أغنية الصياد الصغير نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أغنية الصياد الصغير - نسخه متنی

محمد شاكر السبع

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

قاعها. بدا ملوكي لمن يراقبه عن كثب أنه لم
يتعلم أية خبرة من حفلة ليلة أمس، بل ظل
غريراً يشرب العرق مثلما يشرب الحليب أو
الماء، كانت جماعة المفوضين تراقبه منذ حل
على لسان الأرض، وتراقب طريقة شربه،
واتفقوا على إنها طريقة بائسة لا تليق
بشارب خمرة حتى ولو كان مبتدئاً. تابعوا
شربه للكأس ثانية؛ فقال المفوض عدنان
بامتعاض:
ـ هذا انتحار... هل نضعه في الحبس؟
سأل علوكي:
ـ ماذا فعل؟..
ـ لم يفعل شيئاً، ولكننا سننقده من هذا
الشراب القاتل.
قال المفوض جعفر:
ـ لم يشرب سابقاً... إنه يجهل طريقة الشرب.
قطع حديثهم صوت مخشخش. صوت ارتفع من ناحية
طرف لسان الأرض، مطلقاً آهات ضخمة
متتابعة. انصتوا للصوت المتقطع، المتفجر
والمنبعث من باطن أنبوب معدني ضخم، كما
تصور جماعة المفوضين. كان أكثرهم إنصاتاً
هو علوكي المغني ذو الوجه الجميل. حين
تفجرت القعقعة فوق النهر قال علوكي
متنهداً:
ـ أية أغنية هذه؟
فأجاب عدنان:
ـ إنها أغنية الصياد الصغير..
ـ ماذا يقول فيها؟
قال عدنان:
ـ الله وحده يعلم ماذا يقول فيها.
فجأة، توقف الضجيج المعدني القادم من طرف
لسان الأرض. توقف كما لو أن شخصاً ما قرر أن
يختفي الصوت الشارخ للأذان فحشر قطعة
كبيرة من الفلين في فم ملوكي. وملوكي نفسه
لم يتوقف عن غنائه المبهم لأن الكلمات
كانت تعوزه، فهو قادر على أن يحشر حتى
الفئران والقطط والكلاب في أغنيته، لكنه
توقف حين صعدت أبخرة العرق إلى رأسه
وهاجمت مافي داخل ذلك الرأس بضراوة، وحين
ثمل تذكر أين دفن زجاجة الأمس والكأس،
تذكر المكان بالضبط فتوقف عن الغناء، مع
ذلك، لم يسرع إلى نبش الأرض والإتيان بها،
فربع الزجاجة أمامه ما يزال فيه الكثير.
ابتلع الكأس الثالثة بنفس الطريقة التي
اعتبرها مثالية لمن ينشد الثمالة.ثم أخذت
أبخرة العرق تهبط من رأسه لتحاصر قلبه
المثقل والمملوء بعاطفة جديدة لم يسبق له
أن أحس بها. تيقن وهو تحت طائلة الثمالة
أنه عاشق، عاشق، ومعشوق أيضاً حينما
استرجع كلمات وابتسامات ساهرة. قرر أمام
يقينه هذا أن يسلك كل دروب الحب التي
ستنفتح أمامه، وكذلك سيطرق كل دروب الحب
التي ستنغلق أمامه، فهذا هو مصير العاشق
الذي ينبغي عليه، هو ملوكي، أن يحمل
أعباءه وأن يتقبل نتائجه برضى تام كنوع من
القضاء والقدر. آمن ملوكي أن هذا الحب لم
تسقطه ساهرة في قلبه، إنما هو القدر، قدره
هو، إذ قُدر عليه وهو في بطن أمه أن يعيش
سعيداً بقدره، وذلك يعني بلغة ملوكي: حبه.
هكذا نسي المطرقة التي هوت على قمة رأسه،
ونسي أيضاً الشرارة الكهربائية التي
صعقته عصر هذا اليوم، وانطلق محلقاً في
الظلام الخفيف الراكد فوق النهر، انطلق لا
كما تفعل العصافير بطيرانها السريع، بل
مثلما تفعل الصقور في أعالي السماء، تدور
ببطءٍ فاردة جناحيها من دون حركة أو رفيف
لتوحي بالإجلال.
عند هذا الحد، أنهك ملوكي قلبه بتبعات
العشق، وعقله بتفكير بدأ منذ كأسه الأولى..
وللمرة الأولى يداهمه إحساس بالسعادة، لم
يقدم من الخارج، إنما انبثق مثل صاروخ من
مكان ما من داخل جسده، فارتفعت أغنية
الصياد الصغيرة لتداهم أول مَنْ تداهم
مجموعة المفوضين التي تضخمت كثيراً فباتت
حلقة واسعة من الشبان الذين أتوا إلى هذا
المكان للمرة الأولى. جاؤوا جالبين معهم
زجاجات البيرة والعرق والفواكه
والبقوليات، وآملين أن يحصلوا من
المفوضين الثلاثة خلال أبخرة العرق على
تفاصيل أو إجراءات اتخذت في السر تجاه
وهابي، من أجل أن ينشروها في شوارع وبيوت
الماجدية، متخذين سمة المطلعين على بواطن
الأمور، وبخاصة تلك التي تجري في دواوين
الحكومة. كان المفوضون الثلاثة، وفي واقع
الحال، المفوضون عدنان وجعفر، إذ أن
المفوض وليد يقوم بواجبه الليلي كمفوض
خافر في المركز، يعرفان نوايا القادمين
والمشاركين لهما في حفلتهما في وسط لسان
الأرض. ولأن الحال في وضعه العام لا يخصهما
قدر ما يخص أعمال الدولة، فقد تمترسا وراء
درع سميك من الصمت حول مصير وهابي. بعد
منتصف الليل بدأ القادمون الفضوليون
بالانسحاب حاملين أسفهم وقنوطهم وتاركين
وراءهم الزجاجات فارغة.
كان جلاس حفلات المفوضين الثلاثة علوكي
وعلي بن موسى وعلي بن وحيد وعلي بن حسين لا
يهمهم إلى أي مكان سيصل مصير وهابي، وماذا
يمكن أن يفعله أو ما متوقع أن يقوم به آل
وهابي ضد المفوضين الثلاثة. كان يهمهم أن
ينتظموا في تلك الدائرة اليومية المعتادة

/ 56