وحدة الإسلامیة و المسار الأحدب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وحدة الإسلامیة و المسار الأحدب - نسخه متنی

صائب عبد الحمید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الوحدة الإسلاميّة والمسار الأحدب

الوحدة الإسلاميّة والمسار الأحدب

بقلم: الأستاذ صائب عبد الحميد


لم يعرف الإنسان الأولإلاّ التوحيد الخالص..

ذلك الإنسان على بساطة تفكيره كان يدرك أنّه موجود، وأنه لم يخلق نفسه.

ويدرك أيضاً أن ما حوله من بهائم وجمادات هي الأخرى عاجزة عنأن تخلق أنفسها أو غيرها، فهناك خالق واحد أو جده وأوجد كلّ ما يراه من حوله.

هناك خالق قدير رحيم، يفزع إليه فيطمئن قلبه' ويستعين به فيجد قوة خفية تسري بين جنبيه'ويستهديه فيرى نور الهدى بين عينيه..

?فطرة الله التي فطر الناس عليها?(1).

وشيئاً فشيئاً تعاظمت الأهواء، وتكثرت النزعات، وتشعب التفكير، فسما عند بعضفنمت لديهم معاني التوحيد وتجلت، فيما اضمحل عند آخرين فتردوا في ألوان الشرك والوثنية...

وما كان الناس إلاّ أمة واحدة فاختلفوا? (2).

هكذا ظهر الاختلافمتأخراً، وظهر الشرك متأخراً.

هذه الصورة كان يعرفها جميع أهل الديانات السماوية، وتنكر لها أصحاب نظرية النشوء والارتقاء فقالوا: إن التوحيد هو ارتقاء لنشوءالوثنيه، فالناس قد عبدو الأصنام أولاً، وتعددت الأصنام وألوان الوثنية حتّى ترقى الأمر بهم إلى التوحيد.

ولكن هذه ليست سوى نظرية قد أثبت البحث العلمي خطأهاكما خطأتها الأديان، فحين اكتشاف اللغة السنسكريتية وتفسير رموزها عرف منها الباحثون أن الناس كانوا في أقدم عهودهم على التوحيد الخالص، وأن الوثنية عرضت عليهم فيمابعد بفعل رؤسائهم الدينيين(3).

?كان الناس أمة واحدةً فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيهإلاّ الّذين أو توه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم?(4).

لقد حدثنا القرآن الكريم عن ذلك كله، كما حدثنا عن وحدة الأنبياء في أصول دعواتهم واجتماع أصلالديانات السماوية على هذه الأصول.

وحدثنا عن افتراق الناس بعد أنبيائهم، وعودة الكثير منهم إلى الوثنية، فعبدوا أصناماً شتى، وعبدو النجوم، وعبدوا حتّىالأولياء الصالحين..

وقالوا لاتذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً?(5).

قال أصحاب التفسير: كان هؤلاء قوماً صالحين من بني آدم،وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أتباعهم: لو صورناهم كان أشوق إلى العبادة إذا ذكرناهم! فصوروهم، فلما ما توا وجاء آخرون فقالوا: إنّما كان من قبلكم يعبدونهموبهم يسقون المطر فعبدوهم!(6).

وحدثنا عن آخرين: ?قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة?!(7).

وآخرين: ?قالوا إن الله ثالث ثلاثة?!(8).

وحدثنا أيضاًأن كبريات الرسالات الأولى كرسالة إبراهيم وموسى وعيسى ـ عليهم السلام ـ أنذرت بأن النبوات سوف لا تستمر إلى الأبد، بل ستقف عند أمد، وعندئذ يكون النبي الذي يختم سلسلةالنبوة، فدعا إبراهيم ربه أن يجعل هذا النبي من ذريته، وبشرت التوراة والإنجيل باسمه وصفته.

?النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل?(9).


'قالت المرأة ـ للمسيح ـ عليه السلام ـ : لعلك أنت مسيّاً، أيها السيد؟

أجاب يسوع: إني حقاً أرسلت إلى بيت إسرائيل نبي خلاص، ولكن سيأتي بعدي مسيّاً المرسل منالله لكل العالم، الذي لأجله خلق الله العالم'(10).

قارن هذا النص الإنجيلي بالنص القرآني القائل: ?وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاًلما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد?!(11)

وبعث محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ?رسول الله وخاتم النبيين?(12).

وأنزل عليه القرآن?مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه?(13).

فجاء بالشريعة التامة التي لا مزيد عليها ولا نهاية لحكمها ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكمالإسلام ديناً?(14).

فكان الرحمة الكبرى لبني الإنسان: ?وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين?(15).

'أنا رحمة مهداة'(16)، 'إنّما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا'(17).

فحارب الشرك بأنواعه، صغيره وكبيره، خفيه وظاهره: ?إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء?(18)، ?ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيماً?(19).

حارب الظلمولعن الظالمين، وحارب النفاق ولعن المنافقين، وحارب الغش والخيانة وقبح أضلهما، وقطع أيدي اللصوص وقطاع الطرق، ونهى عن الفحشاء والمنكر وسدّ السبل دونهما.

وأتممكارم الأخلاق:'إنّما بعثت لا تمم مكارم الأخلاق'(20)'إنّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق'(21).

وسخر من الأفاق الضيقة، العرقية والإقليمية، واستهجنها: ?يا أيها الناس إناخلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم?(22).

'ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا

منمات على عصبية'!(23).

تلك في القيم السامية التي حررت الإنسان من ظلمات الجاهلية وتيهها، ظلمات وتيه مازال الإنسان الأوروبي يرسف في أغلالها، فهو حتّى اليوم يبنيثقافته ويصنع سياسته على أساس شريعة هي اكثر لياقة بالغاب لا بالمجتمع الإنساني! فالقيمة الغالبة فيها هي تقديس الشعر الأصفر والعين الزرقاء !!

والأوروبيون لميحاربوا النازية لأنها فكرة عنصرية، بل لأنها قدمت العنصر الألماني على سائر الأوروبيين أما الغزو الأوروبي لشعوب الدنيا، وقتل أبنائها ونهب ثرواتها فهو من صميم القيمالأوروبية المعاصرة، كما كان سائداً في عهود الجاهلية الأولى في القرون الغابرة!

اللص هو اللص وإنّما تبدل القناع، واستبدل السيف بالصاروخ والمدفع، والنبلبالقنبلة الذرية والنووية.

حارب الإسلام كلّ تلك القيم وإن اختلف ألوانها وظهرت بأزياء العصور الحديثة، حاربها وجاء بالقيم السامية البديلة.

وعلى هذهالقيم البديلة مضى المؤمنون في ظلال الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على وحدة العقيدة ?أشداء على الكفار رحماء بينهم?(24).

لا يفت في عزمهم شيء، ولا تأخذفيهم الفتن، وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله والى الرسول يتنافسون في كلّ خير وفضيلة، ويتسارعون إلى امتثال سنن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ واقتفاء أثره، يبكونإذا أذنبوا بكاء تنزل في بعضه قرآن كريم.

أيامهم كدحاً وجهاداً، ولياليهم قياماً وركوعاً وسجوداً ?تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا?(25)

هذه سيرتهم، وهذا ديدنهم، غير ثلة من مرضى القلوب ?مردوا على النفاق?(26).

فحاروا ?مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء? (27)فضح القرآن خفاياهم في مواضعكثيرة، وكشفت سورة التوبة خفاياهم وبالغت في ذلك حتّى سميت (الفاضحة)! وحتى ترقبوا أن تذكرهم بأسمائهم!

لكن ذلك لم يحصل، واكتفى النبي أيضاً بذكر بعضهم فقط لحكمةكان يراها ومصلحة اقتضت ذلك، لكنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حال كهذه لم يكن ليترك الأمر يعتريه الغموض التام فيلتبس على كثير من المؤمنين، فوضع لأجل ذلك موازين قسطلا تحيف، يدركها الأعمى والبصير، والصغير والكبير، فقال: 'الأنصار آية المؤمنين وآية المنافقين؛ لا يحبهم إلاّ مؤمن، ولا يبغضهم إلاّ منافق'(28).

ثم أضاف ـ صلى اللهعليه وآله وسلم ـ ما هو اكثر وضوحاً، فدعا علي بن أبي طالب وعهد إليه عهدا أنّه 'لا يحبك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق'(29).

فكان علي ـ عليه السلام ـ فاروقاللصحابة ومن بعدهم، به يعرفون المؤمن حقاً والمنافق حقاً وقد تحدث بذلك كثير من الصحابة، فقالوا: 'كنا نعرف المنافقين ببغضهم علي بن أبي طالب'(30).

ومضت الأمة علىوحدتها وتماسكها مدة حياة الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وليس ببدع أن تتفرق بعده، فقد تفرقت الأمم بعد أنبيائها!

النبي الأعظم ـ صلى الله عليه وآلهوسلم ـ الذي حرص كلّ الحرص على أن يؤلف بين قلوب المؤمنين وحذرهم من التفرق والتشرذم، أنبأهم أيضاً أن ذلك

كائن، وكائن عن قريب، ثم إنه سيستشري في ما بعد متى تكونهذه الأمة مطمع الغزاة والناهبين !

'يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كلّ أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها'.

قيل: يا رسول الله،فمن قلة بنا يومئذ؟

قالـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : 'لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا وكراهتكم الموت'!!(31).

وطبع الغثاء أنتعبث به الأمواج كيف تشاء، وهكذا عبثت أمواج الفتن بهذا الغثاء الكثير !‍! اسفاً.

ولكن أشد ما استنكره وحذر منه القرآن الكريم والسنة المطهرة أيضاً أن يعجب كلّفريق بما عنده، حتّى الأهواء والبدع، فيذهبون أيادي سبأ ?كلّ حزب بما لديهم فرحون?(32). ويتمادى الأمر حتّى'يضرب بعضهم رقاب بعض'!(33).

ولكن هذا كله قد حصل، فحين يكونالجمع الكبير غثاء، وليس للغثاء جذور تربطه بقرار ثابت، فلا مناص مما حصل وإن أنذر القرآن وحذر الرسول !


ثلاث وسبعون فرقة

هل كان قدراً علينا أننتفرق، فرضينا وسلمنا للقدر المحتوم؟.

أم نحن بأيدينا رسمنا هذه الخارطة المعقدة؟

إن النبي المصطفى ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إن صح عنه أنّه قال:'تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ' فإنما كان يخبرنا، ولم يكن يأمرنا:

كان يخبرنا بحصاد ما سنبذره بأيدينا من بذور الشقاق.

وبعد كلّ هذا جاء رواد الشقاقفألصقوا بالحديث المروي زيادة تثلج صدورهم، فقالوا: 'كلها في النار إلاّ واحدة '.

ولا غرابه إذن أن ينبري أتباع كلّ فرقة من هؤلاء بدعوى أن فرقتهم وحدها هيالناجية، وسائر الفرق في النار!

فالحمد لله الذي تفرد في سلطانه، ولم يضع بأيدينا مفاتيح الجنة والنار!

قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لا مسكتمخشية الإنفاق ?(34).

قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون?(35)!

يدخل من يشاء في رحمته?(36).

قل لمن ما في السموات وما في الأرض قللله كتب على نفسه الرحمة?(37).

لقد طعن بعض أهل التحقيق في حديث افتراق الأمة هذا، ثم ذهبوا إلى بطلان ما الحق به من زيادات فاما الحديث: 'افترقت اليهود على إحدىوسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة' وبهذا القدر من النص دون أدنى زيادة فقد أخرجه أبو داود، والترمذي وابن ماجه وابنحبان والحاكم، غير أن بعض المحققين لاحظ على هذا التصحيح مأخذاً جديراً بالاعتبار، فقالوا: (هذا الحديث، وإن قال فيه الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم، إلاّ أنمداره على محمّد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهذا الرجل تكلموا فيه من قبل حفظه، وإن أحداً لم يوثقه

بإطلاق، وكل ما ذكروه أنهم رجحوه على من هو أضعف منه لذاحين أوجز الذهبي كلامهم فيه وصفه بقوله: صدوق له أوهام والصدق وحده في هذا المقام لا يكفي ما لم ينظم إليه الضبط، فكيف إذا كان معه أو هام ؟)(38).

وأما الإمام ابنالوزير فقد طعن الحديث من وجهة نظر أخرى، حيث رأى أنّه مدعاة لتمزيق الأمة وطعن بعضها في بعض، مما يضعفها جميعاً ويقوي عدوها عليها ويغريه بها! (39).

وأما عنالزيادة 'كلها في النار إلاّ واحدة' والتي لم ترد في حديث أبي هريرة المتقدم، فقد حكموا ببطلانها: قال ابن حزم: إنها موضوعة، غير موقوفة ولا مرفوعة!

وقال ابنالوزير: إياك والاغترار بـ'كلها في النار إلاّ واحدة' فإنها زيادة فاسدة، غير صحيحة القاعدة، ولا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة! (40).

وقد أخرج الشيخ الصدوق ـ ابنبابويه القمي ـ الحديث بهذه الزيادة من طريقين (41)، ولكن الطريقين معاً فيهما عدة مجاهيل ومجروحين لا اعتبار برواياتهم(42).

ثم تلت هذه الزيادة زيادة أخرى مرتبةعليها جاءت لتحديد هذه الفرقة الناجية، فبعد زيادة 'كلها في النار إلاّ واحدة' قالوا: ما هي: 'ما أنا عليه وأصحابي'.

قال الألباني: الحديث بهذه الزيادة 'ما أنا عليهوأصحابي' أخرجه العقيلي في (الضعفاء)، وأخرجه الطبراني في (المعجم الصغير) وقال: لم يروه عن يحيى إلاّ عبدالله بن سفيان، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه(43).

وقدنوقش هذا الحديث على فرض صحته نقاشاً حسناً من قبل كثير من أهل العلم:

فذهب الدكتور الشيخ القرضاوي فيه مذهباً جميلاً حيث رأى أنّه يدل على أن هذه الفرق كلها جزءمن أمته ـ صلى الله عليه وآله وسلم، بدليل قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : 'تفترق أمتي' ومعنى هذا أنها برغم بدعتها لم تخرج عن الملة.

ولم تفصل عن جسم الأمةالمسلمة، قد يعفو الله عنهم بفضله وكرمه، ولا يسمى إذا كانوا قد بذلوا وسعهم في معرفة الحق ولكنهم لم يوفقوا وأخطأوا الطريق(44).

والى أعمق من هذا ذهب الشيخ لطفالله الصافي، فقال: أنّه لا ريب في تقييده بغيره من الأدلة العقلية والنقلية كالأحاديث الدالة على نجاة الموحدين(45).


كلمتان جامعتان:

1 ـ يقولالإمام جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ: 'الإسلام: ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ! وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح،واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا إلى الإيمان'(46).

فلندع إذن تلك الزيادات التي لم ترد بإسناد صحيح، ولا أصل معتبر،ولنتخل عن العصبية لمعان وصنعناها بأيدينا ثم صرنا نقدسها!

2 ـ يقول أبو حامد الغزالي ـ أحد أبرز أئمة الأشاعرة ـ في حديثه عن الفرق كلها: هؤلاء ـ أي الفرق كلها ـأمرهم في محل الاجتهاد، والذي ينبغي أن يميل إليه المحصل الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة الدماء

والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحينبقول لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله' خطأ... وإن أكثر الخائضين في التكفير إنّما يحركهم التعصب، وأتباع تكفير المكذب للرسول، وهؤلاء ليسوا مكذبين أصلاً، ولم يثبت لناأن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلابد من دليل عليه وثبت أن العصمة مستفادة من قول 'لا إله إلاّ الله' قطعاً، فلا يدفع ذلك إلاّ بقاطع وهذا القدر كاف في التنبيه على أنإسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان(47).


من هنا افترقنا ومن هنا نلتقي:

السياسة، سواء كنا نحبها أو ننفر منها، هي التي ترسم واقعنا وتحكم إلىحدّ ما على مستقبلنا، فحين كانت السياسة هي التي زرعت بذرة الخلاف الأولى فخرجت بمسار الإسلام من نواة تجمعه الأولى يوم كان المسلمون جمعاً قوياً راسخ الأساس، هذهالسياسة هل سنعرف ـ حين صرنا أشلاء ممزقة عرضة لصولات الوحوش الكاسرة ـ كيف سنوجهها لتلم شعثنا على الأصول التي كانت تجمعنا، وهي تجمعنا إلى اليوم، والى الأبد: التوحيدوالنبوة والمعاد، أضف إليها وحدة الدستور (القرآن)، ووحدة المصير، ووحدة الغاية (مرضاة الله)؟.

هذا هو نداء القرآن، ونداء السنة، ونداء الضمير..

ولهذاالنداء جذوره الثابتة وإن تباعد عنها الغثاء!

فإن الله تعالى قد تعهد بحفظ دينه وحفظ كتابه، وأن يبعث في كلّ جيل دعاة حق ينفون عن هذا الدين أهواء المضلين وبدعالمبتدعين.

لقد صححت النظرية النسبية فهماً كان سائداً حول الخطوط المستقيمة، فأثبتت أنّه لا يوجد في الكون خط مستقيم، فالخطوط كلها منحنية، وكل مسار تراهمستقيماً هو في الحقيقة أحدب، والكون كله أحدب، ويجري في مسار أحدب

وكلما امتد الخط اقتربت نهايتاه.

فلماذا لا يكون مسار السياسة هو الآخر أحدب حتّى إذاازداد امتداده عاد طرفه إلى النقطة التي انطلق منها أولاً، وتلاقت نهايتاه من جديد متى تشكلان نقطة تجمع واحدة هي من سنخ النواة الأولى على عهد الرسول الأكرم؟؟

إننا نستطيع إذن أن ندخل من نفس الباب الذي خرجنا منه متفرقين، فنعود كما كنا أمة واحدة، ونعود وكأن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قائم بيننا، وهو قائم بينناحقا ولكنا شد هنا عنه !

إنه قائم بيننا بسنته الحية الثابتة، وبهذا القرآن المحفوظ الذي لا تجف الألسن من تلاوته.

إن هذا التصور الذي نطرحه هنا ليس هو منقبيل أماني الحالمين، ولا هو من أبواب الخيال العلمي المجرد، بل هو حقيقة كائنة نستطيع أن نعبر عنها بأنها (حتمية) بكل ما لهذه الكلمة من معنى.

نقول حتمية يقيناًمنا بالوعد الصادق الذي قطعه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لنا بأننا سنجتمع يوماً على قائد واحد يملك الأرض ويصلي خلفه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام: 'لو لميبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يبعث رجلاً من ولدي يواطئ اسمه اسمي، ويملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً'!(48).

إنها إذن حتمية كائنةولو في آخر يوم من أيام الدنيا.

ولكن هذا الوعد لا يلغي عنا التكليف، فالتكليف قائم وكأن هذا الوعد لم يكن، فالأمل إذن قائم قيام التكليف، ثابت ثبات الشريعة.


ومن ناحية أخرى فإن منظر الغثاء المفجع الذي صرنا إليه لهو خير حافز إلى ذلك الأمل.

صحيح أن الحوافز إنّما تؤثر في الأجساد الحية، ولا شأن للغثاء بذلك، لكن

الصحيح أيضاً أن الذي تحت هذا الغثاء الطافي ماء!

?وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حي?(49).

وقد نهضت الأجساد الحية حقاً، وهي تشق طريقها من بين أكداسالموتى والمخدرين والمغشي عليهم والمصعوقين، وما تراكم بين هذه الأكداس من أوباء وأدواء.

لقد أظهرت الصحوة الإسلاميّة المعاصرة كلّ ما ينسجم مع ذلك الأمل..


أظهرت وعيا بالإسلام كان غائباً طوال قرون عديدة منذ خفت نجم الحضارة الإسلاميّة من على هذا الكوكب.

وعلى الصعيد السياسي أظهرت وعياً لم تعرفه الأمة في عهودطاعتها المطلقة للسلطان (ولي الأمر) براً كان أو فاجراً مجاهراً بالفسق والعصيان، عدلاً كان أو ظالماً جائراً !!

وعلى صعيد الوحدة العقائدية أظهرت نضجاً لم تشهدهالأمة طيلة قرون التناحر الطائفي البغيض.

وبكلمة واحدة: لم تعد الصحوة الإسلاميّة ظاهرة حضارية وحسب، بل أصبحت القوة المرشحة لقيادة البناء الحضاري المستقبليالمشرق بإذنه تعالى ?والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا?(50).


___________________

1 ـ الروم: 30.

2 ـ يونس: 19.

3 ـ أحمد أمين: يوم الإسلام: 15.

4 ـ البقرة: 213.

5 ـ نوح: 23.

6 ـ تفسير الطبري 29: 99، مجمع البيان للطبرسي، الكشاف للزمخشري 4: 619.

7 ـ الأعراف: 138.

8 ـ المائدة 72.

9 ـ الأعراف: 157.

10 ـ إنجيل برنابا ـ الفصل 82: 15 ـ 16، عنه نظرات في إنجيل برنابا ـ محمّد علي قطب: 84.

11 ـ الصف: 6.

12 ـ الأحزاب: 40.

13 ـ المائدة: 48.

14 ـ المائدة: 3.

15 ـ الأنبياء: 107.

16 ـ مصنف ابن أبي شيية 11: 504.

17 ـ كنز العمال: 31997.

18 ـ النساء: 116.

19 ـ النساء: 48.

20 ـ البخاري: الأدب المفردح: 273، كنز العمال 3 ح ـ 5217.

21 ـ كنز العمال 11 ح: 31996.

22 ـ الحجرات: 13.

23 ـ سنن أبي داود 4: 5121.

24 ـ سورة الفتح: 29.

25 ـ سورة السجدة: 16.

26 ـ سورة التوبة: 101.

27 ـ سورة النساء: 143.

28 ـ كنز العمال 12: ح 33748 وأحاديث أخرى بهذا المعنى.

29 ـ صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ج 1 86 ح: 131، سنن الترمذي 5ح 2736، سنن النسائي ـ كتاب الإيمان ج 8: 116، سنن ابن ماجة 1: 42 ح ـ 114، مصابيح السنة 4: 171 ـ 4763، أمالي الطوسي ج 1 ـ باب 3 ح ـ21، باب 10 ح 2.

30 ـ سنن الترمذي 5: 635 ـ 3717، الاستيعاب 3: 36، اسد الغابة 4: 129 عن أبي ذر، وصححه على شرط مسلم، وابن عساكر كما في ترجمة الإمام علي من تاريخه 2 ح: 729 ـ 738 عنجابر بن عبدالله الأنصاري، وعبادة بن الصامت، ومالك بن أنس، والمغازلي في المناقب ح 75 عن أم سلمة وعبد الله بن مسعود.

31 ـ سنن أبي داود ـ الملاحم ح: 4276.

32 ـ الروم: 32.

33 ـ من خطبته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حجة الوداع.

34 ـ الإسراء : 100.

35 ـ الزمر : 44.

36 ـ الإنسان : 31.

37 ـ الأنعام : 12.

38 ـ الدكتور يوسف القرضاوي: الصحوة الإسلاميّة: 34. وأنظر ترجمة محمّد بن عمرو بن علقمة في (ميزان الاعتدال) و(تقريب التهذيب) و(تهذيب التهذيب).

39 ـ الصحوة الإسلاميّة 35.

40 ـ الصحوة الإسلاميّة: 35، وراجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 1: 356 ـ 362.

41 ـ الخصال: 584 ـ 585.

42 ـ راجع أيضاً: حديثافتراق المسلمين على ثلاث وسبعين فرقة: للشيخ لطف الله الصافي.

43 ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة.

44 ـ الصحوة الإسلاميّة: 38.

45 ـ حديث افتراقالمسلمين: 15 ـ 16.

46 ـ الكافي 2: 22 ـ 5.

47 ـ الاقتصاد في الاعتقاد: 157 ـ 158.

48 ـ سنن أبي داود: 4 ح: 4282، سنن الترمذي: 4 ح 2231، الإرشاد للمفيد 2: 340.

49 ـ الأنبياء: 20.

50 ـ العنكبوت: 69.

/ 1