يكون زاهدا؟

الطائفة السادسة


(المتصوفة)


و المغترون فيهم اكثر من ان يحصى:

(فمنهم)ارباب البوقات،و هم القلندرية الذين لا يعرفون معنى التصوف و لا شيئا من
مراسيم الدين،و صرفوا اوقاتهم في التكدى و السؤال من الناس،و يظنون انهم
تاركون للدنيا مقبلون على الآخرة،مع انهم لو ظفروا بشي ء من امور الدنيا لاخذوه
بجميع جوارحهم،فهؤلاء ارذل الناس بوجوه كثيرة لا تخفى.

و(منهم)من اغتر بالزي،و المنطق،و لبس الصوف،و اطراق الراس و ادخاله في الجيب،
و خفض الصوت،و تنفس الصعداء،و تحريك البدن في الطول و العرض،و السقوط الى الارض،
(لا)سيما اذا سمعوا كلاما في الوحدة و العشق،مع عدم اطلاعهم على حقيقة شي ء منهما.و
ربما تجاوز بعضهم من ذلك الى الرقص و التصفيق،و ابداء الشهيق و النهيق،و
اختراع الاذكار،و التغني بالاشعار...و غير ذلك من الحركات القبيحة و الهيئات
الشنيعة،و يظن ان العبد بهذه الحركات و الافعال يصل الى الدرجات العالية، و لم
يعلم المغرور انها تقرب العبد الى سخط الله و عذابه.

و(منهم)من وقع في الاباحة،و طوى بساط الشرع و الاحكام، و ترك الفصل بين الحلال و
الحرام،يتكالب على الحرام و الشبهات،و لا يحترز عن اموال الظلمة و
السلاطين،و ربما قال:المال مال الله و الخلق عيال الله، فهم فيه سواء.و ربما
قال:ان الله مستغن عن عملي،فاى حاجة الى ان اتعب نفسي فيه؟و ربما قال:لا وزن
لاعمال الجوارح،و انما النظر الى القلوب، و قلوبنا و الهة الى حب الله و اصلة
الى معرفة الله.و ربما خاضوا في الشهوات الدنيوية،و قالوا:انها لا تصدنا عن
طريق الله،لقوة نفوسنا و قوة اقدامنا فيها،و انما يحتاج العوام الى تهذيب
النفس بالاعمال البدنية،و نحن مستغنون عنه.فهؤلاء يرفعون درجتهم عن درجة
الانبياء-عليهم السلام-اذ كانوا يصرحون بان ارتكاب الامور المباحة فضلا
عن الخطايا و المعاصي يصدهم عن طريق الله،حتى يبكون سنين متوالية على ترك
الراجح و فعل المرجوح،فهم اشد الناس غرورا،و اعظم الخلق حماقة و جهلا.

و(منهم)من يدعي غاية المعرفة و اليقين،و الوصول الى درجات المقربين،و مشاهدة
المعبود،و مجاورة المقام المحمود،و الملازمة في عين الشهود،و تلقف من
الطامات كلمات يرددها،و يظن انه يتكلم عن الوحي و يخبر عن السماء.و ينظر الى
العباد و الفقهاء و المحدثين و سائر اصناف العلماء بعين الحقارة و الازدراء،يقول
في العباد:انهم اجراء مبعوثون،و في العلماء:

انهم بالحديث عن الله لمحجوبون،و يدعي لنفسه من الكرامات ما لا يدعيه نبي و لا
ولي،و يدعي كونه و اصلا الى الحق فارغا عن اعباء التكليف، لا علما احكم و لا عملا
هذب،لم يعرف من المعارف الا اسماء يتفوه بها عند الاغنياء للوصول الى بعض حطامهم
الخبيثة،فهو عند الله من الفجار المنافقين،و عند ارباب القلوب من الحمقى
الجاهلين،مع ظنه انه من المقربين،فهو اشد الغافلين المغرورين.

و(منهم)ملامية يرتكبون قبائح الاعمال و شنائع الافعال الموجبة للبعد عن طريق
المروة،ظنا منهم ان هذا موجب لكسر النفس و ازالة ذمائم الاخلاق،و لم يعلموا ان هذه
الافعال من الذمائم،و قد نهى صاحب الشرع عنه.

و(منهم)من اشتغل بالرياضة و المجاهدة،و قطع بعض المنازل، و وصل الى بعض
المقامات على قدر سعيه و مجاهدته،الا انه لم يتم سلوكه و انقطع عن سائر المقامات،
اما لاعتراض مفسد في اثناء السلوك،او لوقوعه في الاثناء ظنا منه انه وصل الى الله
و لم يصل بعد،فان لله سبعين حجابا من نور،و لا يصل السالك الى حجاب من تلك
الحجب فى الطريق الا و يظن انه قد وصل،و اليه الاشارة في حكاية الخليل،حيث راى
اولا كوكبا،فقال:

«هذا ربي »،ثم انتقل الى القمر،ثم عنه الى الشمس،فانه ليس المراد بالكوكب و القمر
و الشمس هذه الاجسام المضيئة،فان شان مثل الخليل اعظم من ان يظن كونها آلهة،بل
هذا ينافي شانه و رتبته،فالمراد بها الانوار التي هي من حجب الله،و يراها
السالك في الطريق،و لا يتصور الوصول الى الله الا بالوصول الى هذه الحجب،و
هي حجب من النور بعضها اعظم من بعض،فاستعير لفظ الكواكب لصغره لاقل مراتبها،و
القمر لاوسطها، و الشمس لاعظم مراتبها،و الخليل(ع)لم يزل عند سيره في الملكوت يصل
الى نور بعد نور،و يتخيل اليه في اول ما يلقاه انه قد وصل،ثم انكشف له ان وراءه امر،
فيترقى اليه حتى وصل الى الحجاب الاقرب،فقال:هذا اكبر،فلما ظهر انه مع عظمته
غير خال عن الهوى في حضيض النقص و الانحطاط عن ذروة الكمال،قال:

«لا احب الآفلين.اني وجهت وجهي...» (22) .

فسالك هذا الطريق قد يغتر في الوقوف على بعض هذه الحجب،و ربما يغتر
بالحجاب الاول،و اول الحجاب بين الله و بين العبد هو قلبه،فانه -ايضا-امر
رباني و نور من انوار الله،تتجلى فيه حقيقة الحق كله،حتى يتسع لجملة العالم و
يحيط به و تنجلى فيه صورة الكل،و عند ذلك يشرق نوره اشراقا عظيما،اذ يظهر فيه
الوجود كله على ما هو عليه،و هو في اول الامر كان محجوبا،فاذا تجلى نوره و
انكشف فيه جماله بعد اشراق نور الله تعالى ربما التفت صاحب القلب الى القلب،
فيرى من جماله الفائق ما يدهشه، فربما يسبق لسانه في هذه الدهشة،فيقول:انا الحق!
فان لم يتضح له ما وراء ذلك،اغتر به،و وقف عليه و هلك،و كان قد اغتر بكوكب صغير
من انوار الحضرة الآلهية،و لم يصل بعد الى القمر،فضلا عن الشمس،فهو مغرور.و هذا
محل الالتباس،اذ المتجلى يلتبس بالمتجلى فيه،كما يلتبس لون ما يتراءى في
المرآة فيظن انه لون المرآة،و كما يلتبس ما في الزجاج بالزجاج فيظن انه
لون الزجاج،كما قيل:

رق الزجاج و رقت الخمرفتشابها و تشاكل الامر فكانما خمر و لا قدحو كانما قدح و
لا خمر و بهذه العين نظر النصارى الى المسيح،فراوا اشراق نور الله قد تلالافيه،
فغلطوا فيه،كمن يرى كوكبا في مرآة او في ماء،فيظن ان الكوكب في المرآة او
في الماء،فيمد اليد اليه،فهو مغرور.و انواع الغرور في طريق السلوك الى الله
كثيرة لا تخفى على ارباب البصيرة.

ثم اكثر المتلبسين بلباس العارفين-مع كذبهم فيما يدعونه،و نقصانهم في طريق
السلوك،و جهلهم بحقيقة الامر،و عدم قطعهم جل المقامات- يتشبهون بالصادقين من
العرفاء في زيهم و هيئتهم و آدابهم و مراسمهم و الفاظهم، ظانين انهم بهذا
التشبه يصلون الى مراتبهم،فهيهات هيهات!ان الوصول الى درجة كل احد انما
تحصل بالاتصاف باوصافه الباطنة و التخلق باخلاقه النفسية،دون التشبه به في
حالاته الظاهرة،و قد شبههم بعض الاكابر بامراة عجوز سمعت ان الشجعان من
المقاتلين تثبت اسماؤهم في الديوان و يقطع لكل واحد منهم قطر من اقطار المملكة،
فتاقت نفسها الى ان تكون مثلهم،فلبست درعا،و وضعت على راسها مغفرا،و تعلمت من
رجز الابطال ابياتا، و تعلمت كيفية جولانهم في الميدان،و تلقفت جميع شمائلهم في
الزي و المنطق و الحركات و السكنات،و توجهت الى المعسكر ليثبت اسمها في ديوان
الشجعان، فلما وصلت اليه،انفذت الى ديوان العرض،و امرت بان تجرد عن المغفر و
الدرع،و ينظر الى حقيقتها،و تمتحن بالمبارزة مع بعض الشجعان ليعرف قدر شجاعتها،
فلما جردت فاذا هي عجوز ذات منة ضعيفة لا تقدر على شي ء، فقيل لها:اجئت للاستهزاء
بالملك و اهل حضرته؟خذوها و القوها قدام الفيل،فداسها و نحتها.فهكذا يكون حال
المدعين للتصوف و العرفان في القيامة،اذا كشف عنهم الغطاء و عرضوا الى القاضى
الحق الذي لا ينظر الى الزي و اللباس بل الى سر القلب و صفاته.

الطائفة السابعة


(الاغنياء و ارباب الاموال)


و المغترون فيهم اكثر من سائر الطوائف:

(فمنهم)من يحرص على بناء المساجد و المدارس و الرباطات و القناطر و سائر ما
يظهر للناس بالاموال المحرمة،و ربما غصب ارض المساجد و المدارس،و ربما صير لها
موقوفات اخذها من غير حلها،و لا باعث له على ذلك سوى الرياء و الشهوة،و لذا
يسعى في كتابة اسمه على احجارها ليتخلد ذكره و يبقى بعد الموت اثره،و يظن
المسكين انه قد استحق المغفرة بذلك، و انه مخلص فيه،و لم يدر انه تعرض لسخط الله
في كسب هذه الاموال و في انفاقها،و كان الواجب عليه الامتناع عن اخذها من
اهله،و اذا عصى الله و اخذها،كان الواجب عليه التوبة و ردها الى اهلها،فان
لم يبق من اخذها منه و لا ورثته،كان الواجب ان يتصدق بها على المساكين،مع انه
ربما كان في بلده او في جواره مسكين يكون في غاية الفقر و المسكنة و لا يعطيه درهما.

و(منهم)من ينفق الاموال في الصدقات،الا انه يطلب الفقراء الذين عادتهم الشكر و
الافشاء للمعروف،و يكره التصدق في السر،بل يطلب المحافل الجامعة و يتصدق فيها،و
ربما يكره التصدق على فقراء بلده و يرغب ان يعطى اهل البلاد الآخر مع اكثرية
استحقاق فقراء بلده،طلبا لاشتهاره بالبذل و العطاء فى البلاد الخارجة البعيدة،و
ربما يصرف كثيرا منه الى رجل معروف في البلاد و ان لم يكن مستحقا،ليشتهر ذلك
في البلاد، و لا يعطى قليلا منه الى فقير له غاية الاستحقاق اذا كان خامل الذكر،يفعل
هذا و يظن انه يجلب بذلك الاجر و الثواب،و لم يدر المغرور ان هذا القصد احبط
عمله و اضاع ثوابه.

و(منهم)من يجمع مالا من غير حله،و لا يبالي باخذ المال من اي طريق كان،ثم يمسكه
غاية الامساك،الا انه لا يبالي بصرف بعضه في طريق الحج،اما لنفسه فقط،او لاولاده
و ازواجه ايضا،اما للاشتهار،او لما وصل اليه:ان تارك الحج يبتلى بالفقر.

و(منهم)من غلب عليه البخل،فلا تسمح نفسه بانفاق شي ء من ماله فيشتغل بالعبادة
البدنية من الصوم و الصلاة،ظنا منه ان ذلك يكفي لنجاته، و لم يدر ان البخل صفة مهلكة
لا بد من ازالتها،و علاجه!بذل المال دون العبادات البدنية.و مثله مثل من دخلت
في ثوبه حية،و قد اشرف على الهلاك،و هو مشغول بطبخ السكنجبين ليسكن الصفراء،و
غافل بان الحية تقتله الآن،و من قتلته الحية فاى حاجة له الى السكجبين؟

وصل


(ضد الغرور الفطانة و العلم و الزهد)


قد عرفت ان الغرور مركب من الجهل و حب مقتضيات الشهوة و الغضب،فضده الفطانة
و العلم و الزهد،فمن كان فطنا كيسا عارفا بربه و نفسه و بالاخرة و الدنيا،و
عالما بكيفية سلوك الطريق الى الله و بما يقربه اليه و بما يبعده عنه،و عالما
بآفات الطريق و عقباته و غوائله،و لا جتنب عن الغرور و لم يغره الشيطان في شي ء
من الامور،اذ من عرف نفسه بالذل و العبودية و بكونه غريبا في هذا العالم
اجنبيا من هذه الشهوات البهيمية،عرف كون هذه الشهوات مضرة له و ان الموافق
له طبعا هو معرفة الله و النظر الى وجهه فلا يسكن نفسه الى شهوات الدنيا،و من
عرف ربه و عرف الدنيا و الآخرة و لذاتهما و عدم النسبة بينهما ثار في قلبه حب
الله و الرغبة الى دار الآخرة و الانزجار عن الدنيا و لذاتها،و اذا غلبت هذه
الارادة على قلبه صحت نيته فى الامور كلها،فان اكل-مثلا-او اشتغل بقضاء الحاجة
كان قصده منه الاستعانة على سلوك طريق الآخرة،و اندفع عنه كل غرور منشاه تجاذب
الاغراض و النزوع الى الدنيا و الى الجاه و المال،و ما دامت الدنيا احب اليه
من الآخرة و هوى نفسه احب اليه من رضاء الله،لم يمكنه الخلاص من الغرور.فالاصل في
علاج الغرور:ان يفرغ القلب من حب الدنيا، و يغلب عليه حب الله،حتى تتقوى به
الارادة و تصح به النية و يندفع عنه الغرور.قال الصادق(ع):«و اعلم انك لن تخرج من
ظلمات الغرور و التمني الا بصدق الانابة الى الله،و الاخبات له،و معرفة عيوب
احوالك من حيث لا يوافق العقل و العلم،و لا يحتمله الدين و الشريعة و سنن القدوة و
ائمة الهدى،و ان كنت راضيا بما انت فيه فما احد اشقى بعملك منك و اضيع عمرا،
فاورثت حسرة يوم القيامة » (23) .

و منها:

طول الامل


معنى طول الامل و مرجعه-علاجه-ضده قصر الامل-اختلاف الناس فى طول الامل-ذكر
الموت مقصر للامل-التعجب ممن ينسى الموت- الموت اعظم الدواهي-مراتب الناس
في ذكر الموت.

و هو ان يقدر و يعتقد بقاءه الى مدة متمادية،مع رغبته في جميع توابع البقاء:من
المال و الاهل و الدار و غير ذلك،و هو من رذائل قوتي العاقلة و الشهوة،اذ
الاعتقاد المذكور راجع الى الجهل المتعلق بالعاقلة،و حبه لجميع توابع البقاء و
ميله اليه من شعب حب الدنيا.و جهله راجع الى تعويله!اما على شبابه،فيستبعد قرب
الموت مع الشباب،و لا يتفكر المسكين في ان مشايخ بلده لو عدوا لكانوا اقل من عشر
عشير اهل البلد،و انما قلوا لان الموت في الشباب اكثر،و الى ان يموت شيخ يموت
الف صبي و شاب، او على صحته و قوته،و يستبعد مجي ء الموت فجاة،و لا يتامل في ان
ذلك غير بعيد،و لو سلم بعده فالمرض فجاة غير بعيد،اذ كل مرض انما يقع فجاة، و
اذا مرض لم يكن الموت بعيدا.و لو تفكر هذا الغافل،و علم ان الموت ليس له وقت
مخصوص،من شباب و شيب و كهولة،و من شتاء و خريف و صيف و ربيع،و ليل و نهار،و حضر و
سفر،لكان دائما مستشعرا غير غافل عنه،و عظم اشتغاله بالاستعداد له،لكن الجهل بهذه
الامور و حب الدنيا بعثاه على الغفلة و طول الامل،فهو ابدا يظن ان الموت بين
يديه،و لا يقدر نزوله و وقوعه فيه.و يشيع الجنائز و لا يقدر ان تشيع جنازته،لان هذا قد
تكرر عليه،و الفه بتكرر مشاهدة موت غيره.و اما موت نفسه،فلم يالفه و لا يتصور ان
يالفه،لانه لم يقع،و اذا وقع لا يقع دفعة اخرى بعده،فهو الاول و هو الآخر!

و اما حبه لتوابع البقاء!من المال و الدار و المراكب و الضياع و العقار،
فراجع الى الانس بها و الالتذاذ بها في مدة مديدة،فيثقل على قلبه مفارقتها، فيمنع
قلبه عن التفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها،اذ كل من كره شيئا يدفعه عن نفسه.
و الانسان لما كان مشغوفا بالاماني الباطلة،و بالدنيا و شهواتها و لذاتها و
علائقها،فتتمنى نفسه ابدا ما يوافق مراده،و مراده البقاء في الدنيا،فلا يزال
يتوهمه و يقرره في نفسه،و يقدر توابع البقاء من اسباب الدنيا،فيصير قلبه عاكفا
على هذا الفكر موقوفا عليه،فيلهو عن ذكر الموت و لا يقدر قربه،فان خطر له في بعض
الاحيان امر الموت و الحاجة الى الاستعداد له،سوف و وعد نفسه الى ان يكبر
فيتوب.و اذا كبر اخر التوبة الى ان يصير شيخا،و اذا صار شيخا يؤخرها الى ان
يفرغ من عمارة هذه الضيعة او يرجع من سفر كذا او يفرغ من تدبير هذا الولد و جهازه
و تدبير مسكن له،و لا يزال يسوف و يؤخر الى ان يخطفه الموت في وقت لا يحتسبه،
فتعظم عند ذلك بليته و تطول حسرته،و قد ورد ان اكثر اهل النار صياحهم من سوف،
يقولون و احزناه من سوف!و المسوف المسكين لا يدري ان الذي يدعوه الى التسويف
اليوم هو معه غدا،و انما يزداد بطول المدة قوة و رسوخا،اذ الخائض في الدنيا لا
يتصور له الفراغ منها قط،اذ ما قضى من اخذ منها لبانته،و انما فرغ منها من
اطرحها.

فصل


(علاج طول الامل)


لما عرفت ان طول الامل منشاه الجهل و حب الدنيا،فينبغي ان يدفع الجهل بالفكر
الصافي من شوائب العمى،و بسماع الوعظ من النفوس الطاهرة، فان من تفكر يعلم ان
الموت اقرب اليه من كل شي ء،و انه لا بد ان تحمل جنازته و يدفن في قبره،و لعل اللبن
الذي يغطى به لحده قد ضرب و فرغ منه،و لعل اكفانه قد خرجت من عند القصار و هو لا يدري به.
و اما حب الدنيا فينبغي ان يدفع من القلب بالتامل في حقارة الدنيا و نفاسة
الآخرة،و ما ورد فى الاخبار من الذم و العقاب في حب الدنيا و الرغبة اليها، و
من المدح و الثواب على تركها و الزهد عنها،و قد تقدم ما يكفى لهذا البيان.

و ينبغي-ايضا-ان يتذكر ما ورد في مدح ضد طول الامل-اعني قصر الامل كما ياتي-و ما
ورد في ذم طول الامل،كقوله-صلى الله عليه و آله-:

«ان اشد ما اخاف عليكم خصلتان!اتباع الهوى،و طول الامل.فاما اتباع الهوى
فانه يصد عن الحق،و اما طول الامل فانه الحب للدنيا-ثم قال-:

ان الله يعطي الدنيا من يحب و يبغض و اذا احب عبدا اعطاه الايمان،الا ان
للدين ابناء و المدنيا ابناء،فكونوا من ابناء الدين و لا تكونوا من ابناء الدنيا.
الا ان الدنيا قد ارتحلت مولية،الا ان الآخرة قد انت مقبلة،الا و انكم في يوم عمل ليس
فيه حساب،الا و انكم يوشك ان تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل » (24) .و قوله-صلى
الله عليه و آله-:«نجا اول هذه الامة باليقين و الزهد،و يهلك آخر هذه الامة بالبخل
و الامل ».و قول امير المؤمنين-عليه السلام-:«ما اطال عبد الامل الا اساء الامل

وصل


(قصر الامل)


ضد طول الامل قصره،و هو من شعار المؤمنين و دثار الموقنين،و لذا ورد في الامر به
و النهي عن ضده ما ورد،قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-:«اذا اصبحت فلا تحدث
نفسك بالمساء،و اذا امسيت فلا تحدث نفسك بالصباح،و خذ من دنياك لآخرتك،و من
حياتك لموتك،و من صحتك لسقمك،فانك لا تدرى ما سمك غدا».و قال-صلى الله عليه و
آله- بعد ما سمع ان اسامة اشترى وليدة بمائة دينار الى شهر:«ان اسامة لطويل الامل.
و الذي نفسي بيده!ما طرفت عيناي الا ظننت ان شفري لا يلتقيان حق يقبض الله روحي،و لا
رفعت طرفي فظنت انى واضعه حتى اقبض، و لا لقمت لقمة الا ظننت اني لا اسيغها حتى اغص
بها من الموت »،ثم قال:

«يا بني آدم!ان كنتم تعقلون فعدوا انفسكم من الموتى،و الذي نفسي بيده!

ان ما توعدون لآت و ما انتم بمعجزين ».و روى:«انه-صلى الله عليه و آله- قد اطلع ذات
عشية الى الناس،فقال:ايها الناس!اما تستحيون من الله تعالى؟قالوا:و ما ذاك
يا رسول الله!قال:تجمعون ما لا تاكلون، و تاملون ما لا تدركون،و تبنون ما لا
تسكنون ».«و قال-صلى الله عليه و آله-:اكلكم يحب ان يدخل الجنة؟قالوا:نعم يا رسول الله!
قال:

قصروا من الامل،و اجعلوا آجالكم بين ابصاركم،و استحيوا من الله حق الحياء».و
كان-صلى الله عليه و آله-يقول في دعائه:«اللهم اني اعوذ بك من دنيا تمنع خير
الآخرة،و اعوذ بك من حياة تمنع خير الممات،و اعوذ بك من امل يمنع خير العمل »و
كان-صلى الله عليه و آله-يتيمم مع القدرة على الماء قبل مضي ساعة،و يقول لعلي لا ابلغه.
و قال عيسى-عليه السلام-:

«لا تهتموا برزق غد،فان لم يكن غدا من آجالكم فتاتي ارزاقكم مع آجالكم،و ان لم
يكن غدا من آجالكم فلا تهتموا لارزاق غيركم ».

فصل


(اختلاف الناس في طول الامل)


الناس في طول الامل و قصره مختلفون:(فمنهم)من يامل البقاء و يشتهيه ابدا،كما قال
الله-سبحانه-:

«يود احدهم لو يعمر الف سنة » (25)

و هو الذي انغمر في الدنيا و خاض في لذاتها،و ليس له من الآخرة نصيب.(و منهم)من
يامل البقاء الى اقصى مدة العمر الذي يتصور لاهل عصره،و هو الذي يحب الدنيا حبا
شديدا،و يشتغل بجمع ما يمكنه في هذه المدة،و ربما يجتهد بجمع الازيد منه.(و منهم)من
يامل اقل من ذلك الى ان ينتهي الى من لا يامل ازيد من سنة،فلا يشتغل بتدبير ما
وراءها،و لا يقدر لنفسه وجوده في عام قابل،فان بلغه حمد الله على ذلك،و مثله يستعد
في الصيف للشتاء و في الشتاء للصيف،و اذا جمع ما يكفيه السنة اشتغل بالعبادة.(و
منهم)من يامل اقل من السنة الى ان ينتهي الى من لا يامل ازيد من يوم و ليلة،فلا
يستعد الا لنهاره دون غده.(و منهم)من يكون الموت نصب عينيه،كانه واقع به و هو ينتظره،
و مثله يصلى دائما صلاة المودعين.و روى:«ان النبي-صلى الله عليه و آله-سال بعض
الصحابة عن حقيقة ايمانه،قال:ما خطوت خطوة الا ظننت اني لا اتبعها اخرى ».

و كان بعضهم اذا يصلى يلتفت يمينا و شمالا،و لما قيل له:ما هذا الالتفات؟

قال:«انتظر ملك الموت من اني جهة ياتيني ».

ثم اكثر الخلق-(لا)سيما في امثال زماننا-قد غلبهم طول الامل، بحيث لا يامل اقل من
اقصى مدة السن،و قل فيهم من قصر امله،و العجب انه كلما يزداد السن يزداد طول
الامل،و في عصرنا اكثر المشايخ و المعمرين حرصهم و طول املهم اكثر من الشبان،و
من هنا قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-:«يشيب ابن آدم و تشب فيه خصلتان:
الحرص،و طول الامل ».

و قال-صلى الله عليه و آله-:«حب الشيخ شاب في طلب الدنيا،و ان التقت ترقوتاه من
الكبر،الا الذين اتقوا،و قليل ما هم ».

ثم يعرف طول الامل و قصره بالاعمال:فمن اعتنى بجمع اسباب لا يحتاج اليها في
سنة فهو طويل الامل،و كذلك من انتشرت اموره،بان يكون له مع الناس معاملات و
محاسبات الى مدة معينة،كالسنة و ازيد منها، و كان عليه ديون من الناس كذلك،و مع
ذلك لم يكن مضطربا و لا خائفا فهو طويل الامل.فعلامة قصر الامل:ان يجمع امره بحيث
لا يكون عليه من الناس شي ء،و لا يسعى لطلب قوت الزائد على اربعين يوما،و يصرف
اوقاته في الطاعة و العبادة،و يرى نفسه كمسافر يجتهد في تحصيل الزاد.

فصل


(ذكر الموت مقصر للامل)


ذكر الموت يقصر الامل و يدفع طوله،و يوجب التجافي عن دار الغرور و الاستعداد
لدار الخلود،و لذا ورد في فضيلته و الترغيب فيه اخبار كثيرة،قال رسول الله-صلى
الله عليه و آله-:«اكثروا ذكر هادم اللذات »،قيل:و ما هو يا رسول الله؟!قال:
«الموت،فما ذكره عبد على الحقيقة في منعة الا ضاقت عليه الدنيا،و لا في شدة الا اتسعت
عليه ».و قال -صلى الله عليه و آله-:«تحفة المؤمن الموت ».و قال-صلى الله عليه و آله-:

«الموت كفارة لكل مسلم ».و قيل له-صلى الله عليه و آله-اهل يحشر مع الشهداء احد؟قال:
«نعم!من يذكر الموت في اليوم و الليلة عشرين مرة ».و قال-صلى الله عليه و آله-:
«اكثروا من ذكر الموت،فانه يمحص الذنوب،و يزهد في الدنيا».و قال-صلى الله عليه و
آله-:«كفى بالموت واعظا».و قال-صلى الله عليه و آله-:«الموت الموت،الا و لا بد من
الموت،جاء الموت بما فيه،جاء بالروح و الراحة و الكرة المباركة الى جنة عالية
لاهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم و فيها رغبتهم ».و قال-صلى الله عليه و آله-:
«اذا استحقت ولاية الله و السعادة،جاء الاجل بين العينين و ذهب الامل وراء
الظهر،و اذا استحقت ولاية الشيطان و الشقاوة،جاء الامل بين العينين و ذهب الاجل
وراء الظهر».و ذكر عنده-صلى الله عليه و آله-رجل، فاحسنوا الثناء عليه،فقال-صلى
الله عليه و آله-:«كيف ذكر صاحبكم للموت؟» قالوا:ما كنا نكاد نسمعه يذكر الموت،
قال:«فان صاحبكم ليس هنا لك ».و سئل:

اي المؤمنين اكيس و اكرم؟فقال:«اكثرهم ذكرا للموت،و اشدهم استعدادا له،اولئك
هم الاكياس،ذهبوا بشرف الدنيا و كرامة الآخرة ».و قال الباقر-عليه السلام-:
«اكثروا ذكر الموت،فانه لم يكثر ذكره انسان الازهد في الدنيا».و قال
الصادق-عليه السلام-:«اذا انت حملت جنازة فكن كانك انت المحمول و كانك سالت
ربك الرجوع الى الدنيا ففعل،فانظر ماذا تستانف ».ثم قال-عليه السلام-:«عجبا
لقوم حبس اولهم عن آخرهم،ثم نودي فيهم بالرحيل و هم يلعبون ».و قال-عليه
السلام-لابى بصير-بعد ما شكى اليه الوسواس-:«اذكر يا ابا محمد تقطع اوصالك في
قبرك،و رجوع احبائك عنك اذا دفنوك في حفرتك،و خروج بنات الماء من منخريك،و اكل
الدود لحمك،فان ذلك يسلي عليك ما انت فيه »،قال ابو بصير:فو الله!ما ذكرته الا
سلى عنى ما انا فيه من هم الدنيا.و قال -عليه السلام-:«من كان كفنه معه في بيته
لم يكتب من الغافلين،و كان ماجورا كلما نظر اليه » (26) .و قال-عليه السلام-:«ذكر
الموت يميت الشهوات في النفس،و يقلع منابت الغفلة،و يقوى القلب بمواعد الله،و يرق
الطبع،و يكسر اعلام الهوى،و يطفى نار الحرص،و يحقر الدنيا،و هو معنى ما قال
النبي-صلى الله عليه و آله-:(فكر ساعة خير من عبادة سنة).

و ذلك عند ما يحل اطناب خيام الدنيا و يشدها في الآخرة،و لا ينكر نزول الرحمة عند
ذكر الموت بهذه الصفة،و من لا يعتبر بالموت،و قلة حيلته، و كثرة عجزه،و طول مقامه
في القبر،و تحيره في القيامة،فلا خير فيه.و قال النبي-صلى الله عليه و آله-:
(اكثروا ذكر هادم اللذات...)،ثم ذكر تمام الحديث كما مر...ثم قال-عليه
السلام-:و الموت اول منزل من منازل الآخرة و آخر منزل من منازل الدنيا،فطوبى
لمن اكرم عند النزول باولها،و طوبى لمن حسن مشايعته فى آخرها،و الموت اقرب
الاشياء من بني آدم،و هو بعده ابعد،فما اجرا الانسان على نفسه،و ما اضعفه من خلق،و
في الموت نجاة المخلصين و هلاك المجرمين،و لذلك اشتاق من اشتاق الى الموت
و كره من كره،قال النبي-صلى الله عليه و آله-:(من احب لقاء الله احب الله لقاءه،و من
كره لقاء الله كره الله لقاءه)» (27) .

فصل


(العجب ممن ينسى الموت)


عجبا لقوم نسوا الموت و غفلوا عنه،و هو اظهر اليقينيات و القطعيات في العالم،
و اسرع الاشياء الى بني آدم،قال الله-سبحانه و تعالى-:

«اينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم فى بروج مشيدة » (28) و قال-سبحانه-: «كل
نفس ذائقة الموت و انما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و ادخل
الجنة فقد فاز و ما الحياة الدنيا الا متاع الغرور» (29) .

و قال الصادق-عليه السلام-:«ما خلق الله يقينا لا شك فيه اشبه بشك لا يقين فيه
من الموت ».و قال امير المؤمنين-عليه السلام-:«ما انزل الموت حق منزلته من عد
غدا من اجله ».و قال-عليه السلام-:«لو راى العبد اجله و سرعته اليه،لابغض العمل
من الدنيا».و قال الصادق(ع):

«ما من اهل بيت شعر و لا وبر الا و ملك الموت يتصفحه كل يوم خمس مرات ».و قد تقدمت
اخبار اخر في هذا المعنى.

فصل


(الموت اعظم الدواهي)


اعلم ان الموت داهية من الدواهي العظمى،و من كل داهية اشد و ادهى، و هو من
الاخطار العظيمة،و الاهوال الجسيمة،فمن علم ان الموت مصرعه و التراب مضجعه،
و القبر مقره و بطن الارض مستقره،و الدود انيسه و العقارب و الحيات جليسه،
فجدير ان تطول حسرته و تدوم عبرته،و تنحصر فيه فكرته و تعظم بليته،و تشتد
لاجله رزيته،و يرى نفسه في اصحاب القبور و يعدها من الاموات،اذ كل ما هو آت
قريب،و البعيد ما ليس بآت، و حقيق الا يكون ذكره و فكره و غمه و همه و قوله و فعله و
سعيه وجده الا فيه و له،قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-:«لو ان البهائم يعلمون
ما تعلمون ما اكلتم منها سمينا».او قال-صلى الله عليه و آله-لقوم يتحدثون و
يضحكون:

«اذكروا الموت،اما و الذي نفسي بيده!لو تعلمون ما اعلم لضحكنم قليلا و لبكيتم
كثيرا».و مر-صلى الله عليه و آله-بمجلس قد استعلاه الضحك، فقال:«شوبوا مجلسكم
بذكر مكدر اللذات ».قالوا:و ما مكدر اللذات؟

قال:«الموت ».

ثم غفلة الناس عن الموت لقلة فكرهم فيه و ذكرهم له،و من يذكره ليس يذكره بقلب
فارغ،بل بقلب مشغول بشهوات الدنيا و علائقها،فلا ينفع ذكره في قلبه،فالطريق فيه:
ان يفرغ القلب عن كل شي ء الا عن ذكر الموت الذي بين يديه،كالذي يريد ان يسافر الى
بلد بعيد ما بينهما مفازة مخطرة،او بحر عظيم لا بد ان يركبه،فانه لا يتفكر الا فيه،
و من تفكر في الموت بهذا الطريق و تكرر منه ذلك،لاثر ذكره في قلبه،و عند ذلك يقل
فرحه و سروره بالدنيا،و تنزجر نفسه عنها،و ينكسر قلبه، و يستعد لاجله.و اوقع طريق
فيه:ان يكثر ذكر اقرانه الذين مضوا قبله، و نقلوا من انس العشرة الى وحشة الوحدة.
و من ضياء المهود الى ظلمة اللحود، و من ملاعبة الجواري و الغلمان الى مصاحبة
الهوام و الديدان،و يتذكر مصرعهم تحت التراب،و يتذكر صورهم في مناصبهم و
احوالهم،ثم يتفكر كيف محى التراب الآن حسن صورتهم،و كيف تبددت اجزاؤهم في
قبورهم،و كيف ارملوا نساءهم و ايتموا اولادهم و ضيعوا اموالهم و خلت منهم
مساكنهم و مجالسهم و انقطعت آثارهم و اوحشت ديارهم،فمهما تذكر رجلا رجلا،و
فصل في قلبه حاله و كيفية حياته،و توهم صورته،و تذكر نشاطه و امله في العيش و
البقاء،و نسيانه للموت،و انخداعه بمؤثثات الاسباب،و ركونه الى القوة و
الشباب،و ميله الى الضحك و اللهو،و غفلته عما بين يديه من الموت الذريع و
الهلاك السريع،و انه كيف كان يتردد و الآن قد تهدمت رجلاه و مفاصله،و كيف كان ينطق
و قد اكل الدود لسانه،و كيف كان يضحك و قد اكل التراب اسنانه،و كيف دبر لنفسه
الامور و جمع من حطام الدنيا مالا يتفق احتياجه اليه على مر الاعوام و
الشهور و كر الازمنة و الدهور.ثم يتامل انه مثلهم،و غفلته كغفلتهم،و سيصير حاله في
القبر كحالهم،فملازمة هذه الافكار و امثالها،مع دخول المقابر و تشييع الجنائز
و مشاهدة المرضى، تجدد ذكر الموت في قلبه،حتى يغلب عليه بحيث يصير الموت نصب
عينيه، و عند ذلك ربما يستعد له و يتجافى عن دار الغرور،و اما الذكر بظاهر
القلب و عذبة اللسان فقليل الجدوى في التنبيه و الايقاظ.و مهما طاب قلبه بشي ء من
اسباب الدنيا،فينبغى ان يتذكر في الحال انه لا بد من مفارقته.كما نقل:ان بعض
الاكابر نظر الى داره فاعجبه حسنها،فبكى و قال:و الله لو لا الموت لكنت بها
مسرورا.

1) الاعراف، الاية: 11، ص، الآية: 76.

2) النحل، الآية: 96.

3) الاعلى، الاية: 17.

4) القصص الآية: 60. الشورى، الآية: 36.

5) آل عمران، الآية: 185. الحديد، الآية: 20.

6) لقمان، الآية: 33. فاطر، الآية: 5.

7) الكهف، الآية: 37.

8) المجادلة، الآية: 8.

9) الفجر، الآية: 15-16.

10) المؤمنون، الآية: 56-57.

11) الاعراف، الآية: 181.

12) الانعام، الآية: 44.

13) آل عمران، الآية: 178.

14) الاعراف، الآية: 99.

15) آل عمران، الآية: 54.

16) البقرة، الآية: 218.

17) آل عمران، الآية: 185.

18) السجدة، الآية: 17. الاحقاف، الآية: 14. الواقعة، الآية: 24.

19) النجم، الآية: 39-40.

20) المدثر الآية: 38.

21) الشمس، الآية: 9.

22) الانعام، الآية: 76 و 79.

23) صححناه على مصباح الشريعة-الباب 36.

24) صححنا الحديث على احياء العلوم: 4 384، و هو يرويه عن علي (ع) عن النبي (ص) ، و
لكن فى كنز العمال: 2 169، يرويه: انه من كلام علي (ع) نفسه، مع اختلاف يسير عن
عبارة الاحياء، و عبارة الكنز ابلغ و ارصن، و فيه كلمة (الآخرة) بدل (الدين) ، و نفس
الكلام مع اختلاف يسير ايضا (و هو ابلغ و اعلى من العبارتين) ، مروي في نهج
البلاغة: رقم 41 من باب الخطب، فراجع.

25) البقرة، الآية: 96.

26) صححنا اكثر الاحاديث على الوسائل-ج 1: الباب 23 من ابواب الاستحضار في
كتاب الطهارة-، و على احياء العلوم: 4 283.

27) صححنا الحديث على مصباح الشريعة: الباب 84.

28) النساء، الآية: 77.

29) آل عمران، الآية: 185.

/ 20