المرأة والقضاء في الإسلام
الاُستاذ السيد محسن الموسوي الجرجاني
يُعدّ القضاء من أهمّ المسائل وأكثرها حساسيّة وخطورة في الإسلام ؛ باعتبار أنّه منصبٌ من مناصب النبوّة وشؤونها التي اُنيطت بالأنبياء عليهمالسلام لا سيّما نبيّنا صلياللهعليهوآلهوسلم ، ولعلّ السرّ في ذلك هو أنّ سعادة كل مجتمع مرهونة باقامة القسط والعدل فيه .
ومن الواضح أنّ بسط العدالة والقسط منوط بأمر القضاء بين الناس بالحق ، فتحفظ من خلاله حقوق الضعفاء علي حدّ حفظ حقوق غيرهم من الأقوياء ، وإلاّ فتضييع حقوق الضعفاء من ناحية الأقوياء وذوي القدرة الماليّة أمر بديهي لا مرية فيه ، فيبتلي المجتمع بالهرج والمرج ويزول الأمن والاستقرار .
ولأهمّية هذا المقام وخطورته نجد أنّ الامام أمير المؤمنين عليهالسلام قد تصدي للقضاء بنفسه ، ولم يفوضه إلي غيره من القضاة ، كما نجده أيضا يؤكد توكيدا بليغا في عهده إلي مالك الأشتر ـ واليه علي مصر ـ في أمر اختيار القاضي والصفات التي تجب فيه ، حيث يقول عليهالسلام : « ثمّ اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممّن لا تضيق به الاُمور ، ولا تمحكُهُ الخصوم ، ولا يتمادي في الزّلّة ، ولا يَحصَرُ من الفيء إلي الحق إذا عَرَفه ، ولا تُشرِفُ نفسه علي طمع ، ولا يكتفي بأدني فهم دون أقصاه ، وأوقفَهم في الشبهات ، وآخذهم بالحجج ، وأقلهم تبرّما بمراجعة الخصم ، وأصبرهم علي تكشّف الاُمور ، وأصرمهم عند اتضاح الحكم ، ممّن لا يزدهيه إطراء ، ولا يستميله إغراء ، واُؤلئك قليل ، ثمّ أكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيل علّته ، وتقلّ معه حاجته إلي الناس ، وأعطه من المنزلة لديك ، ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك ، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك ، فانظر في ذلك نظرا بليغا ، فإنّ هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار ، يُعمل فيه بالهوي ، وتُطلب به الدنيا ( 1 ) .
وروي إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليهالسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّه قال عليهالسلام لشريح : « يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلاّ نبي أو وصيّ نبي أو شقي » ( 2 ) .
وعن سليمان بن خالد عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « اتقوا الحكومة ، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصي نبي » ( 3 ) .
إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة علي مدي الأهمية التي يوليها الإسلام لمنصب القضاء .
ومن هنا فقد أولي الفقهاء أهمّية وعنايةً خاصّة للقضاء ، وتشددوا في الشروط المعتبرة فيه ، حتي أنهاها بعضهم إلي ثلاثة عشر شرطا ، هي : البلوغ ، العقل ، الايمان ، العدالة ، طهارة المولد ، الاجتهاد ، الضبط والحفظ ، الذكورة ، السمع ، البصر ، النطق ، الحرّية والكتابة .
وقد تعرّض لهذه الشروط في الجملة كل من بحث القضاء من فقهائنا ، كما أنّ ما ورد في عهد أمير المؤمنين عليهالسلام لمالك من خصوصيات وصفات للقاضي ، هي الاُخري قد وقعت موردا لاهتمام الفقهاء كافّة أيضا ؛ إذ بدون تلك الشروط والصفات لا يمكن تحقيق العدالة وبسطها في المجتمع .
وقد تطرح تساؤلات وربما شبهات حول بعض هذه الشروط كشرط الحرية ، وطهارة المولد ، والذكورة . فيسأل عن سرّ منع الإسلام ـ وهو دين العدالة ـ العبد أو المرأة ، أو من لم تطب ولادته من القضاء ولو كان عالما عادلاً جامعا لشرائط القضاء كافّة ، الأمر الذي قد يعتبره دعاة حقوق الإنسان علي خلاف العدالة الإجتماعية التي يدعو اليها الإسلام ، حيث يُمنع بهذا الحكم نصف المجتمع عن مزاولة هذا الحق والمنصب !
والجواب عن ذلك منوط باثبات المنع بالأدلّة الشرعيّة المتسالم عليها ، فاذا تمّت الأدلّة الشرعية المعتبرة علي ذلك فإنّ الاجابة علي السؤال المذكور تكون بمكان من السهولة ، حيث يمكن أن يقال حينئذ انّ المنع من تولي المرأة القضاء أمر تعبّدنا به الشارع ، لوجود مصلحة تفوت علي المجتمع إذا هي تصدّت له ، أو لوجود مفسدة يبتلي بها المجتمع إذا هي وليت القضاء . إلاّ أنّ الكلام في قيام الدليل المعتبر علي المنع وتماميته .
وهذا ما سوف نبحثه في هذا المقال ، ولكن في خصوص واحد من هذه الشروط المذكورة وهو شرط الذكورية ، حيث سيقع البحث عن مدي صلاحية المرأة وأهليتها للقضاء من ناحية فقهية ، مستعرضين الأدلّة علي ذلك منعا وجوازا .
نظرة عامّة في أدلّة الأحكام الشرعية :
نشير بشكل مختصر قبل البحث في مسألة قضاء المرأة ، إلي مصادر الاستنباط بشكل عام :
1 ـ الكتاب ، ولا شك في أنّه لو دلّ ظاهره علي حكم فانّه يعتبر حجة عليه ، وهذا مما لا خلاف فيه ، ولا يعتني بخلاف المخالف فيه .
2 ـ السنّة ، وتشمل أقوال النبي صلياللهعليهوآلهوسلم والأئمة المعصومين عليهمالسلام وفعلهم ، فاذا وردت رواية ظاهرة الدلالة علي حكم ما ولم يكن لها معارض أمكن نسبة الحكم الوارد فيها إلي الشرع . إلاّ انّ هذا يتوقف علي :
1ً ـ التسليم بحجّية الخبر الواحد .
2ً ـ إنّ هذه الحجّية ليست مطلقة ، بل هي في خصوص الخبر الجامع لشرائط الحجّية ، فلابد أن تكون سلسلة السند معلومة وموثقة ، وهذا أصل مسلّم لدي جميع الفقهاء فلا عبرة بالخبر إذا كان بعض رواته ضعيفا أو مجهولاً أو متروكا أو غير موثق .
وحاول البعض القول بحجية الخبر الضعيف إذا عمل به المشهور ، فيكون عملهم جابرا لضعفه ، إلاّ أن ذلك غير تام ؛ لعدم استناده إلي دليل ، وليس قابلاً للتوجيه إلاّ بناءً علي حجّية مطلق الظن ، وما نحن فيه هو الظن الخاص أي بناءً علي انفتاح باب العلمي ، الذي آمن به جميع الفقهاء تقريبا . وقد فصّلنا البحث في محلّه في عدم جابرية عمل المشهور للخبر الضعيف .
3 ـ العقل ، وهو من الأدلّة والحجج علي الأحكام الشرعية إذا كان مستجمعا لشروطه ، وليس في حجيته خلاف إلاّ من الاخباريين ، حيث نفوا حجيته ، ولا يعوّل علي كلامهم في هذا المجال ، وقد ناقشنا رأيهم في محلّه أيضا .
4 ـ الإجماع ، وقد قيل بحجيته منذ القدم ، وهو يعني اتفاق جميع فقهاء الطائفة علي حكم من الأحكام ، وهذا الاتفاق لابدّ أن يكون كاشفا عن رأي الإمام عليهالسلام في ذلك الحكم ، فمنشأ الحجّية فيه هو كاشفيته عن رأي المعصوم عليهالسلام فيكون الاجماع حينئذ حجة علي ذلك الحكم علي نحو يمكن نسبته إلي الشارع المقدس .
ولا شك في انّ الإجماع إذا كان كاشفا عن رأي المعصوم فانّه حجة قطعا ، ولكن إثبات ذلك يتوقف علي أمرين :
الأوّل : تحصيل إجماعهم واتفاقهم علي الحكم ، وهذا ما لا يمكن اثباته في خصوص عصرنا بالنسبة إلي الفقهاء المعاصرين ، فضلاً عن الأزمنة المتقدمة ، فإنّ كثرتهم الكاثرة مضافا إلي تشتتهم في البلاد والأقطار يمنع من الإحاطة بأقوالهم وآرائهم ، سيما مع عدم معروفية الكثير منهم ، الذين قد يجهلهم بنو بلدتهم فضلاً عن غيرهم .
الثاني : إنّه علي فرض القبول بامكان تحصيل الاجماع واحرازه ، فانّه إنّما يجدي إذا كان كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام ، وهذا ما لا يمكن القبول به أيضا ؛ إذ أي تلازم بين حصول الاتفاق والإجماع وبين رأيه عليهالسلام ؟ إلاّ من باب اللطف ، وهو ما لا يراه فقهاؤنا . ولا طريق آخر للكشف ، فلا سبيل إلي القول بحجيته حينئذ .
فإذا مدركية الإجماع تتوقف أوّلاً علي إحرازه ، وثانيا علي فرض كاشفيته ، فإذا لم يكن كاشفا فلا قيمة له . نعم قد يولد الظن ، إلاّ أنّه ليس بمعتبر عندهم .
وهناك نكتة اُخري ينبغي الالتفات اليها في حجّية الاجماع وهي : انّه علي فرض التسليم بحجية الاجماع ، فانّه في خصوص المورد الذي يخلو معقده من دليل آخر يدل عليه ، وإلاّ كان هو المنشأ في الحجّية ، دون كاشفية الاجماع عن رأي المعصوم كما هو الفرض في حجيته . ومن الواضح فإنّ وجود هذا الاحتمال يشكل مانعا من احراز كاشفيته ، فالإجماع المعتبر إذا هو خصوص ما لم يكن فيه مدرك ولا محتمل المدركية ، بل كان تعبديا محضا كما عليه القائلون بحجية الإجماع .
نظرة عامّة في أدلّة مشروعية القضاء :
إنّ الأصل الأولي هو عدم نفوذ ولاية أو قضاء أحد علي أحد إلاّ ما قام عليه الدليل وأخرجه ، وقد قام الدليل القطعي علي ثبوت القضاء للنبي صلياللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ من المسلّمات التاريخية هو أنّ النبي صلياللهعليهوآلهوسلم وكذا أمير المؤمنين عليهالسلام كانا قد تصديا للقضاء ، وتدل علي ذلك بعض الآيات الكريمة ، منها : قوله تعالي : « إنّا أنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِ لتحكُمَ بينَ الناسِ بِما أراكَ اللّهُ ولا تكُن للخائنينَ خصيما »( 4 ) .
وقال تعالي : « فلا ورَبّكَ لا يؤمنونَ حتي يحكّموكَ فيما شَجَر بينهُم ثمّ لا يجدوا في أنفسهِم حرجا مما قضيتَ ويُسلّموا تسليما »( 5 ) .
وقال أيضا : « فإن تنازعتُم في شيءٍ فردّوهُ إلي اللّهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنونَ باللّهِ واليومِ الآخرِ »( 6 ) .
ففي الآيات دلالة صريحة وواضحة علي أنّ من خصوصيات النبي الأكرم صلياللهعليهوآلهوسلم منصب القضاء ، بل يستفاد من بعضها انّ فلسفة نزول القرآن علي النبي هو الحكومة والقضاء بين الناس ، وعليه فإذا توقف اعتقاد الناس وايمانهم علي القبول بقضاء النبي صلياللهعليهوآلهوسلم وكانوا مأمورين أيضا بالرجوع إليه وعدم التحاكم إلي الطاغوت في منازعاتهم ـ كما أنّ الهدف من نزول الكتاب هو ما ذكرنا من الحكومة بين الناس ـ فإنّ ذلك كله ينتج لزوم الاذعان بأنّ الرسول صلياللهعليهوآلهوسلم إنّما بعث للحكومة والقضاء بين الناس .
وهذا الأمر يُعدّ من الضروريات والمسلمات الواضحة ، وكذا ثبوته للأئمة عليهمالسلام من بعده وذلك :
1 ـ لقرنه سبحانه في الآية ( 59 ) من سورة النساء بين طاعة الامام وطاعة الرسول ، فيكون القضاء الذي هو نوع من الأمر واجب الاطاعة أيضا .
2 ـ باعتبار أنّهم الولاة والخلفاء من بعده ولا يمكن أن يكونوا كذلك وقضاؤهم وحكومتهم غير نافذة ، والحال أنّ القضاء يعدّ شعبة من شعب الولاية .
3 ـ مضافا للنصوص الدالّة علي ثبوت القضاء للنبي والوصي من بعده .
4 ـ عدم اكتفاء الأئمة عليهمالسلام بمباشرة القضاء فحسب بل كانوا يقومون بتنصيب القضاة وتعيينهم ، مما يدل علي أنّ أصل القضاء ثابت لهم من قبله سبحانه ، أو بتفويض من نبيّه صلياللهعليهوآلهوسلم ، فإذا ثبوت القضاء لهم هو أيضا من المسلمات القطعية .
القضاء في عصر الغيبة :
ظهر مما تقدم أنّ ثبوت القضاء للنبي صلياللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام من بعده أمر جزمي لا خلاف فيه .
وأمّا في عصر الغيبة ، فقد يقال بانتفاء القضاء فيه ، لانتفاء أصل الولاية . كما أنّه قد يقال أيضا بأنّ المجتمع يفتقر إلي القضاء بشدة ، فلو لم يكن لعمّت الفوضي وساد الهرج والمرج فلابد حينئذ من القبول بالمحاكم الوضعية وقضاء من يلي فيها ذلك .
إلاّ أنّ هذا الكلام ليس بفني ، لأنّ بحثنا هو حول القضاء الشرعي الثابت بالأدلّة المعتبرة ، بحيث يكون نافذا من جهة الشارع ، ومثل هذا القضاء ثابت للنبي والأئمة عليهمالسلام قطعا كما سلف ، وأمّا غيرهم فهو بحاجة إلي دليل يخرجه من الأصل الأولي القاضي بعدم نفوذ قضاء أحد علي أحد ، فجواز القضاء لغيرهم عليهمالسلام منوط باذنهم له في ذلك ، هذا وانّ مما لا نزاع ولا خلاف فيه ، ثبوته للفقهاء والمجتهدين ، بل هو من ضروريّات الفقه كما هو الحال في منصب الافتاء بخلاف الولاية لهم فانّها وقعت موقع الاختلاف .
وهذا الحكم ـ القضاء ـ ثابت سواء قلنا بثبوت ولاية الفقيه ـ كما هو الصحيح بنظرنا ـ أم لم نقل .
أمّا بناءً علي ثبوتها فلكون القضاء شعبة من شعب الولاية ، وأمّا بناءً علي عدم ثبوتها ، فباعتبار علمهم بالكتاب والسنة ، ـ حيث إنّ القضاء ينبغي أن يكون علي ضوئهما ، وليس من هو أعلم بهما غيرهم فيجوز لهم ذلك ، بل يجب ـ وأيضا للروايات الواردة في ذلك ، وهي :
1 ـ مقبولة عمر بن حنظلة الواردة عن الصادق عليهالسلام في النهي عن الترافع إلي قضاة الجور وسلاطينهم وإنّما كما قال : « ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما . . . » ( 7 ) .
وهذا النصّ هو من أهم النصوص علي المدعي المذكور ، حيث إنّ الإمام عليهالسلام قد نصب للقضاء خصوص العارف بالحلال والحرام ، وهو بنفسه دليل علي نصب الفقهاء للقضاء للنكتة المذكورة .
وهذه الرواية وإن كان قد نوقش في سندها ؛ لعدم ورود توثيق في حق عمر بن حنظلة إلاّ أنّه لم يضعف أيضا ، وقد تلقّاها الأصحاب بالقبول من دون تردد ـ ولذا سمّيت بالمقبولة ـ وعليه فانّه لا يستبعد حصول الإطمئنان بصدورها .
2 و 3 ـ روايتا أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال ـ ولا يستبعد أن تكونا رواية واحدة قد رويت مرّتين ـ عن أبي عبد اللّه عليهالسلام حيث جاء في إحداهما : قال : بعثني أبو عبد اللّه عليهالسلام إلي أصحابنا فقال : « قل لهم : إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري ( تدارؤ ) في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلي أحد من هؤلاء الفساق ، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا ، فاني قد جعلته عليكم قاضيا ، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلي السلطان الجائر » ( 8 ) .
وفي الاُخري : قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام : « إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلي أهل الجور ، ولكن انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم ، فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه » ( 9 ) .
ودلالتهما علي المطلوب واضحة إلاّ أنّ الكلام في سندهما ، فإنّ الاُولي قد وقع في سندها أبو جهم ( ثوير ) الذي لم يوثقه أحدٌ ؛ ولاشتراك أحمد بن محمّد فيه بين الثقة وغيره .
والأهم من ذلك كلّه راوي الروايتين أبو خديجة ، الذي قد ضعفه الشيخ وابن داود والعلاّمة ، وإن كان قد وثّقه النجاشي ، فيعارض تضعيف الشيخ حينئذ ويتساقطان ، فيبقي الرجل من دون توثيق . وحجّيتها بعمل المشهور مبنيّة علي قبول جابرية عملهم أوّلاً ، وثانيا انّه غير تام صغري لامكان استناد المشهور في فتواهم إلي أدلّة اُخري موجودة في المسألة . وعليه فلا يمكن التعويل علي الرواية الاُولي وإن اطلق البعض عليها لفظ الصحيح . ومنه يظهر الحال في الرواية الثانية أيضا .
وهذه الروايات الثلاثة صريحة في دلالتها علي نصب الفقهاء للقضاء . وثمّة روايتان اُخريان تختلفان في نوع دلالتهما مع الروايات السابقة ، حيث تدلان علي المطلوب بالعموم والإطلاق وهما :
4 ـ ما روي في خطبة عن علي عليهالسلام انّه قال في من يكون بيده الأمر : « أيّها الناس انّ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه ، وأعلمهم بأمر اللّه فيه . . . » ( 10 ) .
والمراد بالأمر هنا هو الحكومة ، وقد تقدم أنّ القضاء شعبة من الحكومة والولاية ، وهي مطلقة لكل زمان ومكان ، فتشمل القضاء في عصر الغيبة أيضا .
لكن الكلام أوّلاً : في سندها . وثانيا : في دلالتها ، حيث دلّت علي تولي الفقهاء للحكومة في عصر الغيبة ، وهو وإن كان أعم من القضاء وشامل له ، إلاّ أنّه ليس مساويا له ، فلا يمكن التمسك بها لإثبات الوجوب الكفائي للقضاء في ذمّة الجميع .
5 ـ ما كتب به عليهالسلام في عهده إلي مالك الأشتر حيث أوصاه باختيار من هو أكثر علما وكمالاً لأمر القضاء ، أي علما بالأحكام الشرعية وهذا الأمر منحصر بالفقهاء ، فيكونون منصوبين بالدلالة الالتزامية .
وقد يقال : بأنّها واردة في مورد خاص مضافا إلي ضعف سندها ، ولكن شهرتها تورث الاطمئنان بصدورها عنه عليهالسلام ، كما أنّ مفادها يشهد بضعف احتمال صدورها عن غير الامام عليهالسلام ، وأمّا دلالتها علي ثبوت القضاء للفقهاء فبإلغاء الخصوصية في المورد الذي وردت فيه وهو ولاية الأشتر علي مصر .
6 ـ عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه عليهالسلام عن قول اللّه تعالي : « ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلي الحكّام »فقال عليهالسلام : « يا أبا بصير ! إنّ اللّه عزّوجل قد علم أنّ في الاُمّة حكّاما يجورون ، أما أنّه لم يعن : حكّام أهل العدل ، ولكنه عني : حكّام أهل الجور ، . . . » ( 11 ) .
ودلالتها جدّ صريحة في نفوذ قضاء القاضي إذا كان عادلاً ، وأنّه مما يرضي اللّه سبحانه . وهي أيضا مطلقة . إلاّ أنّها ضعيفة بعبد اللّه بن بحر .
إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة المتواترة تواترا إجماليا ، الدالّة علي تأكيد الأئمة عليهمالسلام في إحياء أمرهم ، والرجوع في الحوادث إلي رواة أحاديثهم ، والحكم بما أنزل اللّه .
7 ـ العمومات والاطلاقات الدالّة علي اقامة العدل ، فهي تدل علي ثبوت القضاء للفقهاء .
قال تعالي : « إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان »( 12 ) ، وقال : « إنّ اللّه يأمرُ أن تؤدّوا الأماناتِ إلي أهلِها وإذا حكمتُم بينَ الناسِ أن تحكموا بالعدل »( 13 ) ، وقال أيضا : « يا أيّها الذينَ آمنوا كونوا قوامينَ للّهِ شهداءَ بالقسطِ ولا يجرمَنكُم شنئانُ قومٍ علي ألاّ تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوي »( 14 ) .
وهذه الآيات تريد تحقيق العدالة في المجتمع الانساني من جميع المكلفين بما فيهم النبي صلياللهعليهوآلهوسلم ، فالآية الاُولي تقول : انّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان ، وتأمر الآية الثانية الجميع بأن يحكموا بالعدل إذا حكموا بين الناس ، والآية الثالثة تأمر المؤمنين بالعدل ، وهذه الآيات مطلقة تطلب تحقيق ذلك في كل زمان ووقت ومن جميع المكلفين .
وينحصر تحقيق العدالة بمعناها الواسع باقامة الحدود الالهيّة واجراء الأحكام الشرعيّة والقضاء بين الناس بالعدل بلا ملاحظة أيّ شيء إلاّ عند المزاحمة ، وإلاّ فإنّ حصر القضاء في قاضي التحكيم لا يحقق الغرض المقصود ؛ إذ ليس قضاؤه عامّا ولا ملزما ، فاذا يستفاد من هذه الآيات والروايات الاُخري الواردة بهذا المضمون انها تخاطب المؤمنين باقامة العدل وتسوقهم نحو تولّي القضاء ، بل إنّ الخطاب فيها عام يشمل جميع المؤمنين والمؤمنات غاية الأمر انّ هذا الوجوب كفائي ، هذا أوّلاً .
وثانيا : انّه يشترط في مَن يلي القضاء شروطا معيّنة ، فمثلاً يشترط فيه أن يكون عالما بالأحكام الشرعية المتعلقة بالقضاء ، ليكون قضاؤه موافقا للعدالة . وإلاّ كان بغير ( ما أنزل اللّه ) أوّلاً ، وعلي غير مقتضي العدالة ثانيا .
إن قيل : إنّما يتم ما تقدم إذا قلنا بأنّ الأمر بالعدالة في الآيات السابقة مولويا وليس كذلك ، لأنّه مخالف للمعيار والملاك في المولوية وهو كون المأمور به ليس مما يدركه العقل بوضوح ، وليس موردنا من هذا القبيل ، فإنّ تحقيق العدالة مما يدركه كل عاقل ، وحينئذ لابدّ أن يكون الأمر بها ارشاديا . وعليه فلا يمكن اثبات الأمر الشرعي والمولوي بها .
قلنا : إنّ العقل إذا حكم بوجوب العدالة ، وأقرّت الشريعة ذلك ، لزم منه وجوب تحقيق العدالة علي كافّة المكلفين عقلاً وشرعا ، فيجب عليهم تولّي ما يحققها من الولايات والمقامات مما يضمن معه اتساع العدالة وانتشارها . ومعلوم انّ ادراك العقل لمسألة ما يعضد في عمومها فلا يبقي مجال لتوهم اختصاصها بزمان دون زمان .
8 ـ القضاء بالعدل مما يتوقف عليه النظام المدني ، وإلاّ للزم الحرج والمرج وعمّت الفوضي في المجتمع ؛ لأنّ ديمومته واستمراره مرهونة بحاكمية العدل والقسط فيه ، وما يكون هذا شأنه فانّه يجب كفاية بحكم الشرع والعقل ولأجل هذا يجب علي عامّة المكلّفين ، وبالتعاقب تحصيل شرائطه إلي أن يصل حدّ الكفاية والنصاب ، وإلاّ كان الجميع عاصين للّه ، وفي تركه تهديد بزوال الحكومة الإسلامية ، وإلي هذا يشير قول أمير المؤمنين عليهالسلام : « يستدل علي زوال الدول بأربع : تضييع الاُصول ، والتمسك بالفروع ، وتقدم الأراذل ، وتأخير الأفاضل » ( 15 ) .
هل ينفذ قضاء المرأة ؟ !
في المسألة قولان : قول بالجواز والنفوذ ، وقول بالمنع وعدم النفوذ .
القول الأوّل :
يمكن أن يستدل علي الجواز بأنّ مقتضي جميع ما تقدّم من الأدلّة الدالّة علي مشروعية القضاء ووجوبه اطلاق الحكم في ذلك للرجل والمرأة معا ، إذ النكتة كلّها في جواز تولي القضاء ونفوذه هو أن يكون بالعدل وعلي وفق الكتاب والسنّة ، وأن يتوفر في القاضي شرط الايمان ، وهذا هو أقصي ما تدلّ عليه الأدلّة السابقة ، وأمّا ما عدا ذلك ، فبحاجة إلي دليل خاص لاثباته ، إذ مقتضي ما تقدم عدم اشتراط شرط زائد غير ما ذكرنا ، وإن لم يبعد أن نقول باشتراط كل ما يمنع من العقل والبلوغ ؛ إذ لا يطمئن بقضاء المجنون والصبي من حيث العدالة وكونه موافقا للكتاب والسنّة ، فالصبي ما دام صبيّا ـ حتي لو نال درجة الاجتهاد ـ قد لا يري نفسه مكلفا بالأحكام فيقضي بخلاف مقتضي العدالة ، والأمر في المجنون والسفيه أوضح .
كما لا يبعد أن يقال بشرطية عدم كل نقص يخل بشرطية العدالة في القضاء . ومن هنا اشترطوا البصر والسمع والنطق والكتابة والذاكرة لتأثيرها في دقة التشخيص والحكم .
ولكن الحقّ أن يقال باشتراط بعضها لا جميعها ، فإنّ غير العارف بالكتابة يمكنه الاستعانة بغيرها ، بل قد لا يحتاج اليها أصلاً . نعم ، قد يصعب القضاء لفاقد البصر والسمع والنطق .
وكيفما كان فإنّ اشتراط الذكورية مما لا دليل عليه ، بل الدليل علي نفيه وهو الاطلاقات المتقدمة . وسيتضح صحة هذا القول من خلال استعراض القول الثاني ومناقشة أدلّته .
القول الثاني :
وهو قول المشهور ، بل قيل هو مجمع عليه بين الأصحاب ، حيث لم يتردد فقهاؤنا في المنع ، وذلك بتقييد الاطلاقات المتقدمة وإليك استعراض نبذة من أقوالهم قبل ملاحظة استدلالاتهم ومناقشتها :
قال الشيخ في المبسوط : « المرأة لا ينعقد لها القضاء بحال . وقال بعضهم [ الجمهور ] يجوز أن تكون المرأة قاضية ، والأوّل أصح » ( 16 ) .
وقال في الخلاف : « لا يجوز أن تكون المرأة قاضية في شيء من الأحكام ، وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : يجوز أن تكون قاضية فيما يجوز أن تكون شاهدة فيه ، وهو جميع الأحكام ، إلاّ الحدود والقصاص . وقال ابن جرير : يجوز أن تكون قاضية في كلّ ما يجوز أن يكون الرجل قاضيا فيه ، لأنّها تعدّ من أهل الاجتهاد . دليلنا : انّ جواز ذلك يحتاج إلي دليل ؛ لأنّ القضاء حكم شرعي ، فمن يصلح له يحتاج إلي دليل شرعي وروي عن النبي عليهالسلام انّه قال : لا يفلح قوم وليتهم امرأة . . . » ( 17 ) .
وقال ابن البراج : « المرأة لا ينعقد لها القضاء علي حال » ( 18 ) .
وقال المحقق الحلّي : « لا ينعقد القضاء للمرأة وإن استكملت الشرائط » ( 19 ) .
وقال العلاّمة الحلّي : « لا ينعقد القضاء للمرأة في الحدود وغيرها » ( 20 ) .
وقال الشهيد الأوّل : « لا ينعقد قضاء المرأة ، لإطباق السلف علي المنع منه » ( 21 ) .
وقال الشهيد الثاني : « وأمّا اشتراط الذكورة ، فلعدم أهلية المرأة لهذا المنصب ، لأنّه لا يليق بحالها مجالسة الرجال ، ورفع الصوت بينهم ، ولابدّ للقاضي من ذلك . وقال أيضا : هذه الشرائط عندنا موضع وفاق » ( 22 ) .
وقال الفاضل الهندي بعد قول العلاّمة في القواعد ( ولا ينعقد قضاء المرأة وإن اجتمعت باقي الشرائط ) : « لما في الأخبار من نقصان عقلها ودينها وقيام اثنين منهن مقام رجل في الشهادة غالبا وعدم صلاحيتها للامامة في الصلاة للرجال . . . » ( 23 ) .
وقال السيد المجاهد صاحب المناهل : « لا ينفذ قضاء المرأة وإن كانت عالمة مجتهدة ، ولهم وجوه : منها ظهور الاتفاق عليه ، ومنها انّه حكي في الرياض عن العلاّمة دعوي الاجماع . . . » ( 24 ) .
وقال الشيخ الأعظم : « ويشترط في القاضي أيضا الذكورة ، فالمرأة لا تولي القضاء كما في النبوي المطابق للأصل المنجبر بعدم الخلاف في المسألة » ( 25 ) .
وقال المحقق النجفي بعد عبارة المحقق التي ذكر فيها شروط القضاء ومنها الذكورة : « بلا خلاف أجده في شيء من ذلك » ( 26 ) .
وقال السيد اليزدي : « لا يصح قضاء المرأة ولو للنساء » ( 27 ) .
وقال السيد الخوانساري : « وأمّا الذكورة فادعي الاجماع علي اعتبارها ، واستدل أيضا علي اعتبارها بالنبوي « لا يفلح قوم ولتهم امرأة » » ( 28 ) .
وأمّا الأدلّة علي قول المشهور ، فهي :
الدليل الأوّل : الكتاب : وقد استدل بثلاثة آيات علي ذلك :
الآية الاُولي : قوله تعالي : « الرجالُ قوّامونَ علي النساءِ بما فضّلَ اللّهُ بعضهُم علي بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم »( 29 ) .
حيث دلّت علي قوّاميّة الرجال علي النساء ، ولازمها سلطنة الرجال وحكومتهم عليهنّ ، فلو كانت المرأة تصلح للقضاء لأنتج عكس المطلوب ، فتصير القوّاميّة لهنّ علي الرجال ( 30 ) .
وهذا الكلام في غاية الغرابة ، إذ الآية أجنبية عن المقام ، ولا دلالة لها فيما نحن فيه ، لورودها في الزوج والزوجة ، كما يشهد لذلك ما ورد في شأن نزولها ، فهي تثبت للزوج مسؤولية إدارة الاُسرة ، لكونه من تجب عليه النفقة شرعا ، ولوجود بعض الخصوصيات التي لا تتوفر في المرأة ، فباجتماع هذين الأمرين معا ، تكون مسؤولية الاُسرة علي عاتق الرجل ، وعليه فانّه يمكن القول بأنّه متي ما وُجد هذان الأمران في المرأة أو احدهما كان للمرأة ذلك ، أو انها تشارك الرجل فيه ، فلو تكفّلت المرأة ـ مثلاً ـ بالنفقة ، انتفت القيمومة عن الرجل وكانت للمرأة ، وذلك لأنّ قوام قيمومته مركب من النفقة ودفع المهر معا ، وبانتفاء أحدهما ينتفي المركب .
إذا ، مورد الآية هو الاُسرة ، ولا ربط لها بالمناصب الاجتماعية الاُخري ، هذا أوّلاً .
وثانيا : إنّ القيمومة في الاُسرة منوطة بالأمرين المذكورين وبانتفاء أحدهما تنتفي القيمومة عن الرجل .
وثالثا : انّه غير معقول أن تثبت القوّاميّة لكل رجل علي كافة نساء المجتمع !
ورابعا : انّ منصب القضاء لا يراد به إثبات القيمومة علي الغير حتي يقال إنّ فيه إثباتا لقيمومة المرأة علي الرجل ، وهو مناف لصريح القرآن ، إذ يمكن أن يكون المحكوم عليه قيّما علي القاضي ، بل يراد به رفع الخصومة علي ضوء حكم الكتاب والسنة ، وهذا ما يمكن أن يتصدي له كل من الرجل والمرأة .
الآية الثانية : « ولَهنّ مثلُ الذي عليهِنّ بالمعروفِ وللرجالِ عليهنّ درجةٌ »( 31 ) .
وقد استدل بها بعض الفقهاء ( 32 ) علي القول بالمنع من دون تقريب لوجه الاستدلال بها ، كما أنّه لم يظهر لنا وجهه أيضا حيث إنّ الآية دلّت علي جواز ارجاع المطلّقة بالطلاق الرجعي ، ودلّت أيضا علي أنّ للمرأة حقوقا علي الرجل كما هي للرجل أيضا عليها مع تفاوت يسير في حقوقه ، وهذا أجنبي عمّا نحن فيه جدّا .
الآية الثالثة : « وقَرنَ في بُيوتكنَ ولا تَبرجنَ تبرجَ الجاهليةِ الاُولي »( 33 ) .
وهذه الآية كسابقتيها أجنبية عن المقام جدّا ، وعلي فرض أن يكون مفادها منع نساء النبي صلياللهعليهوآلهوسلم من الخروج من بيوتهن ترغيبا لبعضهنّ من الخروج لحرب البصرة مثلاً ، فهي آبية عن التعميم لباقي النساء .
ويمكن أن يقرب الاستدلال بها بوجه آخر ، وهو دعوي اطلاق المنع فيها من الخروج إلي خارج البيت الشامل لخروجها للقضاء .
ولكن يرد عليه مضافا للأدلّة الكثيرة الدالّة علي جواز خروجهن من بيوتهن ، أنّ الآية بنفسها آبية عن هذا الاستدلال ، حيث نهت نساء النبي صلياللهعليهوآلهوسلم من الخروج متبرجات كما كانت عليه نساء الجاهلية ، ولم تنه عن مطلق الخروج .
الدليل الثاني : الروايات :
الرواية الاُولي : معتبرة أبي خديجة الوارد فيها قوله عليهالسلام : « انظروا إلي رجل منكم » ( 34 ) .
ولعلها من أهمّ أدلّة القول بالمنع ، ولكن يمكن المناقشة فيها :
أوّلاً : بضعف السند بأبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال ، حيث ضعفه كل من الشيخ وابن داود والعلاّمة الحلي ، وبتضعيف أمثال هؤلاء تسقط الرواية عن الاعتبار ، ولا يجدي توثيق النجاشي في المقام ، لمعارضته بتضعيف الجماعة فيتعارضان ويتساقطان ، وتبقي الرواية بلا توثيق فلا يمكن الاستناد إليها ، ولا يمكن حينئذ وصفها بالصحيحة أو المعتبرة كما قد يري في ألسنة البعض .
ثانيـا : إنّ أقصي ما تدلّ عليه الرواية النّهي عن الرجوع إلي قضاة الجور ، والأمر بالرجوع ( إلي رجل منكم ) ، وليس فيها مفهوم يمنع عن الرجوع إلي النساء ؛ لأنّ كلمة ( رجل ) لقب ، ولم يدع أحد حجّية مفهوم اللقب .
ولا ينبغي لأحد قبوله ، بل انّا أنكرنا مفهوم الوصف فكيف بمفهوم اللقب .
لا يقال : إذا لم يكن مراد الامام عليهالسلام حصر الرجوع في خصوص الرجل فما هو الوجه لذكره حينئذٍ ؟
فانّه يقال : إنّ كلمة ( رجل ) لم تؤخذ قيدا حتي يقال إنّ الأصل في القيود الاحترازية ، وإنّما ذكرت علي نحو المشيرية لمن يصلح للقضاء ، باعتبار انّ الرجل ممن يصلح للقضاء زمن صدور الرواية ، فعنوان الرجل اُخذ مشيرا لكل من يصلح للقضاء .
ثمّ علي فرض قبول قيديّة الرجل في الرواية ، فانّه قيد غالبي ، ناظر إلي أنّ أكثر الرجال قديما بل وحتي حديثا أجدر من النساء في القضاء ، ولا مفهوم للقيد الغالبي فلا يثبت المطلوب أيضا ، ومما يشهد لذلك قوله تعالي : « وربائبكُم اللاتي في حجوركُم »( 35 ) ، فإنّ مطلق الربائب من محارم الرجل ولا خصوصية لمن تكون في حجره سوي الغلبة ، فالقيد في الآية غالبي لا مفهوم له ؛ إذ المفهوم ناشئ من فقد الفائدة لذكر القيد سواه ، والقيد الغالبي ليس كذلك .
وعليه فإنّ الرواية علي فرض صحتها سندا ـ وهي ليست كذلك ـ غير دالّة علي المنع المدعي ، فإنّ اثبات شيء لا ينفي ما عداه ، هذا مضافا إلي انّ ما عدا رواية أبي خديجة مطلقة قد ورد فيها لفظ ( من ) أو ( رواة أحاديثنا ) الشامل للنساء أيضا ، ومن البديهي أنّه لا يمكن جعل رواية أبي خديجة ونحوها مقيدة لها بحال .
الرواية الثانية : مقبولة عمر بن حنظلة وهي وإن كانت قد تلقاها الأصحاب بالقبول ، إلاّ أنّ الوارد فيها « ينظران إلي من كان منكم » ، و ( مَن ) تشمل الرجل والمرأة ، فتكون دلالتها علي العكس أدلّ ، وعلي فرض ورودها بهذا اللفظ فإنّ المناقشة فيها بنفس ما تقدم في رواية أبي خديجة .
الرواية الثالثة : وصية النبي صلياللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام التي رواها الشيخ الصدوق بطولها في آخر ( من لا يحضره الفقيه ) عن حماد بن عمرو وأنس بن محمّد .
وأفرد لها الشيخ الحرّ بابا تحت عنوان ( انّ المرأة لا تولّي القضاء ) وهي : « يا علي ليس علي النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا اقامة ولا عيادة مريض ولا اتباع جنازة ، ولا هرولة بين الصفا والمروة ولا استلام الحجر ولا حلق ولا تولّي القضاء » ( 36 ) .
وقد تمسك بها بعض الفقهاء ( 37 ) لما ورد في ذيلها .
ويمكن المناقشة فيها :
أوّلاً ـ بضعف السند ، فإنّ طريق الشيخ الصدوق إلي حماد بن عمرو مشتمل علي عدّة مجاهيل علي ما ذكره المقدس الأردبيلي ، مضافا إلي جهالة كل من حماد وأنس وأبيه . فهي في منتهي الضعف والاهمال .
والعجب من صاحب الوسائل حيث عقد لها بابا خاصّا كما هو ديدنه فيما يجده من روايات الكتب الأربعة حيث يذهب إلي تصحيحها ، وذلك من عجائب ما يعتقده الاخباريون ! .
ولئن قيل إنّ ضعفها منجبر برواية الأصحاب لها وعملهم بها ( 38 ) قيل في جوابه :
1 ـ انّ عمل المشهور لا يمكن أن يكون جابرا لضعفها ، حيث إنّه لا وجه لذلك .
2 ـ وعلي فرض قبول الجابرية ، فإنّ ذلك متوقف علي إحراز عمل المشهور بها أوّلاً . ولا يتم ذلك إلاّ في مورد انحصار الدليل . وليس الأمر كذلك ؛ إذ قد تقدم ما يدل عليه سابقا مما يحتمل معه استناد المشهور إليه .
ثانيـا ـ علي فرض تسليم صحة السند تنزلاً ، فانّها قاصرة دلالة عن إفادة المطلوب ؛ لأنّ قوله عليهالسلام « ليس علي النساء » لسانه نفي الوجوب عليهن لا نفي نفوذ قضائهنّ ، وإلاّ كان مقتضي صناعة الكلام أن يقال : ليس للنساء جمعة . . . ولا تولّي القضاء ، فإذا لسانه لسان نفي الوجوب . وهو نظير نفي وجوب صلاة الجمعة عليهنّ الذي لا يلازم نفي الصحة إذا حضرن فيها .
ثالثـا ـ ولئن تنزلنا عن ذلك ، مسلّمين دلالة الرواية علي الحرمة ، فإنّ ثمّة ما يمنع من قبولها ، حيث ورد في ذيلها جملة من الاُمور المكروهة ، وبذلك يتساوي احتمال الحرمة والكراهة معا في فقرة « ولا تولي القضاء » .
الرواية الرابعة : ما رواه الشيخ الصدوق في الخصال عن أحمد بن الحسن القطّان . . . عن أبي جعفر عليهالسلام : « ليس علي النساء أذان ولا اقامة ولا جمعة ولا جماعة . . . ولا تولّي المرأة القضاء » ( 39 ) وهي أولي من بعض النبويات التي استدل بها البعض للقول بالمنع ، ولم يتعرض لهذه الرواية التي هي كسابقتها في التفصيل والمضمون وضعف السند ، فإنّ رجال سنده ما عدا الشيخ الصدوق وجابر بن يزيد الجعفي راوي الحديث ، كلهم مجاهيل ، فالقطّان ، ومن يروي عنه : الحسن بن علي العسكري عن محمّد بن زكريا عن جعفر بن عمارة ، عن أبيه ، لم يرد فيهم توثيق جميعا ، وكون القطّان من مشايخ الصدوق لا يجدي هنا شيئا ، فالرواية اذا في غاية الضعف .
والمناقشة في دلالتها كالمناقشة في دلالة الرواية السابقة . وقوله « لا تولي القضاء » وإن كانت جملة مستقلة بحسب الظاهر لا عطفا علي ( ليس ) حتي يقال انّ تركيبها لا يدل علي عدم الجواز . إلاّ أنّ اعتبارها جملة فعلية محل تأمل وبحث ، فالظاهر أخذها من وصيّة النبي صلياللهعليهوآلهوسلم السابقة ، ويحتمل حينئذ زيادة كلمة ( المرأة ) فيها من النسّاخ ، هذا مضافا إلي أنّا نقطع بارادة الكراهة من باقي فقراتها لا الحرمة مما يحتمل معه ارادتها منها أيضا ، فلا يكون لها ظهور في الحرمة حينئذ .
الرواية الخامسة : ما روي مرسلاً : « ليس علي النساء جمعة ولا جماعة . . . ولا تولّي القضاء » ( 40 ) .
وقد تمسك بها بعض فقهاء العصر ( 41 ) ، وفيه أوّلاً : أنّها مرسلة لا اعتبار بها . وثانيا : أنّها جملة نافيةٌ لم يتضح المراد منها ، ويحتمل قويا إرادة الكراهة منها ؛ لاشتمالها علي جملة من المكروهات والمستحبات في سياقها ، وعليه فالرواية لا يمكن الاستدلال بها .
الرواية السادسة : ما رواه الجمهور بعبارات مختلفة عن النبي صلياللهعليهوآلهوسلم انّه قال : « لا يفلح قوم وليتهم امرأة » كما نقله الشيخ الطوسي في الخلاف ( 42 ) ، والموجود في كتبهم : « هلك قوم ولّوا أمرهم امرأة » ( 43 ) و « لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة » ( 44 ) ، و « ما أفلح قوم ولّوا اُمورهم امرأة » ( 45 ) ، و « لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة » ( 46 ) . وقد قال صلياللهعليهوآلهوسلم هذه الكلمة عندما بلغه تولية الفرس ابنة ملكهم كسري عليهم .
وقد تعتبر هذه الرواية من أفضل ما يستدل به للمنع وقد وقع الاستدلال بها من الشيخ ، وتبعه عليه آخرون ( 47 ) ، إلاّ انّه مع ذلك يمكن المناقشة فيها :
أوّلاً ـ بالارسال من الّذين لا اعتداد بارسالهم .
ثانيـا ـ بمنع دلالتها ؛ إذ موردها المنع من تولية مثل ابنة كسري ولا ربط لها بمسألة تولّي المرأة القضاء إذا كانت عالمة فاضلة تقضي علي طبق كتاب اللّه وسنّة نبيّه .
ثالثـا ـ انّ نفي أهليتها للولاية علي الجميع لا يلازم نفي صلاحيتها في القضاء ورفع الخصومات .
رابعـا ـ انها غير دالّة علي الحرمة حتي في موردها ـ الولاية ـ لأنّ التعبير بـ « ما أفلح » لا يفيد الحرمة ، نظير قوله تعالي : « قد أفلح المؤمنون »( 48 ) ، لافادة أعلي المراتب وأكملها .
فالعجب من الشيخ ، ومن تبعه سيّما المعاصرين كيف تمسكوا بها ( 49 ) ؟ إلاّ أن يكون مقصودهم التأييد ، ولكنها غير صالحة حتي لذلك ، لأنّها أوّلاً : مرسلة كما عرفت ، فلا تصلح للتأييد . وثانيا : انّ التأييد إنّما يكون في مورد قد قامت عليه الأدلّة ، وليس المقام كذلك .
الرواية السابعة : ما رواه الجمهور وتمسك به الشيخ ( 50 ) وهو قوله صلياللهعليهوآلهوسلم : « أخِّروهنَّ من حيث أخرهنّ اللّه » ( 51 ) .
قال الشيخ : فمن أجاز أن تلي القضاء فقد قدّمها وأخّر الرجل عنها ( 52 ) .
وهي مضافا إلي ارسالها ليس فيها دلالة علي المنع ، كما لا يخفي .
الرواية الثامنة : ما روي عن النبي صلياللهعليهوآلهوسلم انّه قال : « من فاته شيء في صلاته فليسبّح فإنّ التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء » ( 53 ) .
استدل بها الشيخ أيضا بدعوي انّه صلياللهعليهوآلهوسلم قد نهي النساء عن النطق لئلا يسمع كلامهن مخافة الافتتان بهن ، فبأن تمنع القضاء الذي يشتمل علي الكلام وغيره أولي ( 54 ) .
وهذا الكلام في غاية الغرابة والعجب من مثل الشيخ ، فانّه يرد عليه :
أوّلاً ـ انّ الرواية مجهولة ولم يعلم صدورها من النبي صلياللهعليهوآلهوسلم .
ثانيـا ـ انّ مضمونها لم يطرح في الفقه ولم يبحثه الفقهاء وهذا يؤيد عدم صدورها .
ثالثـا ـ انّ لازمها عدم جواز الكلام للنساء مع الرجال لعدم جواز التسبيح لهنّ ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ، لقيام الدليل علي جواز ذلك .
رابعـا ـ انّ التسبيح يمكن الاتيان به اخفاتا بحيث لا يسمعه الرجال .
خامسـا ـ انّ لازم ذلك عدم جواز الصلاة لهنّ بحضور الرجال إذا سمعوا القراءة والأذكار ، فاذا جاز لهنّ القراءة والأذكار اخفاتا ، جاز ذلك في التسبيح أيضا .
سادسـا ـ انّ حصول الافتتان بسماع صوت المرأة في الصلاة إنّما يتحقق إذا كانت صلاتهن بمحضر الأجانب ، وليس الأمر كذلك غالبا ، وعليه فالمنع من التسبيح مطلقا في غير محلّه .
سابعـا ـ انّه علي فرض التنزل عن جميع ما تقدم من المناقشات ، فإنّ نهي النساء عن التسبيح في الصلاة أو بعدها لا يدل علي عدم جواز القضاء لهنّ . وذلك : لأنّه لم يتضح علّة المنع من التسبيح ، ولا يمكن أن يقاس منعهنّ من القضاء بنكتة المنع عن اسماع صوتهن في التسبيح ، هذا أوّلاً .
وثانيا : انّه لا تلازم بين قضائها وبين إسماعها الآخرين لصوتها .
وثالثا : لِمَ لا يجوز قضاؤها لأمثالها من النساء ؟ ! .
الرواية التاسعة : ما رواه صاحب المستدرك عن الاختصاص للشيخ المفيد عن ابن عباس في مسائل عبد اللّه بن سلام عن النبي صلياللهعليهوآلهوسلم انّه قال في ذيل الرواية : « . . . لو خلقت حواء من كلّه لجاز القضاء في النساء كما يجوز في الرجال » ( 55 ) .
وهذه الرواية هي احدي روايتين ذكرهما المحدث النوري في باب عقده تحت عنوان ان « المرأة لا تولّي القضاء » . إلاّ انها ساقطة سندا بالإرسال من ناحية الشيخ المفيد . ولو سلّمنا تماميّة سندها فانّها غير تامة دلالة ، لأنّ المراد من كلمة القضاء الواردة فيها ليس ما نحن بصدد اثباته ونفيه ـ أي القضاء شرعا ـ بل القضاء تكوينا ، بمعني انّ حواء لو كانت مخلوقة من كل آدم عليهالسلام ، لتساوي الرجل والمرأة في الخلق والقضاء تكوينا ، وبما انهما ليسا كذلك ، فنستنتج أنّها تكون مخلوقة من بعضه .
الرواية العاشرة : ما رواه أيضا صاحب المستدرك عن كتاب ( تحفة الاخوان ) عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليهالسلام عن ابن عباس قال : انّ اللّه خاطب حواء عند اخراجها وآدم من الجنة : « . . . الآن اخرجي من الجنة فقد جعلتك ناقصة العقل والدين والميراث ـ إلي أن قال ـ : ولم أجعل منكنّ حاكما ، ولا أبعث منكنّ نبيّا » ( 56 ) .
وهذه هي الرواية الثانية التي رواها المحدث النوري قدسسره ، وهي في الحقيقة ليست رواية لنبحث عن صحة سندها أو ضعفه ، لأنّ مصدرها هو ابن عباس ، وعلي فرض صدورها عنه فإنّ قوله ليس بحجّةٍ .
وأمّا من جهةٍ دلالية فهي لا تثبت المنع ؛ فإنّ قوله « لم أجعل منكنّ حاكما » لا تدل علي ذلك ، لأنّه لو أراد المنع لقال : « ما أجعل » لأنّ ( لم ) تدل علي الزمان الماضي فيكون المعني اني لم أجعل فيما سلف من الزمان القضاء للنساء . هذا أوّلاً .
وثانيا : انّ لفظ الحاكم مشترك بين القضاء والحكومة والولاية ، بل إنّه لو أراد ذلك ـ أي منع النساء من القضاء ـ لعبّر عنه بلفظ المؤنث فقال « لم أجعل منكنّ حاكمة » لا حاكما مذكرا كما في المنقول .
الروايات ( 11 ـ 14 ) : ما دلّ علي مخالفة النساء ، مثل ما عن الصادق عليهالسلام عن النبي صلياللهعليهوآلهوسلم قال : « اعصوهنّ في المعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر » ( 57 ) ، وقد استدل بها بعض المعاصرين علي المنع مدعيا صحة سندها ( 58 ) من دون تعرض لتقريب الدلالة فيها .
ويلاحظ عليها :
1ً ـ انّ الرواية مخدوشة سندا ، فإنّ الكليني رواها عن عدّة ، عن أحمد بن محمّد ، وهو مشترك بين الثقة وغير الثقة ، ولجهالة العدّة هنا كما لا يخفي . فالرواية مخدوشة الاسناد ؛ لاشتراك أحمد بن محمّد ، ولجهالة العدّة التي يروي عنها الكليني .
2ً ـ انّ موردها الزّوجان ، حيث تأمر الزوج بعدم الاستجابة لما تريده المرأة إذا كان ذلك مؤديا لاستدراجه في الاستجابة للمنكر لو دعته ، وأمّا إذا أمن ذلك فهو مشروع بل مستحب ؛ فإنّ قضاء حوائج المؤمن والمؤمنة مستحبّ جدّا .
ولا يكاد يخفي علي من له أدني التفات إلي جانب من الأحكام الشرعيّة ، فإنّ القاضي لحاجة أخيه المؤمن كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه كما في المأثور ( 59 ) ، وربما كان في الاستجابة لمطالبة الزوجة منع لها عن الوقوع في الحرام . فيكون من حقّها علي الزوج أن يستجيب لها .
وعليه فالرواية إذا أجنبية عن المطلوب ، فإنّ ما نحن فيه ليس من باب طاعة المرأة بل هو من الاستجابة لأمر اللّه وطاعته .
ومن هذه الروايات أيضا : ما روي مرسلاً عن أمير المؤمنين عليهالسلام انّه قال : « اتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن علي حذر » ( 60 ) .
وكذا المرسل عن الصادق عليهالسلام « استعيذوا باللّه من شرار نسائكم وكونوا من خيارهنّ علي حذر » ( 61 ) .
وهذه الروايات قاصرة عن افادة المطلوب ، فانّها أجنبية عمّا نحن فيه ، ولم يستدل بها إلاّ بعض المعاصرين حيث تخيّل امكان التمسك بها .
ومنها أيضا : قول أمير المؤمنين عليهالسلام : « إيّاك ومشاورة النساء ، إلاّ من جربت بكمال عقل » ( 62 ) . وهذه الرواية مما لا يمكن التمسك بها للقول بالمنع كما ادّعاه بعض المعاصرين ، وذلك :
1ً ـ لضعفها سندا .
2ً ـ ولكونها أجنبية عن محلّ الكلام ، فانّها واردة في المشورة .
3ً ـ لورود التفصيل فيها بين النساء علي أساس رجاحة العقل ، فاجازت ذلك للبعض دون بعض فهي حتي في موردها لم تمنع مطلقا .
ومن جميع ما تقدم من استدلالات ومناقشات يظهر للباحث أنّ ثمّة فرضا ومدّعيً مسبقا قد فرضه المستدل في بحثه ثمّ حاول تنزيل النصوص عليه .
الدليل الثالث : الإجماع :
وقد ادّعاه جماعة كما يظهر ذلك لمن لاحظ كلماتهم السابقة ، منهم : العلاّمة والشهيدان وكاشف اللثام وصاحب الرياض والجواهر والغنائم والعروة وغيرهم .
ويناقش فيه بمناقشتين :
الاُولي : في أصل انعقاد الاجماع وإمكان تحصيله في المسألة .
والثانية : في مدي كاشفية هذا الاجماع ـ بعد فرض إحرازه وانعقاده ـ لاثبات عدم أهلية المرأة للقضاء .
أمّا النقطة الاُولي : فإنّ مما لا شك فيه أنّ تحصيل الاجماع في عصر من العصور أمر مشكل ، فضلاً عمّا إذا كان يراد تحصيله في جميع الأعصار ، وحينئذ فكيف يمكن تحصيل آراء فقهاء الاماميّة كافّة علي كثرتهم وتشتتهم في البلاد وعدم إمكان الوصول لآرائهم لاثبات المنع من تولي المرأة القضاء قولاً واحدا سيما أنّ علماءهم لا ينحصر عددهم بنفر ممن بان اجتهاده أو عُلمت مرجعيّته ، فإنّ ثمّة من لم يُعرف بذلك ، وهم كثيرون .
نعم ، قد يقال بإمكان تحصيل الاجماع في الأزمنة المتقدمة باعتبار قلّة عدد الشيعة آنذاك .
إلاّ أنّ ذلك أيضا أمر عسيرٌ جدّا ، فإنّ الشيعة في تلك الأزمنة لم يكونوا بقلّة كما قيل . وعلي فرض ذلك فإنّ العلماء فيهم لم يكونوا بقلّة ، وقد كان منهم من يعيش بشكل مستتر أو تقية ، وحينئذ قد يدعي العكس فيقال إنّ تحصيل آراءهم في تلك الفترة كان أشكل مما عليه في العصور المتأخرة ، والنتيجة هي تعذر تحصيل الاجماع ، ويتفرّع علي ذلك الاشكال في الاجماع المنقول كما لا يخفي .
وأمّا النقطة الثانية : فعلي فرض التسليم بتحقق الاجماع المنقول ، بمعني القبول بأن ناقل الاجماع قد قام بتحصيله ونقله ، فإنّ من المستبعد الالتزام بجدواه وترتيب الأثر عليه ؛ وذلك :
لعدم كاشفية الاجماع عن رأي المعصوم أوّلاً . وعليه فلا يمكن القبول بحجّيته ، إلاّ بناءً علي قاعدة اللطف التي قد نوقش فيها .
وثانيا : إنّ الاجماع المعتبر إنّما هو الاجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم ، دون المدركي الذي قد قامت علي معقده أدلّة اُخري ، وعلم استناد المجمعين اليها أو يحتمل استنادهم اليها أو بعضها وإن استندوا إلي الاجماع أيضا . وما نحن فيه كذلك ، فإنّ ثمّة روايات قد استدل بها علي منع المرأة من القضاء ، علي أنّ دعوي الاجماع غير تامّة كبري عند بعضهم كالمحقق الخوئي قدسسره ، الذي ناقش في مباني الاجماع ، فالعجب من دعواه ذلك هنا .
والمهم في المقام تحصيل اصل الاجماع في المرتبة الاُولي ، إذ ليس ما يدلّ علي ذلك . بل انّ ثمّة ما ينفيه ، وخير شاهد علي ما نقول انّ الشيخ في كتاب الخلاف لم يدّع الاجماع ، مع انّه كثيرا ما يدّعيه ، وربما يجعله دليلاً واحدا في المسألة ليس إلاّ . وهنا بعد ما نقل قول أبي حنيفة في قبول توليها القضاء في بعض الموارد ، أو مطلقا كما ذهب إليه الطبري ، استدل بالأصل وببعض الأخبار الدالّة علي ذلك ( 63 ) . ولو كان اجماع في المسألة لاستدل به كما هو ديدنه في ذكر الاجماعات والتمسك بها ، بل ربما استدلّ به زاعما وجوده وهو غير موجود . سيما أنّه قد تمسك به في عدة مسائل من كتاب القضاء . ولو كان في هذه المسألة إجماع ، كان مناسبا له ذكر ذلك وهو يناقش أبا حنيفة وابن جرير اللذين جوّزا ذلك مطالبا لهم بالدليل علي ما يدّعون .
فيعلم من ذلك كلّه عدم انعقاد الاجماع إلي زمان الشيخ قدسسره ، وأمّا بعد زمانه فهو شبه اتّفاق ، وقد تقدم عدم اعتباره لمدركيته وعدم كاشفيته .
ومن هنا يظهر معني ما في كلام المحقق الأردبيلي قدسسره من التشكيك في أصل انعقاده حيث ذكر انّ اشتراط الذكورة فيما لم يجز للمرأة فيه أمر ظاهرٌ ، وأمّا في غير ذلك فلا يعلم له دليل واضح ، نعم هو المشهور ، فلو كان اجماعا فلا بحث ، وإلاّ فللمنع بالكلية محل بحث ( 64 ) .
واحتمل المحقق القمي بعد تسليم صغري الاجماع أن يكون النظر فيه إلي أصل اختيار الولاية والمنصب عموما ، وأمّا في حكومات خاصة ، فلم يعلم ذلك من ناقله ( 65 ) .
وعليه فلا مجال لدعوي الاجماع علي المنع والاستدلال به كما ادّعاه في الجواهر ( 66 ) ، ومباني تكملة المنهاج ( 67 ) وغيرها .
وذلك للخدشة فيه صغري وكبري ، ومعه كيف يتم الاستناد إليه في الافتاء بالمنع مع اطلاع هؤلاء الأعاظم علي وجه الخدشة فيه ؟ ! ! ثمّ إنّه قد ورد في مباني التكملة ( 68 ) تأييد الاجماع بوصية النبي صلياللهعليهوآلهوسلم الآتية ، وستأتي المناقشة فيها .
الدليل الرابع :
ما أفاده الشيخ الطوسي قدسسره حيث قال : « لا يجوز أن تكون المرأة قاضية في شيء من الأحكام ، وبه قال الشّافعي وقال أبو حنيفة : يجوز أن تكون قاضيةً فيما يجوز أن تكون شاهدةً فيه وهو جميع الأحكام إلاّ الحدود والقصاص ، وقال ابن جرير يجوز أن تكون قاضيةً في كلّ ما يجوز أن يكون الرجل قاضيا فيه لأنّها تعدّ من أهل الاجتهاد . دليلنا انّ جواز ذلك يحتاج إلي دليل لأنّ القضاء حكم شرعي فمن يَصلح له يحتاج إلي دليل شرعيّ » ( 69 ) .
بيان ذلك : انّ مقتضي الأصل الأولي عدم نفوذ حكم أحد علي أحد ولا قضائه إلاّ بدليل خاص ، وقد خرج من هذا الأصل قضاء النبي صلياللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام بدليل قاطع . وخرج منه أيضا القضاء للفقهاء بدليل معتبر ، ولم يثبت القضاء للمرأة بدليل ، فهو باق علي أصل المنع .
مناقشة الدليل :
يمكن اعتبار هذا الوجه أهم الوجوه والأدلّة علي المنع ، ولكنّ الجواب عن ذلك : بأنّ نفس الدليل الدال علي جواز القضاء في الإسلام شاملٌ بعمومه للمرأة أيضا إذا كانت جامعة لشرائط القضاء ، فخروج أي فرد عن ذلك العموم بعد دخوله فيه بحاجة إلي دليل خاص ، ولم يقم دليل علي ذلك في المرأة كما تقدم بيانه .
وهذا هو الصحيح في مناقشة هذا الاستدلال ، لا ما قيل من أنّ جواز القضاء للمرأة موافق لأصالة الجواز فلا يحتاج إلي الدليل ، بل المنع محتاج إليه ( 70 ) ؛ إذ لا أصل في مثل هذه الموارد بعنوان أصالة الجواز ، كيف والفقهاء مختلفون فيما هو الأصل في التصرفات الفردية هل هو الجواز أو الحظر ، فكيف بموارد القضاء التي يكون الحكم فيها راجعا إلي الغير ؟ ! إذا فلا ينفذ قضاء شخص علي آخر إلاّ مع وجود النص علي جوازه ونفوذه .
فالجواب الفني عن الاستدلال هو ما ذكرناه ، وإن كنّا قد لخّصناه في هذا المجال جدّا .
الدليل الخامس :
ما أفاده الشيخ أيضا في كتاب المبسوط حيث قال في بيان شروط القضاء : « الشرط الثالث : أن يكون كاملاً في أمرين : كامل الخلقة والأحكام ، أمّا كمال الخلقة فأن يكون بصيرا . . . وأمّا كمال الأحكام فأن يكون بالغا عاقلاً حرا ، فإنّ المرأة لا ينعقد لها القضاء بحال . وقال بعضهم : يجوز أن تكون المرأة قاضية ، والأوّل أصح » ( 71 ) .
مناقشة الدليل :
إنّ عدول الشيخ هنا عمّا ذكره في كتاب الخلاف من الأدلّة والروايات السابقة المتقدمة شاهد علي تضعيفه لها ، إلاّ أن يقال بتأخر كتاب الخلاف عن المبسوط .
ولكن يرد عليه حينئذ نفس الايراد ، حيث لم يذكر في الخلاف ما استدل به هنا ، سيما أنّه المناسب ههنا حيث يتعرض فيه لكلمات العامّة .
وعلي كلّ حال فانّه يرد علي هذا الدليل :
أوّلاً : انّ كل موضوع من الموضوعات يستدعي حكما خاصّا به ، وعليه فلا تفاضل في الموضوعات ، بأن يكون هذا الموضوع أكمل لأكملية حكمه ، فالمسافر مثلاً موضوع لحكم القصر ولا يمكن اعتباره أنقص من الحاضر الذي هو موضوع للتمام ؛ إذ في كلٍ منهما اقتضاءٌ خاصٌّ يستدعي الحكم المناسب له ، وعليه فاذا كان للرجل حكم وللمرأة حكم آخر فانّه لا يمكن اعتبار الحكم الخاص بها دليلاً علي نقصها ، كما أنّه لا يكون حكم الرجل الخاصّ به علامة لكماله .
نعم ، يمكن نقصان الأحكام وزيادتها من جهة كمية بما هي أحكام ، ولا ربط لذلك بنقصان موضوعاتها أو كمالها .
ثانيـا : انّا لا نسلّم المدعي المذكور من نقصان حكم المرأة كما هو مقتضي كلام الامام عليهالسلام ، ولو سلّمناه فلا وجه للمقايسة المذكورة ، إذ لا تنافي بين جلوسها عن صلاتها وصومها لعذر ، وبين جلوسها للقضاء ، فما هو وجه الربط بين هذين الأمرين ؟ ! ومن هنا يشكل جدّا بناء الحرمة علي مثل هذه التخيلات ، وشأن الشيخ أجل من ذلك .
ومما يشهد لما قلناه انّه قدسسره قد عبّر عن القول بالمنع بأنّه الأصح ، مما يعني اعترافه الضمني بصحة الرأي الآخر أيضا . لأنّ الأصح يقابله الصحيح لا الباطل ، ومن هنا يمكن أن يقال انّ الشيخ قائل ـ وبنحو لا يخلو من ظرافة ـ بالجواز ، ولو لم يصرّح به لسبب ما .
الدليل السادس :
انّ المرأة لقصورها عقلاً وايمانا ، لا يمكنها تولي منصب القضاء . كما أنّ عدم جواز امامتها للجماعة قاضٍ بأولوية منعها منه ( 72 ) .
مناقشة الدليل :
وهذا الاستدلال ليس فنّيا ، بل هو ضرب من القياس ؛ إذ أي ارتباط بين منعها من إمامة الجماعة وبين منصب القضاء .
هذا ، مضافا إلي كون المقيس عليه محل بحث وكلام ليس هنا محل تفصيله ، ولئن وافقنا عليه لموافقته الاحتياط ، فإنّ قياس القضاء عليه ـ الذي هو أمر توصلي وذاك أمر عبادي ـ مما لا وجه له البتة . ولعلّه لأجل هذا ونحوه لا نجد في كلمات الشيخ وغيره من الأكابر ذكرا لهذا الاستدلال .
وأمّا نقصان العقل والايمان ففيه :
أوّلاً : انّ هذه الكلية غير صادقة علي الاطلاق ، فكم من النساء تفوق الرجال عقلاً ودراية . فلا دليل علي تفوق الرجال من الناحية العقلية ، سيما بعد تجلي ذلك بشكل واضح في عصرنا حيث نري فيه مشاركة المرأة للرجل في كثير من المجالات ، سيّما المجالات العلميّة والسباقات الفنّية والفكريّة .
ثانيـا : علي فرض قبول رجحان عقل الرجل نوعا ، فإنّ هذا لا ينتج المنع من قضائها ؛ إذ لم يقم دليل علي اشتراط أكملية العقل وقوّة الادراك في القضاء ، وإلاّ لزمه منع من كان إدراكه مساويا لإدراك المرأة أو أقلّ منه ؛ وهذا ما لم يلتزم به أحد .
ثالثـا : انّ جواز القضاء إذا كان بملاك قوّة الادراك والعقل ، فإنّ حرمان مطلق المرأة من التصدي له مما لا وجه له ، كما انّ إطلاق الجواز لمطلق الرجال أيضا مما لا وجه له ، فلابدّ من ملاحظة من يكون واجدا لذلك من الجنسين ، وذلك أوفق بالعدل « إنّ اللّهَ يأمرُ بالعدل والإحسان »( 73 ) . وليس من العدل حرمانها إذا كانت مجتهدة عالمة فاضلة ، وتقديم الرجل عليها ، لصرف ذكوريته حتي لو كان أقل منها شأنا وفضلاً .
وهذا المعني من العدل هو الذي أشار إليه أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : « إيّاك ومشاورة النساء إلاّ من جربت بكمال عقل . . . » ( 74 ) وضعفها سندا غير ضارٍ بها بعد شهادة العقول علي مفادها .
وأمّا ما قد يستشهد به من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام الدال علي نقصان عقل المرأة ، فالجواب عنه :
أوّلاً ـ بضعف السند جدّا .
وثانيـا ـ انّ الامام عليهالسلام قد فسّر المراد من نقصان العقل بعدم كفاية انفرادها في الشهادة ، بل لابد من امرأتين ، وليس المقصود سلب صلاحيتها من كل عمل أو تصرف يحتاج فيه الانسان إلي العقل والتدبير .
وثالثـا ـ انّه يحتمل قويا كون هذا الكلام ناظرا إلي كثرة اشتغال المرأة بأمر المنزل وعدم احتكاكها بالمجتمع والأجواء العلمية ، مما لا يساعدها في تنمية ادراكها وطاقاتها العقلية والجسميّة . وهذا أمر واقع لا يمكن انكاره ، حيث إنّ الجسم والروح يحتاجان إلي الرياضة والتربيّة وتحصيل الكمالات .
ولكن هذا الاحتمال مبتن علي ارادة المعني المعهود من نقصان العقل لا ما فسّرناه من نقصان الشهادة ، وحينئذ يكون نقصان الشهادة كحكم شرعي كاشفا عن ضعف عقلها ويكون ضعف العقل هو الحكمة في عدم قبول شهادتها منفردة ، ولكن قد تقدّم الكلام فيه وقد قلنا انّه لا يكون مرادا للإمام عليهالسلام .
ورابعـا ـ قد تقدّم الكلام في اشتراط القضاء بكمال العقل وقلنا إنّه لا دليل يدلّ عليه ويثبته جدّا .
الدليل السابع :
انّ جواز القضاء لها يستلزم خروجها من بيتها ، وفعل ما لا يليق بحالها من مجالسة الرجال ورفع الصوت بينهم ، ولابدّ للقاضي من ذلك ( 75 ) .
مناقشة الدليل : ويرد عليه :
أوّلاً ـ انّا لا نسلّم القول بعدم جواز خروجها من بيتها ، وعدم جواز التحدث مع الرجال . ولا أقل من كونها دعوي تحتاج إلي البحث والاثبات ، نظير ما نحن فيه من دعوي عدم جواز قضائها .
وثانيـا ـ لو سلّمنا حرمتهما وحرمة القضاء لأجلهما ، فانّها لا تثبت أكثر من حرمة ذات الاُمور المذكورة لا تحريم القضاء ذاتا ، فلو خلي القضاء منها وتجرد عنها كان جائزا في ذاته . . .
فالمتحصل من جميع ما تقدم : انّه لا يمكن الالتزام بحرمان المرأة من منصب القضاء من وجهة نظر اسلامية لعدم قيام الدليل علي ذلك . وعليه فالافتاء بحرمة القضاء عليها مما لا سبيل إليه ، بل حتي القول بكراهته أيضا لا تجوز ، فإنّ الكراهة حكم شرعي منوط بقيام الدليل ، ولم يقم دليل لا علي الحرمة ولا علي الكراهة . إذا لا يمكن أن يقال انّ الإسلام منع المرأة من القضاء .
نعم ، يمكن للباحث والفقيه أن يدعي : أنّ ما أدّي إليه فهمي القاصر وقادني إليه البحث والاستظهار من الأدلّة هو عدم جواز تصدي المرأة للقضاء . وكان مبناه القول بجابريّة عمل المشهور لضعف الرواية سندا أو دلالة ، وإن كان لم يثبت عندنا وعند جماعة تمامية هذا المبني ، أو لقيام الاجماع عنده واقعا وهو ممن يري حجيته . وإن كان صغراه عندنا غير ثابتة ؛ إذ كيف ينعقد اجماع مع عدم تعرض الشيخ المفيد وغيره لحكم المسألة أصلاً ، ومخالفة مثل المحقق الأردبيلي فيه ؟ !
وعلي فرض انعقاده ،فهو مخدوش كبرويا أيضا ، ومن هنا يظهر أنّ القول بالمنع له ما يبرره ، فلا يوجب ما ذكرناه الطعن علي فقهائنا العظام بأنّه كيف أفتوا بالمنع في مثل هذا الحكم الحسّاس ، وإن كان الحقّ الذي لا مرية فيه عندنا خلاف ما ذهبوا إليه ، إلاّ انّ ما ذكروه من المنع مستند إلي ما يكون حجّة لهم ، ولهم أجرهم عند اللّه جلّ شأنه .
وفي الختام ينبغي الاشارة إلي :
1 ـ أنّ القول بجواز القضاء للمرأة ليس بمعني انكار الفوارق بين الرجل والمرأة حتي يقال إنّ الفوارق بينهما تقضي بعدم جواز تولّيها القضاء . لأنّا لا ننكر تلك الفوارق ، بل ننكر وجود المخصّص للمطلقات الدالّة علي جواز القضاء لجميع من تتواجد فيه شروط القضاء رجلاً كان أو امرأة .
2 ـ انّ البحث في تولّي المرأة لمقدمات القضاء خارج عن محلّ النزاع ومما لا بحث فيه ؛ لأنّه ليس بقضاء ، بل حتي تولّيها لرفع الخصومات بالمصالحة مما لا ينبغي الاشكال في جوازه لأنّه ليس من القضاء أيضا ، وإن كان مقتضي بعض التعليلات المذكورة للمنع تصلح له أيضا ، ولكن قد تقدمت الخدشة فيها كبري وصغري .
( 26 ) جواهر الكلام 40 : 12 .
( 11 ) وسائل الشيعة 27 : 12 ، ب 1 من صفات القاضي ، ح 3 .
( 24 ) المناهل : 694 ، س 32 .
( 28 ) جامع المدارك 6 : 7 .
( 30 ) كتاب القضاء للسيد الگلبايگاني 1 : 44 .
( 47 ) المسالك 13 : 327 . الرياض 9 : 237 . وانظر : المناهل : 694 . جامع المدارك 6 : 7 . كتاب القضاء للسيد الگلبايگاني 1 : 48 .
( 14 ) المائدة : 8 .
( 31 ) البقرة : 228 .
( 73 ) النحل : 90 .
( 3 ) المصدر السابق : ح 3 .
( 25 ) كتاب القضاء 1 : 40 .
( 23 ) كشف اللثام 2 : 322 ، س 20 .
( 34 ) وسائل الشيعة 27 : 13 ، ب 1 من صفات القاضي ، ح 5 .
( 54 ) الخلاف 6 : 214 .
( 9 ) المصدر السابق : 13 ، ب 1 من صفات القاضي ، ح 5 .
( 7 ) وسائل الشيعة 27 : 137 ، ب 11 من صفات القاضي ، ح 1 .
( 5 ) النساء : 65 .
( 64 ) انظر : مجمع الفائدة 12 : 15 .
( 69 ) الخلاف 6 : 213 .
( 45 ) فتح الباري 13 : 129 .
( 74 ) بحار الأنوار 100 : 253 .
( 59 ) انظر : مستدرك الوسائل 9 : 50 ، ب 105 من أحكام العشرة ، ح 26 .
( 49 ) كتاب القضاء 1 : 48 .
( 56 ) المصدر السابق .
( 51 ) المصنف لعبد الرزاق 3 : 149 . عمدة القاري 5 : 261 .
( 48 ) المؤمنون : 1 .
( 58 ) كتاب القضاء للسيد الگلبايگاني 1 : 48 .
( 10 ) نهج البلاغة : الخطبة 173 ، ط ـ صبحي الصالح .
( 18 ) المهذب 2 : 599 .
( 27 ) العروة الوثقي 3 : 5 .
( 20 ) تحرير الأحكام 2 : 180 .
( 60 ) وسائل الشيعة 20 : 179 ، ب 94 من مقدمات النكاح ، ح 2 .
( 12 ) النحل : 90 .
( 66 ) جواهر الكلام 40 : 14 .
( 40 ) مكارم الأخلاق : 439 .
( 43 ) مجمع الزوائد للهيثمي 7 : 234 .
( 55 ) مستدرك الوسائل 17 : 241 ، ب 2 من صفات القاضي ، ح 1 .
( 67 ) مباني تكملة المنهاج 1 : 10 .
( 16 ) المبسوط 8 : 101 .
( 8 ) المصدر السابق : 139 ، ح 6 .
( 57 ) وسائل الشيعة 20 : 179 ، ب 94 من مقدمات النكاح ، ح 1 .
( 70 ) اصدارات مؤتمر « دراسة المباني الفقهية للامام الخميني » 12 : 240 .
( 62 ) بحار الأنوار 100 : 253 .
( 13 ) النساء : 58 .
( 33 ) الأحزاب : 33 .
( 44 ) فتح الباري لابن حجر 8 : 117 .
( 15 ) عيون الحكم والمواعظ : 550 .
( 22 ) المسالك 13 : 327 .
( 1 ) نهج البلاغة : الكتاب رقم 53 ، ط ـ صبحي الصالح .
( 38 ) جامع المدارك 6 : 7 ، العروة الوثقي 3 : 5 ، كتاب القضاء للسيد الگلبايگاني 1 : 44 .
( 72 ) انظر : كشف اللثام 2 : 322 س 20 . مفتاح الكرامة 10 : 9 .
( 37 ) الرياض 9 : 237 ، ط ـ دار الهادي ، كتاب القضاء للشيخ الأنصاري : 40 ، جامع المدارك 6 : 7 ، العروة الوثقي 3 : 5 .
( 19 ) شرائع الاسلام 2 : 860 .
( 36 ) من لا يحضره الفقيه 4 : 263 .
( 32 ) كتاب القضاء للسيد الگلبايگاني 1 : 41 .
( 71 ) المبسوط 8 : 101 .
( 53 ) سنن الدارمي 1 : 317 . سنن النسائي 2 : 83 .
( 50 ) الخلاف 6 : 214 .
( 68 ) انظر : مباني تكملة المنهاج 1 : 10 .
( 65 ) الغنائم : 672 س 20 .
( 6 ) النساء : 59 .
( 2 ) وسائل الشيعة 27 : 17 ، ب 3 من صفات القاضي ، ح 2 .
( 21 ) الدروس 2 : 70 .
( 42 ) الخلاف 6 : 313 .
( 4 ) النساء : 105 .
( 61 ) المصدر السابق : ح 5 .
( 17 ) الخلاف 6 : 213 .
( 39 ) الخصال : 585 .
( 29 ) النساء : 34 .
( 35 ) النساء : 23 .
( 63 ) انظر : الخلاف 6 : 213 .
( 46 ) صحيح البخاري 8 : 97 . سنن الترمذي 2 : 360 . سنن النسائي 8 : 227 .
( 41 ) كتاب القضاء للسيد الگلبايگاني 1 : 48 .
( 75 ) انظر : المسالك 13 : 327 .
( 52 ) الخلاف 6 : 214 .