الشيخ عبد الله العلايلي
الحنيفية
يذكر المستشرق ولهاوزن أنّ الحنيفية كانت مذهباً نصرانيّاً ذائع الصيت في بلادالعرب. وتعارضه طائفةٌ من المستشرقين بأن الحنيفيّة لم تكن مذهباً نصرانيّا كما لم تكن مذهباً مُعيّناً، وإنّما كان هناك أشخاص من مفكري العرب استنكروا عبادة الأوثانمتأثرين بتعاليم اليهودية والنصرانية جميعاً، حتى دخل بعضهم في اليهودية، وبعضهم في النصرانية، وبقي جماعة منهم غير منتمين إلى دين. جاء في سيرة ابن هشام: 'أن زيد بن عمروبن نفيل توقف عن دخول النصرانية واليهودية، واعتزل ديانة الأوثان وتقاليدها، ونهى عن قتل الموؤودة، وكان يُسنِدُ ظهره إلى الكعبة ويقول: يا مشعر قريش لم يبق على دينإبراهيم غيرن. ثمّ يقول: اللّهم لو أنّي أعلمُ أي الوجوه أحب إليك عبدتك عليه ولكني لا أعلمه'.
وأخيراً طلع الدكتور ولفنستون، في كتابه تاريخ اليهود في جزيرة العرب،برأي طريف بناهُ على دراسة لغائيّة (فيولوجيّة) دقيقة لكلمة 'حنيف' و 'ملّة إبراهيم' قال: هناك اصطلاحٌ مشهور عند العرب قبل الإسلام وهو 'ملّة إبراهيم حنيفاً'، وبحث هذاالاصطلاح قد يُفهمنا شيئاً عن عادة الختان. يُعرفُ غلاف الحشفةِ بعد الختان في العبريّة باسم 'مِلَّة' وقَبلَه باسم 'غُرلَة'، وبما أنّ الختان من أصول الدين الإسرائيليفقد عبّرَ النّاموس الديني عن كلّ من اختتن أنه دخل في ذمّة إبراهيم. ومن هنا اطلق اليهود على كلّ من اختتن هذا التعبير 'ملة إبراهيم'، وهذا اللّفظُ يقوله العاذرُ للطفلعندما يعذره، والحاضرون يؤمنون. ولمّا كان الختان وحده لا يؤدي إلى الإيمان فقد أطلق اليهود على كل من اختتن، دون أن يعتنق اليهودية، اسم حنيف الذي معناه في العبريّةتملّق، إقترف إثماً، تذلّل، داهنَ، يعنون به غير الصّالح، أي الختان غير المُستوفي للشروط، ولهذا متابعاتٌ فيما تحفظُ المعاجم العربية من تفسيرات لكلمة حنيف. جاء فيلسان العرب أنّ من اختتن في الجاهلية وحجّ سُمّي حنيفاً. قال الفرّاءُ: 'الحنيفُ من سُنّتُه الختانُ، وتَحَنّف الرجلُ اختتن'. وهو ينتهي إلى أن الحنيفيّة طائفةٌ تأثرتبطقوس وعادات اليهودية غير أنّها لم تؤمن بجوهر الديانة.
ومن بين هذه التقديرات نفهم أنّ الحنيفيّة نِحلةٌ أو نزعةٌ عُرفَت بها طائفةٌ لم تكن بعيدةً عن التأثُّربالمسيحية واليهودية على السواء، وهذه الطائفةُ كانت أقرب الى الحيرة والشّك.
المصدر: مقدمات لفهم التأريخ العربي