دور أهل البیت (ع) فی بناء الکتلة الصالحة ‌(06) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دور أهل البیت (ع) فی بناء الکتلة الصالحة ‌(06) - نسخه متنی

السید محمد باقر الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات


دور أهل البيت في بناء الكتلة الصالحة


(6)

الجانب الوجداني والعاطفي


سماحة السيد محمد باقر الحكيم (العراق)

التأكيد على الجانب الوجداني
والعاطفي:

لقد سلك أهل البيت عليهم السلام في
ترسيخ الايمان والعقيدة والالتزام بالمذهب
الصحيح على مستوى الجانب الروحي والمعنوي
منهج تصعيد درجة الحبّ والولاء لهم، وتعميق
جذوره واُصوله وربطه بالكثير من المعاني
والقيم والمثُل من ناحية، وبالنتائج والاثار
في مستقبل حياة الانسان من ناحية اُخرى. حيث
لم يقتصروا في ذلك على الادلّة والبراهين
والبيانات الصحيحة، بل استخدموا الوجدان
والعاطفة في ترسيخ ذلك.

وقد كان لهذا الحبّ دور عظيم في صمود
أتباع أهل البيت في مواجهة الضغوط والالام
التي كانوا يتعرّضون لها، حتّى إنّهم كانوا
على استعداد لان يتنازلوا عن حياتهم وكلّ
أموالهم ويتعرّضوا لالوان المحن والالام من
أجل هذا الحبّ والودّ الذي كانوا يحملونه
لاهل البيت عليهم السلام.

وقد كان لهذه التربية أثر عظيم ليس على
شيعتهم وأتباعهم فحسب، بل كان لها أثر عظيم في
أوساط المسلمين، بحيث أصبحت قضيّة الحبّ لاهل
البيت ميزاناً يتميّز به الانسان المسلم
المتّزن في سلوكه وعواطفه عن الانسان الذي
يتظاهر ويدّعي الاسلام، ولكنّه يفقد المشاعر
الانسانيّة والاسلاميّة الصحيحة، حيث يُبتلى
بالنصب والحقد على أهل البيت عليهم السلام.

ولما كان هذا الحبّ والمودّة في
القربى ذات أصل إلهي، حيث أكّد عليها القرآن
الكريم في قوله تعالى: (قُلْ لا أسألـُكُمْ
عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَودّةَ فِي
القُرْبى)([1]).
وأكدت عليها السنّة النبويّة الشّريفة
المتواترة نصّاً ومعنى، وجاءت الصلاة عليهم
جزءاً من الصلاة الواجبة. كان من الطبيعي أن
يكون لهذا الحبّ هذا الاثر في أوساط
المسلمين، وأخذت تكوّن ظاهرة عامّة فيهم.

وقد عُرف عن الشافعي أبيات تعبّر عن
هذا الاثر وتشير إلى بعض الصّراعات السياسيّة
التي كانت تحارب هذا الحبّ لاهداف سياسيّة لا
دينيّة:

يا آل بيت رسول اللّه حبّكم
فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنـّكم
من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

وقوله أيضاً:

إن كان رفضاً حبّ آل محمد
فليشهد الثقلان أنـّي رافضي

وهذا الحبّ له دور عظيم معنوي وله دور
ثقافي وسياسي أيضاً. حيث كان دوره الثقافي هو
أنـّه كان يفتح القلوب إلى الهدى والصلاح
والتأثّر بثقافة أهل البيت وتعاليمهم.وكان
دوره السياسي هو إيجاد المزيد من الحماية
لاهل البيت وأتباعهم، وتهيئة الفرص المناسبة
للايمان بولايتهم ودورهم في التاريخ
الاسلامي.

ولذلك كانت الحرب السياسيّة الّتي
مارسها الاعداء السياسيّون لاهل البيت ضدّ
قضية الحبّ والمودّة. ولذلك أيضاً كان
التعصّب والنصب والحقد صفة لاولئك الاعداء
السياسيين الذين كانوا على استعداد لارتكاب
كلّ الجرائم الوحشية ضدّ أهل البيت وأتباعهم.

مع أنّ قضية الحبّ والمودّة كانت
واضحة على مستوى النّصوص الاسلاميّة
الشرعيّة، وعلى مستوى الوقائع التأريخيّة،
وعلى مستوى الممارسة في عصر النبي والصحابة
والتابعين وبقية المسلمين الصالحين.

وهناك المئات من النصوص الواردة عن
النبي صلّى اللّه عليه وآله وعن أهل البيت
تكرّس قضية حبّ أهل البيت كهدف أساسي،
وكوسيلة للوصول إلى ثواب اللّه تعالى ورضوانه
ومغفرته.

قال الامام علي عليه السلام: «عليكم
بحبّ آل نبيّكم، فإنه حقّ اللّه عليكم،
والموجب على اللّه حقّكم، ألا ترون إلى قول
اللّه تعالى: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ
أجْراً إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى)»([2]).

الرابعة: روح التضحية والفداء


ترسيخ روح التضحية والفداء،
والاستعداد للتنازل عن الدنيا وشهواتها من
أجل العقيدة والمبدأ، وإشاعة روح الجهاد
والكفاح من أجل المبادئ السامية والاهداف
النبيلة.

حيث نهج الائمّة إلى ذلك مختلف
الاساليب، تبدأ من تضحيتهم واستعدادهم للبذل
والعطاء بأعلى الدرجات، بحيث كانوا هم الهدف
الذي يتعرّض لسهام الاعداء ومؤامراتهم.
وأصبحت قضية الامام الحسين عليه السلام
القمّة في هذه التضحية ومن قبله الامام علي
عليه السلام وبعده الائمّة الاطهار وفي جميع
المجالات.

وإلى جانب ذلك نجد تأكيد الائمّة على
هذه الملحمة والمصيبة العظيمة في التأريخ
الاسلامي ليس من أجل كشف المظلومية وإزالة
القناع عن الوجه القبيح للعهد الاُموي فحسب،
بل من أجل جعل التضحية مناراً يقتدي به
السائرون في طريق الجهاد أيضاً.

قضية الامام الحسين عليه السلام


وقد تناولنا في الجانب الثقافي وفي
موضوع الشعائر قضية الامام الحسين عليه
السلام من خلال الابعاد الثقافيّة
والاخلاقيّة والعقائديّة، ولكن يمكن أن نرى
فيها على مستوى الجانب الروحي والمعنوي ـ
بالاضافة إلى الخصوصيات السابقة ـ الابعاد
التالية:

1 ـ إنّ قضيه الامام الحسين عليه
السلام تمثّل قضيّة الصراع بين الحقّ والباطل
ليس على مستوى الاسلام والكفر الصريح، بل
تمثّل الصراع بينهما على مستوى الانحرافات
الحادّة في داخل المجتمع الاسلامي والنظريّة
الاسلاميّة. وهي إلى جانب ذلك تمثّل الحقّ
الذي لا شبهة فيه مطلقاً، في الوقت الذي
يتعرّض فيه الحقّ إلى هذا القدر من الظلم
والاستهتار والهوان.

وعلى هذا الاساس نجد أنّ هذه الرؤية
تكاد تكون مسلّمة لدى جميع المسلمين بدون
استثناء، ويتفاعل معها المسلمون في كلّ زمان
بالرغم من المحاولات السياسيّة والثقافية
التي بذلها الاُمويون وأتباعهم لتشويه هذه
القضيّة، وفي محاولة تركيز ثقافة السكوت
والاستسلام للظالم والقبول بولايته
وشرعيّتها بعد فرض السيطرة والقدرة، على ما
أشرنا إلى ذلك في بعض الابحاث.

وبقيت قضية الامام الحسين عليه السلام
مناراً يهتدي به الضّلال والتّائهون في ظلمات
التزوير والخداع، كما يستمد منه المجاهدون
والثائرون والمناضلون الرؤية والقوّة
والعزيمة.

2 ـ القيم الاخلاقيّة الانسانيّة
الّتي تجسّدها هذه الملحمة التأريخية، حيث
تمثل مدرسةً في هذا الجانب الانساني العظيم.

ولعلّ سرّ استمرار بقاء هذه الملحمة
في قدرتها على التأثير والتفاعل هو هذا
المضمون الاخلاقي الرائع لها الذي ينسجم مع
أوليّات الفطرة الانسانية. حيث تجسّد معاني
العزّة والكرامة والاباء والشجاعة والايثار
والرأفة بالاعداء، والشعور بالمسؤولية تجاه
الاسلام والمسلمين، والثبات على المبادئ
والصبر على النوائب والالام والمصاعب، وبذل
الجهد وإفراغ الوسع في هداية الناس وإنقاذهم،
والعلاقات الانسانيّة الرفيعة في دائرة
الارحام والاصدقاء والاولياء، والقيادة
والاُمّة، وبين الشعوب أنفسها.

إنّ هذه القيم والمثل عندما تُجسَّد
عملياً في ساعات المحنة وتُرسم معالمها
بالدماء والتضحيات يكون لها مدلول يختلف في
عمقه ودرجته ومستواه عن مداليلها عندما تطرح
كشعار أو ثقافة عامّة عند الاُمّة.

3 ـ الدّرجة العالية في التضحية
والفداء من أجل الاسلام ومصالح الاُمّة
الاسلاميَّة.

فإنّ القضية الحسينيّة تتميّز بهذه
الميزة التضحوية العظيمة حيث لم تكن التضحية
بالمال والولد والاُخوة والاصحاب وحدها، بل
كان إلى جانب ذلك كلّه التضحية بالاهل،
وتعريض النساء إلى محنة الاسر والعدوان، وقد
شملتهم العناية الالهيّة فأنقذتهم من آثارها
ونتائجها المأساويّة الاُخرى.

كما كانت أيضاً تضحية عظيمة بالجاه
والاعتبار وبالعلماء والافاضل الّذين كانوا
إلى جانب الامام الحسين عليه السلام، والذين
كانوا من الممكن أن يتحوّل كلّ واحد منهم إلى
مدرسة عظيمة في المعرفة والاخلاق.

إنّ الانسان عندما يواجه مثل هذه
الاخطار في صراعه مع الكفر والانحراف، قد يقف
متردّداً، وقد يختار السكوت والاستسلام
باعتبار حجم التضحية الكبير، كما يفعل الكثير
من الناس في التأريخ. اُولئك الّذين يحملون
المشاعر الطيبة والافكار الصحيحة والرؤية
الواضحة، ولكنّهم يقفون أو يتردّدون أو
يسقطون بسبب حجم الضغط المعادي.

وقد وجدنا هذه الحقيقة ماثلة في موقف
بعض الصّالحين في عصر الامام الحسين عليه
السلام، فضلاً عن العصور الاُخرى، حيث نصحه
بعضهم بعدم الخروج إلى العراق انطلاقاً من
هذه الحقيقة، أمثال محمد بن الحنفيّة،
وعبدالله بن جعفر، وعبدالله بن عباس، الذين
يمثّلون أقرب الناس إلى الامام الحسين عليه
السّلام، وكانوا يمتلكون نفس الرؤية الّتي
كان يمتلكها الامام الحسين عليه السلام في
النظام الحاكم، ولكنّهم لم يكونوا يملكون هذا
الفهم للتضحية والفداء.

4 ـ الوضوح في المظلوميّة، هذا الشيء
الذي يهزّ المشاعر ويوضّح الطريق، حيث أنّ
الامام الحسين تمكّن أن يمهّد الطريق لنهضته
من خلال العمل الاعلامي الجيّد، والخطاب
السياسي القوي، والتحرّك على الاُمّة،
والتجاوب مع متطلّبات المرحلة وحاجاتها،
بحيث أدّى ذلك كلّه إلى أن يطلب من الاُمّة
التصدّي لقيادة المسيرة، والقيام لمواجهة
الظالمين، فأصبحت القاعدة الشعبيّة مهيّأة
ومتجاوبة مع هذه النهضة، وتؤمن بأهدافها
ومنطلقاتها، وإن كانت الاُمّة لم ترتفع إلى
مستوى الارادة الشجاعة والعزيمة القوية.

ولا شكّ بأنّ اقتران قضيّة الامام
الحسين عليه السلام بهذا العامل، وكذلك ما
واجهه من خذلان وغدر بعد دعوته للقيام، كان له
تأثير كبير في الروح المعنوية لدى هذه
الجماعة الصالحة التي كانت تحرص دائماً أن لا
تتكرر في أوساطها هذه التجربة المؤلمة.

وليس من الضروري أن يتفاعل مع هذا
الجانب خصوص اُولئك الذين ارتكبوا الذنب
ليحصل عندهم الشعور بالندم، بل يمكن أن
يتفاعل مع هذا الجانب جميع أولئك الذين
يشاهدون هذه التجربة أو يعقلونها في حياتهم
حذراً من الوقوع في نفس المستنقع الّذي وقع
فيه الاخرون أو الانتهاء إلى نفس مصيرهم.

5 ـ المأساة المتعدّدة الابعاد، فإنّ
مأساة الامام الحسين عليه السلام لم تكن ذات
بعد واحد، بل فيها أبعاد متعدّدة يكاد
الانسان يجد في معالمها جميع الابعاد
المأساويّة التي يواجهها في حياته الشخصيّة
أو الاجتماعيّة.

فقتل الابناء والاُخوة والاطفال
والشيوخ والنساء والاصدقاء والاولياء
والضعفاء، والنهب والسلب و التمثيل والتعذيب
النفسي والجسدي، والعدوان المادّي والمعنوي
بمختلف أشكاله ... إلى غير ذلك من المعالم
كلّها نجدها في هذه المأساة المروّعة. ويعطي
هذا الجانب زخماً روحيّاً ومعنويّاً آخر لهذه
القضيّة العظيمة.

6 ـ العزم والتصميم على الشهادة
والفداء بالرغم من أن الظروف السياسيّة
المنظورة كانت تنبّئ بهذه النتائج، وأن هذه
الحركة ليست بقادرة على الاطاحة بنظام يزيد.
وهذا الفهم لهذه الظروف كان واضحاً من
تصريحات الامام الحسين عليه السلام، ونصائح
معاصريه، والنتائج التي انتهت إليها
المعركة، بالرغم من السعي الحثيث والواسع
الّذي بذله الامام الحسين للتمهيد لهذه
الحركة، بهدف بقاء آثارها المعنويّة.

فشهادة الامام الحسين عليه السلام
كانت مع التصميم على هذه الشهادة، وهذا
يعطيها زخماً معنوياً عالياً. إذ إن كلّ شهادة
تقترن بهذا التصميم والعزم يكون لها أثر روحي
ومعنوي عظيم.

7 ـ إنّ الشهيد هو ابن الرّسالة
الاسلاميّة الذي تربّى في أحضانها، فهو ابن
بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والذي
كان يوليه النبي صلّى اللّه عليه وآله عناية
خاصة متعمّدة ومقصودة بهدف إيجاد التأثير
لهذه الواقعة في نفوس المسلمين. وقد كان
الامام الحسين وأخوه الامام الحسن واختهما
السيدة زينب سلام اللّه عليهم يمثلون الذريّة
الباقية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إذ
لم تكن له ذريّة غير هذه الذريّة.

وهو في نفس الوقت ابن الامام علي عليه
السلام الذي كان له موقع خاص بين المسلمين.

وكان إلى جانب الامام الحسين أيضاً
الذريّة الطاهرة لاخوته وأولاده وأخواته
وأهل بيته. كلّ ذلك كان له تأثير كبير في إيجاد
هذه الروح المعنويّة العالية.

وبعد كلّ ذلك نجد تأكيد الائمّة عليهم
السلام في أحاديثهم ومخاطباتهم لشيعتهم على
ما يستلزمه الانتماء لهم والارتباط بهم من
التعرّض إلى مختلف أنواع البلاء والمحن. بل
إنّ ذلك هو لازم ضروري للايمان، بحيث يعبّر عن
مقياس لدرجة الايمان التي يتّصف بها الانسان.

كما إنّ الائمّة عليهم السلام تحدّثوا
مع شيعتهم بأنّ هذه الصفة لا يستحقّها إلاّ
اُولئك الاشخاص الّذين لديهم ذلك الاستعداد
إلى التضحية العالية. وكانوا يختبرون إخلاصهم
وصدقهم من خلال هذا الاستعداد.

وفي نفس الوقت وردت عنهم أحاديث كثيرة
تحثّ أتباعهم على التضحية والفداء والبذل
والعطاء والجهاد في سبيل اللّه.

وإليك نماذج من هذه الحقائق
والتعليمات والارشادات:

1 ـ عن أبي جميلة قال: «قال أبو
عبداللّه عليه السلام: كانت وصيّة أمير
المؤمنين عليه السلام لاصحابه: اعلموا أنّ
القرآن هدى الليل والنهار، ونور الليل المظلم
على ما كان من جهد وفاقة، فإذا حضرت بليّة
فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة
فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، واعلموا أن الهالك
من هلك دينه، والحريب من حرب دينه، ألا وإنّه
لا فقر بعد الجنّة، وأنـّه لا غنى بعد النار،
لا يُفكّ أسيرها ولا يبرأ خريرها»([3]).

2 ـ عبدالرحمن بن الحجاج قال: «ذكر عند
أبي عبداللّه عليه السلام البلاء وما يخصّ به
المؤمن فقال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله من أشدّ الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال:
النبيّون ثمّ الامثل فالامثل، ويُبتلى
المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله، فمن
صحّ إيمانه وحسن عمله اشتدّ بلاؤه، ومن سخف
إيمانه وضعف عمله قلّ بلاؤه»([4]).

3 ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ
اللّه ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد
الرّجل أهله بالهديّة من الغيبة، ويحميه
الدّنيا كما يحمي الطبيب المريض»([5]).

4 ـ عن الحسين بن علوان عن أبي عبداللّه
عليه السلام أنـّه قال ـ وعنده سدير ـ : «إنّ
اللّه إذا أحبّ عبداً عنته بالبلاء عنتاً،
وإنّا وإيّاكم يا سدير لنصبح به ونمسي»([6]).

5 ـ عن أمير المؤمنين علي عليه السلام:
«أمّا بعد فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة
فتحه اللّه لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى،
ودرع اللّه الحصينة، وجُنّته الوثيقة، من
تركه رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذلّ، وشمله
البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على
قلبه بالاسهاب، واُديل الحقّ منه بتضييع
الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف»([7]).

وهذا التقييم والفهم الشامل للجهاد له
دلالات واسعة، ولكنّ الائمّة لم يكتفوا بذلك،
بل بيّنوا وشرحوا أحكامه وأعطوه مداليل واسعة
في الحياة العملية، تشمل مجالات الكلمة
والسلوك والمواقف.

ومن خلال هذه التربية نجد أنّ أحد
المعالم الاساسيّة الّتي يتّصف بها أتباع أهل
البيت عليهم السلام والتي عرفها فيهم أعداؤهم
وأصدقاؤهم هي هذه الروح العالية في الاستعداد
للتضحية والفداء. ومن خلالها تمكّنوا ـ أيضاً
ـ أن يديموا هذا الزخم الروحي في الاُمّة
الاسلاميّة في مواجهة مختلف الظروف التي
تعرّضت لها الاُمّة.

الخامسة: روح المقاومة والصبر


لا شكّ أنّ روح المقاومة والصمود
والتحمّل والصبر على المكاره والالام والمحن
من أهمّ الصفات المعنويّة التي تؤهّل الجماعة
إلى البقاء والاستمرار من ناحية، وإلى
القيادة والريادة للجماعات الاسلامية
الاُخرى في المواجهات العامّة التي تمرّ بها
الاُمّة من ناحية ثانية. وإلى تحقيق النصر
والغلبة على الاعداء من ناحية ثالثة.

ولذلك نجد القرآن الكريم يؤكّد كثيراً
على أهميّة الصبر، ويقدّم النصح للنبيّ صلّى
اللّه عليه وآله في هذا المجال، ويستخلص
العبرة من الانبياء السابقين. قال تعالى: (فاصْبِرْ
كَما صَبَرَ أولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُل)([8]).
وقال تعالى: (قَالَ الَّذينَ يَظُنّونَ
أنـّهُمْ مُلاقُوا اللّهِ كَمْ مِنْ فِئَة
قَليلة غَلَبَتْ فِئَةً كَثيرَةً بِإذْنِ
اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرين * وَلَمّا
بَرَزوا لِجالُوتَ وَجُنودِهِ قَالُوا
رَبَّنا أفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبّتْ
أقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلى القَوْمِ
الكافِرينَ * فَهَزَموهُمْ بِإذْنِ اللّهِ)([9]).

وقد حاول أئمّة أهل البيت عليهم
السلام أن يعالجوا هذا الجانب ويبعثوا روح
الصمود والصبر والتحمّل بأساليب متعدّدة
نجدها في أحاديثهم ووصاياهم وأعمالهم، ونشير
إلى جوانب منها:

1 ـ التأكيد على أهميّة الصبر ودوره من
خلال إلفات النظر إلى ما أكّده القرآن الكريم
بهذا الصدد، أو الحديث عن الصبر بشكل مباشر،
حيث وردت أحاديث كثيرة عنهم عليهم السلام في
هذا المجال، حيث عقد في الوسائل باب مستقل
تناول هذا الموضوع، كما وردت أحاديث متفرّقة
اُخرى في مجالات عديدة.

ومن الواضح خلال هذه الاحاديث أن
الائمّة كانوا يريدون أن يعالجوا هذا الجانب
في أتباعهم([10]).
وإليك هذا النموذج الاخر:

عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «سيأتي على
الناس زمان لا ينال فيه الملك إلاّ بالقتل،
إلى أن قال: فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على
الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة
وهو يقدر على المحبّة، وصبر على الذلّ وهو
يقدر على العزّ آتاه اللّه ثواب خمسين
صدّيقاً ممّن صدّق بي»([11]).

2 ـ تفسير البلاء والمحنة على أنـّه
يمثّل قربى من اللّه تعالى و اصطفاءً
واختياراً منه تعالى لعبده الممتحن، وقدّموا
أنفسهم قدوة في هذا المجال، حيث تعرّفنا على
بعض الاحاديث في هذا المجال في النقطة
السابقة.

3 ـ بيان أن التسليم والرضا بالبلاء
والامتحان يمثّل في نفسه درجة عالية من
الايمان باللّه تعالى لا ينالها إلاّ الخاصّة
من عباده. الامر الذي يبعث في النفس حالة
الرضا والاطمئنان والصمود والمقاومة: (واجعل
نفسي مطمئنّة بقدرك راضية بقضائك... صابرة على
نزول بلائك)([12]).

4 - معالجة الضغوط النفسيّة
والاجتماعيّة التي كان يواجهها شيعتهم من قبل
الاعداء والمنافسين في مختلف المجالات،
الامر الذي يجعلهم قادرين على مواجهة الحرب
النفسيّة التي يكون أثرها السلبي عادة أكبر
من الحرب والقتال بالسيف.

فقد عالج الائمّة قضيّة قلّة العدد في
الجماعة والتي تشكّل ضاغطاً نفسيّاً بحيث قد
يؤدّي الامر إلى العزلة المطلقة في المجتمع،
وكانت هذه المعالجة بطبيعة الحال تأسّياً
بالقرآن الكريم. كما عالج الائمّة قضيّة
الاتّهامات بالانحراف، حيث كانوا يسمّون
بالرافضة.

5 ـ التأكيد على أن مصير أتباعهم هو
مصيرهم وأن مستقبلهم مقرون بمستقبل الائمّة
أنفسهم.

6 ـ بيان تفاصيل الاجر والثواب العظيم
الذي ينتظرهم بسبب هذا الانتماء وهذه
المعاناة، وأنّ هذا الانتماء والمعاناة هي
التي تكون سبباً لقبول الاعمال والنجاة في
يوم القيامة.

السادسة: شعلة الامل التي لا تنطفئ.


إنّ ابقاء شعلة الامل بالمستقبل وروح
التفاؤل والنظر إلى تكامل المسيرة عبر الالام
والمحن والمعاناة من العوامل المؤثّرة في
بقاء واستمرار الحركات والوصول إلى تحقيق
أهدافها.

ولا شكّ أن أيّ حركة تريد أن تبقى
وتستمر وتسعى إلى تحقيق أهدافها، لا بدّ لها
أن تعيش هذه الروح وتُبقي هذه الشعلة.

ولذلك نجد الرسالة الاسلامية تؤكّد في
مختلف مراحلها على الامل، وتحرّم اليأس
والقنوط مهما كانت الظروف والعقبات والالام.
قال تعالى: (حتّى إذا اسْتَيأسَ الرُّسلُ
وَظنّوا أنـّهُمْ قَدْ كُذبوا جاءَهم
نَصْرُنا فَنُجّي مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ
بَأسُنا عَن القَوْمِ المُجْرِمين)([13]).
وقال تعالى: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلوا
الجَنّةَ وَلَمّا يَأتِكُمْ مَثَلُ الّذينَ
خَلوا مِنْ قَبْلِكُمْ مسّتهمُ البأساءُ
والضرّاءُ وزُلزلوا حتّى يقولَ الرّسولُ
والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصرَ
اللّهِ قريبٌ)([14]).

وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله يتحدّث في أشدّ المحن مع أصحابه ويعدهم
فتح بلاد كسرى وقيصر، كما يحدّثنا التأريخ في
وقعة اُحد والاحزاب.

ويحاول أعداء الاسلام والمنافقون
والذين في قلوبهم مرض أن يثيروا الشكوك
ويزرعوا اليأس والقنوط في النفوس ليحقّقوا
أغراضهم، لانـّه بمجرّد أن تنطفئ شعلة الامل
ويدبّ اليأس في النفوس ينهزم الانسان ويستسلم
أمام الضغوط ويتحوّل اليأس إلى سلاح قاتل.

وتتركّز الحرب النفسيّة دائماً على
هذا الهدف الرئيسي في المشاعر الانسانيّة،
وقد عالج أهل البيت هذا الجانب بأساليب
متعدّدة يمكن أن نشاهد بعضها في النقاط
السابقة، إلاّ أن أهمّ نقطة كانت في بناء
الجماعة في هذا المجال هي قضيّة الانتظار
لظهور الامام المهدي عجّل اللّه فرجه الشريف،
حيث لم يكتفِ الائمّة عليهم السلام في الحديث
عن الامام المهدي بمجرّد طرح هذه الحقيقة
والطلب من أتباعهم الايمان بها، بل كانوا
يسعون دائماً إلى أن يجعلوا شيعتهم يعيشون
حالة الانتظار الحقيقي للظهور في مختلف
العصور وحتّى في عصر الائمّة أنفسهم، بحيث
كان أتباعهم يعيشون احتمال أن يكون كلّ واحد
من الائمّة هو الامام القائم بالامر.

وبالرغم من أن هذا الطرح كان له بعض
الاثار السلبيّة في حياة الجماعة الصالحة كما
حصل في بعض عصور الائمّة حيث اعتقد البعض
بأنـّه هو الامام القائم، وبالتالي لم يكن
على استعداد من الناحية النفسيّة أن يقتنع
بموت هذا الامام. وأحد الامثلة على ذلك هو
الامام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام،
حيث أدّى ذلك إلى القول بالوقف عليه وظهرت
مشكلة بين الجماعة الصالحة بعد وفاته.

إلاّ أنّ هذه الاثار السلبيّة سرعان
ما كانت تزول ويتغلّب عليها الائمّة عليهم
السلام بسبب قدرتهم على الاقناع، ووضوح الحقّ
إلى جانبهم. ويبقى الاثر الايجابي هو السائد
في أوساط الجماعة.

وعلى هذا الاساس أصبح الانتظار عبادة
يمارسها أبناء الجماعة الصالحة، ويتحرّكون
على أساسها، وأصبح بالتّالي التمهيد للظهور
أحد معالم هذا الانتظار، وأحد العوامل
المؤثّرة في التحرّك من أجل إقامة حكومة
العدل المطلق في تأريخ هذه الجماعة.

ولعلّ لقضيّة الامام المهدي عجّل
اللّه فرجه والتأكيد على خصوصيّة وصفة
الانتظار الاثر الكبير في هذا الجانب المعنوي
الذي تميّزت به هذه الجماعة. وهذا الاثر مما
لا نشاهده ولا نعرفه في بقيّة الجماعات
الاسلاميّة، لا لانـّها لا تؤمن بفكرة الامام
المهدي عليه السلام ـ بل لانّ هذه القضيّة من
القضايا الّتي يُجمع عليها المسلمون ولا
يختلف فيها أحد منهم ـ وإنّما بسبب أن التأكيد
والممارسة والربط بهذه القضيّة، وكذلك
الاعتقاد بوجود وحياة الامام المهدي عجّل
اللّه فرجه الشريف ليس موجوداً بهذا المستوى
وهذا الشكل في الحياة الاسلاميّة للجماعات
الاُخرى.

يتبع



([1])
الشورى: 23.

([2])
عبد الواحد الامدي، غرر الحكم ودرر الكلم: في
ما ورد عن أمير المؤمنين في حرف العين بلفظ
عليكم.

([3])
بحار الانوار 65 : 212، عن الكافي.

([4])
وسائل الشيعة 2 : 906 . باب 77 من أبواب الدفن،
حديث 1.

([5])وسائل
الشيعة 2 : 908 . باب 77 من أبواب الدفن، حديث 9 .

([6])وسائل
الشيعة 2 : 908 ، باب 77 من أبواب الدفن حديث 11.

([7])
نهج البلاغة: الخطبة 27.

([8])
الاحقاف: 35 .

([9])
البقرة: 249 ـ 251.

([10])وسائل
الشيعة 11 : 207، باب 25، حديث 1.

([11])وسائل
الشيعة 11 : 208، باب 25، حديث 2.

([12])
مفاتيح الجنان، زيارة أمين اللّه.

([13])
يوسف: 110.

([14])
البقرة: 214.

/ 1