بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ويرى جورج مونان أنَّ الحقل الدلالي هو "مجموعة من الوحدات المعجمية التي تشتمل على مفاهيم تندرج تحت مفهوم عام يحدّد الحقل"(23)، أي إنّه مجموع الكلمات التي تترابط فيما بينها من حيث التقارب الدلالي، ويجمعها مفهوم عام تظلّ متصلة ومقترنة به، ولا تفهم إلاَّ في ضوئه. والحقل الدلالي يتكوّن من مجموعة من المعاني ِأو الكلمات المتقاربة التي تتميّز بوجود عناصر أو ملامح دلالية مشتركة، وبذلك تكتسب الكلمة معناها في علاقاتها بالكلمات الأخرى، لأنَّ الكلمة لا معنى لها بمفردها، بل إنَّ معناها يتحدّد ببحثها مع أقرب الكلمات إليها في إطار مجموعة واحدة(24). وهو ما عبّر عنه فندريس: "قائلاً: إنَّ الذهن يميل دائماً إلى جمع الكلمات، وإلى اكتشاف عرى جديدة تجمع بينها، فالكلمات تتثّبت دائماً بعائلة لغوية"(25). وعلى هذا الأساس فإنَّ الكلمات لا تشكل وحدة مستقلّة، بل إنَّ بعض اللغويين يرفض وينكر أن يتمّ اكتساب اللغة في شكل كلمات مفردة، أو يكون المتكلّم واعياً بالكلمات منعزلة أثناء عملية الكلام(26). وإذا بدا له ذلك في بداية الأمر، فإنَّ الاكتساب يكون انطلاقاً من تركيب مقدّر أو مضمر أو محذوف تفهم ضمنه الكلمة التي يتعلّمها الفرد. وتتّضح الفكرة أكثر حين تعلّم لغة أجنبية، فمهما حفظ المرء من مفرداتها، فإنَّه يظل عاجزاً عن فهم نصوصها ومضمون خطاباتها، مالم يتزوّد بمعرفة نظامها التركيبي والنحوي والصوتي والصرفي والدلالي والأسلوبي. ويستشف من قول فندريس أنَّ جمع الكلمات في مجموعات يعتبر من خصائص العقل الإنساني الذي من طبيعته الميل نحو التصنيف والبحث عن العلاقة التي تكوّن أجزاء هذه المجموعة أو تلك حتى يتسنّى لها فهمها ووضع قوانيها ثمّ الحكم عليها والاستنتاج. ولهذا فإنّ الجزء المعجمي المعبّر عن مجال ما في اللغة ليس نظاماً أو تشكيلاً بسيطاً مكوّناً من وحدات مستقلة، فلو كان كذلك لتمكّن الدارس أو المستعمل للغة أن يفهم هذا الجزء ويصفه في وقت معيّن. وبناءً على هذا الاعتبار اعتمد أصحاب نظرية الحقول الدلالية على الفكرة المنطقية التي ترى أنَّ المعاني لا توجد منعزلة الواحدة تلو الأخرى في الذهن، ولإدراكها لابدّ من ربط كلّ معنى منها بمعنى أو بمعان أخرى، فلفظ إنسان مثلاً يعدّ مطلقاً، وبالتالي لا يمكن أن نعقله إلاَّ بإضافته إلى حيوان، ولفظ رجل لا نعقله إلاَّ بإضافته إلى امرأة، ولفظ حار لا يفهم إلاَّ بمقارنته ببارد وهكذا(27). والكلمات التي تعبّر عن التقديرات التي تمنح في جامعة من الجامعات والصادرة عن التقويم للامتحانات ومناقشة الرسائل الأكاديمية مثل: مشرّف جدّاً، مشرّف، ممتاز، جيّد جداً، جيّد، حسن، مستحسن، متوسط، مقبول، وضعيف، لا يمكن فهم الواحدة منها إلاَّ بالنظر إلى الكلمات التي فوقها أو في مستواها أو دونها، أي من خلال مجموعة الكلمات الأخرى التي تنتمي إليها (28)، والهدف من ذلك هو جمع الكلمات التي يتركب منها الحقل الدلالي ثمّ استخراج العلاقات الرابطة بينها(29). ويصدق ماسبق على الكلمات التي ترتبط دلالتها ضمن مفهوم الحيوانات الأليفة أو المتوحشة أو السكن، أو الألوان أو القرابة أو أي جزء من المادة اللغوية الذي يعبّر عن مجال معيّن من الخبرة والاختصاص(30)، فكلمة "طاولة"التي تعدّ مصطلحاً عامّاً نجد تحتها مجموعة من الكلمات التي لها علاقة فيما بينها كطاولة العمل، طاولة القاعة، طاولة الأكل، طاولة اللوغاريتم، طاولة القانون(31). فكل لغة تضمّ سلسلة أو نسقاً من الكلمات تتّضح اختلافاتها وعلاقاتها بمعرفة خصائصها الدلالية وملامحها المشتركة، ففي الظواهر المرئية مثلاً يلاحظ أنَّ الأطفال يتعلمّون الألوان الأساسيةـ على الأرجح ـ في ردح من الزمن مثل: أحمر، أخضر، أزرق، أصفر، أبيض، وأسود. ومن المؤكّد أنَّه لا يتم إدراك دلالة الأحمر ككلمة تدلّ على اللون ـ وبخاصة بعد استعمالها في الجمل ـ إلاَّ بمعرفة الكلمات التي تشير إلى الألوان المماثلة لها أو التي تقاربها في المعنى مثل: وردي ـ بنفسجي ـ برتقالي ـ وكلمات أخرى تحتوي على هذا المعنى مثل أحمر أرجواني ـ قرميدي وغيرهما(32). ويرى "ليونز" (Lyons)، أنّنا نفهم معنى الكلمة بالنظر إلى محصّلة علاقاتها بالكلمات الأخرى، داخل الحقل المعجمي، ومن ثمّ يهدف تحليل الحقول الدلالية إلى جمع كلّ الكلمات التي تخصّ حقلاً معينّاً، والكشف عن صلة الواحدة منها بالأخرى، وصلتها بالمفهوم العام، وعلى هذا الأساس يكون فهم معنى الكلمة بفهم مجموعة الكلمات ذات الصلة بها دلالياً(33).