بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الإبداع، الكتابة هي المرجعية العميقة. أما الجنس أو الأجناس الأدبية فهي أطر ظاهرة ومرجعيات برانية لما يجري في العمق من صراع بين الخبرة الإنسانية والقلم، بين اختلاج القلم والنفس ونبض الحرف. فقلت: أعرفك على نفسي يا سيدتي. أنا المؤلف والرواية والبطل في آن معاً. أنا الرواية، أروي لك في سفر هذه الرحلة من أوراق حياة البطل "عارف" وكل ما يتصل بها. والحقيقة التي ستخرجين بها بعد أن تقرئي هذه الرواية هي أن "عارف" هو الرواية وأنا البطل!! فبالرغم من أنني أحس بالراحة حين أتكلم عنه وأروي أحداثه بالضمير الغائب إلا أنني حين شرعت في كتابة هذه السيرة الرواية، أو الرواية السيرة كنت أرويها بالضمير المتكلم. ومن بعد تبين لي أن الذي يروى يتميز عمن يروي عنه أو حوله فالتفت من الضمير المتكلم إلى الضمير الغائب. واتضحت لي ثنائية الراوي والبطل، ومن ورائهما المؤلف. ثم حين أوغلت في الرواية تبين لي أن الراوي والبطل يتبادلان المواقع. فيصبح الراوي بطلاً، والبطل راوية. والتميز الفذّ الذي يتميز به الراوي بداءة، هو أنه يتسع لكل الشخصيات الأخرى وينوي عليها، فـ "عارف" بالرغم من حلوله محل الراوي أحياناً، إلا أنه يعيش في الذاكرة وغياهب الماضي، لكنه يتوسّل الراوية ليولد في الحاضر. ويصير احتمال وجوده في المستقبل ممكناً. أمّا الراوي فهو ابن الآن والحاضر يتشبث بـ "عارف" والآخرين ويتقمصهم. فقالت السيدة: تعني أن عارفاً كالأسد الذي هو في الحقيقة مجموعة خراف مهضومة كما يقول الشاعر الفرنسي بول فاليري. لذلك لا تعجبي إن تناوبت الضمائر في هذا العمل أو تداخلت. الأنا تتكلم عن الهو، والنحن. وكثيراً ما تقفز من محطاتها هذه الضمائر لتحتل مكان الضمير الآخر وهويته من تفاعل الذاكرة والوجدان الحي الذي يعيدها صيرورة تطمح أن توحد الزمن الماضي والحاضر والمستقبل في تيار واحد في الولادة المتجددة التي لا تتأثر بقانون التعاقب. فالزمن بفعل التجربة الإنسانية يصبح وحدة نفسية لا تباعد بين حاضره وماضيه، ولا تفرق اليوم عن الغد أوراق التقويم وتعدادها. فأسرعت السيدة تقول: حين تصبح الذاكرة وجداناً حياً تأخذ مكان الدليل من خلال المعاناة الإنسانية التي تصبح ملكاً للبشرية في كل زمن. ـ كنت منذ البدء أزمع أن اكتب رواية تستجمع أطراف سيرتي الذاتية من مجمل أطرافها. فتقول: لكنك التصقت بالرواية في السطح، أما في العمق فتعبر عن سيرتك الذاتية. فتقنعت أحياناً بالراوي، لكنك كثيراً ما خلعت الأقنعة. فقلت: وخرجت إلى السيرة الذاتية الصريحة. فما أرويه هو في العمق سيرة ذاتية. فقالت: لكنها رواية حقاً بكل ما تعنيه الكلمة!. فقلت: ولم لا فلتكن رواية وكل من أجزاء هذه الرواية يمكن في التلقي أن يستقل عن الآخر، ولكنه متصّل به غير منفصل. ويمكن أن يكون كل منها الأول ويتراتب الجزءان الآخران معه في السياق. وحين كنت أنا المؤلف صاحب المعاناة والمخيلة واللغة، فليس للراوي ما لي أنا المؤلف من ميزات، فبالرغم من أنه يقف بيني وبين البطل إلا أنهما والأبطال جميعاً تناسلوا من شق قصبتي وخرجوا من ثوبي وأخذوا يملئون الورق بنبر الكلام، برئة تتنفس في جسد من لحم ودم. كانوا فصاروا. فتدخّلت السيدة: وسيصيرون في الغد حينما توقظهم من سبات الورق عيوناً نهمة. وأضافت سيدة الفتنازيا: من هو أبو نمر حقيقة، ولماذا يخبئونه في بئر رطبة حتى الموت؟! في بئر لا يشربون منها كأنما هي للصدأ والعفن لا للخصب واجتراح المواسم. ومن هو النمر يا "عارف"؟ هل أنت هو؟! لكن البئر التي تقبع فيها هي غير البئر التي يقبع فيها أبوك. إنها من حَفْرِكَ. حفرتها أنت ووقعت فيها. أخرج منها يا "عارف" وتذكر المصطفى الذي كنت. اصعد إلى الجبل مرة أخرى واشرب من بئر الحياة لا من بئر الموت. في "الشيخ ومغارة الدّم" لم تشعل شموعاً ولم ترسم أهلة تهدرت كالسيل. فلماذا ترسم الأهلة في "الأيام الأولى" و"النمر والبئر" وتخرج كما الهلال الوديع من ظلمة المحاق يكبر وينمو حتى يصير بدراً كاملاً بعد أربع عشرة دورة. هل هو طقس الكتابة أم فناء الجسد ليخرج منه جسد آخر. الموضوع استغرقك في "النمر والبئر" فلماذا لا تتوغل في الذات أيها العارف الذي خرج من ثوب المصطفى؟. ـ إذن يا سيدتي بدلاً من أن تحلليني وتشرحيني دون أن يكون لديك البلسم الذي