أغنية الصياد الصغير نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أغنية الصياد الصغير - نسخه متنی

محمد شاكر السبع

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

التقته ساهرة وسلمت عليه إلى ما فوق
البيوت، إلى ما فوق أكواخ الصيادين ومخزن
الأسماك الكبيرة، إلى ما فوق ورشة
المندائي ونهر الكحلاء، ثم عائدة به إلى
ما بين جذوع النخيل، ومارة به من جانب
الأعذاق المتدلية حيث ما يزال التمر في
طور الجمري.. لم يشعر بانعدام مثل سائر
العشاق الذين يهاجمهم الحب أول مرة، بل
شعر بقوة خارجية تشبه مطرقة هائلة هوت على
رأسه، مطرقة دقته في ركن الزقاق كما لو أنه
كان مسماراً بطول متر ونصف- هو ملوكي نفسه
الجالس الآن على طرف لسان الأرض، مواجهاً
النهر ومولياً ظهره للماجدية، لم يرد أن
يفكر في الأمر، في ذلك الذي جرى له عند ركن
الزقاق عندما التقته ساهرة وسلمت عليه.. لم
يرد أن يفكر لأنه متأكد إنه تلقى ضربة
حقيقية من تلك المطرقة، تماماً مثلما هو
متأكد الآن من أن قبضة يده اليمنى تمسك
بقوة كف يده اليسرى. بدا له وهو تحت ضغط هذا
اليقين، أن رأسه سيتناثر أجزاءً صغيرة
أمامه وخلفه بسبب تلك الضربة. ثم أخذت
الحرارة تشع من جسمه كما لو كان فرناً على
وشك الانفجار هب من جلسته مثل نابض وركض
باتجاه ورشة المندائي. تناول مجذافاً
مستنداً إلى سقيفة الورشة بشكل عمودي،
واندفع هائجاً وماراً بنجرس الواقف إلى
جانب زورق مقلوب من دون أن يحييه أو يتحدث
معه. وبنفس هياجه فك أحد زوارق نجرس من
مربطه، ثم دفعه بقوة في الماء وامتطى
مؤخرته والمجذاف في يده. تمايل الزورق
بعنف ناثراً الماء بعيداً عنه إلى
الجانبين، غير أن ملوكي أعاد إليه توازنه
بساقيه جلس في مؤخرته وبدأ تجذيفه موجهاً
القارب إلى منتصف النهر، ثم عدّل مقدمته
في مواجهة التيار، وأخذ يجذف بسرعة وبقوة،
وظل لفترة طويلة ثابتاً في مكانه. كان
يتقدم بزورقه فوق صفائح المياه المندفعة
نحوه مترين أو ثلاثة، لكن تزاحم وتدافع
صفائح الماء البيض اللامعة وكأنها مرايا
لينة لكنها ذات عزم وقوة تعيد الزورق إلى
الوراء إلى مكانه الذي تقدم منه، كان نجرس
يراقب من مكانه ما يقوم به ملوكي، وأيقن
بعد أقل من عشرة دقائق من المراقبة، أن هذا
الفتى قد أصابه الخبل، وفكر: كيف يقوم بذلك
وهو الذي يعرف كل شيء عن النهر وعن
الزوارق، يصعد التيار في منتصف النهر؟..
رمى مطرقته وإزميله وتقدم نحو الجرف، وصاح
بأعلى صوته:
-أيها المجنون.. ما الذي تقوم به؟
لم يتوقف ملوكي عن التجذيف. بدا وكأنه
يريد أن يستنفد كل قوته بتلك الضربات
السريعة التي تثقب سطح الماء. انتبهت
النسوة اللواتي يغسلن الملابس والأواني
على الجرف، فتركن ما بأيديهن وتابعن ملوكي
وزورقه. انضم إلى النسوة رجال وأطفال وبدأ
الكل يراقب بدهشةٍ صامتة. لم تضعف حركات
مجذافه وإنما ازدادت سرعة وقوة كما لو أن
ذراعيه تسري فيهما قوة تستمدانها من خارج
الجسد الذي تنتميان إليه. كان ملوكي في تلك
اللحظات المتوترة والمشحونة بسخطه،
العاجز هو نفسه عن السيطرة عليه، يرى أن
زورقه يتقدم بإطراء نحو جسر الكحلاء، نحو
الجسر وضد التيار. لكن ما يجري في وسط
النهر وأمام أنظار شهود الشاطئ مختلف
تماماً وغير واقعي تماماً، فالزورق كان
متوقفاً في مكانه وكأن قوة غير مرئية
ثبتته في وجه التيار.
ومن دون سابق إنذار، ضاعف التيار من قوته
وسرعة جريانه، وفي الحقيقة أن ملوكي فقد
قوته وعزمه دفعة واحدة مثل انطفاء مصباح
متوهج فجأة. رأى شهود الشاطئ وكذلك نجرس
ميلان الزورق على جانبه، وهكذا اكتسحه
التيار مائلاً إلى جانبه الأيسر، كما رأوا
انهيار ملوكي ثم سقوطه في قاع الزورق. أخذ
التيار يتلاعب بالزورق فاندفع إلى الأمام
دائراً حول نفسه باتجاه سدة المشروع. أيقن
الرجال والنساء أن ملوكي والزورق
سيتحطمان على ركائز السدة، فارتفع الضجيج
فوق رؤوسهم، ثم تحول إلى وجوم ثقيل حين رأى
ذلك الجمع من الرجال والنساء والأطفال
نجرس وهو يرمي نفسه بملابسه في النهر
ويسبح نحو الزورق الدائر حول نفسه. وصل
إليه بسرعة وتشبث بأحد جانبيه بقوة ثم سحب
نفسه إلى الأعلى خارجاً من الماء. حين جلس
في الزورق لاهثاً ومبللاً بالكامل، لم
يوبخ ملوكي المنبطح على وجهه في قاع
الزورق. كانت إحدى يديه ما زالت ممسكة
بالمجذاف بقوة. خلص نجرس المجذاف من يده،
ووجه الزورق من مقدمته نحو الشاطئ، ثم
قاده بموازاة الجرف عائداً به إلى حيث
الورشة.
حمل ملوكي من قاع الزورق بين يديه ووضعه
فوق حصير القصب أمام سقيفة الورشة. خلال
الخطوات العشر أو أكثر قليلاً التي قطعها
بين الزورق وحصير القصب، لم يفكر نجرس
بتقريع ملوكي على ما قام به، بل فكر بخفة
وزن هذا الفتى.. تساءل: ألا يأكل هذا الجرو
الأسود؟..
جلس على الحصير إلى جانب ملوكي الممدد
عليه - سأله:

/ 56