سيرة الإمام(عليه السلام) بعد الفتنة
بعد ستّة أعوام
من خلافة عثمان بدأت بوادر المعارضة له ولسيرته من قبل بعض الصحابة ،
ومن قبل بقيّة المسلمين في بعض الأمصار كالكوفة والبصرة ومصر ، وقد خلقت
هذه المعارضة جوّاً من الاضطراب والتخلخل في تماسك ووحدة الكيان
الإسلامي ، وفي ظلّ هذه الأجواء لم يقف الإمام علي(عليه السلام) موقف
الحياد أو الانعزال عن الأحداث وعن الميدان ، وإنّما قام بواجبه في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفاظاً على تماسك الكيان الإسلامي وحفاظاً
على سلامة تطبيق المنهج الإسلامي من قبل الخليفة والولاة والأمّة ، وكان
يحاول تهدئة الأوضاع والعلاقات المتشنجة; لكي لا تحدث الفتنة وتتوسّع ولكي لا
يتمزّق الكيان الإسلامي .
وكان أوّل موقف
له(عليه السلام) أن حذّره من بعض الولاة الذين سبّبوا إثارة المعارضين;
لأنّهم يدّعون أنّ مواقفهم وأعمالهم كانت بأمر من
عثمان52 .
وكان ينصحه
كثيراً كلّما خلي به ، وكان يقول له : «أمّا الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها باباً، واسهّل إليها
سبيلا، ولكنّي أنهاك عمّاينهاك الله ورسوله عنه ، وأهديك إلى
رشدك . ألا تنهي سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم
وأموالهم ، والله لوظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان
إثمه مشتركاً بينه
وبينك»53
.
وكان يحذّره من
مروان بن الحكم ومن الأخذ برأيه فيقول : «فلا تكوننّ لمروان
سيقة يسوقك حيث
شاء»54
.
وكان الوسيط بينه
وبين المعارضين ، وكان عثمان يدعوه أحياناً للتدخّل من أجل تهدئة
الأوضاع ، قال له في أحد المواقف : « . . . ارددهم عنّي فانّي أعطيهم ما
يريدون من الحقّ من نفسي ومن غيري» .
فقال له
الإمام(عليه السلام) : «إنّ الناس إلى
عدلك أحوج منهم إلى قتلك وانّهم لا يرضون إلاّ بالرضا ، وقد كنت
أعطيتهم من قبل عهداً فلم تفِ به ، فلا تغرر في هذه المرّة ، فإنّي
معطيهم عنك الحقّ» .
قال : اعطهم
فوالله لأفينَّ لهم .
فخرج الإمام(عليه
السلام) إلى المعارضين فقال : «إنّكم
إنّما تطلبون الحقّ وقد أعطيتموه وإنّه منصفكم من نفسه»
.
وكتب عثمان بينه
وبين المعارضين كتاباً على ردّ كلّ مظلمة ، وعزل كلّ عامل كرهوه ،
فكفّوا
عنه55 .
إلاّ أنّ مروان
بن الحكم اعتبر ذلك ضعفاً وأنّه سيجرئهم عليه فخطب في المعارضين وقبّحهم دون
علم عثمان ، فتأزّمت الأوضاع ، وتدخّل الإمام مرّة أخرى فأرجع
المعارضين وحذّره من مروان قائلا : «والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا
نفسه ، وأيم الله إنّي لأراه سيوردك ثمّ لا يصدرك» .
وبعد رجوعهم إلى
بلدانهم أمسكوا بغلام عثمان ، وبيده كتاب يختمه يأمر والي مصر
بقتلهم ، فاقتنعوا أنّه مكتوب من قبل مروان ، فطالبوا عثمان
بتسليمه إليهم فأبى فحدث
الحصار56 .