البيعة والوحدة الإسلامية
مهما اختلف
الرواة والمؤرخون في وقت بيعة الإمام(عليه السلام) لأبي بكر وأسلوبها ،
فإنّ النتيجة كانت حفاظاً على وحدة الدولة الإسلامية ووحدة الاُمّة
الإسلامية ، وحاجة الدولة الفتية إلى دور الإمام علي(عليه السلام) في
إنجاح المسيرة ، وفي المرحلة التي سبقت البيعة أو التي تلتها بقليل رفض
الإمام(عليه السلام) جميع المواقف والممارسات التي تدعو إلى التباغض والعداء
والتشتّت ، ومنها : موقفه من عتبة بن أبي لهب حينما
قال :
ما كنت أحسب أنّ الأمر
منصرف
عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن
أليس أوّل من صلّى
لقبلتكم
وأعلم الناس بالقرآن والسنن
فبعث إليه
الإمام(عليه السلام) فنهاه وأمره أن لا يعود وقال : «سلامة الدين أحبُّ إلينا من
غيره»4
.
وحينما قدم أبو
سفيان المدينة قال : « . . . والله ، إنّي لأرى
عجاجة لا يطفئها إلاّ دم . . . أين المستضعفان أين الأذلاّن
عليّ والعبّاس» .
وقال :
«أبا حسن ابسط يدك حتّى أُبايعك» فزجره الإمام وقال له : «إنّك والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة ، وانّك والله
طالما بغيت الإسلام شرّاً ، لا حاجة لنا في
نصيحتك»5
.
واستمر أبو
سفيان في تحريضه فقال : « . . . فوالله إن شئت لأملأنّها
على أبي فصيل خيلا
ورجالا»6 .
فزجره
الإمام(عليه السلام) لأنّ موقف أبي سفيان مخالف لأهداف الإمام(عليه
السلام)الكبرى في الحفاظ على الكيان والوجود الإسلامي; لأنّ الهدف من الخلافة
هو تقرير مبادئ الإسلام في واقع الحياة وجعلها حاكمة على الأفكار والعواطف
والممارسات ، ولا يتحقّق هذا الهدف بتصديع الجبهة الداخلية وإشغالها
بالمعارك الجانبية ، إذ لا قيمة للخلافة أمام تلك الأهداف
السامية .
وقد تعدّدت
الروايات في الأسباب والعوامل التي دفعته للبيعة بين السلبية
والإيجابية ، ونحن نختار الايجابي منها لأنّه الأقرب للواقع ولحرص
الإمام(عليه السلام) على المصلحة الإسلامية والوحدة الإسلامية ، ومن هذه
الروايات : «انّ عثمان قال له : يا ابن العمّ! إنّه لا يخرج أحد
إلى قتال هذا العدوّ وأنت لم تبايع ، ولم يزل به حتّى مشى إلى أبي
بكر ، فسرَّ المسلمون بذلك وجدّ الناس في
القتال»7 .
وإذا تبنينا
رواية تهديده بالقتل فالأمر لا يختلف; لأنّ قتله(عليه السلام)سيؤدي إلى
الفرقة والتشتّت ، وهذا ما يخالف أهدافه الكبرى في الحفاظ على وحدة
المسلمين .
وقد عبّر
الإمام(عليه السلام) عن موقفه الوحدوي قائلا : «إنّ الله لمّا قبض نبيّه ، استأثرت علينا قريش
بالأمر ، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة ، فرأيت أنّ
الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين ، وسفك دمائهم ، والناس
حديثو عهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى
وهن ، ويعكسه أقلّ
خلف»8
.
فكان توحيد
الصف أهم من حقّه بالخلافة ، وقد راعى المصلحة الإسلامية الكبرى في هذا
الموقف .
وقال(عليه
السلام) في موقف آخر : « . . . فما راعني إلاّ انثيال
الناس على أبي بكر ، وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ،
ورأيت أنّي أحقّ بمقام محمّد(صلى الله عليه وآله) في النّاس
ممّن تولّى الأمر من بعده ، فلبثت بذاك ما شاء الله حتّى رأيت راجعة من
الناس رجعت عن الإسلام ، يدعو إلى محق دين الله وملّة
محمّد(صلى الله عليه وآله) ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً
وهدماً يكون المصاب بهما عليَّ أعظم من فوات ولاية
أُموركم . . . فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ،
ونهضت في تلك الأحداث ، حتى زاغ الباطل وزهق ، وكانت كلمة الله هي
العليا»9
.