بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
فقد كنت أضغط على نفسي للبقاء في مسجد السهلة، أو مسجد الكوفة طول الليل ساهراً جائعاً، والمواظبة على الذكر والصلاة والعبادة.وهناك في جوف الليل المظلم الذي تنعكس فيه روحانية نفسيّة ـ تدرك ولا توصف ـ تتقوّى ملكة الزهد في الإنسان، فيرى الحياة لهواً ولعباً (22)، رؤية حسية لا رؤية فكرية.فإنه وإن كان من الجرأة أن أقول ذقت حلاوة العبادة هناك، لكن قد لا يكون من الجرأة أن أقول: أدركت هناك بعض حلاوة المعنويات، إذ في باطن الإنسان حسٌ يحسّ بشيء غير المادّة، وله لذّة لا تقايس بلذّة المادّة، وقد شعرت هناك مرّات ومرّات أني محروم من هذا الحس، وأنّ تحصيله من الصعوبة بمكان، وقد أدركت معنى قول(سعدي)(23) في أبياته الطريفة:
اكر لذ ّت تـــــرك لذ ّت بـدانىاكر بـاز شد يك در آسمانياكر بـاز شد يك در آسماني
دكَر لذ ّت دهر لذّت نخواني هزاران در از خلق برخود ببندياكر بـاز شد يك در آسماني
ومضمونها: (إذا كنت تشعر وتعلم بطعم ترك اللذّة.. عندها لا تعد لذ ّة الدهر لذ ّة.. توصد على نفسك آلافاً من أبواب الناس، إذا ما فتح لك رب العالمين بابا من السماء).وإني إلى الآن أغبط نفسي على تلك الحالة التي كانت حالة مثالية.أما الوصول إلى ما وصل إليه الزهّاد فكان بيني وبينه ـ بَعدُ ـ مراحل.
الزهد سعادة الدارين
لكني مع ذلك كله، وأكثر من ذلك ممّا أصرف عنان الكلام عنه، لم أتمكن(24) من( الزهد) الذي كنت والى الآن أرغب فيه، لعلمي أن فيه: خير الدنيا.. وذلك بإسعاد الروح وحصولها على اللذّة المعنوية، التي هي أفضل من لذّة الجسم المادّية ألف ألف مرّة.وخير الآخرة.. فإنّ الآخرة هي الأمر الذي يلزم على العاقل أن يتطلبه ويسعى لنيله بكل ثمن، فإن الحياة الدنيا ليست إلاّ دار غرور(25)، وما هي إلاّ جيفة وطلابها كلاب، كما في الحديث الشريف(26)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أقبلوا على جيفة قد أفتضحوا بأكلها واصطلحوا على حبها»(27).
تحصيل الدارين في الزهد
وهناك من ينبري ليقول: إنّ اللازم أن نتكلم عن الحياة، فإنّ تأخر المسلمين سببه هو تأخرهم عن ركب الحياة، فكيف تتكلّم عن الموت؟ والجواب: إنّا نتكلّم عن الحياة في النشأتين: قال الله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم)(28).وقال تعالى: (وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون)(29).