الاستعانة برأي الإمام في تداول الثروة
الثروة واسلوب
تداولها من الاُمور الحسّاسة بعد القضاء ، ولها تأثيرها الواضح على سير
الأعمال والنشاطات والممارسات; ولهذا فإنّ الإمام(عليه السلام) بذل ما يمكن
بذله من إبداء النصح والتوجيه ليكون أسلوب تداول الثروة منسجماً مع أساسيات
الشريعة الإسلامية ومع المصلحة العامّة للدولة وللاُمّة
وللإسلام .
وأوّل بادرة
للاستشارة حينما أراد عمر بن الخطّاب التفرّغ لتسيير حركة الدولة وحركة
المسلمين استشار الصحابة في حقّه في بيت المال ، فاختلفت أقوالهم ،
فقال : ما تقول يا عليّ؟ فقال : «ما أصلحك وأصلح عيالك
بالمعروف ، ليس لك من هذا المال غيره» فقال الصحابة : القول قول
ابن أبي
طالب28 .
وقدم على عمر مال
فيه مجوهرات وذهب وفضّة ، فاستشار الصحابة فقال الإمام(عليه
السلام) : «لم يجعل الله علمك جهلا ويقينك شكّاً ، إنّه ليس لك من
الدُّنيا إلاّ ما أعطيت فأمضيت أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت ، وإنّك
إن تبعته على هذا اليوم لم تعدم في غد من يستحقّ به ما ليس له» فقال
عمر : صدقتني
ونصحتني29 .
وشاور عمر
الصحابة في سواد الكوفة ، فقالوا له : تقسمها بيننا ، فشاور
الإمام(عليه السلام) فقال : «إن قسّمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا
شيء ، ولكن تقرّها في أيديهم يعملونها ، فتكون لنا ولمن
بعدنا» .
فقال عمر :
«وفّقك الله هذا
الرأي»30 .
وكان عمر
متردّداً في خزائن بيت الله وما فيها من أموال وسلاح ، أيتركها أم
يوزّعها فقال له الإمام(عليه السلام) : « . . . لست
بصاحبه ، إنّما صاحبه منّا شاب من قريش يقسمه في سبيل الله في آخر
الزمان»31 .
وحينما وضع عمر
الدواوين وفرّق بين المسلمين بالعطاء على أساس السبق في الايمان
والهجرة ، فقدّم المهاجرين على الأنصار ، والأنصار على مسلمي
الفتح ، ومسلمي الفتح على المتأخّرين إسلاماً ، لم يعترض
الإمام(عليه السلام) على طريقة التوزيع ، وإن كان قد ساوى في العطاء في
وقت خلافته كما يذكر جميع المؤرّخين ، فقد يكون مراعياً للظروف
الموضوعية في ذلك ، أو عدم رغبته في مخالفة الخليفة أو الصحابة ،
أو انّ اسلوب التداول والعطاء من صلاحيات الخليفة في حدود المصلحة العامّة
ولا محذور شرعي فيه ، وعلى العموم فإنّ الإمام(عليه السلام) لم يعترض
على طريقة التوزيع ، ولم يخالف رأي عمر في حينه .