مرجعیة العلمیة لأهل البیت (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مرجعیة العلمیة لأهل البیت (ع) - نسخه متنی

ابراهیم الأمینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسات


المرجعية العلمية لاهل البيت عليهم
السلام


سماحة الشيخ إبراهيم الاميني

لم يقتصر دور نبي الاسلام صلّى اللّه
عليه وآله على ولاية المسلمين وقيادتهم في
المسائل السياسيّة والاجتماعيّة بل كان له
دور المرجعيّة العلميّة والفكريّة
والثقافيّة. فكان صلّى اللّه عليه وآله يسدّ
حاجات المسلمين العقائديّة والفقهيّة
والاخلاقيّة، وكان المرجعَ لهم في كافّة
المسائل العلميّة التي يواجهونها، فيتلقّون
منه الجواب وبنصّ الوحي قرآناً يتلوه عليهم
أو أحاديث يبلّغها للمسلمين. كما جاء في
القرآن الكريم: (وَما يَنْطِقُ عَن الهَوى *
إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحى * عَلّمَهُ شَديدُ
القُوى)([1]).

ولقد كان الرسول الكريم صلّى اللّه
عليه وآله على علم بأنّ حاجة المسلمين
العلميّة حاجة دائمة لا تنقطع وأنـّهم بحاجة
بعده إلى مثل هذه المرجعيّة الموثوقة عند
جميع المسلمين، وأن النبتة الجديدة للاسلام
بدون مثل هذه القاعدة العلميّة الفتيّة
يستحيل بقاؤها ثابتة وشامخة ولا يمكن لها أن
تمدّ فروعها إلى جميع أنحاء العالم.

ولهذه النقطة الحسّاسة انتخب الرسول
صلّى اللّه عليه وآله أهل بيته وزكَّاهم عند
المسلمين بصفتهم المرجع العلمي الغني
والموثوق به والذي يبقى ما دام الكتاب
السّماوي باقياً لكي يسدّ حاجة المسلمين. وقد
أكّد الرّسول الكريم صلّى اللّه عليه وآله
على هذا الامر بالوصيّة إلى المسلمين مرّات
متعدّدة، كما هو مُثبـّت في كتب الشيعة وأهل
السنّة، ومن أهمّها الحديث المعروف بحديث
الثقلين الذي هو واحد من الاحاديث المشهورة
والمتواترة عند المسلمين، وقد ورد بعبارات
متعدّدة وبطرق مختلفة، نشير إلى بعضها:

ينقل مسلم في صحيحه عن زيد بن الارقم (في
احد الاحاديث) قوله:

قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم
يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خمّا بين مكة
والمدينة فحمد اللّه وأثنى عليه ووعظ وذكَّر
ثم قال: «أما بعد ألا يا أيـّها الناس فإنّما
أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب، وأنا
تاركٌ فيكم ثقلين أوّلهما كتاب اللّه فيه
الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به
ـ فَحثَّ على كتاب اللّه ورغَّب فيه ـ ثم قال:
وأهل بيتي أذكّركم اللّه في أهل بيتي،
أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في
أهل بيتي»([2]).

كما ينقل الحاكم النيشابوري عن زيد بن
الارقم قوله: لمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلم من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر
بدوحات فقممن، فقال: «كأنـّي قد دُعيت فأجبت،
إنـّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من
الاخر كتاب اللّه تعالى وعترتي فانظروا كيف
تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا
عليَّ الحوض» ثمّ قال: «إنّ اللّه عزّ وجلّ
مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن» ثمّ أخذ بيد عليٍّ
رضي اللّه عنه فقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ
مولاه، اللّهمّ والِ من والاهُ وَعادِ مَن
عاداهُ»([3]).

وينقل لنا أحمد بن يحيى البلاذري عن
زيد بن الارقم قوله: كنّا مع النبيّ صلّى
اللّه عليه وسلم في حجّة الوداع، فلمّا كنّا
بغدير خم أمر بدوحات فقممن ثمّ قام فقال: «كأنـّي
قد دُعيتُ فأجبت و إنّ اللّه مولاي وأنا
مولى كلّ مؤمن وأنا تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم
به لن تضلّوا: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي
فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض»
ثمّ أخذ بيد عليٍّ فقال: «منْ كنتُ وليَّه
فهذا وليُّه اللّهم والِ منْ والاهُ وعادِ
منْ عاداهُ» قال أبو الطفيل: قلت لزيد: أأنت
سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم؟
قال: ما كان في الدوحات أحدٌ إلاّ وقد رأى
بعينه وسمع باُذنه ذلك([4]).

وينقل ابن الاثير عن زيد بن الارقم
قوله: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «إنّي
تاركٌ فيكم ما إنْ تمسّكتم به لن تضلّوا،
أحدهما أعظم من الاخر: كتاب اللّه حبلٌ ممدودٌ
من السّماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي ولن
يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف
تخلفوني فيهما»([5]).

وينقل علي بن أبي بكر الهيثمي عن زيد
بن ثابت قوله: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلم: «إنّي تاركٌ فيكم خليفتين: كتاب اللّه
عزّ وجلّ حبل ممدودٌ ما بين السّماء والارض (أو)
ما بين السّماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، و إنـّهما
لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض»([6]).

كما إنّ الهيثمي ينقل هذا المعنى
بعبارات أُخرى عن أبي هريرة وعلي بن أبي طالب
وأبي سعيد الخدري وزيد بن الارقم وحذيفة بن
اُسيد الغفاري.

وينقل أحمد بن علي الخطيب البغدادي عن
حذيفة بن اُسيد قوله: قال رسول الله صلّى
اللّه عليه وسلم: «يا أيـّها الناس إنّي (فرط)
لكم وأنتم واردون عليَّ الحوض و إنّي
سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين
فانظرواكيف تخلفوني فيهما: الثقل الاكبر كتاب
اللّه سبب طرفه بيد اللّه وطرفه بأيديكم،
فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا»([7]).

ويروي الامام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد
قوله: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «إنّي
قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لنْ تضلّوا بعدي:
الثقلين أحدهما أكبر من الاخر: كتاب اللّه
حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الارض، وعترتي أهل
بيتي، ألا و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا
عليَّ الحوض»5([8]).

ومجمل القول أنّ حديث الثقلين قد روي
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعبارات
متعدّدة وطرق مختلفة بواسطة عدد من الصحابة
الكبار، منهم: زيد بن الارقم، أبو ذر الغفاري،
أبو سعيد الخدري، علي بن أبي طالب، زيد بن
ثابت، حذيفة بن اليمان، ابن عباس، سلمان
الفارسي، أبو هريرة، جابر بن عبداللّه، حذيفة
بن أسيد الغفاري، جبير بن مطعم، الحسن بن علي،
فاطمة الزهراء، اُم هانئ بنت أبي طالب، اُم
سلمة، أبو رافع مولى رسول اللّه وغيرهم.
وثَمّة حديث مشهور جاء فيه أنّ أمير المؤمنين
عليه السلام قام فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ
قال: اُنشد اللّه من شهد يوم غدير خم إلاّ قام،
ولا يقوم رجل يقول نُبّئتُ أو بلغني إلاّ رجل
سمعتْ اُذناه ووعاه قلبه فقام سبعة عشر رجلاً
منهم خزيمة بن ثابت وسهل بن سعد وعدي بن حاتم
وعقبة بن عامر وأبو أيوب الانصاري وأبو سعيد
الخدري وأبو شريح الخزاعي وأبو قدامة
الانصاري وأبو يعلى الانصاري، وأبو هيثم بن
التيهان([9]).

ويذكر أحمد بن حجر الهيثمي بأنّ أكثر
من عشرين من صحابة رسول اللّه قد رووا حديث
الثقلين([10]).

وقد نقل السيد هاشم البحراني في كتابه
(غاية المرام) 39 رواية من كتب أهل السنّة و82
رواية من كتب أهل الشيعة([11]).

وبالامكان قراءة حديث الثقلين في
مصادر الشيعة، وفي كتب أهل السنّة، ونشير إلى
بعضها، مثل: صحيح مسلم ج 4 ص 1874 ومسند الامام
أحمد ج 3 ص 17، 26، 59، وج 4 ص 366، 371 وج 5 ص 181، 189،
ومستدرك الحاكم ج 3 ص 109، 110، 126، 148، واُسد
الغابة ج 2 ص 12. ومجمع الزوائد ج 9 ص 162. وتاريخ
بغداد ج 8 ص 442. والسيرة النبوية لابي الفداء ج 4
ص 416. وأنساب الاشراف ج 2 ص 110. والتفسير الكبير
ج 8 ص 163. والفصول المهمة لابن الصبّاغ ص 22.
ومناقب الخوارزمي ص 93. وينابيع المودة ص 31، 32،
33، 34، 35، 39، 40، 42، 44، 45. و إسعاف الراغبين
المطبوع بهامش نور الابصار، ص 110. وتذكرة
الخواص ص 322. وذخائر العقبى ص 16. ونظم درر
السمطين ص 231 ـ 233. والسيرة الحلبية ج 3 ص 308.
ومنتخب كنز العمّال المطبوع بهامش مسند أحمد
ج 1 ص 96، 101 وج 2 ص 390 وج 5 ص 95. ونسيم الرياض ج 3
ص 410 . وشرح الشفا المطبوع بهامش نسيم
الرياض ج 3 ص 410 وغيرها.

وبهذا نستطيع أن نستخلص ثلاثة مواضيع
مهمة جداً، وهي:

الموضوع الاوّل: أنّ أهل البيت لهم
المرجعيّة العلميّة والدينيّة كالقرآن، وقد
عُرّفوا باعتبارهم مرجعاً علميّاً رئيساً
وحجّةً شرعيّةً لازمة الاتّباع، إلى درجة أن
أقوالهم وأفعالهم صحيحة مئة بالمئة، وكلّ من
يتبع أقوالهم وأفعالهم لن يضلّ أبداً.

الموضوع الثاني: أنّ أهل البيت عليهم
السلام سيظلّون باقين كما أنّ القرآن باق بين
الناس حتّى يوم القيامة.

الموضوع الثالث: أنّ القرآن وأهل
البيت لن يفترقا ولن يبتعد أحدهما عن الاخر
أبداً، ولا يستطيع أي مسلم أن يتغاضى عن أهل
البيت ويقول: حسبنا كتاب اللّه، وكذلك لا
يستطيع أيّ مسلم أن يقول بأنّ وجود أهل البيت
يكفيني ولا حاجة لي بالقرآن.

يقول أحمد بن حجر الهيثمي: لقد سمّى
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، القرآن
والعترة ـ الاهل والاقارب ـ بالثقلين لانّ
كلمة الثَقَل تطلق على الشيء الثمين الذي
تتمّ المحافظة عليه جيداً، و إنّ القرآن
والعترة هما كذلك، لانّ هذين الاثنين هما
منجم العلوم الذاتيّة والاسرار والحِكم
السّامية والاحكام الشرعيّة، ولهذا السّبب
فقد حثّ الرسول الكريم الناس على الاقتداء
والتمسّك بهما([12]).

وعلينا إذاً أن نرى من هم أهل البيت
والعترة، إنّ لفظة أهل البيت تطلق على
الاشخاص الّذين يقيمون في بيت واحد ويكونون
تحت كفالة كبير العائلة، فهل نستطيع أن نقول
بالنسبة لاهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله
أنّ المراد بهم الاشخاص الّذين يقيمون في
بيته وتحت كفالته؟

ونظراً إلى وجوب التناسب بين الحُكم
والموضوع، فإنّ مثل هذا الاحتمال مستبعد،
لانّ ذكر أهل البيت جاء في هذه الاحاديث
بصفتهم المرجع العلمي والدّيني الذي لا
يُزاحم والّذين لا خطأ ولا ضلالة في اتّباعهم.
ولهذا يجب أوّلاً: أن يكونوا عارفين بأحكام
الدّين، وثانياً أن تكون لديهم الحصانة ضدّ
أيّ خطأ ومعصية.

وهذه الصفة لم تكن موجودة في أفراد
عائلة النبيّ كافة، لهذا يجب أن يكون المقصود
بأهل البيت أفراداً معيّنين.

ولهذا السّبب فقد جاء في نهاية حديث
الثّقلين المذكور عن زيد بن الارقم ما يلي:
سُئِلَ زيد بن الارقم، من هم أهل البيت؟ هل
المقصود نساء النبي؟ أجاب زيد قائلاً: لا
واللّه، لانّ الزوجة تستطيع أن تعيش مع الرجل
لفترة وبعدها تتطلّق منه وتعود لبيت أبيها أو
أقاربها، فكيف تكون من أهل البيت؟ بل أهل بيت
النبيّ هم أولاده الّذين تحرم عليهم الصدقة([13]).

وفي هذا يكتب أحمد بن حجر أيضاً: إنّ
الّذين جاءت التوصية باتّباعهم يجب أن يكونوا
عالمين بكتاب اللّه وسنّة نبيّه، لانّ مثل
هؤلاء الاشخاص لا ينفصلون عن كتاب اللّه
ولهذا لهم الافضليّة على كافّة العلماء، لانّ
اللّه طهّرهم من الرّجس وخباثة الذّنوب([14]).

ولهذا السّبب جاء في حاشية بعض أحاديث
الثقلين ما يلي: فلا تقدّموهما فتهلكوا ولا
تقصّروا عنهما فتهلكوا ولا تعلّموهم فإنّهم
أعلم منكم([15]).

كما إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله قد زكّى أهل البيت أيضاً. ومن الامثلة
على ذلك:

عن اُم سلمة قالت: في بيتي نزلت (إنّما
يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرّجْسَ
أهْلَ البَيْتِ )قالت: فأرسل رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن
والحسين فقال: «هؤلاء أهل بيتي»([16]).

عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبي صلّى
اللّه عليه وآله قال: نزلت هذه الاية على
النبي (إنّما يُريدُ اللّه لِيُذْهِبَ
عَنْكُم الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ
وَيُطَهّرَكُم تَطهيراً) في بيت اُم سلمة،
فدعا النبي صلّى اللّه عليه وآله فاطمة
وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء وعلي خلف ظهره
ثمّ قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيراً» قالت اُم سلمة: وأنا معهم يا
رسول اللّه؟ قال: «أنتِ على مكانك إلى خير»([17]).

عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه
الاية )تَعالَوا نَدْعُ أبْناءَنا
وَأبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ
وَأنْفُسَنا وَأنْفُسَكُمْ( دعا رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً
وحسيناً رضي اللّه عنهم فقال: «اللّهم هؤلاء
أهل بيتي»([18]).

عن عائشة قالت: خرج النبي صلّى اللّه
عليه وآله غداةً وعليه مرط مرحَّل من شعر أسود
فجاء الحسن بن علي فأدخله ثمّ جاء الحسين فدخل
معه ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء علي
فأدخله ثمّ قال: (إنّما يُريدُ اللّهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ
وَيُطَهّرَكُمْ تَطهيراً)([19]).

ويستخلص من مثل هذه الاحاديث ـ وما
أكثرها ـ أنّ أهل البيت أفراد معيّنون، هم علي
بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم
السلام الّذين حدّدهم الرسول الكريم بهذا
العنوان.

وقد ذكر هؤلاء الافراد بدورهم أفراداً
آخرين مصاديق لاهل البيت، بصفتهم أئمة
المسلمين والمراجع العلميّة وذكرتهم كتب
الحديث عند الشيعة. إضافةً إلى ذلك فإنّ
الرسول الكريم صلّى اللّه عليه وآله قد بيّن
في حياته عددهم وبعض خصوصيّاتهم وحتّى
أسماءهم كما هو مذكور في كتب الحديث عند
الشيعة، مثلاً:

قال علي عليه السلام: اُنشدكم باللّه
أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم
قام خطيباً لم يخطب بعد ذلك فقال: يا أيـّها
الناس إنّي تاركٌ فيكم كتاب اللّه وعترتي أهل
بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا فإنّ اللطيف
الخبير أخبرني وعهد إليَّ أنـّهما لن يفترقا
حتّى يردا عليَّ الحوض، فقام عمر بن الخطّاب
شبه المُغضب فقال: يا رسول اللّه أكلّ أهل
بيتك؟ فقال: لا ولكن أوصيائي منهم، أوّلهم أخي
ووزيري وخليفتي في أمّتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي
هو أوّلهم ثمّ ابني الحسن ثمّ ابني الحسين ثمّ
تسعة من ولد الحسين واحدٌ بعد واحد حتّى يردوا
عليَّ الحوض، شهداء اللّه في أرضه، وحججه على
خلقه، وخزّان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم
فقد أطاع اللّه ومن عصاهم فقد عصى اللّه؟ فقال
كلّهم: نشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلم قال ذلك([20]).

وينقل إبراهيم بن محمد الجويني عن
عبداللّه بن عباس قوله: سمعت رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلم يقول: «أنا وعلي والحسن
والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون»([21]).

إنّ بحثَنا يدور إلى الان حول محور
حديث الثقلين. ولدينا أحاديث تشبه حديث
الثقلين من حيث المضمون، ونشير هنا إلى بعض
منها، كحديث السفينة:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى
اللّه عليه وسلم: «مَثَلُ أهل بيتي مثل سفينة
نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق»([22]).

وروي هذا الحديث أيضاً بأسانيد اُخرى
عن أبي سعيد الخدري وعبداللّه بن الزبير وأبي
ذر الغفاري عن النبي([23]).

ويزكّي نبيّ الاسلام صلّى اللّه عليه
وآله، في هذا الحديث أيضاً أهل البيت بصفتهم
مرجعاً علميّاً، مؤيّداً أقوالهم وأفعالهم
بصفتها حجّة للمسلمين، ويستفاد من الحديث أنّ
على المسلمين أن يتبعوا أهل البيت، وأن
يعملوا بتعاليمهم كي لا يضلّوا ويضيعوا، و إنّهم
إذا ابتعدوا عنهم فسوف يقعون لا محالة في
الضلالة والضّياع. وهذا موضوع يختلف عن إمامة
أهل البيت وولايتهم. وبموجب هذه الاحاديث
فإنّ على المسلمين أن يرجعوا إلى أهل البيت في
تعلّمهم الاحكام والتعاليم الدينية حتّى ولو
لم يعترفوا بإمامتهم.

علي بن أبي طالب يعلّم العلوم
الرساليّة


لم يتّخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله هذا القرار فجأة وبدون إعداد المقدمات
له، بل كان يشعر بضرورة مثل هذا العمل، لذا
فقد أعدّ له المقدّمات تدريجياً. كان يعلم
جيّداً أنّ بقاء وانتشار الاسلام يحتاج إلى
مرجع علمي قوي يقوم بتسجيل وحفظ كافّة أحكام
وقوانين ومعارف الدّين، ويصونها من أيّ خطأ
أو التباس حتّى يكون بإمكان المسلمين الرجوع
إلى هذا المرجع عند الحاجة.

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله
يعلم بأنّ المسلمين في تلك الظروف الصعبة
والمتأزّمة في صدر الاسلام ليس لهم الاستعداد
الكافي لكي يتعلّموا مجموعة القوانين
والاحكام والمعارف الدينيّة بصورة كاملة، أو
يسعوا للحفاظ عليها وأنّ الاحكام الالهيّة
يجب أن تُحفظ في مكان أمين وموثوق به، ولهذا
فقد انتخب الرسول صلّى اللّه عليه وآله، علي
بن أبي طالب عليه السلام لهذا الغرض، ووضع تحت
تصرّفه العلوم الدينيّة تدريجيّاً. وهذا
الامر كان تكليفاً من عند اللّه تعالى.

عن علي بن أبي طالب قال: «ضمّني رسول
الله صلّى اللّه عليه وآله وسلم وقال لي: إنّ
اللّه أمرني أن اُدنيك ولا اُقصيك وأن تسمع
وتعي وحقّاً على اللّه أن تسمع وتعي، فنزلت
هذه الاية (وَتَعيَها اُذُنٌ واعِية)»([24]).

وروي أنّ ابن عباس قال: لمّا نزلت (وَتَعيها
أذُنٌ واعِية) قال النبي صلّى اللّه عليه وآله:
«سألت ربّي عزّ وجلّ أن يجعلها أُذن علي». قال
علي عليه السلام: «ما سمعت من رسول اللّه
شيئاً إلاّ وحفظته ووعيته ولم أنسه مدى الدهر»([25]).

عن ابن عباس أنـّه قال: قال رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله: «لما صرت بين يدي ربّي
كلّمني وناجاني فما علمت شيئاً إلاّ علّمته
عليّاً فهو باب علمي»([26]).

وقال علي عليه السلام: «وقد علمتم
موضعي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله
بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني
في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره، ويكنفني في
فراشه، ويمسّني جسده ويشمّني عَرْفه، وكان
يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه وما وجد لي كذبةً في
قول ولا خطلةً في فعل، ولقد قرن اللّه به صلّى
اللّه عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم
ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن
الاخلاق ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتّباع
الفصيل إثر اُمّه، يرفع لي في كل يوم من
أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد
كان يجاور في كلّ سنة بحِراء، فأراه ولا يراه
غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وخديجة وأنا
ثالثهما، أرى نورَ الوحي والرّسالة وأشمّ ريح
النبوّة. ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل
الوحي عليه فقلت: يا رسول اللّه ما هذه
الرّنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته،
إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أنـّك
لستَ بنبيّ، لكنّك وزير و إنّك لعلى خير»([27]).

قيل لعلي عليه السلام: ما لك أكثر
أصحاب رسول اللّه حديثاً؟ قال: «إنّي كنت إذا
سألته انبأني و إذا سكتُّ ابتدأني»5.([28])

وقال علي عليه السلام (في حديث): «وقد
كنت أدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله
كلّ يوم دخلةً فيخلّيني فيها أدور معه حيث
دار، وقد علم أصحاب محمّد أنـّه لم يصنع ذلك
بأحد من الناس غيري، فربّما كان في بيتي
يأتيني رسول اللّه أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا
دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي
نساءه فلا يبقى عنده غيري، و إذا أتاني
للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا
أحد من بنيّ، وكنت إذا سألته أجابني و إذا
سكتّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على
رسول اللّه آية من القرآن إلاّ أقرأنيها
وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي، وعلّمني
تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها
ومتشابهها وخاصّها وعامّها، ودعا اللّه أن
يعطيني فهمها وحفظها، فمانسيت أيةً من كتاب
اللّه وعلماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا
اللّه لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه اللّه
من حلال وحرام ولا أمر ولا نهي كائن أو يكونُ
ولا كتاب منزّل على أحد قبله من طاعة أو معصية
إلاّ عَلَّمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً،
ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللّه لي أن يملا
قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً فقلت: يا
نبيّ اللّه بأبي أنت وأمي منذ دعوت اللّه لي
بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شيء لم
أكتبه، أفتخاف عليَّ النسيان فيما بعد؟ فقال:
لا، لست أتخوّف عليك النسيان والجهل»([29]).

وقال علي عليه السلام: «واللّه ما نزلت
آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وعلى من نزلت. إنّ
ربي وهب لي قلباً عقولاً ولسانا ناطقاً»([30]).

نستخلص من هذه الاحاديث أنّ رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله بذل عناية خاصّة
في تعليم وتربية علي بن أبي طالب عليه السلام،
ولهذا السّبب فقد قرّبه إليه، وكلّ ما كان
يستلمه من اللّه بواسطة الوحي كان يضعه تحت
تصرّفه، وكان قد طلب من اللّه عزّ وجلّ أن
يجعل عليّاً حافظاً لكلّ العلوم بأن لا ينسى
منها شيئاً وقد لبّى اللّه له طلبه، ولهذا لم
ينسَ الامام علي عليه السلام شيئاً.

علي مدينة العلم كما أكّد النبي
الكريم


ونتيجة للموهبة الذاتيّة للامام علي
عليه السلام ورعاية رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله والتوفيقات الالهيّة، فقد غدا
مدينةً للعلوم الالهيّة وهو موضوع أكّده رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله في مناسبات
عديدة، ومن أمثلة ذلك: قول النبي صلّى اللّه
عليه وآله: «لِيَهنك العلم أبا الحسن، لقد
شربت العلم شرباً ونهلته نهلاً»([31]).

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:
«أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها. فمن أراد
العلم فليأت الباب»([32]).

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:
«يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، كذب من
زعم أنـّه يصل إلى المدينة إلاّ من قبل الباب»([33]).

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:
«أنا دار الحكمة وعلي بابها»([34]).

وروى سلمان الفارسي عن النبي صلّى
اللّه عليه وآله انّه قال: «أعْلَمُ أُمّتي من
بعدي علي بن أبي طالب»5.([35])

وعن عبداللّه قال: كنت عند النبي صلّى
اللّه عليه وآله فَسُئِل عن علي عليه السلام
فقال: «قُسّمتْ الحكمة عشرةَ أجزاء فأُعطي
علي تسعَة أجزاء والناس جزءاً واحداً»([36]).

وعن أنس بن مالك قال: إنّ النبي صلّى
اللّه عليه وسلّم قال لعلي: «أنت تبيّن
لاُمّتي ما اختلفوا فيه بعدي»([37]).

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «إنّ أقضى أُمّتي
علي بن أبي طالب»([38]).

تدوين العلوم من قبل الامام علي عليه
السلام


كان علي بن أبي طالب عليه السلام
معصوماً من أيّ خطأ أو نسيان، وعند حفظ
الاحاديث لم يكن يحتاج إلى كتابتها، ولكنّه
كان مكلّفاً من قبل رسول اللّه أن يدوّن كلّ
ما يسمعه في كتاب معيّن، حتّى يبقى للاخرين من
بعده.

قال علي عليه السلام: قال رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله: «يا علي اُكتب ما اُملي
عليك، قلت: يا رسول اللّه أتخاف عليَّ
النسيان؟ قال: لا، وقد دعوت اللّه عزّ وجلّ أن
يجعلك حافظاً، ولكن اكتب لشركائك الائمة من
ولدك»([39]).

كما أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام
وبتكليف من رسول اللّه كان يدوّن العلوم
أيضاً في كتاب معيّن، وهذه هي نفس الكتب الّتي
بقيت لكلّ الائمّة، وكانوا ينقلون عنها، وفي
بعض الاحيان كانوا يشيرون إليها بقولهم: في
كتاب علي، أو في الصحيفة أو الجامعة ذُكِر كذا
أو قرأت في كتاب علي، وعلى سبيل المثال:

عن محمد بن الحكم عن أبي الحسن عليه
السلام قال: «إنّما هلك من كان قبلكم بالقياس،
إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه حتّى
أكمل له جميع دينه في حلاله وحرامه، فجاءكم
بما تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به
وبأهل بيته بعد موته. و إنّه مُصحفٌ عند أهل
بيته»([40]).

عذافير الصيرفي قال: كنت مع الحَكمِ بن
عُيَيْنةَ عند أبي جعفر عليه السلام فجعل
يسأل وكان أبو جعفر عليه السلام له مكرماً
فاختلفا في شيء فقال أبو جعفر: «يا بنيّ قم
فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً» ففتحه وجعل
ينظر حتّى أخرج المسألة فقال أبو جعفر: هذا خط
علي و إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله وأقبل على الحكم وقال: «يا أبا محمّد!
إذهب أنت وَسَلَمة وأبو المقدام حيث شئتم
يميناً وشمالاً فواللّه لا تجدون العلم أوثق
منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل»([41]).

سأل زرارة أبا عبداللّه عليه السلام
عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب من
الوبر فأخرج كتاباً زعم أنـّه إملاء رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله: إنّ الصلاة في
وبر كلّ شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره
وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد لا تقبل
منه تلك الصلاة»([42]).

بكر بن كرب الصيرفي قال: سمعت أبا
عبداللّه عليه السلام يقول: «إنّه عندنا ما لا
نحتاج إلى النّاس ليحتاجون إلينا، و إنّ
عندنا كتاباً إملاءُ رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله وخطُّ علي، صحيفةً فيها كلّ حلال
وحرام»([43]).

ومثل هذه الاحاديث كثير في كتب
الشيعة، ونكتفي بهذا القدر منها.

وكما لاحظتم فإن بإمكاننا أن نستنتج
من الاحاديث المذكورة أنّ أئمّة أهل البيت
وأبناء النبيّ كانت لديهم كتب وصحائف من
إملاء رسول اللّه وبخطّ علي عليه السلام،
وكانت كافّة المتطلّبات العلميّة والدينيّة
للناس مسجّلة في هذه الكتب، وكان أهل البيت
يستفيدون منها ويستشهدون بما فيها عند
الضرورة.

وكان الرسول الاكرم والائمّة عليهم
السلام يبذلون عناية كاملة لاعداد وتسجيل هذه
الكتب بموجب التكليف الالهي والخطّة المعدّة
من قبل، وكانوا يحقّقون بهذا هدفين كبيرين
هما:

الهدف الاوّل: الحفاظ على علوم الدّين
و إبقاؤها بعيدة عن متناول الحوادث، لكي
تبقى دائماً محفوظة للمسلمين عند أئمّة أهل
البيت على شكل كتب مدوّنة بصفتها المصدر
الاسلامي المهم الّذي أملاه رسول اللّه وكتبه
علي عليه السلام حتّى يرجعوا إليه عند الحاجة.

الهدف الثاني: توجيه أنظار المسلمين
إلى أهل البيت الّذين هم أحسن قادة الدّين
والمحافظون على علوم النبوّة، لانّ لديهم
كتباً جامعة ومهمّة لا توجد عند غيرهم،
فيتعلّم المسلمون منهم أحكام الشريعة
وقوانينها ومعارف الدّين وعلومه، ويستفيدوا
من علومهم لكونها موثوقة لا شبهة فيها. وبهذه
الوسيلة مهَّد الرسول الكريم الطريق لتثبيت
المرجعيّة العلميّة لاهل البيت.

نَقْل الحديث عن طريق الاباء


كان أئمة أهل البيت أي علي بن أبي طالب
عليه السلام وأحد عشر إماماً من نسله، ينقلون
أحاديثهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن
النبي الاكرم صلّى اللّه عليه وآله. أي أن كلّ
هذه الاحاديث الّتي وضعها رسول اللّه تحت
تصرّف علي بن أبي طالب عليه السلام، وضعها
الامام علي تحت تصرّف الامام الحسن، وهو
بدوره وضعها تحت تصرّف الامام الحسين عليهما
السلام، وبهذه الطريقة كانت تحت تصرّف
الائمّة واحداً واحداً. وكان كلّ إمام يروي
أحاديثه عن آبائه حتّى تصل إلى الرسول الكريم
صلّى اللّه عليه وآله، وقد صرّح أئمّة أهل
البيت أنفسهم بذلك، مثلاً:

عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يا جابر
إنّا لو كنّا نحدّثكم برأينا لكنّا من
الهالكين، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كما يكنز
هؤلاء ذهبهم وفضّتهم»([44]).

وعن داود بن أبي يزيد الاحول عن أبي
عبداللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إنّا
لو كنّا نفتي النّاس برأينا وهوانا لكنّا من
الهالكين، لكنّها آثار من رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وآله، أصل علم نتوارثها كابراً عن
كابر، نكنزها كما يكنز النّاس ذهبهم وفضّتهم»([45]).

وعن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان
وغيرهما قالوا: سمعنا أبا عبداللّه عليه
السلام يقول: «حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث
جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين
حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين،
وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وآله وحديث رسول اللّه قول الله
عزّ وجلّ»([46]).

عن جابر قال: قلت لابي جعفر عليه
السلام: إذا حدّثتني بحديث فأسنده لي، فقال
عليه السلام: «حَدَّثَني أبي عن جدي رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن جبرئيل عن
اللّه عزّ وجلّ، وكلّ ما اُحدّثك بهذا
الاسناد». ثمّ قال: «يا جابر لَحديثٌ واحد
تأخذه عن صادق خير من الدّنيا وما فيها»([47]).

خلاصة الكلام


نستخلص من مجموع الاحاديث السّابقة ما
يلي:

1 ـ عَلَّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله علي بن أبي طالب عليه السلام جميع العلوم
والمعارف والاحكام والقوانين الدينيّة
تدريجيّاً طوال فترة نبوّته وذلك وفق برنامج
دقيق ومدروس. وقد بذل أقصى جهده في تعليمه
وتربيته. وبهذه الوسيلة وفّر كافة الاحتياجات
العلميّة للمسلمين، وحفظ هذه العلوم
والمعارف الدينيّة كافّة في مكان موثوق به.

2 ـ وكذلك فإنّ الامام علي بن أبي طالب
عليه السلام ونتيجة لموهبته وكفاءته ودعاء
رسول اللّه وسعيه وجدّيته، تعلّم كافّة
العلوم والمعارف الدينيّة من الرسول صلّى
اللّه عليه وآله وحفظها، ولم ينسَ شيئاً
منها، ولهذا أصبح خزانة لعلوم النبوّة.

3 ـ كان علي بن أبي طالب عليه السلام
يحفظ علوم النبوّة بطريقتين:

أ ـ يحفظها شفهيّاً. ب ـ يدوّنها
بتكليف من الرسول الكريم في كتاب أو كتب تبقى
لاهل البيت كافّة، أي الائمّة من بعده.

4 ـ وهكذا فإنّ الامام عليّاً عليه
السلام وضع علومه بكلتا الطريقتين تحت تصرّف
الامام الّذي يليه أي الامام الحسن، أي انّه
علَّم الامام الحسن أحاديث الرسول الاكرم
شفويّاً، ووضع الكتب تحت تصرّفه، وأوصاه بأن
يضع هذه العلوم بنفس الطريقة تحت تصرّف
الامام الّذي يليه.

5 ـ عندما قام رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله بتسجيل وتنفيذ هذه الخطّة كان هدفه
أن يسجّل ويحفظ العلوم والمعارف الصّحيحة
للاسلام في مكان أمين، بعيداً عن متناول
الاحداث.

6 ـ ومع إبلاغ أحاديث الثقلين،
والسفينة، والمودّة في القربى، وعلي مع
القرآن والقرآن مع علي، وآية التّطهير،
وأحاديث اُخرى، أُعدّت الارضيّة لكي يقوم
الرّسول الكريم بتزكية أهل البيت للناس
بصفتهم المرجع العلمي المهم والموثوق به أعلى
درجات الوثوق. وقد أوصى عليه الصلاة والسلام
في مناسبات مختلفة وعبارات متنوّعة الناس أن
يأخذوا العلوم والمعارف الّتي يحتاجونها عن
هذا الطريق.

فلو أنّ المسلمين كانوا قد اعترفوا
بالمرجعيّة العلميّة للامام علي عليه السلام
وأهل البيت بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه
وآله أو لو أنـّهم كانوا على الاقل رجعوا إلى
هذه العترة للحصول على العلوم، لاصبحت
الحقائق والمعارف الصّحيحة والحيويّة
للاسلام بين أيديهم، ولبقوا مُصونين من
اختلاف وتشتّت المذاهب، ولكانوا باستخدامهم
لهذه العلوم أضاؤوا الدّنيا ولفتوا انتباه
العالم نحوهم، ولاصبح الوضع في العالم غير
الذي نراه الان.

ولكن لم يحصل هذا، ولذلك ابتعد
المسلمون عن مرجعيّة أهل البيت تدريجيّاً،
ولم يستفيدوا جيّداً من هذا المنبع الغني
والموثوق به في تعلّمهم الاحكام والعلوم
الدينيّة، ولاجل توفير احتياجاتهم العلميّة
تشتّتوا هنا وهناك، وفي بعض الاحيان سقطوا في
حبائل خونة الدّين ومزوّري الاحاديث.

وهذه من أكثر الضّربات المؤلمة الّتي
اُصيب بها الاسلام الفتيّ. ولكن هذه المؤامرة
بالطبع لم تقع دفعة واحدة بل حدثت تدريجيّاً;
ففي بداية الاسلام وبعد وفاة الرّسول الكريم
كان المسلمون يرجعون إلى الامام علي عليه
السلام لتأمين احتياجاتهم العلميّة، وكانوا
يستفيدون من آرائه في الفتوى والقضاء، وكان
الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب يرجع باستمرار
إلى الامام علي عليه السلام في حلّ المعضلات
الدينيّة، وكان يستفيد من آرائه. وعلى سبيل
المثال:

قال ابن عباس: إذا حدّثنا ثقة عن علي
بفتيا لا نعدوها([48]).

عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطّاب:
علي أقضانا([49]).

عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمر
يتعوّذ باللّه من معضلة ليس فيها أبو الحسن([50]).

عن اُذينة العبدي قال: أتيت عمراً
فسألته من أين أعتمر؟ فقال إئتِ عليّاً
فاسأله([51]).

وعن عائشة رضي اللّه عنها وقد سئلت عن
المسح على الخفّين فقالت: إئتِ عليّاً فاسأله5([52]).

وعن أبي سعيد الخدري أنـّه سمع عمر
يقول لعلي وقد سأله عن شيء فأجابه: أعوذ
باللّه أن أعيش في يوم لستَ فيه يا أبا الحسن([53]).

وخلال خلافة الخلفاء الراشدين كان
الاهتمام أوفر بالمرجعيّة العلميّة لعلي بن
أبي طالب عليه السلام، وكان صحابة رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله أبو بكر وابن عباس وأبو
سعيد الخدري وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري
يستفيدون من آراء الامام علي عليه السلام في
المسائل الفقهية والموضوعات القضائيّة،
وكانوا يدركون مكانته العلميّة ولا يأبون
الرجوع إليه. وفي تلك المرحلة الّتي لم تكن
فيها الخلافة الاسلامية قد تبدّلت إلى حكومة
ملكيّة، كان التركيز على الاستفادة من الوحي
والقوانين السماوية، أكثر من غيرها، وكان
هناك عدد كبير من صحابة رسول اللّه يعلمون
المكانة العلميّة والفضائل والمعارف
الذاتيّة لعلي بن أبي طالب، وكانوايتذكّرون
ما سمعوه من رسول اللّه مرّات متعدّدة وهو
يوصي أتباعه بالاستفادة من علومه، وبالتالي
فإنّ الجوّ السّائد لم يكن يسمح بإنكار
الفضائل والمعارف الذاتيّة والمكانة
العلميّة لعلي بن أبي طالب، و إهمال كلّ
توصيات رسول اللّه و إخراج الامام علي من
الواجهة السياسيّة والاجتماعيّة والمرجعيّة
دفعةً واحدة، ولهذه الاسباب كانت مرجعيّته
إلى حد ما تؤخذ بنظر الاعتبار، رغم إبعاده عن
الواجهة السياسيّة، وكان الصحابة يستفيدون
من علومه بنحو ما.

وبلغ المصاب الاليم في ابتعاد
المسلمين عن علوم أهل البيت ذروته في الفترة
الّتي تبدّلت فيها الخلافة الاسلامية إلى
حكومة ملكيّة، وأصبح في رأس الحكومة
الاسلامية أشخاص لم يكن هدفهم إلاّ الرئاسة
وحفظ سلطتهم; ولهذا فإنّ مسألة الوحي ومراعاة
القوانين والاُصول الاسلامية وضرورة الرجوع
إلى مصادر العلوم الاسلاميّة ومعرفتها لم تكن
مهمّة لامثال هؤلاء وليست واردة عندهم.

وابتداءً من هذه المرحلة انزوى أهل
البيت تدريجيّاً وعُرِّضت مرجعيّتهم
العلميّة للنسيان، ومن المحتمل أن تكون هذه
المرحلة قد بدأت من الشام وامتدت تدريجيّاً
إلى كافّة البلاد.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو سبب
هذه القضية؟ ولماذا أُبْعِدَ أهل البيت عن
المرجعيّة؟ ومع فرض الاعتراض على خلافتهم
لماذا أُهملت ونُسيت مرجعيّتهم العلميّة؟
لماذا ابتعد المسلمون عن مرجعيّتهم رغم
التوصيات الكثيرة لرسول اللّه بخصوص أهل
البيت؟

إنّ تفسير وتحليل هذا الموضوع
والاجابة الصّحيحة عنه تحتاج إلى دراسة
تاريخيّة دقيقة وموسّعة مما لا يسمح به هذا
المجال الضيّق، ولكن نستطيع أن نقول بصورة
عامة ما يلي:

إنّ السياسات والخطط الخيانيّة
لحكّام بني أُميّة وبني العباس هي الّتي
أوصدت الباب على أهل البيت، وحرمت المسلمين
من هذا المنبع الغني لعلوم النبوّة، لانّ
هؤلاء الحكّام كانوا يعتبرون ظهور أهل البيت
ـ بصفتهم مرجعاً علميّاً للمسلمين ـ خطراً
يهدد حكومتهم، وذلك للسّببين التاليين.

أوّلاً: إنّ أهل البيت كانوا ينشرون
السيرة والاحكام الصّحيحة للاسلام، و إنّ
نشر مثل هذه العلوم لم يكن بصالح الحكّام،
ممّا كان يُهدّد حريّتهم فيما يعملون، في
الوقت الّذي كان هؤلاء الحكّام يرغبون في أن
يحكموا كما يحلو لهم، لا بموجب تعاليم
وقوانين الاسلام.

ثانياً: إذا كانت المرجعيّة العلميّة
لاهل البيت باقية ومحفوظة، فإنّه سوف تزداد
شعبيّتهم ومكانتهم بين النّاس، وهذا هو الشيء
الّذي كان يرعب الحكّام ويجعلهم يشعرون
بالخطر على حكمهم، لانـّهم كانوا يعتبرون أهل
البيت منافسين لهم، وكانوا يعتبرون شهرتهم
وشعبيتهم العامّة خطراً جدّياً عليهم.

ولهذه الاسباب كانوا يسعون لابعاد أهل
البيت عن المرجعيّة العلميّة والشعبيّة
والدينيّة والاجتماعيّة كما أبعدوهم عن
الواجهة السياسيّة.

ونستطيع القول بأنّ مرجعيّة أهل البيت
أصبحت ضحيّة لامامتهم وزعامتهم.

إنّ خلفاء بني أُميّة وبني العباس
لم يتورّعوا عن القيام بأيّة جريمة كانت
لانجاح هذه المؤامرة الخطرة، فقد سجنوا
وعذّبوا وقتلوا وعملوا المذابح لاهل البيت
وشيعتهم المقرّبين، واتّهموهم وزوّروا
أحاديثهم، ومنعوا من زيارتهم أو نقل أحاديثهم.
إنّ هذا الضغط والشدّة كانا يطبّقان بصورة
كاملة في زمن الامام الحسن والامام الحسين
والامام السجّاد، وفي هذه المرحلة حدثت
الفجوة بين المسلمين والمرجعيّة العلميّة
لاهل البيت واستمرّت بعد ذلك.

وقد كانت مضايقة أهل البيت وحصارهم
أقلّ في أيـّام الامام محمّد الباقر عليه
السلام، وكان بإمكان أتباعهم أن يستفيدوا من
تراث وعلوم النبوّة بشكل ما، ولكن مع الاسف
فإنّ مؤامرات وخطط الاعداء كانت قد فعلت
فعلها وخلقت الفجوة بين عامّة المسلمين وأهل
البيت، ولهذا السّبب لم تُعطَ الاهميّة
لمرجعيّة أهل البيت وضرورة الاستفادة منها،
ولم يوجد الاشخاص الّذين يشعرون بذلك بصورة
جيّدة. وبالاضافة إلى ذلك فإنّ صحابة رسول
اللّه المخلصين الّذين كانوا يعرفون الفضائل
والخصال الذاتيّة والمرجعيّة العلميّة لاهل
البيت وتوصيات النبيّ صلّى اللّه عليه وآله
كانوا قد انقرضوا.

وبهذا فقد نفّذ الحكّام الغاصبون
خطّتهم الخطرة، وقد انزوى بذلك أهل البيت عن
المرجعيّة العلميّة، ووقعت هذه الضربة
الموجعة للاسلام.

وبالطبع هناك أقليّة من المسلمين
تحمّلت كافّة المضايقات والضغوط وثبتت على
موقفها في حبّها لاهل البيت واتّباعها لهم
وهم الشيعة الاماميّة الّذين استطاعوا في ذلك
الجوّ المرعب المخيف، أن يستفيدوا من
المرجعيّة العلميّة لاهل البيت قدر الامكان،
كما أنـّه توجد في كتب السنّة أحاديث عن أهل
البيت، ولكن ليست هي كلّ علوم أهل البيت. وكما
قلت من قبل انّه لو كان قد حدث الاهتمام
بمرجعيّة أهل البيت بصورة عامّة لتغيّر وجه
العالم الاسلامي، ولاصبح غير هذا العالم
الّذي نحن فيه. ونحن على أمل أن يرجع العالم
الاسلامي إلى نفسه وأن يرجع إلى الطريق الذي
حدّده له رسول اللّه ويلتزم بالمرجعيّة
العلميّة والفقهيّة لاهل البيت ويتخلّص من
التفرقة والاختلاف.



([1])
النجم: 3 ـ 5 .

([2])
صحيح مسلم 4 : 1873.

([3])
المستدرك على الصحيحين 3 : 109.

([4])
أنساب الاشراف 2 : 110.

([5])
اُسد الغابة 2 : 12.

([6])
مجمع الزوائد 9 : 162.

([7])
تاريخ بغداد 8 : 442.

([8])
مسند أحمد 3 : 59.

([9])
ينابيع المودة: 41.

([10])
الصواعق المحرقة: 150.

([11])
غاية المرام: 211 ـ 234.

([12])
الصواعق المحرقة: 151.

([13])
صحيح مسلم 4 : 1874.

([14])
الصواعق المحرقة: 151.

([15])
المستدرك 3 : 146.

([16])
المستدرك 3 : 146.

([17])
اُسد الغابة: 2 : 12.

([18])
المستدرك 3 : 150.

([19])
صحيح مسلم 4 : 1883.

([20])
جامع أحاديث الشيعة: 1 : 49.

([21])
فرائد السمطين 2 : 133.

([22])
مجمع الزوائد 9 : 68.

([23])
مناقب الخوارزمي: 199.

([24])
مناقب الخوارزمي: 199.

([25])
مناقب الخوارزمي: 199.

([26])
ينابيع المودة: 79.

([27])
نهج البلاغة: الخطبة 187.

([28])
طبقات ابن سعد: 2 : 338. وأنساب الاشراف 2 : 98.

([29])
الكافي 1 : 64.

([30])
الطبقات الكبرى 2 : 348.

([31])
ذخائر العقبى: 78.

([32])
مناقب الخوارزمي: 40، ومستدرك الحاكم 3 : 127.

([33])
ينابيع المودة: 82 .

([34])
المصدر: 81 .

([35])
فرائد السمطين 1 : 94.

([36])
المصدر.

([37])
المستدرك 3 : 122.

([38])
مناقب الخوارزمي: 309.

([39])
ينابيع المودة: 22.

([40])
بصائر الدرجات: 147.

([41])
جامع أحاديث الشيعة 1 : 9.

([42])
جامع أحاديث الشيعة 1 : 9.

([43])
المصدر.

([44])
جامع أحاديث الشيعة 1 : 14.

([45])
جامع أحاديث الشيعة 1 : 14.

([46])
جامع أحاديث الشيعة 1 : 12.

([47])
المصدر: 13.

([48])
طبقات ابن سعد 2 : 338.

([49])
المصدر: 349.

([50])
المصدر.

([51])
دخائر العقبى: 79.

([52])
المصدر.

([53])
المصدر: 82 .

/ 1