القسم الأوّل - قاعدة لا تعاد (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قاعدة لا تعاد (1) - نسخه متنی

السید محمود الهاشمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







قاعدة « لا تعـاد »





نويسنده: آية اللّه‏ السيّد محمود الهاشمي



القسم الأوّل



البحث في قاعدة « لاتعاد » نورده ضمن مقدمة وفصلين وخاتمة

أما المقدمة فنتعرّض فيها إلي اُمور ثلاثة :



الأمر الأول :



لا إشكال في اختصاص القاعدة بباب الصلاة حيث إنّها واردة لتصحيح الصلاة ونفي لزوم إعادتها إذا كان الخلل الواقع فيها من ناحية غير الخمسة ـ أي : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ـ كما أنّه لاشك في كونها قاعدة واقعية لا ظاهرية ؛ لأنّها تصحح الصلاة وتنفي لزوم إعادتها واقعا مع العلم بوقوع الخلل فيها ، لا ظاهرا عند الشك في ذلك ؛ فإنّه موضوع لقاعدة التجاوز أو الفراغ الظاهرية .



نعم ، هي قاعدة إثباتية لاثبوتية بمعني أنّها مجرّد تعبير جامع لموارد صحة الصلاة وعدم قدح الخلل الواقع فيها إذا كان في غير الأركان ، فتكون ثبوتا نحو تقييد في دليل اعتبار ذلك الشرط أو الجزء ، لا قاعدة وجعلاً مستقلاً .



وإن شئت قلت : إنّ القواعد الفقهية قد تكون ذات نكتة ثبوتية مستقلة فتكون قاعدة ثبوتية خطابا وملاكا ، أو ملاكا فقط بحيث يكون تقييد أدلّة الاحكام الاُخري في موردها علي أساس ذلك الملاك الوحداني والنكتة الواحدة الثبوتية سواء كانت قاعدة واقعية أو ظاهرية كقاعدة الجبّ والضمان باليد والاتلاف أو قاعدة التجاوز والفراغ أو غير ذلك ، وقد لا يكون إلاّ تعبيرا وحدانيا في مقام الاثبات بحيث لايعدو أن يكون مجرّد لسان يكشف عن تقييد خطاب آخر كالأمر بالصلاة من دون أن يكون وراء ذلك جعل مستقل أو نكتة مستقلة ثبوتية للتقييد كما في سائر القواعد ، حتي مثل قاعدة لاحرج ولا ضرر الكاشفة عن تقييد الاحكام الاولية فإنّ لها حيثية ونكتة ثبوتية مستقلة ولو ملاكا وهي رافعية الحرج أو الضرر للاحكام الاولية واقتضاوءه لتقييد إطلاقاتها ورفع اقتضاءاتها ، وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ قاعدة « لاتعاد » ليست إلاّ لسانا إثباتيا لبيان عدم إطلاق الجزئية أو الشرطية في حالات النسيان علي حد سائر أدلّة التقييد ، غاية الأمر قد جمع ذلك بلسان : « لاتعاد الصلاة من غير الأركان » ، نعم ما ورد في تعليلها بالفرض والسنّة يمكن أن يكون نكتة مشتركة واحدة للتقييد .



وأيا ماكان فلا ينبغي الشك في أنّ قاعدة « لاتعاد » من القواعد الفقهية لا الاُصولية ؛ لأنّها بنفسها حكم فرعي عملي ، وقد بيّنا في موضعه ميزان الفرق بين القواعد الفقهية والاُصولية ، فلا نعيده في هذه الرسالة .



الأمر الثاني :



مجال إجراء هذه القاعدة موارد الخلل الواقع في الصلاة والتي بقطع النظر عنها يحكم فيها بالفساد وبوجوب الاعادة علي القاعدة ، وهذا إنّما يكون في الأجزاء والشرائط الثابتة بدليل لفظي بحيث يمكن التمسك بإطلاقه لحالة الجهل والنسيان ، وأمّا إذا كان المدرك دليلاً لبيّا قدره المتيقن صورة العمد مثلاً ، فالصحة حينئذٍ ثابتة علي القاعدة ولو لم تتم قاعدة « لاتعاد » ، ومثله ما إذا كان الدليل علي اعتبار ذلك القيد نكتة عقلية تكون مخصوصة بحال العلم والعمد من قبيل شرطية إباحة مكان المصلّي بناءً علي القول بجواز اجتماع الأمر والنهي حيث إنّه يوجب دخول مورد الاجتماع في باب التزاحم لا التعارض ، فيكون العمل صحيحا لولا عدم تأتّي قصد القربة من المكلّف بالفعل الحرام ، فإذا فرض الجهل بالحرمة وعدم تنجزها كان العمل صحيحا لا محالة لاستيفاء العمل تمام أجزائه وشرائطه ، فلا يحتاج في مثله الي القاعدة .



وهذا أحد الوجوه التي ذكرناها في محله لتخريج الفتوي المشهورة من التفصيل بين العلم بغصبية المكان وحرمته فتبطل الصلاة فيه ، وبين الجهل بها فتصح .



قد يقال : بأنّ موارد النسيان والسهو والتي هي القدر المتيقن من مفاد القاعدة ـ علي ما سوف يأتي الاشارة إليه ـ يكون الحكم بالصحة ثابتا فيها أيضا بلا حاجة إلي قاعدة « لاتعاد » ؛ وذلك بأحد تقريبين :



التقريب الأول :



إنّ النسيان والسهو يوجب سقوط التكليف بالجزء أو الشرط المنسي ؛ لأنّه فرع الالتفات إليه ، فيسقط اعتبار الجزء أو الشرط المنسي ويحكم بصحة ما أتي به من العمل الناقص إمّا تمسكا باطلاق الأمر بأصل الواجب في حقه ـ لو فرض إمكان خطاب الناسي بالأقل ـ أو بمقتضي الأصل العملي القاضي بالبراءة لو فرض عدم إمكان خطاب الناسي حتي بالأقل كما ذهب إليه مشهور المتأخرين ، فلا نحتاج إلي قاعدة « لاتعاد » .



وفيه : أولاً : لو سلّمنا الأصل الموضوعي المبتني عليه هذا التقريب فهو لا يتم إلاّ في المورد الذي يستوعب فيه النسيان تمام الوقت لا ما إذا تذكّر في أثنائه ؛ إذ لا إشكال في إمكان إيجاب الاكثر عليه ؛ لأنّ الواجب إنّما هو الاكثر ما بين الحدّين وهو متمكن من إتيانه بمجرّد ارتفاع النسيان في الاثناء ، فيشمله إطلاق الأمر بالاكثر المقتضي لوجوب الاعادة كما هو واضح .



وثانيا : إنّه مبني علي كون الأوامر المتعلّقة بالأجزاء والشرائط مولوية لا إرشادية لبيان اعتبارها في المركّب الشرعي كما هو الظاهر منها ، وهو مقتضي فهم الأصحاب لها أيضا حيث يتمسكون باطلاق أدلّة الجزئية والشرطية لحالات التعذّر وبه يثبتون سقوط الأمر ؛ فإنّه بناءً علي هذا يكون إطلاق دليل اعتبار ذلك القيد بنفسه مقتضيا للاعادة والقضاء لا محالة .



وثالثا : إنّه مبني علي الأصل المفترض من عدم إمكان فعلية الأمر في موارد النسيان ، وهو ممنوع ؛ فإنّه إن كان ذلك من جهة مساوقته للعجز عن الامتثال فيخرج عن إطلاق الخطاب بقيد القدرة فهو واضح البطلان ؛ لأنّ النسيان والغفلة غير العجز ، ومن هنا قد يصدر منه الفعل في حال النسيان والغفلة أيضا وإن كان بلا التفات وقصد .



وإن شئت قلت : إنّ المقيد اللبي المذكور لايقتضي التقييد بأكثر من إخراج حالات العجز وعدم القدرة حقيقة حتي إذا وصل التكليف إلي المكلّف ، وأمّا العجز الناشئ في طول عدم وصول التكليف كموارد الجهل المركب أو عدم الالتفات إلي التكليف كموارد السهو والنسيان فلا مانع من إطلاق التكليف وشموله لها وإن فرضنا صدور الفعل فيها بما هو ناسٍ غير اختياري ؛ لأنّ اللازم هو المحرّكية علي تقدير الوصول والالتفات لا المحرّكية بالفعل أي كل عدم محرّكية يمكن أن يرفعها إطلاق الخطاب لايكون قيدا فيه وإن كان صدور الفعل فيه لايسمي عمدا عرفا ؛ إذ ليس هذا المقيد لفظيا علي ماحققناه مفصّلاً في محله من علم الاُصول ، فراجع وتأمل .



وإن كان ذلك من جهة حديث الرفع ودلالته علي الرفع الواقعي للتكليف في مورد الخطأ والنسيان فهو أيضا بلا موجب ؛ لأن مفاد هذا الحديث ليس بأكثر من رفع المؤاخذة والتبعية والكلفة علي ماحققناه في محله ، فتجتمع مع فعلية الحكم الواقعي الثابت بمقتضي إطلاق دليله .



التقريب الثاني :



التمسك بحديث الرفع وتطبيقه علي الجزء أو الشرط المنسي بلحاظ حكمه الوضعي ، فنرفع به جزئية الجزء المنسي أو شرطيته ، وحيث إنّ الرفع فيه واقعي بلحاظ النسيان ، فيكون هذا الحديث بمثابة المقيد والاستثناء عن إطلاق دليل الواجب ، فيثبت بضمّه إليه أنّ الواجب ملاكا أو ملاكا وخطابا ـ بناءً علي إمكان تكليف الناسي بالأقل ـ في حق الناسي هو الاقل الذي جاء به ، فيكون صحيحا .



وفيه :



أولاً : ما تقدّم في نقد التقريب الأول أيضا من عدم تماميته فيما إذا لم يكن النسيان مستوعبا لتمام الوقت ؛ لأنّ الاتيان بالأكثر بين الحدّين الذي هو متعلّق التكليف ليس منسيا ، وإنّما المنسي الاتيان به في خصوص جزء من الوقت ، وليس ذلك موضوعا لحكم شرعي حتي يرفع بالحديث .



وثانيا : عدم صحة أصل التمسك بالحديث بلحاظ الجزئية والشرطية ونحوها من الاحكام الوضعية ، لا لعدم كونها شرعية ، فلا يكون أمر رفعها بيد الشارع ليقال بأنّ الرفع ظاهري ، أو يقال بأن منشأ وضعها بيده ، بل لأنّ ما فيه الثقل والكلفة إنّما هو الحكم التكليفي والأمر بالجزء لا الحكم الوضعي بالجزئية والشرطية ، والذي يعني الملازمة بين إيجاب الكل وإيجاب الجزء ، والحكم التكليفي لايكون رفعه في حق الناسي حتي واقعا ـ لو سلم ـ مقتضيا لوجوب الأقل عليه الذي لابد من إثباته في تصحيح عمله ، فلا يمكن إثبات الأمر بالأقل ، بل يكون إطلاق دليل الجزئية أو الشرطية كحكم وضعي ثابت محكَّما ومثبتا للاعادة والقضاء كما هو واضح .



وثالثا : ما تقدّم أيضا من المنع عن دلالة الحديث علي الرفع الواقعي في مورد النسيان ، بل غايته رفع التبعة والعقوبة ، فلا مانع من التمسّك باطلاق دليل الأمر الفعلي بالاكثر في حق الناسي وإن كان غير منجز عليه حال نسيانه .



وهكذا يتضح عدم صحة شيء من التقريبين وأنّ مقتضي الأصل والقاعدة الاولية في موارد السهو والنسيان ما هو ثابت في غيره من موارد الاخلال من وجوب الاعادة في داخل الوقت والقضاء خارجه لولا قاعدة « لاتعاد » .



وبهذا يظهر أهمية هذه القاعدة من الناحية الفقهية .



الأمر الثالث :



إنّ نفي الاعادة المفاد بهذه القاعدة يتصور ثبوتا ـ مع قطع النظر عما يستفاد من القاعدة ـ بإحد نحوين :



النحو الأول : أن تكون الجزئية أو الشرطية مقيدة بغير حال النسيان ، وهذا يعني استيفاء الأقل في تلك الحالة لتمام الملاك كالأكثر في حال العمد تمسكا بأدلّة سائر الأجزاء والشرائط ، فيقع صحيحا لا محالة ومجزيا ، فلا تجب الاعادة عليه ، هذا بلحاظ الملاك وروح الحكم .



وأما بلحاظ الخطاب فقد يقال بأنّه لايمكن تصحيح الأقل في حال النسيان بالأمر ، وإنّما يتعيّن تصحيحه بالملاك مع تعلّق الأمر بالاكثر بخصوصه ؛ لأنّه يستحيل تخصيص خطاب بالأقل للناسي ، إذ يستحيل وصوله إليه ؛ فإنّ الناسي لا يمكن أن يتصور نفسه ناسيا وموضوعا لهذا الخطاب ، بل هو يتصور نفسه متذكّرا دائما ومنبعثا عن الأمر الأول ، وبمجرّد التفاته إلي كونه ناسيا يخرج عن ذلك ، فجعل مثل هذا الخطاب لغو محض ، ولعل هذا هو منشأ القول بأنّ الأقل المأتي به في حال النسيان رغم كونه وافيا بتمام الملاك لايكون مأمورا به ، بل هو غير مأمور به ولكنه مسقط للخطاب ؛ لتحقيقه تمام الملاك المطلوب للمولي ، وإنّما لم يشمله الأمر مع أنّه تابع إطلاقا وتقييدا للملاك ، باعتبار استحالة تكليف الناسي حيث لايمكن تكليفه هنا : لا بالأكثر ؛ لعدم دخل الزائد في الملاك في حقه ، ولا بالأقل لاستحالته . وبهذا يميز بين المقام وبين موارد تعذّر الجزء أو الشرط ؛ فإنّ صحة الأقل فيها كاشف عن كون الواجب هو الجامع ، فيرجع إلي تقييد الجزئية والشرطية خطابا أيضا ؛ لعدم استحالة جعل التكليف بالأقل في حال التعذّر بخلاف المقام .



فما ذكره البعض : من أنّ وفاء الأقل بالملاك في المقام لابد وأن يرجع إلي الحكومة والتقييد في مرحلة الجعل غير تام مالم يحل إشكال استحالة تكليف الناسي .



إلاّ أنّ الصحيح أنّه يمكن تصحيح عمل الناسي بالأمر بالأقل ، فيكون التقييد راجعا إلي مرحلة الجعل أيضا ؛ وذلك بجعل الأمر بالجامع بين الأكثر في حال العمد والأقل المقيد بحال النسيان ، وهو أمر واحد شخصي علي طبيعي المكلّف ، غاية الأمر أنّ الناسي يري نفسه متذكّرا دائما وممتثلاً لأفضل الحصتين من هذا الجامع مع أنّه يقع منه أقلّهما ولا محذور فيه ، فهو من قبيل أن يأمر المولي بالجامع بين الصلاة في المسجد والصلاة في البيت ويصلّي المكلّف في البيت بتصور أنّه مسجد ؛ فإنّه علي كل حال منبعث عن شخص ذلك الأمر بالجامع .



وإن شئت قلت : إنّ كل مكلّف مأمور بالاتيان بما يتذكر من الأجزاء ، وهذا عنوان جامع ينطبق في حق الناسي علي الأقل وفي حق المتذكر علي الأكثر . فلا يتوقف تصوير الأمر في حق الناسي بالأقل علي فرض تكليف مخصوص بـه .



النحو الثاني : أن تكون الجزئية أو الشرطية ثابتة في حال النسيان أيضا ، ولكنه مع ذلك لاتجب الاعادة ؛ لعدم إمكان استيفاء ملاك الأكثر بعد الاتيان بالأقلّ في تلك الحالة ، وهذا الملاك لايلازم صحة العمل المأتي به في نفسه ، كما أنّه بناءً عليه لا يمكن التمسك بأدلّة الأجزاء والشرائط الاخري ، ولا دليل الأمر بالصلاة ؛ لأنّ إطلاق دليل جزئية الجزء أو الشرط المنسي يمنع عن ذلك كما هو واضح ، فلابد من الحكم بالصحة وعدم القضاء لو فرض من التماس دليل آخر ولو ظهور نفس القاعدة في ذلك ، فيحكم بصحة الاقل ؛ لكونه محققا لمقدار من الملاك في تلك الحال ، وبعدم الاعادة ؛ لعدم إمكان استيفاء المقدار الزائد الذي يتحقق بالأكثر ، ولازم هذه الفرضية إمكان الجمع بين نفي الاعادة والعقوبة علي ترك الأكثر إذا كان الاخلال نسيانا أو جهلاً عن تقصير ؛ لفعلية الملاك في حقه .



وهل يمكن تصحيح الأقل الذي جاء به الناسي باستكشاف الأمر به في هذا التقدير ؟

قد يقال بالعدم لأنّ الأمر بالجامع بين الأكثر في حال العمد والذكر والأقل في حال النسيان كما كان في الفرض السابق يستلزم تقييد الجزئية بحال الذكر والعمد ، وهو خلف .



وإن شئت قلت : لازم ذلك عدم التقصير فيما إذا ترك التعلّم فوقع في الجهل والنسيان والغفلة ، فالأمر بالجامع المذكور إنّما يناسب الفرضية السابقة .



وقد يحاول تصحيح الأمر بالأقل بافتراض أنّ الأمر بالأجزاء غير الركنية من قبيل الواجب في الواجب ، فهناك أمر بالأركان وأمر آخر بسائر الأجزاء يؤتي بها ضمن الفريضة .



وقد نسب ذلك في بعض الكلمات إلي الميرزا قدس‏سره ، ولعلّه استظهر من بعض الروايات الدالّة علي أنّ سائر الأجزاء من السنّة في الفريضة .



إلاّ أنّ هذا الوجه يستلزم صحة الاتيان بالأقل ـ وهو الأركان ـ في حال العمد أيضا ، وهو خلاف الفتوي بل والنصّ الدالّ علي الاعادة في صورة الاخلال بها عمدا الظاهر في عدم تحقق الفريضة في تلك الحال ، وأنّه ليست بصلاة أصلاً .



وقد يحاول تصحيح الأمر بالأقل المأتي به نسيانا بفرض أمرين أحدهما علي طبيعي المكلفين ومتعلّقه الأقل ، والآخر علي الذاكر غير الناسي بالخصوص ومتعلّقه الاتيان بالأقل ضمن الأكثر ، أي تقييد متعلّق الأمر الأول بالقيد الزائد ، فلا يصح منه الاتيان بالأقل من دون أن يلزم خطاب الناسي بالخصوص بالأقل .



وفيه : إذا كان الأمر الثاني علي الذاكر مقيّدا للأمر بالأقل مطلقا ـ أي في حق الذاكر والناسي معا ـ لزم بطلان الأقل حتي من الناسي ، وإن كان مقيدا لمتعلّقه في حق الذاكر بالخصوص لزم أن يكون الامر بطبيعي الأقل مختصا بالناسي موضوعا ، وهو محال بحسب الفرض ، وإن كان الأمر الأوّل مطلقا غير مقيد به أصلاً لزم تحقق الامتثال وصحة الاتيان بالأقل ولو في حال التذكر ، وإن كان مهملاً لا مطلقا ولا مقيدا كان مستحيلاً أيضا ؛ لاستحالة الاهمال في عالم الثبوت .



هذا ، والصحيح إمكان الأمر بالجامع بين الأقل المقيد بحال النسيان والأكثر المجعول علي طبيعي المكلّفين في هذه الفرضية أيضا كأمر ثانٍ غير الأمر بالاكثر تعيينا إمّا مطلقا ـ بناءً علي ماهو الصحيح من أنّ النسيان رافع للتنجز لا لفعلية الأمر ـ أو لخصوص العامد مع فعلية ملاكه حتي في حق الناسي ـ بناءً علي مسلك المشهور من رافعية النسيان لفعلية التكليف والخطاب ـ ، وبذلك يصح الأقل من الناسي بالخصوص باعتبار الأمر بالجامع المذكور رغم إطلاق الجزئية أو الشرطية في حقه بحيث يكون عاصيا إذا كان التفويت بتقصيره وسوء اختياره ؛ لفعلية الأمر التعييني أو الملاك التعييني بالأكثر في حق تمام المكلّفين . وقد حققنا في الاُصول إمكان جعل أمرين أحدهما بالجامع تخييرا والآخر بالفرد والحصة الخاصة منه تعيينا في أمثال هذه الموارد .



وهكذا يتضح إمكان تصحيح الأقل في حال النسيان خطابا وبالامر فضلاً عن تصحيحه ملاكا علي كلتا الفرضيتين للاجزاء ونفي الاعادة ، كما أنّه ظهر أنّ الاجزاء وعدم الاعادة بملاك تفويت الملاك كما يمكن أن يكون علي أساس تعدّد الأمر وكون الأجزاء غير الركنية من قبيل الواجب في الواجب ـ كما هو ظاهر من يري إطلاق القاعدة للعامد ـ كذلك يمكن أن يكون علي أساس وحدة الأمر وفوات مقدار لزومي من ملاكه في خصوص صورة الاتيان بالناقص نسيانا .



هذا كلّه إذا كان نفي الاعادة خاصا بصورة النسيان ، وأمّا إذا قيل به في صورة الجهل أيضا ، فأيضا يتصوّر فيه كلتا الفرضيتين ، إلاّ أنّ إشكال استحالة جعل الخطاب علي الناسي لايرد هنا إذا فرض تصحيح الأقل بالأمر ؛ إذ لايكون الخطاب بالاقل خاصا بالناسي ، بل بغير العالم ، وهذا قابل للوصول والانبعاث منه ولو في حق الجاهل الملتفت المتردّد .



إلاّ أنّه هنا قد يبرز محذور آخر في الفرضية الاولي بالخصوص ، وهو استحالة تخصيص الجزئية والشرطية أو الأمر بهما لصورة العلم والعمد ؛ لاستلزامه أخذ العلم بالحكم في موضوع شخصه ، وهو محال بل تصويب مجمع علي بطلانه .



وفيه : ماتقدم في محله من إمكان أخذ العلم بالحكم بمعني الجعل ، والكبري في موضوع شخص الحكم بمعني المجعول الفعلي ، فلا محذور ، كما أنّ التصويب المجمع علي خلافه إنّما هو في أصل الاحكام والتكاليف لا في بعض قيود المركبات الشرعية كالصلاة ، كيف ! وقد صرّح الفقهاء بوجود قيود ذكرية مشروطة بالعلم بها كالجهر والاخفات ووجوب القصر علي المسافر العالم بوجوبه وهذا واضح .



وبهذا ينتهي البحث عن المقدمة .





في الدليل علي القاعدة ، والبحث فيها نورده في جهتين :



الاُولي : في الروايات التي يمكن أن يستدل بها علي القاعدة .



والثانية : في فقه هذه الروايات وتشخيص القاعدة المستفادة منها .



أمّا البحث في الجهة الاُولي :



فما يمكن أن يستدلّ به علي هذه القاعدة طوائف ثلاث من الروايات :



الطائفة الاُولي : ما استدل به المشهور ، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‏السلام قال : « لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ـ ثم قال : ـ القراءة سنّة والتشهد سنّة والتكبير سنّة ، ولا تنقص السنّة الفريضة »( 1 ) .



وقد رواها الصدوق في الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه‏ ، عن أحمد بن محمد بن عيسي ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسي ، عن زرارة . وفي الفقيه أسندها إلي زرارة ، وسنده إليه في المشيخة ( عن أبيه ، عن عبد اللّه‏ بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عيسي بن عبيد والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل بن عيسي ، كلّهم عن حماد بن عيسي ، عن حريز بن عبد اللّه‏ ، عن زرارة ) ( 2 ) . وكلا السندين صحيحان .



وقد نقلها أيضا الشيخ في التهذيب مرسلاً لها عن زرارة ؛ ولعلّه لوضوحها وشهرتها .



والذيل الوارد فيها قرينة علي أنّ علّة الاعادة وعدمها كون الجزء أو الشرط فرضا من اللّه‏ تعالي أو سنّة .



ومن جملة روايات هذه الطائفة ما ورد في روايات متفرّقة من التمييز بين ما فرضه اللّه‏ تعالي من الحدود للصلاة في القرآن وما ليس في القرآن وإنّما ثبت من قبل النبيّ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، وتعليل نفي الاعادة في الاخلال بما هو من السنّة بذلك ، كصحيح زرارة في القراءة « إنّ اللّه‏ تبارك وتعالي فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصلاة ، ومن نسي فلا شيء عليه » ( 3 ) ومثلها صحيحة محمد بن مسلم ( 4 ) .



فإنّ تفريع نفي الاعادة في القراءة علي تقسيم الأجزاء في الصدر أولاً الي ماهو فرض من اللّه‏ وما هو سنّة ظاهر في التعليل وبيان أنّ نكتة ذلك كون القراءة من السنّة لا الفريضة .



وورد في التشهّد صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‏السلام ، في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتي ينصرف ، فقال : « إن كان قريبا رجع إلي مكانه فتشهد وإلاّ طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه ، وقال : إنّما التشهد سنّة في الصلاة » ( 5 ) فيكون سياق التعليل فيه ظاهرا في إعطاء كبري كلية وهي : إنّ ماثبت في الصلاة بالسنّة لاينقض الصلاة إذا أخلّ به لا عن عمد .



بل نفس التعبير بالسنّة في قبال الفريضة أيضا بحسب المناسبة والمتفاهم العرفي ظاهر في التخفيف من حيث المرتبة والأهمية ، وبالتالي عدم نقض الصلاة بالاخلال به في صورتي السهو والنسيان علي الأقل .



ومن جملة روايات هذه الطائفة صحيح زرارة الذي ينقله الشيخ والكليني ، قال : سألت أبا جعفر عليه‏السلام عن الفرض في الصلاة ؟ قال : « الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والتوجّه ، والركوع ، والسجود ، والدعاء » ، قلت : ماسوي ذلك ؟ فقال : « سنّة في فريضة » ( 6 ) .



ومثلها رواية الأعمش التي ينقلها الصدوق في الخصال في حديث ( شرائع الدين ) عن جعفر بن محمّد عليه‏السلام قال : « هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسك بها وأراد اللّه‏ هداه : إسباغ الوضوء كما أمر اللّه‏ عزّ وجلّ . . . وفرائض الصلاة سبع : الوقت ، والطهور ، والتوجّه ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ، والدعاء . . . » ( 7 ) .



ولكن في سندها في الخصال عدّة مجاهيل . وأيّاً ما كان : فيقتنص من مجموع هذه الطائفة قاعدة كلّية هي عدم إعادة الصلاة إذا وقع النقص والخلل فيها في غير الفرائض من غير عمد ، نعم صحيحة زرارة الاولي أوضح دلالة علي القاعدة بكليتها . وأمّا الروايات الاُخري فربّما يدعي اختصاصها بالسهو في الموضوع ، فلا يشمل الجهل بالحكم علي ماسوف يظهر خلال البحوث القادمة .



الطائفة الثانية :



ماورد بعنوان أنّ من حفظ الركوع والسجود فقد تمت صلاته ، كمعتبرة الحسين بن حماد عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام ، قال : قلت له : أسهو عن القراءة في الركعة الاُولي ؟ قال : « اقرأ في الثانية » . قلت : أسهو في الثانية ؟ قال : « اقرأ في الثالثة » . قلت : أسهو في صلاتي كلها ؟ قال : « إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك » ( 8 ) . فإنّ ذيلها ظاهر في إعطاء قاعدة كلية دالّة علي أنّ السهو في داخل الصلاة كلها لايوجب الاعادة إذا كان قد حفظ الركوع والسجود ، وحيث إنّها ناظرة إلي الأفعال في داخل الصلاة ، اقتصر فيها علي ذكر الركوع والسجود فقط .



ومثلها معتبرة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام ، قال : قلت : الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الاوليتين فيذكر في الركعتين الآخرتين أنّه لم يقرأ ؟ قال : « أتمّ الركوع والسجود ؟ » قلت : نعم ، قال : « إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها » ( 9 ) .



ومثلها رواية منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها ؟ فقال : « أليس قد أتممت الركوع والسجود ؟ ! قلت : بلي ، قال : وقد تمّت صلاتك إذا كان نسيانا » ( 10 ) فإنّ ظاهرها إعطاء نفس الكبري الكلية ، فتكون هذه الطائفة أيضا دليلاً علي القاعدة في أجزاء الصلاة غير الركنية علي الأقل .



الطائفة الثالثة :



ماورد بلسان التثليث وتقسيم الصلاة إلي أثلاث ثلاثة ، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام قال : « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود » ( 11 ) .



فإنّ التثليث الوارد فيها ظاهر في اكتمال الصلاة بهذه الاثلاث ونقصها بنقص شيء منها ، وهذا لا محالة يكون كناية عن كفايتها في الجملة ، والذي يكون قدره المتيقن حالات النسيان والسهو لا محالة ، وإلاّ لم تكن هذه الثلاثة بمجموعها تمام الصلاة ، بل هذا النسيان عرفا أحد ألسنة الاهمية والركنية للاُمور الثلاثة دون غيرها بعد أن كان مركوزا ثبوت أفعال اُخري في الصلاة أيضا ، فيكون المتفاهم منه عرفا عدم قدح الاخلال بغيرها من أفعال الصلاة إذا حفظها المصلّي بنحو القضية المهملة ـ علي الأقل ـ والتي قدرها المتيقن صورة السهو والنسيان .



نعم ، هي ساكتة عن الوقت والقبلة ؛ ولعلّه باعتبار نظرها إلي السهو والاخلال بما هو فعل عبادي يقوم بايجاده المكلّف مستقلاً .



وهكذا تثبت القاعدة بهذه الطوائف الثلاث من الروايات .



وممّا يؤكد ثبوت هذه القاعدة أيضا أنّنا بمراجعة الروايات البيانية التفصيلية الصادرة عنهم عليهم‏السلام في أجزاء الصلاة وقيودها نلاحظ أنّ ماورد منها في الأركان تأمر بالاعادة من الاخلال بها ولو كان سهوا ، بخلاف ماورد منها في غير الأركان ـ باستثناء ما سوف يأتي البحث عنه في الخاتمة ـ فإنها تنفي الاعادة إذا كان الاخلال لا عن عمد ، غاية الأمر قد تأمر بالقضاء أو سجود السهو عنه ممّا يدلّ علي صحة الصلاة في نفسها .



هذا تمام الكلام في هذه الجهة .



الجهة الثانية :



في فقه هذه الروايات ، ولا ينبغي الاشكال في أنّ المستفاد منها كبري كلية ، هي أنّ الصلاة مشتملة علي صنفين من القيود : صنف منها قيود مهمة خطيرة يعبّر عنها بالفرض ، تكون مفروضة من قبل اللّه‏ سبحانه في القرآن الكريم ولابدّ من حفظها وعدم الاخلال بها حتي سهوا ، وصنف آخر قيود أقل أهمية وركنية يعبّر عنها بالسنّة .



والسنّة تطلق تارة بمعني المستحب في قبال الواجب ، واُخري بمعني ما جعله النبي وفرضه قولاً أو عملاً في قبال مافرضه اللّه‏ سبحانه في القرآن الكريم .



والظاهر أنّ هذا هو المراد بها في المقام برغم عطف التكبير في ذيل صحيح زرارة علي التشهد والقراءة في سياق بيان السنّة ، وظاهره غير تكبيرة الاحرام ، وهو مستحب ، إلاّ أنه مع ذلك يناسب مع كلا المعنيين كما هو واضح ، فيكون المعني الثاني هو الظاهر ؛ لتصريح جملة من الروايات السابقة وغيرها بلزوم سائر الأجزاء غير الركنية في الصلاة ، بل ووجوب الاعادة إذا ترك شيئا منها متعمّدا ، فهي واجبة كالاركان إلاّ أنه لأجل متابعة النبي أو أمره ، لا من جهة فرض اللّه‏ سبحانه وتعالي في القرآن ، ومن هنا لم تجب الاعادة بالاخلال بها لا عن عمد ، بل لعل المعني الأول للسنّة اصطلاح متأخر .



وعلي هذا الأساس يستفاد من هذه الروايات قضيتان كبرويتان :



إحداهما : أنّ مافرضه اللّه‏ سبحانه في الصلاة من القيود تبطل الصلاة بالاخلال بها ولو سهوا .



الثانية : أنّ ما هو سنّة في الصلاة من القيود المعتبرة فيها لاتبطل الصلاة بالاخلال بها لا عن عمد . ولا إشكال في استفادة هاتين القضيتين من الروايات السابقة .



وإنّما الكلام والبحث في تحديد ماهي الفرائض ؛ فإنّ بعض الطوائف السابقة من الروايات المتقدمة ذكرت ثلاثة أثلاث للصلاة : الطهور والركوع والسجود ، وبعضها ذكرت اثنين هما : الركوع والسجود فقط ، وبعضها ذكرت خمسة بإضافة القبلة والوقت ، وبعضها ذكرت سبعة بإضافة التوجّه والدعاء ، فقد يقال بالتهافت بين الروايات من هذه الناحية .



إلاّ أنّ الانصاف عدم التهافت فيما بينها ؛ لأنّ الطائفة الثالثة كصحيح الحلبي التي ذكرت الاثلاث الثلاثة للصلاة لم تذكر ذلك بعنوان الفرائض لكي يتنافي مع الخمسة أو السبعة ، فلعلّها ناظرة إلي الافعال المستقلة العبادية التي يقوم بها المكلّف ، لا مطلق القيود حتي التي تكون وصفا وحالة للصلاة ، أو يكون المراد منها إبراز أهمية الأركان الثلاثة بالخصوص وعدم قبول أي إخلال بها بخلاف الركنين الآخرين حيث سوف يأتي في الخاتمة ثبوت نحو توسعة فيهما ، والطائفة الثانية التي ذكرت الركوع والسجود فقط ناظرة إلي الاجزاء والسهو الواقع داخل الصلاة لا مطلق القيود المعتبرة حتي التي محلّها قبل الدخول في الصلاة كما أشرنا سابقا .



وأمّا الخمسة والسبعة الواردتان في صحيحي زرارة في الطائفة الاُولي في مقام تعداد مافرضه اللّه‏ في الصلاة فأيضا لاتنافي بينهما ؛ لأنّ التوجّه يراد به النية وقصد الصلاة ، والتوجه إلي اللّه‏ سبحانه والدعاء يراد به ذكر اللّه‏ سبحانه ، وهما مقوّمان لعنوان الصلاة ومفهومها لغة وعرفا ، فعدم ذكرهما في صحيحة زرارة المتعرّضة لقاعدة « لاتعاد » لاينافي ركنيتهما ولزوم الاعادة من الاخلال بهما ؛ لأنّ نظر الصحيحة إلي ما اعتبر من القيود في الصلاة بفرض اللّه‏ بعد الفراغ عن تحقق أصل الصلاة خارجا ، ومما يدل علي ذلك أن التعبير ورد فيها بعنوان « لاتعاد الصلاة » وهو لا يكون إلاّ مع فرض تحقّق الصلاة أولاً المتوقف علي تحقق التوجه والنية والذكر ، وإلاّ لم يكن صلاة في الخارج حقيقة ليصدق الاعادة ، وهذا واضح .



ثم إنّه يجدر البحث في فقه هذه القاعدة من ناحيتين اُخريين :



إحداهما : في المراد من الطهور فيها وأنّه خصوص الطهارة الحدثية أو الخبثية أو كلاهما .



الثانية : أنّ مفادها هل يكون نفي الاعادة بالملاك والتصور الأوّل من التصورين المتقدم بيانهما في الأمر الثالث من المقدمة ، أو بالتصور الثاني وبأيّة كيفية ؟ وهذان البحثان مهمان ، ويترتب عليهما ثمرات عملية كما سوف يظهر .



أما البحث عن الناحية الاُولي :



فالمشهور استظهروا من الطهور الذي هو أحد الخمسة التي تعاد الصلاة منها : خصوص الطهارة من الحدث . والسيد الشهيد الصدر قدس‏سره أثار شبهة الاجمال في الرواية ، واحتمال أن يراد بالطهور فيها الطهارة من الخبث الذي هو شرط في الصلاة ومذكور في القرآن أيضا بقوله تعالي : « وثيابَك فطهِّر »( 12 ) ، فلا يمكن التمسك بإطلاق القاعدة للاخلال بالطهارة الخبثية باعتبار سريان إجمال المستثني إلي المستثني منه لا محالة .



إلاّ أنّ الانصاف : أنّ ما فهمه المشهور من اختصاص الطهور في القاعدة بالطهارة من الحدث هو الاوفق والاظهر ؛ وذلك بأحد وجوه :



1 ـ إنّ من يراجع ألسنة الروايات واستعمالات كلمة الطهور فيها يلاحظ أنّها تطلق علي الطهارة المضافة إلي المكلّف بما هو إنسان ، لا الطهارة الخبثية التي هي صفة للثوب أو الجسد ويعبّر عنه غالبا بالنظافة أو الطهارة في الروايات لا الطهور ، نعم ورد في حديث الأربعمئة في الخصال : « وغسل الثياب يذهب الهمّ والحزن ، وهو طهور للصلاة » ( 13 ) إلاّ أنّه نادر جدّا ، فلا يبعد دعوي الاطمئنان بانصراف كلمة الطهور في استعمالات الشارع خصوصا في باب الصلاة إلي الطهارات الثلاث التي صرّح بها القرآن الكريم في آيات عديدة جعلتها شرطا للقيام إلي الصلاة ، فشيوع استعمال الطهور في الطهارة الحدثية بالخصوص ـ التي اعتبرت حالة باقية للانسان ، ولهذا يقال هو علي طهور ـ وارتكازية أمر القرآن الكريم بذلك في آيات واضحة صريحة يوجبان انصراف عنوان الطهور في هذه الروايات إلي خصوص الطهارة الحدثية وانسباقها منه .



2 ـ إنّ الطهور مردّد بين معانٍ أقربها المطهِّر ، ولهذا أطلق علي الماء عنوان الطهور ، قال تعالي : « وأنزلْنا من السماءِ ماءً طهورا »( 14 ) والتراب أحد الطهورين ، وإطلاقه في باب الطهارة الحدثية ليس بلحاظ الطهارة الحاصلة ، بل علي الافعال المحققة للطهارة من الغسل أو الوضوء أو التيمم ، حيث إنّ هذه الافعال تكون مطهِّرة للإنسان ، فمعني الطهور والكون علي طهور كالكون علي الوضوء والغسل اعتبار شرعي لبقاء نفس ذلك المطهّر .



وعلي هذا يقال : إرادة الطهارة الخبثية من الطهور في هذه الروايات إن كان علي أساس التمسك باطلاق الطهور بمعني استعماله في الطهارة فقد عرفت أنه خلاف معناه الأصلي ، وإن كان علي أساس شرطية مطلق المطهِّر الأعم من الغسل أو الوضوء أو التيمم في رفع الحدث والغسل في رفع الخبث ، حيث إنّ فعل الغسل مطهّر أيضا ، ولهذا أطلق الطهور عليه في رواية الخصال ، فمن الواضح أنّ الشرط في الصلاة في باب الحدث نفس الفعل المطهر بخلاف الشرط في الصلاة في باب الخبث ؛ فإنّ الشرط طهارة الثوب والبدن لا الغسل ، ولهذا لو تحقق ذلك كان مجزيا أيضا .



والحاصل فعل التطهّر ليس شرطا في باب الخبث للمصلّي ، وإنّما الشرط طهارة الثوب بخلاف الحدث ، فإذا كان الطهور بمعني المطهّر لم يكن شاملاً للطهارة الخبثية .



وأمّا حمله علي إرادة الماء كناية عن شرطية استعماله في الصلاة في رفع الحدث والخبث معا فبعيد غايته ، خصوصا إذا لاحظنا أنّ الطهارة من الحدث قد تكون بالتراب لا الماء .



وهكذا يعرف أنّ عنوان الطهور بمعناه الظاهر فيه ـ وهو المطهّر ـ لا يكون جامعا بين الطهارتين ، بل يمكن أن يقال أنه لو كان الطهور بمعني الطهارة أيضا لم يكن جامعا للطهارتين باعتبار تباينهما عرفا ؛ فإنّ اعتبار الطهارة من الخبث مباين مع اعتبار الطهارة من الحدث وإن كانا معا اعتبارين شرعيين ، فالأوّل اعتبار معنوي عبادي للانسان ، والثاني اعتبار مادّي للثوب أو الجسد ، وكم فرق بينهما ، فإذا فرض انسباق المعني الاعتباري من مثل هذه الألفاظ ـ كما هو الصحيح ـ وكان اعتبار الطهارة من الحدث أمرا مباينا مع اعتبار الطهارة من الخبث فاستفادة المعنيين من لفظ الطهور يكون أشبه باستعماله في معنيين الذي لا يكون عرفيا .



والحاصل سواء كان الطهور بمعني المطهّر أو الطهارة لا يكون المراد منه في الروايات إلاّ الطهارة الحدثية ؛ لأنّ الأوّل لا يناسب إلاّ الطهارات الثلاث ؛ فإنّها طهور للانسان أي مطهّر له ، وأمّا الطهارة الخبثية المعتبرة في الصلاة فهي ليست معتبرة بما هي مطهّر ، بل بما هي صفة للثوب والبدن .



وعلي الثاني أيضا لا يصح التمسك باطلاق الطهور للطهارتين معا ؛ لأنّ الطهارة الحدثية اعتبار شرعي مباين عرفا أيضا مع الطهارة الخبثية ، فليس التشابه بينهما إلاّ في التسمية ، فاستعمال اللفظ فيهما معا أشبه باستعماله في معنيين .



3 ـ بقرينة ما ورد في ذيل القاعدة وفي الروايات الاُخري التي استدللنا بها فيما تقدم يظهر أنّ الكبري المقصودة هي لزوم إعادة الصلاة في الاخلال بما يكون مفروضا في الصلاة من قبل اللّه‏ سبحانه في القرآن الكريم دون ما يكون سنّة . ومن الواضح أنّ الطهارة من الخبث لا شاهد علي اعتبارها في الصلاة من الكتاب الكريم عدا ما يتوهم في مثل قوله تعالي : « وثيابَك فطهِّر »إلاّ أنّ الظاهر إرادة تقصير الثياب وتشميرها من التطهير في الآية كما ورد ذلك في تفسيرها في حديث الاربعمئة ، كما أنّه فسّر بتزكية النفس والافعال من الرذائل ، ولو فرض إرادة الطهارة من الخبث فلا دليل علي النظر فيها إلي الصلاة ليكون دليلاً علي كون الطهارة من الخبث مما فرضه اللّه‏ في الصلاة ، ومجرّد ذكر التكبير للّه‏ قبلها لا يدلّ علي إرادة الصلاة ، خصوصا وأنّ النظر لو كان إلي ذلك لكان اللازم بيان ذلك بنحو الشرطية كما ورد في الطهارة الحدثية .



فالانصاف أنّ استفادة ذلك من مثل هذه الآية بعيد غايته . ومعه لا موجب لاحتمال إرادتها من الطهور في صحيح زرارة وإن فرض شمول لفظ الطهور لها أيضا لغة وعرفا ؛ فإنّ ذيل الصحيحة وسائر الروايات تكون بمثابة المقيد له حينئذٍ بالطهور المفروض من قبل اللّه‏ سبحانه في القرآن الكريم ، وهو الطهارات الثلاث بالخصوص . فيبقي الاخلال بالطهارة من الخبث مشمولاً لاطلاق المستثني منه في القاعدة ، فلا يجب الاعادة فيها ولا القضاء في حال النسيان لولا النص الخاص علي التفصيل بين النسيان والجهل علي ما هو مقرّر في محله .



هذا كلّه في الناحية الاولي من البحث .



وأمّا البحث عن الناحية الثانية :



فقد يقال إنّ الظاهر الأولي من روايات القاعدة أن تكون الأجزاء غير الركنية من قبيل الواجب في الواجب ؛ لأنّه قد عبّر في صحيحة زرارة بأنّ ما سوي ذلك سنّة في الفريضة ( 15 ) . وهذا ظاهره الواجب في ضمن الفريضة ، بل التعليل بأنّ السنّة لا تنقض الفريضة أيضا يناسب هذا المعني ؛ فإنّ السنّة كما لا تنتقض الفريضة بالاخلال بها سهوا كذلك يقتضي أن لا تنتقض الفريضة بالاخلال بها عمدا أيضا ؛ إذ ليس كونها سنّة في فريضة يختلف من حال إلي حال ، فالتعليل بنفسه يقتضي صحة الاتيان بالأقل حتي في صورة العمد والعلم ، غاية الأمر يكون عاصيا ومعاقبا لتركه ومخالفته لامتثال الأمر بتلك الاجزاء الظاهر في وجوبها ، فيكون مقتضي الجمع بين الدليلين أنها واجبة بنحو الواجب في الواجب ، خصوصا لمثل صحيحة زرارة التي صرّحت بأنّ ما سوي ذلك سنّة في فريضة .



ولعل هذا الوجه هو الذي دعا مثل الشيخ محمد تقي الشيرازي قدس‏سره أن يلتزم باطلاق القاعدة لصورة الاخلال العمدي أيضا ، فحكم بصحة الصلاة وعدم الاعادة لو تركها عمدا رغم وجوب الاتيان بها ضمن الفريضة وكونه عاصيا بذلك مستحقا للعقوبة ، بل لعل ظاهر الشيخ قدس‏سره في النهاية في مبحث وجوب السورة في الصلاة ذلك أيضا . ومثله أيضا ماثبت في الحج من وجوب بعض الاعمال فيه رغم عدم بطلان الحج بتركه ولو عمدا ، كطواف النساء والرمي والمبيت بمني .



وبهذا البيان ظهر وجه الاشكال فيما يقال من أنّ شمول حديث « لاتعاد » لصورة العمد والعلم يستوجب المناقضة مع أدلّة الجزئية والشرطية ؛ فإنّ هذا فرع أن يكون هناك أمر واحد لا أمران بنحو الواجب في الواجب ، وهو فرع عدم الاستظهار المتقدم من التعليل الوارد في روايات الباب ، وإلاّ كان الظهور المذكور بنفسه بيانا علي أنّ الأمر بالاجزاء غير الركنية من الواجب في واجب ، لا الجزئية لأمرٍ واحد .



والصحيح في دفع هذا الوجه الفنّي أن يقال بأنّ جملة من الروايات المبيّنة للاجزاء غير الركنية والمعبّرة عنها بالسنّة قد ورد الأمر بالاعادة فيها إذا أخلّ بها عمدا ، من قبيل صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم الواردتين في القراءة ، وهذا كالصريح في عدم كون القراءة من قبيل الواجب في الواجب ، وإلاّ لم يكن مجال للاعادة ، بل ظاهرها بطلان العمل المأتي به أولاً بتمامه وهو يلازم وحدة الأمر بالمركّب في صورة العمد ، لا أنّ هناك أمرين حتي إذا فرض إمكان تحقيق ملاك الأمر الثاني بإعادة العمل مع القراءة كما إذا كان واجباً ضمن الصلاة المشروعة لا خصوص الواجبة . فيكون مقتضي هذا اللسان وحدة الأمر عرفا وأن الاجزاء والشرائط المذكورة قيود في ذلك الأمر الواحد ، كما هو مقتضي الظاهر الاولي لدليل وجوب الصلاة والأدلّة البيانية في الاجزاء والشرائط ؛ فإنّه لاينبغي الاشكال في أنّ مقتضي ظاهرها الاولي ذلك أيضا .



وعندئذٍ يكون إطلاق نفي الاعادة حتي لحالات العلم والعمد مناقضا مع الأمر بتلك الاجزاء والقيود بعد فرض وحدة الأمر ، فضلاً عما دلّ علي لزوم الاعادة ، فلا محالة يختص مفاد هذه القاعدة بغير موارد العلم والعمد حتي إذا فرض إطلاق لسان دليلها لفظا ، كيف ! وسوف يأتي المنع عن هذا الاطلاق أيضا ، فيكون مفاد التعليل بالسنّة فيها أن أهمية هذه الاجزاء أقل ؛ لكونها غير مشرّعة من قبل اللّه‏ سبحانه وغير مفروضة في الكتاب الكريم ، فلا محذور في الاخلال غير العمدي بها .



والانصاف أنّ التعبير بالسنّة يناسب مع هذا المعني أي قلّة الأهمية في الجملة ، لا الواجب في الواجب .



وبما أنّ القاعدة تتكفّل المستثني والمستثني منه معا ، أي تدلّ علي صحة الصلاة إذا كان الخلل في غير الأركان وتحقق الواجب بها وأنّ ذلك الخلل لكونه فيما هو ليس بفرض من اللّه‏ لايقدح في صحتها ، فيكون ظاهرها أنّ نفي الاعادة إنّما هو بالملاك الأوّل ـ أي تقيّد الجزئية أو الشرطية للقيد المنسي والأمر به بصورة العمد والعلم ـ لا الثاني ، أي ظاهر في النظر إلي دليل الجزئية وتقييدها ، لا ثبوتها ولكن تسقط الاعادة لعدم إمكان استيفاء ملاكها .



هذا ، مضافا إلي أنّ سياق الامتنان والتخفيف فيها أيضا لا يناسب إلاّ هذا الملاك ، وعليه فيكون مفاد القاعدة ثبوتا تقييد اعتبار القيود غير الركنية بغير الحالات التي تشملها القاعدة .



ويترتب علي ذلك صحة العمل المأتي به ، لكونه مأمورا به تمسكا باطلاقات الأمر بأصل الصلاة ـ بالنحو المتقدم شرحه في المقدمة ـ وعدم العقوبة علي الاخلال بالقيد غير الركني في مورد شمول القاعدة حتي إذا كان ذلك بتقصير من قبل المكلّف في المقدمات أدّي إلي نسيانه أو جهله المستلزم لتركه ذلك القيد إذا قلنا باطلاق دليل القاعدة للجهل عن تقصير .



ومنه يعرف أنّ ثبوت التقصير والعقوبة متوقف علي تحقيق مدي إطلاق القاعدة وحدود مايستفاد منها ، لا العكس كما هو ظاهر تعبيرات القوم ، حيث منعوا عن إطلاق الحديث في القاعدة لحالات التقصير ؛ فإن هذا إنّما يناسب مع الملاك الثاني لنفي الاعادة ، أي أن يكون ذلك من جهة عدم إمكان استيفاء الملاك ، وأما بعد فرض استظهار حكومة القاعدة علي دليل الأمر بالاجزاء والشرائط ، وظهورها في تقييد إطلاقاتها بصور العمد ، فكل مورد شملته القاعدة كان خارجا عن دليل الأمر ، وحيث إنّ الأمر واحد فيستكشف لا محالة أنّ الواجب هو الجامع بين الأكثر في حال العمد والأقل في غير تلك الحال ، ومعه لا موضوع للتقصير من ناحية ذلك الجزء أو الشرط المنسي أصلاً كما هو واضح .



وقد يتوهم أنّ القاعدة تقيّد دليل الجزئية والشرطية لا دليل الأمر بالمركّب ، بل لابدّ من سقوط الأمر بالمركّب في المرتبة السابقة ولو بالعصيان ـ كما في موارد التقصير ـ لتأتي القاعدة وتنفي الجزئية والشرطية ؛ لأنها تنفي الاعادة ، فلابدّ من فرض أنّ الأمر يكون بالاعادة في ذلك المورد ، ومع فرض بقاء الأمر الأوّل لا أمر بالاعادة .



وفيه : أنّ الاعادة دائما تكون من جهة بقاء الأمر الاول المتعلّق بالجامع بين الحدّين لا بأمر جديد ، وأن تقييد الجزئية والشرطية بحال العمد عبارة اخري عن تقييد الأمر بهما بحال العمد لا محالة وأنّ المأمور به هو الجامع بين الأقل في غير حال العمد والأكثر في حال العمد ، وسوف يأتي مزيد توضيح لهذه النقطة في الفصل القادم .






( 13 ) الخصال : 612 ، وفي السند القاسم بن يحيي ، وهو لم يوثّق .


( 8 ) المصدر السابق : 771 ، ب 30 من القراءة في الصلاة ، ح 3 .


( 5 ) المصدر السابق : 995 ، ب 7 من التشهد ، ح 2 .


( 15 ) انظر : الوسائل 4 : 932 ، ب 9 من الركوع ، ح 5 .


( 14 ) الفرقان : 48 .




( 9 ) المصدر السابق : 770 ، ح 1 .


( 2 ) الخصال : 284 . الوسائل 4 : 683 ، ب 1 من أفعال الصلاة ، ح 14 .


( 10 ) المصدر السابق : 769 ، ب 29 من القراءة في الصلاة ، ح 2 .


( 11 ) المصدر السابق : 931 ، ب 9 من الركوع ، ح 1 .


( 6 ) المصدر السابق : 214 ، ب 1 من القبلة ، ح 1 .


( 4 ) المصدر السابق : 767 ، ح 2 .


( 12 ) المدثّر : 4 .




( 3 ) الوسائل 4 : 766 ، ب 27 من القراءة بعد الصلاة ، ج 1 .


( 7 ) المصدر السابق : 683 ، ب 1 من أفعال الصلاة ، ح 15 . الخصال : 603 ـ 604 .


( 1 ) الوسائل 4 : 770 و 934 و 987 و 995 و 1241 ومواضع اُخري .

/ 1