من سيرة أهل البيت(عليهم السلام)
(1)
الدكتور أحمد عبدالمجيد حمود
(استراليا)
عصر الامام الصادق(عليه السلام)
ولد الامام جعفر بن محمّد (الصادق)(عليه
السلام) في عهد عبدالملك بن مروان سنة 83
للهجرة[1]
وعاصر عشرة من حكّام بني اُميّة هم: عبدالملك
بن مروان، والوليد بن عبدالملك، وسليمان بن
عبدالملك، وعمر بن عبد العزيز الذي وجد الناس
في عهده عدلاً فقدوه زماناً واستراحوا في
أيّامه القليلة، ويزيد بن عبدالملك الذي فكّر
أن يسير بسيرة عمر بن عبدالعزيز غير أنّه لم
يوفّق، وهشام بن عبدالملك، والوليد بن يزيد
بن عبدالملك، ويزيد الثالث الملقّب بالناقص[2]،
وإبراهيم بن الوليد بن عبدالملك، ومروان بن
محمد المعروف بالحمار[3].وعاصر الامام
الصادق(عليه السلام) من العباسيين عبداللّه
بن محمد المعروف بأبي العبّاس السفّاح، وأخاه
عبداللّه بن محمد المعروف بأبي جعفر المنصور.
موقف الامام(عليه السلام) من ثورات
العلويين1 ـ عاصر الامام الصادق(عليه السلام)
ثورة زيد بن علي بن الحسين(عليهما السلام)،
التي قامت بالعراق في عهد هشام بن عبدالملك.
وكانت بيعته التي بايع الناس عليها: الدعوة
إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، وجهاد الظالمين،
والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين،
وقسم الفيء بين أهله بالسواء، وردّ الظالمين،
ونصرة أهل البيت على من نصب لهم وجهل حقّهم[4]. وإلى البدع أن
تطفأ، وللامر بالمعروف والنهي عن المنكر،
والطلب بثارات الحسين(عليه السلام)[5].وكان
الامام الصادق(عليه السلام) يحثّ الناس
ويدفعهم لنصرة زيد والوقوف معه في ثورته ضدّ
الحكومة الاُمويّة[6].
ولما استشاره بالخروج قال: «ويلٌ لمن سمع
واعيته فلم يجب»[7].
وكان يقول بعد استشهاده: «رحم اللّه عمّيَ
زيداً إنّه دعا إلى الرضا من آل محمّد، ولو
ظفر لوفى بما دعا إليه»[8].يحدّث
العيص بن قاسم[9]
فيقول: سمعت أبا عبداللّه (الصادق)(عليه
السلام) يقول: «عليكم بتقوى اللّه... إن أتاكم
آت منّا فانظروا على أي شيء تخرجون، ولا
تقولوا خرج زيد، فإنّ زيداً كان عالماً وكان
صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه و إنّما دعاكم
إلى الرضا من آل محمد، ولو ظهر لوفى بما دعاكم
إليه، إنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه»[10].ويبدو
من هذا القول أن الامام الصادق(عليه السلام)
كان يريد من الناس أن يكونوا على حذر من قادة
الثورات، وأن ينظروا ويحقّقوا في مبادئ
ثوراتهم والغاية منها قبل أن يخرجوا معهم،
لانّ هناك اتّصالاً وثيقاً بين شخصيّة قائد
الثورة ومبادئ ثورته. فزيد بن علي كما شهد له
الامام جعفر الصادق(عليه السلام) إنّما هو
عالم وصدوق، لم يدعُ إلى نفسه وإنّما دعا إلى
الرضا من آل محمد(صلى الله عليه وآله)، وخرج
إلى سلطان مجتمع لينقضه، وعندما بلغه مقتل
زيد بكى عليه حتى أبكى النساء من خلف السّتور[11].
وفرّق من ماله على عيال من اُصيب مع زيد من
أصحابه ألف دينار[12]. بينما لم يحصل
زعماء الكيسانيّة ولا عبداللّه بن معاوية[13] على مساندة
الامام الصادق(عليه السلام).
إنّ الروايات التي تحدّثت عن زيد
وثورته لم يرد فيها أيّ تصريح بطلب الخلافة أو
استحقاقها، بل دعوته كانت تتحدّد في إطار
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة
البدع، وإعلام الاُمّة إلى ما آلت إليه
الخلافة وأجهزتها. فكانت كلّ هذه المسوّغات
دافعاً لثورته ضدّ هشام بن عبدالملك[14].
فعلى هذا الاساس وقف الامام جعفر الصادق(عليه
السلام) من ثورة زيد بن علي(عليهما السلام)موقفاً
إيجابيّاً متّسماً بالتأييد، لانّ ثورة زيد
لا تختلف في منهجيّتها ولا في مبادئها عن منهج
الامام الصادق(عليه السلام)ومبادئه «أما إنّه
لو ظفر لوفى، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يصرفها»[15].وممّا
يقوّي هذا الرأي قول سليمان بن خالد[16]
الذي خرج مع زيد بن علي حين سُئل: «ما تقول في
زيد هو خير أم جعفر؟». فقال سليمان: «واللّه
ليوم من جعفر خير من زيد أيام الدّنيا»،
واعتراف زيد بإمامة جعفر(عليه السلام)عندما
سمع بهذه القصّة فقال: «جعفر إمامنا في الحلال
والحرام»[17].2
ـ وبعد ثلاث سنوات من استشهاد زيد بن علي سنة
(122هـ) خرج ولده يحيى[18]على
الوليد بن يزيد بن عبدالملك، وفي أيّامه قتل
عبداللّه[19] بن الامام
محمّد الباقر وأخو الامام الصادق(عليهما
السلام)على يد رجل من بني اُميّة[20].
وشاهد الامام الصادق(عليه السلام)في أيّام
يزيد بن الوليد اضطراب أمر بني اُميّة، وهياج
الفتنة في دولتهم[21].3
ـ وبالرغم من كلّ هذه الحوادث والمحن التي
ابتلي بها أهل البيت(عليهم السلام) فإنّ
الامام الصادق(عليه السلام) لم يغفل مطلقاً عن
مراقبة تحرّك الدّعوة العباسيّة التي بدأت
سنة 100 للهجرة[22]،
والتي كانت تعمل بالسرّ والخفاء من الحميمة[23]
في خلافة عمر بن عبدالعزيز. وأصبح أبو هاشم[24]
إماماً للكيسانيّة بعد أبيه محمد بن الحنفيّة.
وقد بدأ نشاطاً واسعاً أثار القلق والخوف عند
سليمان بن عبدالملك فدسّ إليه السمّ فمات به
بالحميمة بعد أن أوصى إلى محمّد بن علي بن
عبداللّه بن العباس[25].وهناك
رأي آخر يرى أنّ أبا هشام لم يوص إلى محمّد بن
علي بل أوصى إلى أخيه علي بن محمّد بن
الحنفيّة، وأنّ الّذين ذكروا أنّه أوصى إلى
محمّد بن علي بن عبداللّه بن عباس بن
عبدالمطلب غلطوا في الاسم، لانّ الوصيّة
عندهم في وُلد محمّد بن الحنفيّة لا تخرج إلى
غيرهم، ومنهم يكون القائم المهدي، وهم
الكيسانيّة الخلّص الذين غلبوا على هذا
الاسم، وهذه الفرقة خاصّة تسمّى المختاريّة[26].وفي
الوقت نفسه كان الامام الصادق(عليه السلام)
يراقب قادة تلك الحركة والشعار الذي طرحوه
بأن تكون الدّعوة للرضا من آل محمّد، من دون
أن يخصّصوا شخصاً معيناً من العلويين أو
العباسيين. لان ذلك كان سيؤدّي إلى صراع علوي
عباسي، فيؤخّر مسيرة الدعوة العباسيّة،
ويؤدّي إلى مواجهة الاُمويين لها، وفي الوقت
نفسه يثبّت لهم حقّاً في الامامة.إنّ طرح
العباسيين أثناء دعوتهم الشعار نفسه الذي
طرحه زيد بن علي في ثورته أدّى إلى نتائج،
منها: أنّه كسب بذلك ولاء كثير من المسلمين
العرب الذين كانوا يريدون تحويل الخلافة إلى
البيت الهاشمي[27].
وهدّأ نفوس العلويين، وامتصّ العواطف
العلوية وقواعدها الشعبيّة، باعتبار أنّ أهل
البيت كانوا يمثّلون أقوى الاحزاب المعارضة
للاُمويين. وكسب ولاء الموالي نتيجة للضيم
والمظالم الاجتماعيّة التّي مارسها الحكم
الاُموي ضدّهم بناءً على الكفاءة، فإن العربي
كفء للعربي، والموالي كفء للموالي. الامر
الذي دفع بالموالي إلى الانضمام إلى أيّة
حركة معارضة للحكم الاُموي من أجل المطالبة
بالعدالة الاجتماعيّة والمساواة. وقد حفزهم
على ذلك الدين الاسلامي الذي يمنع الفوارق
بين المسلمين، ويساوي بين أفراد المجتمع
الاسلامي في الحقوق والواجبات[28].وبعد
طرح العباسيين دعوتهم توافدت شيعة العراق على
محمد بن علي بالحميمة، فأرادوه على البيعة،
فقال لهم: «هذا أوان ما نؤمّل ونرجو من ذلك
لانقضاء مائة سنة من التاريخ»[29].كما أن تنازل
أبي هاشم لمحمد بن علي العباسي أدّى في بادئ
الامر إلى انفصال العباسيين عن العلويين، وإن
لم يكن ذلك الانفصال تامّاً. إلاّ أنّه أصبح
لكلّ فريق منهم اُسلوبه ومبادئه وأهدافه
وخطّته للوصول إلى الخلافة. فاستمرّ
العلويّون من أحفاد فاطمة(عليها السلام) في
كفاحهم ضدّ الدولة الاُمويّة، كما استمرّ
العباسيّون في سعيهم من أجل تولّي الخلافة.
ورغم كل ذلك أصبح بعض الشيعة العلويّين
أساساً للدّعوة العباسيّة، كما أصبح بعض
العباسيين أنصاراً لبعض الثورات العلويّة[30].ولما
تولّى هشام بن عبدالملك الخلافة سنة 105 هـ نال
كلاًّ من العلويين والعباسيين الاضطهاد
والتشريد. فكان عامله على العراق يوسف بن عمر[31]
لا يدع أحداً يُعرف بموالاة بني هاشم إلاّ بعث
إليه فحبسه عنده بواسط[32].
ولكن ذلك لم يقضِ على الدعوة العباسيّة فبقيت
تعمل في عهده بالسرّ والخفاء. لكن الذي أثّر
عليها تأثيراً مباشراً هو ثورة زيد بن علي في
العراق، حيث أدرك العباسيّون ضخامة هذه
الثورة ومدى خطورتها على دعوتهم، فحاولوا
تثبيط عزيمة زيد عن الثورة بتذكيره موقف أهل
الكوفة من أهل بيته[33].4 ـ إنّ إخفاق
ثورة زيد بن علي، والقضاء على ثورة ابنه يحيى
سنة 125هـ ، وتولّي الحكم خلفاء اُمويّون ضعاف،
والفوضى والاضطرابات التي عمّت أرجاء
مملكتهم، كلّ هذه الاُمور مجتمعة أعطت
الدّعوة العباسيّة فرصة في التحرّك
والانطلاق[34].
وكذلك أدرك العباسيّون خطورة حركة علويّة
اُخرى قامت بقيادة عبداللّه بن معاوية الذي
دعا إلى نفسه وإلى بيعته على الرضا من آل
محمّد[35].
إن طرح شعار الرضا من آل محمّد(صلى
الله عليه وآله)
من قبل عبداللّه بن معاويةوالعباسيين يدلّ على أهميّة موقع آل محمّد(صلى
الله عليه وآله) في نفوس المسلمين قاطبة، بل
إنّه يُعدّ من أكبر العوامل استقطاباً
للمسلمين في نصرتهما، والانضمام تحت لوائهما.وقد
امتدّت دعوة عبداللّه بن معاوية إلى معظم مدن
العراق، وإلى المدائن، والماهين، وهمذان،
وقومس، وأصبهان، والرّي، وفارس[36].
فأسرع العباسيّون إلى مهادنة عبداللّه، وقدم
عليه السفّاح والمنصور وعمّهما عيسى بن علي،
فمن أراد منهم عملاً قلّده، ومن أراد صلة وصله[37]. ولما أدرك أبو
مسلم الخراساني خطورة حركة ابن معاوية قبض
عليه وسجنه ثم قتله عندما لجأ إليه طالباً منه
النصرة والمعاونة[38].
موقف الامام(عليه السلام) من
العبّاسيينرأى العباسيّون الذين كان لهم
الدور الاكبر في العمل على إضعاف الحركات
العلويّة وإخفاقها أن الامور تسير في صالح
دعوتهم بعد أن تدارسوا الموقف في الحميمة مع
وفود من خراسان، وأنّ الوقت قد أصبح ملائماً
لاعلان الثورة واختيار قائد لها. فاختير أبو
مسلم الخراساني لقيادتها، وقد نجح في إعداد
وتهيئة جيش ضخم ما لبث أن هزم جيش الخليفة
الاُموي مروان الحمار عند نهر الزاب، وانتهى
الامر بقتل مروان سنة (132هـ). وفي العاشر من
المحرّم سنة 132هـ ظهر السواد شعاراً
للعباسيين في الكوفة، فكان هذا إعلاناً عن
سقوط الدولة الاُمويّة وقيام الدولة
العباسيّة[39].إنّ
غاية سياسة العباسيين في إعلان السواد شعاراً
لهم وفي اليوم العاشر من المحرم بالذات عند
قيام دولتهم تتجسد في أمرين:الاوّل: كسب
الجانب العلوي الذي يتمتّع برصيد شعبي هائل.والثاني:
إظهار حُسن نيّة العباسيين تجاه العلويين
وخاصّة الامام الصادق(عليه السلام)الذين
كانوا على علم تامّ بنوايا العباسيين
وأهدافهم.لقد كان للعباسيّين شيعة وموالون في
الكوفة، منهم أبو سلمة حفص بن سليمان الخلاّل[40]،
وكان من كبار الشيعة فيها[41]
وقد استوزره السفّاح ولقّبه وزير آل محمّد،
وبعد القبض على إبراهيم الامام وقتله في سجن
مروان الحمار سنة (132هـ)، أجمع المؤرّخون على
ميل أبي سلمة إلى تحويل الخلافة من البيت
العباسي إلى البيت العلوي. فكتب كتابين على
نسخة واحدة إلى الامام الصادق(عليه السلام)وإلى
عبداللّه بن الحسن، يدعو كلاًّ منهما للشخوص
إليه ليصرف الدّعوة إليه ويجتهد في بيعة أهل
خراسان له[42].
ودفع الرسالتين إلى رسوله محمّد بن عبد
الرحمن[43]،
فوفد إلى المدينة على أبي عبداللّه الصّادق(عليه
السلام)فلقيه ليلاً، وأعلمه أنّه رسول أبي
سلمة وأعطاه كتابه. فقال له الامام الصادق(عليه
السلام): «وما أنا وأبو سلمة؟ وأبو سلمة شيعة
لغيري». قال: إني رسول، فتقرأ كتابه وتجيبه
بما رأيت، فدعا الامام الصادق(عليه السلام)
بسراج ثم أخذ كتاب أبي سلمة فوضعه على السراج
حتى احترق، وقال للرسول: «عرّف صاحبك بما رأيت»،
ثم تمثّل بشعر للكميت بن زيد:
أيا موقداً ناراً لغيرك
ضوؤهاويا حاطباً في غير حبلك تحطب[44]وخرج
الرسول بالكتاب الثاني إلى عبداللّه بن
الحسن، فقبل الدعوة وخرج على الفور ليطلع
الامام الصادق(عليه السلام) على الكتاب، فلما
دخل عليه في داره قال له: هذا كتاب أبي سلمة
يدعوني إلى ما أقبله، وقد قدمت عليه شيعتنا من
أهل خراسان. فأنذر الامام الصادق(عليه السلام)
عبداللّه بن الحسن من أبي سلمة وقال له: «يا
أبا محمد، ومتى كان أهل خراسان شيعة لك؟ ثم
قال له: أنت بعثت أبا مسلم إلى خراسان وأنت
أمرته بلبس السواد، وهؤلاء الذين قدموا
العراق، أنت كنت سبب قدومهم، أو وجّهت فيهم،
وهل تعرف منهم أحداً؟»[45].
فلم يأبه عبداللّه بن الحسن بمقالة الامام
الصادق(عليه السلام)وقال: إنّما يريد القوم
ابني محمّداً لانّه مهدي هذه الاُمّة[46].
وترشيح محمّد ذي النفس الزكيّة لمنصب المهدي
لم يقتصر تأييده على أهله وأقاربه فقط، بل
أيّده المغيرة بن سعيد العجلي[47].
فقال الامام الصادق(عليه السلام): «واللّه ما
هو مهديّ هذه الاُمّة، ولئن شهر سيفه ليقتلنّ».
وغضب عبداللّه بن الحسن وقال للامام الصادق(عليه
السلام): واللّه ما يمنعك من ذلك إلاّ الحسد،
فقال الامام: «واللّه ما هذا الاّ نصح منّي
لك، ولقد كتب إليّ أبو سلمة بمثل ما كتب به
إليك، فلم يجد رسوله عندي ما وجد عندك، ولقد
أحرقت كتابه من قبل أن أقرأه»[48].إنّ
موقف الامام الصادق(عليه السلام) من دعوة أبي
سلمة وإحراق كتابه، وتمثّله ببيت شعر الكميت،
تدلّ على أن القوّة وكثرة الانصار قد أصبحت
إلى جانب العباسيين، وأن أيّ محاولة للقيام
بتحرّك عسكري ستصاب بالاخفاق. ولذلك ركن
الشيعة إلى الهدوء في أيّام أبي العباس
السفّاح، فلم يقتل منهم أحداً ولا أجرى إلى
جليس له مكروهاً[49].كما
أنّ موقف الامام المناهض لايّة حركة عسكريّة
في تلك الفترة بالذات يدلّ على أنّه(عليه
السلام) كان على يقين باستقرار الوضع
للعباسيين في خراسان بعد أن اتّخذوها مركزاً
لدعوتهم، وبعد أخذ البيعة فيها لابراهيم
الامام، واجتماع الجيوش لهم، بعيداً عن
الكوفة لميل أهلها إلى العلويين، وعن المدينة
لانّها مركز الامام الصادق(عليه السلام).
وأنّه لم تكن الفرق المتشعبة عن أهل البيت
تهمّ الخراسانيين كثيراً بقدر ما كان يهمّهم
الانضمام تحت قيادة أي رجل من أهل البيت يخرج
على بني اُميّة. وأن بيعتهم لمحمد بن عبداللّه
بن الحسن كانت تخطيطاً سياسيّاً من أجل
المحافظة على دعوتهم. وعلى هذا الاساس عندما
التفت عبداللّه بن الحسن إلى خطورة الموقف من
قبل العباسيين كتب إلى مروان بن محمد بأنّه
بريء من إبراهيم الامام وما أحدث[50].وإنّ
مسارعة أبي جعفر المنصور إلى أخذ البيعة
لمحمّد ذي النفس الزكيّة مع أنّه كان في عيّ[51]، ولم يكن أكفأ
بني هاشم، وإقبال داود بن علي على عبداللّه بن
الحسن يدعوه لاظهار ابنه محمد إنّما هو
اختيار يمكّن العباسيين من انتزاع الامر إذا
آل إلى الهاشميين، ولعلّ المنصور هو الذي
وجّه نظر عبداللّه إلى ولده محمّد.ولقد كان
الامام الصادق(عليه السلام) حذراً ومتيقّظاً
لكلّ العروض التي كانت تعرض عليه، ولذلك كتب
إلى أبي مسلم الخراساني، بعدما أنفذ إليه
أنّه قد أظهر الكلمة ودعا النّاس إلى موالاة
أهل البيت وإلى الدعوة إليه: «ما أنت من رجالي
ولا الزمان زماني»[52].وإن
رفض الامام الصادق(عليه السلام) لدعوتي أبي
مسلم وأبي سلمة يكشف عن عمق نظره للتحرّكات
السياسيّة التي كانت تجري في فلكها شخصيّات
ذلك المجتمع، وبُعد في الرؤية لعواقب
الاُمور، لانّ أبا مسلم وأبا سلمة كانا
داعيتين للعباسيين، بل هما من أقطاب دعوتهم[53].فالظاهر أنّ
دعوة أبي سلمة للامام الصادق(عليه السلام)
ولعبد اللّه بن الحسن كانت عمليّة جسّ نبض
لموقف العلويين، ليعرف الدعاة العباسيون كيف
يتحرّكون بدقّة[54]لاحتواء
عملهم وإجهاض حركتهم[55].
وعند قيام الدولة العباسيّة لم ينشغل
أبو العبّاس السفّاح عن الامام الصادق(عليه
السلام)رغم انشغاله في بناء سلطته وترسيخ
دعائمها. فما فرغ من توطيد ملكه حتّى أرسل على
الامام من المدينة إلى الحيرة ليفتك به. وما
كان يدفعه إلى ذلك إلاّ الحذر من أن يتّجه
النّاس إلى الامام الصادق لانّهم كانوا يرون
أن الخلافة تجمع السلطتين الروحيّة
والزمنيّة، ولا يرونها سلطاناً خالصاً لا
علاقة له بالدين[56].وقد
ابتدأ السفّاح في اللحظة الاُولى من خلافته
بتبرير حقوق آل العبّاس بالخلافة ليدفع آل
علي عن المطالبة بأحقيّتهم في الخلافة،
فادّعى أن العباسيين هم أهل البيت الذين أذهب
اللّه عنهم الرجس، وهم القربى والعشيرة لرسول
اللّه(صلى الله عليه وآله)، وأنّ اللّه أوجب
على الناس حقّهم ومودّتهم، ووصف نفسه
بالسفّاح المبيح والثائر المبير[57]. أما داود بن
علي فقد اعتبر أن العباسيين ورثوا الخلافة
شرعاً، وأنّها ستبقى في أيديهم حتّى يسلّموها
إلى عيسى بن مريم[58].
(يتبع)
([1])
الكليني، اُصول الكافي 1: 472 .
([2])
ابن الاثير، الكامل في التاريخ 4 : 499 .
([3])
المسعودي، مروج الذهب 3 : 240.
([4])
تاريخ الطبري 7 : 172.
([5])
المفيد، الارشاد: 268.
([6])
تاريخ الطبري 7 : 181.
([7])
الصدوق، عيون أخبار الرضا 2 : 225 و226.
([8])
المجلسي، بحار الانوار 11 : 325.
([9])
هو ابن اخت سليمان بن خالد الاقطع، روى عن
الامام الصادق وولده الامام موسى الكاظم (745
ـ 799م، 128 ـ 183هـ) (رجال الكشّي 2 : 652).
([10])
الكليني، روضة الكافي 8 : 219 و220.
([11])
ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 4 : 236.
والمجلسي، بحار الانوار 11 : 137.
([12])
الشيخ المفيد، الارشاد: 269. والمجلسي، بحار
الانوار 11 : 137.
([13])
عبداللّه بن معاوية بن عبداللّه بن جعفر بن
أبي طالب ت. (129هـ )، طلب الخلافة من بني
اُميّة سنة 127هـ بالكوفة فقبض عليه أبو مسلم
الخراساني ومات في سجنه. (راجع: تاريخ الطبري
7 : 302 ـ 303. والاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 152 ـ
159. وابن الاثير، الكامل في التاريخ 5 : 5 ـ 7).
([14])
الجاحظ، البيان والتبيين 1 : 208.
([15])
رجال الكشّي 2 : 570 .
([16])
سليمان بن خالد، أبو الربيع الاقطع الهلالي.
كان ثقةً فقيهاً قارئاً وجيهاً، صاحب قرآن.
وكان قد خرج مع زيد بن علي فقطعت يده، ومات في
حياة الامام الصادق(عليه السلام)فتوجّع
لفقده. (راجع: رجال الكشّي 2 : 644).
([17])
رجال الكشّي 2 : 652.
([18])
يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب (98 ـ 125هـ): ثار بعد أبيه على بني مروان،
ورمي بسهم أصاب جبهته فسقط قتيلاً وحُمل
رأسه إلى الوليد، وصُلب جسده بالجوزجان. (راجع:
تأريخ الطبري 7 : 228 ـ 230).
([19])
عبداللّه بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب(عليهم السلام)، الملقّب بـ(دقدق)
أخو الامام الصادق(عليه السلام). (راجع:
الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 151).
([20])
الاصفهاني، مقاتل الط الطالبيين: 151.
([21])
ابن الاثير، الكامل في التأريخ 4 : 487 ـ 499.
([22])
الدينوري، الاخبار الطوال 334. والمقدسي،
البدء والتاريخ 6 : 59 .
([23]) الحميمة: بلد من أرض الشراة من
أعمال عَمّان في أطراف الشام. (راجع:
المقدسي، البدء والتاريخ 6 : 59 . وياقوت
الحموي، معجم البلدان 2 : 307).
([24])
أبو هاشم: عبداللّه بن محمد بن علي بن أبي
طالب (21 ـ 81 هـ )، كان عالماً لسناً، وكان
وصيّ أبيه. (راجع: الاصفهاني، مقاتل
الطالبيين. والشهرستاني، الملل والنحل 1 : 50 ـ
51 ).
([25])
محمّد بن علي بن عبداللّه بن العباس بن
عبدالملطلب (62 ـ 125هـ) أوّل من قام بالدّعوة
العباسيّة وهو والد السفّاح والمنصور
الهاشميين في الدّولة الاُمويّة. (راجع
الزركلي، الاعلام 7 : 153).
([26])
النوبختي، فرق الشيعة: 48 ـ 50 .
([27])
تاريخ اليعقوبي 2 : 354.
([28])
الدينوري، الاخبار الطوال: 306 و307.
([29])
المصدر: 334، والمقدسي، البدء والتاريخ 6 : 59 .
([30])
الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 157.
([31])
يوسف بن عمر الثقفي، ولي اليمن لهشام بن عبد
الملك سنة 106هـ ثمّ نقله إلى ولاية العراق
سنة 121هـ . وأضاف إليه إمرة خراسان، واستمرّ
إلى أيّام يزيد بن الوليد أواخر سنة 126هـ . (راجع:
ابن خلّكان، وفيات الاعيان 7 : 101 و102،
والذهبي، دول الاسلام: 78، والزركلي، الاعلام
9 : 320).
([32])
الدينوري، الاخبار الطوال: 339.
([33])
تاريخ الطبري 7 : 167. وابن الاثير، الكامل في
التاريخ 4 : 242.
([34])
تاريخ الطبري 7 : 262 و299.
([35])
المصدر: 302.
([36])
تاريخ الطبري 7 : 303.
([37])
الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 157.
([38])
المصدر: 157 و158.
([39])
الدينوري، الاخبار الطوال: 635 . وتاريخ
اليعقوبي 2 : 345. والذهبي، دول الاسلام: 88 .
([40])
حفص بن سليمان الهمداني الخلاّل، أوّل من
لُقّب بالوزارة في الاسلام، أنفق أموالاً
كثيرة في سبيل الدّعوة العباسيّة، وكان أوّل
وزير لاوّل خليفة عباسي. (راجع: ابن خلّكان،
وفيات الاعيان 2 : 195 ـ 197).
([41]) الدينوري، الاخبار الطوال: 336.
([42])
المسعودي، مروج الذهب 3 : 254 . والمقدسي، البدء
والتاريخ 6 : 67.
([43])
هو محمد بن عبدالرحمن بن أسلم. وكان أسلم
مولىً لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله). (راجع:
المسعودي، مروج الذهب 3 : 254).
([44])
المسعودي، مروج الذهب 3 : 254 و255.
([45])
المسعودي، مروج الذهب 3 : 254. والدينوري،
الاخبار الطوال: 340.
([46])
الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 210.
([47])
النوبختي، فرق الشيعة: 75.
([48])
المسعودي، مروج الذهب 3 : 255. وتاريخ اليعقوبي
2 : 349.
([49])
الاصفهاني، مقاتل الطالبيين: 162.
([50])
المصدر: 227.
([51])
المصدر: 214. والذهبي، دول الاسلام: 87 .
([52])
الشهرستاني، الملل والنحل 1 : 154.
([53])
تاريخ الطبري 7 : 484. والدينوري، الاخبار
الطوال: 343 و378.
([54])
محمّد جواد فضل اللّه، الامام الصادق: 165.
([55])
عادل الاديب، الائمة الاثنا عشر: 181.
([56])
محمد حسين المظفّر، الامام الصادق 1: 95 .
([57])
تاريخ الطبري 7 : 426.
([58])
المصدر: 428.