الفصل الرابع: في الدم
و هو نجس من كل ذي نفس، عدا ما يستثنى.و عليه الاجماع في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة (1) و غيرها (2) . و تدل عليه - مضافا الى الاجماع - النصوص المستفيضة: كصحيحة علي: عن رجل رعف و هو يتوضا، فقطرت قطرة في انائه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: «لا» (3) . و موثقة عمار: «كل شي ء من الطير يتوضا عما يشرب منه، الا ان ترى في منقاره دما، فلا تتوضا منه و لا تشرب » (4) . و صحيحة زرارة: اصاب ثوبي دم رعاف، او غيره، او شي ء من مني، فعلمت اثره الى ان اصيب الماء، فاصبت، و حضرت الصلاة، فنسيت
ان بثوبي شيئا و صليت، ثم اني ذكرت بعد ذلك، قال: «تعيد الصلاة و تغسله » (5) . و الظاهر عطف «غيره » على «رعاف » لكونه اقرب، و لئلا يلزم التخصيص (6) بالنجاسات في «غيره » و لا عطف الخاص على العام،
فيثبت بها الحكم في جميع الدماء، بل يثبت ذلك على عطفه على دم ايضا، لشموله له ايضا. و حسنة محمد: الدم يكون في الثوب علي و انا في الصلاة، قال: «ان رايت و عليك ثوب غيره، فاطرحه و صل » (7) الحديث. و صحيحة ابن ابي يعفور الواردة في نقط الدم: «يغسله و لا يعيد صلاته، الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا، فيغسله و يعيد الصلاة » (8) .
الى غير ذلك من المستفيضة الدالة على المنع من الصلاة في ثوب لاقاه، او على اعادتها ان صلى مع العلم به، او غسل الثوب من
الدم مطلقا، .او دم الرعاف كذلك، او في الصلاة، او بعض دماء آخر (9) . و اما بعض الاخبار (10) المفهم لطهارته في بادئ النظر، فليس بعد التامل كذلك، مع انه لو كان، فلشذوذه المخرج له عن الحجية لا
يضر. ثم مقتضى اطلاق الروايتين الاولين، بل خصوص الثانية: نجاسته و لو كان اقل من الدرهم او الحمصة، كما عليها المعظم، و تشملها
الاجماعات المنقولة. خلافا للمنقول عن الاسكافي (11) في الاول، و الصدوق (12) في الثاني، للاخبار المجوزة للصلاة في نحو من ذلك، او النافية لوجوب غسله. و هما غير مستلزمتين للطهارة في المورد، لتحقق القول بالفصل و ان حكمنا بها لمثلهما في غيره لعدم تحققه، كما هو متحقق
فيما عدا العفو في الصلاة، و عدم وجوب الغسل من لوازم النجاسة او الطهارة في المورد ايضا. و قد يستدل على ردهما: بمطلقات غسل الدم، او اعادة الصلاة عنه. و ليس في محله، لعدم وجوب غسل ما دون المقدارين، و كون الامر بالاعادة قرينة على ارادة ما زاد عليهما. ثم ان المستفاد من الاطلاقات و ان كان نجاسة مطلق الدم من ذي النفس، الا انه خص منه عند اصحابنا الدم المتخلف في الذبيحة
الماكول اللحم، بعد القذف المعتاد، فهو طاهر، و عليه الاجماع محققا و محكيا في كلام جمع، منهم: الناصريات، و السرائر، و المختلف، و الحدائق (13) ، و اللوامع، و غيره (14) . و بضرورة حلية اللحم الغير المنفك عنه و لو غسل مرات - كما يظهر عند الغسل و الطبخ - و عدم وجوب غسل ما يلاقي هذا اللحم،
و عمل المسلمين في الاعصار و الامصار، تقيد الاطلاقات، لا بقوله سبحانه: «قل لا اجد فيما اوحي الي » (15) لان مفهومها مفهوم وصف
غير معتبر، و منطوقها عام غير مقاوم، مع انه لا يفيد ازيد من عدم كون غير الثلاثة مما اوحي تحريمه حين نزول الآية، فيمكن
الوحي بتحريم غيرها بعده، او تحريمه بغير الوحي، كما وقع التصريح به في الاخبار، من ان من المحرمات ما حرمه رسول الله صلى
الله عليه و آله و سلم، فلا يصلح الا لتاسيس الاصل، فلا يحرم ما لا دليل على حرمته.و هو الوجه فيما ورد عنهم من التمسك بها في
حلية بعض الاشياء. و ظهر مما ذكر: لزوم الاقتصار في التخصيص بما ثبت فيه الاجماع، فينجس ما جذبته الذبيحة بالنفس، او بقي في جوفه لارتفاع،
موضع راسه، او استقر في العضو المحرم كالطحال، او تخلف في الذبيحة الغير الماكول، و غيرها من غير المسفوحات، كدم الشوكة و
العثرة و نحوهما، من غير خلاف يعرف في شي ء منها. و كما قيدت اطلاقات النجاسة (16) بما مر، كذلك اخرج منها دم غير ذي النفس بالمستفيضة المعتبرة (17) و لو بضميمة الاجماع
المركب، فهو ايضا طاهر، و عليه الاجماع في الخلاف، و الغنية، و السرائر، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و الذكرى (18) . نعم يظهر من تقسيم الشيخ في الخلاف، و الجمل، و المبسوط (19) ، و الديلمي، و ابن حمزة (20) النجاسة الى الدم و غيره، ثم تقسيمه
الى ما تجب ازالته و ما لا تجب، و هو دم البق، و البراغيث، و السمك: اعتقادهم النجاسة. و منع ظهوره - لجواز تقسيم الشي ء الى قسمين، كل منهما اعم من وجه من آخر، ثم تقسيم احدهما الى اقسام، بعضها خارج عن
المقسم - مكابرة، الا ان ادعاء الاجماع في الخلاف على طهارة مثل دم البق قبل التقسيم بسطر (21) ، يوهنه. و كيف كان فهم بما مر محجوجون
فرع:
المصرح به في كلام جماعة (22) : نجاسة العلقة، و عليها الاجماع في الخلاف (23) ، و يدل عليها صدق الدم، و منعه ضعيف، و لذلك
ينجس دم البيض ايضا. و كونه من الفرد النادر بعد الصدق، غير ضائر، لان الندور الوجودي انما يفيد الخروج عن المطلق في الاحكام على الوقائع الواقعة.و
عدم كونه دما بعد الصدق العرفي، غير مسموع. و في تنجس البيضة به، لميعانها، و عدمه، للاصل، و عدم ثبوت تنجس مثل ذلك بالملاقاة، اشكال.و الاجتناب احوط.
1. المعتبر 1: 420، المنتهى 1: 163، التذكرة 1: 7. 2. الغنية (الجوامع الفقهية) : 550. 3. الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 16، الوسائل 1: 150 ابواب الماء المطلق ب 8 ح 1. 4. التهذيب 1: 284 - 832، الوسائل 1: 231 ابواب الاسآر ب 4 ح 4. 5. التهذيب 1: 421 - 1335، الاستبصار 1: 183 - 641، الوسائل 3: 402 ابواب النجاسات ب 7 ح 2. 6. يعني اذا قلنا بان كلمة «غيره » عطف على دم الرعاف، فبما انها تشمل الاشياء الطاهرة يلزم تخصيصها بالنجاسات و يلزم ايضا
عطف الخاص و هو (او شي ء من مني) على العام و كلاهما خلاف الاصل. 7. الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 3، الفقيه 1: 161 - 758، التهذيب 1: 254 - 736، الاستبصار 1: 175 - 609، الوسائل 3: 431 ابواب
النجاسات ب 20 ح 6. 8. التهذيب 1: 255 - 740، الاستبصار 1: 176 - 611، الوسائل 3: 429 ابواب النجاسات ب 20 ح 1. 9. راجع الوسائل 3: ابواب النجاسات ب 42، 43، 44. 10. الوسائل 1: 265 ابواب نواقض الوضوء ب 7 ح 4 و 11 و ج 3: 499 ابواب النجاسات ب 56 ح 1 و غيرها. 11. نقل عنه في المعتبر 1: 420. 12. الفقيه 1: 42. 13. الناصريات (الجوامع الفقهية) : 181، السرائر 1: 174، المختلف: 59، الحدائق 5: 45. 14. المفاتيح 1: 66، المسالك 2: 245. 15. الانعام: 145. 16. في «ح » النجاسات. 17. راجع الوسائل 3: 435 ابواب النجاسات ب 23. 18. الخلاف 1: 476، الغنية (الجوامع الفقهية) : 550، السرائر 1: 174، المعتبر 1: 430، المنتهى 1: 163، التذكرة 1: 7، الذكرى: 13. 19. الخلاف 1: 476، الجمل و العقود (الرسائل العشر) : 170، المبسوط 1: 35. 20. المراسم: 55، الوسيلة: 76. 21. الخلاف 1: 476. 22. منهم المحقق في المعتبر 1: 422. 23. الخلاف 1: 490.