اعلم ان الحركات ثلاث فتحة وكسرة وضمة فموضع الفتحة من الحرف أعلاه لان الفتح مستعمل وموضع الكسرة منه أسفله لان الكسر مستفل وموضع الضمة منه وسطه أو امامه لان الفتحة لما حصلت في اعلاه والكسرة في أسفله لاجل استعلاء الفتح وتسفل الكسر بقى وسطه فصار موضعا للضمة فاذا نقط قوله الحمد لله جعلت الفتحة نقطة بالحمراء فوق الحاء وجعلت الضمة نقطة بالحمراء في الدال او امامها إن شاء الناقط وجعلت الكسرة نقطة بالحمراء تحت اللام والهاء وكذلك يفعل بسائر الحروف المتحركة بالحركات الثلاث سواء كن إعرابا أو بناء او كن عوارض وإنما جعلنا الحركات المشبعات نقطعا مدورة على هيئة واحدة وصورة متفقة ولم نجعل الفتحة ألفا مضجعة والكسرة ياء مردودة والضمة واوا صغرى على ما ذهب اليه سلف اهل العربية إذ كن مأخوذات من هذه الحروف الثلاثة دلالة على ذلك اقتداء منا بفعل من ابتدأ النقط من علماء السلف بحضرة الصحابة رضي الله عنهم واتباعا له واستمساكا بسنته إذ مخالفته مع سابقته وتقدمه لا تسوغ وترك اقتفاء أثره في ذلك مع محله من الدين وموضعه من العلم لا يسع أحدا أتى بعده حدثنا محمد بن علي قال نا ابو بكر بن الانباري قال نا أبي قال نا ابو عكرمة قال قال العتبي قال ابو الاسود للذي امسك المصحف إذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف وإذا ضممتهما فاجعل النقطة الى جانب الحرف وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في اسفله قال ابو عمرو فاتباع هذا اولى والعمل به في نقط المصاحف احق لان الذي رآه أبو الاسود ومن بحضرته من الفصحاء والعلماء حين اتفقوا على نقطها أوجه لا شك من الذي رآه من جاء بعدهم لتقدمهم ونفاذ بصريرتهم فوجب المصير الى قولهم ولزم العمل بفعلهم دون ما خالفه وخرج عنه على أن اصطلاحهم على جعل الحركات نقطا كنقط الإعجام قد يتحقق من حيث كان معنى الإعراب التفريق بالحركات والإعجام من قولهم اعجمت الشيء إذا بينته وكان الاعجام ايضا يفرق بين الحروف المشتبهة في الرسم وكان النقط يفرق بين الحركات المختفلة في اللفظ فلما اشتركا في المعنى اشرك بينهما في الصورة وجعل الاعجام بالسواد والإعراب بغيره فرقا بين إعجام الحروف وبين تحريكها واقتصر في الاعجام أولا على النقط من حيث اريد الايجاز والتقليل لان النقط اقل ما يبين به وهذا لطيف جدا وبالله التوفيق
باب ذكر كيفية نقط ما لا يشبع من الحركات فيختلس او يخفى او يشم
اعلم ان الحركة المختلسة والمخفاة والمرامة والمشمة في الحقيقة والوزن بمنزلة المشبعة إلا أن الصوت لا يتم بتلك ولا يمطط اللفظ بها فتخفى لذلك على السامع حتى ربما ظن أن الحرف المتحرك عار من الحركة وأنه مسكن رأسا لسرعة النطق بالمختلسة وتضعيف الصوت وتوهينه بالمخفاة والمرامة والمشبعة يمطط بها اللفظ ويتم بها الصوت فتبدو محققة فإذا نقط مصحف على مذهب من يختلس حركة بعض الحروف طلبا للخفة وتسهيلا للفظ ويشبع حركة بعضها ليدل على جواز الوجهين واستعمال اللغتين وأن القراءة سنة تتبع وهو مذهب ابي عمرو بن العلاء من رواية البصريين عنه فلتجعل علامة الحركة المختلسة إن كانت فتحة نقطة فوق الحرف وان كانت كسرة نقطة تحته وإن كانت ضمة نقطة فيه او أمامه ولتجعل علامة الحركة المشبعة إن كانت فتحة الفا مضجعة وقال سيبويه بعض ألف ممالة وإن كانت كسرة ياء مردودة صغرى وإن كانت ضمة واوا صغرى قال سيبويه فأما الذين يشبعون فيمططون وعلامتهما ياء وواو قال أبو عمرو وهذا عند أهل النقط في المختلف فيه من الحركات خاصة دون المتفق عليه منهن فأما الفتحة المختلسة في مذهبه ففي الهاء والخاء من قوله أم من لا يهدي في يونس و هم يخصمون في يس واما الكسرة المختلسة ففي قوله تعالى إلى بارئكم و عند بارئكم وفي قوله أنا أمرنا و أرني حيث وقعا وأما الضمة المختلسة ففي نحو قوله يأمركم و يأمرهم و ما يشعركم و ينصركم وأما الحركة المشبعة في مذهبه ففي ما عدا هؤلاء الكلم نحو قوله يبشرهم و لا يحزنهم و ويحذركم و يسيركم وما أشبه مما تتوالى فيه الحركات