أصول السیرة النبویة و تطوراتها فی القرنین الأول و الثانی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أصول السیرة النبویة و تطوراتها فی القرنین الأول و الثانی - نسخه متنی

محمدهادی الیوسفی الغروی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات


اُصول السيرة النبويّة وتطوّراتها في
القرنين الاوّل والثاني


الشيخ محمّد هادي اليوسفي

لا شكّ في الاهميّة الكُبرى التي كانت
لاقوال النبي صلّى اللّه عليه وآله وأعماله
في حياته، وأكثر منها بعد وفاته.

ومن الطبيعي أنْ تورث هذه الاهميّة
عناية بتدوين تفاصيل حياته وجمع الاخبار
والاحاديث عنه صلّى اللّه عليه وآله،
وطبيعيٌّ أيضاً أنْ تكون القصص الشعبيّة عن
سيرته موجودة في حياته، معتنىً بها ـ كحال
الناس في العناية بقصص الانبياء من قبل ـ و
طبيعي أن يكون بعض الصحابة قد تفوَّق على
أقرانه في علمه بسيرته ومغازيه.

كتّاب السيرة الاوائل:


إن أوّل من صنّف فيها هو عُروة بن
الزبير بن العوّام (ت 92 هـ) وذكر ابن سعد في
كتابه «الطبقات» ما يفيد: إنَّ اوّل من تخصّص
فيها هو أبان بن عثمان بن عفّان (ت 105 هـ)،
روى بعضها عنه المغيرة بن عبدالرحمن. ثم تنبّه
إلى جمع أخبارها والتحديث بها وهب بن منبّه
اليمني (ت 110 هـ) ثمّ عاصم بن عمر بن قتادة (ت 120
هـ) الذي يروي عنه ابن اسحاق بعض أخبار سيرته ـ
كخبره عن دعاء النبي للاستسقاء في طريق تبوك،
وكثرة النفاق ـ ثمّ شرحبيل بن سعد الشامي (ت 123
هـ) ثمّ عبداللّه بن أبي بكر بن حزم القاضي (ت
135 هـ) الذي طلب منه عمر بن عبد العزيز أنْ يكتب
إليه ما عنده من الاحاديث فنشرها بين الناس.
ثم موسى بن عُقبة (ت 141 هـ) ثمّ مَعمر بن راشد (ت 150
هـ) ثمّ محمّد بن إسحاق بن يسار المدني ـ وقيلَ
بشار ـ بن خيار من سبي عين تَمْر بالعراق (ت 153
هـ) ثم راويته زياد بن عبدالملك البَكّائي
الكوفي العامري (ت 183 هـ) ثمّ محمّد بن عمر
بن واقد المعروف بالواقدي صاحب كتاب المغازي (ت 207
هـ) ثمّ راوية ابن زياد البكّائي عن ابن إسحاق:
عبدالملك بن هِشام الحِمْيَري اليمني البصري
(ت 218 هـ).

ولم يصلنا من كُتب هؤلاء شيء سوى سيرة
ابن إسحاق برواية ابن هشام عن البكّائي عن ابن
إسحاق، ومغازي الواقدي، اللهُمَّ إلاّ
روايات في طَيّات اُمّهات المصادر التأريخية
فيما بعد.

المؤرّخون الاوائل:


وإلى جانب هؤلاء ظهر مَنْ لم يقتصر على
أخبار سيرة الرسول صلّى اللّه عليه وآله، بل
جمع إليها أخبار الجاهليّة قبل الاسلام، ثمّ
أخبار الخُلفاء بعده، أو جمع أخبار بعض
الخُلفاء، أو الائمّة من أهل البيت عليهم
السلام فقط، فكانوا مؤرّخين بالمعنى العامّ.
منهم: مُحمَّد بن السائب الكلبي الكوفي
النسّابة (ت 146 هـ) وأبو مخنف لوط بن يحيى
الازدي الكوفي (ت 157 هـ) وهشام بن محمّد الكلبي
الكوفي (ت 206 هـ) ونصر بن مزاحم المنقري الكوفي
(ت 212 هـ) وعبداللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري
(ت 274 هـ) وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري
(ت 279 هـ) وإبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي
الاصبهاني (ت 283 هـ) وأبو الفرج علي بن الحسين
الاُموي الاصبهاني (ت 284 هـ) وأحمد بن واضح
بن يعقوب البغدادي (ت 292 هـ) ومحمّد بن جرير
الطبري (ت 310 هـ) وعلي بن الحسين المسعودي
البغدادي (ت 346 هـ) ومحمّد بن محمّد بن
النُعمان التَّلعكبري المفيد (ت 413 هـ).

الاثر الباقي في السيرة:


عرفنا أنّ الكتابة في سيرة رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله كانت قد حصلت في
التابعين وتابعي التابعين، كما رأينا قائمة
أسمائهم وتواريخ وَفَياتهم، ولكنّها لم تكن
كثيرة، بل هي مهما أطلنا الحديث عنها كانت
قليلةً جدّاً، لا تعدو أن تكون صُحفاً فيها
بعض الاخبار عن سيرة المختار صلّى اللّه عليه
وآله.

أمّا الكتاب الذي كُتبت له الموفّقيّة
والنجاح وشهرة الاعتماد والوثوق فهو سيرة
محمّد بن إسحاق، التي ألـّفها في أوائل
أيـّام العبّاسيّين.

يَروون أنـّه دخل يوماً على المنصور
وبين يديه ابنه المهدي، فقال له المنصور:
أتَعرِف هذا يا ابن إسحاق؟ قال: نعم، هذا ابن
أمير المؤمنين: فقال: اذهب فصنّف له كتاباً
منذ خلق اللّه آدم عليه السلام إلى يومنا هذا.
فذهب ابن إسحاق فصنّف له الكتاب وأتاه به
فلمّا رآه قال: لقد طوّلته يا ابن إسحاق فاذهب
فاختصِره. فاختصَرَه، واُلقي الكتاب الكبير
في خزانة الخليفة.

وفي هذا المعنى رُوي عن ابن عَديّ
الرجاليّ المعروف أنـّه كان يقول في ابن
إسحاق: «لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلاّ
أنـّه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل
منها شيء للاشتغال بمغازي رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وآله ومبعثه ومبتدأ الخلق لكانت
هذه فضيلة سبق بها ابن إسحاق، وقد فتّشت
أحاديثه الكثيرة فلم أجد ما تهيّئ أن يُقطع
عليه بالضعف، ورُبَّما أخطأ واتُّهم في الشيء
كما يخطئ غيره. ولم يتخلَّف في الرواية عنه
الثقات والائمة الاثبات، أخرج له مسلم في
المبايعات، واستشهد به البخاري في مواضع،
وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن
ماجة».

ثمّ أصبح ابن إسحاق في الحقيقة عُمدة
المؤلفين في السيرة، فما من كاتب في
السيرة إلاّ وهو مستمدّ منه وراو عنه،
اللّهمَّ إلاّ ما نأتي عليه من مغازي الواقدي
ورواية كاتبه ابن سعد عنه، وما رُوي عن أئمة
أهل البيت عليهم السلام، وكذلك أصبح كتاب ابن
إسحاق عُمدة الكتب في السيرة لقرّائها مُنذ
أن كتبه إلى يومنا هذا ـ ولا سيَّما بعد
تهذيبها من قبل ابن هشام ـ بحيث أنـّك لا تكاد
تجد رجلاً يدرس سيرة الرسول الكريم إلاّ
وكتاب ابن إسحاق كتابه الاوّل والاُم في ذلك.

عمل ابن هشام في سيرة ابن إسحاق:


وقد جاء بعده عبد الملك بن هشام
الحميري البصري (ت 218 هـ) بنصف قَرن تقريباً،
فروى سيرة ابن إسحاق برواية زياد بن عبدالملك
البكّائي العامري الكوفي (ت 183 هـ) ولكنّه
لم يروها كما هي بل تناولها بكثير من التمرير
والاختصار والاضافة والنقد أحيانا،
والمعارضة بروايات اُخر لغيره، عبَّر عن
أعماله هذه بقوله في صدر سيرته: «وأنا إن شاء
اللّه مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن
إبراهيم، ومن ولَد رسولَ اللّه من وُلده،
أولادهم لاصلابهم الاوّل فالاوّل من إسماعيل
إلى رسول اللّه، وما يعرض من حديثهم ـ وتارك
ذكر غيرهم من ولد إسماعيل للاختصار ـ إلى حديث
سيرة رسول اللّه. وتارك بعض ما يذكره ابن
إسحاق في هذا الكتاب ممّا ليس لرسول اللّه فيه
ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء. وليس سبباً
لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيراً له ولا شاهداً
عليه، لما ذكرت من الاختصار، وأشعاراً ذكرها
لم أرَ أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها،
وأشياء بعضها يشنع الحديث به(!) وبعض يسوء بعض
الناس ذكره(!) وبعض لم يُقرّ لنا البكّائي
بروايته(!) ومُستَقْص ـ إن شاء اللّه تعالى
ـ ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له والعلم به»([1]).

إذاً فقد أسقط ابن هشام من عمل ابن
إسحاق: تأريخ الانبياء من آدم إلى إبراهيم،
ومن ولد إسماعيل مَن ليس في عمود النسب النبوي
الشريف، كما حذف من الاخبار ما يسوء بعض الناس!
ومن الشعر ما لم يثبت لديه. ولكنّه زاد فيه
ممّا ثبتت لديه من رواية، ولذلك نُسبت السيرة
إليه وعُرفت به، حتّى لا يكاد يذكر ابن إسحاق
معه، فقد عُرفت سيرة ابن إسحاق بين العلماء
منذ عهد بعيد باسم سيرة ابن هشام، لما له فيها
من رواية وتهذيب، وبهذا الصدد قال ابن خلّكان
في ترجمة ابن هشام: «وابن هشام هذا هو الذي جمع
سيرة رسول اللّه من المغازي والسير لابن
إسحاق وهذَّبها ولخّصها، وهي السيرة
الموجودة بأيدي الناس المعروفة بسيرة ابن
هشام».

ولم تنقطع العناية بالتأليف في السيرة
إلى يومنا هذا، إلاّ أنّ الموضوع في ذاته ليس
أمراً يقوم على التجارب، أو فكرةً يقيمها
برهان وينقضها برهان، شأن النظريّات
العلميّة التي نرى تجديدها وتغييرها على مرّ
السنين، وإنّما هو من العلوم النقليّة لا
العقليّة، فكان المشتغلون به أوّلاً
محدِّثين ناقلين، ثم جاء مَن بَعدهم جامعين
مبوِّبين ثمّ ناقدين معلِّقين.

ولم يكن قابلاً للتجديد في جوهره،
إلاّ بمقدار قليل حسب النقد الدقيق، وإنّما
كان التجديد في أشكاله وصوره شرحاً أو
اختصاراً، أو شيئاً من النقد قليلاً مشيراً
إلى ما فيه من أخطاء.

ولعلَّ الذين تناولوا السيرة
بالتلخيص والاختصار، إنّما خفَّفوا من ثقل
الكتاب بعض أخباره التي استبعدوها غير مؤمنين
بصحّتها، ناقلين من الاخبار ما يرون فيها
القرب من الحقّ، ومستبعدين ما لا يجري في ذلك
مع فكرتهم و عقيدتهم مفنِّدين إيّاه رادِّين
له.

ولعلّ من عِلل انتشار أخبار ابن إسحاق
ثمّ كتابه في السيرة كَثرة رحلاته، فالراجح
في تأريخ مولده في المدينة أنـّه كان سنة 85 هـ
، ولا يرتاب الرجاليّون وأصحاب الطبقات في
أنـّه أمضى شبابه في المدينة فتىً جميلاً «فارسي
الخلقة» جذّاب الوجه له شعرة حسنة، ولذلك حكى
ابن النديم بشأنه في فهرسته: أنـّه اتّهم
بأنـّه يجلس في مؤخّر المسجد للصلاة فيُغازل
بعض النساء، فأمر أمير المدينة بإحضاره وضربه
أسواطاً ونهاه عن الجلوس في مؤخّر المسجد.
ولعلَّه لهذا لم يَرْوِ عنه من أهل المدينة
غير راو واحد هو إبراهيم بن سعد فحسب([2]).

ولعلَّه لهذا رحل منها سنة 115 هـ . أي
في الثلاثين من عمره إلى الاسكندرية في مصر،
ويُظنّ أنـّها اُولى رحلاته، فانفرد بروايته
أحاديث عن عدّة من رجال الحديث بها. ثم رحل إلى
الكوفة والحيرة، ولعلَّه بها التقى بالمنصور
فصنَّف لابنه المهدي كتاب السيرة كما سبق،
فرواها عنه زياد بن عبدالملك البكّائي
العامري وغيره، ورحل إلى الجزيرة أي الموصل،
والرّي حتّى إذا بُنيت بغداد فرجع إليها
وفيها ألقى عصا الترحال، وله من كلّ هذه
البلدان رواة كثيرون. وعاش في بغداد حتّى
توفّي بها فدُفن في مقابر الخيزران.

وقد كان ابن إسحاق يُعدّ في طبقة
تلامذة عبدالملك بن شهاب الزُهري وأقرانه،
وله عنه روايات، ونقل أصحاب الطبقات أنّ شيخه
ابن شهاب الزهري لم يكن يتّهمه بشيء بل كان
يوثّقه، وتبعه في توثيق ابن إسحاق من الفقهاء
الائمة سفيان الثوري وشعبة، بالاضافة إلى
رواية زياد بن عبدالملك البكّائي عنه. وإن كان
هشام بن عروة بن الزبير من رواة السيرة، ومالك
بن أنس من أئمة الفقهاء يتحاملان عليه بالجرح
والتضعيف ويتّهمانه بالكذب والدجل والتدليس،
والقول بالقدر، والنقل عن غير الثقات، وأخطاء
في الانساب. ولكن لعلّه لانّ ابن إسحاق كان
يطعن في نسب مالك وعلمه ويقول: إيتوني ببعض
كتبه حتّى اُبين لكم عيوبه، فأنا بيطار كتبه!
إذاً فالحملة متقابلة من الطرفين، والتضعيف
ضعيف لانـّه معلوم الوجه والعلّة «الشخصيّة».

مغازي الواقدي:

أمّا الواقدي محمّد بن عمر بن واقد
مولى بني سهم، فقد ذكر تلميذه ابن سعد في (الطبقات
الكبرى) أنـّه ولد في المدينة سنة 130هـ أي بعد
خروج ابن إسحاق منها بخمسة عشر عاماً، ولذلك
لم يَرْوِ عنه وإن كان قد روى عن سائر رواة
الاخبار عن الزهري، مع تشابه كبير بين فقرات
كتاب السيرة لابن إسحاق وكتاب المغازي
للواقدي، ولذلك زعم مستشرقان هُما (فلهوزن
وهورفتس) أنـّه سرق منه ولم يسنده إليه، وفنّد
زعمهما مُستشرقٌ آخر هو (مارسدن جونس) محقّق
المغازي كما في مقدِّمته للكتاب([3]
ثمّ احتمل أن يكون الواقدي قد أعرض عن الرواية
عن ابن إسحاق نظراً إلى عدم توثيق علماء
المدينة له.

ثمّ قال: يبدو واضحاً للقارئ الحديث
أنّ من أهمّ السِّمات التي تجعل الواقدي في
منزلة خاصّة بين أصحاب السير والمغازي تطبيقه
المنهج التأريخي العلمي الفنّي، فإنّا نلاحظ
عند الواقدي ـ أكثر ممّا نلاحظ عند غيره من
المؤرّخين المتقدّمين ـ أنـّه كان يرتّب
التفاصيل المختلفة للحوادث بطريقة منطقيّة
لا تتغيّر، فهو مثلاً يبدأ مغازيه بذكر قائمة
طويلة من الرجال الذين نقل عنهم تلك الاخبار،
ثمّ يذكر المغازي واحدةً واحدةً مع تأريخ
محدّد للغزوة بدقّة، وغالباً ما يذكر تفاصيل
جغرافيّة عن موقع الغزوة، ثمّ يذكر المغازي
التي غزاها النبي بنفسه، وأسماء الذين
استخلفهم على المدينة أثناء غزواته، وأخيراً
يذكر شعار المسلمين في القتال، كلّ ذلك
بالاضافة إلى وصفه لكلّ غزوة باُسلوب
موحّد: فيذكر أوّلاً اسم الغزوة وتأريخها
وأميرها.

وكثيراً ما يقدِّم لنا الواقدي قصّة
الواقعة بإسناد جامع، أي يجمع الرجال
والاسانيد في متن واحد، وإذا كانت الغزوة قد
نزل فيها آيات كثيرة من القرآن الكريم، فإنّ
الواقدي يفردها وحدها مع تفسيرها ويضعها في
نهاية أخبار الغزوة، وفي المغازي المهمّة
يذكر الواقدي أسماء الذين استشهدوا فيها.

وإنّ ما أورده في الكتاب من التفاصيل
الجغرافيّة لَيوحي بجهده ومعرفته للدقائق في
الاخبار التي جمعها في رحلته إلى شرق الارض و
غربها طلباًللعلم([4]).
وقد روى ابن عساكر والخطيب البغدادي وابن
سيّد الناس([5])
عن الواقدي أنـّه قال: ما أدركت رجلاً من
أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولىً لهم
إلاّ سألته: هل سمعت أحداً من أهلك يُخبرك عن
مشهده وأين قُتل؟ فإذا أعلمني مضيت إلى
الموضع فاُعاينه، و ما عَلِمت غزاة إلاّ مضيت
إلى الموضع فاُعاينه، حتّى لقد مضيت إلى «المريسيع»
فنظرت إليها.

ورووا عن هارون الغروي قال: رأيت
الواقدي بمكّة ومعه رَكْوَة فقلت: أين تريد؟
قال: اُريد أن أمضي إلى حُنين حتّى أرى الموضع
والوقعة.

ويشهد لنباهة الواقدي بهذا الشأن ما
قصّه تلميذه وراويته ابن سعد في الطبقات: أنّ
هارون الرشيد ويحيى بن خالد البرمكي حين زارا
المدينة في حَجّتهما، طلبا من يدلّهما على
المشاهد وقبور الشهداء، فدلّوهما على
الواقدي، فصحبهما في زيارتهما فلم يدع موضعاً
من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلاّ مرّ
بهما عليه. فمنحه هارون الرشيد عشرة آلاف
درهم، فصرفها في قضاء ديون كانت قد تراكمت
عليه وزوّج بعض ولده وبقي في يسر وسعة([6]).

ولكنّه يعود فيقول: إنّه لحقه دين بعد
ذلك فذهب إلى العراق سنة 180هـ([7]).
ويفصّل الخطيب عن الواقدي يقول: كانت للناس في
يدي مئة ألف درهم اُضارب بها في الحنطة، و
تلفت الدراهم، فشخصت إلى العراق فقصدت يحيى
بن خالد البرمكي([8]).
ويفصّل ابن سعد عنه أيضاً يقول: ثمّ إنّ الدهر
أعضّنا، فقالت لي اُمُّ عبدالله: يا أبا عبد
اللّه ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد
عرفك وسألك أن تسير إليه حيث استقرّت به الدار.
فرحلت من المدينة. ولمّا دخل بغداد وجد
الخليفة والبلاط قد انتقلوا إلى الرقّة
بالشام فرحل إليهم حتّى لحق بهم5([9])
فيقول: صار إليّ من السلطان ستمئة ألف دِرْهم
ما وجبت عليّ فيها الزكاة([10]
ثمّ رجع معهم إلى بغداد وبقي بها، حتّى قدمها
المأمون فجعله قاضياً لعسكر المهدي([11]
وكان العسكر في الجانب الشرقي وكان الواقدي
في الجانب الغربي فلمّا انتقل حمل كتبه على
عشرين ومئة وقر([12]
فولّي القضاء مدّة أربع سنوات قبل وفاته،
وأوصى إلى المأمون فنفّذ وصيّته وأرسل إليه
بأكفانه وقضى دَينه([13]).

ذكر ابن سعد ـ وهو تلميذه وكاتبه
وراويته ـ يقول: مات ببغداد ليلة الثلاثاء
لاحدى عشرة ليلة خَلَت من ذي الحجّة سنة سبع
ومائتين ودُفن يوم الثلاثاء في مقابر
الخيزران، وهو ابن ثمان وسبعين سنة5([14]).

مكانة الواقدي في الرواية والعلم:


وتتجلّى مكانته في الرواية والعلم في
وصف كاتبه وتلميذه ابن سعد له يقول: كان
عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح واختلاف
الناس في الحديث والاحكام، واجتماعهم على ما
أجمعوا عليه، وقد فسّر ذلك في كتب استخرجها
ووضعها وحدّث بها([15]).

و قال عنه ابن النديم في الفهرست: إنّه
كان عنده غلامان يعملان ليلاً ونهاراً في نسخ
الكتب، وقد ترك عند وفاته ستمئة قِمَطْر من
الكتب يحتاج كلّ منها إلى رجلين لحمله([16]).

ونقل الخطيب البغدادي عن عليّ بن
المديني: إن ما جمع الواقدي من الاحاديث

بلغ عشرين ألف حديث([17])، ونقل ابن
سيّد الناس عن يحيى بن معين أنـّه قال: أغرب
الواقدي على رسول اللّه في عشرين ألف حديث.
ثمّ قال ابن سيّد الناس: وقد روينا عنه من
تتبُّعه آثار مواضع الوقائع وسؤاله من ابناء
الشهداء والصحابة ومواليهم عن أحوال سلفهم ما
يقتضي انفراداً بالروايات وأخباراً لا تدخل
تحت الحصر([18]).
ونقل الذهبي عن إبراهيم الحربي أنـّه كان
يقول عنه: إنّه كان أعلم الناس بأمر الاسلام،
فأمّا أمر الجاهليّة فلم يعلم منها شيئاً([19]
ثمّ ذكروا له زهاء ثلاثين كتاباً.

ونرى في قائمة كتبه كتاب الطبقات،
ولنا أن نتمثّله في كتاب الطبقات الكبرى
لتلميذه وكاتبه محمّد بن سعد، فقد نقل عنه
كثيراً ولا شكّ أنـّه صنّفه على غرار كتاب
شيخه وروى فيه عن غيره أيضاً.

ومن كتبه كتاب الردّة، ذكر فيه ارتداد
العرب بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه وآله،
ومحاربة الصحابة لطلحة بن خويلد الاسدي
ومسيلمة الكذّاب وسجاح في اليمامة والاسود
العنسي في اليمن. وقد نقل عنه تلميذه ابن سعد
في الطبقات والطبري في تأريخه أخبار الاحداث
التي تلت وفاة النبي، وإنّما هو من كتابه في
الردّة.

ويمكن القول بأنّ ما نقله ابن سعد،
والطبري عنه عن الواقدي من أخبار الجاهليّة
فهو من كتاب سمّوه: كتاب التأريخ والمغازي
والمبعث، هكذا بتقديم المغازي على المبعث
وتأخير المبعث عن المغازي، الذي عدّوه غير
كتاب المغازي. والطبري ينقل المغازي عن
الواقدي مباشرة، ولكنّه حين يُورد أخبار
الجاهليّة وما قبل الاسلام فإنّه يرويها عن
ابن سعد عن الواقدي، ممّا يدلّ على أنـّه
اعتمد في المغازي على كتاب المغازي للواقدي،
وأمّا في أخبار الجاهليّة فهي من كتاب آخر له
لعلّه هو التأريخ والمبعث.

ومن كتبه فتوح الشام وفتوح العراق،
وقد نقل البلاذري في كتابه «فتوح البلدان» عن
الواقدي كثيراً، وهو من تلامذة ابن سعد
كاتب الواقدي، فهو قد روى كتاب شيخه له، ورواه
البلاذري كما نقل ابن كثير في (البداية
والنهاية) كثيراً من حوادث سنة 64 هـ ، والطبري
نقل عنه كثيراً من حوادث النصف الثاني من
القرن الثاني أي التي عاشها الواقدي.

حول تشيّع الواقدي وابن إسحاق:


قال ابن النديم في فهرسته عن الواقدي:
كان يتشيّع، حسن المذهب، يلزم التقيّة، وهو
الذي روى أن عليّاً كان من معجزات النبيّ صلّى
اللّه عليه وآله كالعصى لموسى وإحياء الموتى
لعيسى بن مريم عليهما السلام، وغير ذلك من
الاخبار([20]).

ونقل هذا القول عنه السيّد الامين
العاملي صاحب (أعيان الشيعة) وترجم له([21]).
وكذلك ذكره آقا بزرك الطهراني في (الذريعة إلى
تصانيف الشيعة)([22])
عند الحديث عن تأريخ الواقدي. بينما لم يذكره
الشيخ الطوسي في فهرسته ولا رجاله ولا ذكر
كتاباً من كتبه حتّى مقتل الحسين عليه السلام.

وابن أبي الحديد حينما ينقل فقرة
طويلة عن الواقدي ثمّ يورد رواية اُخرى
مختلفة عن الاولى يبدؤها بقوله: «وفي رواية
الشيعة»([23])
ممّا يدلّ على أنـّه لم يعتبره شيعيّاً ولا
مُمثّلاً لهم.

ومن الطريف أن يلاحظ أنّ ابن إسحاق
أيضاً كان يُتّهم بالتشيّع5([24]).

ولعلّ السبب في وصفهما بالتشيّع لا
يرجع إلى عقيدتهما الشخصيّة، بل إلى ما ورد في
كتابيهما من الاخبار التي يعرضانها ممّا
تقتضيه طبيعة التأليف في مثل هذه الموضوعات
لا عن عقيدة صحيحة بها، وإلى ما أورداه في بعض
المواضع من كتابيهما بشأن جماعة من الصحابة
منهم بعض الخلفاء فيذكرانهم بعبارات لا تضعهم
في الموضع المعتبر لهم عند كثير من المسلمين.

ولذلك فإنّ أكثر النقّاد من المحدّثين
الاوائل كانوا يضعّفون الواقدي في الحديث.

فقد قال البخاري والرازي والنسائي
والدارقطني: إنّه متروك الحديث، ولكنّهم لم
يُجمعوا على ذلك، فقد وصفه الدرآوردي بأنـّه:
أمير المؤمنين في الحديث.

وقال يزيد بن هارون: الواقدي ثقة.

ووثّقه مصعب الزبيري، ومجاهد بن موسى،
والمسيّب وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو بكر
الصغاني([25]).

وقال إبراهيم الحربي: هو آمن الناس على
أهل الاسلام([26]).

وقال ابن النديم: كان عالماً بالمغازي
والسِّير والفتوح واختلاف الناس في الحديث
والفقه والاحكام والاخبار([27]).

أمّا بالنسبة لابن إسحاق: فقد عقد
الخطيب البغدادي في كتابه (تأريخ بغداد) وكذلك
ابن سيّد الناس في كتابه (عيون الاثر) فصلين
فنّدا فيهما جميع المطاعن التي وجّهت إليه.

وبالنسبة لتشيّعه وقوله بالقدر قالا
ما ملخّصه: أمّا ما رمي به من التدليس والقدر
والتشيّع فلا يوجب ردّ روايته، ولا يوقع فيها
كبير وهن، أمّا التدليس فمنه القادح وغير
القادح، ولا يُحمل ما وقع هنا من مطلق التدليس
على التدليس المُقيّد بالقادح في العدالة،
وكذلك القدر والتشيّع لا يقتضيان الردّ إلاّ
بضميمة اُخرى لم نجدها هنا.

والعجيب أنـّك لا تجد شيئاً من هذا
التشكيك في عبدالملك بن هشام مهذِّب سيرة ابن
إسحاق، فلو كان العيب في هذا الباقي من سيرة
ابن إسحاق لشمل الشكّ ابن هشام أيضاً.

وعندئذ نطمئنّ إلى أنّ العيب ليس في
هذا الباقي بل فيما قال عنه ابن هشام: «وتاركٌ
بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب... أشياء
بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس
ذكره، وبعض لم يقرّ لنا البكّائي بروايته،
ومُستقص ما سوى ذلك».

وعندئذ تجد محور اتَّهام التشيّع
أيضاً. وقد رأينا أنـّا إذا استثنينا هذين
المتّهمين بالتشيّع لم يبقَ لعامّة المسلمين
شيء يُذكر في السيرة ولا المغازي. وعندئذ ندرك
أيضاً أنّ السابقين الاوّلين إلى تدوين سيرة
الرسول ومغازيه أي الصدر الاول من تأريخ
الاسلام هُم من شيعة أئمّة أهل البيت عليهم
السلام أو المقاربين لهم المتّهمين بهم.




([1])
سيرة ابن هشام 1 : 4.





([2])
وانظر تهذيب التهذيب 9 : 44.





([3])
مغازي الواقدي: 29.





([4])
مقدّمة المحقّق للمغازي: 1 : 31.





([5])
تأريخ مدينة دمشق 11 : 5 ، وتأريخ بغداد 3 : 6،
وعيون الاثر 1 : 18.





([6])
انظر الطبقات 5 : 315.





([7])
الطبقات 7 : 77 .





([8])
تأريخ بغداد 3 : 4.





([9])
الطبقات 5 : 315.





([10])
تاريخ بغداد: 3 : 20.





([11])
الطبقات 7 : 77.





([12])
تأريخ بغداد 3 : 5 ، وعيون الاثر: 1 : 18 ، والوافي
بالوفيات 4 : 238 ، وسير أعلام النبلاء 7 : 118.





([13])
الطبقات 5 : 315 ، وتأريخ بغداد 3 : 20 ، وتأريخ
دمشق 11 : 3 ، والوافي بالوفيات 4 : 238.





([14])
الطبقات 7 : 77.





([15])
الطبقات 5 : 144.





([16])
الفهرست: 144.





([17])
تأريخ بغداد 3 : 13.





([18])
عيون الاثر 1 : 20.





([19])
سير الاعلام 7 : 117.





([20])
الفهرست: 144.





([21])
أعيان الشيعة 46 : 171.





([22])
الذريعة 3 : 293.





([23])
شرح نهج البلاغة 3 : 339.





([24])
معجم الاُدباء: 18 : 7.





([25])
تهذيب التهذيب 9 : 364.





([26])
عيون الاثر: 1 : 18.





([27])
الفهرست: 144.




/ 1