المنهج الفقهي والأصولي لآية اللّه البروجردي
الاستاذ الشيخ محمد واعظ زاده الخراسانيالامنى العام
«ملخّص»
السيد البروجردي من أعظم الفقهاء المعاصرين اهتماما بالتقريب عن طريق الفقه والحديث. واهتماماته الحديثيةوالرجالية بلغت الذروة في موسوعاته الحديثية والرجالية ركز فيها على ما أُهمل من الرواة مع بيان طبقته وشيوخه وتلاميذه، وميّز المشتركات من الاسانيد، وصحح التصحيفوالقلب والزيادة والنقص.
كما اهتم هذا الفقيه الكبير بمقاصد الشريعة التي توجّه الأمة الى طريقها العملي في الحياة مؤكدا على ضرورة طرح مايثير الخلاف التاريخيبين المسلمين. وأقام علاقات مباشرة مع شيوخ الأزهر الشريف ودعم دار التقريب بين المذاهب الاسلامية في القاهرة.
إنّ المبادئ العامة لجميع بحوث سيّدناالبروجردي في علم الأصول تماثل ماعند أستاذه المرحوم الآخوند الخراساني صاحب «الكفاية»، ولا يخفى فقد
كانت له نظرياته الخاصة في هذا المجالأيضاً. بصورة عامة، فإن منهجه يتركز على تيسير المواضيع وتلخيصها، وتجنب فضول المباحث. وكان يقول: «كنت في إصفهان أراجع ما دونته من دروس الأساتذة في نهاية كلّ أسبوع،فأفصل المواضيع الإضافية التي لا علاقة لها بالبحث، ليتسنّى لي تحديد المباحث الأصولية. وعندما حضرت درس المرحوم الآخوند الخراساني في النجف، رأيتُ أنّ منهجه يتركزأيضا على تجنب الحشو وفضول الكلام والتمهيد لمقدمات كلّ بحث - كما هو شائع - كان يطرح المسألة الأصلية في بداية كلّ بحث أصولي، ثم ينبري إلى مايحوم حولها من تفاصيل». أجل،فإنّ كتاب كفاية الأصول، مع أنه لا يخلو من المواضيع الجانبية، ولاسيما بعض البحوث الفلسفية، بيدأنه في الوقت نفسه كتاب موجز ومركز للغاية، وخال من الحشو وفضول الكلامإذا ما قيس بالكتب المتقدمة عليه زمنياً.
كان آية اللّه البروجردي يتجنب التعقيد واستعمال الألفاظ الحشوية في كلامه، ويحاول أن يُبقي علم الأصول في إطار اُسسهالأصلية، وكان يقول: «إن علم الأصول قد تورّم، والتورّم يغاير السمن».وكانت له آراء جديدة في بعض مباحثه الأصولية، منها:
1- إنه يرى أنّ موضوع علم الأصول الذيخاضوا فيه كثيراً هو «الحجة في الفقه».
- رسالة التقريب - العدد 30 محمد واعظ زاده الخراسانيـالمنهج الفقهي والأصولي لآية اللّه البروجردي 2- وإنّ الشهرة المعتبرة هي الشهرة الفتوائيةعند القدماء.
3- وأنّ الإجماع على بطلان التصويب هو الإجماع في مسألة كلامية، وهو غير الإجماع المصطلح عند الفقهاء.
زاول أستاذنا في قسم تدريس المرحلةالعليا في دراسة الكفاية من البداية حتى أواخر باب الاشتغال طيلة سبع عشرة سنة تقريباً. وقد دوّن طلاّب
كثيرون، وأنا معهم، تلك المباحث التيكانوا يحضرونها. وقام عدد من الفضلاء بطبع تقريرات درس الأصول.
ولم يكن منهجه في درس الأصول نقل جميع الآراء ونقدها، بل كان كثيراً ما يوضح آراء أستاذه مضيفاًإليها رأيه الخاص.
أهمية فتاوى القدماء
كان منهج الإمام البروجردي في الفقه يختلف تماماً عن الآخرين. فقد تميز بإبداعاته الجمّة. وكان يهتمبآراء قدماء الشيعة وشهرتهم في الفتوى. وكانت له رغبة في جمع فتاوى اثنين من الفقهاء الذين سبقوا الشيخ المفيد. وهما: الحسن بن أبي عقيل النعماني، ومحمد بن أحمد بن جنيدالإسكافي. وكان الأول معاصراً للشيخ الكليني (329هـ)، والثاني معاصراً للشيخ الصدوق (381هـ). وكانت فتاوى ذينك الفقيهين خاصة بهما غالباً، وتختلف عن فتاوى الآخرين. ولميجمعها كتاب، بل هي موزعة في الكتب الفقهية الأخرى، ومنها كتاب (المختلف) للعلامة الحلي. وأنا - شخصياً - بدأت بجمع فتاوى ابن جنيد بناءاً على أمره، بيد أني لم أوفقلإتمامه. إلى أن تم جمع فتاوى الإثنين بإشرافي من قبل أحد طلاب الماجستير في فرع الفقه، لكنها لم تطبع. فقام طالب آخر من طلاب الأستاذ الإمام بجمع تلك الفتاوى وطبعها. ويطلق على ابن أبي عقيل وابن جنيد: القديمان. وكان آية اللّه البروجردي يقول أحيانا «لا نعلم كم هو مقدار الروايات التي كانت في متناول أيديهما». وذكروا عن ابن جنيدفي الفهارس أنه كان يفتي بالقياس. ولعله اتّهم بالعمل بالقياس لأنه وسّع دائرة الاجتهاد من حدود المسائل المنصوصة إلى المسائل الأخرى في وقت لم يكن هذا العمل متداولاًبين الشيعة آنذاك. وقد شرحت هذا
البحث في مقدمتي بعنوان (حياة الشيخ الطوسي) على مجموعة عشرة رسائل للشيخ الطوسي فليلاحظ.
الفقه المتلقّي والفقه المشروح
يقسّم أستاذنا المسائل الفقهية إلى قسمين: الأول: المسائل المتلقاة، وهي عبارة عن المسائل المأخوذة عن الأئمة نصاً، وهي مسائلمجملة وموجزة للغاية، وكان السيّد يشبهها برُزمة مغلقة. الثاني: المسائل المشروحة، وهي عبارة عن المسائل التي وضحها الفقهاء فيما بعد، وفصلوا موضوعاتها. وهذاالتقسيم هو غير تقسيم الفقه إلى فقه منصوص وفقه تفريعي، الذي بدأ في الوسط الشيعي أيام الشيخ المفيد تقريباً، واتسع نطاقه بواسطة الشيخ الطوسي مؤلف كتاب «المبسوط» الذييمثل دورة كاملة من الفقه التفريعي إلى جانب الفقه المنصوص.
إن قصد الأستاذ من تقسيمه هو أن المسائل الفقهية كانت تطرح موجزة ومجملة في البداية، مثلاً كان يقال:الكعبة قبلة. ثم بعد ذلك كان الفقهاء يشرحون هذه المسألة بقولهم أن الكعبة قبلة لأهل مكة، وأن جهة الكعبة قبلة للبعيدين عن مكة. أو إذا كانوا يقولون مثلاً: الملاك جهةالكعبة، بعد ذلك كانوا يوضحون هذا اللفظ، ماهو القصد من «الجهة»؟.
أما التقسيم الثاني فهو يبين في الحقيقة نوعين من الفقه: الأول: الفقه المنصوص الصادر عنالأئمة بدون تفريع، والثاني: الفقه التفريعي. وقد ذكر الشيخ الطوسي هذا الموضوع في بداية كتاب «المبسوط» بقوله: حتى أنّ مسألة لو غُيِّر لفظها وعُبِّر عن معناها بغيراللفظ المعتاد لهم لعجب أصحابنا منها. فما بالك إذا طرحت فروع تلك المسائل كما في أسلوب أهل السنة». ويقول: «ألـّف
أهل السنّة لكلّ قسم منهماكتباً مستقلة. وأنا جمعت الإثنين في كتاب «المبسوط»، وبينت جميع تفريعات أهل السنة على أساس مذهب الشيعة دون الاستدلال بالقياس».
أهميّة التعرّف علىفتاوى أهل السنّة
كان الأستاذ يعتقد أنه يمكن فهم روايات الأئمة(عليهم السلام)وأقوالهم بشكل أفضل من خلال مراجعة الروايات والفتاوى الشائعة لأهل السنة في عصرأئمة أهل البيت(عليهم السلام)وكان يقول أحياناً «فقه الشيعة على هامش فقه أهل السنة» لأنّ الفتاوى المستعملة آنذاك هي فتاواهم. وكان أصحاب الأئمة يسألون أئمتهم بناءًعلى تلك الفتاوى، وكان الائمة يجيبون في ضوئها أيضا. أعتقد أن ما يدعم هذا الرأي هو أن أكثر روايات الشيعة كانت تجري على شكل سؤال من الأئمة(عليهم السلام)ويظهرأن سواد الناس لا يستطيعون أن يطرحوا تلك الأسئلة بما هي عليه من دقة، فالسائلون كانوا من أهل العلم، وكانوا يسمعون المسائل من فقهاء أهل السنة، ويسألون الأئمة عنها. وكان الأستاذ يرى أن الرجوع إلى فتاوى أهل السنة من مقدمات الفقه. وكان يقول: «إنّ قدماءنا كانوا يحفظون مسائل الخلاف». من هذا المنطلق، قام لأوّل مرّة بطبع كتاب«الخلاف» للشيخ الطوسي مع حواش مختصرة.
وكانت هذه السنّة الحسنة متداولة بين فقهائنا في الماضي حتى عصر الشهيد الثاني وما تلاه من عصور، بيد أنها اُهملت أوضعفت في القرن أو القرنين الأخيرين تقريباً. وبعد شيوع منهج آية اللّه البروجردي، أخذت مكانها ثانية في حوزة قم، ثم في حوزة النجف تدريجاً.
وكان الأستاذ يجلبمعه أحياناً كتاب «الخلاف» للشيخ الطوسي في درس
الفقه، وكتاب «عُدّة الأصول» له في درس الأصول، ويقرأ بعض مسائلهما ويناقشها، ليمرّن طلابه علىالرجوع إلى كتب قدماء الشيعة، وكذلك الرجوع إلى فتاوى أهل السنة، وكان يقول: «نقل قدماؤنا فتاوى أهل السنة في كتبهم ودروسهم، وكانوا ينقدونها في أغلب الأوقات».
الروايات وأسلوب عرضها في الدرس
كان آية اللّه البروجردي قلما يتمسك بالأصول العملية. بيد أنه كان يُبدي غاية الدقة والتأني في تمحيص الرواياتواستنباط المسائل منها. وكان منهجه في التدريس هو أنّه يطرح المسألة، ثم يعقبها بنقل أقوال المسلمين، لا على سبيل الاستقصاء التام، يتلو ذلك قراءة الرواياتالتي تحوم حول المسألة من كتاب (وسائل الشيعة) بنفس الترتيب، وبعدها يناقش الأستاذ الحكم المستفاد من الروايات واحدة بعد الأخرى، وكان يتحدث أحياناً عن سند الروايةوالخلل الموجود فيها، ثم يعود ثانية فيبوّب الروايات ويصنفها، بعدها يناقش كلّ صنف منها. والذين لم يحيطوا علماً بمنهجه، كانوا يتصورون وجود تكرار واجترار للمسائل. فيحين أن المرة الأولى مخصوصة لمناقشة الروايات منفردة، أما لمرة الثانية، فهي مكرّسة لمناقشتها مجتمعة بسبب ملاحظتها.
وفي هذه المرة، كان الأستاذ يناقش رواياتكلّ راو مجتمعة، وغالباً كان يستنتج أن تلك الروايات تعود إلى رواية واحدة، وقد روعيت هذه النقطة في ترتيب روايات كلّ باب، كما سنذكر ذلك في شرح ميزات كتاب (جامعالأحاديث) فمثلاً صنفت روايات زرارة في باب واحد جنباً إلى جنب. وكان يقول: «هل تتصورون أنّ زرارة سأل الإمام عدة مرات وأجابه الإمام كذلك؟ لا،
إنه سأل مرّة واحدة، وأجابه الإمام مرّة واحدة أيضاً، لكنّ الرواة اجتهدوا فأخرجوا تلك المسألة على ما نجده اليوم من كثرة الروايات».
منشأ المسائلالخلافية
كان أستاذنا يُنقّب في جذور المسائل المهمة. وعند طرحه نبذة تاريخية عنها، كان يذكّر بمنشأ الاختلاف وأصله بنحو معقول بعيد عن التعصّب المذهبي، ويطرحنقاط الاتفاق والاختلاف بين المسلمين، فيذكر رأي أهل السنة ودليلهم، وكذلك رأي مدرسة أهل البيت، وانعكاس ذلك الاختلاف في الفقه. فمثلاً في باب القبلة، كان يقول: الكعبةهي القبلة بـإجماع المسلمين وضرورة الإسلام. ثمّ بعد ذلك يناقش هذه المسألة فيما إذا كانت الكعبة نفسها هي القبلة أو جهتها. وماهي حدود الجهة ومساحتها. وكانيراعي في الفقه النقاط التالية:
1- كان لا يتعامل مع المسائل الخلافية بين الشيعة والسنة بصورة سلبية، بل كان يحاول أن يتلمّس السبب الأصلي للاختلاف. ففي وجوبأداء الصلاة في أول الوقت الذي يلتزم به أهل السنّة (كأحد القولين للشيعة وعلى عكس أغلب علماء الشيعة)، ولا يجيزون تأخير الصلاة عن أول وقتها بلا عذر، كان يقول: تنطلق فتوىأهل السنّة مما أثر عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) أنه كان إماماً لجماعة المسلمين، وإمام الجماعة لابدّ وأن يحضر في الوقت المعين، وكان النبي يختار أول الوقت لأداءالصلاة، وكذلك كان يفعل الصحابة والتابعون إذ اتخذوا من عمل نبيهم معياراً لعملهم، ثم جاءت المذاهب الإسلامية فأفتى أصحابها بوجوب ذلك. في حين أن الرسول الأكرم(صلى اللهعليه وآله) كان أحياناً لا يراعي أوّل الوقت وهو في حال الاختيار، وكذلك صرح أئمة أهل البيت بذلك، فأصبح معياراً لفتوى الشيعة. وفي ضوء هذاالتبرير كان يرى عدم صحة مايقال من أن أهل السنّة قاموا بتبديل الأحكام عمداً، وكان يردّ على ذلك.
2- كان يستند الى آيات القرآن، وهو نفسه كان حافظاً آياتالأحكام. وكان يستنبط نقاطاً لطيفة من الآيات القرآنية.
3- لم يهتم بتفريع الفروع والخوض في البحوث الإضافية غير الضرورية، ولم يتابع مثل هذه المسائل. وكان يطرحخلال مدة التدريس كلها بحثين من هذا النوع فقط، وهما: فروع العلم الإجمالي، واللباس المشكوك.
4- كان يهتم بأقوال المعاصرين وآرائهم في المسائل المذكورة. مثلالفي المسألة المتعلقة باللباس المشكوك، كان يقرأ رسالة (اللباس المشكوك) لآية اللّه النائيني نصاً ويوضح موضوعها. وكان يقدر منهج المرحوم آية اللّه الحائري مؤسس الحوزةالعلمية بقم في كتاب (الصلاة)، ويقول: «لم أر أحداً يكتب المواضيع العلمية المعقدة بهذه السلاسة والبساطة والإيجاز».
وكان الأستاذ البروجردي يكنّ حباً خاصاًللشيخ الطوسي من بين القدماء. ويرى أن الشيخ الّف بعض كتبه، مثل: «الخلاف»، و«المبسوط» للعالم الإسلامي عامة، وبعضها الآخر، مثل: «النهاية» والكتب الفقهية الأخرى لعالمالتشيع خاصة. وكان يدافع عنه إذا ما وجّه أحد نقداً يؤاخذه به، ويقول: «لعل الشيخ الطوسي لم يكرس من وقته أكثر من خمس دقائق لهذه المسألة بسبب كثرة مشاغله العلمية».
ولم يكن الأستاذ ينتهي من البحث بنحو جازم قاطع، حتى أنه كان يترك المسائل ناقصة ليتابعها طلاّبه.
علاقة الفقه بتقريب المذاهب الإسلامية
نحن نعلم أنّ آية اللّه البروجردي كان يولي اهتماماً كبيراً بمسألة الوحدة الإسلامية وتقريب المذاهب، ولذلك رأيناه يتعاون مع «دار التقريب» في القاهرة،ويتبادل الرسائل مع مؤسسيها أمثال: الشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت. وكانت له علاقة مباشرة بالسكرتير العام للدار، وهو الشيخ محمدتقي القمي، وكان يدعم الدارمن الناحية المالية والفكرية. وقد ذكرتُ وذكر الآخرون ذلك بالتفصيل في مجلة الحوزة، العدد الخاص بآية اللّه البروجردي. وكان يتفق مع مؤسسي «دار التقريب»وأعضائها أنّ الفقه هو السبب الرئيس للاختلاف القائم بين المذاهب، بيد أنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون من عوامل التقريب. وكان يعتقد أنّ لأهل السنّة فقهاً متخذاً منالكتاب والسنّة، وهو ثابت عندهم. ونحن أيضاً لنا فقهنا المرتكز على أساس الكتاب وروايات أهل البيت. وينبغي الاهتمام بالفقهين بشكل محايد، وتطبيق أحدهما على الآخر.
في هذا المجال، فإنه لم يلتفت إلى قضية الخلافة ولم يحفل بها عند الخوض في أصل الإمامة، بل كان يرى أن المسلمين في غنى عن التعرّض للخلافة هذا اليوم، لأنها قضية قدانتهت، وما شأننا بشيء قد مضي حتى نتطاحن عليه، وكذلك لا ضرورة أن نعرف من كان الخليفة، فالذي نحتاج إليه هذا اليوم بشأن الإمامة هو بُعدها العلمي، إذ ينبغي علينا أن نثبتأننا يجب أن نأخذ الأحكام من الأئمة. وكان في هذه القضية يتخذ من حديث الثقلين المعروف والمتواتر أساساً لعمله، ويقول: لو اكتفينا نحن الشيعة بهذا الاتجاه الذي يمثل حاجةمعاصرة للمسلمين، وطرحنا ما عندنا على أهل السنة بنحو معقول، فإننا
سوف نقطف الثمار، ونتمكن من إقناعهم. من هذا المنطلق، وباشارة منه تم جمعطرق حديث الثقلين من قبل أحد العلماء في قم. وقامت دار التقريب بطبعه. وقد تمّ طبعه مرة ثانية من قبل المجمع العالمي للتقريب مع تذييل لي.
في ضوء ذلك، فانه - منجهة - كان يهتم بأن يطلع علماء الشيعة على روايات أهل السنة وأسسهم الفقهية، ومن جهة أخرى، يتعرف أهل السنة أيضاً على روايات أهل البيت وفقه أتباعهم. ونجح - حقاً - فيالأمرين، ودفع معظم أعضاء (دار التقريب) إلى التعرّف على فقه الإمامية، إلى درجة أنّهم أفتوا في بعض المسائل وفقاً لذلك الفقه. وآل الأمر إلى أن يصدر المرحوم الشيخ محمودشلتوت شيخ الجامع الأزهر فتواه الشهيرة بجواز التعبّد بفقه الإمامية. وأنا أعتقد أن لحنكة المرحوم الأستاذ البروجردي وجهوده الواعية دوراً في إصدار تلك الفتوى وكان;يثني على الشيخ محمد عبده ويقدّر جهده في تأليف شرحه على نهج البلاغة. وذكر وصف كلام علي 7 نقلاً عن الشيخ محمد عبده في أول شرحه.
وكان في منهجه وتفكيره شريكاًللمرحوم السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي. وله اهتمام بكتبه، لاسيما كتاب «الفصول المهمّة في تأليف الأمّة».
آثاره العلميّة
إنّ آخرمامرت من الأطوار بعلمي الحديث والرجال في المذهب الإمامي طيلة الأيام والقرون، ظهور موسوعتين كبيرتين في القرن الرابع عشر الهجري: 1- موسوعة في الحديث، باسم(مستدرك الوسائل) للمحدث الخبير الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي (م 1320هـ . ق) استدرك به مافات الشيخ الحر العاملي (1033 - 1104) في كتابه القيّم (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل
مسائل الشريعة) من الروايات. ويجري مجراها موسوعة أخرى باسم «مستدرك بحار الأنوار» للشيخ ميرزا محمد العسكري الطهراني نزيل سامراء (م1371) أكمل بهكتاب بحار الأنوار للعلامة محمد باقر المجلسي (1037 - 1110) ولم نرها لحد الآن.
2- موسوعة في الرجال باسم (تنقيح المقال في علم الرجال) للعلامة الشيخ عبد اللّهالمامقاني (م 1351) ثم لحق به كتاب (قاموس الرجال)(العلامة المرحوم الشيخ محمد تقي التستري في عشرة أجزاء». وكتاب (معجم رجال الحديث) (25 مجلداً) لفقيه عصرنا آية اللّه السيّدأبي القاسم الخوئي المتوفى هذا العام (1413) قبل شهور.
وأما موسوعات أخرى من قبيل (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) للعلامة الكبير المعاصر شيخ مشايخ عصره الشيخ آغابزرك الطهراني المتوفى (1389) عن عمر زاد على التسعين - وقد ألحق الأصاغر بالأكابر وشرّفهم وشرّفنا بإجازة الحديث، وكتاب (أعلام الشيعة) له وكتاب (أعيان الشيعة) للعلامةالفقيد السيّد محسن الأمين العاملي (1292 - 1370) فهذه الكتب وأمثالها وإن احتوت تراجم رجال الحديث إلا أنّ الغاية الرئيسية والهدف الأصلي منها ليس هو جرح وتعديل رواة الحديثوالتعريف بهم - وهو الهدف الذي يرمي إليه علم الرجال - بل الغرض الرئيسي من كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) كما يحكي عنه هذا الاسم - هو التعريف بالتصانيف والمولّفاتللشيعة الإمامية، ومن «أعلام الشيعة» التعريف بعلمائها كما أن الغاية لكتاب (أعيان الشيعة) هي المعرفة الواسعة بتراجم أعلام هذه الطائفة الكبيرة من طوائف المسلمين سواءالعلماء منهم أو أعيانها من سائر الطبقات من الوزراء والأمراء والملوك والسادة والقادة وكلّ من كان له شأن يذكر أو أثر
يُسطر.
وهكذاشأن غير هذه الموسوعة من كتب التراجم المختصرة أو المطولة ككتاب (الكني والألقاب) للمحدث الخبير الشيخ عباس القمي (1294 - 1359) وما يجري مجراه وهي كثيرة ولا سيما في اللغتينالفارسية والعربية بل وغيرهما من اللغات الإسلامية.
وإلى جانب ذلك كله قيض الله في عصرنا للعلم وأهله، الإمام الاكبر سيّدنا الأستاذ البروجردي من أسرة عريقةفي العلم والشرف والفضائل فقام بعمل إيجابي كبير في فني الحديث والرجال يليق بأن يُعدّ ثورة في تاريخ هذين العملين، فهذا الإمام مع تضلعه في الفقه والأصول وسائر العلومالإسلامية على المستوى العالي، الذي نال به زعامة الشيعة وإمامة الطائفة، قد صرف شطراً كبيراً من عمره في علمي الرجال والحديث، فجاء فيهما ببديع، وأصبح حلقة ملحوظة منحلقات النشوء والتطور في هذين المجالين، وقد ساعده على ذلك أمران:
الأوّل: أنه تتلمذ في أول أمره بإصفهان حيناً من الدهر، وكانت حوزتها العلمية احتفظت إلى تلكالحين بالسنن القديمة، ولم تنس أساليب القدماء التي كانت تهتم بالعلوم النقلية إلى جانب العقليات، فكان يُوجد فيها رجالٌ خُبراء بالحديث والرجال والتراجم، وما إليها منالعلوم التي نسيت في غيرها من أودية العلم وحوزاته، أو كادت أن تنسى فكانت مدرسة إصفهان المزدهرة بهذه العلوم طيلة أكثر من ألف سنة، وخاصة في العصر الصفوي فما بعدها عامرةبالعلماء في جميع فنون الإسلام، ومن جملتها علم الرجال والتراجم، وكفانا شاهداً بذلك أنّ أبا نُعيم الإصبهاني - وهو الجد الأعلى للأسرة المجلسية - ترك كتابه «حليةالأولياء» وغيرها لنا من قبل ألف سنة، والعلامة السيّد محمد باقر
الروضاتي ألّف كتابه القيّم (روضات الجنات في تراجم الفقهاء والسادات) من قبلمائة سنة في هذه البلدة (إصفهان).
فهذا المناخ العلمي ترك أثره على هذا الطالب الذي أتى من بروجرد بما فيه من استعداد متفوق، نعم ترك أثره في اتجاهه الفكريوأسلوبه العلمي فيما بعد، ولا مجازفة في القول لو قلنا أن آراءه كانت استمراراً لمدرسة إصفهان علماً بأن مدرسة النجف الأشرف في تلك الآونة غلب عليها الفقه والأصول. متجهةإلى السلوك العقلي أكثر من الاتجاه النقلي.
الثاني: أن السيّد الأستاذ بعد أن استكمل علماً وعملاً واستوفى حظه من العلوم ولاسيما الفقه والأصول بالنجف، عاد إلىوطنه بروجرد معتكفا في مكتبته الخاصة العامرة بأنفس الكتب، يتابع التحقيق والدراسة زهاء أربعين سنة أي من سنة 1328هـ . ق إلى سنة 1364 - حيث انتقل إلى بلدة قم - وكان يهتم من بينالعلوم بعلم الرجال خاصة. فدرس وبحث وكتب وألـّف وجدّد النظر في كلّ ما كُتب وسُطر في هذا الشأن من قبل علماء الإسلام على النطاق الواسع من دون أن يخص نظره برجال طائفتهالإمامية وحديثهم، فحصلت له في هذه الحقبة من الزمن آراؤه ومدرسته الخاصة به في علمي الرجال والحديث المرتبط بعضهما ببعض.
ثم انتقل إلى بلدة قم وفيها أعظمالجامعات الإسلامية وأكبر دور العلم في إيران، حاملاً في صدره معلومات جمّة وفي عزمه آمالاً عظيمة، حيث وجد أمامه أفقاً واسعاً من ملامح الإصلاح، لا في نطاق مذهبهوبلاده فحسب، بل بالنسبة إلى العالم الإسلامي بأجمعه.
ثم أتته زعامة الشيعة الإمامية، فأفاد من علمه الغزير وأرشد برأيه الحكيم وعلّم وربّى ناشراً مدرستهوآراءه الجديدة بين العلماء والطلبة، فقلّب بذلك
الموازين العلمية، ووجّه الأنظار إلى القديم والقدماء وإلى السُنن المنسية عند الفقهاء،وأخذ بعين الاعتبار مسائل جديدة وآراء طريفة في العلوم الإسلامية ولاسيما في حقلي الفقه والأصول كما سبق شرحها ويهمنا الآن كشف القناع عن اتجاهه في علمي الحديث والرجالتمهيداً للتعريف بآثاره الرجالية بشكل موسّع وبموسوعته في الحديث بشكل موجز.
ومغزى الكلام أنّه بعدما طال نظره في كتب الرجال والحديث وأخذها بعين الاعتبار،وقلّبها ظهراً لبطن ورجع البصر فيها كرّتين، وقاس مسلك الطائفة الإمامية وكتبهم بما وقف عليه من كتب أهل السنة، وطريقتهم في الحديث والجدال، انتهى نظره إلى أنّ المؤلفينمن أهل طائفته بلغوا الغاية وانتهوا إلى النهاية في هذين العلمين من حيث حجم العمل والكمية، فجمعوا وضبطوا الحديث وأسامي الرجال وتراجمهم بما فيها تراجم علماء آخرين منغير رجال الحديث، وألّفوا فيها موسوعات كبيرة، توسّعت طول الزمن وانبسطت حجماً إلى حد يصعب لغيرهم أن يزيدوا عليه، أويأتوا بشيء زائد على ما يحتاج إليه الفقيه، أو يتكلعليه، فقد كملت بحوثهم وانتهى بهم المطاف من حيث الحجم.
وأما من حيث الكيفية فرأى الأستاذ بما حصلت لديه من الخبرة أنّ للعمل المبتكر الجديد في سبيل ازدهارالعلمين وتقدّمهما الملحوظ مجالاً واسعاً فعزم على القيام بعمل إيجابي في ذلك مستعينا بربه فلنشرح مدرسته الحديثية والرجالية.
مدرسته الحديثية وأثرهفي هذا العلم
كان الأستاذ يتحدّث بالتفصيل أو الإجمال، سواء في حلقاته الخاصة بالرجال والحديث لخاصة تلامذته والعاملين معه، أو في الحلقات العامة التي كانت تخصّ الفقه والأصول ما خلاصته أن ما يحتاج إليه الفقيه من الروايات قد جمعت في كتاب (وسائل الشيعة)، أما كتاب (المستدرك) فليس فيه شيء كثير يعتمدعليه الفقيه بمفرده، فإنّ أكثر ما في هذا الكتاب يعتبر مؤيدات لما في (الوسائل) من سائر الأخبار، مع أنّ عمدة مافي الوسائل أيضا الروايات المأخوذة من الكتب الأربعةالمعروفة، التي جمعت بدورها في كتاب (الوافي) للفيض الكاشاني (م1091) بأسلوب خاص ابتكره هو، ولاسيما في تلفيق أسناد الروايات وضبط موارد الاختلاف يحتاج إلى دراسة دقيقة،فهذه الروايات هي العماد والمعتمد في الفقه الإمامي، كما أنّ هذه الكتب الأربعة تعتبر أصح كتب الحديث وأقدمها وأشهرها عند الإمامية، ويوجد منها نسخ كثيرة قديمة مصححةمقروءة على المشايخ العظام، وتوجد أيضاً إلى مؤلفيها المشايخ الثلاثة العظام: الكليني والصدوق والطوسي، طرق عديدة لا تحصى.
أما غيرها من كتب حديث الطائفةفليست بهذه المنزلة. وبذلك كله ظهر أن الروايات الفقهية للشيعة الإمامية عند الإمام البروجردي كانت من حيث صحة الاعتماد عليها ومدى حاجة الفقيه إليها على ثلاث درجات: الأولى: روايات الكتب الأربعة، فلها الحظ الأوفى والقدح المُعلّى، علماً بأنّ جميع مافيها لا يعتبر صحيحاً بالمعنى المصطلح وليست تعبّر عنها بالصحاح كما يُطلقأهل السنة هذا العنوان على كتبهم الستة فيقال عنها: (الصحاح الستة).
الثانية: روايات ما سواها من الكتب التي أدرجها الشيخ الحر في كتاب (الوسائل)، فان القسمالكبير منها مؤيدات مكرّرات بالنسبة إلى ما في الكتب الأربعة، والقسط الصغير منها شيءٌ لا يتكل عليه الفقيه بمفرده، اللهم إلا في شذاذ المسائل فقط.
الثالثة:روايات جمعها المحدّث النوري في مستدركه، والعلامة المجلسي
في قسم الأحكام من مجلدات كتابه (بحار الأنوار) أو غيرهما في غير هذين الكتابين،فهذه الروايات، سوى ماكان منها تكراراً لما في الوسائل متناً وسنداً ومأخذاً، قلّما يوجد فيها حديث لا يوجد أصحّ منه بمعناه في الصنفين الأولين.
فظهرت أنّعناية المحدثين القدامى والمتأخرين، صُرفت إلى جمع الروايات واستقصائها حتى جاوزت مقدار الحاجة، فلسنا نحن بعد وجود هذا الحجم الكبير من المؤلفات والموسوعات، محتاجينإلى طلب المزيد، والفحص عن ما شذّ من الحديث في مصادر غير معروفة ولا معتبرة، مضيفين إلى ماعمل السلف الصالح، تأليفا أكبر منه، بل يجب الانصراف عنه وتوجيه النظر إلىتنقيحها، الشيء الذي له مجال واسع والحاجة اليه مُلحة، فهذا العمل هو الذي تصدى له الإمام البروجردي في الحديث والرجال.
أما الحديث فقد سبق أن ذكرنا أنّ أهمّالكتب وأجمعه للحديث الفقهي الذي يحتاج إليه الفقيه هو كتاب وسائل الشيعة الذي أصبح كالمرجع الوحيد للفقهاء في القرون الثلاثة الأخيرة التي مضت على تأليفه، وذلك لما فيهذا الكتاب من وجوه الحسن وأسباب الرجحان على غيره، ومن ذلك أنه عنون لكل مسألة فقهية باباً خاصاً، وعنوانا مبسوطاً واضحاً، بحيث يبدو فهرس هذا الكتاب، وكأنّه متن فقهييفوق غيره من المتون وقد سمّاه المؤلف (من لا يحضره الإمام) لما فيه من التفصيل والإسهاب في عناوين الأبواب.
إلاّ أن هذا الكتاب على الرغم من فوائده الكثيرة،لايخلو عند سيّدنا البروجردي من وجوه الخلل والنقصان وأهمها أن الشيخ الحر (رحمه الله) لما التزم بأن يعنون لكل مسألة فقهية جاءت في الروايات عنواناً برأسه، ألجأه ذلكإلى تكرار الروايات وتقطيعها، والتكرار يوهم زيادة الروايات على عددها في نفس الأمر، حتى قيل أنّ حوالي عشرة آلاف حديث من مجموع 35 ألف حديث احتوى عليها
هذا الكتاب يعد تكراراً لغيرها.
كما أنّ التقطيع ربما يوجب فوات كثير من الأمارات الدالة على المراد، على أن الشيخ الحر قد يكرر عناوين بعض الأبوابرعاية لمناسبات توجد في مواضع مختلفة من الكتاب. ثم إن عادة المؤلف هو التفريق بين الأمثال والنظائر ففي كثير من الأبواب جاءت روايات عديدة من راو واحد وربما ترجع إلىرواية واحدة، ففرقها المؤلف على الأبواب أو أتى بها متفرقة بلا انسجام في باب واحد، مشيراً إلى ماتقدم أويأتي في أبواب أخرى مهملاً عنوان الباب والكتاب، الأمر الذي ألجأعدداً ممن أتى بعده، علاج ذلك بالتنبيه على مواضعها أوأصولها بتأليف كتاب مفرد أو التنبيه عليها في الهامش. وآخر عمل من هذا القبيل ماقام به صديقنا وزميلنا المرحومالعلامة المتتبع، المجاهد، الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي في ما صححه وقدم له في طبعة جديدة من كتاب (الوسائل)، والذي تبعه طبعة أخرى قامت بها مؤسسة أهل البيتمشكورة، فالناظر فيهما يطّلع على ما تحملوه من ذكر المصادر وتعيين مواضع «ماتقدم ويأتي» من هذا الكتاب. والفقيه لا يهمه كثرة الروايات بقدر ما يهمه ويحتاج إليهأن يحيط برواية واحدة أو أكثر كاملة بجميع طرقها ومتونها المختلفة، لكي ينظر إليها ككلام تام صدر عن النبي أو الإمام المعصوم(عليهما السلام)، ماثلاً أمامه، مضبوطاً فيباب واحد.
والإمام البروجردي ربما كان فريدا بين أقرانه في الاهتمام بإرجاع روايات عديدة إلى رواية واحدة، واستخراج نصها من مجموعها استناداً إلى سنّة جاريةفي الحديث، وهي إن تراكم الوسائط وتواليها وتعدد الطرق، وبعد الزمان، وخطأ النسّاخ وتساهل الرواة في نقل الحديث بالمعنى، وأسباب أُخرى من هذا القبيل جعلت رواية واحدةعبر الزمان كأنها روايات متماثلة وربما
جعلتها روايات متعارضة ومتضادة.
وبالجملة فشدة العناية بالكمية، والاهتمام بتضافر الحديثوالحرص على أن يكون لكل مسألة فقهية عنوان خاص، من جملة الأسباب لتطرّق تلك النقائص إلى كتاب (وسائل الشيعة)، وقد تصدى الأستاذ الإمام لرفعها بإنشاء لجنة من تلامذته،اشتغلوا تحت إشرافه طيلة حوالي سبع سنين بتأليف كتاب جامع لما في الوسائل ومستدركه، بأسلوب مبتكر يجانب التكرار والتقطيع والتشتيت بين الأمثال، نقلاً عن أصح النسخالموجودة من الكتب الأربعة وغيرها، فجاء الكتاب والحمد للّه مع حسن التنظيم والتبويب أضبط وأثبت بكثير من كتابي (الوسائل ومستدركه) حاو لما جاء في مقدمة الكتاب منالمزايا وسنوجزها نحن في هذا البحث ونضيف عليها. وقد تمّ تأليف الكتاب في حياة الأستاذ وسماه هو (جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة) وكان ينظر فيه، ويصححه،ويبدي آراءه في أثناء العمل ويشترك في لجنة الحديث ويتابع العمل حتى تم، فأمر بطبعه، وخرج قسم من الجزء الأول طبعاً على الحجر وكان يشتغل بتقديم الكتاب فوافاه الأجل، ولميكمل ماكان بصدد ذكره في المقدمة إلى أن قام ابنه العالم السيّد محمد حسن بإكمالها مستفيداً مما سمعه من أبيه ومما كتبه غيره من أعضاء اللجنة ومما كتبته أنا في حياةالأستاذ تصديراً للكتاب ونظر فيه الأستاذ واستحسنه، فألحقت المقدمة بطولها بالجزء الأول ثم نشر جزء آخر أو جزءان من الكتاب بهذا الشكل وتوقف طبعه بموت ابنه رحمة اللّهعليهما. إلى أن قام المرجع الأعلى آية اللّه الخوئي رضوان الله تعالى عليه بشراء جميع مخطوطات الكتاب ثم أمر بطبعه في قطع صغير على الحروف واستمر نشره لحد الآن وخرج منه 19مجلداً حاويا جميع كتب العبادات وآخر ماوقفت عليه كتاب (الأمر
بالمعروف) ثم تمّ طبعه في 26 مجلداً بحمد اللّه تعالى.
والذي تصدّى إلىطبع الكتاب والإشراف عليه والتزم إخراجه مشكوراً، هو أحد أعضاء اللجنة العالم الفاضل الشيخ إسماعيل الملايري، وهو لايزال يتابع العمل آملين له دوام التوفيق.
لمحة من قصّة هذا الكتاب
لو أردنا حكاية القصة من أولها إلى آخرها فإنّها تُكلّفنا تأليف رسالة أو كتاب لامجال له عندنا، وإليكم موجزها: كانالأستاذ دائماً يشير إلى ما يوجد من نقص وخلل في كتاب (الوسائل) إلى أن أعلن في حلقة الدرس أنه مصمم على رفع ذلك - وقد انتهى بحثه حين ذاك إلى باب (صلاة الرجل بحذاء المرأة)من كتاب الصلاة حيث اشتمل على روايات مختلفة تحتاج إلى التنظيم - فاقترح على الطلبة أنّ من يريد الاشتراك في هذا العمل. ينظّم روايات هذا الباب ويرسله اليّ ليقابلوني فيالبيت يوم كذا. فاشترك في التأليف حوالي أربعين شخصاً كنت أحدهم، فقمت بتنظيم الروايات وأضفت إليها رسالة ذكرت فيها ما يوجد من النقص في كتب الفقه والحديث على العمومسواء من حيث التأليف أو الطبع وأشرت إلى مايوجد من ذلك في كتاب الخلاف للشيخ الطوسي، الذي تمّ طبعه بيد الأستاذ لأول مرة من دون شرح ما تحمله من المشاق في سبيل تصحيحهوالتعريف بما كانت عنده من المخطوطات، ثم اقترحت ما خطر ببالي من طرق الإصلاح والتجديد في هذا المجال والرسالة لاتزال عندي وهي جاهزة للنشر.
فجاء اليوم الموعودواجتمع الطلبة فخرج الأستاذ إليهم وبيده كرّاسات قدّمها إليه أولئك الذين أعلنوا استعدادهم للمشاركة في هذا العمل، فجلس وأبدى
نظره فيما قدموهإليه واحدا بعد واحد حتى انتهى إليّ فأخذ الرسالة وقرأ شطراً منها واعترف بما يوجد من النقص في المطبوع من كتاب الخلاف، وشرح ما عاناه من المشاق طيلة سنين في هذا السبيلوأنه كان ينبغي ذكرها في أول الكتاب الذي نُشر لأول مرة بعد مضي حوالي ألف سنة على تأليفه، ولم يذكر مصادره والمخطوطات التي اطلع عليها واستفاد منها، وانتهى المجلس مندون اتخاذ قرار للابتداء بالعمل، إيكالا ذلك إلى وقت آخر.
وبعد مضي عدة أيام اختار هو من بين المشاركين حوالي أربعة وعشرين شخصاً كنت أنا أحدهم، فوزع الكتبالموجودة في (وسائل الشيعة) من الطهارة إلى الديات عليهم، وكان سهمي كتاب النكاح وملحقاته، فاشتغلوا مجتمعين بترتيب روايات الوسائل ومستدركاتها،على أسلوب اقترحهالأستاذ عليهم، وكان يتصل بهم ويحضر لجنتهم في كلّ أسبوع أو أكثر، فيرشدهم ويجيب على أسئلتهم ويُشرف على عملهم بشكل مستمر في بيته في قم أو في المصيف (قرية وشنوة) حيث يذهبإليها في الصيف آخذاً إياهم معه، وكانت تتبادل الآراء بين الأستاذ وأعضاء اللجنة في شكل العمل وأسلوبه أو ما كانوا يستقبلونه من اختلاف الرأي الذي ربما انتهى إلى التشاجروالمنازعة فيما بينهم وبذلك قد تغيرت صورة الكتاب وأسلوبه ومرت عليه مراحل إلى أن استقر رأيه ورأيهم على الصورة التي انتشر عليها الكتاب، وكان اختلاف النظر غالباً حولالمزج بين روايات الكتب الأربعة وغيرها، أو الفصل بينها، والاستاذ كان يفضل الفصل بأن نكتب هذه الروايات في كلّ باب فوق سطر أفقي وسط الصفحة وتضبط الروايات من غيرالأربعة تحت السطر، وقد عملنا حسب رأيه برهة من الزمن فوقع الفصل بين الأشباه والنظائر وبين روايات شخص واحد، الأمر الذي كان الأستاذ يصر على الاجتناب عنه، لأن الفقيهيجب أن ينظر إليها
معاً ويستنبط الحكم من ملاحظتها جميعاً. وهذا ما عملنا به في نهاية المطاف وطبع الكتاب عليه، حيث ترى حديث (الكافي) وقع إلىجانب حديث (دعائم الإسلام) مثلاً للمناسبة والمشابهة بينهما.
والآن لا موجب لتفصيل مامرت على تأليف الكتاب من المراحل سوى مرحلة واحدة يهمنا الإشارة إليها فيالوقت الحاضر الذي نحن بصدد التقريب بين المذاهب الإسلامية، الذي كان يهتم به الأستاذ ويسعى لتحقيقه في العالم الإسلامي.
وتوضيحه أنّ الأستاذ الإمام حضر يوماًلجنة الحديث وبيده كتاب، فبدأ حديثه بأنّ: «عدد روايات أهل السنة في باب الأحكام أقل بكثير من روايات أهل البيت عندنا، فأرى إيرادها في ذيل أبواب كتابنا إذ في الجمع بينهافوائد وللنظر فيها جميعاً دخلٌ في الاستنباط، وبذلك يُعلم مقدار ما عندهم من الحديث في كلّ باب وما عندنا» وأضاف قائلاً: «أنّه يكفينا من رواياتهم ما جمعت في هذا الكتاب»وهو «التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول» للشيخ علي منصور علي ناصف، من علماء الأزهر الشريف - وفيه خمسة من الصحاح الستة أي عدى سنن ابن ماجة - فبدأنا بدرج تلك الرواياتفي مواضعها، وتم العمل في كتاب الطهارة وشيء من غيرها، فإذا بالأستاذ الإمام حضر اللجنة، قائلاً إني طلبت منكم درج أحاديث أهل السنة في الكتاب، ثم بدا لي حذفها، وذكرأسباباً لانصرافه عن رأيه، وحاصلها أن الناس عندنا لا يتحملون هذا في وقتنا الحاضر وإني أخاف الفتنة فنكلها إلى وقت مناسب، فتم المجلس وأعضاء اللجنة مصممون على حذف تلكالروايات وقد اشتغلوا بحذفها بالفعل.
وفي خلال ذلك أرسلت أنا كتاباً إلى الأستاذ ذكرت فيه بعض المرجحات لوجود روايات أهل السنة راجياً أن أصرفه عن هذا إلى رأيهالأول، لكنه لم يؤثر
في عزمه، فتم تأليف الكتاب مجرداً عن روايات الجمهور. ومهما كان الأمر فهذا الحادث يعكس لنا رأي الأستاذ في ما يرتبط بتقريبالمذاهب وإيجاد العلاقة بين الشيعة وأهل السنة، ولاسيما في مجال الحديث والفقه الأمر الذي طالما سعى إليه جمع غفير من المصلحين في العالم الإسلامي ومن بينهم جماعةالتقريب بين المذاهب في القاهرة، وكان لديهم مشروع، وهو الجمع بين الروايات المشتركة بين الفرق الإسلامية في كتاب ولم يتحقق هذا لمشروع لحد الآن، ونحن الآن في المجمعالعالمي للتقريب ننجز هذا المشروع.
وشيء آخر يجب الإلمام به في شأن هذه الموسوعة الكبيرة (جامع الأحاديث) أن العزم كان معقوداً في أول الأمر على شيء من التصرف فيكتاب (الوسائل) وإزالة الخلل عنه، ولم يكن يختلج في خلد أحد منّا تأليف كتاب جديد، الأمر الذي انتهى العمل إليه، ولو أخذنا هذا الكتاب بعين الاعتبار، فالحق أنّه كتاب جديديختلف عمّا ألّف قبله بكثير، من حيث الصورة والأسلوب وإن كانت المادة مشتركة، فإن مافيه من الأحاديث هي عين ما اشتمل عليه كتاب (الوسائل ومستدركه) من الأحاديث.
مزايا كتاب (جامع الأحاديث)
وإليكم شطراً من أهم مزايا هذا الكتاب موجزاً:
1- لا تكرار ولا تقطيع في الأحاديث، اللهم إلا في عديد من الأحاديثالجامعة المطولة كحديث وصية النبي لعلي، وحديث الأربعمائة، مما يُعدّ كلّ قطعة منه حديثاً برأسه، والمظنون أنها كانت متفرقة في الأصل، ثم ضُمّ بعضها إلى بعض فبرزت كأنهارواية واحدة. 2- جميع طرق الحديث الواحد مذكورة في أول الحديث، تلفيقاً بينها
واقتباساً أسلوب كتاب (الوافي للفيض الكاشاني) وهذا شيءيحتاج الى الممارسة للأنس به.
3- ذكر اسم الكتاب المصدر رعاية للاختصار بالرمز مثل (كا) للكافي (قيه) لمن لا يحضره الفقيه (يب) للتهذيب (صا) للاستبصار، وأما في غيرهذه الكتب فاكتفينا بذكر أسمائها مقطوعة: مثل (العيون) لكتاب (عيون أخبار الرضا) للصدوق.
4- جاءت روايات شخص واحد في كلّ باب بعضها تلو بعض علماً أو ظناً بأنها فيجملتها رواية واحدة، وهذا الأمر كما مر بنا مما اختص به سيّدنا الأستاذ حيث كان يتعامل معها معاملة حديث واحد.
5- التلفيق بين الأبواب المتناسبة، اجتناباً عنالتكرار والتقطيع وحرصاً على ذكر الأشباه والنظائر من الأخبار، مجتمعة في باب واحد، ليحيط بها الفقيه جملة واحدة، علماً بأنّ له دخلاً في تسهيل أمر الاستنباط وطريقتناهذه متوسطة بين طريقة صاحب الوسائل وطريقة صاحب الوافي حيث يفرق الأول كثيراً من المتناسبات في أبواب متعددة، ويجمع الثاني أحياناًمالا مناسبة بينها في باب واحد كما أنعناوين الأبواب أيضاً ليست على حد تفصيل (الوسائل) ولا إجمال (الوافي) بل هي بدورها واسطة بينهما.
6- رعاية التنيسق بين أبواب كتاب واحد والترتيب المناسب فيتواليها.
7- رد أبواب السنن المستقلة إلى مواضعها في كتب الحديث عند القدماء، علماً بأن صاحب الوسائل أدرجها خلال الكتب بمناسبة ما، مثل أنه أدخل روايات(الأواني والظروف) في كتاب الطهارة وكذلك روايات (آداب الحمام) والحال أنّ محلّها من كتب الحديث كتاب خاص باسم (كتاب الزي والتجمّل) وكذلك روايات (آداب السفر وآداب العشرةوأحكام الدوابّ وأبواب المزار) أتى
بها في كتاب الحج، ولا يحتاج إليها الفقيه فرأينا بإشارة من سيّدنا الأستاذ، تأخير أمثال هذه الأبواب إلىآخر الكتاب، يجمعها كتاب باسم (الآداب والسُنن) ليتمحّض أصل الكتاب لما يحتاج اليه الفقيه في استنباط الأحكام، ومن هذا الباب أبواب الزيارات والأدعية المستقلة غيرالمرتبطة بما وقع في أبواب الفقه.
8- نقل عدة من أبواب كتاب القضاء في (الوسائل) الحاوية لأدلة الأحكام إلى مقدمة الكتاب التي تشكل مجلداً كاملاً بما فيه منمقدمات العبادات، وذلك كأبواب حجية الأخبار وطريق علاج ما تعارض منها، وحجية ظواهر الكتاب وحجية العقل وإبطال القياس وحرمة البدعة وحكم الشبهات الحكمية والموضوعية إلىغيرها. مراعياً تبديل عناوينها التي أتى بها الشيخ الحر حسب مسلكه الأخباري، إلى ما استقر الرأي عليه عند الأصوليين. وهذا ما يقف عليه الباحث بالمقارنة بين عناوين هذهالأبواب من (الوسائل) وكتابنا هذا (جامع الأحاديث).
9- إدماج الأبواب المتكررة في مواضع عديدة من كتاب الوسائل في موضع واحد وباب واحد مثل باب (حدّ البلوغ للرجلوالمرأة) حيث أتينا بها في مقدمة الكتاب وقد كررها الشيخ الحر في مقدمة العبادات وفي كتاب الصوم والحج والنكاح والحجر وربما في غيرها.
10- أخذ الروايات عنمصادرها الأولى وعن المخطوطات المعتبرة وقد جمعت لدينا في اللجنة جملة من أنفس النسخ ولاسيما من الكتب الأربعة مما كانت في مكتبة السيّد الأستاذ أو استعير من مكتبة آيةاللّه المرعشي الخاصة العامرة بالمخطوطات أو من مكتبة العلامة المغفور له السيّد حسين الخادمي الإصفهاني وكان من بينها نسخة من (من لا يحضره الفقيه) لا توجد مثلها فيصحتها ودقتها في ضبط مواضع اختلاف النسخ وكانت في آخرها جداول
مدوّرة للمشيخة، وإجازة الشيخ الصدوق للسيّد الشريف الدِّين الذي التقى بالصدوقفي بلخ وطلب منه تأليف هذا الكتاب واقترح عليه هذا الاسم آخذاً من كتاب (من لا يحضره الطبيب) الذي عمله محمد بن زكريا الرازي المتطبّب. فهذه المخطوطات وغيرها من النسخ التيجمعها السيّد الإمام من المكتبات ووضعها تحت يد اللجنة واستفادات منها في ضبط الروايات.
ومن المؤسف أنّ الذين تصدوا لطبع الكتاب لم يُعرِّفوا هذه المصادرالمعتبرة ولم يأتوا بنموذج من أولها وآخرها - كما هو متعارف عند المحققين - ويوجد في ما طُبع من الكتاب أشياء من هذا القبيل يرفضها أرباب التحقيق.
تلك عشرة كاملةمن مزايا كتاب (جامع الأحاديث) والمتأمل في هذا الكتاب يقف على أشياء أخرى غيرها.
وإذ قد انتهينا عن ذكر مزايا الكتاب نضيف إليها مزية أخرى لم تذكر في المقدمةولا يعرفها غيري من أهل لجنة الحديث وهي: إني حضرت يوماً مع أحد هؤلاء لدى السيّد الأستاذ البروجردي (رحمه الله) في غرفته الخاصة، فاقترحت عليه أن يجيزنا رواية هذهالأحاديث حتى تخرج عن الوجادة التي هي -كما يقولون - أدنى وأضعف مراتب تحمل الحديث إلى تحمّلها بالإجازة عن المشايخ، فأعجبه هذا الاقتراح وبدأ يذكر طريقه إلى المشايخالعظام بعد أن حمد الله وصلّى على النبي وآله فقال: «إنّي أروي عن أستاذي آية اللّه آخوند الخراساني (م 1329هـ) عن سيّد الفقهاء السيّد مهدي القزويني الحلّي، صاحب الكرامات(م 1300هـ) عن عمّه العلاّمة صاحب المقامات السيّد محمد باقر بن السيّد أحمد القزويني (م 1246هـ) عن خاله المعظم آية اللّه بحر العلوم السيّد مهدي الطباطبائي، صاحب المقاماتوالكرامات (1155 - 1212) عن جماعة منهم الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني (1206) عن والده محمد أكمل عن العلاّمة المجلسي..».
وأقول: هذا الطريقموجود في آخر المستدرك للشيخ النوري، ثم أضاف: «ولي إجازة عن الآغا نجفي الإصفهاني (م1332هـ. ق) ولا تحضرني الآن..» والعجب أنه لم يلتفت - حين ذاك - إلى الإجازات الثلاث عنثلاثة من مشايخه. التي .
وسمعت العلاّمة الطهراني صاحب كتاب الذريعة (رحمه الله) أنه قال: «حين دخل سيّدنا البروجردي النجف كان شيخنا النوري (رحمه الله) قد توفّيفي أمد قريب منه - وهي سنة 1320 التي دخل السيّد الأستاذ النجف الأشرف - وكنتُ جاراً للسيّد فاستجازني بحق إجازتي عن شيخي النوري فأجزتهُ».
ثم إنّ لنا إجازة عنشيخنا العلامة الطهراني عن شيخه النوري بطرقه الخمسة إلى العلامة المجلسي المذكورة في خاتمة المستدرك ص 382 فما بعدها وأنا أذكر واحدة منها وهي: الشيخ النوري عن الشيخمرتضى الأنصاري (م 1281هـ) عن المولى أحمد النراقي (م 1245هـ) عن العلامة بحر العلوم، عن الوحيد البهبهاني، عن والده محمد أكمل، عن العلامة المجلسي (رحمه الله) (م 1110هـ).
ولنا إجازة أخرى عن العلامة الشيخ محمد صالح المازندراني المعروف بالسمناني، عن شيخه الحاج ميرزا حسين بن الميرزا خيليل الطهراني (م 1266) عن الشيخ جعفر كاشف الغطاء (م 8 -1227هـ) عن العلامة بحر العلوم بطريقه المذكور عن المجلسي.
وطرق العلامة المجلسي إلى أرباب الجوامع والكتب وإلى المشايخ العظام كثيرة، ذكرها الشيخ النوري فيالخاتمة. وبهذا تصح لي ولغيري ممن كان أهلاً رواية أحاديث هذا الكتاب للّه الحمد.
مدرسته الرجالية وآثاره في هذا العلم
الرجاليون عند (الشيعةالإمامية) ولاسيما المتأخرين منهم قد أكثروا من جمع الأسامي وتراجم الرجال، حتى بلغ الأمر إلى أن أنهاها العلامة المامقاني في كتابه (منتهىالمقال) إلى ما يقرب من ستة عشر ألفاً من المحدثين وغيرهم، مع أن علم الرجال هو معرفة حال رواة الحديث فحسب، وهذا شيء يغاير علم التراجم على العموم الذي يهدف إلى معرفةأحوال العلماء وحياتهم من دون اختصاص بالمحدثين، مع أن الفقيه لا حاجة له مباشرة إلى معرفة حال الآخرين، سوى من جاءت أسماؤهم في طريق الأحايدث، بل حتاج إلى الوقوف علىحال الرواة من حيث الطبقة ومقدار الوثوق بهم، ومعرفة مشايخهم، ومن يروي عنهم الحديث والمشتركات ونحو ذلك، معرفة عميقة أكثر من ذي قبل.
ومعنى ذلك أن مدى الحاجةإلى معرفة رجال الحديث، على حسب مقدار الحاجة إلى رواياتهم، وعليه فمعرفة رجال الكتب الأربعة تقع في الصدر، ثم معرفة رجال وأسانيد جاءت في الكتب الحديثية غير الأربعة،التي أخذ منها صاحب الوسائل، ثم من بعدهم من رجال الروايات التي اختص بذكرها كتاب (بحار الأنوار، ومستدرك الوسائل) حسب ماتقدم منا في ترتيب كتب الحديث من حيث الاعتبار عندسيّدنا الأستاذ البروجردي (رحمه الله).
بل لا حاجة إلى معرفة كثير من هؤلاء المحدثين أيضاً لعدم انتهاء سلسلة أحاديث تهم الفقيه إليهم، إلا أن تفيدنا خبرةوبصيرة بحال من يجب معرفتهم من رجال الحديث.
والأستاذ البروجردي بعد عناء وجهد طويل وصل إلى أقوم الطرق لمعرفة الراوة، ووضعه معياراً عادلاً لمعرفة الحديثأمام المحدثين والفقهاء فأتى بشيء جديد لم يسبقه إليه غيره.
توضيحه أن الرجالين عندنا كانوا ولا يزالون يتعبدون في الأكثر بقول أئمة هذا الفن وعلماء الجرحوالتعديل، ويقلدونهم في إبراز الوثوق بشخص أو عدم
الوثوق به وفي طليعة هؤلاء الأشخاص، الأئمة الثلاثة من الأولين:
الأول: أبو عمرومحمد بن عمر الكشي، المعاصر للكليني صاحب الكافي المتوفى عام (329ق)، في كتاب: «معرفة الناقلين عن الأئمة المعصومين» وقد اندثر أصله وبقي اختياره للشيخ الطوسي في متناولأيدينا وقد قمت أنا بطبعة مصححة منه مع ذيل طويل في جامعة مشهد قبل حوالي عشرين سنة بمناسبة المؤتمر الألفي للشيخ الطوسي. الثاني: الشيخ أبو العباس أحمد بن عليبن أحمد النجاشي (م450) في فهرسته، وهو من تلامذة الشيخ المفيد والشريف المرتضى.
الثالث: الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460) وله كتابان في هذا ا لمجال:كتاب الفهرست وكتاب الرجال وكلاهما مطبوع وقد طبعنا الفهرست بالأوفست مع ذيل طويل عند إقامة المؤتمر الألفي للطوسي.
فقول هؤلاء وقليل ممن عاصرهم أو تأخر عنهمومنهم العلامة الحلي (م728) في كتابه (خلاصة الرجال) لازال معياراً في معرفة الرجال والطبقات، وهذا - ولاشك - طريق يعتمد عليه في النقليات إلاّ أنّ الحق لا ينحصر فيه وليسوقفاً على آراء هؤلاء، بل ليس هو أوثق السبل وأحسن الطرق في معرفة الرجال. إذ لا يعدو في الحقيقة عن كونه تقليدا لهم وتسليماً لرأيهم بشأن الرواة، من دون معرفتهم مباشرةوبالنظر والاجتهاد، وهناك إلى جانب ذلك، باب مفتوح أمام الفقيه والمحدث لابداء الرأي وحرية النظر، في حال الرواة، ولعل اعتماد هؤلاء الأئمة أيضاً كان في أول الأمر علىهذا الطريق المباشر الذي صار فيما بعد نسياً منسياً، فقامت أقوالهم وآراؤهم مقام هذا العلم المباشري السليم، وأصبحت كأنها الطريق الفريد والصراط القويم عند من تأخرعنهم.
وهذا الطريق الذي اتخذه الأستاذ أساسا لمعرفة رجال الحديث ومعرفة طبقة
الراوي وعصره ونسبه ونسبته، والتعرف بشيوخه والرواة عنههو الرجوع إلى سند الروايات المتكررة في كتب الحديث وبمتابعة الأسانيد واستقرائها يظهر الخلل في كثير منها بسقوط الواسطة وعدم اتصال سلسلة السند أو تبديل اسم باسم،ويمكننا معرفة الحلقة المفقودة باستقصاء الأشباه والنظائر إذا توفرت وكثرت القرائن، وقامت الشواهد عندنا في الأسانيد المتكثرة المتولية، كما يعرف اسمه واسم أبيه وجدّهوكنيته وربما تاريخ حياته. هذا الطريق بعينه مفتوح أمامنا للتعرف بدرجة علم الرواة وفقههم وضبطهم وأمانتهم في النقل ومذهبهم ونحو ذلك، وذلك بالرجوع إلى متون أحاديثهمالمبعثرة على الأبواب في كتب الحديث، وتقديرها من حيث اللفظ والمعنى، كماً وكيفاً فيعلم بذلك أن الراوي هل كان متضلعاً في الفقه والكلام أو السيرة والتاريخ أو التفسير،أو غيرها من المعارف، أو لم يكن له خبرة في شيء منها وأنه لم يكن من الراسخين في العلم أصلاً ويجوز استنباط ذلك والإحاطة به إذا قيست رواياته بعضها ببعض وبما رواه رواةآخرون في معناها. ثم يلاحظ أنه كان قليل الرواية أو مكثراً منها، وأنّه كان مخلطاً أو لم يكن وهكذا. وهذا يحصل أيضا بمراجعة الأحاديث التي وردت عن الأئمة(عليهمالسلام) بشأن الرواة من أصحابهم أو من تقدمهم وقد أبدوا فيها وثوقهم بشخص أو عدم وثوقهم به، فتعطينا صورة من حال رواة الحديث من ناحية موقفهم لدى الأئمة الهداة(عليهمالسلام). وقد جمع شطراً كبيراً من هذه الروايات أبو عمرو الكشّي في كتابه الذي بقي عندنا اختياره للشيخ الطوسي، وبقي شطرٌ منها متفرقة في مطاوي الكتب، ينبغي استدراكها فيموسوعة كبيرة.
وبالجملة فمعرفة الرواة وطبقاتهم عن طريق أحاديثهم وملاحظتها متناً وسنداً تكاد تكون معرفة بالاجتهاد والنظر، لا بالتقليد والأثر، ومعلوم أن
الإشراف على جميع روايات شخص واحد يستدعي جمعها في كرّاس واحد، وهذا ما عمله قديماً علماء الحديث من الجمهور وسمّوا هذا النوع من كتب الحديث(المُسند)، وكان الغرض الأهم لهم من هذا العمل التلاقي مع الرجال والصحابة من خلال رواياتهم. أما الشيعة الإمامية فلم يهتموا بتأليف المسانيد وكان سيّدنا الأستاذ يحبّذهذا العمل ويرغّب طلاب العلم وأعضاء لجنة الحديث بالاشتغال به، ولاريب أنه خلل وفراغ في حديثنا يجب أن يُسد.
وقد بدأ جمع روايات كلّ إمام من الأئمة باسم المسندمن قبل المؤتمر العالمي للإمام الرضا(عليه السلام) في المشهد المقدّسة، وانتشر منها لحد الآن عدة مجلدات والقائم بجمعها وتأليفها العالم المتتبع الشيخ عزيز اللّهالعطاردي نزيل مشهد. أما الذي بقي في ذمة الزمان، هو جمع روايات كلّ واحد من أصحاب الأئمة(عليهم السلام)المعروفين بكثرة الرواية عنهم، وقد اشتغل به بعض أعضاء لجنة الحديثفي حياة الإمام البروجردي، ولا علم لي بما آل إليه أمره، فهذا هو الذي يُفيدنا معرفة كبرى بحال الرواة مما يحتاج إليه الفقيه، أمّا جمع روايات إمام واحد فيوقفنا على مدىتوفر اتصال الشيعة بأئمتهم واكتساب روايتهم، وإلا فلا يزيدنا معرفة بحالهم وعلمهم، فإنهم نور واحد حسب ماثبت في المذهب. نعم ربما يعلم منها ماكان شائعاً من المسائل فيعصر كلّ إمام حيث كان يرجع الناس إليهم ويسألون عنها كما يعرف من خلال ذلك عدد من روى عنهم.
أما إذا حصلت لدينا هذه الكتب أي مسانيد رجال الأئمة(عليهم السلام)،فهي خير وسيلة للإحاطة بأحوالهم.
وفي رأيي أن الموجب لعدم اهتمام طائفتنا قديماً بسدّ هذا الفراغ، والقيام بتأليف مسانيد الرجال أن أكثر الراوة القدامى سواءالذين أخذوا عن الأئمة مباشرة، أو الذين لم يرووا عنهم إلا بالواسطة، كانوا قد جمعوا حديثهم في
كتاب، والأصول الأربعمائة المعروفة - وهي تحتاجإلى الحديث عنها طويلا - وكثير غيرها مما نسب إلى أصحاب الأئمة كانت من هذا القبيل، فهي كانت تعتبر بمنزلة المسانيد لهؤلاء الرواة، ولكنها مع الأسف لم تصل إلينا كما هي،سوى ما نقل عنها في ثنايا كتب الحديث المعروفة، فإنه لما ظهرت الجوامع الحديثية في القرن الثالث فما بعده وجمعت بين دفتيها ماكانت في تلك الأصول والكتب من الروايات وقدانتظمت الجوامع الحديثية على حساب موضوع الحديث دون اسم الراوي، اندثرت تلك المصادر وباندثارها ذهب ذلك الانسجام والتوالي الذي كان مشهوداً بين روايات رجل واحد فيكتابه أو أصله، إلا أنّ تلك الأصول لما كانت في متناول الأيدي إلى أزمنة لا يعلم حدها بالضبط، لم ير القدماء حاجة إلى تدوين مسانيد الرجال، وأما في هذا الوقت الذي نعيشهوقبله بعدة قرون حيث ضاعت تلك الاصول التي قلنا أنها كانت بمنزلة المسانيد ولم يبق منها إلا القليل النادر، فالآن نُحس إحساساً ملموساً بضرورة جمع الروايات وترتيبها علىحساب الرجال بصورة المسانيد ليعود الأمر إلى ماكان ويسهل النظر فيها ولمعرفة حال رواتها من خلالها.
والحق أنّ المحققين من علماء الرجال كانوا يرجعون إلى متونالروايات وأسانيدها وكذلك إلى ماورد بشأن كلّ رجل في كلمات أئمة الرجال أو في أحاديث أهل البيت. فمن رجع الى كتاب (رياض العلماء) للعلامة المتتبع الميرزا عبد اللّهالأفندي الإصفهاني وقد طبع في الأعوام الأخيرة باهتمام آية اللّه المرعشي(رحمه الله) وقد كان هذا الكتاب عند العلامة المامقاني حين تأليف كتابه (منتهى المقال) واستفادمنه كثيراً وكذلك كتاب (جامع الرواة) للمحقق الأردبيلي (م 1101هـ) المعاصر للعلامة المجلسي وقد جمع نسخ الكتاب الإمام البروجردي وأمر بطبعه بإشراف الحاج ميرزا حسن النوري(رحمه الله)، ومن مميزات
هذا الكتاب الأخير أنه راجع لمعرفة شيوخ الرواة إلى كثير من أسانيد الكافي والتهذيب وغيرهما. وسمعتُ أن أستاذناالبروجردي كان يقول النسبة بين عملي في ترتيب الأسانيد وبين هذا الكتاب: (جامع الرواة) العموم من وجه أي بعض مافيه من الرجوع إلى الأسانيد مجموع بكامله في كتابه ولكن هناكترجمة لحال الرواة ليس في (ترتيب الأسانيد).
كما أن كتاب معجم رجال الحديث لآية اللّه الخوئي فيه ميزة خاصة وهي أنه فهرس كلّ كتب الرجال وأسانيد الروايات فجمعكلّ ما فيها في ترجمة الرواة، ومع ذلك كله يجب أن نعترف بأن ما عمله الأستاذ الإمام، فريد في بابه لم يسبقه إليه أحد.
ويجب أن يعلم أن مابقي من تآليف هذا الإمامفي هذا الباب نوعان من الكتب.
الأوّل: مرتب الأسانيد لكتاب الكافي وغيره من كتب الحديث والرجال.
الثاني: مرتب رجال الأسانيد من هذه الكتب وذكرطبقاتهم، ومغزى الأمرين واحد. توضيح ذلك: أن الهدف الأصلي، من هذه الموسوعة، هو معرفة الراوي من خلال استقراء الأسانيد الّتي اشتملت على اسم هذا الراوي ثم معرفة شيوخهالذين روى عنهم وتلامذته الذين رروا عنه; وما وقع من الخلل في الأسانيد من الإرسال أو الخلط والخطأ في الأسامي ونحو ذلك وإليكم الفرق بين الأمرين والتعريف بهاتينالسلسلتين: التعريف بسلسلة مرتّب الأسانيد
الإمام البروجردي أوّلاً قام بترتيب الأسانيد الواقعة في كتب الحديث على ترتيب مشايخ صاحبالكتاب بحسب الحروف، فرتب لكل واحد من مشايخ الكليني والشيخ الطوسي والصدوق وغيرهم باباً وجمع أسانيده من كتبهم بعضا تلو بعض، في قائمة ماثلةأمام الناظر فيقف على جميع طرق الراوي إلى الإمام (عليه السلام) في مكان واحد.
وبذلك وضع السيّد الأستاذ أمام المحققين ذريعة مطمئنة للاستشراف على الأسانيدوطبقة الرواة وابتدأ عمله هذا بأسانيد الكتب الأربعة - غير الاستبصار، لأن جميع مافيه موجودٌ في التهذيب - بناء على مذهبه المشار اليه من شدة الحاجة إلى روايات هذه الكتبوأنها عمدة مايحتاج إليه الفقيه، فرتب أسانيد كلّ منها وسمّاها «مرتب أسانيد الكافي» «مرتب أسانيد التهذيب» وهكذا، ثم انصرف إلى ترتيب أسانيد الكتب الأربعة الرجاليةالمتقدم ذكرها وبعض كتب الشيخ الصدوق.
نلاحظ مثلاً جميع ماورد في الكافي مثل «علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي» مرتبة في قائمة مع ذكرمواضعها من نسخة الكافي المطبوع، وهذا السند أكثر ما وقع في كتاب الكافي، والكليني روى عن أستاذه علي بن إبراهيم أكثر من ألفي حديث.
ثم نلاحظ أن بعض هؤلاءالرواة قد يذكر اسمه فقط، وقد يُضاف إليه اسم أبيه وجده معاً أو منفرداً أو يذكر مع كنيته ولقبه، وقد يكتفي بالكنية أو اللقب من دون الاسم، وربما تسقط من السلسلة بعضالحلقات، فيعرف بملاحظة غيرها من الأسانيد المشابهة، فباستيفاء الاسانيد وقياس بعضها ببعض يُعلم جميع شيوخ الرواة وتلامذتهم وطبقتهم، وما وقع في بعض الأسانيد منالإرسال والخلل والخطأ في الأسامي.
كلام السيّد الأستاذ بهذا الشأن
وقد شرح الأستاذ هدفه من ترتيب الأسانيد في مقدمة ترتيب أسانيد كتاب الكافي وفيها فوائد جمة لا غنى عنها لأحد ممن يهمه علم الرجال قائلاً: «إني حينما كنت أتصفح الجوامع العظام لتتبّع ما أودع فيها من روايات الأحكاموأراجع لتعرّف أسانيدها وما صنعه علماؤنا الأعلام في جمع الرجال، وبيان أحوالهم، وفي تمييز المشتركات من كناهم وأسمائهم، وكان فكري يجول برهة من الزمان بين هذه الكتبوأسانيد الروايات، وجدتهم قد أهملوا في الرجال كثيراً من الرواة الموجودين في الأسانيد، وأهملوا فيمن ذكروه منهم بيان طبقته وشيوخه الذين تحمّل الحديث عنهم وتلامذتهالذين تحمّلوا عنه، مع أن هذه الأمور من أعظم ماله دخلٌ في الغرض من فنهم، وعدلوا في تمييز المشتركات عما كان يليق بهم من التعرض لجزئيات ماوقع في الأسانيد من الأسماءالمشتركة وتتبع مظانّ القرائن المميّزة لها، واقتصروا على ذكر كليات استنطبوها في استقراءاتهم الناقصة، كلّ على حسب تتبعه على وجه الفتوى، أو الاستشهاد بشواهد قليلةمما وجده، مما لا يوجب للمحصّل علماً ولا ظناً ولا يقرّبه من المقصود باعاً وشبراً، ولأجل ذلك ترى تلك الكتب صارت كالمتروك رأساً».
«ووجدت في الأسانيد سوىالاشتراك، عللاً كثيرة أخرى من التصحيف والقلب والزيادة والنقص، قد طرأ عليها سهو الناسخين أو المؤلفين، أو اكتفاء المؤلفين في تحمّل ما أودعوه في كتبهم بالمناولة، أوالإجازة، أو الوجادة، مع عدم تبيّن الكلمات في الأصل لرداءة الخط، وغلبة ترك إعجام الحروف في الخطوط القديمة، أو توهم التمامية في الأسانيد المعلّقة، أو عسكها، أوغيرذلك».
«ورأيت أنه يوجد غالباً، إن لم يكن دائما في سائر أسانيد الشيخ الذي وقع الاشتراك أن الاعتلال في سنده، مايميز ذلك المشترك، ويدل على ذلك الاعتلال وماهوالصواب.
فلما تبيّن لي ذلك بكثرة التتبع وعلمت أن تتبع الأسانيد هو المنبع الفذّ الغزير لمعرفة الأسانيد وتبيّن مشتركاتها، والعلمبعللها، وماهو صوابها، وأن الذي منع الطلاب من استفادة هذه الفوائد التي يشتد ابتلاؤهم بها ولا غناء لهم عن معرفتها عن هذا المنبع الذي هو بأيديهم، إنما هو تفرق أسانيدالشيوخ بعضها عن بعض، واختلاطها بالمتون، وكون ملاحظتها آلة لملاحظة المتون وعدم كونها بجنبها مقصودة بالأصالة.
و«رأيت أنه لو جُرّدت الأسانيد عن المتون،ورُتّبت على وجه يجتمع إسناد كلّ واحد من الشيوخ في موضوع واحد أو في مواضع محصورة مضبوطة يمكن الإشارة إليها للمستدل، ويسهل وجدانها على المحصل، وعُلّق على مواضعالإجمال والاعتلال منها ماينبه عليهما وعلى ماهو المراد من الأول وما هو الصواب من الثاني مع الاستشهاد عليهما - إن احتاج إليه - بشهود حاضرة أو كالحاضرة من سائر أسانيدالشيخ، كان خدمة لعلم الحديث والعلوم المتفرعة عليه، اذ به يعلم جميع ما ذكره من الجهات التي لها دخل في تعريف أسانيد الروايات التي هي الأصل لإحراز متونها».
«ويستكمل أيضا ما أشرنا اليه من نقائص فنّ الرجال، وتمييز المشتركات، بوجه علمي واضح المأخذ، يقدر كلّ طالب على النظر فيه والاستنباط منه، ويُرجى بذلك أن يتوارد عليهأفكار المحصلين ويتسع نطاقه بذلك» إلى آخر ماقال...
وينبغي التنبيه هنا على أمور
1- أنه وقع في أول جملة من أسانيد كتاب الكافي التعليق علىغيرها من الأسانيد فلم يُذكر واحدٌ أو أكثر من رجال السند، اتكالاً على ما تقدمها من الأسانيد فيظن من لا خبرة له أن الرجل المذكور في أول السندهو من مشايخ الكليني مثل سهل بن زياد الآدمي وليس من مشايخه، والأستاذ الإمام عالج هذا الأمر فيما رتّبه من الأسانيد، فذكر الراوي المذكور في الجدول في مكانه أي بعدالأوّل أو بعد الثاني ويعلم المعلّق عليه بملاحظة سائر الأسانيد الكاملة ويخرج السند بذلك عن الإرسال ولذلك ذكر الأستاذ ثلاثة من هؤلاء وهم سهل بن زياد وأحمد بن محمد بنعيسى، وأحمد بن محمد بن خالد في المقصد الثاني من الكتاب.
2- أما بالنسبة إلى كتابي التهذيب والاستبصار، فجدير بالذكر أن الشيخ الطوسي مؤلف الكتابين، أخذ جميعما يرويه فيهما من كتب وجوامع ظهرت في القرن الثاني إلى القرن الرابع الهجري، وكان من عادته إيراد طريقه إلى صاحب الكتاب الذي أخذ منه الحديث، في أول كلّ حديث، فعمل بذلكفي شطر من الكتابين، ثم رأى أنه يوجب التطويل، فانصرف عنه واكتفى باسم صاحب الكتاب في أول السند، علماً بأن الشيخ استدرك ما انصرف عنه في خاتمة الكتابين فعقد فصلاً باسم(المشْيِخة) ذكر فيه طرقه إلى أرباب تلك الكتب التي أخذ منها لتخرج الأحاديث بذلك عن المراسيل وتلحق بالمسندات، وقد سبقه إلى هذا العمل الشيخ الأقدم أبو جعفر الصدوق محمدبن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي في كتابه «من لا يحضره الفقيه» إلاّ أنه اكتفى في الكتاب بذكر من روى الحديث عن الإمام (عليه السلام) مباشرة، ثم ذكر طريقه إلىهؤلاء في (المشْيِخَة).
وتبعه محدّثون آخرون. كل ذلك احترازاً عن التكرار والتطويل.
3- وهناك أمور أخرى يجب معرفتها لمن يريد أن يحيط علماً بما رتبهالسيّد الأستاذ تحت عنوان (مرتب الأسانيد) أعرضنا عنها اكتفاء بما ذكره الأستاذ في مقدمة كتابه «مرتب أسانيد الكافي». التعريف بسلسلة كتبمرتّب رجال الأسانيد
يبدو أنّ هذه السلسلة من الكتب هي ثمرة النوع الأول، أي أن الأستاذ الإمام لما رتب أسانيد عدّة من كتب الحديث والرجال، وعاد إلى استخراجطبقات الرواة من خلال تلك الأسانيد المرتبة، فوضع بجانب مرتب الأسانيد لكل كتاب (مرتب رجال الأسانيد) من تلك الكتب وهذا العمل لم يكن ميسوراً إلاّ بعد جمع الأسانيد فيالنوع الأول من هذه الموسوعة. وحاصله أن الأستاذ الإمام رجع إلى تلك الأسانيد فاستخرج منها طبقة الراوي وأسامي من روى عنهم ومن رووا عنه، فرتب هؤلاء الرجال لكلكتاب بترتيب الحروف، وذكر أمام اسمه طبقته ومشايخه والذين رووا عنه من دون ذكر تراجمهم والتعريف بهم إلاّ على سبيل الإجمال.
وبذلك احتاج أولاً إلى ترتيب طبقاتالرواة التي كانت من فنون علم الرجال عند أهل السنة وبشكل آخر عند الشيعة، لكن الأستاذ الإمام له طريق مبتكر تصدى لشرحه في مقدمة كتاب مرتب أسانيد الكافي وهذا نصه:
«المقدمة الثانية: في بيان طبقات المحدّثين:
إعلم أنك إذا نظرت إلى الشيوخ الذين كانت لهم عناية بالأحاديث المروية عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ومن بعدهمن الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم، واشتغلوا برهة من أعمارهم بطلبها، وأخذها عمن تقدم من أساتذتهم، ورتّبتَهم على وجه يتميز الشيوخ في كلّ عصر عن التلامذة، وجدتَطبقااتهم من الصحابة الذين رووا الحديث عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) إلى عصر الشيخ الموفّق أبي جعفر الطوسي، الذي هو آخر مصنفي الجوامع الأربعة من أصحابنا - وقد ولدسنة 385 وتوفي سنة 460هـ. ق فيما إذا كان جميعهم قد عُمّر عمراً متعارفاً، وتحمّل الحديث في سنّ يتعارف تحمّله فيه، اثنتي عشرة طبقةً. وبعبارةأخرى إذا روى الشيخ قدس سره منا، أو الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463هـ . ق من الجمهور حديثاً مسنداً عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وفرضنا أن الرواة المتوسطين بينهماوبينه (صلى الله عليه وآله) كلهم قد عُمِّروا العمر المتعارف وأخذوا الحديث في السنّ المتعارف أخذه فيه، كان سندها مشتملاً على اثني عشر رجلاً غالباً أو دائماً.
وأما اذا كان بعضهم طال عمره بحيث عاصر رجلين من عُمّر متعارفاً أو تحمّل الحديث قبل أوانه المتعارف فأخذ عن طبقتين، أو انضم الأمران صار رجال السند أقل، وكان عالياً فياصطلاحهم، وكلّما كان أمثال هؤلاء في السند أكثر كانت الوسائط أقل والسند أعلا.
كما أنه إذا كان في السند من روى عن معاصره ومن هو في طبقته، كان رجال السند أكثرمما ذكر وصارد طويلا، وعلى الأول بنينا عدد الطبقات، وجعلناها إلى طبقة الشيخ اثنتي عشرة طبقة» انتهى موضع الحاجة من كلام الأستاذ الإمام. ثم ذكر الطبقات واحداً بعدالآخر مشيراً إلى جملة من رجال كلّ طبقة. وبملاحظتها يظهر أن صحابة النبي أكثرهم من الطبقة الأولى ومنهم من يطول عمره حتى يعاصر الطبقة الثانية، وهكذا تتوالى الطبقات،وكبار أصحاب الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) أمثال زرارة، هم من الطبقة الرابعة، وصغارهم من الطبقة الخامسة، وأكثر رجال الإمام الرضا(عليه السلام) هم من الطبقةالسادسة. قال الأستاذ: «والغالب في هؤلاء الطبقة هو كون ولادتهم في حدود سنة خمس وأربعين ومائة، إلى ست وستين ومائة، وكون وفياتهم في حدود سنة عشر ومائتين إلى ثلاثينومائتين».
وذكر من هذه الطبقة من الشيعة محمد بن أبي عُمَير ويونس بن عبد الرحمن ونظرائهما، ومن علماء أهل السنة: محمّد بن إدريس الشافعي وغياث بن كلّوب
بن فيهس.
كما ذكر في أبناء الطبقة السابعة: أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، والحسن والحسين ابني سعيدالأهوازيين، وعبد العظيم الحسني، وكثيراً من نظرائهم.
وقال: «والغالب على هذه الطبقة هو كون ولادتهم في حدود خمس وثمانين ومائة، إلى سنة مائتين ووفياتهم فيحدود ستين ومائتين إلى سبعين ومائتين».
أقول: وينبغي أن يُعدّ الإمام أحمد بن حنبل المتوفى عام 241 من أبناء هذه الطبقة.
وذكر من رجال الطبقة التاسعة:الشيخ الكليني، وأحمد بن داود القمي، وأحمد بن يحيى العطار، والشيخ أبا القاسم الحسين بن روح وكيل الناحية المقدسة، وعلي بن الحسين بن بابويه والد الشيخ الصدوق.
قال الأستاذ: «والغالب في هذه الطبقة هو كون ولادتهم في حدود ست وستين إلى سبعين ومائتين ووفياتهم في حدود ثلاثين إلى خمسين وثلاثمائة».
وذكر من جملة رجالالطبقة العاشرة الذين لم يتحمّلوا الحديث عن الأئمة المعصومين مباشرة، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين، وأخاه الحسين، وجعفر بن محمد بن قولويه القمي (على تأمل فيه)،ومحمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي ومحمد بن إسحاق النديم صاحب الفهرست، وهارون بن موسى التَلّعُكْبري. قال الأستاذ: «والغالب في هؤلاء هو كون ولادتهم في حدود تسعينومائتين إلى عشر وثلاثمائة ووفياتهم في حدود ستين إلى ثمانين وثلاثمائة».
ومن رجال الطبقة الحادية عشر: الشيخ المفيد ونظرائه.
والشيخ الطوسي يقع في الطبقة الثانية عشر، والغالب على هذه الطبقة موتهم في حدود 450. ثم ختم الأستاذ هذا البحث بذكر نكات مهمة: منها أن مشايخ الأستاذ الإمام من رجال الطبقةالست والثلاثين، وهو نفسه يقع في الطبقة السابعة والثلاثين.
وأقول: هناك رجال لا تعلم طبقتهم بالضبط وفي مثل هؤلاء قال السيّد الأستاذ في ترتيب رجال الأسانيد:(كأنّه من الطبقة السابعة، أو نحو هذا الكلام).
حكاية قصة هذه الموسوعة
إنّ ماينشر من هذه الموسوعة بعنوان (مرتب الأسانيد) و(مرتب رجالالأسانيد) أو ترتيب الأسانيد وترتيب رجال الأسانيد لأمهات كتب الحديث والرجال، كلها تأليف سيّدنا الأستاذ، ألف أكثرها في بلدة بروجرد ثم لما انتقل إلى قم، جدّد النظرفيها في لجنة كانت تخص (علم الرجال) من أشخاص معدودين في داخل البيت، في قبال لجنة الحديث التي انعقدت متأخرة عن تلك اللجنة بسنين، في البيت الخارج (البرّاني) في جماعةيتراوح بين 20 إلى 24 شخص التي توزعت فيما بعد الى لجنتين ووزّعت كتب (الوسائل) بينهما. ثم بعد أن جدّد الأستاذ النظر في هذه الموسوعة الرجالية، وضعها تحت يدصديقنا الراحل حجة الإسلام الشيخ ميرزا حسن النوري الهمداني، ليحرّرها من جديد مع شيء من الإكمال تحت إشراف الأستاذ، وكلّ ما يطبع الآن من هاتين السلسلتين أي (مرتّبالأسانيد) و(مرتب رجال الأسانيد) هي بخط الشيخ النوري (رحمه الله) سوى جزء واحد وهو (مرتب رجال أسانيد من لا يحضره الفقيه) فهو بخط المغفور له حجة الإسلام السيّد حسن ابنالأستاذ.
وقد حكى لي صديقنا النوري قصة اتصاله بالسيّد الأستاذ وسبب اختياره إياه لتحرير هذه الكتب، وهي أنّ الشيخ النوري كتب رسالة إلىالسيّد الأستاذ في حاجة له، فلما نظر فيها الأستاذ ورأى جودة خطّه - وكان يعجبه الخط الحسن - طلبه فنظر إليه برهة، ثم قال له: لي كتب ألفتها، وهي ثمرة حياتي أريد أنتُحرّرها لي من جديد، فأعلن الشيخ النوري استعداده لذلك، فقرّر له الأستاذ وقتاً في كلّ يوم يحضره في غرفته الخاصة التي كان الأستاذ يعيش فيها ليل نهار، وكانت حول الغرفةرفوف الكتب التي كان يَمرّ علهيا دائماً. فأعطاه كتاباً وعلّمه كيف يرتّبها ويكمّلها. قال الشيخ النوري: إن الأستاذ الإمام كان يقول لي في بعض الأحيان: إنك مشارك لي في هذهالكتب وفي أجرها عند اللّه، وطال هذا العمل أكثر من خمسة عشر عاماً، وكان الشيخ النوري يعمل عمله مفرداً لا في لجنة، إما في بيته، وإما في بيت السيّد الأستاذ إلى جانبلجنة الحديث، فكان يأتينا كلّ يوم ويأخذ دفاتره من خزانة الكتب التي كانت في الغرفة، ويجلس زاوية ويكتب، ولا أنسى أنه في كلّ يوم يدخل الغرفة ينادي نبياً من الأنبياءمثلاً (ياشعيب) أو (يا ذا الكفل) أو غيرهما من أنبياء بني إسرائيل وكان هذا نوع من الفكاهة منه، وفي بعض الأيام حينما كان يدخل الغرفة، أنا كنت أبتدئه بالكلام: شيخنا اليومالنوبة لأي الأنبياء؟ فكان يقول مثلاً جرجيس!!!
وحينما كان يدور البحث بين أعضاء لجنة الحديث في شيء من عملهم - وكان كثيراً ما ترتفع الأصوات إلى أن تتحولالمباحثة إلى نوع من المنازعة، فكان الشيخ النوري يتسمع إلينا، وربما يتدخل في البحث مازحاً بكلمة أو كلمتين من أجل المصالحة وإدخال السرور.
لقد عشنا حوالي سبعسنين هذا العمل، ومن ذلك الحين استحكمت الصداقة بيني وبين الشيخ النوري واستمرت هذه الصداقة إلى آخر أيام حياته - وقد
توفي (رحمه الله) في تاريخ(1410هـ. ق) وهو راحل إلى بلدة (سيرجان) لإلقاء الخطابة - وكان خطيباً بارعاً - في شهر رمضان هناك، على أثر حادث اصطدام، هو مع عدد ممن كانوا معه في تلك الرحلة فتأثرنا كثيراً،وأقول هنا بصراحة إنه في طول هذه السنين الطوال التي قاربت الأربعين سنة، لم يكن لي صديق أقرب منه إليّ، وكان يبحث عن الأمور، ويعلم الكثير من الحوادث داخل الحوزةالعلمية ويعرف من أحوال الأشخاص مالا يعرفه غيره، وقد حصل لديه خبرة في علم الرجال ولاسيما في طريقة السيّد الأستاذ على حدّ لا يوازيه أحد، وقد أعدّ القصاصات مستكملاًآثار السيّد الأستاذ، لكتب الحديث والرجال التي يرتب الأستاذ أسانيدها ورجالها، من جديد وأضاف إليها أسانيد كتب الصدوق وعرضها على الأستاذ فاستصوبه، وكان يقول لي: عنديفي البيت قسط كبير من هذه القصاصات يمكنني ترتيب أسانيد كلّ من تلك الكتب إذا شئت من جديد، مثل ما حررته للأستاذ، ورتّب منها نموذجا من أسانيد التهذيب ونُشرت مع مقدمتي فيكتاب «الذكرى الألفية للشيخ الطوسي (رحمه الله)» الحاوي للمقالات العربية للمؤتمر الألفي له.
ومهما كان الأمر، فقد تمت كتابة هذه الكتب في سلسلتين - كما شرحنا -وكانت عند الأستاذ الإمام في مكتبته، وكان يرجع إليها ويصحّحها بخطه، أو يرتب فهرساً لبعضها.
إلى أن ارتحل إلى ربه ولم يُنشر منها شيء وكلّ من يعرف عنها شيئاً،أو سمع بها، كان يتمنّى طبعها، علماً بأنها من ذخائر الآثار في علم الرجال. وأنا كنت من جملة من كان يسعى دائماً في هذا السبيل، إلى أن وفق اللّه تعالى (مجمع البحوثالإسلامية = بنياد پژوهشهاى إسلامى) التابع للروضة الرضوية، لنشرها لأول مرّة (بالأوفست) وكلها بخط صديقنا الشيخ النوري سوى واحدة هي بخط المغفور له السيّد محمد حسن كمامر .
طبع هذه الموسوعة
وأمّا قصة طبعها أني اتصلت بالشيخ النوري مُصرّاً وملحّاً بأن يتّصل بنجل السيّد الأستاذ حجة الإسلامالسيّد محمد صادق الطباطبائي البروجردي - وكانت المخطوطات تحت يده - وهو ابن حجة الإسلام والمسلمين المغفور له الحاج السيّد محمد حسن الطباطبائي الابن الأكبر للسيّدالأستاذ، فاتّصل به كما اتصل بكبير هذه الأسرة وعالمهم الأكبر آية اللّه السيّد محمد باقر الطباطبائي نزيل قم المعروف (بالسلطاني) فاستمر العمل من قبل هؤلاء مشكورين،كما دام العمل من قبلي ومن قبل حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي أكبر الإلهي، عميد مجمع البحوث الإسلامية، حتى اتفقنا جميعاً ووافقت هيئة الادارة لمجمع البحوث - مشكورين- على طبعها بالأوفست. فوضعت المخطوطات الموجودة من الآثار الرجالية للسيّد الأستاذ تحت يد (مجمع البحوث الإسلامية) ووافق على نشرها ممثل ولي أمر المسلمينوالمتولي للروضة المقدسة، سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عباس الواعظ الطبسي حفظه اللّه تعالى - بعد أن وقف على عظيم فائدتها ومسيس الحاجة إليها، فشكر اللّه مساعيهالجميلة في حقل العلم والعمل والعمران والسياسة.
فقام مجمع البحوث بالعمل بمباشرة الشيخ النوري (رحمه الله) فبدأ بتجديد النظر في نسخة (ترتيب أسانيد الكافي)و(ترتيب أسانيد التهذيب) وأكمل ما كانت فيهما من النقيصة بعرضها على النسخ التي كانت بخط السيّد الأستاذ - وكلّها موجودة عندنا والحمد للّه.
مقدمة الشيخالنوري
وللشيخ النوري مقدمة على (ترتيب أسانيد الكافي) ذكر فيها عمله في هذا الجزء كما يأتي:
أولاً: لما كانت أرقام الأسانيدموافقة للطبع الحجري من الكافي، رتّب هو فهرساً للأبواب طبقاً للطبع الجديد من الكافي (طبعة الشيخ الآخوندي) تسهيلاً للوقوف على الأسانيد في هذه الطبعة وهذا الفهرس يُطبعفي أول الكتاب. ثانياً: رتّب مستدركات لهذا الجزء إكمالاً له وجعلها في آخر هذا الجزء.
وكذلك رتّب فهرساً للتهذيب موافقاً للطبع الجديد وفهرساً آخركذلك لكتاب الاستبصار. علماً بأن الأرقام الموجودة في النسخة المطبوعة موافقة للطبع الحجري من التهذيب ولم تُطَبّق على الاستبصار فمن راجع هذين الفهرسين يمكنه الوقوفعلى مواضع الأسانيد في التهذيب والاستبصار من الطبع الجديد (طبعة الشيخ الآخوندي).
صورة إجازات المشايخ للسيّد الأستاذ
ثم ألحق بالمقدمة ثلاثإجازات لثلاثة من كبار مشايخ السيّد الأستاذ، أجازوه تقديراً لعلمه وتصريحاً باجتهاده وإدخالا له في سلسلة رواة الحديث وهؤلاء هم: 1- أستاذه الأكبر، آية اللّهالعظمى، أستاذ المتأخرين، المحقق المدقق، الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب كتاب كفاية الأصول (المتوفى عام 1329) تاريخها عام 1328 الهجرية، وهي السنة التي غادر السيّدالأستاذ النجف الأشرف إلى موطنه (بروجرد) وما كتبه المحقق الخراساني في حق هذا التلميذ يُعدّ أعلى شهادة أستاذ لتلميذه، فمن جملتها: (فله كلّ المناصب الثابتة للمجتهدالمطلق: من الإفتاء والقضاء وغيرهما، ويجب على الناس اتباع حكمه، وحرم عليهم ردّه ونقضه..) وفيها إجازة رواية الحديث بكلّما صحّت له روايته عن
مشايخه العظام - ولم يذكرهم - وفيها أن السيّد استفاد من محضره جُلّ المسائل الأصولية وعُمُد المسائل الفرعية.
2- العلامة المحقق المتتبع آية اللّه العظمىالشيخ فتح اللّه الغروي الشيرازي الإصبهاني، المشتهر بـ(شيخ الشريعة) (1266 - 1339ق) وفيها إجازة لرواية الحديث ذكر فيها مشايخه وطرقه، وتاريخها: ليلة غرة ربيع الثاني من شهورسنة 1328هـ - وهي أيضاً نفس سنة رجوعه إلى موطنه، وهذا الشيخ لم يصرّح فيها بأنّ السيّد حضر درسه وفيها تصريح بأنّه استجازه فأجازه.
3- الأستاذ الكبير في إصفهان آيةاللّه العظمى السيّد ابو القاسم الدهكردي (م 1353) تاريخها ليلة الرغائب من شهر رجب المرجب عام 1320 وهي السنة التي غادر السيّد الأستاذ إصفهان راحلاً إلى النجف الأشرف. أوغادرها عام 1319هـ إلى بروجرد ثمّ منها إلى النجف عام 1320هـ كما تقدم في الهامش.
وفيها إجازة رواية له عن مشايخه العظام ذكر واحداً منهم، وهو تاج الفقهاءوالمجتهدين، الميرزا محمد هاشم الإصبهاني، عن الشيخ مرتضى الأنصاري رحمهما اللّه تعالى. ثم ثناه بطريق آخر عن أستاذه الآخوند الخراساني رحمه اللّه تعالى، فلاحظ(1) .
والجدير بالذكر أن الإجازات التي وقف عليها شيخنا النوري- وقد رأيتها أنا - لم تكن بخطوط أربابها، فكتبها بخطه، ولو وجدت خطوطهم يجب تصويرها
1- لم يصرّح السيد الدهكردي أيضاً في إجازته بأنّ السيد الأستاذ تتلمذ له، بل يعبّر عنه بقوله «وهو أخونا الروحاني وصديقنا الإيماني...».ويؤيد هذا أنّ للسيد الدهكردي المتوفى عام 1353هـ - كما قلنا - طريقا إلى كتب الحديث إجازة عن شيخه وأستاذه الآخوند الخراساني، فهو يعدّ معاصراً ومشاركاً للسيد الأستاذ فيالدرس لكنه كان متقدما عليه في السن، وفي الطبقة بعض الشيء.