بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
هذا النظام هو عرف اجتماعي ونفسي ومزاجي مهما كانت المجتمعات والنفوس والأمزجة متباينة ومختلفة. إنه أشبه بعقد، كعقد جان جاك روسو. وحتى الشاعر المناهض للزفاف سوف ينخرط في تيار النظام الأدبي فينظم وفق متطلباته. لسنا بصدد عرض نظرية النقد الأسطوري في النظام الأدبي ودراسة فروع الأدب المختلفة ومدى خضوعها لهذا النظام، ولكننا نشير إلى قانون عام وشامل وهو تقصي الظاهرة الأدبية من خلال نسقها الخاص القائم على نظام خاص. وهذا النظام الخاص لأي ظاهرة لم يهبط من السماء، بل ظهر من الوجود البشري ذاته. فلو أخذنا أي لعبة رياضية كالملاكمة والمصارعة ورمي القرص وقذف السهم.. لوجدنا أنها تخضع لنظام. صحيح أن هذا النظام ظهر من المجتمع، ولكنه لا يتأثر بظروف المجتمع وتقلباته. فالألعاب الأولمبية بدأت بداية عشوائية في أول الأمر، ولكن مع الزمن ترسخ نظامها في القرن الثامن قبل الميلاد، ومنعتها الامبراطورية الرومانية في القرن الرابع بعد الميلاد نزولاً عند رغبة المسيحيين المتشددين. وعندما بعثت في أواخر القرن التاسع عشر حافظت على نظامها وما تزال حتى اليوم. ولا شك أننا نعتبر الألعاب الأولمبية الآن ألعاباً حديثة، لا بمعنى أننا وضعنا لها نظاماً مغايراً، وإنما بمعنى أننا وضعنا المزيد من القوننة علىهذا النظام، بحيث صار أكثر دقة، وصار زمن السباق يحسب بواحد من مئة أو ألف من الثانية، وربما توصلنا إلى حساب الواحد من مئة ألف، فمن يدري.؟ لكن هذا لم يغير من النظام الرياضي القديم شيئاً، وإن أضاف إليه المزيد من الضبط، ولعبة الألغاز تظل واحدة، على الرغم من تعددها وكثرتها، من أيام أبي الهول والغازة وحتى فوازير رمضان. والغرض من تعريجنا على هذه النقطة هو التشديد على أن "النظام" ليس ميزة للأدب وحده، يفرض نفسه رغم التباينات الكثيرة والمفارقات العديدة بين المجتمعات، وإنما ظاهرات كثيرة لا نستطيع أن نفسرها إلا اعتماداً على نظامها الخاص. وعلى هذا النظام تلح نظرية النقد الأسطوري وتعتبره من نتاج اللاوعي الجمعي. وقد استرعى هذا اللاوعي اهتمام النقاد في الميادين الأخرى ولم يقتصر على الأدب وحده. فالناقد الفني غراهام كوليير يعير هذه الناحية اهتماماً خاصاً، فهو يشبه هذا اللاوعي بالنهر الذي يجري تحت أرض كلسية. فيمكن أن ينفجر ويصبح سيلاً عارماً بعد الأمطار الغزيرة. وكذلك تيار اللاوعي، فمن الممكن أن يقذف إلى الوعي بالصور الفنية. ويرى أن هذا التيار فرضي لا يمكن البرهنة عليه إلا أن من الممكن التلميح إلى وجوده اعتماداً على جوانب غريزية من التجربة والسلوك النابعين من المخيلة النفسية. فعلى الرغم من الأصل العرقي والتباين الحضاري نلاحظ أن الناس يبصرون في أثناء نومهم الأحلام ذاتها، بقضها وقضيضها، لا تبديل ولا تغيير. يقول كوليير: ويمكن تشبيه اللاشعور بمخزن ومحطة توليد كهربائية جاهزين مجتمعين. وحين يتأثر الفنان بالتيار الوارد من هذا المصدر يتراجع الشعور العقلاني، ولا يكون له صوت كبير في تشكيل الصورة ولا تحكم كبير في مد الإحساس المحض. وبالإضافة إلى ذلك ليس في استطاعة الفنان التحكم في الآلية التي بواسطتها تتحرك هذه الرواسب الغريزية من التجربة التخيلية داخل الشعور. إنه ليس بإمكانه أن يريد لهذه الصور الأولية أن تجيء ولا أن يعيق مجيئها. فهي تعمل سراً عبر الحد الذي يفصل اللاشعور عن الإدراك الشعوري، وحتى حارس الحدود اليقظ المعروف باسم "العقل" يبدو عاجزاً عن التحكم بهذا التغلغل، إذ هناك أوقات أثناء إبداع عمل ما، يجد الفنان عقله فيها خاوياً والإحساس الموضوعي أو المحرض من الخارج معطلاً بأكمله. في مثل هذا الفراغ يصبح فعل الرسم أو التشكيل "وفق نموذج معين" نشاطاً لا صياغة للأفكار فيه، يشبه السبات. ولكن في وقت مثل هذا تقوم طبقة الأساس السفلية بعملية الاختراق. ويعمل الشخص تحت التأثير الاجباري لصورة تتطور وتظهر نفسها له ببطء. ثم تكون النتيجة المكتملة كشفاً مفاجئاً بالنسبة للفنان بقدر ما هي بالنسبة لأي شخص آخر (الفن والشعور الإبداعي، ترجمة منير الأصبحي، وزارة الثقافة، دمشق 1983 ص5/1 وما بعدها). هذا اللاوعي الجمعي ليس عشوائياً، كما قد يظن بعضنا. إنه يؤلف نظاماً مشتركاً بين البشر. ومنه ظهر النظام الأدبي الذي يمتلك قوانين صاغتها حديثاً نظرية النقد الأسطوري. * * * تأخر ظهور النقد الأسطوري عندنا إلى أواخر السبعينات. كانت الساحة النقدية ملكاً للنظريات الأدبية الحديثة الأخرى