البحث الثالث: في كيفية الصلاة عليه
و فيه مسائل:
المسالة الاولى:
يجب ان ينوي اولا صلاة الميت تقربا الى الله تعالى، لانها عبادة، فتفتقر الى
النية. و لا تجب نية الوجوب او الندب، على ما مر في كتاب الطهارة. و يشترط تعيين الميت، بان يقصد الصلاة على هذا الميت او هذه الاموات، اذا لم
يتعين المصلى عليه من الخارج، حتى يصدق الامتثال و ينصرف الامر اليه. و لا تشترط معرفة الميت، للاصل. و هل يكفي منوي الامام للماموم اذا لم يتعين من الخارج؟ فيه احتمال قوي. و تجب استدامة النية حكما الى الفراغ. و على الماموم عند ارادة الائتمام نية الاقتداء كغيرها من الصلوات، على
احتمال.و في شرح الارشاد: انه ليس بمعلوم الوجوب، لعدم سقوط شي ء (1) ، و هو كذلك. ثم يكبر خمس تكبيرات، اولاها تكبيرة الاحرام، بالاجماع، و النصوص المستفيضة
بل المتواترة معنى من طرقنا كصحيحتي ابن سنان (2) ، و صحيحة اسماعيل بن سعد (3) ، و حسنة
ابي ولاد (4) ، و روايتي ابي بصير (5) ، و روايات الحضرمي (6) ، و الجعفري (7) ، و ابن زائدة (8) ،
و غير ذلك مما ياتي بعضها. و في الرضوي: «اذا اردت ان تصلي على الميت، فكبر عليه خمس تكبيرات » (9) . و ان كان في دلالة بعضها على الوجوب تامل، و لكنه غير ضائر، لكفاية ثبوت مطلق
الرجحان في اثبات الايجاب بالاجماع المركب. و اما ما يدل على الاربع فلما مر غير مكافئة، و على التقية محمولة، لانه مذهب جميع
العامة كما صرح به عظماء الطائفة (10) ، و استفاضت به احاديث العترة، منها المروي في
العلل: لاي علة تكبر على الميت خمس تكبيرات، و يكبر مخالفونا اربع تكبيرات؟ (11)
الحديث. و في العيون: «فمن قبل الولاية يكبر خمسا، و من لم يقبل الولاية يكبر اربعا، فمن
اجل ذلك تكبرون خمسا و من خالفكم يكبر اربعا» (12) . بل به اعترف علماء العامة.قال بعض شراح صحيح مسلم: انما ترك القول بالتكبيرات
الخمس في صلاة الجنازة، لانه صار علما للتشيع، و قال عبد الله المالكي في كتابه
المسمى بفوائد مسلم: ان يزيدا كبر خمسا، و كان رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم يكبرها، و هذا المذهب الآن متروك، لانه صار علما على القول بالرفض. مع انه يحتمل حملين آخرين: احدهما: الحمل على الصلاة على المنافقين و المتهمين بالنفاق، كما مر في رواية
محمد بن مهاجر (13) ، و في صحيحة اسماعيل بن سعد: عن الصلاة على الميت، فقال: «اما
المؤمن فخمس تكبيرات، و اما المنافق فاربع، و لا سلام فيها» (14) . و في صحيحة هشام بن سالم: «كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يكبر على قوم
خمسا، و على آخرين اربعا، فاذا كبر على رجل اربعا فاتهم بالنفاق » (15) . و في رواية اسماعيل بن همام: «فاما الذي كبر عليه خمسا فحمد الله تعالى و
مجده في التكبيرة الاولى، و دعا في الثانية للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، و دعا
في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات، و دعا في الرابعة للميت، و انصرف في الخامسة، و
اما الذي كبر عليه اربعا، فحمد الله تعالى و مجده في التكبيرة الاولى، و دعا
لنفسه و اهل بيته في الثانية، و دعا للمؤمنين و المؤمنات في الثالثة، و انصرف في
الرابعة فلم يدع له، لانه كان منافقا» (16) . و الثاني: ان المراد بالاربع الاخبار عما يقال بين التكبيرات من الدعاء،
فان الخامسة ليس بعدها دعاء، كما تكشف عنه رواية ابي بصير: ساله رجل عن التكبير
على الجنائز، فقال: «خمس تكبيرات » ثم ساله آخر عن الصلاة على الجنازة فقال:
«اربع صلوات » فقال الاول: جعلت فداك، سالتك فقلت: خمسا و سالك هذا فقلت: اربعا،
فقال: «انك سالتني عن التكبيرة، و سالني هذا عن الصلاة » ثم قال: «انها خمس
تكبيرات بينهن اربع صلوات » (17) . هذا كله مع ان الاثبات مقدم على النفي، فلعل راوي الاربع لم يسمع الخامسة، لكونها
منفردة عن الدعاء، و كونه بعيدا عن الامام عليه السلام. ثم انه لا فرق في وجوب التكبيرات الخمس بين كون الميت مؤمنا او مخالفا تجب
عليه الصلاة، للعمومات المتقدمة المثبتة للوجوب، و لو بضميمة الاجماع المركب. و اما ما مر من روايات تكبير النبي صلى الله عليه و آله و سلم اربعا، فانما هو
في المنافق، و صدقه على مطلق المخالفين غير معلوم، و ان اطلق عليهم في بعض
الاخبار، و لكن الاستعمال اعم من الحقيقة، و المجاز غير منحصر في واحد.
المسالة الثانية:
يدعى بين كل تكبيرتين بالدعاء اجماعا، له، و للمستفيضة بل المتواترة معنى من
الاخبار (18) . و هل هو على سبيل الوجوب او الاستحباب؟ الحق هو الاول، وفاقا للاكثر كما صرح
به جماعة (19) ، بل عن ظاهر الخلاف و المنتهى و الذكرى الاجماع عليه (20) . لا لوقوع
الامر به في الاخبار المتكاثرة. و لا لوروده في بيان كيفية الواجب. و لا لحمله مع ذلك على الصلاة في رواية ابي بصير السابقة بقوله فيها تارة «اربع
صلوات » و اخرى «خمس تكبيرات بينهن اربع صلوات » . و لا لتوقف حصول البراءة اليقينية عليه كما في الذخيرة (21) . لامكان القدح في الاول:
بمنع الامر به في الاخبار، و غايتها الجمل الخبرية التي هي اعم من الوجوب.مع
انها لو فرضت دلالتها على الوجوب لم تكن نافعة في المقام، لان هذه الاوامر
ليست واردة على مطلق الدعاء، بل على دعوات مخصوصة غير واجبة اجماعا، معارضة بعضها
مع بعض في الخصوصية، المانع تعارضها عن ايجاب واحد منها. و منه يظهر وجه القدح في الثاني ايضا، مضافا الى انه ان اريد وروده في بيان
الكيفية الواجبة للواجب، فلا دليل عليه، و ظهوره فيه ممنوع، و ان اريد مطلق الكيفية
له-اي الاعم من الواجبة و المستحبة-فلا يفيد. و منه يظهر القدح في الثالث ايضا.و الحمل و ان كان حقيقة في الحقيقي و هو يوجب
اتحاد صلاة الميت مع ما ذكر فيكون واجبا، الا ان ارادة الحقيقي هنا غير ممكنة،
لان حقيقة الدعاء على الميت-الذي هو معنى الصلاة لغة-معلومة، و هي مطلق الدعاء عليه،
فيكون خصوص الاربع مغايرا للحقيقة. مع ان حقيقة صلاة الميت لو كانت هي ما يجب شرعا في صلاة الجنائز، لكان المحمول
مغايرا للموضوع هنا قطعا، لوجوب امور اخر فيها من النية و القيام و الاستقبال
و غيرها.فلا بد من ارتكاب تجوز اما في الحمل او الموضوع بارادة المشروع من
الصلاة او الواجب منها او المستحب، و المقصود غير متعين، فالاستدلال به غير
تام. و في الرابع: بان المعلوم اشتغال الذمة به-و هو خمس تكبيرات-علمت البراءة عنه،
و الاشتغال بالزائد غير معلوم، فلا يستدعي اليقين بالبراءة. بل (22) لوقوع الامر بالصلاة على الميت مطلقة في اخبار كثيرة، و الصلاة لغة حقيقة في
الدعاء فيجب الدعاء له، و بوجوبه تجب الاربع بالاجماع المركب. فان قيل: الدعاء و ان كان حقيقة لغوية للصلاة، و لكنه مجاز شرعي، لحصول الحقيقة الشرعية
فيها، فهو معنى مجازي ايضا كالتكبيرات، فلا تتعين ارادته. قلنا: نعم، كذلك حين ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة.و حصولها في زمان النبي صلى الله
عليه و آله و سلم سيما زمان صدور الاخبار النبوية-المتقدم ذكرها في صدر
الباب-غير معلوم، فالحمل على الحقيقة اللغوية لازم، و ليس هو الا مطلق الدعاء. فان قيل: تجب في صلاة الميت التكبيرات و تعدد الصلوات و امور اخر ايضا، و هي
خارجة عن حقيقتها اللغوية، فعدم ارادتها معلوم، و المجاز غير متعين. قلنا: وجوب هذه الامور لا يستلزم ارادتها من الصلاة، بل الثابت من الامر
بالصلاة ليس الا وجوب الدعاء و ان علم وجوب امور اخر باوامر اخر. و يؤكد ما ذكرنا من ارادة المعنى اللغوي، و كونها هنا بمعنى الدعاء: ما مر من
رواية محمد بن مهاجر السالفة (23) ، المصرحة بان بعد ما نهى الله عن الصلاة على
المنافقين بقوله سبحانه: «و لا تصل على احد منهم » ترك النبي صلى الله عليه و آله و
سلم الدعاء عليهم، و اقتصر بالتكبيرات و الثناء و الصلاة و الدعاء للمؤمنين. و رواية ابي بصير المتقدمة (24) ، المتضمنة لقوله: «اربع صلوات » سيما بعد السؤال عن
الصلاة على الميت. و تدل على المطلوب-بضميمة الاجماع المركب المذكور-صحيحة ابن اذينة و الفضيل:
«اذا صليت على المؤمن فادع له، و اجتهد في الدعاء» (25) الحديث. خلافا لصريح الشرائع و ظاهر النافع، فيستحب الدعاء (26) ، و هو ظاهر المحقق
الاردبيلي في شرح الارشاد (27) . للاصل. و الاختلاف العظيم في الدعاء الوارد فيها. و
اطلاق الروايات المتضمنة لان الصلاة على الميت خمس تكبيرات، الواردة في مقام
البيان، الدالة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك. و الاصل يدفع بما مر. و الاختلاف انما يوهن في الوجوب لو كان المدعى وجوبه امرا معينا و اختلف
فيه، دون ما اذا كان الواجب هو القدر المشترك بين المختلفات، و كان الاختلاف
في الخصوصيات كما في المقام. و الاطلاق انما يفيد لو كان السؤال عن الصلاة.و الظاهر من الروايات
المذكورة كون السؤال و الجواب فيها انما هو بالقياس الى خصوص التكبير و
مقداره، لكونه محل الخلاف بين الخاصة و العامة، و لذا لم يذكر سائر الواجبات من
النية و القيام و الاستقبال و غيرها، مع وجوبها اجماعا.مع ان بعد التسليم
غايتها الاطلاق، فيجب تقييده بما مر.
المسالة الثالثة:
مقتضى الامر بالصلاة على الميت في اوامرها، و الدعاء له في صحيحة ابن اذينة و
الفضيل: وجوب ذلك، اي الدعاء له، فلا مناص عنه. و لا تضره صحيحة زرارة و محمد: «ليس في الصلاة على الميت قراءة و لا دعاء موقت، تدعو
بما بدا لك، و احق الموتى ان يدعى له ان يبدا بالصلاة على النبي » (28) . لانها اعم
مطلقا مما مر، فيجب التخصيص به. و لا موثقة يونس: عن صلاة الجنازة اصلي عليها على غير وضوء؟ فقال: «نعم، انما هو تسبيح و تكبير، و تحميد و تهليل » (29) . لان جهة اثبات هذه الامور لا تنافي ثبوت الغير ايضا.و اما جهة نفي الغير
التي هي الملحوظة في الرواية فانما هي بالنسبة الى الركوع و السجود، لان
انتفاءهما هو الصالح لعلية انتفاء الوضوء.و لو سلم العموم، فتكون اعم مطلقا مما
مر ايضا، فتخص به. و لكن لا يتعين في الدعاء له لفظ خاص، و لا موضع خاص، للاصل. و كذا لا يتعين في الدعوات الاربع غير ما ذكر شي ء خاص معنى او لفظا، وفاقا
للاسكافي (30) ، و جماعة من المتاخرين، منهم: المدارك و الذخيرة و الحدائق (31) ، و نسبه
في الاول الى الاكثر. للاصل السالم عن المعارض الدال على الوجوب جدا، الا الرضوي الآتي المتضمن
للامر (32) ، و لكنه تعلق بالفاظ و معاني لا يجب جميعها اجماعا، فيحمل على الاستحباب
قطعا.و لصحيحة زرارة و محمد و موثقة يونس المتقدمتين. و يؤيده اختلاف النصوص، و عدم توافق بعضها مع بعض في تعيين الاذكار، مع
كثرتها و استفاضتها. بل هو دليل على المطلوب، حيث ان ايجاب الكل غير ممكن، و البعض المعين تحكم، و
ترجيح بلا مرجح، و التخيير بينها غير صحيح، لاشتمال الاكثر على معاني و الفاظ غير
واجبة اجماعا.و القدر المشترك بين الجميع ليس الا الدعاء المطلق، و هو المطلوب.
مع انه يثبت بالتخيير الذي هو المرجع عند التعارض ايضا، لان من افراد المخير
هنا مطلق الدعاء بعد رفع اليد عن خصوص اللفظ بالاجماع. خلافا لجماعة (33) ، بل نسب الى المشهور، اما مطلقا كما في الذخيرة (34) ، او مقيدا
بكونه بين المتاخرين كبعض آخر (35) ، بل عن الخلاف الاجماع عليه (36) ، فاوجبوا
الشهادتين بعد التكبيرة الاولى، و الصلاة على النبي و آله بعد الثانية، و الدعاء
للمؤمنين بعد الثالثة، و للميت بعد الرابعة. للشهرة. و الاجماع المنقول. و تحصيل
اليقين بالبراءة. و لرواية محمد بن مهاجر السالفة في اول الباب (37) ، و رواية اسماعيل بن همام
المتقدمة في المسالة الاولى (38) ، و الرضوي الآتي. و يرد الاولان: بعدم الحجية. و الثالث: بحصولها بالنسبة الى ما علم به اشتغال الذمة. و الروايات: بعدم الدلالة على الوجوب، و لو تضمن بعضها قوله: «كان رسول الله صلى
الله عليه و آله يفعل كذا» المشعر بالدوام و المواظبة. مع ان اولاها تتضمن الصلاة على الانبياء الدال على الاستغراق، و هم لا يقولون
بوجوبه، و تخالف ما تضمنته الثانية من الدعاء لنفسه خاصة. و ثانيتها تتضمن التحميد و التمجيد بعد الاولى، و هم لا يوجبونهما، و تخالف
ما تضمنته الاولى من الشهادة. و ثالثتها تتضمن امورا لا يجب شي ء منها قطعا، و تخالف ما في مواضع اخر من
ذلك الكتاب لفظا و معنى. و مع ذلك كله، فهي مع ما مر من الاخبار الدالة على نفي التوقيت-كما مر -او
المشتملة على اذكار اخر معارضة.هذا. ثم انه على القول بوجوب الاذكار الاربعة لا يتعين فيها لفظ مخصوص، كما نقل
التصريح به عن كثير من الاصحاب، بل لعله اجماعي، و يدل عليه الاصل ايضا،
فتجوز تاديتها باي لفظ كان.
المسالة الرابعة:
تجوز تادية الدعاء المطلق-على المختار-و الاذكار الاربعة -على القول
بوجوبها-بالفارسية، على الاقوى، و تجوز قراءة الدعوات الماثورة من المكتوب
ايضا، للاصل. و ما يظن دليلا لعدم جوازهما-لو كان به قائل هنا-يعلم دفعه مما مر في مسالتي
جواز القراءة في الصلاة عن المصحف، و جواز القنوت بالفارسية.
المسالة الخامسة:
يستحب الدعاء بالاذكار الاربعة الموزعة على التكبيرات الاربع، تاسيا بما
حكي عن النبي صلى الله عليه و آله، و اتباعا للشهرة و الاجماع المحكيين، و خروجا
عن شبهة الخلاف. و تاديتها (39) بما في الرضوي، لاجله، حيث انه تفصيل ذلك المجمل،
قال: «و ارفع يديك بالتكبير الاول و كبر و قل: اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك
له، و اشهد ان محمدا عبده و رسوله، و ان الموت حق، و الجنة حق، و النار حق، و البعث حق،
و ان الساعة آتية لا ريب فيها، و ان الله يبعث من في القبور.ثم كبر الثانية و
قل: اللهم صل على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، و ارحم محمدا و آل محمد،
افضل ما صليت و باركت و رحمت و ترحمت و سلمت على ابراهيم و آل ابراهيم في
العالمين، انك حميد مجيد.ثم تكبر الثالثة و تقول: اللهم اغفر لي و لجميع
المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات، الاحياء منهم و الاموات، و تابع
بيننا و بينهم بالخيرات، انك مجيب الدعوات، و ولي الحسنات، يا ارحم الراحمين.
ثم تكبر الرابعة و تقول: اللهم ان هذا عبدك و ابن عبدك و ابن امتك، نزل بساحتك،
و انت خير منزول به، اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا، و انت اعلم به منا، اللهم ان
كان محسنا فزد في احسانه، و ان كان مسيئا فتجاوز عنه، و اغفر لنا و له، اللهم
احشره مع من يتولاه و يحبه، و ابعده ممن يتبرا و يبغضه، اللهم الحقه بنبيك، و
ارحمنا اذا توفيتنا يا اله العالمين.ثم تكبر الخامسة و تقول: ربنا آتنا في
الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة، و قنا عذاب النار.و لا تسلم و لا تبرح من مكانك حتى
ترى الجنازة على ايدي الرجال » (40) . ثم المشهور ان هذا التوزيع هو الافضل. و عن العماني و الجعفي ان الافضل جميع الاذكار الاربعة عقيب كل تكبيرة (41) ، و ان
اختلفت عباراتهما في كيفية الادعية، كما ورد في موثقة سماعة (42) . و قيل: الاولى تكرار الدعاء له (43) ، كما ورد في رواية كليب (44) ، بل التشهد و الصلاة على
النبي و آله بعد كل تكبيرة، كما في صحيحتي ابي ولاد (45) ، و الحلبي (46) . و لا شك انه لا باس بشي ء منها، و يجوز العمل بكل منها، بل بغيرها مما ورد في
الروايات المخالفة لما ذكر، كصحيحة زرارة (47) ، و موثقة عمار (48) ، و غيرهما، و ان
اختلفوا في الافضل، فمن رجح المشهور فنظره الى حصول موافقة الاحتياط، و
الخروج عن الشبهة به، و من رجح الاخير فنظر الى صحة الرواية و تعددها، و من رجح
الجمع بين الجميع في الجميع فكان نظر الى الامرين، و ليس ببعيد، اذ المشهور
لا يقول بحرمة الزائد عن الواجب قطعا. و منه يظهر فساد ما قيل-بعد ذكر تكرار الدعاء بل التشهد و الصلاة و نقل اولويتها
عن بعضهم-: و لعله لصحة السند، الا ان الافضل ما قدمنا، فان دفع الشبهة و موافقة
المشهور مهما امكن لعله اولى (49) . ثم انه قد وردت في صحيحة الحلبي زيادة: «اللهم عفوك عفوك » بعد الدعاء المذكور فيها
في كل تكبيرة، و كذا في موثقة عمار في كل تكبيرة بعد ادعية مذكورة فيها، و في موضع
من الفقه الرضوي في كل تكبيرة ايضا بعد ادعية مذكورة فيه (50) . و لا ريب في رجحان ذكره لو دعا بهذه الادعية، و لا في جوازه، بل رجحانه من حيث هو
دعاء بعد كل دعاء آخر من الدعوات المتقدمة.و يحتمل رجحانه بخصوصه ايضا بعد الكل،
اذ يظن من وروده في الروايات الثلاث مع اختلاف الادعية انه راجح براسه من
غير تعلقه بدعاء.فتامل.
المسالة السادسة:
ان كان الميت طفلا يستحب ان يقول في دعائه ما في رواية عمرو بن خالد: عن علي عليه
السلام في الصلاة على الطفل انه: «كان يقول: اللهم اجعله لابويه و لنا سلفا و
فرطا و اجرا» (51) . و ليس بواجب، لعدم دلالتها على الوجوب، و ان كان مطلق الدعاء -الصادق على ذلك
ايضا-واجبا، و لكن لا ينحصر به، بل و لا في السؤال لجعله مصلحا لحال ابيه، لتاتي
رفع الدرجة و اعطاء المثوبة في حقه. و مقتضى اطلاق الرواية و كلام الاصحاب استحباب ذلك في الصلاة على الطفل الذي
تجب الصلاة عليه ايضا، الا ان في الرضوي: «ان الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة،
فاذا حضرت مع قوم يصلون عليه فقل: اللهم اجعله لابويه و لنا ذخرا و مزيدا و
فرطا و اجرا» (52) و لكنه لا يدل على الاختصاص.
المسالة السابعة:
ما مر من وجوب الدعاء للميت، و استحباب توزيعه على النحو المتقدم انما هو في
الصلاة على المؤمن.و اما غير المؤمن ممن تجب الصلاة عليه من المخالف و
المستضعف و مجهول الحال، فلا يجب الدعاء له، بل يقول في كل منهم بدعائه. اما في المخالف فيقول ما في صحيحة محمد: «ان كان جاحدا للحق فقل: اللهم املا جوفه نارا، و قبره نارا، و سلط عليه الحيات و العقارب » (53) و الجاحد و
ان كان اعم منه، الا انه يكفي شموله له. و اما الادعية التي وردت في بعض الاخبار في المنافق و عدو الله و العدو لاهل
البيت من الذين لا تجب الصلاة عليهم (54) -فلان صدق الموضوع على كل مخالف غير
معلوم-خارجة عن محل الكلام، و انما هي لمن ابتلي بصلاة هؤلاء لعذر، او المراد
بالصلاة فيها مجرد الدعاء. و اما في المستضعف-و هو من لا يعرف الحق، و لا يبغض اهله على اعتقادهم من غير
تقصير-فيقول ما في صحيحة محمد: «الصلاة على المستضعف و الذي لا يعرف: الصلاة على
النبي، و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات، تقول: «ربنا اغفر للذين تابوا و اتبعوا
سبيلك و قهم عذاب الجحيم » .الى آخر الآيتين » (55) و الآية الثانية هكذا: «ربنا و
ادخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم و ازواجهم و ذرياتهم انك انت
العزيز الحكيم » (56) . او ما في صحيحة زرارة و محمد: «الصلاة على المستضعف و الذي لا يعرف مذهبه: يصلى
على النبي و آله، و يدعى للمؤمنين و المؤمنات، و يقال: اللهم اغفر للذين تابوا» (57)
الآية. و في صحيحة ابن اذينة و الفضيل: «و ان كان واقفا مستضعفا، فكبر، و قل: اللهم اغفر
للذين » (58) الآية. و في صحيحة الحلبي: «ان كان مستضعفا فقل: اللهم اغفر للذين...» (59) الآية. و اما في المجهول فتقول ما في هذه الصحيحة ايضا: «و اذا كنت لا تدري ما حاله
فقل: اللهم ان كان يحب الخير و اهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه » . و نحوه في الرضوي (60) . و ظاهر الامر في هذه الاخبار الخالية عن المعارض الوجوب، كما هو مذهب جماعة (61) .
و لا يعارض المجهول ما في صحيحة زرارة و محمد السابقة «المستضعف و الذي لا يعرف
مذهبه » لانه ليس صريحا في المجهول، لاحتمال كون قوله: «لا يعرف » بصيغة الفاعل، و
يكون بيانا للمستضعف، اي: لا يعرف الحق الذي هو مذهبه حقيقة. و قيل بعدم الوجوب في الاول، لان التكبير عليه اربع، و بها يخرج عن الصلاة (62) . و فيه-مضافا الى انه لا يتعين وقوع الدعاء وجوبا بعد الرابعة، و الى انه لا ضير
في وجوب هذا الدعاء بعد الخروج-: منع كون التكبير هنا اربعا.و اما الاخبار
الدالة عليها فكما مر واردة في المنافق، و صدقه على كل مخالف غير معلوم، فتخصيص
المخالف من اخبار الخمس لا دليل عليه، و عدم معلومية التفرقة بين المنافق و
المخالف غير ضائر، و انما الضائر معلومية عدم التفرقة، و هي غير حاصلة. و ظاهر تصريحات القوم كون هذه الدعوات في هذه الصلاة بعد الرابعة. و لا باس بالقول باستحبابه، لذلك.
المسالة الثامنة:
تجب في هذه الصلاة مضافا الى ما مر امور: منها: الاستقبال بلا خلاف، كما في المدارك و الذخيرة و الحدائق (63) ، بل الظاهر انه
اجماعي، كما يستفاد من كتب الاصحاب و عمل الناس مستمرا من الصدر الاول الى
هذا الزمان. فهو الحجة فيه، مضافا الى استفادته من رواية ابي هاشم الجعفري الواردة في
الصلاة على المصلوب ايضا (64) ، حيث علل فيها وجوب القيام على منكبه الايسر بقوله:
«فان ما بين المشرق و المغرب قبلة » اولا، و امر بالقيام على المنكب المخالف
للقبلة الموجب لمواجهة القبلة ثانيا.و قال: «و ليكن وجهك الى ما بين المشرق و
المغرب » ثالثا. و تؤيده ايضا روايتا جابر و الرضوي الآتيتان في المسالة الثانية من البحث
الرابع (65) . و لو تعذر من المصلي او الميت، او جهلت القبلة سقط وجوبه، للاصل. و منها: القيام مع القدرة اجماعا، كما عن الذكرى و في المدارك و الذخيرة و
الحدائق (66) ، و الظاهر منها و من استمرار عمل الناس عليه انه ايضا اجماعي. و يسقط
مع العجز قطعا. و في الاكتفاء بصلاة العاجز مع وجود القادر احتمالان، اظهرهما الاكتفاء،
اقتصارا فيما يخالف الاصل على موضع الوفاق، مضافا الى اشتمال العمومات
للعاجز ايضا، فصلاته مشروعة، فيؤدي بها الواجب. و منها: جعل راس الميت الى يمين المصلي في غير الماموم مع الامكان، بلا خلاف
اجده، بل في الذخيرة و الحدائق نفي الخلاف فيه صريحا (67) ، و تؤيده-مع الاستمرار
المتقدم-موثقة عمار: عن ميت صلي عليه، فلما سلم الامام فاذا الميت مقلوب
رجلاه الى موضع راسه، قال: «يستوي و تعاد الصلاة عليه و ان حمل ما لم يدفن، فاذا
دفن فقد مضت الصلاة و لا يصلى عليه » (68) . بل في مفهوم الشرط في قوله: «فاذا دفن فقد مضت » دلالة على المطلوب. قالوا: و لا بد مع ذلك من كون الميت مستلقيا (69) . و منها: تقارب المصلي الى الجنازة بحيث لا يكون متباعدا كثيرا، ذكره جمع من
الاصحاب (70) ، و استدل بالتاسي، و اصل الاشتغال، و عدم صدق الصلاة عليه مع كثرة
البعد. و في الكل نظر، الا انه لم ينقل فيه خلاف، و عليه استمرار العمل من الصدر الاول. قالوا: و المرجع فيه الى العرف (71) . و عن الذكرى: لا يجوز التباعد بمائتي ذراع (72) . و عن الفقيه القرب بحيث لو هبت الريح تصل الثوب الى الجنازة (73) .و كان مراده
الاستحباب. و صرح جماعة (74) باشتراط عدم ارتفاع الجنازة عن موقف المصلي، و لا انخفاضها
كثيرا.فان ثبت الاجماع، و الا ففيه النزاع. و لا يضر الاختلاف الغير البالغ حد التفاحش قطعا. و لا يجب رفع الحائل بين المصلي و بين الجنازة، للاصل. و منها: كون الصلاة بعد التغسيل-او ما في حكمه من التيمم عند تعذره- و التكفيين،
حيث يجبان، فظاهرهم الاتفاق عليه، كما في الحدائق (75) ، و في المنتهى: لا نعلم فيه
خلافا (76) ، و في المدارك: هذا قول العلماء كافة (77) . فان ثبت الاجماع كما هو الظاهر، و الا فالاصل و صدق الامتثال يقتضيان العدم.
و كيف كان تصح صلاة الجاهل و الناسي قبل ذلك، لعدم ثبوت الاجماع فيهما. و لو كان الميت فاقدا للكفن يغسل فيجعل في القبر، و تستر عورته بلبنة او نحوها،
و يصلى عليه ثم يدفن، بلا خلاف، بل عليه الاجماع في كلام جماعة (78) . لموثقة عمار: في قوم كانوا في سفر فاذا هم برجل ميت عريان، و هم عراة، فكيف
يصلون عليه و هو عريان و ليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال: «يحفر له و يوضع في لحده و
يوضع اللبن على عورته، و يصلى عليه، ثم يدفن » (79) . و ان امكن ستر عورته بثوب صلي عليه قبل الوضع في لحده، لمفهوم مرسلة ابن اسلم عن
رجل من اهل الجزيرة عن ابي الحسن الرضا عليه السلام الواردة في قوم يمشون
على الشط، فاذا هم برجل ميت عريان، و ليس للقوم ثوب يوارونه، فكيف يصلون عليه؟
قال: «اذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره و يضعونه في لحده،
يوارون عورته بلبن او حجار او تراب، ثم يصلون عليه، ثم يوارونه في قبره » قلت: و
لا يصلون عليه و هو مدفون بعد ما يدفن؟ قال: «لو جاز ذلك لاحد لجاز لرسول الله صلى
الله عليه و آله و سلم، فلا يصلى على المدفون و لا على العريان » (80) . و هل هو على سبيل الوجوب او الجواز؟ فيه وجهان، و الاظهر الثاني، للاصل، و
قصور الرواية عن الدلالة على الوجوب.
المسالة التاسعة:
لا تشترط في هذه الصلاة الطهارة من الحدث، بالاجماع المصرح به في جملة من
الكتب، كالخلاف و التذكرة و المنتهى و الذكرى و روض الجنان و الروضة (81) ، و
و الرضوي (84) ، معللا في بعضها
بانه انما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل، و في آخر بانه ليس بالصلاة انما
هو التكبير، و الصلاة هي التي فيها الركوع و السجود، و الاخبار المصرحة
بجواز هذه الصلاة من الحائض، كصحيحة محمد (85) ، و موثقة سماعة (86) ، و روايات عبد
الحميد (87) ، و عبد الرحمن (88) و ابن المغيرة (89) ، و الرضوي (90) . و لا من الخبث، كما صرح به بعض الاصحاب (91) ، للاصل السالم عن المعارض، المؤكد
باطلاقات اخبار جواز صلاة الحائض، مع عدم انفكاكها عن الخبث غالبا. و لا ستر
العورة، للاصل المذكور، وفاقا للفاضل (92) ، و خلافا للذكرى (93) ، لوجه غير وجيه. و لا قراءة فيها واجبا اجماعا، كما عن الخلاف و الروض (94) ، للاصل، و صحيحة محمد و
زرارة و موثقة يونس، المتقدمتين في المسالة الثالثة (95) . و اما ما في رواية
القداح من «ان عليا كان اذا صلى على ميت يقرا بفاتحة الكتاب » (96) . و رواية ابن سويد: في الصلاة على الميت «يقرا في الاولى بام الكتاب » (97) . فلا يدلان على الوجوب و غايتهما الاستحباب، و لا باس به ان لم يكن عدمه
اجماعيا كما ادعاه في الروض بل الخلاف (98) ، و لكن الظاهر من الذكرى عدم ثبوته (99) ،
بل ظاهر المنتهى جواز قراءة الفاتحة، حيث قال في الجواب عن الرواية بان وقوعه
مرة لا يدل على الوجوب، و نحن لم نوظف فيها شيئا، بل المستحب الشهادة، و معناها
موجود في الفاتحة فجاز ان يقراها (100) . و لا ينافيه الصحيح و الموثق المذكوران، لاحتمالهما نفي الوجوب.بل هو الظاهر
من الصحيح، حيث ان النفي تعلق بها و بالدعاء الموقت، مع انه مستحب اجماعا، و حمل
الروايتين على التقية انما هو اذا كان لهما معارض ينافيهما.و الاحوط الترك.
و لا تسليم كذلك، اجماعا ايضا كما عن السيد و الخلاف و الذكرى و الروضة (101) . و تدل عليه المستفيضة من الاخبار كصحيحتي الحلبي (102) ، و الاشعري (103) ، و رواية
الحلبي (104) ، و المرويين في الفقه الرضوي (105) ، و تحف العقول (106) ، النافية جميعا
التسليم في صلاة الميت، و بازائها روايات دالة بظاهرها على الاستحباب (107) ، و
الكلام فيه هنا كالكلام فيه في القراءة. و هل يشترط فيها ترك ما يجب تركه في سائر الصلوات-غير الحدث و الخبث- من
التكلم و الالتفات و الفعل الكثير و القهقهة و غيرها؟ . ظاهر المدارك و الذخيرة بل صريحهما الاستشكال (108) .و هو في موقعه، لعدم الدليل، و
عدم ثبوت الاجماع بل و لا نقله، و الاصل هو المناص، و الاحتياط اولى.
المسالة العاشرة:
تستحب في هذه الصلاة مضافا الى ما مر امور: منها: وقوف المصلي عند وسط الرجل و صدر المراة على المشهور، بل عن الغنية الاجماع
عليه (109) ، لرواية ابن المغيرة: «من صلى على امراة فلا يقوم في وسطها، و يكون مما
يلي صدرها، و اذا صلى على الرجل، فليقم في وسطه » (110) . و في الرضوي: «اذا اردت ان تصلي على الميت، فكبر عليه خمس تكبيرات، يقوم
الامام عند وسط الرجل و صدر المراة » (111) . و عن الاستبصار الوقوف عند راس المراة و صدر الرجل (112) ، لرواية موسى ابن بكر:
«اذا صليت على المراة فقم عند راسها، و اذا صليت على الرجل فقم عند صدره » (113) . و عن الخلاف و والد الصدوق عكس ما في الاستبصار (114) ، لنقل الاول الاجماع عليه. و في رواية جابر: «كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقوم من الرجل بحيال
السرة و من النساء ادون من ذلك قبل الصدر» (115) . و استظهر بعض مشايخنا الجمع بين الاخبار الثلاثة بالتخيير (116) . و الوجه التخيير بين الكل، جمعا.و عدم ظهور قائل بما حكي عن الخلاف علينا لا يضر،
لان الاجماع المنقول يكفي في اثبات الاستحباب.نعم عن المقنع اطلاق الوقوف على
الصدر (117) ، و مستنده غير واضح. و مقتضى ظاهر اكثر الاخبار الوجوب، الا ان الاجماع اوجب الصرف عنه. و العموم (118) ، الا ان تعسره بل تعذره عند التعدد، و استمرار العمل على خلافه اوجب
التخصيص بالامام و المنفرد.و لو اقتصر على ما اذا كثر المامومون لكان اولى،
فيقف الماموم الواحد او الاثنان خلف الامام مقام الاستحباب، و يدل عليه
ما سياتي من استحباب وقوف الماموم الواحد خلف الامام، فالتخصيص
بالاولين مطلقا ليس بحسن. ثم ان لاستحباب هذا الوقوف قالوا: اذا تعددت الجنائز المختلفة بالذكورة و
الانوثة جعل وسط الاول محاذيا لصدر الثانية (119) . و لكن الاخبار الواردة عند التعدد لا تساعده (120) ، بل منها ما صرح بوضع المراه عند
رجلي الرجل، و منها ما صرح بوضع راسها على اليتيه او وركه.و الاخيران اخصان من
الاول، و المجموع مما مر، لشمولهما الوحدة و التعدد، و الاختلاف و عدمه، و العمل
بالخاص مقدم. و منها: انه اذا اجتمعت الجنائز المختلفة جعل الرجل مما يلي الامام و المراة
الى القبلة لصحيحتي محمد (121) ، و الحلبي (122) ، و مرسلة ابن بكير (123) . و عليها يحمل ما تضمن تقدم الرجال و تاخر النساء او عكسه، بحمل الاول على
التقدم بالنسبة الى الامام، و الثاني بالنسبة الى القبلة، حملا للمجمل على
المفصل، و تقديما للنص على المحتمل. و اما رواية الحلبي المتضمنه لعكس ما ذكر (124) ، فمع امكان التكلف فيها و
ارجاعها الى الاول، شاذة، و لدعوى الاجماع المتكررة مخالفة، فهي بالنسبة الى
ما مر مرجوحة، سيما مع اكثريته عددا و اصحيته سندا. و الصبي في قبلة الرجل و المراة في قبلته، لمرسلة ابن بكير. و مقتضى اطلاقها تقديم الصبي على المراة بالنسبة الى الامام و ان لم يبلغ
الست حيث يصلى عليه-اما لضرورة او للقول باستحبابها او وجوبها-كما عن
الصدوقين (125) . و منهم من خصه بالبالغ ستا، و جعل غيره مما يلي قبلة النساء، لوجه اعتباري (126) لا
يصلح مقيدا لاطلاق الرواية و لو كان في مقام الفضيلة. كما لا يصلح له عدم ثبوت استحباب الصلاة عليه، لانه قد تدعو اليها الضرورة.و
دعوى الندرة فيها فلا يشملها الاطلاق ضعيفة، لان في زمان صدور الخبر و مكانه الندرة
ممنوعة، لكثرة المخالطة مع العامة، كما تشعر به صلاتهم عليهم السلام على اطفالهم،
كما مر. و لا ايجابه (127) بعد من تجب الصلاة عليه عن الامام او عمن تجب الصلاة عليه (128) ،
لان مضرة مثل هذا القدر من التباعد غير ثابتة، مع ان دليلها ليس الا الاجماع
المنتفي في موضع النزاع. فالقول بالتخصيص ضعيف. و اضعف منه اطلاق العكس، كما في النافع و النهاية (129) ، لعدم ظهور مستنده بالمرة، مع
مخالفته لاطلاق المرسلة و دعوى الاجماع عن شيخ الطائفة (130) . و منها: وقوف الماموم و لو كان واحدا خلف الامام، بخلاف غيرها من الصلوات،
فان الماموم الواحد يقف عن يمين الامام. و اذا كان مع الرجال نساء وقفن خلفهم.و ان كانت فيهن حائض انفردت عن جميعهن.
كل ذلك للنصوص (131) ، و فتوى الاصحاب. الا ان في المنتهى احتمل في الحائض
انفرادها عن الرجال خاصة، لتذكير الضمير في النصوص (132) . و يرده اطلاق الوحدة و البروز في موثقة سماعة: عن المراة الطامث اذا حضرت
الجنازة، قال: «نعم و تصلي عليها و تقوم وحدها بارزة عن الصف » (133) . و لا يضر عدم
شمول سائر النصوص لجمعها مع النساء من جهة تذكير الضمير. و منها: كون المصلي متطهرا، للشهرة بل الاجماع، و رواية عبد الحميد: الجنازة
تخرج بها و لست على وضوء، فان ذهبت اتوضا فاتتني الصلاة، ايجزيني ان اصلي عليها
على غير وضوء؟ قال: «تكون على طهر احب الي » (134) . و اما الرضوي: «و قد كره ان يتوضا انسان عمدا للجنازة، لانه ليس بالصلاة، انما هو
التكبير، و الصلاة هي التي فيها الركوع و السجود» (135) . فلا يضرنا، لان الكراهة لا يمكن ان تكون بالمعنى المصطلح، لاستحالة تحققه في
العبادة، فهي اما بمعنى الحرمة، او عدم المشروعية، او المرجوحية الاضافية.و
الاولان لا يثبتان به، لضعفه.و الثاني يؤكد المطلوب.و اما الحمل على قصد الوجوب
من العمد، ففيه ما لا يخفى من البعد. و منها: نزع النعلين، بلا خلاف اجده، و نسبه في المدارك و الذخيرة الى مذهب
الاصحاب مشعرين بدعوى الاجماع (136) . و هو الحجة فيه، مضافا الى رواية سيف بن عميرة: «و لا يصلى على الجنازة بحذاء،
و لا باس بالخف » (137) . و مرسلة المقنع: «لا يجوز للرجل ان يصلي على جنازة بنعل حذو» (138) . و نحوه الرضوي (139) ، الا
انه عبر بقوله: «و لا يصلي » . و لضعف الرواية سندا و قصورها دلالة على الحرمة حتى الوسط-لاحتمال ارادة تساوي
الطرفين من الجواز-لا يثبتان سوى الكراهة الموجبة لاستحباب الترك، فالقول
بالمنع-كما عن المقنع-ضعيف. و استحباب نزع الحذاء اما يشمل جميع النعال حتى العجمية و نحوها، او يدل على
استحباب نزعها ايضا بالفحوى، او عدم الفارق، فيستحب نزعها ايضا. و يستثنى
الخف، لما مر. و صرح جماعة باستحباب التحفي (140) ، و استدلوا عليه ببعض الوجوه الضعيفة، الا ان
يحكم به بفتواهم، حيث ان المقام يتحمل المسامحة. و منها: رفع اليدين بالتكبيرات الخمس اجمع، اجماعا محققا، و محكيا مستفيضا، في
، و التهذيب و الاستبصار (143) ، و
المعتبر و الشرائع و النافع (144) ، و المنتهى و الارشاد و غيرهما من كتب الفاضل (145) ،
و ظاهر المدارك و شرح الارشاد و الذخيرة و الحدائق (146) ، و جمع آخر من المتاخرين (147) ،
بل ادعي عليهم شهرتهم، في البواقي (148) . لصحيحة العرزمي: «صليت خلف ابي عبد الله عليه السلام خلف جنازة، فكبر خمسا يرفع
يديه في كل تكبيرة » (149) . و بمضمونها رواية محمد بن خالد (150) . و رواية يونس عن مولانا الرضا عليه السلام: ان الناس يرفعون ايديهم في
التكبيرة على الميت في التكبيرة الاولى، و لا يرفعون فيما بعد ذلك، فاقتصر على
التكبيرة الاولى كما يفعلون او ارفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال: «ارفع يديك في كل
تكبيرة » (151) . خلافا للمحكي عن المفيد و السيد و النهاية و المبسوط و الحلي (152) ، بل نسبه جماعة
الى الاكثر (153) ، و عن الغنية و السرائر و شرح الجمل للقاضي الاجماع عليه (154) ،
فقالوا: انه في غير الاولى غير مستحب. لموثقة غياث: «عن علي عليه السلام انه لا يرفع يده في الجنازة الا مرة واحدة، يعني
في التكبير (155) . و بمضمونها رواية الوراق (156) . و يؤيده الرضويان المصرحان برفع اليد في التكبيرة الاولى (157) . و يرد، بعد الجواب
عن الرضويين بعدم الدلالة الا بمفهوم الوصف الذي ليس بحجة، سيما مع احتمال
كون الرفع في تكبيرة الاحرام آكد و اشد استحبابا، ان الفعل مقدم على الترك عند
التعارض، سيما اذا كان الترك بالفعل الذي لا يعارض القول، سيما في مقام
الاستحباب الذي يجوز تركه و لو دائما، سيما اذا كان موافقا لعمل اكثر العامة،
بل رؤسائهم كابي حنيفة و مالك و الثوري (158) ، بل الجميع في ذلك العهد، كما يستفاد
من رواية يونس، سيما اذا كان رواية الفعل متاخرة عن الترك حيث ان رواية يونس
عن الرضا عليه السلام و البواقي عن الصادق عليه السلام، و الاخذ بالاحدث من
المرجحات المنصوصة. و منه ظهر ان ادلة الاستحباب عن المعارض خالية، و لو سلم فهي راجحة. فترجيح
المخالف بموافقة الشهرة و حكاية الاجماع ضعيف، كيف؟ ! مع انهما بنفسهما ليستا
بحجة، و الشهرة المرجحة انما هي في الرواية، و هي هنا مفقودة، بل ليست الا الفتوى، و
مع ذلك ليست هي ايضا الا المحكية. و منها: وقوف المصلي موقفه حتى ترفع الجنازة، للشهرة، و روايات حفص (159) ، و يونس (160) ،
و الرضوي (161) . و في الاخير: «و لا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على ايدي الرجال » . و مقتضى
اطلاقاتها شمول الحكم للامام، و الماموم، و المنفرد. فلا يخصص بالاول، كما عن
الاسكافي و الشهيد (162) ، من غير وضوح المستند. نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثني منهم اقل ما يمكن به رفع الجنازة قطعا، و
وجهه ظاهر. و منها: كون المصلين عليه كثيرا، للشهرة، و اقربية دعائهم الى الاستجابة، و رجاء
مجاب الدعوة فيهم، و النبوي: «من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد اوجب » (163) . و استدل عليه ايضا بروايات لا تفيد ازيد من مطلوبية شفاعة اربعين رجلا من
المؤمنين كما في الصحيح (164) ، او ممن لا يشرك بالله، او مائة كما في روايات عامية (165) ،
او دعائهم له (166) . و هي اعم من المطلوب، و لكنها لا باس بها في مقام التسامح، سيما مع عدم العلم
بوقوع الدعاء غالبا الا مع الصلاة. و لا يضر اختصاص العدد فيها، لان رجاء حصول وصف الايمان و عدم الشرك في العدد مع
التجاوز اقرب. و منها: الصلاة في المواضع المعتادة لذلك، ذكره جملة من الاصحاب (167) ، و عللوه
بانه ليكون طريقا الى تكثير المصلين، حيث ان السامع موته يقصدها للصلاة عليه
فيها.