بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
والكؤوس في أيديهم، يستمعون أو يروون النكات والمقالب التي جرت خلال هذا اليوم في الماجدية. يذكرون مَنْ تزوج ومَنْ مات على سرير المرض ومَنْ مات ملفوفاً بعلم الوطن.تيقنوا تماماً أن وهابي أفسد حفلة ليلتهم هذه بسيارته المهربة وهجومه على الحكومة، مع ذلك، واصلوا قرع كؤوسهم بعد رحيل الفضوليين، محاولين إعادة الحفلة لتسير في طريقها الاعتيادي الذي يعرفونه جيداً والذي تعودوا عليه منذ أول ليلة شهد لسان الأرض فيها قنانيهم وكؤوسهم وجمرات سجائرهم المتوهجة بين أصابع أيديهم. انسل علي بن موسى من الحلقة هابطاً لسان الأرض إلى الساحل ليفرغ مثانته، خلال عودته نظر إلى طرف اللسان وتساءل: ـ هل فر ملوكي؟.. الآن، في هذه اللحظة فقط، تذكروا ملوكي. التفتوا إلى طرف اللسان ثم إلى بعضهم، واستولى عليهم ما يشبه الذهول. قال علي بن حسين: ـ أنا جالس على الحافة المقابلة للحافة التي تجلس عليها يا عدنان، لو مر من هنا فإنه سيحتك بي... أنا لم أره يمر. قال المفوض جعفر: ـ إذن، سقط على الجرف. هبط الجميع على الجرف تحت لسان الأرض المرتفع. داروا حول اللسان وخوضوا حتى منتصف سيقانهم في مياه الساحل، ولم يعثروا على ملوكي. عادوا إلى مكانهم، لكن علوكي استمر في سيره نحو نهاية اللسان. بحث في المكان الذي كان يجلس فيه ملوكي. لم يعثر على زجاجة أو قدح. انضم إلى رفاقه وهو يقول: ـ مر بنا من دون أن نراه... لم يترك قدحه وراءه.. سأل عدنان : ـ كيف حدث هذا؟... أعني كيف مر بنا من دون أن نراه؟ قال جعفر: ـ أشياء غريبة طرأت على هذا الأحدب الأسود. قال عدنان: ـ يجب أن نحذر منه. لكن علوكي قال ضاحكاً: ـ هذا الصياد الصغير وجد أغنيته أخيراً.. ـ 5 ـ في ضحى اليوم الثالث لمأتم ملوكي، وهو اليوم الأخير لمجلس الفاتحة كما هو مفترض، وضع المفوضون الثلاثة سبعين ديناراً في يد جحيل، أربد وجه الرجل وهو يرى دفاتر المفوضين الثلاثة تكاد تمتلئ بأسماء المتبرعين بالمال وبأسماء المتبرعين بأكياس الرز والطحين وصفائح الزيت النباتي والخراف الحية والمذبوحة. فكر: كيف أفي كل هؤلاء في مصائبهم؟... تحرك ألم من أسفل بطنه وصعد إلى منتصف صدره حين لمح ثلاث صوانٍ كبيرة تخرج من بيت المفوض وليد، وتتجه نحو السرادق، قام حاملوها الفتيان بوضعها في أماكن متباعدة في وسط السرادق. حوت تلك الصواني صحوناً كبيرة مليئة بأفخاذ الدجاج وصدورها المقلية بالزيت، وتوزعت على حواف الصواني أرغفة كثيرة من الخبز. قدّر جحيل أنهم قلوا أكثر من عشرين دجاجة. أوقف تفكيره عند هذا الحدّ. لأنّه لا يعرف أين ستنتهي هذه الأمور، وكان واثقاً من ذلك تماماً، مثلما كان واثقاً أن هذا يحدث أول مرة في مجلس فاتحة ملوكي، فهو يعرف مثلما يعرف كل القاطنين في الماجدية، أن الطعام لا يقدم إلا في مساء اليوم الثالث، وهذا يعني أن مجلس الفاتحة يُختم بوجبة عشاء.. نهض المفوض جعفر واتجه إلى صواني الأكل، وعاد بصحن مليء بالدجاج ورغيفي خبز وضعهما أما جحيل. خاطبه وليد حين رأى تردده: ـ أكل هذا الطعام ثواب... ثواب لملوكي... قال جحيل: ـ أشبعتم ملوكي ثواباً أمس وأول أمس.. قال المفوض عدنان: ـ سنغرق روح ملوكي بالثواب.. سنخنقها بالثواب يا جحيل.. نظر وليد وجعفر إليه بذهول ساخط. فَهَمَ أنه ليس من الكياسة التهكم أو السخرية من ملوكي وروحه ما تزال تجلس الآن منزوية في مكان ما من السرادق. غطى وليد على تهور عدنان حين خاطب الجالسين في السرادق: ـ تفضلوا إلى الأكل... مَنْ كان جائعاً ليتفضل، فتناوله واجب لأن فيه ثواباً. وأضاف عدنان محاولاً التكفير عن خطئه: ـ هذا طعام أبناء السبيل ، فتفضلوا يرحمكم الله. لم يكن الجالسون في السرادق بحاجة إلى كل هذا الكلام، فهم تابعوا صواني الدجاج منذ دخلت وتوزعت على أرض السرادق. تابعوها وانغرزت أبصارهم في لحم الصدور والأفخاذ المحمر والملتمع بالزيت الذي ما يزال يسيل منه، وعلى الرغم من أن الوقت ما زال مبكراً من الصباح، فإن السرادق مكتظ بالناس، وكان معظمهم من الجنود القادمين من الجبهة، ومن الجنود الذين سيذهبون إلى الجبهة. شارك أولاد جحيل التسعة في تناول طعام أبناء