الوجه الأوّل
إنّ سياق الآيات المحيطة بهذه الآية سياق ذمّ وتنديد ، وسياق إنذار وتهديد ، فإنّ الله سبحانه يبدأ كلامه العزيز بقوله : ( أفرأيت الذي تَولّى وأعْطى قَليلا وأكدى أعِندَهُ عِلمُ الغَيبِ فَهوَ يَرى أمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما في صُحُفِ مُوسى وإبراهيمَ الَّذِي وَفّى ألاّ تَزِرُ وازِرةٌ وِزرَأُخرى وأنْ لَيسَ للإنسانِ إلاّ ماسَعى وأنَّ سَعيَهُ سَوفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الجزاءَ الأوْفى وأنَّ إلى رَبِّكَ المُنتهى )(1) .فإنّك ترى أنّ الآيات الحاضرة مثل سبيكة واحدة صيغت لغرض الإنذار والتهديد ، خصوصاً قوله : ( وأنْ ليسَ للإنسان إلاّ ماسَعى ) فإنّ هذه الآية وقعت بين آيتين صريحتين في التهديد المتقدمة قوله : ( ألاّ تَزرُ وازرةٌ وِزرَ أُخرى ) والمتأخّرة قوله :( وأَنّ سعيهُ سوفَ يُرى ) ثم قوله : ( وأنّ إلى ربِّكَ المُنتهى ) .فإنّ كلّ ذلك يعطي أنّ موضوع هذه الآية والآيات السابقة واللاحقة هو العقاب لا الثواب ، والسيئة لا الحسنة ، فالآية تصرّح بأنّ كل إنسان يحمل وزر نفسه ويعاقب بالعمل السيّئ الذي سعى فيه ، وأمّا العمل السيّئ الذي اقترفه الغير ولم يكن للإنسان سعي فيه فلا يؤخذ به ولا يعاقب عليه .وعلى ذلك فاللام في قوله : «للإنسان» ليس للانتفاع بل اللام لبيان الاستحقاق ، وهو أحد معانيها(2) مثل قوله : ( وَيلٌ لِلمُطفّفينَ )(3) وقوله : ( لَهُمْ في(1) النجم : 33 ـ 42 .(2) قال ابن هشام في مغني اللبيب 1 : 208 وللاّم الجارة اثنان وعشرون معنى ، أحدها : الاستحقاق ، وهي الواقعة بين معنى وذات . . مثل: ( لهم في الدنيا خزي ) .(3) المطففين : 1 .