أغنية الصياد الصغير نسخه متنی

This is a Digital Library

With over 100,000 free electronic resource in Persian, Arabic and English

أغنية الصياد الصغير - نسخه متنی

محمد شاكر السبع

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

-ما الأمر؟
نشج ملوكي باكياً، وتحرك مديراً ظهره
للمندائي.. عاد يسأله:
-هل عملك في تصليح السيارات جعلك تنسى
النهر والقوارب؟.. هل أصبحت حماراً إلى
الحد الذي تصعد فيه نهراً من وسطه؟
وواصل كلامه وهو ينظر إلى النهر:
-ما هو السبب الذي جعلك تفعل ذلك؟.. إلى أين
كنت تريد الذهاب؟
لم يحصل من ملوكي على أي جواب. فكر: لا بد
أن هذا الفتى أوقع نفسه في ورطة أو مشكلة
كبيرة. تذكر أن يستبدل ثيابه المبلولة،
فنهض واتجه إلى ما وراء مخزن الأسماك
تاركاً ملوكي يتقلب بين ألسنة نيران
يجهلها، وما كان سيصدقها أبداً لو تسنى له
معرفتها.
كان ضوء الشفق ما يزال يضيء المدينة حين
عاد نجرس إلى الورشة، كان قد نسي ملوكي
المدد على حصير القصب، ولم يتذكره إلا حين
رآه مرة ثانية. ظن في أول وهلة أنه فارق
الحياة، لكن شخير ملوكي الخافت أبعد هذا
الظن.. تطلع المندائي إلى السماء، إلى
بقايا النهار وضوء الشفق الذي ارتفع عن
الأرض وتعلق بأطراف السماء العليا
البعيدة وعرف أن الغروب سيحط على المدينة
قريباً، وقريباً جداً فكر: أن عفاريت الجن
سينطلقون مع الغروب، ولا يصح لأحد أن ينام
إلى جوار ساحل نهر، من المؤكد أن أحد
العفاريت سيتلبس ملوكي النائم. ولكي يحول
دون وقوع هذا الأمر، اتجه إلى النهر وعاد
بجردل ماء سكبه على ملوكي من رأسه إلى
قدميه. لم ينهض، يعني أنه لم يهب من نومه،
بل تململ على الحصير، فاضطر نجرس أن يسكب
عليه جردلاً آخر. جلس ملوكي وهو غارق بعرقه
وبماء الجردلين. نظر إلى نجرس بسحنة
منقلبة.. قال:
-لماذا؟
-هل أتركك نائماً إلى أن يسقط عليك
الغروب؟
قام ملوكي وسار باتجاه النهر بساقين
مهتزين. تجاوز الجرف حتى وصل الماء إلى
منتصف صدره، فغطس عدة مرات في الماء
الضحضاح لجرف النهر، وكان رأسه فقط فوق
سطح الماء، وسمح للماء أن يدخل في فمه
وعينيه وأذنيه.
جاءه صوت نجرس من فوق أحد القوارب
المقلوبة:
-اخرج، فالظلام سيحط على الدنيا.
خرج من النهر وجلس إلى جانب نجرس. بحث في
جيوبه عن علبة سجائره، غير أنه ألقاها في
النهر:
-ألديك سيجارة يا نجرس؟
ألم تتذكر سجائرك فتخرجها من جيبك قبل أن
تغطس في النهر؟
دخن سيجارة من علبة نجرس، وطلب سيجارة
ثانية لأن الماء الذي كان يسيل من شعره قد
بلل الأولى. سقط ظلام أول المساء سريعاً،
وبدوا لمن يراهما من بعيد شبحين غامضين
يطلقان الدخان، الذي ما زال محتفظاً
ببياضه، من مناخرهما وفميهما.
فجأة وبدون مقدمات، سأل ملوكي
-ماذا تفعل يا نجرس لو شعرت أن امرأة.. فتاة
ضربتك بطابوقة على قمة رأسك؟
أخرج نجرس الدخان المحصور في صدره خيطاً
طويلاً من فمه، وسأل هو الآخر:
-هل ضربتك امرأة بطابوقة يا ملوكي؟
-قلت لو شعرت.
لكن المندائي تذكر صراع ملوكي ضد التيار،
تذكر نشيجه على حصير القصب.. التفت إلى
ملوكي وأمسكه من كتفيه وأداره نحوه:
ـ أصحيح أن امرأة ضربتك بطابوقة على رأسك؟
انتفض ملوكي مخلصاً نفسه من قبضتي نجرس ثم
نهض من مكانه وابتعد عن القارب المقلوب.
وقف والتفت ناحية نجرس... صاح:
ـ لماذا كلما أسألك سؤالاً تردّه إليّ
بسؤال آخر؟..
ثم أعطاه ظهره ليختفي وراء مخزن الأسماك
بملابس نصف جافة. لم يظهر ملوكي لا في
الجوار ولا في شوارع الماجدية إلا بعد
التاسعة مساءً. أحدث ظهوره بلبلة والكثير
من القيل والقال بين ثلة المفوضين الثلاثة
التي بدأت حفلتها الليلية تحت النخلة في
وسط لسان الأرض. مر بهم ببدلته الرمادية
المزرقة المليئة بالأزرار من الأمام
وبالكلمات المكتوبة بحروف إنجليزية في
الصدر والظهر، كانت بدلة من قطعة واحدة،
لا يلبسها إلا في المناسبات المهمة، وكان
قد سرقها من العمال اليوغسلاف خلال بنائهم
جسر مغربة. كانت واسعة جداً قياساً لجسمه
الضئيل، ولم يأخذها لخياط ليجعلها على
مقاسه. لذلك يبدو حين يلبسها وكأنه يسبح في
داخلها، وهكذا مر سابحاً بين الأزرار
والكلمات الإنجليزية بالمفوضين الثلاثة،
وبعلوكي وعلي بن وحيد بائع الأقمشة في
الظاهر وعتاد البنادق والمسدسات وقنابل
أعماق المياه في الباطن، وبعلي بن موسى
بائع النفط بعربة كبيرة يجرها حصان... مر
بهم حاملاً بإحدى يديه علبة كيكوز معدنية
مليئة بماء مثلج، من دون أن يحييهم، وحتى
من دون أن يلقي عليهم نظرة. شعر الجميع

/ 56