أغنية الصياد الصغير نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أغنية الصياد الصغير - نسخه متنی

محمد شاكر السبع

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

إياها على أعلى بطنها فنفر نهداها متكورين
إلى الأمام...هي نفسها التي سلمت عليه أمس،
وهي نفسها التي قذفت به من فوق الجرف
العالي إلى الصخور الخرسانية قبل اثنتي
عشرة سنة، وهي نفسها التي قفزت وراءه
وخنقته مهددة إياه بالموت إذا ما ذكر إنها
هي مَنْ قذفته. ارتجف أمامها مثل محموم،
ونز العرق من جميع مسامات جسده. توقع أنه
سيغمى عليه إذا ما ظلت واقفة أمامه وقتاً
أطول:
ـ مابك ملوكي؟... هل أنت مريض؟
أفاق ملوكي وهمهم:
ـ لا... كنت أسير مسرعاً.
لكن الأنثى داخل ساهرة رسمت ابتسامة
ماكرة في الوجه الجميل. التقط ملوكي
الابتسامة، كما التقط ثوب ساهرة البيتي،
كان أبيض تنقطه دوائر حمر صغيرة، وظل هذا
الثوب حتى آخر لحظة في حياته الذكرى
الأكثر حميمية إلى قلبه وعينيه. في تلك
اللحظة من ذلك الغروب الكئيب اكتشف مايدور
في قلبه، ذلك القلب الذي خانه تاركاً إياه
ليتعلق بفتاة سببت له أقسى الآلام طوال
شهور، عندما صنعت له حدبة في أعلى ظهره...
قالت ساهرة متغنجة بصوتها:
ـ ألا تساعدني..
وأشارت بعينيها إشارة ساحرة إلى الرقية.
سار معها حاملاً الرقية والعرق ما يزال
ينضح من وجهه بغزارة. كاد يطير في الهواء
عندما تدفق عطرها في خياشيمه بعد عدة
خطوات، وعرف أنه سيقف عاجلاً أم آجلاً
أمام باب الموت بسبب قلبه الخائن. غير أنه
وقف أمام بيت الصياد الأعرج. وقف هو في
الخارج ووقفت ساهرة في الداخل وعتبة الباب
الخشبية تقف بينهما. مدت يديها لتتناول منه
الرقية، لكنه ظل جامداً كما لو أن تلك
الصعقة الكهربائية أعادت الكرة عليه. طفت
ابتسامة الأنثى للمرة الثانية في الوجه
الجميل:
ـ ماذا يا ملوكي؟
شحب وجه ملوكي ليس بسبب السؤال، وإنما
انتبه لأم ساهرة التي قدمت من فناء البيت
إلى المجاز. وقفت إلى جانب ابنتها وناظرة
إلى ملوكي بمزيج من الفضول والشك. سألت
ابنتها من دون أن تحيد بنظرها عن ملوكي:
ـ مَنْ يكون هذا الفتى؟..
أجابت الابنة:
ـ ألم تعرفيه؟... إنه ملوكي...
ـ ملوكي ابن أخ جحيل؟
ـ نعم..
اختفت النظرة المريبة من عيني الأم،
وقالت بلهجة مليئة بالحنان:
ـ ملوكي الصغير أصبح رجلاً ‎... لماذا لا
تدخل؟
شكر ملوكي الأم بهمهمة غير مفهومة أو
واضحة، ثم ناول الرقية إلى ساهرة وودع
الأم والابنة بنفس الهمهمة السابقة. ظلت
الأم والابنة تراقبان ملوكي وهو يختفي
وراء منعطف الزقاق. سألت الأم:
ـ لماذا يلبس هذه البدلة التي يبدو فيها
وكأنه مجنون؟..
رنت ضحكة ساهرة في المجاز.. أجابت:
ـ ملوكي مجنون منذ أن كان صغيراً..
لم يخدم الحظ ملوكي حتى يسمع مثل هذا
الكلام، لا الآن ولا حتى في آخر لحظة من
حياته. غير أنه عرف مثلما يعرف الرضيع
الطريق إلى ثدي أمه، أن قلبه تعلق بابنة
الصياد الأعرج. ولا يهمه الآن إن كانت قد
أساءت له أم لا عندما صنعت له حدبة في
الصغر، حاول مثلما حاول في الأمس أن يفكر
بهدوء وهو جالس على مؤخرة قارب يؤرجحه
تيار النهر في الجرف.
لكن الثوب الأبيض المنقط بدوائر حمر يدس
نفسه بين فترة وأخرى ليربك تفكيره. مع ذلك،
توصل إلى قناعة غير مبررة، يعني أنه لا
يملك الأسباب الحقيقية لقناعته تلك، وهي
أنه غير مرفوض من ساهرة. أو أن ساهرة لن
تغلق الأبواب والشبابيك أمام حبه، لأنها
هي التي فتحت تلك الأبواب والشبابيك على
وسعها بابتسامتها وأسئلتها عن صحته،
وابتلع ملوكي الحب مثلما ابتلع كؤوس العرق
المترعة حتى قاعها. فكر بصفاء، وذلك يعني
أنه فكر من دون أن يحشر ذلك الثوب الأبيض
المنقط بدوائر حمر نفسه محدثاً الإرباك في
تفكيره، أن ساهرة لا تعدو أن تكون الجزاء
أو الجائزة أو العزاء، لا فرق، عن
الإحباطات التي وسمت حياته، والتي وقفت
حائلاً أمام طموحه ليكون رجلاً يُشار له
بالأيدي.
اكتشف أن الظلام يحيطه من كل جانب. هرول
إلى جورج منصور وعاد بربع زجاجة وثلاثة
أكياس من النايلون. غاص في ظلمة الأكواخ
وراء مخزن الأسماك، وكر راجعاً إلى لسان
الأرض مضيفاً إلى حمله علبة كيكوز مليئة
بالماء المثلج. مر بجماعة ليلة الأمس من
دون أن يحييهم، وتوغل في اللسان حتى طرفه.
هناك على الأرض الخشنة تحت النخلة
السامقة، بسط مؤونته وجلس مريحاً حدبته
على جذع النخلة غير المستوي. شرب كأسه
الأولى مثلما شربها ليلة أمس، يعني أنه
ملأها إلى الحافة وكرعها دفعة واحدة حتى

/ 56