الوحدة الإسلامية
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبو زهرةأستاذ الشريعة الإسلامية في كليةالحقوق بجامعة القاهرة 1 ـ بينا في المقال السابق أثر الوحدة الثقافية في تكوين الوحدة الإسلامية، وقررنا أنه يجب أن تكون ثقافتنا إسلامية موحدة تتصل بمصادرالدين، وتتلاقي على مائدتها من غير تفرقة طائفية، ولا انحياز مذهبي، وأنه لابد في تحقيق هذه الغاية التي تعد أمثل الغايات، وأقوالها تأثيراً من إنشاء معاهد تجمع فيدراستها المذاهب الإسلامية كلها من غير تفرقة بين مذهب ومذهب، كما أنه لابد في تكوينها من تلاقي أهل المذاهب جميعاً في صعيد واحد، لكي تزول النفرة القائمة، واعتبارالمذاهب الإسلامية كلها تراثاً إسلامياً خالداً، نعني جميعاً بفحصه والاقتباس منه.
2 ـ والإن ننتقل إلى عنصر آخر من عناصر الوحدة الإسلامية، وهو التعارف الاسلامي:إن الإسلام دعا إلى التعارف المطلق بين بني الإنسان، فأولى ثم أولى أن يتحقق التعارف بين أهله، وقد قال تعالى: '''' يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباًوقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ''''.
ولقد عمل أعداء الإسلام في توسيع الهوة بين المسلمين، وتجهيل بعضهم لبعض، وإن علينا وقد استيقظنا من مراقدنا، أن نتخذالأهبة، وأن نعلم أن وحدتنا في نقيض ما كان يعمل أعداؤنا، وإنه لمن العار علينا كل العار، أن نعرف بلدان أوروبا وأمريكا، وأماكن قوتها، ولا نعرف شيئاً عن بلاد الإسلام،فالمصري لا يعرف الباكستان ولا إيران، ولا الأقاليم الإسلامية في الهند، أو في الصين، أو في روسيا، أو في أوربا، فلا يعرف حالهم الدينية، ولا حالهم الاجتماعيةوالاقتصادية، ولا ينابيع الثروة في بلادهم، ومصادر قوة الإسلام فيها.
/ صفحه 353/وإن سبل التعارف الاسلامي ميسرة سهلة لمن يريدها، ولمن يحتسب النية في سلوكها،وإنا نحصرها في أمور أربعة: أولها: المدارس، وثانيها: تنظيم الرحلات، وثالثها: الحج، ورابعها وهو عمدتها: اللغة.
3 ـ وإنه لتحقيق الأمر الأول يجب أن تكون كل المدارسالإسلامية مشتملة في مناهجها على تاريخ كل بلد إسلامي، وأحواله الاجتماعية، ونظم الحكم فيه، واقتصاده، وجغرافيته، فيدرس ماضيه وحاضره، يعلم ذلك الناشئ إجمالا، ويفصلله في معاهد عليا تدرس فيها الأقطار الاسلاميةن فأقسام الجغرافيا في كليات الآداب بالجامعات الاسالمية يجب أن يكون منها قسم للتعمق في دراسة جغرافية البلاد الإسلامية،وأقسام التاريخ يجب أن يكون فيها قسم لدراسة تاريخ البلاد الإسلامية بلداً بداً، وأقسام اللغات يجب أن تعني بدراسة اللغات في البلاد الإسلامية.
4 ـ وإنه يجب تسهيلالرحلة إلى البلاد الإسلامية، وبدل أن نذهب إلى أوروبا وأمريكا لنلهو ونلعب ونفسد ديننا، ونحل عراه عروة عروة، نذهب إلى البلاد الإسلامية، وفيه المصطاف والمشتى، وفيهاالإيمان والتقوى، فلا تكون رحلاتنا عبثاً لاهياً، بل تكون إيماناً هاديا، وإنه لتقحيق تلك الوسيلة من وسائل التعارف يجب أن تيسر المواصلات، وتتكون من الأقاليمالإسلامية شبكة مواصلات في البر، والبحر، والسماء، فالسيارات تتصل إن أمكن اتصالها، والقاطرات توصل إن أمكن وصلها، والجاريات في البحار تتنقل بالمواني الإسلامية،حاملة أهل الحق ليتلاقوا على نور الله تعالى، والطائرات تقطع أجواز الفضاء، ليصل بين أهل الوحي الذين يلتمسون النور من السماء.
5 ـ والحج سبيل رسمه رب العالمين ومنزلالقرإن لنتعارف ونتحاب على مائدة الرحمن الروحية، وقد كان المسلمون الأولون يتخذون منه سبيلاً للتعارف، والدراسات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصاديةن وكانهذا اقتداء بالنبي
(صلى الله عليه وآله وسلم)وأصحابه والأئمة الراشدين.
فالنبي
(صلى الله عليه وآله وسلم)
ألقى خطبة الوداع التي استعرض فيها خلاصة دقيقة
للأحكام الإسلامية في عرفة، والأئمة الراشدون كانوا يتولون بأنفسهم رياسة موسم الحج، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يتخذه طريقاً لتعرف أحوالالمسلمين، وأحوال الولاة، ويلتقى بجميع ولاة الأقاليم فيه، ويتبادل معهم الرأي والشورى في شئون المسلمين، واتخاذ التوصيات اللازمة لإدارة دفة الحكم في الأقاليم عامة،وفي كل إقليم خاصة. وعلماء الحديث كانوا ينتهزون فرصة الحج ليتبادلوا الرواية، والتقاء التلاميذ بشيوخهم، وأخذ الأقران بعضهم عن بعض، والفقهءا يتلاقون في موسمالحج، ويتذاكرون مسائل الفقه، وكل فقيه يعرض على صاحبه كثيراً مما يسأل عنه في مدرسته، وما ينتهي إليه، فيلتقي أبو حنيفة بمالك، ويتذاكرون، ويقول أبو حنيفة في مالك: مارأيت أسرع منه بجواب صحيح، ويقول مالك في أبي حنيفة: إنه لفقيه، ويلتقي أبو حنيفة بالأوزاعي، ويتذاكرون، ويلتقى أبو حنيفة بالامام محمد الباقر، وابنه الإمام جعفرالصادق، ويلتقي الإمام أحمد بالإمام الشافعي.
وهكذا كان الحج في الماضي سبيل التعارف الاسلامي، وإنه يجب علينا أن نعود به إلى ما كان عليه السلف الصالح، فنجمع فيهبين العبادة والنسك، وبين المصلحة العامة للمسلمين، وليتحقق قوله تعالى: '''' ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ''''.
وإن تنظيم الحج بحيثيكون سبيلا من سبل التعارف يقتضي عملا من الحكومة الإسلامية القائمة على سدانة البيت الحرام والمسجد النبوي، فإن عليها أن تتعرف بالعلماء الذين يقومون بفريضة الحج،وتقيم ندوات علمية بينهم، فالفقهاء يجتمعون في ندوات تتدارس الفقه، والاقتصاديون يجتمعون في ندوة تتدارس الاقتصاد الاسلامي، والسبيل إلى نموه، وكذلك المهندسونوالأطباء، وبذلك يشهد المسلمون منافع لهم وينفذونها.
اللغة العربية:
6 ـ وإنه لا يمكن أن يتحقق تعارف حقيقي بين المسلمين إلا إذا وجدت
لغة جامعة، بحيث ينزل المسلم في أي إقليم إسلامي، فلا يتعذر عليه الخطاب، ولا يحتاج إلى مترجم، ولا نقصد بذلك محو اللغات القومية التي انبعثت مع الشعوبية في القرونالخوالي، حتى لا تتحرك العصبيات الإقليمية التي يحاول أعداء الإسلام محاربة الوحدة بتأجيجها، إنما نقصد أن يتعلم المسلم المثقف بجوار لغة بلاده القومية لغة إسلامية هيالجامعة بين المسلمين، وإننا نرى الشباب المثقف في البلاد الإسلامية يتعلم مع لغة قومه لغتين أوروبيتين أو أكثر، فلو قلنا إن على المسلم المثقف أن يستبدل بإحدى هاتيناللغتين لغة تجمع بينه وبين إخوانه المسلمين، ويستطيع التخاطب بها معهم، لا نكون قد قلنا شططاً، ولا نكون قد اعتدينا على قوميته. إننا ننزل في أي إقليم إسلامي فنجد منيستطيع التكلم بالانجليزية، ويتحدث بها مباهياً مفاخراً بها، بل متعصباً لها، ولا نريد أن نلغي هذه اللغة بالنسبة هؤلاء المتعصبين لها، بل نقول لهم تعلموا معها لغة تمكنإخوانكم المسلمين من ان يخاطبوكم، أفليس من العار أن يتلقي المسلم المغربي بالمسلم الهندي فلا يستطيع أحدهما أن يخاطب الآخر إلا إذا توسط بينهما اللسان الانجليزي، أوليس غريبا أن يدعو ربه باللغة العربية، ويخاطب أخاه المسلم بالانجليزية. إن وجود لغة جامعة أمر لابد منه، وأي اللغات تكون هي اللغة المختارة؟ إن البداهة تقول إنهاالعربية، ولسنا ندعو علم الله إليها تعصباً للعرب، ولكن ندعو إليها لأنها لغة القرآن، ولغة السنة، ولغة العبادة الإسلامية، فهل من المسلمين من يصلي بغير قراءة الفاتحة؟وهل من المسلمين من يكبر بغير اللغة العربية، ومن يتلو القرآن متعبداً بتلاوته بغير العربية؟!!!.
لقد أوجب الإمام الشافعي على كل مسلم أن يعرف قدراً من العربية يصحح بهأمر دينه، وبنى ذلك على نزول القرإن بلغة العرب، وإن ذلك القول يتفق مع المعاني الإسلامية، لأنه لا يسوغ لشخص أن يقرأ الفاتحة، ويتعبد بما اشتملت عليه من غير أن يعرفمعناها، وكيف يقول في ابتداء صلاته وحركاتها '''' الله أكبر '''' من غير أن يعرف معناها؟ وكيف يسوغ لخطيب يخطب على المنبر باللغة العربية لمن لا يفهمونها.
/ صفحه 356/لذلك نجد أن اللغة العربية هي اللغة التي تجمع شمل المسلمين، ولسنا نقول ذلك تعصبا للغة العربية كما أشرنا، بل تعصباً للإسلام، لأن العربية لغة الإسلام، ومن لا يفهمهالا يفهم الإسلام.
وإن اللغة العربية ليست هي لغة العبادة الإسلامية ولا القرإن والسنة فقط، بل هي لغة التراث الاسلامي كله، فالفقهاء على شتى منهاهجهم قد دونوا آراءهمباللغة العربية، وكذلك علماء الكلام والتصوف والتفسير، ون ترك اللغة العربية ترك لكنوز الإسلام الفكرية، وكيف يسوغ لنا أن نترك علوم عبد القاهر الجرجاني والأصفهانيوالغزالي والرازي والرضي والجصاص، وغيرهم من كبار علماء المسلمين في الشرق والغرب.
نعم إن بعض إثار العلماء كان بغير اللغة العربية، ولكنه نادر بالنسبة للمدونباللغة العربية.
7 ـ وإن هذا التعارف الاسلامي الذي ذكرنا بعض أسبابه، يغذيه وينميه التقريب الثقافي الذي ذكرناه في مقالنا السابق، وإن العناصر كلها متضافرة يقوىبعضها بعضا، ولننتقل إلى العنصر الأخير، وهو السياسي.
الوحدة الإسلامية والاقتصادية:
8 ـ إن هذا العنصر ثمرة لمعاني الدين، وثمرة للعنصرين السابقين، وإنانتصدى له من غير أن نتعرض للسياسة الإقليمية، لأنه حيث تكلم المتكلم فيها تحركت شكوك، وفي ثغرة الشكوك يجد العدو الباب الذي يؤرِّث منه العداوة بيننا. ولكن مع هذالابد من الكلام في الوحدة والسياسة: ولا نوغل في السبيل، بل نكتفي بأن نقرر بأنه يجب أن يكون للمسلمين وحدة سياسية ووحدة اقتصادية، وأن يتكون من المسلمين كتلة متحدةكالجسد الواحد، ويتحقق معنى قوله صلى الله عليه وسلم: '''' مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعي له سائر الجسد بالحمي والسهر '''' وقوله
(صلىالله عليه وآله وسلم)
: '''' المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ''''.
وقد يسأل سائل: على أن شكل تكون الوحدة السياسية؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال نقررما ذكره القرإن والسنة بالنسبة للروابط التي تربط المسلمين بعضهم ببعض، وهي واجبات متفق عليها بين المسلمين. 9 ـ وأول هذه الواجبات أن نعمل على ان تكون ولاية أهلالإيمان للمؤمنين، فلا نتولى أعداء الإسلام، ولا نجعل لهم ولاية قائمة على المسلمين، أو أي بقعة من بقاعهم، فإن الله تعالى يقرر أنه لا يصح للمؤمن أن يمنح ولايته لأعداءالمسلمين، فقد قال تعالى: '''' لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عنالذين قاتلوكم في الدين، وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ''''.
فلا يصح لإقليم إسلامي أن يوالي من أخرجوا المسلمين منديارهم، أو أخرجوا طائفة منهم من ديارهم؛ ولا الذين ظاهروا وعاونوا على إخراجهم، ولا الذين يضطهدون المسلمين، ويريدونهم مغنما يغنمونه، ويريدون أن تكون أرضهم مسترادالجيوشهم ينقضون منها على أعدائهم، لتكون أرض الإسلام طعمة للنيران.
10 ـ وثاني هذه الواجبات أن يمتنع كل رئيس لاقليم إسلامي، أو ملك من ملوك الإسلام، أن يجعل الثقةالذي يثق به في رسم سياسته غير مسلم، فإن ذلك منهى عنه بنص القرإن الكريم، فقد قال تعالى: '''' يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا، ودوا ما عنتم قدبدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر، قد بينا لكم الايات إن كنتم تعقلون، ها أنتم أولاء بحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا آمنا، وإذاخلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، قل موتوا بغيظكم إنه عليم بذات الصدور، إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً، إنالله بما يعملون محيط ''''.
11 ـ وثالث هذه الواجبات أن المسلمين مجتمعين عليهم بمقتضى الأخوة
/ صفحه 358/الانسانية العامة التي أثبتها الإسلام أن يفضوا النزاعالذي يقع بأنفسهم، وألا يتركوا فئة منهم تبغي على الأخرى، فقد قال تعالى: '''' وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغيحتى تفئ إلى امر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون '''' ويقول سبانه في آيةأخرى: '''' فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم إن كنتم مؤمنين ''''.
وإن هذا بلا شك يوجب أن يكون المسلمون أمة واحدة كما قال تعالى: '''' وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ''''وأنه يجب أن تتكون من بين المسلمين جماعة تمثلهم، وتحل المشاكلهم التي تثور بينهم، وتقضي بالحق في كل ما ينجم بين الجماعات الإسلامية، ولا يترك القوى يلتهم الضعيف.
12ـ والواجب الرابع: أن المسلمين جميعاً عليهم أن يعتبروا الاعتداء على أي إقليم اسلامي اعتداء على المسلمين في مشارق الارض ومغاربها، وأن كل شبر في أرض إسلامية لكل مسلمفيه حق يوجب عليه أن يدافع عنه، فمن اعتدى على إقليم إسلامي فقد اعتدى على المسلمين أجمعين، ومن أخذ شبراً من إقليم فقد انتقص من أرض المسلمين جميعاً.
ولقد قاتل النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم)الرومان لأنهم قتلوا بعض الذين دخلوا في الإسلام من المسلمين، ولقد قال النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم): المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولايخذله ولا يسلمه '''' وإن هذا هو مقتضى الولاية التي تربط المسلمين بعضهم ببعض وإن القرآن قد صرح بوجوب نصرة أي جماعة مؤمنة تستنصر عامة المؤمنين، ولقد قال تعالى: إن الذينآمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا، وإناستنصروكم في الدين فعليكم النصر ''''.
13 ـ والواجب الخامس على المسلمين: أن يعملوا على منع إذلال المسلمين، فيجب على المؤمنين أن يقاتلوا الذين يذلون بعض المؤمنينويستضعفونهم، حتى
/ صفحه 359/يخرجوهم من ربقة الذل إلى الحرية، ليكونوا مع المؤمنين قوة، ولتكون كلمة الله هي العليا، وليمنع المسلمون من أن يفتنوا في دينهمالذي ارتضوا، ولقد قال تعالى: '''' وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنامن لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيراً ''''.
وإن هذا الواجب يتقاضي كل إقليم من أقاليم الإسلام أن يتضافر مع غيره لإخراج الظالمين من أي ارض من أراضي الإسلام، إذ أنهميسومون أهلها الخسف والهوان والذل، ويفرضون عليهم الطغيان، وإنا إن لم نفعل لا نكون آخذين بمبادئ الإسلام، ولا نكون أمة واحدة، ولا مطيعين للقرآن.
14 ـ هذه واجبات يجبأن تتحقق، لأنها حكم الديان، نطق بها القرآن، واي شكل من الأشكال تتحقق فيه هذه المعاني ندعو إليه، وإنا ندعو إلى الحد الأدنى، ولا ندعو إلى الحد الأعلى، فلا ندعو إلىتكوين دولة إسلامية، لأن الأقاليم الإسلامية في بقاع الارض ليست متجاوزة متلاصقة، ولا توجد حاضرة تصلح قطبا تدول عليه أحكام الدولة، ولأن كل إقليم له طابعه الذي يمتازبه، ويحتاج إلى أحكام ونظم مناسبة، وفوق ذلك لا يصح أن ندعو إلى دولة واحدة، حتى لا ينزعج أحد، فلا بخشي ملك على حوزته، ولا رئيس على صولته، وحتى لا يجد الأعداء منفذاًينفذونه، فتموت الوحدة في مهدها.
ولذا نرى أن تكون الوحدة في شكل جامعة إسلامية، أو كومنلوث إسلامي.
وسواء أكان هذا أم كان ذاك، فإنه يتحقق في هذه الوحدة اتحادالسياسة الخارجية في كل الأقاليم الإسلامية، بحيث يوالي كل إقليم إسلامي من يوالي المسلمين وبحيث يعتبر الاعتداء على أي دولة إسلامية اعتداء على الأمة الإسلامية كلها،كما أنه يجب أن تحل المشاكل التي تقع بين الأقاليم الإسلامية بعمل المسلمين، ويجب ان تقاطع كل دولة تعتدي على إقليم إسلامي أو تحاول الاعتداء عليه. وإنه يجب أن تكونأحكام الجامعة الإسلامية أو ما يشبهها في دائرة المبادئ
الخمسة التي قررها الإسلام، وهي التي تعتبر ثابتة في هذا الدين بالضرورة، وتكون قرارات هذهالجامعة أو ما يكون على شكلها نظاماً يتبع ولا يكون أقوالا تردد، والله في عون العبد ما دام العبد في عو أخيه. اقتصاد إسلامي:
15 ـ ولا يدعم الوحدة إلا اقتصادإسلامي، لأن قوى الأمم في هذه الحياة تقوم على الاقتصاد، والعالم الآن يسيره الاقتصادن فهو الذي يبعث الحروب، إذ الحروب الكثيرة الآن ليست إلا نزاعا على ينابيع الثروة،فحيث كانت الينابيع اشرأبت الأعناق، وتحركت المطامع، وكان التناحر على الوصول اليها، أو الاستحفاظ عليها، ولقد صارت ينابيع الثروة التي في ارض المسلمين وملكهم موضعتنافس أعدائهم، يلقون إليهم بفتاتها المتساقط، ويجعلون من المسلمين آلات الاستغلال، فهم مسخرون، والنتائج لغيرهم، وما يبقونهم إلا لهذه السخرة. ولا يرفع عنا ذلكالنير الثقيل إلا التعاون الاقتصادي بين الأقاليم الإسلامية، وإني لا أستطيع أن أرسم منهاجاً اقتصادياً، لأني لست من أهل الخبرة في ذلك، ولكني أضع الرغبات الآتية: أولا: نعمل على استغلال الثروة الإسلامية مجتمعين لا متفرقين، فأهل الخبرة الذين يدرسون ويفحصون يكونون من المسلمين، وإن لم يكن منهم من يستطيع وأريد الاستعانة بأهلخبرة من غيرهم فمن الدول التي لم تعرف بالطمع في ينابيع الثروة الإسلامية، وليست عندها الطاقة للسيطرة عليها.
ثانياً: تكون الشركات الاستغلالية، سواء أكانت تجاريةأم كانت صناعية برءوس أموال إسلامية، لأن الأجانب لا يريدوننا إلا مسخرين، ولا يلبثون إلا قليلا، حتى يتخذوا أموالهم سبيلا للتحكم فينا، كذلك فعلوا في الماضين ويريدونأن يعيدوه في الحاضر.
ثالثا: يجب أن يكون هناك ارتباط نقدي بين الأقاليم الإسلامية بحيث يسهل التعامل، ولا يمحي النقد الاقليمي، بل يكون لكل بلد نقده، ولكن يكون / صفحه 361/هناك نقد جامع تنسب إليه النقود الاقليمية بمقاديرها، وتكون لذلك مصارف، لا يكون عملها القرض بفائدة، بل يكون عملها تسهيل التعامل بين المسلمين. رابعاً: يجب أن تزول كل الحاجزات الجمركية بين الأقاليم الإسلامية، فإنها تكون إتاوات ظالمة، تعوق التعاون، وتقطع الوحدة وتمزقها.
خامساً: يكون للأقاليم الإسلاميةحق الأولوية في التعامل، فلا تجلب بضاعة وفي أحد الأقاليم الإسلامية ما يغني عنها، ولو كانت دونها، ولا تصدر بضاعة يحتاج اليها إقليم إسلامي.
سادساً: يجب أن يكون بابالهجرة مفتوحا بين كل البلاد الإسلامية لتعمر كل اراضيها، وتستغل خيراتها، فإن بعض الأقاليم الإسلامية قد ازدحم بالسكان، حتى بلغ حد الكظة، وبعضها أرضه لا تجد من ينتفعبها، وإذا فتح باب الهجرة وأنس كل مسلم بأخيه المسلم في أي بقعة من أراضي الإسلام قامت الوحدة الاقتصادية، وانتفع المسلمون بكل ما عندهم من ينابيع الثروة زراعية،وصناعية، ومعدنية، وإنسانية، وبذلك يعمرون أرضهم، ويعم الخيرن ونجيب قوله تعالى: '''' وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ''''.