الفصل التاسع: في الماء المشتبه
و فيه مسائل:
المسالة الاولى:
لا خلاف في وجوب الاجتناب عن الاناءين المشتبهين اللذين احدهما طاهر و الآخر نجس، و عليه الاجماع في (1) الخلاف، و السرائر،
و الغنية، و المعتبر، و التذكرة، و نهاية الاحكام، و المختلف (2) ، و هو الحجة عليه، مضافا الى موثقتي سماعة و الساباطي، المتقدمتين
في بحث القليل (3) .و الطعن في حجيتهما ضعيف من وجوه.
و الاحتجاج للمطلوب، بان يقين الطهارة في كل منهما معارض بيقين النجاسة، فلا دليل على الطهارة المجوزة للاستعمال.و بان
اجتناب النجس واجب، و هو لا يتم الا باجتنابهما، معا.و بان اشتغال الذمة بالصلاة يستدعي البراءة اليقينية، و هي لا تحصل الا
بالطهارة بغير هذا الماء.و بان النجس القطعي موجود، فالحكم بطهارة الجميع حكم بطهارة النجس، و بطهارة واحد، ترجيح بلا
مرجح..ضعيف جدا.
اما الاول: فبان مورد يقين النجاسة احدهما لا بعينه، و مورد الطهارة كل منهما معينا بدلا، فاختلف المحل، فلا يتحقق التعارض.مع
ان اصالة الطهارة الشرعية عن المعارض خالية.
و اما الثاني: فبمنع وجوب اجتناب النجس مطلقا، بل اللازم الثابت وجوب الاجتناب عن العلم باستعمال النجس، و هو يحصل
باجتنابهما معا، و ان لم يجتنب عن كل منهما بدلا.
و اما الثالث: فبان اللازم تحصيل البراءة الشرعية، و هي تحصيل - بملاحظة الاصل لو لا الاجماع و الاخبار - مع الطهارة بذلك الماء.
و اما الرابع: فبان المحكوم به طهارة كل منهما على البدلية، فلا ترجيح بلا مرجح.
ثم الحكم هل يختص بالاناءين او ينسحب الى الاكثر ايضا؟
و كلماتهم بين المطلق في المشتبه، كما في الشرائع، و الدروس (4) .و مقيد بالاناءين، مثل النافع، و الارشاد (5) .و مصرح بالانسحاب،
نحو التحرير، و غرر المجامع بل المعتبر (6) .و ناص على نفيه، كجماعة من المتاخرين (7) ، منهم: والدي العلامة في كتابيه.
و القائل بالانسحاب يخصص بالمحصور، لتصريح الجماعة بخروج غيره عن هذا الحكم.ففي المسالة قولان:
عدم الانسحاب مطلقا، بمعنى جواز الاستعمال غير المساوي للنجس، للاصل الخالي عن المعارض، و هو الحق.
و الايراد: بان التمسك بالاصل في كل فرد ينتج الحكم بطهارة الجميع، ضعيف، لانه انما هو اذا لم يكن في كل فرد مما يساوي
النجس على سبيل البدلية.
و الانسحاب في الزائد المحصور، للادلة الاربعة الاخيرة المردودة، و للاجماع المنقول في التحرير، الغير القابل للاخراج عن الاصل،
لعدم حجيته، و لتنقيح المناط المردود بعدم قطعية العلة.
هذا، مع ان ما ذكروه في الفرق بين المحصور و غيره غير ناهض، كما بينا في موضعه.
و من المتاخرين من استند في الانسحاب و الفرق الى الاستقراء، و عد مواضع قليلة في المحصور و غيره، لاثباته (8) .
و لا اشعار في شي ء منها بالتغاير بين المحصور و غيره، مضافا الى ان بمثلها لا يثبت الاستقراء، و لو ثبت لا يكون الا ظنيا، و لا حجية
فيه.
فروع:
ا: لا فرق فيما ذكر بين ما لو كان الاشتباه حاصلا اولا، و بين ما لو حصل بعد التعين. و احتمل في المدارك الفرق: بتحقق المنع من استعمال المتعين، فيستصحب (9) . و ضعفه ظاهر جدا، لان المتعين غير متحقق حتى يستصحب منعه، و غيره غير متحقق المنع فيه. ب: لو كان الاشتباه للشك في وقوع النجاسة، او في نجاسة الواقع، لا يجب الاجتناب بالاجماع و الاصل. ج: في اختصاص الحكم بالانائين، كما عن جملة من المتاخرين (10) ، و به صرح والدي رحمه الله، او انسحابه الى مثل الغديرين ايضا،
كالشيخين، و الفاضلين، بل كثير من الاصحاب (11) قولان: الاول، و هو الاظهر، للاصل.و الثاني، لانه مقتضى بعض الادلة المقتضية للحكم في الاناءين.و قد عرفت ضعفها. د: المشتبه بالمشتبه بالنجس كالطاهر، للاصل، و اختصاص الدليل بغيره. و كون المشتبه بالنجس في حكمه كليا، ممنوع. ه: لو لاقى احد المشتبهين طاهرا لا ينجسه، وفاقا للثانيين (12) ، و المعالم، و المدارك (13) ، و جملة من المتاخرين (14) ، للاصل. و خلافا للمنتهى (15) ، و السرائر (16) ، و الحدائق (17) ، لان المشتبه بالنجس في حكمه.و قد مر دفعه. و لان الطاهر بملاقاته المشتبه صار مشتبها، فيجب اجتنابه. و فيه: منع وجوب الاجتناب عن مثل ذلك المشتبه. و: لو لم يتمكن من غير الاناءين يجب التيمم، دون الصلاة مع كل منهما بعد غسل موضع الملاقاة مع الاول ان امكن، كما اذا وجد
ماء مغصوب، بلا خلاف ظاهر فيه، كما في الحدائق (18) ، للموثقين. ز: ظاهر الموثقين: اختصاص المنع في الاناءين بالطهارة.و لكن الظاهر عدم الفصل بينها و بين غيرها، من رفع الخبث و الشرب.
المسالة الثانية:
صرح جماعة من الاصحاب (19) : بان المشتبه بالمغصوب كالمشتبه بالنجس، فلا يجوز الاستعمال اذا كانا اثنين او مع الحصر.
و استشكل في الذخيرة (20) و المعتمد، و هو في محله، للاصل، و قوله: «كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام
بعينه » (21) .
للمحرم: ما مر من الادلة الاربعة التي مر ردها.
و الاشتباه هنا للشك في الغصبية غير معتبر قطعا، لاصالة عدمها.
المسالة الثالثة:
اذا اشتبه اناء مطلق او اكثر بمضاف او اكثر يتطهر بكل من الكل وجوبا مع الانحصار، على المصرح به في كلام القوم، بل في المعتمد:الاجماع عليه، لتوقف العلم بالطهارة بالمطلق الواجب عليه.و جوازا مع عدمه، لصدق الامتثال و عدم المانع. خلافا لظاهر المعتبر و الروض (22) في الثاني، فلا يجوز، لتمكنه من الجزم في النية. و فيه: منع وجوبه. و لو انقلب احدهما تيمم، وفاقا لوالدي - رحمه الله - في اللوامع و المعتمد، لعدم الوجدان ما يعلم اطلاقه، و هو المامور بالطهارة به،
دون المطلق في نفس الامر، لتقييد التكليف بالعلم. و قيل (23) بالطهارة به - لاستصحاب وجوبها - و التيمم، لما مر.و لتوقف العلم برفع الحدث الواجب بالجمع.و بانه يحتمل ان يكون
مطلقا فتجب الطهارة، و مضافا فالتيمم و لا مرجح، فيجب الجمع. و يضعف الاستصحاب: بعدم حجيته هنا، لجواز ان يكون الواجب هو الطهارة به بشرط الاجتماع مع الآخر، بل هو القدر الثابت. و الباقيان: بمنع توقف العلم برفع الحدث بالجمع، لارتفاعه بالتيمم مع عدم وجدان ما علم اطلاقه قطعا.و بمنع وجوب الطهارة مع
احتمال المطلق، مع انه لو تم الاوجب التخيير، دون الجمع. و الاشتباه هنا يحصل بالتباسهما مع القطع باطلاق احدهما.و اما الشك فيه اولا فكالقطع بعدم الاطلاق، لاصالة عدم الطهورية، و
استصحاب الحدث و الخبث. و في حكم المشتبه بالمضاف المشتبه بالمستعمل في رفع الحدث، الا في الشك اولا، فانه هنا كالقطع بعدم الاستعمال، لاصالة
عدمه.
1. في «ه» : عن. 2. الخلاف 1: 197، السرائر 1: 85، الغنية (الجوامع الفقهية) : 552، المعتبر 1: 103، التذكرة 1: 10، نهاية الاحكام 1: 248، المختلف:
15. 3. ص 38. 4. الشرائع 1: 15، الدروس 1: 123. 5. المختصر النافع: 4، مجمع الفائدة 1: 281. 6. التحرير 1: 6، المعتبر 1: 104. 7. منهم صاحب المشارق: 282. 8. الحدائق 1: 503. 9. المدارك 1: 108. 10. منهم صاحب المشارق: 282. 11. لم نعثر على قول الشيخين و الفاضلين بالانسحاب الى غير الاناء، بل نسبه في المعالم الى بعضهم. نعم، المنسوب اليهم و الى كثير من الاصحاب هو الانسحاب الى الاكثر من الاناءين كما مر حكمه في ص 120.راجع المعالم: 162، و
الحدائق 1: 515. 12. ربما يستفاد من جامع المقاصد 1: 151، و الروض: 224. 13. المعالم: 284، المدارك 1: 108. 14. منهم صاحب الذخيرة: 138. 15. المنتهى 1: 30. 16. لم نعثر عليه، و ليس في «ه» . 17. الحدائق 1: 514. 18. الحدائق 1: 518. 19. منهم صاحبا المنتهى 1: 31، و الايضاح 1: 23. 20. الذخيرة: 138. 21. الفقيه 3: 216 - 1002، التهذيب 9: 79 - 337، الوسائل 17: 87 ابواب ما يكتسب به ب 4 ح 1. 22. المعتبر 1: 104، الروض: 156. 23. جامع المقاصد 1: 125.