بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
من أمثال الماركسية والوجودية والفرويدية. تحدثنا عن "اللاوعي" منذ الخمسينات حديثاً مفرطاً. إلا أن هذا اللاوعي لم يكن هو اللاوعي الذي تقر به نظرية النقد الأسطوري. وحتى الآن لا يوجد تفسير مقنع لسبب تأخر ظهور النقد الأسطوري ولا لسبب الظهور المتقدم لنظريات أخرى كالماركسية والوجودية والفرويدية. هل تماسنا مع هذه النظريات سبب مقنع؟ ولماذا التماس مع هذه النظريات دون غيرها؟.. هل كانت ظروفنا تستدعي ذلك؟.. إذن ما الذي تغير حتى أهملنا الآن النظرية الوجودية اهمالاً شبه كامل؟ ولماذا -مثلاً- اخترنا فرويد ولم يظهر صوت يونغي واحد؟ هل المعركة القومية هي التي فرضت مثل هذا التوجه؟.. فهل كان ثمة ضير في أن نتعرف على النقد الأسطوري أو كان ثمة "ظروف" تمنع من ظهور هذا التيار؟.. هل كانت الأسطورة تعني لنا تدمير أهدافنا القومية، أو أنها مدخل إلى الميتافيزياء التي كانت مرفوضة كل الرفض في تلك الأيام؟ إن الدراسات التي ظهرت قبل أواخر السبعينات كانت تشير إلى شيء من هذا القبيل. فكتاب "الأسطورة في الشعر المعاصر" (بيروت 1959) لاسعد رزوق يرى الأسطورة في الشعر العربي إنها نتيجة استقبال قصيدة اليوت المشهورة "الأرض اليباب" ويعالج موضوعه على هذا الأساس. فكما أن قصيدة اليوت ترثي حضارة الغرب المحتضرة المسرعة إلى الموت المحتوم، كذلك نجد الشعر العربي الحديث ينحو هذا المنحى، فهو ليس أكثر من صدى الشاعر الانكليزي الأميركي اليوت. والفرق بين الشعراء العرب واليوت هو أنهم عمدوا إلى الرموز الشرقية للأسطورة، وابتعثوا آلهة شرقية لم ترد عند اليوت. الدراسة الثانية التي ظهرت هي "مضمون الأسطورة في الفكر العربي" (بيرت 1973) لخليل أحمد خليل. وهي لا تعتبر دراسة أدبية بقدر ما تعتبر تشخصياً لاتجاه الفكر العربي نحو الميتافيزياء. ولذلك يفسر تخلفنا في كل شيء بالفكر الأسطوري، فحيثما كان التخلف تكون وراءه الأسطورة، أو بالأصح الفكر الأسطوري الموجه لتصرفاتنا. ولهذا يربط بين الفكر الأسطوري وبين العبودية الاجتماعية، بينه وبين الاستلاط السياسي وقيام الأنظمة القهرية، وما شابه ذلك من أنواع الإعاقات لظهور الفكر العلمي الاجتماعي. وفكرة خليل هذه ضعيفة على الرغم من نبل مقصدها واستهدافها التقدمي الإنساني وصدق صاحبها في دعوته إلى الخلاص من التخلف الذي يخيفه ويتوجس من أنه سيستمر مدة ليست بالقصيرة.. إلى أن نصفي حساباتنا مع الفكر الأسطوري. وضعف هذه الفكرة يثبته التاريخ، فأعظم ديمقراطية عرفها العالم ظهرت في أعظم دولة يسودها الفكر الأسطوري وهي الدولة الاثينية التي كانت تربي أبناءها على الفن والأدبي والموسيقى وكلها فنون منحدرة من الأسطورة، أي من الفكر الأسطوري. والتقدم الذي حققته هذه الدولة هو الذي يعتبر اليوم التراث الإنساني الأمثل في السياسة والحكم والأدب. فحتى الآن لم نمارس سوى جزء بسيط من الديمقراطية الأثينية، فنحن ننتخب ولا نقترع. والاقتراع هو وسيلة ديمقراطية لمنع الأغنياء من استغلال اللعبة الديمقراطية، فالناجحون، في الانتخابات، ويكون عددهم أكثر من العدد المطلوب في المجلس حتماً، يخضعون لعملية اقتراع، أي ضرب القرعة حيث يكون النجاح عن طريق المصادفة المحضة، فالناجح في الاقتراع هو الذي يدخل المجلس وليس الناجح في الانتخاب، لأنه قد يكون غنياً كبيراً يشتري الأصوات. أما القرعة فكانت تجري في الساحة العامة، وأمام جميع الاثينيين، ويقال أن الأولاد الصغار كانوا يحضرون الاقتراع كي يترسخ فيهم حس الديمقراطية، فلا يقصرونها، إذا ما كبروا على الانتخاب الذي يأتي بالأغنياء والمنافقين أكثر مما يأتي بالرجال الصادقين. وقد حكمت هذه الديمقراطية بالموت على شخص كسقراط "العلمي" الذي أيد الدكتاتوريين الذين استلموا زمام السلطة فترة من الزمن، والذي كان يرفض الأسطورة أو التفكير الأسطوري، وحملته مسؤولية كل هذا التخلف. فنظمنا السياسية والرياضية والأدبية.. هي من التراث الاثيني الذي كان يعتمد التفكير الأسطوري. الدراسات التي تدخل في صلب النقد الأسطوري تأخرت حتى أواخر السبعينات ومن هذه الدراسات نشير إلى: 1-أسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث (بيروت 1978) لريتا عوض التي اكتفت بتلمس جانب الموت والانبعاث في الشعر العربي. وهو جانب هام من دون شك، لكن الباحثة تصيب إذ تدخل إلى الصور الكبرى التي يلعبها الخضر أو العذراء أو ما شابه ذلك من الأنماط الأولية: أب- أم- ابن .. الخ وبذلك تكون قد أسهمت في تقديم جانب هام من جوانب النقد الأسطوري. إنه -في اعتبارها-