الوحدة منطلق للمشروع الاسلامي
ماهو دوركم في التقريب بين المذاهب الاسلامية؟
أ.السيد هاشممحمد السلمان
أمين عام الحوزة العلمية في الأحساء - السعودية
• التقريب بين المذاهب الاسلامية هذا المشروع بدأته قريباً بسبب الظروف التي كنا نعيشهافي بلادنا، والتي تحكم علينا بعدم الظهور في مجال هذا النشاط، ولكن في الآونة الأخيرة اصبح هذا المشروع يأخذ طريقه على اساس بداية مشروع الحوار، الذي طرح في البلادمؤخراً، واعطى مجالاً بالسعي في تفعيل هذا المشروع.
وقد بدأنا في هذا المشروع في المجال الاجتماعي، الذي يقوم على ايجاد التعايش والتآلف بين اطياف المذاهب،والتي تعتبر الخطوة الاولى في بناء التقريب؛ لأنه قد مرت مرحلة من النفور بين افراد الطوائف، مما ادى الى البعد الفكري والاجتماعي، وفعلاً بدأنا في عملية ايجاد آلياتتقوم بتكثيف العلاقات والارتباطات بين الافراد، وهناك بدات مشاركات فكرية ومشاركات ادبية كمرحلة اولى من أجل أن نبدأ مشروع المشاركات الحوارية في موضوع المذاهب بصورةمباشرة ، ولكن نجد هناك مسافة ليست بالقليلة تحتاج الى وقت للتقدم، مضافاً الى تأسيس مشروع مشترك بيناوبين العديد من الاطياف الاخرى والمذاهب الاخرى في البلاد؛ وهوعبارة عن جمعية التسامح، وقد طرحت هذه الجمعية كمشروع على مسؤولية الدولة
(92)
لإمضائها، وهذه الجمعية تقوم على تفعيل التسامح والتقارب والتضامن والتآلفبين افراد الشعب. ولاشك ان ذلك سيكون مقدمة للتقريب، ونأمل إن شاء الله القيام بخطوات أخرى على هذا الطريق.
•• ماهو تصوركم عن مشروع الوحدة الاسلاميةوالتقريب؟ وما الفرق بين الوحدة العملية والوحدة النظرية؟
• مشروع الوحدة مشروع قد بدأه العديد من المصلحين والعلماء الذين حملوا الهم الاسلامي والشأنالاسلامي، وقد ظهر في عالمنا الاسلامي العديد من الشخصيات التي عملت على تفعيل مشروع الوحدة والتقريب، قديماً وحديثاً، ولكن ربما كانت اغلب المشاريع مشارع نظرية،وبعضها كان كبيراً، لم تحقق الظروف نتائجه المطروحة، ولكن هناك ممن انطلق بتفعيل الوحدة من المشروع العملي لا النظري، فجعل العمل دعوة الى الوحدة، وهذا يبرز في دورالامام الراحل الخميني قدس سره، حيث عمل على تفعيل الوحدة العملية، وانطلق منها في تأسيس مشروع الثورة الاسلامية التي قامت على توحيد الفعاليات والقوى، من أجل تحقيقمشروع مشترك، وهو إقامة الحكومة الاسلامية، فكان الامام رحمه الله ينطلق في مسار الثورة الاسلامية من توحيد الصف، من توحيد المواقف، ولازال الامام بعد انتصار الثورةيعتبر أن الوحدة هي منطلق مسار العمل الاسلامي والمشروع الاسلامي، وقد جعل اهدافاً لهذه المشاريع وجعل الوحدة طريقاً لتحقيقها ، ومن ابرز السمات على ذلك بعد انتصارالثورة توجيه الامام الراحل المسلمين لأنقاذ فلسطين من نير الاحتلال اليهودي، فقد وجه الامام خطابات وارشادات تحث على اهمية توحيد المسلمين بصفوفهم من اجل تحرير فلسطينومواجهة العدو، وهكذا بقي الامام الى ان ارتحل الى خالقه في كل مناسبة يؤكد على الوحدة الاسلامية، وان لا يخوض المسلون في
(93)
الفروقات والخصوصيات، لانالخوض فيها هي حياة الاعداء؛ إذ أن الأعداء انما يعيشون ويستنشقون من هواء الاختلافات والتفرقة والتمزق بين القواعد الشعبية وغيرها.
فالامام الخميني رحمه اللهقد جسد الوحدة العملية في مشروع الثورة الاسلامية، وكذلك وجه الامة الى ذلك بكل المشاريع التي تهم العالم الاسلامي .
•• الامة الاسلامية بكل أطيافها تنصهرعند مواجهة عدو مشترك، كيف يمكن لم شمل الشعوب الاسلامية سواء مع وجود عدو او عدمه؟
• الوحدة يجب ان تأخذ على انها ضرورة، وانها مشروع مهم سواء على المستوىالديني او المستوى السياسي، ويجب ان لا نتعامل مع الوحدة على انها حالة عرضية تطفو على بحر الأزمات، بل يجب ان نتعامل معها على انها استراتيجية سياسية وانها قاعدة مهمةفي مشروعنا الاسلامي، فالوحدة كانت مهمة في نشوء وحدوث الدولة الاسلامية والامة الاسلامية، كذلك هي ضرورة لبقاء الامة الاسلامية، وبقاء الكيان الاسلامي، فيجب علينا انلا ننتظر وجود تحديات خارجية او مشاكل داخلية، وننطلق منها في الدعوة الى الوحدة، فيجب دوما ان نعيش الوحدة في جميع العصور والاحوال ، وان تكون الوحدة هي الصفة الدائمةالتي يتصف بها المسلمون في جميع العصور، لما اشارت اليه اللآيات الكريمة، فقوله تعالى: (ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون) اي يجب ان تبقى الأمة واحدة وان تكونالوحدة صفة دائمة لها على نحو الاستمرار.
وان نكون دائما معتصمين بحبل الله وتمكسين به ، من أجل ان لايكون هناك فراغ لهجوم الأعداء ونفوذ الأعداء بيننا . فماد منامتحدين لايمكن لأي عامل داخلي او خارجي ان يهدد ويؤثر في قاعدة الكيان الاسلامي . فعلى هذا الأساس لا
(94)
ننظر الى الوحدة على انها حالة علاجية نلجأ إليهاعندما نعيش مشكلة او نواجه اعداء ، والعدو مهما كان لا يعد عدوا خاصا لطائفة مسلمة دون اخرى؛ لأن اعداء الاسلام لا ينظرون الى الخصوصيات الاسلامية او المذهبية، لأنهميعتبرون الخصوصيات المذهبية تفاصيل دقيقة للاسلام، فهم لا يهمهم النظر في تلك التفصيلات وانما يهمهم الكيان الاسلامي، والهوية الاسلامية، فعند ما نجد عدوا يهاجم طائفةاسلامية او يتحدى طائفة اسلامية فهو يتحدى الاسلام كله، ولا يخص تلك الطائفة بعينها، لهذا يجب ان لا ننظر الى ان الاعداء هم يعيشون الخصوصيات في المواجهة، كما نعيشهانحن، بل يعتبرون الاسلام القاسم المشترك بين المسلمين، فهم يتحركون على القاسم المشترك ايضاً، نحن يجب ان نتحرك باتجاه القاسم المشترك، والعمل من اجل المشتركات التي هيهدف الاعداء، فنواجه العدو بنفس الدوافع التي ينطلق منها العدو.
•• ماهو تعريفكم للوحدة هل هو الوحدة الدينية الفكرية أم الوحدة السياسية ام كلاهما؟
• لاشك ان الوحدة من الجهة النظرية تعني الأتحاد في اي اطار، وفي المنظور الاسلامي الوحدة تشمل كل الاطارات سواء الاطار الشعبي او القومي او الديني او المذهبي بــلتتسع الى ان تشمل اطار الوجود الانساني؛ وذلك من خلال قوله تعالى (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
فالقرآن خاطب الناسولم يخاطب المؤمنين ولا المسلمين بخصوص، بل خاطب الانسانية، وقد جعل الله الانسانية قائمة على التعارف والتعايش ، وهذا هو معنى الوحدة؛ اي ان القرآن يدعوا الى الاجتماعوالتعايش والتعارف، وعليه فالتآلف والاتحاد في كل الاطارات ، هو مطلوب، ولكن من الجهة الاسلامية فأن الاسلام
(95)
يؤكد على الوحدة الدينية على اساسالحفاظ على كيان الاسلام والهوية الاسلامية، التي جاءت من أجل اعطاء النظام والدستور الحياتي الأكمل؛ فالاسلام يؤكد على الوحدة الدينية، وان يكون الدين هو الاطار العامبين المسلمين، وان يكون هو المظلة الكبرى بين المسلمين، فمهما اختلف المسلمون أو اختص بعض المسلمين بخصوصيات، فيجب ان يرجعوا الى المظلة الكبرى والاطار العام الاكبر وهوالدين ، فالدين هو المظلة الحاكمة، بين جميع افراد ومجتمعات المسلمين. هذا من الجهة النظرية ولكن من الجهة العملية فهل يعني الوحدة الدينية، الوحدة الفكرية؟ وهل يعني ذلكالانصهار التام الكامل بين افراد المسلمين بكل طوائفهم ومذاهبهم؟ هذا الامر وإن كان مطلوبا ان يكون كاتحاد فعلي وحقيقي لأن الدين الاسلامي دين واحد وليس متعدداً،والتعدد حالة طارئة طرأت على المسلمين لأختلافات في الفكر والرؤى والآراء الفكرية والمدرسية. ولكن علينا ان نعيش مع الواقع الان، نحن كواقع موجود لايمكننا فعلا ان نحققهذه الوحدة لأنها تحتاج الى وقت كبير وطويل، لأن هناك خصوصيات فكرية وتاريخية ولايمكن لنا بهذه السهولة ان نوحد تلك الخصوصيات، وخصوصا انها قد عاشت ووجدت منذ سنين طويلةوبعيدة. فلا يمكننا ان نرفعها في غضون مشروع أو مشروعين او فترة قصيرة، فلابد من وقت ومراحل ومشاريع تسبق مشروع الوحدة. وربما مشروع التحاور او الحوار من المشاريع المهمةمن اجل تقليص الاختلافات بين المذاهب، والآراء والمدارس، وربما يحقق ذلك الاتحاد ، لكن ماذا نعمل في هذه المرحلة؟ اظن ان هذه المرحلة تدعونا الى الدعوة الى الوحدةالعملية وليست الوحدة الفكرية، اي الوحدة في العمل الاسلامي تجاه تحقيق القضايا الاسلامية، ورفع المشاكل الاسلامية التي تواجه المسلمين . فليس بالضرورة ان يكون الاتحادبين المذاهب في الفكر، ولكن في المشتركات.
(96)
لا شك أن هناك اصولاً مشتركة بين المذاهب، فلننطلق من تلك المشتركات؛ لان اختلافنا لا يخرجنا عنالاطار الاسلامي.
لهذا علينا ان ننطلق من تلك الاصول التي تحمل اطار الاسلام، وهي الايمان بالله والانبياء والمعاد في اليوم الآخر. فاذا لنعمل نحن في هذا المجال،والمشتركات في هذا الاطار اكثر من الخصوصيات والفروقات، فاذا أمامنا مساحة كبيرة جدا من اجل العمل في المشتركات، والانطلاق من الوحدة العملية في حل القضايا والمشاكل ،بل لا اقول القضايا والمشاكل بل في تحقيق المشاريع المستقبلية التي يدعو اليها القرآن الكريم، وهو تفعيل النظام الاسلامي والمشروع الاسلامي، ولايمكن لنا ان نُفعِّلالمشروع الاسلامي الا من خلال الاتحاد، فالدعوة الى الاسلام، والدعوة الى اخلاق الاسلام، والدعوة الى الفكر الاسلامي، هذا امر مشترك بين جميع الطوائف والمذاهب ، فلنتحدفي هذه الامور، مضافاً الى مواجهة المخاطر والتحديات التي يتعرض لها المسلمون في كل حين خصوصا في هذه المرحلة الراهنة التي نجد ان اعداء الاسلام اتحدوا ضد المسلمين،وقرروا سلخ الهوية الاسلامية تحت مظلة العولمة وغيرها، لنعمل ولنجلس لنضع الأسس العملية في مواجهة هذه التحديات، وهذا لا يكون الا بأيماننا بضرورة العمل الموحد.