جامع السعادات جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

جامع السعادات - جلد 2

محمد مهدی النراقی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



فصل


علاج الحسد


لما علم ان الحسد من الامراض المهلكة للنفوس، فاعلم ان امراض النفوس لا تداوى الا
بالعلم و العمل. و العلم النافع لمرض الحسد ان تعرف انه يضرك في الدين و الدنيا، و
لا يضر محسودك فيهما، بل ينتفع به فيهما.

و مهما عرفت ذلك عن بصيرة و تحقيق، و لم تكن عدو نفسك لا صديق عدوك، فارقت الحسد.

و اما انه يضر بدينك و يؤدى بك الى عذاب الابد و عقاب السرمد فلما علمت من
الآيات و الاخبار الواردة في ذمه و عقوبة صاحبه، و لما عرفت من كون الحاسد
ساخطا لقضاء الله تعالى، و كارها لنعمه التي قسمها لعباده، و منكرا لعدله الذى
اجراه في ملكه. و مثل هذا السخط و الانكار لايجابه الضدية و العناد لخالق العباد،
كاد ان يزيل اصل التوحيد و الايمان فضلا عن الاضرار بهما. على ان الحسد يوجب
الغش و العداوة بالمؤمن، و ترك نصيحته و موالاته و تعظيمه و مراعاته و مفارقة
انبياء الله و اوليائه في حبهم الخير و النعمة له، و مشاركة الشيطان و احزابه في
فرحهم بوقوع المصائب و البلايا عليه، و زوال النعم عنه. و هذه خبائث في النفس، تاكل
الحسنات كما تاكل النار الحطب.

و اما انه يضرك في الدنيا، لانك تتالم و تتعذب به، و لا تزال في تعب و غم و كد و
هم، اذ نعم الله لا تنقطع عن عباده و لا عن اعدائك، فانت تتعذب بكل نعمة تراها لهم،
و تتالم بكل بلية تنصرف عنهم، فتبقى دائما مغموما محزونا، ضيق النفس منشعب القلب،
فانت باختيارك تجر الى نفسك ما تريد لاعدائك و يريد اعداؤك لك. و ما اعجب من
العاقل ان يتعرض لسخط الله و مقته في الآجل، و دوام الضرر و الالم في العاجل
فيهلك دينه و دنياه من غير جدوى و فائدة.

و اما انه لا يضر المحسود في دينه و دنياه فظاهر، لان النعمة لا تزول عنه بحسدك. اذ
ما قدره الله من النعم على عباده لا بد ان يستمر الى وقته و لا ينفع التدبير و الحيلة
في دفعه، لا مانع لما اعطاه و لا راد لما قضاه:

«لكل اجل كتاب » . «و كل شي ء عنده بمقدار» (1) .

و لو كانت النعم تزول بالحسد، لم تبق عليك و على كافة الخلق نعمة، لعدم خلوك و خلوهم
عن الحسد، بل لم تبق نعمة الايمان على المؤمنين، اذ الكفار يحسدونهم، كما قال الله
سبحانه:

«ودت طائفة من اهل الكتاب لو يضلونكم و ما يضلون الا انفسهم و ما يشعرون » (2) .

و لو تصورت زوال النعمة عن محسودك بحسدك، و عدم زوالها عنك بحسد حاسدك، لكنت اجهل
الناس و اشدهم غباوة. نعم، ربما صار حسدك منشا لانتشار فضل المحسود، كما قيل:

و اذا اراد الله نشر فضيلةطويت، اتاح لها لسان حسود فاذا لم تزل نعمته
بحسدك، لم يضره في الدنيا، و لا يكون عليه اثم في الاخرة.

و اما انه ينفعه في الدين، فلذلك ظاهر من حيث كونه مظلوما من جهتك، (لا) سيما
اذا اخرجك الحسد الى ما لا ينبغي من القول و الفعل كالغيبة، و البهتان، و هتك
ستره، و افشاء سره، و القدح فيه، و ذكر مساويه. فتحتمل بهذه الهدايا التي
تهديها اليه بعضا من اوزاره و عصيانه و تنقل شطرا من حسناتك الى ديوانه،
فيلقاك يوم القيامه مفلسا محروما عن الرحمة، كما كنت تلقاه في الدنيا محروما
عن النعمة. فاضفت له نعمة الى نعمة، و لنفسك نقمة الى نقمة.

و اما انه ينفعه في الدنيا، فهو ان اهم اغراض الناس مساءة الاعداء و سوء حالهم، و
كونهم متالمين معذبين. و لا عذاب اشد مما انت فيه من الم الحسد. فقد فعلت بنفسك
ما هو غاية مراد حسادك في الدنيا. و اذا تاملت هذا، عرفت ان كل حاسد عدو نفسه، و
صديق عدوه. فمن تامل في ذلك، و تذكر ما ياتي من فوائد النصيحة و حب الخير و النعمة
للمسلمين، و لم يكن عدو نفسه، فارق الحسد البتة.

و اما العمل النافع فيه، فهو ان يواظب على آثار النصيحة التي هي ضده، بان يصمم
على ان يكلف نفسه بنقيض ما يقتضيه الحسد من قول و فعل، فان بعثه الحسد على التكبر
عليه، الزم نفسه التواضع له، و ان بعثه على غيبته و القدح فيه، كلف لسانه المدح و
الثناء عليه، و ان بعثه على الغش و الخرق بالنسبة اليه، كلف نفسه بحسن البشر و
اللين معه، و ان بعثه على كف الانعام عنه، الزم نفسه زيادته. و مهما فعل ذلك عن
تكلف و كرره و داوم عليه، انقطعت عنه مادة الحسد على التدريج. على ان المحسود
اذا عرف منه ذلك طاب قلبه و احبه، و اذا ظهر حبه للحاسد زال حسده و احبه ايضا،
فتتولد بينهما الموافقة، و ترتفع عنهما مادة المحاسدة و هذا هو المعالجة الكلية
لمطلق مرض الحسد. و العلاج النافع لكل نوع منه، ان يقمع سببه، من خبث النفس و حب
الرئاسة و الكبر و عزة النفس و شدة الحرص و غير ذلك مما ذكر، و علاج كل واحد من هذه
الاسباب ياتي في محله.

تنبيه


القدر الواجب في نفي الحسد


اعلم ان مساواة حسن حال العدو و سوء حاله، و عدم وجدان التفرقة بينهما في النفس،
ليست مما تدخل تحت الاختيار. فالتكليف به تكليف بالمحال. فالواجب في نفي
الحسد و ازالته هو القدر الذي يمكن دفعه، و بيان ذلك-كما اشير اليه-ان الحسد:

(اولا) اما يبعث صاحبه على اظهاره بقول او فعل، بحيث يعرف حسده من آثاره
الاختيارية، و لا ريب في كونه مذموما محرما، و كون صاحيه عاصيا آثما، لا لمجرد
آثاره الظاهرة التي هي الغيبة و البهتان مثلا، اذ هي افعال صادرة عن الحسد،
محلها الجوارح، و ليست عين الحسد، اذ هو صفة للقلب لا صفة للفعل، و محله القلب دون
الجوارح، قال الله سبحانه:

«و لا يجدون في صدوهم حاجة مما اوتوا» (3) . و قال:

«و دوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء» (4) . و قال:

«ان تمسسكم حسنة تسؤهم » (5) .

فلو كان الاثم على مجرد افعال الجوارح، لم يكن اصل الحسد الذى هو صفة القلب
معصية، و الامر ليس كذلك، فيكون عاصيا لنفس الحسد الذي فى قلبه ايضا، اعني
ارتياحه بزوال النعمة مع عدم كراهة ذلك من نفسه. و الاثم حقيقة على عدم كراهته و
عدم مقته و قهره على نفسه لهذا الارتياح الذي يجده منها، لكونه اختياريا ممكن
الزوال، لا على نفس الارتياح و الاهتزاز، لما اشير اليه من انه طبيعي غير ممكن
الدفع لكل احد فهذا القسم من الحسد اشد انواعه، لترتب معصيته على اصله، و اخرى
على ما يصدر عنه من آثاره المذمومة.

(ثانيا) اولا يبعثه على اظهاره بالآثار القولية و الفعلية، بل يكف ظاهره عنها، الا
انه بباطنه يحب زوال النعمة من دون كراهة في نفسه لهذه الحالة. و لا ريب في كونه
مذموما محرما ايضا، لانه كسابقه بعينه و لا فرق الا في انه لا تصدر منه الاثار
الفعلية و القولية الظاهرة، فهو ليس بمظلمة بحسب الاستحلال منها، بل معصية بينه و
بين الله، لان الاستحلال انما هو من الافعال الظاهرة الصادرة من الجوارح.

(ثالثا) اولا يبعثه على الاثار الذميمة الظاهرة، و مع ذلك يلزم قلبه كراهة ما
يترشح منه طبعا من حب زوال النعمة، حتى انه يمقت نفسه و يقهرها على هذه الحالة
التي رسخت فيها. و الظاهر عدم ترتب الاثم عليه اذ تكون كراهته التى من جهة
العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع، فقد ادى الواجب عليه. و اصل الميل الطبيعي لا
يدخل تحت الاختيار غالبا، اذ تغير الطبع بحيث يستوى عنده المحسن و المسي ء، و
عدم التفرقة بين ما يصل منهما اليه من النعمة و البلية، ليس شريعة لكل وارد. نعم من
تنور قلبه بمعرفة ربه، و اشرقت نفسه باضواء حبه و انسه، و صار مستغرقا بحب الله
تعالى مثل الشكران الواله، و استشعر بالارتباط الخاص الذي بين العلة و المعلول،
و الاتحاد الذي بين الخالق و المخلوق، و علم انه اقوى النسب و الروابط، ثم تيقن
بان الموجودات باسرها من رشحات وجوده، و الكائنات برمتها صادرة عن فيضه
وجوده، و ان الاعيان الممكنة متساوية في ارتضاع لبان الوجود من ثدى واحدة، و
الحقائق الكونية غير متفاوتة في شرب ماء الرحمة و الجود من مشرع الوحدة
الحقيقية-فقد ينتهى امره الى الا تلتفت نفسه الى تفاصيل احوال العباد، بل ينظر
الى الكل بعين واحدة، و هي عين الرحمة، و يرى الكل عبادا لله و افعاله، و يراهم
مسخرين له، فلا ينظر الى شي ء بعين السخط و المساءة، و ان ورد منه ما ورد من السوء و
البلية، لانه ينظر اليه من حيث هو حتى يظهر التفاوت بل من حيث انتسابه اليه
سبحانه، و الكل فى الانتساب اليه سواء.

ثم من الناس من ذهب الى انه لا اثم على الحسد ما لم تظهر آثاره على الجوارح،
و على هذا ينحصر الحسد المحرم في القسم الاول. و احتج على ما ذهب اليه بما
ذكرناه من قوله-صلى الله عليه و آله-: «ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن: الحسد. . . » ، و
بقوله-صلى الله عليه و آله-:

ثلاث في المؤمن له منهن مخرج، و مخرجه من الحسد الا يبغي » و الصحيح ان تحمل
امثال هذه الاخبار على القسم الثالث، و هو ما يكون فيه ارتياح النفس بزوال
النعمة طبعا مع كراهة له من جهة العقل و الدين، حتى تكون هذه الكراهة في مقابلة حب
الطبع. اذ اخبار ذم الحسد تدل بظاهرها على ان كل حاسد آثم، و الحسد عبارة عن
صفة القلب لا عن الافعال الظاهرة. و على هذا المذهب، لا يكون اثم على صفة القلب، بل
انما يكون على مجرد الافعال الظاهرة على الجوارح.

ففد اتضح بما ذكر، ان الاحوال المتصورة لكل احد بالنسبة الى اعدائه ثلاثة:
الاولى: ان يحب مساعتهم، و يظهر الفرح بمساءتهم بلسانه و جوارحه، او يظهر ما
يؤذيهم قولا او فعلا، و هذا محظور محرم قطعا، و صاحبه عاص آثم جزما. الثانية: ان
يحب مساعتهم طبعا، و لكن يكره حبه لذلك بعقله، و يمقت نفسه عليه، و لو كانت له حيلة
في ازالة ذلك الميل لازاله. و هذا معفو عنه وفاقا، و فاعله غير آثم اجماعا.
الثالثة: و هى ما بين الاوليين: ان يحسد بالقلب من غير مقته لنفسه على حسده، و من
غير افكار منه على قلبه، و لكن يحفظ جوارحه عن صدور آثار الحسد عنها، و هذا محل
الخلاف. و قد عرفت ما هو الحق فيه.

وصل


النصيحة


قد عرفت ان ضد الحقد و الحسد (النصيحة) ، و هي ارادة بقاء نعمة الله للمسلمين، و كراهة
وصول الشر اليهم. و قد تطلق في الاخبار على ارشادهم الى ما فيه مصلحتهم و
غبطتهم، و هو لازم للمعنى الاول.

فينبغي ان نشير الى فوائدها و ما ورد في مدحها، تحريكا للطالبين على المواظبة
عليها ليرتفع بها ضدها.

اعلم ان من احب الخير و النعمة للمسلمين كان شريكا في الخير، بمعنى انه في
الثواب كالمنعم و فاعل الخير. و قد ثبت من الاخبار، ان من لم يدرك درجة الاخيار
بصالحات الاعمال، و لكنه احبهم، يكون يوم القيامة محشورا معهم، كما ورد: «ان
المرء يحشر مع من احب » . و قال اعرابي لرسول الله: «الرجل يحب القوم و لما يلحق
بهم. فقال صلى الله عليه و آله: المرء مع من احب » و قال رجل بحضرة النبي-بعد ما
ذكرت الساعة-: «ما اعددت لها من كثير صلاة و لا صيام، الا انى احب الله و
رسوله. فقال-صلى الله عليه و آله-انت مع من احببت » ، قال الراوي: فما فرح
المسلمون بعد اسلامهم كفرحهم يومئذ، اذ اكثر ثقتهم كانت بحب الله و بحب رسوله. و
روى: «انه قيل له صلى الله عليه و آله: الرجل يحب المصلين و لا يصلى، و يحب الصوام
و لا يصوم -حتى عد اشياء-فقال: هو مع من احب » . و بهذا المضمون وردت اخبار
كثيرة.

و الاخبار الواردة في مدح خصوص النصيحة و ذم تركها، و في ثواب ترك الحسد و عظم
فوائده، اكثر من ان تحصى. عن ابي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله-صلى
الله عليه و آله-: ان اعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة امشاهم في ارضه
بالنصيحة لخلقه » . و عن ابي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله:
لينصح الرجل منكم اخاه كنصيحته لنفسه » . و قال الباقر-عليه السلام-: «يجب للمؤمن
على المؤمن النصيحة » . و قال الصادق عليه السلام: «يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة
له في المشهد و المغيب » . و قال عليه السلام: «عليك بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه
بعمل افضل منه » ، و بمضمونها اخبار.

و عن ابي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: من سعى
في حاجة لاخيه فلم ينصحه، فقد خان الله و رسوله »

و قال الصادق-عليه السلام-: «من مشى في حاجة اخيه، ثم لم يناصحه فيها، كان كمن
خان الله و رسوله، و كان الله خصمه » (6) .

و الاخبار الاخر بهذا المضمون ايضا كثيرة.

و روى: «ان رسول الله-صلى الله عليه و آله-شهد لرجل من من الانصار بانه من اهل
الجنة » ، و كان باعثه-بعد التفتيش-خلوه عن الغش و الحسد على خير اعطى احدا من
المسلمين. و روى: «ان موسى-عليه السلام-لما تعجل الى ربه، راى في ظل العرش رجلا،
فغبطه بمكانه، و قال: ان هذا لكريم على ربه. فسال ربه ان يخبر باسمه فلم يخبره
باسمه، و قال: احدثك عن عمله: كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، و
كان لا يعق و الديه، و لا يمشى بالنميمة » .

و غاية النصيحة، ان يحب لاخيه ما يحب لنفسه، قال رسول الله -صلى الله عليه و آله-:
«المؤمن يحب للمؤمن ما يحب لنفسه » . و قال صلى الله عليه و آله: «لا يؤمن احدكم حتى
يحب لاخيه ما يحب لنفسه » .

و قال صلى الله عليه و آله: «ان احدكم مرآة اخيه، فاذا راى به شيئا فليمط عنه
هذا» .

و منها:

الايذاء و الاهانة و الاحتقار


و لا ريب في كون ذلك في الغالب مترتبا على العداوة و الحسد، و ان ترتب بعض
افرادها في بعض الاحيان على مجرد الطمع او الحرص ليكون من رداءة القوة
الشهوية، او على مجرد الغضب و سوء الخلق و الكبر، و ان لم يكن حقد و حسد. و على اي
تقدير، لا شبهة في ان الايذاء للمؤمن و احتقاره محرم في الشريعة، موجب للهلاك الابدي
قال الله سبحانه:

«و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و
اثما مبينا» (7) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «من آذى مؤمنا فقد آذاني، و من آذاني فقد
آذى الله، و من آذى الله فهو ملعون في التوراة و الانجيل و الزبور و الفرقان » .
و في خبر آخر: «فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس اجمعين » (8) . و قال صلى الله عليه و
آله: «المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه » . و قال صلى الله عليه و آله: «لا يحل
للمسلم ان يشير الى اخيه بنظرة تؤذيه » . و قال-صلى الله عليه و آله- «الا انبئكم
بالمؤمن! من ائتمنه المؤمنون على انفسهم و اموالهم. الا انبئكم بالمسلم!

من سلم المسلمون من لسانه و يده. و المؤمن حرام على المؤمن ان يظلمه او يخذله
او يغتابه او يدفعه دفعة » . و قال الصادق عليه السلام: «قال الله عز و جل: «لياذن
بحرب منى من آذى عبدى المؤمن » . و قال عليه السلام: «اذا كان يوم القيامة، نادى
مناد: اين المؤذون لاوليائي؟

فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين و نصبوا لهم
و عاندوهم و عنفوهم في دينهم. ثم يؤمر بهم الى جهنم » .

و قال-عليه السلام-: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: قال الله تبارك و تعالى.
من اهان لي وليا فقد ارصد لمحاربتي » و قال-عليه السلام-: «ان الله تبارك و تعالى
يقول: من اهان لي وليا فقد ارصد لمحاربتي، و انا اسرع شي ء الى نصرة اوليائي » . و قال
عليه السلام:

«قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: قال الله عز و جل: قد نابذني من اذل عبدي
المؤمن » . و قال عليه السلام: «من حقر مؤمنا مسكينا او غير مسكين، لم يزل الله عز و
جل حاقرا له ماقتا، حتى يرجع عن محقرته اياه » (9) . و في معناها اخبار كثيرة آخر.

و من عرف النسبة التي بين العلة و المعلول، و الربط الخاص الذي بين الخالق و
المخلوق، يعلم ان ايذاء العباد و اهانتهم يرجع في الحقيقة الى ايذاء الله و
اهانته، و كفاه بذلك ذما. فيجب على كل عاقل ان يكون دائما متذكرا لذم ايذاء
المسلمين و احتقارهم، و لمدح ضدهما، من رفع الاذية عنهم و اكرامهم-كما ياتي-، و
يحافظ نفسه عن ارتكابهما، لئلا يفتضح فى الدنيا و يعذب في الآخرة.

وصل


كف الاذى عن المسلمين


لا ريب في فضيلة اضداد ما ذكر و فوائدها، من كف الاذى عن المؤمنين و المسلمين
و اكرامهم و تعظيمهم. و الظواهر الواردة في مدح دفع الضرر و كف الاذى عن
الناس كثيرة، كقول النبي-صلى الله عليه و آله-:

«من رد عن قوم من المسلمين عادية ماء او نار وجبت له الجنة » (10)

و قوله-صلى الله عليه و آله-: «افضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه و يده » . و
قوله-صلى الله عليه و آله-في حديث طويل امر فيه بالفضائل: «. . . فان لم تقدر فدع
الناس من الشر، فانها صدقة تصدقت بها على نفسك » . و قوله-صلى الله عليه و آله- «رايت
رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها عن ظهر الطريق كانت تؤذى المسلمين » . و قال
صلى الله عليه و آله: «من زحزح من طريق المسلمين شيئا يؤذيهم، كتب الله له به حسنة
اوجب له بها الجنة » (11) .

و كذا الاخبار التي وردت في مدح اكرام المؤمن و تعظيمه كثيرة.

قال الصادق-عليه السلام-: «قال الله سبحانه: ليامن غضبي من اكرم عبدي المؤمن » .
و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «من اكرم اخاه المسلم بكلمة يلطفه بها، و
فرج عنه كربته، لم يزل في ظل الله الممدود، و عليه الرحمة ما كان في ذلك » . و قال
صلى الله عليه و آله «ما في امتي عبد الطف اخاه في الله بشي ء من لطف، الا اخدمه
الله من خدم الجنة » . و قال صلى الله عليه و آله: «ايما مسلم خدم قوما من
المسلمين الا اعطاه الله مثل عددهم خداما في الجنة » . و قال الصادق -عليه
السلام-: «من اخذ من وجه اخيه المؤمن قذاة، كتب الله عز و جل له عشرة حسنات، و
من تبسم في وجه اخيه كانت له حسنة »

و قال-عليه السلام-: «من قال لاخيه: مرحبا، كتب الله له مرحبا الى يوم
القيامة » . و قال عليه السلام: «من اتاه اخوه المؤمن فاكرمه، فانما اكرم
الله عز و جل » . و قال عليه السلام لاسحاق بن عمار: «احسن يا اسحاق الى اوليائى
ما استطعت، فما احسن مؤمن الى مؤمن و لا اعانه الا خمش وجه ابليس و قرح قلبه » (12) .

ثم ينبغي تخصيص بعض طبقات الناس بزيادة التعظيم و الاكرام، كاهل العلم و الورع،
لما ورد من الحث الاكيد في الاخبار على اكرامهم و الاحسان اليهم، و كذا
ينبغي تخصيص ذي الشيبة المسلم بزيادة التوقير و التكريم، و قد ورد ذلك في
الاخبار الكثيرة، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «من عرف فضل كبير لسنه
فوقره، آمنه الله من فزع يوم القيامة » . و قال الصادق-عليه السلام-: «ان من اجلال
الله عز و جل اجلال الشيخ الكبير» . و قال عليه السلام-: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا
و يرحم صغيرنا» . و الاخبار في هذا المضمون كثيرة.

و كذا ينبغي تخصيص كريم القوم بزيادة الاكرام، لقول النبي-صلى الله عليه و آله-
«اذا اتاكم كريم قوم فاكرموه » (13) .

و كذا تخصيص الذرية العلوية بزيادة الاكرام و التعظيم. قال رسول الله صلى الله
عليه و آله: «حقت شفاعتي لمن اعان ذريتي بيده و لسانه و ماله » . و قال-صلى الله عليه
و آله-: «اربعة انالهم شفيع يوم القيامة:

المكرم لذريتي، و القاضي لهم حوائجهم، و الساعي لهم في امورهم عندما اضطروا
اليه، و المحب لهم بقلبه و لسانه » (14) . و قال صلى الله عليه و آله «اكرموا اولادى، و
حسنوا آدابي » . و قال صلى الله عليه و آله «اكرموا اولادى، الصالحون لله و
الصالحون لي » . و الاخبار في فضل السادات و ثواب من يكرمهم و يعينهم اكثر من
ان تحصى.

و اضرار المسلم قريب من معنى ايذائه، و ربما كان الاضرار اخص منه، فما يدل على
ذمه يدل على ذمه، كقول النبي-صلى الله عليه و آله- «خصلتان ليس فوقهما شي ء من الشر:
الشرك بالله تعالى، و الضر بعباد الله » . و كذا ضده، اعني ايصال النفع اليه، قريب من
معنى ضده و اخص منه. فما يدل على مدحه يدل على مدحه. و لا ريب في ان ايصال النفع الى
المؤمنين من شرائف الصفات و الافعال. و الاخبار الواردة في فضيلته كثيرة،
قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «الخلق عيال الله، فاحب الخلق الى الله من نفع
عيال الله و ادخل على اهل بيته سرورا» . و سئل صلى الله عليه و آله: «من احب الناس
الى الله؟ قال: انفع الناس للناس » (15)

و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «خصلتان من الخير ليس فوقهما شي ء من البر:
الايمان بالله، و النفع لعباد الله » .

تنبيه


ذم الظلم بالمعنى الاخص


اعلم ان الظلم قد يراد به ما هو ضد العدالة، و هو التعدى عن الوسط في اى شي ء كان، و هو
جامع للرذائل باسرها-كما اشير اليه-و هذا هو الظلم بالمعنى الاعم، و قد يطلق عليه
الجور ايضا، و قد يراد به ما يرادف الاضرار و الايذاء بالغير، و هو يتناول قتله
و ضربه و شتمه و قذفه و غيبته و اخذ ماله قهرا و نهبا و غصبا و سرقة و غير ذلك من
الاقوال و الافعال المؤذية. و هذا هو الظلم بالمعنى الاخص، و هو المراد اذا
اطلق في الآيات و الاخبار و في عرف الناس. و باعثه ان كانت العداوة و الحسد،
يكون من رذائل قوة الغضب، و ان كان الحرص و الطمع في المال، يكون من رذائل قوة
الشهوة. و هو اعظم المعاصي و اشدها عذابا باتفاق جميع الطوائف و يدل على ذمه-بعد
ما ورد في ذم كل واحد من الامور المندرجة تحته كما ياتي بعضها-ما تكرر في
القرآن من اللعن على الظالمين، و كفاه ذما انه تعالى قال في مقام ذم الشرك:

«ان الشرك لظلم عظيم » (16) . و قال: «انما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في
الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب اليم » (17) . و قال: «و لا تحسبن الله غافلا عما
يعمل الظالمون » (18) . و قال: «و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون » (19) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «ان اهون الخلق على الله، من ولي امر
المسلمين فلم يعدل لهم » . و قال-صلى الله عليه و آله- «جور ساعة في حكم، اشد و اعظم عند
الله من معاصي تسعين سنة » .

و قال-صلى الله عليه و آله-: «اتقوا الظلم، فانه ظلمات يوم القيامة »

و قال صلى الله عليه و آله: «من خاف القصاص، كف عن ظلم الناس »

و روى: «انه تعالى اوحى الى داود: قل للظالمين لا تذكروني، فان حقا علي ان اذكر
من ذكرنى، و ان ذكرى اياهم ان العنهم » . و قال علي ابن الحسين-عليهما
السلام-لابنه ابي جعفر-عليه السلام-حين حضرته الوفاة: «يا بني، اياك و ظلم من لا
يجد عليك ناصرا الا الله » . و قال ابو جعفر-عليه السلام-: «ما من احد يظلم بمظلمة
الا اخذه الله تعالى بها في نفسه او ماله » . و قال رجل له-عليه السلام-: «اني كنت
من الولاة، فهل لي من توبة؟ فقال: لا! حتى تؤدي الى كل ذي حق حقه » . و قال-عليه
السلام-: «الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله تعالى، و ظلم لا يغفره الله تعالى، و ظلم لا
يدعه الله. فاما الظلم الذي لا يغفره الله عز و جل فالشرك، و اما الظلم الذي يغفره
الله عز و جل فظلم الرجل نفسه فيما بينه و بين الله عز و جل، و اما الظلم الذي لا
يدعه فالمداينة بين العباد»

و قال الصادق-عليه السلام-في قوله تعالى:

«ان ربك لبالمرصاد» (20) .

«قنطرة على الصراط، لا يجوزها عبد بمظلمة » . و قال عليه السلام «ما من مظلمة اشد من
مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا الا الله تعالى »

و قال: «من اكل مال اخيه ظلما، و لم يرده اليه، اكل جذوة من النار يوم القيامة » .
و قال-عليه السلام-: «ان الله عز و جل اوحى الى نبي من انبيائه في مملكة جبار من
الجبارين: ان ائت هذا الجبار، فقل له: اني لم استعملك على سفك الدماء و اتخاذ
الاموال، و انما استعملتك لتكف عنى اصوات المظلومين، فاني لن ادع ظلامتهم و
ان كانوا كفارا»

و قال عليه السلام: «اما ان المظلوم ياخذ من دين الظالم اكثر مما ياخذ
الظالم من مال المظلوم. . . ثم قال: من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر اذا فعل به.
اما انه يحصد ابن آدم ما يزرع. و ليس يحصد احد من المر حلوا، و لا من الحلو مرا» .
و قال عليه السلام: «من ظلم، سلط الله عليه من يظلمه، او على عقبه او على عقب عقبه »
قال الراوى: «قلت هو يظلم، فيسلط الله على عقبه او على عقب عقبه؟ ! قال: فان الله
تعالى يقول:

«و ليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله و
ليقولوا قولا سديدا» (21) .

و الظاهر ان مؤاخذة الاولاد بظلم آبائهم انما هو في الاولاد الذين كانوا
راضين بفعل آبائهم، او وصل اليهم اثر ظلمهم، اى انتقل اليهم منهم بعض اموال
المظلومين. و قال بعض العلماء: الوجه في ذلك: ان الدنيا دار مكافاة و انتقام،
وان كان بعض ذلك مما يؤخر الى الآخرة.

و فائدة ذلك اما بالنسبة الى الظالم فانه يردعه عن الظلم اذا سمع، و اما
بالنسبة الى المظلوم فانه يستبشر بنيل الانتقام في الدنيا مع نيله ثواب
الظلم الواقع عليه في الآخرة، فانه ما ظفر احد بخير مما ظفر به المظلوم، لانه
ياخذ من دين الظالم اكثر مما اخذ الظالم من ماله، كما تقدم، و هذا مما يصحح
الانتقام من عقب الظلم او عقب عقبه، فانه و ان كان في صورة الظلم، لانه انتقام
من غير اهله، مع انه لا تزر وازرة وزر اخرى، الا انه نعمة من الله عليه في المعنى من
جهة ثوابه في الدارين، فان ثواب المظلوم في الآخرة اكثر مما جرى عليه من
الظلم في الدنيا.

ثم ان معين الظالم، و الراضي بفعله، و الساعى له في قضاء حوائجه و حصول مقاصده،
كالظالم بعينه في الاثم و العقوبة. قال الصادق عليه السلام: «العالم بالظلم، و
المعين له، و الراضى به، شركاء ثلاثتهم » .

و قال عليه السلام: «من عذر ظالما بظلمه، سلط الله عليه من يظلمه، فان دعا لم
يستجب له، و لم ياجره الله على ظلامته » . و قال رسول الله -صلى الله عليه و آله-:
«شر الناس المثلث؟ » ، قيل: و ما المثلث قال: «الذى يسعى باخيه الى السلطان،
فيهلك نفسه، و يهلك اخاه، و يهلك السلطان » . و قال صلى الله عليه و آله-: «من مشى مع
ظالم فقد اجرم » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «اذا كان يوم القيامة، نادى مناد:
اين الظلمة و اعوان الظلمة و من لاق لهم دواة او ربط لهم كيسا او مدهم بمدة قلم؟
فاحشروهم معهم » .

وصل


العدل بالمعنى الاخص


ضد الظلم بالمعنى الاخص هو العدل بالمعنى الاخص، و هو الكف عنه، و رفعه، و الاستقامة،
و اقامة كل احد على حقه. و العدل بهذا المعنى هو المراد عند اطلاقه في الآيات و
الاخبار، و فضيلته اكثر من ان تحصى. قال الله سبحانه:

«ان الله يامر بالعدل و الاحسان. . . » (22) . و قال:

«ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها و اذا حكمتم بين الناس ان
تحكموا بالعدل » (23) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة قيام
ليلها و صيام نهارها» و قال الصادق عليه السلام:

«من اصبح و لا يهم بظلم احد، غفر له ما اجترم » . و قال عليه السلام «من اصبح لا
ينوى ظلم احد، غفر الله تعالى له ذنب ذلك اليوم، ما لم يسفك دما او ياكل مال
يتيم حراما» و قال-عليه السلام-: «العدل احلى من الماء يصيبه الظمآن. ما اوسع
العدل اذا عدل فيه، و ان قل » .

و قال عليه السلام: «العدل احلى من الشهد، و الين من الزبد، و اطيب ريحا من
المسك » . و قال-عليه السلام-: «اتقوا الله و اعدلوا، فانكم تعيبون على قوم لا
يعدلون » (24) .

و مما يدل على فضيلة العدل بهذا المعنى ما ورد في ثواب رد المظالم.

قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «درهم يرده العبد الى الخصماء خير له من
عبادة الف سنة، و خير له من عتق الف رقبة، و خير له من الف حجة و عمرة » . و قال-صلى
الله عليه و آله-: «من رد درهما الى الخصماء، اعتق الله رقبته من النار، و اعطاه
بكل دانق ثواب نبي، و بكل درهم ثواب مدينة في الجنة من درة حمراء» . و قال صلى الله
عليه و آله «من رد ادنى شي ء الى الخصماء، جعل الله بينه و بين النار سترا كما بين
السماء و الارض، و يكون في عداد الشهداء» . و قال صلى الله عليه و آله:

«من ارضى الخصماء من نفسه، و جبت له الجنة بغير حساب، و يكون في الجنة رفيق
اسماعيل بن ابراهيم » . و قال-صلى الله عليه و آله-:

«ان في الجنة مدائن من نور، و على المدائن ابواب من ذهب مكللة بالدر و الياقوت، و
في جوف المدائن قباب من مسك و زعفران، من نظر الى تلك المدائن يتمنى ان تكون له
مدينة منها» . قالوا: يا نبي الله، لمن هذه المدائن؟ قال: «للتائبين النادمين،
المرضين الخصماء من انفسهم.

فان العبد اذا رد درهما الى الخصماء، اكرمه الله كرامة سبعين شهيدا.

فان درهما يرده العبد الى الخصماء خير له من صيام النهار و قيام الليل.

و من رد درهما ناداه ملك من تحت العرش: استانف العمل، فقد غفر لك ما تقدم من
ذنبك » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «من مات غير تائب، زفرت جهنم في وجهه ثلاث
زفرات، فاولاها لا تبقى دمعة الا جرت من عينيه، و الزفرة الثانية لا يبقى دم
الا خرج من منخريه، و الزفرة الثالثة لا يبقى قيح الا خرج من فمه. فرحم الله من
تاب، ثم ارضى الخصماء، فمن فعل فانا كفيله بالجنة » . و قال-صلى الله عليه و آله-
«لرد دانق من حرام يعدل عند الله سبعين الف حجة مبرورة » (25) .

و منها:

اخافة المؤمن


و ادخال الكرب في قلبه. و هما شعبتان من الايذاء و الاضرار، فيترتبان غالبا
على العداوة و الحسد، و قد يترتبان على مجرد الغضب او سوء الخلق او الطمع، و هما
من رذائل الافعال، و الاخبار الواردة في ذمهما كثيرة، كقول النبي-صلى الله
عليه و آله-: «من نظر الى مؤمن نظرة ليخيفه بها، اخافه الله تعالى يوم لا ظل الا
ظله » . و قول الصادق عليه السلام: «من روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فاصابه
فهو مع فرعون و آل فرعون في النار» . و قوله-عليه السلام-: «من ادخل السرور على
مؤمن فقد ادخله على رسول الله-صلى الله عليه و آله-و من ادخله على رسول الله-صلى
الله عليه و آله-فقد وصل ذلك الى الله، و كذلك من ادخل عليه كربا» (26) . و الاخبار
الواردة في هذا المعنى كثيرة

وصل


ادخال السرور في قلب المؤمن


و ضد ذلك ازالة الخوف عنه، و تفريج كربه. و ادخال السرور في قلبه. و هي من اعظم شعب
النصيحة، و لا حد للثواب المترتب عليها، كما نطقت به الاخبار. قال رسول الله صلى
الله عليه و آله: «من حمى مؤمنا من ظالم، بعث الله له ملكا يوم القيامة يحمى لحمه
من نار جهنم » .

و قال صلى الله عليه و آله: «من فرج عن مغموم او اعان مظلوما، غفر الله له ثلاثا
و سبعين مغفرة » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «انصر اخاك ظالما او مظلوما» ، فقيل:
كيف ينصره ظالما؟ قال: «تمنعه من الظلم » . و قال الامام ابو عبد الله الصادق-عليه
السلام-: «من اغاث اخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده، فنفس كربته و اعانه
على نجاح حاجته، كتب الله تعالى له بذلك اثنتين و سبعين رحمة من الله، يعجل
له منها واحدة يصلح بها امر معيشته، و يدخر له احدى و سبعين رحمة لافزاع يوم
القيامة و اهواله » . و قال-عليه السلام-: «من نفس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه كرب
الآخرة، و خرج من قبره و هو ثلج الفؤاد»

و قال الرضا عليه السلام: «من فرج عن مؤمن، فرج الله قلبه يوم القيامة » . و قال
رسول الله صلى الله عليه و آله: «من سر مؤمنا فقد سرني، و من سرني فقد سر الله » . و عن
ابي عبد الله عليه السلام-قال:

«قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: ان احب الاعمال الى الله عز و جل ادخال
السرور على المؤمنين » . و قال الباقر-عليه السلام-:

«تبسم الرجل في وجه اخيه حسنة، و صرفه القذى عنه حسنة، و ما عبد الله بشي ء احب الى
الله من ادخال السرور على المؤمن » . و قال-عليه السلام- «ان فيما ناجى الله عز
و جل به عبده موسى عليه السلام: قال: ان لي عبادا ابيحهم جنتى و احكمهم فيها،
قال: يا رب، و من هؤلاء الذين تبيحهم جنتك و تحكمهم فيها؟ قال: من ادخل على مؤمن
سرورا. . .

ثم قال: ان مؤمنا كان في مملكة جبار، فولع به، فهرب منه الى دار الشرك، فنزل برجل
من اهل الشرك فاظله و ارفقه و اضافه، فلما حضره الموت، اوحى الله اليه: و عزتي و
جلالى! لو كان لك في جنتي مسكن لاسكنتك فيها، و لكنها محرمة على من مات مشركا بى،
و لكن يا نار هيديه و لا تؤذيه، و يؤتى برزقه طرفي النهار» ، قلت (27) : من الجنة؟

قال: «من حيثما شاء الله » . و قال عليه: «لا يرى احدكم اذا ادخل على مؤمن سرورا انه
عليه ادخله فقط، بل و الله علينا، بل و الله على رسول الله-صلى الله عليه و آله! -. عن
ابان بن تغلب، قال: «سالت ابا عبد الله عليه السلام عن حق المؤمن على المؤمن.
فقال: حق المؤمن على المؤمن اعظم من ذلك، لو حدثتكم لكفرتم. ان المؤمن اذا خرج
من قبره خرج معه مثال من قبره يقول له: ابشر بالكرامة من الله و السرور فيقول له:
بشرك الله بخير. قال: ثم يمضي معه يبشره بمثل ما قال، و اذا مر بهول قال: ليس هذا لك،
و اذا مر بخير قال: هذا لك. فلا يزال معه، يؤمنه مما يخاف و يبشره بما يحب، حتى يقف
معه بين يدى الله عز و جل. فاذا امر به الى الجنة، قال له المثال: ابشر فان الله
عز و جل قد امر بك الى الجنة. قال: فيقول: من انت رحمك الله؟ تبشرنى من حين خرجت
من قبرى، و آنستنى في طريقى، و خبرتني عن ربى! قال فيقول: انا السرور الذي كنت
تدخله على اخوانك في الدنيا، خلقت منه لا بشرك و اونس وحشتك » . و روى ابن سنان، قال:
«كان رجل عند ابى عبد الله عليه السلام، فقرا هذه الآية:

«و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و
اثما مبينا» (28) .

فقال ابو عبد الله-عليه السلام-: فما ثواب من ادخل عليه السرور فقلت: جعلت
فداك! عشر حسنات. قال: اى و الله و الف الف حسنة! » (29) .

و منها:

ترك اعانة المسلمين


و عدم الاهتمام بامورهم. فان من يعادى غيره او يحاسده يترك اعانته و لا يهتم
باموره، و ربما كان ذلك من نتائج الكسالة بها، او ضعف النفس او البخل. و بالجملة:
لا ريب فى كونه من رذائل الصفات، و دليلا على ضعف الايمان. و ما ورد في ذمه من
الاخبار كثير، قال الباقر عليه السلام:

«من بخل بمعونة اخيه المسلم و القيام له في حاجة، الا ابتلى بالقيام بمعونة من
ياثم عليه و لا يؤجر» . و قال الصادق-عليه السلام-: «ايما رجل من شيعتنا اتاه رجل
من اخوانه، فاستعان به في حاجة فلم يعنه، و هو يقدر، الا ابتلاه الله تعالى بان
يقضي حوائج عدة من اعدائنا، يعذبه الله عليها يوم القيامة » . و قال-عليه السلام-:
«ايما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج اليه و هو يقدر عليه من عنده او من عند غيره،
اقامه الله عز و جل يوم القيامة مسودا وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه الى عنقه
فيقال: هذا الخائن الذى خان الله و رسوله، ثم يؤمر به الى النار» و قال -عليه
السلام-: «من كانت له دار، فاحتاج مؤمن الى سكناها، فمنعه اياها، قال الله
تعالى: يا ملائكتي، ابخل عبدى على عبدى بسكنى الدنيا؟ و عزتى و جلالي! لا يسكن جناتى
ابدا» . و قال-عليه السلام-لنفر عنده: «مالكم تستخفون بنا؟ » ، فقام اليه رجل من اهل
خراسان، فقال: معاذ لوجه الله ان نستخف بك او بشي ء من امرك! فقال:

«انك احد من استخف بي » ، فقال: معاذ لوجه الله ان استخف بك فقال له: «ويحك! ا لم
تسمع فلانا، و نحن بقرب الجحفة، و هو يقول لك: احملني قدر ميل، فقد و الله اعبيت. و
الله ما رفعت به راسا، لقد استخففت به. و من استخف بمؤمن فبنا استخف، وضيع حرمة
الله عز و جل (30) . و قال عليه السلام: «من اتاه اخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم
يقضها له، سلط الله عليه شجاعا ينهش ابهامه فى قبره الى يوم القيامة مغفورا له
او معذبا» . و قال ابو الحسن عليه السلام:

«من قصد اليه رجل من اخوانه مستجيرا به في بعض احواله، فلم يجره بعد ان يقدر
عليه، فقد قطع ولاية الله عز و جل » . و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «من اصبح
لايهتم بامور المسلمين فليس بمسلم » .

و قال صلى الله عليه و آله: «من اصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس منهم و من سمع
رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم » (31) .

وصل


قضاء حوائج المسلمين


ضد هذه الرذيلة: قضاء حوائج المسلمين و السعي في انجاح مقاصدهم و هو من اعظم
افراد النصيحة، و لا حد لمثوبته عند الله قال رسول الله -صلى الله عليه و آله-: «من
قضى لاخيه المؤمن حاجة، فكانما عبد الله دهره » (32) و قال-صلى الله عليه و آله-: «من
مشى في حاجة اخيه ساعة من ليل او نهار، قضاها او لم يقضها، كان خيرا له من
اعتكاف شهرين » . و قال ابو جعفر-عليه السلام-: «اوحى الله عز و جل الى موسى عليه
السلام: ان من عبادى من يتقرب الي بالحسنة فاحكمه في الجنة فقال موسى: يا رب،
و ما تلك الحسنة؟ قال يمشي مع اخيه المؤمن في قضاء حاجته، قضيت ام لم تقض » . و
قال-عليه السلام-: «من مشى في حاجة اخيه المسلم، اظله الله بخمسة و سبعين الف ملك،
و لم يرفع قدما الا كتب الله له حسنة، و حط عنه بها سيئة، و يرفع له بها درجة، فاذا
فرغ من حاجته كتب الله عز و جل له بها اجر حاج و معتمر»

و قال-عليه السلام-: «ان المؤمن لترد عليه الحاجة لاخيه فلا تكون عنده فيهتم
بها قلبه، فيدخله الله تبارك و تعالى بهمه الجنة » . و قال الصادق -عليه السلام-:
«من قضى لاخيه المؤمن حاجة، قضى الله تعالى له يوم القيامة مائة الف حاجة، من
ذلك اولها الجنة، و من ذلك ان يدخل قرابته و معارفه و اخوانه الجنة، بعد ان لا
يكونوا نصابا» . و قال-عليه السلام-: «ان الله تعالى خلق خلقا من خلقه، انتجبهم
لقضاء حوائج فقراء شيعتنا، ليثيبهم على ذلك الجنة. فان استطعت ان تكون منهم فكن »

و قال-عليه السلام-: «قضاء حاجة المؤمن خير من عتق الف رقبة، و خير من حملان الف
فرس في سبيل الله » . و قال-عليه السلام-:

«لقضاء حاجة امرى ء مؤمن احب الى الله تعالى من عشرين حجة، كل حجة ينفق فيها
صاحبها مائة الف » . و قال-عليه السلام-: «من طاف بالبيت طوافا واحدا كتب
الله له ستة آلاف حسنة، و محى عنه ستة آلاف سيئة، و رفع له ستة آلاف درجة-و في رواية: و
قضى له ستة آلاف حاجة-حتى اذا كان عند الملتزم، فتح له سبعة ابواب من الجنة » ،
قلت له: جعلت فداك! هذا الفضل كله في الطواف؟ قال: «نعم! و اخبرك بافضل من ذلك:

قضاء حاجة المؤمن المسلم افضل من طواف و طواف و طواف. . . حتى بلغ عشرا» . و
قال-عليه السلام-: «تنافسوا في المعروف لاخوانكم و كونوا من اهله، فان للجنة
بابا يقال له المعروف، لا يدخله الا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، فان
العبد ليمشى في حاجة اخيه المؤمن فيوكل الله عز و جل به ملكين، واحدا عن يمينه و
آخر عن شماله، يستغفران له ربه، و يدعوان بقضاء حاجته » . . . ثم قال: «و الله لرسول
الله-صلى الله عليه و آله-اسر بقضاء حاجة المؤمن اذا وصلت اليه من صاحب الحاجة »
. و قال-عليه السلام-: «ما قضى مسلم لمسلم حاجة الا ناداه الله تعالى: علي ثوابك،
و لا ارضى لك بدون الجنة » .

و قال-عليه السلام-: «ايما مؤمن اتى اخاه في حاجة فانما ذلك رحمة من الله
ساقها اليه و سببها له، فان قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها و ان رده عن
حاجته و هو يقدر على قضائها فانها رد عن نفسه رحمة من الله عز و جل، ساقها اليه و
سببها له، و ذخر الله تلك الرحمة الى يوم القيامة، حتى يكون المردود عن حاجته
هو الحاكم فيها، ان شاء صرفها الى نفسه، و ان شاء صرفها الى غيره » . . . ثم قال
عليه السلام للراوي:

«فاذا كان يوم القيامة، و هو الحاكم في رحمة من الله تعالى قد شرعت له، فالى
من ترى يصرفها؟ » ، لا اظن يصرفها عن نفسه، قال:

لا تظن! و لكن استيقن، فانه لن يردها عن نفسه » و قال-عليه السلام-:

«من مشى في حاجة اخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى تقضى له، كتب الله عز و
جل له بذلك مثل اجر حجة و عمرة مبرورتين، و صوم شهرين من اشهر الحرم و
اعتكافهما في المسجد الحرام، و من مشى فيها بنية و لم تقض، كتب الله له بذلك
مثل حجة مبرورة، فارغبوا في الخير» .

و قال عليه السلام: «لئن امشى في حاجة اخ لي مسلم، احب الي من ان اعتق الف نسمة،
و احمل في سبيل الله على الف فرس مسرجة ملجمة »

و قال-عليه السلام-: «من سعى في حاجة اخيه المسلم، و طلب وجه الله، كتب الله عز و
جل له الف الف حسنة، يغفر فيها لاقاربه و جيرانه و اخوانه و معارفه، و من صنع
اليه معروفا في الدنيا، فاذا كان يوم القيامة قيل له: ادخل النار، فمن وجدته
فيها صنع اليك معروفا في الدنيا فاخرجه باذن الله عز و جل، الا ان يكون
ناصبيا» . و قال ابو الحسن -عليه السلام-: «ان لله عبادا فى الارض يسعون في
حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة. و من ادخل على مؤمن سرورا، فرح الله قلبه
يوم القيامة » (33) . و الاخبار الواردة بهذه المضامين كثيرة، و ما ذكرناه كاف
لتحريك الطالبين على قضاء حوائج المؤمنين. و مما يدل على مدحه و شرافته، ما ورد
في ثواب اطعام المؤمن و سقيه و كسوته، كما ياتي.

و منها:

التهاون و المداهنة


في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر. و هو ناش اما من ضعف النفس و صغرها، او من
الطمع المالي ممن يسامحه، فيكون من رذائل القوة الغضبية من جانب التفريط، او
من رذائل القوة الشهوية من جانب الافراط و هو من المهلكات التي يعم فسادها و
ضرها، و يسرى الى معظم الناس اثرها و شرها. كيف ولو طوى بساط الامر بالمعروف و
النهى عن المنكر اضمحلت الديانة، و تعطلت النبوة، و عمت الفترة، و فشت الضلالة، و
شاعت الجهالة، و ضاعت احكام الدين، و اندرست آثار شريعة رب العالمين، و هلك
العباد، و خرجت البلاد. و لذا ترى و تسمع ان في كل عصر نهض باقامة هذه السنة بعض
المؤيدين، من غير ان تاخذهم في الله لومة لائمين، من اقوياء العلماء المتكفلين
لعلمها و القائها، و من سعداء الامراء الساعين في اجرائها و امضائها، رغب الناس
الى ضروب الطاعات و الخيرات، و فتحت عليهم بركات الارض و السماوات، و في
كل قرن لم يقم باحيائها عالم عامل و لا سلطان عادل، استشرى الفساد، و اتسع الخرق و
خرجت البلاد، و استرسل الناس فى اتباع الشهوات و الهوى، و انمحت اعلام
الهداية و التقوى.

و لذا ترى في عصرنا-لما اندرس من هذا القطب الاعظم عمله و علمه و انمحت بالكلية
حقيقته و اسمه، و عز على بسيط الارض دين يحرس الشريعة و استولت على القلوب مداهنة
الخليقة-ان الناس في بيداء الضلالة حيارى و في ايدى جنود الابالسة اسارى، و لم يبق
من الاسلام الا اسمه و من الشرع الا رسمه.

و لاجل ذلك ورد الذم الشديد في الآيات و الاخبار على ترك الامر بالمعروف و
النهي عن المنكر و المداهنة فيهما، قال الله سبحانه:

«لو لا ينهاهم الربانيون و الاحبار عن قولهم الاثم و اكلهم السحت لبئس ما
كانوا يصنعون » (34) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «ما من قوم عملوا بالمعاصي، و فيهم من يقدر
ان ينكر عليهم فلم يفعل، الا يوشك ان يعمهم الله بعذاب من عنده » . و قال-صلى الله عليه و
آله-: «ان الله تعالى ليبغض المؤمن الضعيف الذى لا دين له » ، فقيل له: و ما
المؤمن الذي لا دين له؟ قال: «الذى لا ينهى عن المنكر» . و قيل له-صلى الله عليه و آله-:
«اتهلك القرية و فيها الصالحون؟ قال: نعم! قيل: بم يا رسول الله؟ قال: بتهاونهم و
سكوتهم عن معاصى الله » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «لتامرن بالمعروف و لتنهن عن
المنكر، او ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم » (35) . و قال-صلى
الله عليه و آله-: «ان الله تعالى ليسال العبد: ما منعك اذ رايت المنكر ان تنكر؟ » .
و قال-صلى الله عليه و آله-: «ان الله لا يعذب الخاصة بذنوب العامة، حتى يظهر المنكر
بين اظهرهم، و هم قادرون على ان ينكروه فلا ينكرونه » .

و قال امير المؤمنين-عليه السلام-في بعض خطبه: «انما هلك من كان قبلكم، حيث
عملوا بالمعاصي و لم ينههم الربانيون و الاحبار عن ذلك، و انهم لما تمادوا
في المعاصي و لم ينههم الربانيون و الاحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات،
فامروا بالمعروف و نهوا عن المنكر. . . » . و قال عليه السلام: «من ترك انكار
المنكر بقلبه و يده و لسانه، فهو ميت بين الاحياء» . و قال-عليه السلام- «امرنا
رسول الله-صلى الله عليه و آله-ان نلقى اهل المعاصي بوجوه مكفهرة » . و قال-عليه
السلام- «ان اول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بايديكم ثم بالسنتكم، ثم
بقلوبكم فمن لم يعرف بقلبه معروفا و لم ينكر منكرا قلب فجعل اعلاه اسفله »

و قال الباقر-عليه السلام-: «اوحى الله عز و جل الى شعيب النبي -عليه السلام-:
اني معذب من قومك مائة الف: اربعين الفا من شرارهم، و ستين الفا من خيارهم.
فقال-عليه السلام-: يا رب، هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار؟ فاوحى الله عز و جل
اليه: داهنوا اهل المعاصي، و لم يغضبوا لغضبي » . و قال الصادق-عليه السلام-: «ما
قدست امة لم يؤخذ لضعيفها من قويها بحقه غير متعتع » . و قال-عليه السلام-: «ويل لقوم
لا يدينون الله بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر»

و قال-عليه السلام-: «ان الله تعالى بعث ملكين الى اهل مدينة ليقلبها على اهلها،
فلما انتهيا الى المدينة و جدا رجلا يدعو الله و يتضرع اليه، فقال احد الملكين
لصاحبه: اما ترى هذا الداعى؟ فقال: قد رايته، و لكن امضى ما امر به ربي. فقال:
لا، و لكن لا احدث شيئا حتى اراجع ربي. فعاد الى الله تبارك و تعالى، فقال: يا رب
اني انتهيت الى المدينة، فوجدت عبدك فلانا يدعرك و يتضرع اليك. فقال: امض ما
امرتك به، فان ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي قط » . و قال -عليه السلام-لقوم من
اصحابه: حق لي ان آخذ البرى ء منكم بالسقيم و كيف لا يحق لي ذلك و انتم يبلغكم عن
الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتى يتركه » . و
قال-عليه السلام-: «لا حملن ذنوب سفهائكم على علمائكم. . . الى ان قال: ما يمنعكم اذا
بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون و ما يدخل علينا به الاذى، ان تانوه فتؤنبوه و
تعذلوه، و تقولوا له قولا بليغا! » ، قيل له: اذن لا يقبلون منا، قال: «اهجروهم و
اجتنبوا مجالستهم » .

و في بعض الاخبار النبوية: «ان امتي اذا تهاونوا في الامر بالمعروف و النهي
عن المنكر فلياذنوا بحرب من الله » . و قد وردت اخبار بالمنع عن حضور مجالس
المنكر اذا لم يمكنه دفعه و النهي عنه، و لو حضر نزلت عليه اللعنة. و على هذا لا يجوز
دخول بيت الظلمة و الفسقة، و لا حضور المشاهد التي يشاهد فيها المنكر و لا يقدر على
تغييره، اذ لا يجوز مشاهدة المنكر من غير حاجة، اعتذارا بانه عاجز. و لهذا
اختار جماعة من السلف العزلة، حذرا من مشاهدة المنكر في الاسواق و المجامع و
الاعياد، مع عجزهم عن التغيير.

ثم اذا كان الامر في المداهنة في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بهذه
المثابة، فيعلم ان الامر بالمنكر و النهى عن المعروف كيف حاله. قال رسول
الله-صلى الله عليه و آله-: «كيف بكم اذا فسدت نساؤكم و فسق شبابكم و لم
تامروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر؟ » فقيل له-صلى الله عليه و آله-: و يكون
ذلك يا رسول الله؟ ! قال: «نعم!

كيف بكم اذا امرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟ ! » ، فقيل له: يا رسول الله، و
يكون ذلك؟ ! قال: «نعم! و شر من ذلك! كيف بكم اذا رايتم المعروف منكرا و المنكر
معروفا؟ ! » ، و في رواية:

«و عند ذلك يبتلى الناس بفتنة، يصير الحليم فيها حيران » (36) .

و من تامل في الاخبار و الآثار، و اطلع على التواريخ و السير و قصص الامم
السالفة و القرون الماضية، و ما حدثت لهم من العقوبات، و ضم ذلك الى التجربة و
المشاهدة في عصره، من ابتلاء الناس ببعض البلايا السماوية و الارضية، يعلم ان كل
عقوبة سماوية و ارضية، من الطاعون و الوباء، و القحط و الغلاء، و حبس المياه و
الامطار، و تسلط الظالمين و الاشرار، و وقوع القتل و الغارات، و حدوث الصواعق و
الزلازل، و امثال ذلك، تكون مسبوقة بترك الامر بالمعروف و النهى عن المنكر بين
الناس.

وصل


السعي في الامر بالمعروف


ضد المداهنة في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، هي السعي فيهما و التشمير لهما.
و هو اعظم مراسم الدين، و المهم الذي بعث الله لاجله النبيين، و نصب من بعدهم
الخلفاء و الاوصياء، و جعل نوابهم اولى النفوس القدسية من العلماء. بل هو القطب الذى
تدور عليه ارحية الملل و الاديان و تطرق الاختلال فيه يؤدى الى سقوطها عن
الدوران. و لهذا ورد في مدحه و الترغيب عليه مما لا يمكن احصاؤه من الآيات و
الاخبار، قال الله سبحانه:

«و لتكن منكم امة يدعون الى الخير و يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و اولئك هم
المفلحون » .

و قال: «كنتم خير امة اخرجت للناس، تامرون بالمعروف و تنهون عن المنكر» (37) . و قال:
«فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء و اخذنا الذين ظلموا
بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون » (38) . و قال: «لا خيرفي كثير من نجواهم، الا من امر
بصدقة او معروف اواصلاح بين الناس، و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه
اجرا عظيما» . و قال: «يايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط » (39) .

و القيام بالقسط هو: الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «ما اعمال البر عند الجهاد في سبيل الله
الا كنفثة في بحر لجي، و ما جميع اعمال البر و الجهاد في سبيل الله عند الامر
بالمعروف و النهي عن المنكر الا كنفثة في بحر لجي »

و قال-صلى الله عليه و آله-: «اياكم و الجلوس على الطرقات! » قالوا مالنا بد،
انما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: «فاذا اببتم الا ذلك، فاعطوا الطريق حقه »
، قالوا: و ما حق الطريق؟ قال: «غض البصر و كف الاذى، و رد السلام، و الامر
بالمعروف، و النهى عن المنكر» .

و قال-صلى الله عليه و آله-: «ما بعث الله نبيا الا و له حوارى، فيمكث النبي بين
اظهرهم ما شاء الله، يعمل فيهم بكتاب الله و بامره، حتى اذا قبض الله نبيه، مكث
الحواريون يعملون بكتاب الله و بامره و سنة نبيهم، فاذا انقرضوا، كان من بعدهم
قوم يركبون رؤس المنابر يقولون ما يعرفون و يعملون ما ينكرون. فاذا رايتم ذلك،
فحق على كل مؤمن جهادهم بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه. و
ليس وراء ذلك اسلام » (40) . و قال امير المؤمنين-عليه السلام-: «ان من راى عدوانا
يعمل به و منكرا يدعى اليه فانكره بقلبه، فقد سلم و برى ء و من انكره بلسانه فقد اجر، و
هو افضل من صاحبه، و من انكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا و كلمة الظالمين
السفلى، فذلك الذي اصاب سبيل الهدى و قام على الطريق، و نور في قلبه اليقين » (41) .
و قال-عليه السلام- «فمنهم المنكر للمنكر بقلبه و لسانه و يده، فذلك المستكمل لخصال
الخير و منهم المنكر بلسانه و قلبه، التارك بيده، فذلك متمسك بخصلتين من خصال
الخير و مضيع خصلة. و منهم المنكر بقلبه، و التارك بيده و لسانه، فذلك الذي ضيع اشرف
الخصلتين من الثلاث و تمسك بواحدة. و منهم تارك لانكار المنكر بلسانه و قلبه و يده،
فذلك ميت الاحياء. و ما اعمال البر كلها و الجهاد في سبيل الله عند الامر
بالمعروف و النهي عن المنكر الا كنفثة في بحر لجى، و ان الامر بالمعروف و النهي عن
المنكر لا يقربان من اجل و لا ينقصان من رزق، و افضل من ذلك كلمة عدل عند امام جائر»

و في خبر جابر عن الباقر-عليه السلام-: «ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر
سبيل الانبياء و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض و تامن
المذاهب، و تحل المكاسب، و ترد المظالم، و تعمر الارض و ينتصف من الاعداء، و
يستقيم الامر. فانكروا بقلوبكم، و الفظوا بالسنتكم، و صكوا بها جباههم، و لا
تخافوا في الله لومة لائم. فان اتعظوا و الى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم:

«انما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم
عذاب اليم » (42) .

هنالك فجاهدوهم بابدانكم، و ابغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطانا و لا باغين
مالا، و لا مريدين لظلم ظفرا، حتى يفيئوا الى امر الله و يمضوا على طاعته » (43) .

1) الرعد، الآية: 40، 9.

2) آل عمران، الاية: 69.

3) الحشر، الآية: 9.

4) النساء، الاية: 88.

5) آل عمران، الآية: 120.

6) صححنا الاحاديث في النصيحة كلها على (الكافي) : باب نصيحة المؤمن و باب من لم
يناصح اخاه المؤمن.

7) الاحزاب، الآية: 58.

8) صححنا الحديثين على (جامع الاخبار) : الباب 7، الفصل 4.

9) صححنا الاحاديث هنا على (اصول الكافي) : باب من آذى المسلمين و احتقرهم و على.
(احياء العلوم) : 2 171، 172.

10) صححناه على (فروع الكافي) : كتاب الجهاد، في ملحق باب فضل الشهادة. و على
(اصوله) : في باب الاهتمام بامور المسلمين.

11) صححنا هذه الاحاديث الاربعة الاخيرة على (احياء العلوم) : 2 172171.

12) صححنا الاحاديث هنا على (اصول الكافي) : باب الطاف المؤمن و اكرامه، و
باب من آذى المسلمين و احتقرهم.

13) صححنا هذه الاحاديث على (اصول الكافي) : باب اجلال الكبير، و باب وجوب
اجلال ذى الشيبة، و باب اكرام الكريم و على (الوسائل) : كتاب الحج، ابواب
احكام العشرة، الباب 67.

14) تقدم هذان الحديثان في ص 139 من هذا الجزء.

15) هذان الحديثان صححناهما على (اصول الكافي) : باب الاهتمام بامور
المسلمين.

16) لقمان، الآية: 13.

17) الشورى، الآية: 42.

18) ابراهيم، الآية: 42.

19) الشعراء، الآية: 227.

20) الفجر، الآية 14.

21) صححنا احاديث الباب على (اصول الكافي) : باب الظلم. و الآية من الحديث
الاخير: سورة النساء، الآية: 8.

22) النحل، الآية: 90.

23) النساء، الآية: 57.

24) صححنا الاحاديث هنا على (اصول الكافي) : باب الظلم و باب الانصاف و العدل.

25) صححنا الاحاديث النبوية هذه كلها على (جامع الاخبار) : الباب 7الفصل 7 و لم
نعثر لها على اثر في الكتب المعتبرة.

26) صححنا الاحاديث هنا على (اصول الكافي) باب ادخال السرور على للمؤمن، و باب
من اخاف مؤمنا.

27) القائل الراوي، و المجيب ابو جعفر-عليه السلام-.

28) الاحزاب، الآية: 58.

29) صححنا الاحاديث كلها هنا على (اصول الكافي) : باب ادخال السرور على المؤمن،
باب تفريج كرب المؤمن.

-

30) صححنا هذا الحديث بالخصوص على (الوسائل) : كتاب الحج، باب تحريم الاستخفاف و
هو يرويه عن (الكافي) .

31) صححنا الاحاديث هنا على (اصول الكافي) : باب من استعان اخوه به فلم يعنه، و
باب قضاء حاجة المؤمن، و باب من منع مؤمنا شيئا من عنده، و باب الاهتمام بامور
المسلمين.

32) صححناه على (الوسائل) . كتاب الامر بالمعروف، باب استحباب قضاء حاجة
المؤمن، رواه عن (مجالس الطوسي) . و لم نعثر على مصدر للنبوى الثاني.

33) صححنا الاحاديث-ابتداء من الحديث عن ابي جعفر عليه السلام- على (اصول
الكافي) : باب قضاء حاجة المؤمن، و باب السعي في حاجة المؤمن.

34) المائدة، الآية: 66.

35) روى في (فروع الكافي) -باب الامر بالمعروف-هذا الحديث عن ابي الحسن
الرضا-عليه السلام-. و صححنا الحديث الذي قبل الاخير على (فروع الكافى) في
الموضع المذكور ايضا.

36) صححنا الاحاديث هنا على (فروع الكافي) : باب الامر بالمعروف و على (الوسائل) :
كتاب الامر بالمعروف و على (المستدرك) : 2 360-361 كتاب الامر بالمعروف.

37) آل عمران، الآية: 104، 110.

38) الاعراف، الآية: 164.

39) النساء، الآية: 113، 135.

40) صححنا هذه النبويات الثلاثة على (احياء العلوم) : 2 271، 272.

41) صححنا الحديث على (المستدرك) : كتاب الامر بالمعروف، الباب 3و على (الوسائل) :
كتاب الامر بالمعروف، الباب 3. و كذا الحديث بعده، صححناه على (الوسائل) في
الموضع المذكور.

42) الشورى، الآية: 42.

43) صححنا الحديث على (فروع الكافي) : كتاب الجهاد، باب الامر بالمعروف.

/ 20