الشمس المضيئة للعالم".
مع هذا كلّه، فما هو المقام الذي تحدّث
عنه (قدس سره) معرباً من خلاله عن صميم
نظرته الإلهية لهم وكاشفاً النقاب عن أمور
جهلها الكثيرون من أهل الزمان. بالإمكان
إيجازها على الشكل التالي:
1ـ ظاهرهم الولاية وباطنهم النبوة:
فقد جاء في مقدمة شرحه لدعاء السحر ما هو
صريح في هذا المعنى لا يقبل التأويل، حيث
قال (قدس سره):
"مفتاح الدائرة ومختمها، ومؤخر السلسلة
ومقدمها، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
المصطفين من الله، الذين بهم فتح الله
وبمعرفتهم عرف الله، الأسباب المتصلة بين
سماء الإلهية وأراضي الخلقية، الظاهر
فيهم الولاية، والباطن فيهم النبوة
والرسالة، الهادين بالهداية التكوينية
سراً والتشريعية جهراً، الآيات التامات،
الأنوار الباهرات".
2ـ عندهم روح القدس:
أثناء حديثه عن نورانيتهم (عليهم السلام)التي يفتقر إدراكها من الإنسان إلى
نورانية باطنية، ينتهي (قدس سره) إلى شرح
مقام روح القدس الذي هو عبارة عن المكانة
والقدرة والإحاطة التي لم يصل إليها أقرب
المقربين من ملائكة الله تعالى كجبرائيل
(عليه السلام).
يقول (قدس سره): "إن لهم مقاماً شامخاً من
الروحانية يدعي بـ(روح القدس)، من خلاله
يتمتعون بالاحاطة القيّومية لجميع
الكائنات حتى ذراتها الصغيرة جداً، ولا
توجد فيها الغفلة والنوم والسهولة
والنسيان وكافة الحوادث والتغيرات
والنقائص الملكية، بل تكون من عالم الغيب
المجرد، والجبروت الأعظم.. إن تلك الروح
المجرّدة الكاملة، أعظم من جبرائيل
وميكائيل (عليهما السلام) رغم أنهم أعظم
القاطنين في مقام قرب الجبروت".
3ـ شركاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
في مقامه:
يقول (قدس سره): "يستفاد من الأحاديثالشريفة أنهم (صلوات الله عليهم) يشاركون
الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)
في مقام الروحانية، وأن أنوارهم المطهرة
كانت تسبّح وتقدس للذات المتعال قبل خلق
العالم".
جاء في الحديث عن المفضّل أنه قال: "قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف كنتم حيث
كنتم في الأظلة؟ فقال: يا مفضل، كنا عند
ربنا، ليس عنده أحد غيرنا في ظلة خضراء،
نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده، وما من ملك
مقرب ولا ذي روح غيرنا حتى بدا له في خلق
الأشياء فخلق ما شاء من الملائكة وغيرهم
ثم أنهى علم ذلك إلينا".
ويقول (قدس سره): "وهم عليهم السلام من جهة
الولاية متحدون، أولنا محمد أوسطنا محمد
آخرنا محمد كلنا نور واحد".
4ـ لديهم الاسم الأعظم:
يقول (قدس سره): "إن الأحاديث المنقولة فيطينة أبدانهم وخلق أرواحهم ونفوسهم وفيما
منحوا من الاسم الأعظم والعلوم الغيبية
الإلهية من علوم الأنبياء والملائكة،
ومما هو أعظم مما لا يخطر على بال أحد".
ويؤكد على ثبوت ذلك لهم (عليهم السلام) في
موضع آخر من كلامه أثناء الحديث عن الاسم
الأعظم في مقام الألوهية وتجلّيه ضمن شرح
دعاء السحر، قائلاً: "لا يتجلى هذا الاسم
بحسب الحقيقة تاماً إلا لنفسه ولمن ارتضى
من عباده وهو مظهره التام، أي صورة الحقيقة
الإنسانية التي هي صورة جميع العوالم وهي
مربوب هذا الاسم، وليس في النوع الإنساني
أحد يتجلى له هذا الاسم على ما هو عليه إلا
الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وأوليائه
الذين يتحدون معه في الروحانية، وذلك هو
الغيب الذي استثنى منه من ارتضى من عباده.
وفي رواية الكافي: والله لمحمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) ممن ارتضى من عباده".
مقاماتهم (عليه السلام) من أصول المذهب:
هناك أمران يشدّد الإمام (قدس سره) على
معرفتها والتمسك بهما حول رؤيته لأهل بيت
العصمة (عليه السلام) بحيث ان إنكارهما
يؤدي إلى خللٍ عقيدي والانحراف عن الأصول
أو الضروريات التي تؤدي إلى الانخراط في
زمرة الضالين عن طريق الهداية والاستقامة
والثبات:
الأمر الأول: أنه لا يصل أحد إلى المراتب
المعنوي التي وصل إليها أئمتنا الأبرار
(صلوات الله عليهم)، حيث لا يمكن ذلك لأي
كان سواء كان نبياً مرسلاً (باستثناء خاتم
الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) أو
ملكاً مقرباً، ويعتبر (قدس سره) أن هذا
الأمر من ضروريّات المذهب.
يقول (قدس سره): "وإن من ضروريات مذهبنا أن
لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي
مرسل، وبموجب ما لدينا من الروايات
والأحاديث فإن الرسول الأكرم (صلى الله
عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)
كانوا قبل هذا العالم أنواراً فجعلهم
بعرشه محدقين وجعل لهم من المنزلة والزلفى